JustPaste.it

{ تلخيص الفتوى الحموية }

لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله 

تغريدات ا.د لطف الله خوجة 

‏أول ما نقول في هذا الكتاب: أنه أقض مضاجع الأشعرية المتعصبة، دون الباحثة عن الحقيقة، ولايزال، فلم يؤلف مثله في كشف انحراف منهجهم في الصفات.

‏فقد حوى مع وجازته، قضايا ناقضة لفكرة تأويل الصفات وتفويض معناها، بالاستناد ل:دلالة النص، وموقف السلف، ومتقدمي الأشعرية، ومنهم الأشعري نفسه.

‏كما بين تناقضهم، وفساد العقل منهم، الذي يتبجحون ويتطاولون به على السنة، وعدم إيمانهم بالنص على الوجه الذي نزل.

‏وقد بين أن موردهم في النفي والتأويل هو الميراث: الفلسفي، والصابئي، واليهودي، والنصراني. فعنها أخذوا عقيدتهم في الصفات، لا عن الوحي والسلف.

‏فقد ركبوا أخطاء أربعة:
- تحريف دلالة النص الظاهرة.
- الإعراض عن اتباع السلف.
- مخالفة أئمتهم الأوائل كالأشعري.
- استقاء مذهبهم من الفلاسفة.

‏عرض كل ذلك في الكتاب مفصلا بالبرهان، بما لا يمكن دفعه، أو تكذيبه، فلم يجدوا وسيلة لرده إلا السعي بالوشاية والتضليل لابن تيمية في عقيدته.

‏وأوغروا صدور الفقهاء عليه، فتجاوب معهم قاضي الحنفية، وكادت الفتنة أن تقع لولا نصرة الأمير سيف الدين جاغان للشيخ.

‏ثم وقعت المدارسة للكتاب مع قاضي الشافعية، الذي وافقه على ما فيه، وقال: "من آذى الشيخ يعزر". وكان من المعترضين الشيخ السروجي بمصر.

‏فكتب الشيخ "جواب الاعتراضات المصرية"، في نحو أربع مجلدات، لم يوجد منها إلا قطعة، حققها: محمد عزير شمس. وقبل ذلك ألف ابن جهبل كتابا يرد به.

‏والحموية منها الصغرى، وهي التي كتبها أولا، وقد نشرها د. عبدالقادر الغامدي، وأضاف الكبرى التي رجح كتابتها مرتين، وفيها زيادة نقولات، وأشياء.

‏والصغرى كتبها جوابا على سؤال ورده من حماه، عن الصفات، سنة ٦٩٨، وعمره ٣٧ سنة. وفي ألفاظها من يدل على إحاطته بمذهب السلف في هذه السن المبكرة.

‏بعد هذا، نلج في موضوعات الكتاب، وهي أربعة أقسام:
١- مقارنة بين منهج السلف والمتكلمة.
٢- أقوال السلف.
٣- شبهات.
٤- أقسام الناس في الصفات.

‏في المقارنة:
عقدها ممتزجة متداخلة؛ يبين مزايا فقه السلف مع الاستدلال، ثم يتبعها بمذهب المتكلمة بأدلتهم، في مقابلة بينة؛ ليظهر فضل علم السلف.

‏ففي جوابه على السؤال، بدأ ببيان طريقة السلف في معرفة الحق في أمور الدين، وهو:
- الرجوع إلى قول الله، ورسوله، والصحابة، ومن اتبعهم بإحسان.

‏والعلة:
- أنه محال أن يترك باب الإيمان والعلم بالله ملتبسا، وغرضه إخراجهم من الظلمات.
- أن معرفة الله أساس الدين والهداية، فكيف لايحكم فيه.

‏- وإذا كان قد علمهم ما دقّ من الدين، فكيف لا يعلمهم ما يقولونه بألسنتهم، ويعتقدونه بقلوبهم في أسماء الله وصفاته، وهو أشرف المقاصد؟

‏أما علة الرجوع للسلف، فلأمور:
١- فضلهم في الدين.
٢- امتناع الجهل عليهم مع هذا الفضل.
٣- امتناع ردهم للحق.
٤- امتناع تقدم الخلف عليهم بالعلم.

