JustPaste.it

37uqoi_i_small.jpg

 

القول المُحتدّ

على من لم يُكفِّر المرتد

 

 

بقلم الشيخ

أبو عبد الرحمن الأثري

 

1422 ها

 

طبعة جديدة مصححة ومنقحة

 

 

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

المقدمة :

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا وقدوتنا محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم ،
أما بعد :

فلقد بلغني عن بعض الشباب إثارة بعض الشُبه والمسائل والأعذار في عدم تكفير المرتدين في هذا العصر ، والعجيب من ذلك أنهم يعرفون أن هؤلاء المرتدين وقعوا في الكفر من عدّة أبواب .

فعزمت مستعيناً بالله متوكلاً عليه أن أُبين لهم الأدلة والبراهين ليتبين لهم الحق ، والله الهادي إلى سبيل الرشاد .

وأسأل الله عز وجل أن تكون هذه الرسالة التي جمعتها من كلام أهل العلم تبياناً واضحاً لهم .

والله أسأل أن يرزقنا الإخلاص في الأقوال والأعمال وأن يثبتنا على التوحيد حتى نلقاه .

 

                                                                                

                                                                                 وكتبه :

أبو عبد الرحمن الأثري

25 / 10 / 1422 ها

 

*       *       *

  

 

 

يترددون في تكفيرهم بأربع أُمور :

 

1 - أن عندهم علماء يُفتون لهم بذلك .

2 - أنهم لا يُكفَّرون بأعيانهم ، وهذه مسألة تكفير المعين .

3 - أن الحجة لم تقم عليهم ، وهذه مسألة قيام الحجة .

4 - أنهم جهلة ، وهذه مسألة العذر بالجهل .

 

 

*       *       *

 

 

 

 

 

أما مسألة أن عندهم علماء يفتون لهم بذلك

 

فالجواب على هذه الشُبهة من وجهين :

 

أولاً :

إن كان العلماء يفتون لهم بجواز الكفر[1] فالعلماء كفار مرتدين قبل هؤلاء ، وقد أخبر الله تعالى في القرآن في غير موضع بعذاب المقلدين لأسلافهم وأن الأتباع مع متبوعيهم وأنهم يتحاجون في النار وأن الأتباع يقولون : ] ربَّنا هؤلاء أَضَلُّونا فئَاتِهِم عذاباً ضِعفاً من النار قال لكُلٍ ضعفٌ ولكِن لا
تعلمون
[  ( الأعراف : 38 ) .

وقال تعالى : ] وإذ يتحاجُّون في النار فيقولُ الضعفاءُ للذين استكبروا إنَّا كُنا لكم تبعاً فهل أنتم مُّغنون عنَّا نصيباً من النار * قال الذين استكبروا إنَّا كُلٌ فيها إنَّ الله قد حكم بين العباد  [                   ( غافر : 47 ، 48 ) .

وقال تعالى : ] ولو ترى إذ الظالمون موقُوفُون عند ربهم يرجِعُ بعضُهُم إلى بعضٍ القول يقولُ الذين استُضعِفُوا للذين استكبروا لولا أنتُم لكُنّا مؤمنين * قال الذين استكبروا للّذين استُضعِفوا أنحنُ صددناكُم عن الهُدى بعد إذ جاءكم بل كُنتُم مُجرمين * وقال الذين استُضعِفُوا للذين استكبروا بل مكرُ الليل والنهار إذ تأمروننا أن نكفُرَ باللهِ ونجعلَ لهُ أنداداً وأسرُّوا الندامة لمَّا رأوا العذابَ وجعلنا الأغلالَ في أعناق الذين كفروا هل يُجزون إلاَّ ما كانوا يعملون [  ( سبأ : 31 - 33 )

وهذا إخبار من الله وتحذير بأن المتبوعين والتابعين اشتركوا في العذاب ولم يغني عنهم تقليدهم شيئاً  ، وأصرح من هذا قوله تعالى : ] إذ تبرأ الذين اتُّبِعُوا من الذين اتَّبَعُوا ورأوا العذاب وتقطعت بِهِمُ الأسباب * وقال الذين اتَّبَعُوا لو أن لنا كرةً فنتبرأ منهم كما تبرءُوا منا كذلكَ يُريهِمُ اللهُ أعمالهُم حسراتٍ عليهم وما هُم بخارجينَ من النار [ ( البقرة : 166 ، 167 ) .

وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( من دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من اتبعه لا ينقص من أوزارهم شيئاً )) .

     وقول الله عز وجل : ] اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله والمسيح ابن مريم [ الآية

الأحبار : العلماء  ، والرهبان : العباد .