‏وبه يبطل قول المتكلمة: "طريقة السلف أسلم، وطريقة الخلف أحكم" وإنما أتوا من حيث ظنوا أن طريقة السلف: مجرد الإيمان بألفاظ النصوص من غير فقه.

‏وأن طريقة الخلف: استخراج معاني النصوص المصروفة عن حقائقها بأنواع المجازات، وغرائب اللغات. فهذا ظن أوجب الضلال عن حقيقة الإسلام وطريقة السلف.

‏وقد قسا الشيخ -ههنا- على المتكلمة بجمل أسهمت قطعا في التغيظ منه، والسعي في إيذائه، مثل قوله: فهذا الظن الفاسد[طريقة السلف مجرد إيمان بألفاظ]

‏أوجب تلك المقالة [طريقة الخلف أحكم] التي مضمونها:نبذ الإسلام وراء الظهر، وقد كذبوا على طريقة السلف، وضلوا في تصويب طريقة الخلف".

‏وقوله:"بالشبهات الفاسدة التي شاركوا فيها إخوانهم من الكافرين".
وقوله:"فصار هذا الباطل [نفي الصفات] مركبا من فساد العقل والكفر بالسمع..

‏فإن النفي إنما اعتمدوا فيه على أمور عقلية سموها بينات، وهي شبهات. والسمع حرفوا فيه الكلم عن مواضعه".

‏وفساد العقل والكفر بالسمع - تعبيره - انبنى عليه: استجهال السلف، واستبلاههم، واعتقاد أنهم أمييون صالحون، لم يتبحروا في الحقائق.

‏وهذا حال من جهل حقيقة السلف وتراثهم، فهم إما لم يقفوا عليه، وهذا حال كثير منهم ممن صدق، أو عرفوه فكرهوه وأعرضوا عنه؛ لتعصبهم وفساد ملتهم.

‏أما السلف فقد جمعوا بين الإيمان والعلم، وكملوا فيهما، فهم ورثة الأنبياء، والمتكلمة ورثة الفلاسفة، وعندهم من المعقولات كما المنقولات.

‏قال الشيخ:"واعلم أنه ليس في العقل الصريح، ولا النقل الصحيح ما يوجب مخالفة الطريقة السلفية أصلا".

‏فإذا تقرر: وجوب الرجوع لكلام الله ورسوله، وقول السلف. فان النصوص دلت على: "أن يوصف الله بما وصف به نفسه، أو وصفه به رسوله، وبما وصفه به..

‏..السابقون الأولون، لا يتجاوز القرآن والحديث". كما نص أحمد، "ومذهب السلف: أنهم يصفون الله بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسوله، من غير..

‏.. تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل. وأن ما وصف الله به نفسه من ذلك، ليس فيه لغز ولا أحاجيّ، بل يعرف معناه من حيث يعرف مقصود..

‏المتكلم بكلامه، لا سيما إذا كان المتكلم أعلم الخلق بما يقول، وأفصح الخلق في بيان العلم، وأنصح الخلق.. وهو سبحانه مع ذلك: ليس كمثله شيء..

‏.. لافي نفسه المقدسة المذكورة بأسمائه وصفاته، ولا في أفعاله". ويضع ههنا قاعدة مهمة في الصفات، جرى عليها السلف قديما وذكروها وأثبتوها، هي:

‏"كما نتيقن أن الله سبحانه له ذات حقيقة، وله أفعال حقيقة، فكذلك له صفات حقيقة، وهو ليس كمثله شيء، لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله".

‏"وكل ما أوجب نقصا أو حدوثا، فإن الله منزه عنه حقيقة، فإن الله مستحق للكمال الذي لا غاية فوقه". تلك هي قاعدة الصفات في النصوص.

‏"وإذا كان كذلك، فهذا كتاب الله من أوله إلى آخره، وسنة رسول الله من أولها إلى آخرها، ثم عامة الصحابة والتابعين لهم بإحسان، ثم كلام سائر..

‏..الإئمة مملوء بما هو إما نص[محكم] وإما ظاهر[راجح متبادر للذهن]، في أن الله فوق كل شيء، وعليّ على كل شيء، وأنه فوق العرش، وأنه فوق السماء".

‏وهو هنا يضرب مثلا على صفة من الصفات، هو: العلو. كيف شاعت نصوصها في المصدرين على نمط واحد: نص محكم، أو ظاهر متبادر للذهن راجح. وكذا سائرها.

‏وليس في الكتاب والسنة، ولا أحد من الصحابة، ولاالتابعين، ولاالأئمة الذين أدركوا زمن الأهواء والاختلاف: حرف واحد يخالف ذلك، لا نصا ولا ظاهرا.

‏وأنه لم يقل أحد ممن سلف: أن الله ليس في السماء، والعرش، ولا أنه في كل مكان، ولا أن جميع الأمكنة إليه سواء، وغيرها من جمل المتكلمة. كذا قال.

‏فلو كان حقا ما يقوله نفاة الصفات؛ من وجوب صرف معاني الصفات عن ظواهرها، وأن الأخذ بالظواهر كفر:"كيف يجوز على الله ثم على رسوله، ثم خير الأمة.

‏أنهم يتكلمون دائما بما هو نص أو ظاهر في خلاف الحق، ثم الحق الذي يجب اعتقاده [النفي والتأويل وفق قول المتكلمة] لا يبوحون به قط، ولا يدلون ..

‏عليه قط، لا نصا، ولا ظاهرا، حتى يجيء أسباط الفرس والروم، وفروخ اليهود والفلاسفة يبينون للأمة العقيدة الصحيحة التي على كل مكلف؟!".

‏قال:"لقد كان ترك الناس بلا كتاب ولا سنة، أهدى لهم وأنفع على هذا التقدير، بل كان وجود الكتاب والسنة ضررا محضا في أصل الدين"؛أي بحسب المتكلمة.

‏تلك جمل قاسية على الأشعرية، لم يدارهم أو يتلطف بهم، بل صارحهم بأشد الكلام، وقد أحدثت صدمة كبيرة، أورثته عداوة المتعصبة منهم إلى يوم الدين.

‏ثم يختم مبينا حقيقة قولهم:
لاتطلبوا معرفة الله وصفاته لا من كتاب وسنة ولا من سلف، ولكن ما وجدتموه مستحقا له في عقولكم فصفوه به، وإلا فلا.

‏وفي آخر الاحتجاج لمذهب السلف، يبين أن النبي اجتمع في حقه: كمال العلم، والقدرة، والإرادة. وذلك دال على: كمال البيان والفعل. فبلاغه مبين.

‏وعليه: فإن ما بينه من أمر الإيمان بالله وصفاته، فقد أتمه، وهو مطابق لعلمه، وهو ما فهمه السلف لكمالهم، وليس فيه أي شيء من كلام وفهم المتكلمة.

‏ولازلنا في المقارنة؛ فبعد أن بين الشيخ منهج السلف في الصفات، جاء دور المتكلمة من الأشعرية، وأساتذتهم من: فلاسفة، ومعتزلة. حيث إنهم اتبعوا..

‏طرائق ثلاث في الصفات:
- التخييل، وهذا للفلاسفة.
- والتأويل، وهذا للمعتزلة وللأشعرية أيضا.
- والتفويض، سماه ب: التجهيل. وهذا للأشعرية خاصة.

‏وليس في طريقة السلف شيء من هذه الطرق ألبتة؛ فأما تخييل الفلاسفة، فإنهم زعموا: أن الأمر بالإيمان بالله واليوم الآخر، تخييل ومثال ليؤمن به الجمهور..

‏لا أنه حق في نفسه. قال بعضهم: إن الرسول لم يعلم الحقائق، وعلمها الفيلسوف. هم باطنية الشيعة والصوفية. وقال آخر: علمها وكتمها لمصلحة الجمهور.

‏يقولون: يجب على النبي دعوة العامة للأخذ بالظواهر، مما فيه تجسيم، وإثبات للمعاد الجسماني، فهم لا يؤمنون إلا بهذا، أما الخاصة فلهم الحقائق.

‏وهذه طريقة الباطنية والإسماعيلية. والفلاسفة أيضا.

‏وأما أهل التأويل فيقولون: إن نصوص الصفات لا يراد بها الباطل، لكن لم تبين معانيها، وأريد منا النظر والاجتهاد في صرفها عن ظواهرها ومدلولاتها.

‏وهذا قول المتكلمة الجهمية، والمعتزلة، كذا الأشعرية قطعا، وهؤلاء هم الذين قصدهم الشيخ بالرد في هذه الفتيا؛ لأنهم تظاهروا بنصر السنة، وهم:

‏"وهم في حقيقة الأمر: لا للإسلام نصروا، لا للفلاسفة كسروا".