روى الترمذي وغيره عن عدي بن حاتم : أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ هذه الآية :
 ] اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله والمسيح ابن مريم [ الآية ، فقلت له : إنا لسنا نعبدهم! قال : (( أليس يُحرمون ما أحل الله فتحرمونه ، ويحلون ما حرم الله فتحلونه ؟ )) فقلت: بلى . قال : (( فتلك عبادتهم )) .

 

ثانياً :

وإن قلتم العلماء الذين عند الحكام لم يقولوا الحق وداهنوا وسكتوا ، فهم مداهنون مُلْبِسون الحق بالباطل ضالين مُضلين ، وليس لك مخرج من هذين الأمرين اللذين أحلاهما مُرّ .

ولو أن هؤلاء العلماء الذين تُدافعون عنهم أجازوا لهم عبادة الأصنام ودعاء غير الله فماذا تقولون ؟ أليسوا كُفار ؟ بلى ، فلماذا تُفرقون بين هذا الكفر وبين من يحكم بالقوانين الوضعية ومن يُعين ويُظاهر الصليبيين على إخواننا الموحدين في أفغانستان ويمنع الجهاد في سبيل الله .

ويلزمك أيضاً أن تتردد في تكفير جميع طواغيت العصر إذ ليس هُناك طاغوتاً إلاَّ وحوله سدنة من الأحبار والرهبان يزينون له الكفر والطغيان ، وهذا من أضل الضلال فيكفي الأدلة السابقة فيمن أراد الله له الحق .

علماً أن التتار الذين كفَّرهم ابن كثير ونقل الإجماع على ذلك أن معهم مفتي وقاضي وإمام ، وكذلك بنو عُبيد نصبوا القُضاة والمفتين وهم يُصلون الجمعة والجماعة وأجمع العلماء على كُفرهم وردتهم وقتالهم وأن بلادهم بلاد حرب ، والتاريخ مليء بالقصص ومع ذلك ما تردد العلماء من تكفيرهم وحولهم علماء السوء .

 

*       *       *

 

 

 

 

أما مسألة أن لا يُكفروا بأعيانهم

فهذه مسألة تكفير المُعيَّن[2]

 

قال الله عز وجل: ] ياأيُها الذين ءامنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم …  [ الآية. فأثبت سبحانه وتعالى إمكانية وقوع الردة من المؤمنين عامة ، وقال صلى الله عليه وسلم مبيناً حكم من يرتد من المسلمين : (( من بدل دينه فاقتلوه )) ، وهو حكم أوحد لايمكن إيقاعه إلا على معيَّن من الناس ، وإلا فكيف يمكن أن يُقتل جنس من قال كذا أو فعل كذا ؟! هذا قول بيّن البطلان وتعطيل لأحكام الله وحدوده .

 

فنذكر ما قاله الأئمة في مسألة تكفير المُعين :

ـ قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى :

( بسم الله الرحمن الرحيم

من محمد بن عبد الوهاب إلى أحمد بن عبد الكريم ، سلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين .

أما بعد : وصل مكتوبك ، تقرِّر المسألة التي ذكرت ، وتذكر أن عليك إشكالاً تطلب إزالته ، ثم ورد منك مراسلة ، تذكر أنك عثرت على كلام للشيخ[3] أزال عنك الإشكال ، فنسأل الله أن يهديك لدين الإسلام .

وعلى أي شيء يدل كلامه ، من أن من عبد الأوثان عبادة ، أكبر من عبادة اللاَّت والعزى ، وسبَّ دين الرسول صلى الله عليه وسلم بعدما شهد به ، مثل من سبَّ أبي جهل ، أنه لا يكفر بعينه .

بل العبارة صريحة واضحة في تكفيره مثل ابن فيروز ، وصالح ابن عبد الله ، وأمثالهما ، كفراً ظاهراً ينقل عن الملّة ، فضلاً عن غيرهما ، هذا صريح واضح في كلام ابن القيم الذي ذكرت وفي كلام الشيخ الذي أزال عنك الإشكال في كفر من عبد الوثن الذي على قبر يوسف وأمثاله ودعاهم في الشدائد والرخاء وسب دين الرسل بعد ما أقرَّ به ودان بعبادة الأوثان بعدما أقرَّ بها ……

ولم يبقى عليك إلا رتبة واحدة ، وهي : أنك تصرح مثل ابن رفيع تصريحاً بمسبة دين الأنبياء وترجع إلى عبادة العيدروس وأبي حديدة وأمثالهما ، ولكن الأمر بيد مقلب القلوب . فأول ما أنصحك به : أنك تفكر هل هذا الشرك الذي عندكم هو الشرك الذي ظهر نبيك صلى الله عليه وسلم ينهى عنه أهل مكة ؟ أم شرك أهل مكة نوع آخر أغلظ منه ؟ أم هذا أغلظ ؟ ……

  وذكرت : أن من زمن النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا لم يقتلوا أحداً ، ولم يُكفِّروه من أهل الملّة .