‏وفلاسفة الملاحدة ألزموهم في نصوص المعاد من التأويل، نظير ما ادعوه في نصوص الصفات.

‏ومن الحجة: أن المشركين ناظروا في المعاد بخلاف الصفات، فلم ينكروا شيئا منها، فهذه حجة على أن إثباتها بظواهرها ليس فيه تشبيه، فليس فيهم مشبهة.

‏كذلك التوراة مملوءة بإثبات الصفات لله، فلو كان باطلا مما حرف وبدل، لكان إنكاره عليهم أولى، لا أن يضحك من حكايتهم لصفة الأصابع تعجبا وتصديقا.

‏"ولم يعبهم قط بما يعيب به النفاة لأهل الإثبات، مثل لفظ: التجسيم، والتشبيه ونحو ذلك. بل عابهم بقولهم:(يد الله مغلولة)". أثبتوا اليد بلا تأويل

‏وللسلف نحوا من هذه الحجة، قوله عن عباد العجل:(ألم يروا أنه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا). فلم يحتجوا بأن الله لا يتكلم. وهذا رد على المعتزلة.

‏أما أهل التجهيل، فزعموا: "أن الرسول لم يكن يعرف معاني ما أنزل الله عليه من آيات الصفات، ولاجبريل، ولا السابقون الأولون". وهم: منتسبون للسنة.

‏وينبه هنا، إلى أن هذا لازم قولهم، وإلا فلا يجرء مسلم أن يدعي دعوى كهذه، فبطلانها ظاهر، فإن الرسول أعلم الناس بما نزل عليه من الله تعالى.

‏لكن من يقول بتفويض المعنى؛ أهل التجهيل، فمقتضى كلامه: أن السامع لنصوص الصفات لايفهم لها معنى، فتستوي عنده صفة اليد والوجه..إلخ. لافرق بينها.

‏فيحتج عليه بالقول: هل الرسول علم؟
فإما يقول: علم. فيلزمه أنه بلغ، وإلا كان كأهل التخييل، أو يقول: ما علم. فيطرد في حجته، لكن يقع في المحظور.

‏وأهل التأويل اعتقدوا نفي الصفات ابتداء، ثم ترددوا بين الإيمان باللفظ وتفويض المعنى، أو صرف اللفظ إلى معان أخر"فصار هذا الباطل مركبا من:..

‏..فساد العقل، والكفر بالسمع؛ فإن النفي اعتمدوا فيه على أمور عقلية، سموها بينات، وهي شبهات. والسمع حرفوا فيه الكلم عن مواضعه".

‏وهكذا أغلقوا عن أنفسهم باب الأخذ بالنصوص والتسليم لها؛ فحقيقة قولهم: طلب المعرفة الدينية من العقل، أما النصوص فلها التأويل أو التفويض.

‏وإذ فعلوا ذلك، فقد بقيت طريق هداية أخرى، هي: الاقتداء بمن سلف. لكنهم أغلقوا بابهم إليهم؛ بظنهم فيهم ظن سوء: أنهم صلحاء لكن جهلة بالمعقول!

‏ومن عجبٍ استجهالهم للسلف مع بالغ حيرة حذاقهم، وإقرارهم بعدم جدوى علم الكلام، فهذا الشهرستاني يقول في "نهاية الإقدام في علم الكلام"..

‏لعمري لقد طوّفت المعاهد كلها
وسيرت طرفي بين تلك المعالم
فلم أر إلا واضعا كف حائر
على ذقن أو قارعا سن نادم
يعني المعاهد الكلامية!

‏والرازي يقول:
نهاية إقدام العقول عقال
وأكثر سعي العالمين ضلال
وأرواحنا في وحشة من جسومنا
وغاية دنيانا أذى ووبال
ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا

‏سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا
لقد تأملت الطرق الكلامية، والمناهج الفلسفية، فما رأيتها تشفي عليلا، ولاتروي غليلا، ورأيت أقرب الطرق طريقة القرآن

‏الجويني: لقد خضت البحر الخضم، وتركت أهل الإسلام وعلومهم، وخضت في الذي نهوني عنه، والآن إن لم يتداركني ربي برحمته، فالويل لابن الجويني.

‏الغزالي:"أكثر الناس شكا عند الموت أصحاب الكلام". وتحذير من الاعتماد على العقل في المنقذ من الضلال، ونهي مشفق عن علم الكلام في قواعد العقائد.

‏فهؤلاء حذاق الأشعرية المنصفون يشهدون على علم الكلام: أنه مضل، ولا يهدي إلى حق وصلاح. فلا يعمى عنهم إلا صاحب هوى متعصب، أو ضعيف العقل متردد!

‏واتهام السلف بالجهل بالمعقولات لايكون إلا من ذي غرض أو عمى، فأين هم من:
- الرد على الجهمية لأحمد.
- خلق أفعال العباد للبخاري.

‏- الحيدة لعبدالعزيز الكناني.
- رد الدارمي على بشر المريسي.
- تأويل مختلف الحديث للدينوري.
وقد ملأت بالمعقولات، وقد سبقوا بها المبتدعة كافة.

‏هذا، وإنهم في الظاهر يتبعون العقل الفاسد، وفي الحقيقة هم مقلدون للفلاسفة، فكل ما عندهم مستقى من هؤلاء المشركين الضلال الذين لم يهتدوا بنبوة.

‏قال الشيخ:"عامة هذه الشبهات؛ التي يسمونها دلائل، إنما تقلدوا أكثرها عن طاغوت من طواغيت المشركين، أو الصابئين". وقد كرره لمرات في كتابه هذا.

‏فهم وإن انتسبوا للعقل، وادعوا أنهم أهله، إلا أن الحقيقة أنهم تبع، لم يأتوا بجديد، لا في القول، ولا في علته، استنسخوا ما كان الأوائل يرددونه!

‏فأول من حفظ عنه التأويل:الجعد بن درهم، قال:إن الله لم يتخذ إبراهيم خليلا، ولم يكلم موسى تكليما، وأخذ عنه الجهم بن صفوان، ونسبت الجهمية إليه.

‏والجعد أخذ عن بيان سمعان التميمي الشيعي الغالي الحلولي المشبه، وهو عن طالوت ابن أخت لبيد بن الأعصم، وهو عن لبيد اليهودي الذي سحر النبي.

‏فسلسلة المقالة متصلة بيهود، وقيل إن الجعد من أهل حران، وفيهم الصابئة والفلاسفة، ومذهبهم في الرب:أنه ليس له إلا صفات سلبية. بعث فيهم إبراهيم.

‏والجهم ناظر السمنية بعض فلاسفة الهند، وعنهم أخذ، ثم لما عربت كتب فلاسفة اليونان في نهاية المائة الثانية، انتشرت مقالة النفي على يد المريسي.

‏وعن غيره أيضا، فتأويلات هي بعينها التي صارت إلى: ابن فورك في "كتاب التأويلات"، والرازي في "أساس التقديس"، وهو الذي عند الجبائي والقاضي..

‏عبد الجبار الهمداني، وأبي الحسين البصري، وابن عقيل، والغزالي. كلهم ينقلون عنه وإن لم يذكروه، وهو نقله من كتب الفلاسفة.

‏قال الشيخ:" إنما يثبت عين تأويلاتهم هي عين تأويلات المريسي..ثم إذا رأى أئمة الهدى أجمعوا على ذم المرسية، وأكثرهم كفروهم أو ضللوهم..

‏.. وعلم أن هذا القول الساري من هؤلاء المتأخرين هو مذهب المرسية، تبين الهدى لمن يريد".

‏فكيف يكون أفراخ المتفلسفة، وأتباع الهند واليونان، وورثة المجوس والمشركين، وضلال اليهود والنصارى والصابئين، أعلم بالله من ورثة الأنبياء؟!

‏ثم إن الأشعرية متلاعبون بالنفي، فتارة يصرحون به، وتارة يستترون بالتفويض، الذي حقيقته: نفي. فلا فرق بين النافي والمفوض؛ إذ المفوض يثبت عدما.

‏وهم مضطربون أيضا، فـ"ليس لواحد منهم قاعدة مستمرة فيما يحيله العقل، بل منهم من يزعم أن العقل جوز أو أوجب ما يدعي الآخر: أن العقل أحاله!"

‏ويرد عليهم في التأويل بوجوه:
1- العقل لا يحيل إثبات الصفة على حقيقتها.
2-النصوص لا تحتمل التأويل.
3- تأويلاتهم بمنزلة تأويلات الباطنية.

‏قال الشيخ: "الأساطين من هؤلاء معترفون بأن العقل لا سبيل له إلى اليقين في عامة المطالب الإلهية"؛ يعني به أفلاطون وأرسطو كما في الدرء

‏والتأويل ثلاث:
1- صرف اللفظ عن الراجح إلى المرجوح لدليل يقترن به، عند المتأخرين.
وفي التدمرية، قسمان: ما كان بدليل فصحيح، ومن دونه فباطل.

‏2- بمعنى التفسير، وهو اصطلاح جمهور المفسرين وغيرهم.
3- هو الحقيقة التي يؤول إليها الكلام، وهذا هو الذي لا يعلمه إلا الله، هو الكيف المجهول.

‏بعد هذه المقارنة المطولة بين طريقة السلف في الإثبات وطريقة المتكلمة، انتقل إلى المنقولات عن السلف في هذا الباب، فبدأت بالتابعين ..

‏كعمر بن عبد العزيز.
ثم تابعي التابعين كالأوزاعي، والليث،
والثوري.
ثم أئمة الحديث كأبي عبيد وابن خزيمة وعبد الرحمن بن مهدي.

‏ثم الأربعة: أبي حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد.
والفقهاء كابن الماجشون، ومحمد بن الحسن
أهل اللغة كالأصمعي.
والنقلة عن السلف كالخطابي.

‏حتى وصل إلى أئمة التصوف، فنقل عن: يحي معاذ الرازي، والحارث المحاسبي، وعمرو بن عثمان المكي، ومحمد بن خفيف، وعبد القادر الجيلاني.

‏ثم نقل عن الأشعري، والباقلاني، والجويني، ومن تولاهم كالبيهقي،وقال: "وليعلم السائل أن الغرض من هذا الجواب: ذكر بعض ألفاظ الأمة الذين نقلوا ..

‏مذهب السلف في هذا الباب،وليس كل من ذكرنا شيئا من قوله من المتكلمين وغيرهم يقول بجميع ما نقلوه في هذا وغيره،ولكن الحق يقبل من كل من تكلم به".

‏فقد نقل عن طوائف عدة من أهل السنة، من أهل الفنون: التفسير، والحديث، والفقه، واللغة، والعباد. كذلك عن الفرق الأخرى: الصوفية، والأشعرية. في..

‏صفة العلو، والاستواء على العرش على حقيقتها خلافا للمتكلمة، مبينا للأشعرية مخالفتهم التامة لمن سلف من أئمة الاحتجاح، بل ومخالفتهم لأئمتهم!

‏وربما كان هذا سببا من أسباب تحامل الأشعرية ضده؛ إذ عز عليهم إظهار مخالفتهم لإمامهم الأشعري نفسه في مسائل الأصلية، وحذاقهم الباقلاني والجويني

‏‏على أنهم بدل أن يرجعوا إلى طريقة هؤلاء الأئمة، والإفادة من تجاربهم ووصاياهم، نحو منحى أشد تعصبا وانحرافا، وافتعلوا تأويلات لتلك الوصايا..

‏كالتأويلات التي افتعلوها للنصوص ا لمقدسة، فمن سهل عليه تحريف الكلام المقدس، فليس عسيرا عليه تحريف كلام البشر!

‏وقد أطال النقل عن المحاسبي من كتابه "فهم القرآن" وفيه كلام متين متفق للسلف، ومن ابن خفيف نقل كتابه "اعتقاد التوحيد بإثبات الأسماء والصفات".

‏وهكذا استغرق نقله هذا ثلثي الكتاب، بعد المقارنة، فلم يبق منه بعد ذلك إلا في شيء من شبهاتهم في العلو والمعية والاستواء على العرش..

‏وكان جملة من نقل عنهم: اثنين وأربعين إماما في مختلف الفنون والاتجاهات. كل واحد منهم يعرف فضله وعلمه ورسوخه، وأكثرهم من قرون الاحتجاج.

‏وقد نقل مما نقل عن الخطابي في كتابه "الغنية" القاعدة التي اعتمد عليها في التدمرية لنقض كلام النفاة: "الأصل أن الكلام في الصفات فرع عن الكلام

‏في الذات، ويحتذى حذوه ومثاله، فإذا كان معلوما أن إثبات الباري سبحانه إنما هو إثبات وجود لا إثبات كيفية..

‏.. فكذلك إثبات صفاته، إنما هو إثبات وجود لا إثبات تحديد وتكييف".

‏ومن ردوده المتينة على أهل التجهيل، في نقله عن مالك وربيعة: "الاستواء معلوم، والكيف مجهول.." قال:" ولو كان القوم آمنوا باللفظ المجرد من ..

‏..غير فهم لمعناه، على ما يليق بالله، لما قالوا: الاستواء معلوم، والكيف مجهول. ولما قالوا:: أمروها كما جاءت بلا كيف. فإن الاستواء حينئذ ..

‏لا يكون معلوما، بل مجهولا بمنزلة حروف المعجم. وأيضا، فإنه لا يحتاج إلى علم نفي الكيفية؛ إذا لم يفهم من اللفظ معنى، وإنما يحتاج إلى نفي ..

‏..علم الكيفية إذا ثبتت الصفات.. فلو كان مذهب السلف نفي الصفات في نفس الأمر، لما قالوا: بلا كيف. فقولهم: أمروها كما جاءت. تقتضي إبقاء دلالتها

‏على ما هو عليه، فإنها جاءت ألفاظه دالة على معان، فلو كانت دلالتها منتفية، لكان الواجب أن يقال: أمروها لفظها مع اعتقاد أن المفهوم منها غير  مراد"

‏ومما نقله عن ابن عبد البر قوله: "أهل السنة مجمعون على الإقرار بالصفات الواردة كلها في القرآن والسنة، والإيمان بها، وحملها على الحقيقة لا ..

‏..على المجاز، إلا أنهم لا يكيفيون شيئا منها". فلفظ "الحقيقة" مستعمل عند السلف في إثبات الصفات، ردا على أهل التجهيل، ولم يبتدعه ابن تيمية.

‏وعن الخطابي: "مذهب السلف: إثباتها وإجراؤها على ظواهرها، ونفي الكيفية والتشبيه عنها". وهذا يعارض المتكلمة في قولهم: الأخذ بالظواهر كفر!

‏والجويني يقول كذلك في "النظامية": "ذهب أئمة السلف إلى الانكفاف عن التأويل، وإجراء الظواهر على مواردها، وتفويض معانيها إلى الرب".

‏قال: "وإذا انصرم عصرهم وعصر التابعين على الإضراب عن التأويل، كان ذلك الوجه هو المتبع". شهادة إمام تبرأ من الكلام،لكن انظر تعليق الكوثري هنا!

‏بعد ذلك: تناول مسألة المعية والعلو، وما جرى حولها من شبهات، ببيان مفصل ونقض مكمل، ثم قال: "والله يعلم أني بعد البحث التام، ومطالعة ما أمكن..

‏..من كلام السلف: ما رأيت كلام أحد منهم يدل لانصا ولا ظاهرا، ولا بالقرائن على نفي الصفات الخبرية في نفس الأمر..الذي رأيته أنهم يثبتون جنسها".

‏في آخر كتابه: قسم الناس في الصفات على ستة أقسام:
- قسمان يقولان: تجرى على ظاهرها.
فمن جعل ظاهرها ما يليق به فسني، أو نفس صفات المخلوق فمشبه.

‏- قسمان يقولان: هي على خلاف ظاهرها.
فمنهم المتأول للصفة بغيرها معناها، ومنهم المفوض الذي يقول: الله أعلم بما أراد بها.

‏- قسمان يسكتون.
فأحدهما يقول: يجوز أن يكون ظاهرها ما يليق به، ويجوز ألا يكون المراد صفة لله، وهم طائفة من الفقهاء.
والآخر: يمسك على هذا كله.

‏وفي الآخر يقول: "ومن اشتبه عليه ذلك أو غيره، فليدع بما رواه مسلم عن عائشة: كان رسول الله إذا قام الليل يصلي يقول: "اللهم رب جبريل وميكائيل..

‏..وإسرافيل، فاطر السموات والأرض، علم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون: اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك..

‏..إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم". فإذا افتقر العبد إلى الله ودعاه، وأدمن النظر في كلام الله عز وجل وكلام رسوله، وكلام الصحابة والتابعين..

‏وأئمة السلف: انفتح له باب طريق الهدى. ثم إن كان قد خبر نهايات إقدام المتفلسفة والمتكلمين في هذا الباب، وعرف غالب ما يزعمون برهانا، وهو شبهة.

‏..ورأى أن غالب ما يعتمدونه يؤول إلى عدوى  لا حقيقة لها، أو شبهة مركبة من قياس فاسد، أو قضية كلية لا تصلح إلا جزئية، أو دعوى إجماع لا حقيقة له

‏.. والتمسك في المذهب والدليل بالألفاظ المشتركة، ثم إن ذلك إذا ركب بألفاظ كثيرة طويلة غريبة، فمتى لم يعرف اصطلاحهم، أوهمت الغر ما يوهمه..

‏السراب للعطشان:ازداد إيمانا وعلما بما جاء به الكتاب والسنة؛فإن الضد يظهر حسنه بضده،وكل من كان بالباطل أعلم،كان للحق أشد عظيما، وبقدره أعرف"

‏وهكذا يكشف حقيقة وطريقة المتكلمة في تناولهم للصفات وغيرها، والمنهج الذي سلكوه في: التخييل، والتأويل، والتجهيل.

‏ثم يبين مراتب الناس من علم الكلام: "فإن المتوسط من المتكلمين، فيخاف عليه ما لايخاف على من لم يدخل فيه، وعلى من قد أنهاه نهايته..

‏- فإن من لم يدخل فيه، هو في عافية.
- ومن أنهاه، فقد عرف الغاية، فما بقي يخاف من شيء آخر، فإذا ظهر له الحق، وهو عطشان إليه قبله.
- ...

‏- وأما المتوسط، فمتوهم بما يلقاه من المقالات المأخوذة تقليدا لمعظم تهويلا.
وقد قال الناس: أكثر ما يفسد الدنيا: نصف متكلم، ونصف متفقه، ونصف..

‏متطبب، ونصف نحوي. هذا يفسد الأديان، وهذا يفسد البلدان، وهذا يفسد الأبدان، وهذا يفسد اللسان.
ومن علم أن المتكلمين من المتفلسفة وغيرهم هم..

‏في الغالب في: {قول مختلف*يؤفك عنه من أفك}، يعلم الذكي منهم العاقل: أنه ليس هو فيما يقول على بصيرة، وأن حجته ليست ببينة.. ويعلم العليم..

‏..البصير أنهم وجه مستحقون ما قاله الشافعي: "حكمي في أهل الكلام: أن يضربوا بالجريد والنعال، ويطاف بهم في القبائل والعشاير، ويقال: هذا جزاء..

‏من ترك الكتاب والسنة، وأقبل على علم الكلام.
ومن وجه آخر إذا نظرت إليهم بعين القدر والحيرة مستولية عليهم، والشياطين مستحوذة علهيم: رحمتهم..

‏..ورفقت بهم، أوتوا ذكاء وما أوتوا زكاء، وأعطوا فهوما وما أعطوا علوما، وأعطوا سمعا وأبصارا وأفئدة:{فما أغنى عنهم سمع ولا أبصارهم ولا أفئدتهم}

‏وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وآله وصحبه.
تم الملخص بخط المعتمد على الله
لطف الله بن عبد العظيم خوجه
مكة التاسع جمادى الأولى سنة 1438هـ

 

 

 

كتاب الفتوى الحموية 

http://waqfeya.com/book.php?bid=11250

 

مقالات الشيخ السابقة 

الرد على الددو حول تقريره لمذهب السلف في العقيدة 

https://justpaste.it/12ici

نشاة التاويل 

https://t.co/DA0kIJTRsV

نشاة التصوف 

https://justpaste.it/12h75

قصة السنيما 

https://justpaste.it/12imd

الحجاب 

https://justpaste.it/12lbm

صفحة الشيخ في موقع صيد الفوائد ( اوصيك بها )

https://saaid.net/Doat/khojah/

 

حساب الشيخ في تويتر 

‏ (‎@LMKHOJAH)

 https://twitter.com/LMKHOJAH?s=0

 

قناة د. لطف الله خوجه تلغرام 


https://t.me/lkhojah