 

الأدلة على تكفير المُعيَّن :

ثم قال رحمه الله : أما ذكرت قول الله تعالى : ] لئِن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض [ 
( الأحزاب : 6 ) إلى قوله : ] ملعونين أينما ثُقِفوا أُخِذوا وقُتِلوا تقتيلاً [ ( الأحزاب : 61 ) . واذكر قوله : ] ستجدون ءاخرين يُريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم كل ما ردّوا إلى الفتنة أُركسوا فيها [
( النساء : 91 ) إلى قوله : ] فخذوهم واقتلوهم … [ الآية ( النساء : 91 ) . واذكر قوله في الاعتقاد في الأنبياء : ] أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون [ ( آل عمران : 80 ) .

واذكر ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه شخص رجلاً معه الراية إلى من تزوج امرأة أبيه ليقتله ويأخذ ماله ، فأي هذين أعظم ؟ تزوج امرأة الأب ؟ أم سب دين الأنبياء بعد معرفته ؟[4] .

واذكر أنه قد همّ بغزو بني المصطلق لما قيل إنهم منعوا الزكاة ، حتى كذَّب الله من نقل ذلك .

واذكر قوله في أعبد هذه الأمة وأشدهم اجتهاداً : (( لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد ، أينما لقيتموهم فاقتلوهم ، فإن في قتلهم أجراً لمن قتلهم يوم القيامة )) . واذكر قتال الصديق وأصحابه مانعي الزكاة وسبي ذراريهم وغنيمة أموالهم .

واذكر إجماع الصحابة على قتل أهل مسجد الكوفة وكفرهم وردَّتهم لما قالوا كلمة في تقرير نبوة مسيلمة، ولكن الصحابة اختلفوا في قبول توبتهم لما تابوا والمسألة في صحيح البخاري وشرحه، في الكفالة .

واذكر إجماع الصحابة لما استفتاهم عمر على أن من زعم أن الخمر تحل للخواص مستدلاً بقوله تعالى : ] ليس على الذين ءامنوا وعملوا الصالحات فيما طعموا إذا ما اتقوا وءامنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وءامنوا ثم اتقوا وأحسنوا والله يحب المحسنين [ ( المائدة : 93 ) مع كونه من أهل بدر . وأجمع الصحابة على كفر من اعتقد في علي ، مثل اعتقاد هؤلاء في عبد القادر وردتهم وقتلهم فأحرقهم علي ابن أبي طالب رضي الله عنه وهم أحياء ، فخالفه ابن عباس في الإحراق ، وقال : يُقتلون بالسيف ، مع كونهم من أهل القرن الأول ، أخذوا العلم عن الصحابة .

واذكر إجماع أهل العلم من التابعين وغيرهم على قتل الجعد بن درهم ، وأمثاله ، قال ابن القيم :

شكر الضحـية كُل صاحب سُـنةٍ        لله درك مــن أخـي قـربـان

ولو ذهبنا نُعدِّد من كفَّره العلماء مع ادعائه الإسلام وأفتوا بردَّته وقتله لطال الكلام ، لكن من آخر ما جرى قصة بني عُبيد ملوك مصر وطائفتهم ، وهم يدَّعون أنهم من أهل البيت ويصلون الجمعة والجماعة ونصبوا القُضاة والمفتين ، وأجمع العلماء على كُفرهم وردتهم وقتالهم وأن بلادهم بلاد حرب ، يجب قتالهم ولو كانوا مكرهين مبغضين لهم .

واذكر كلامه في الإقناع وشرحه في الردة كيف ذكروا أنواعاً كثيرة موجودة عندكم ، ثم قال منصور : وقد عمَّت البلوى بهذه الفرق ، وأفسدوا كثيراً من عقائد أهل التوحيد ، نسأل الله العفو والعافية ، هذا لفظه بحروفه ، ثم ذكر قتل الواحد منهم وحكم ماله .

هل قال واحد من هؤلاء من الصحابة إلى زمن منصور إن هؤلاء : يكفر أنواعهم لا أعيانهم ؟

وأما عبارة الشيخ : التي لبسوا بها عليك فهي أغلظ من هذا كله ولو نقول بها لكفَّرنا كثيراً من المشاهير بأعيانهم ، فإنه صرح فيها بأن المعين لا يكفر إلا إذا قامت عليه الحجة ، فإذا كان المعين لا يكفر إلا إذا قامت عليه الحجة فمن المعلوم أن قيامها ليس معناه : أن يفهم كلام الله ورسوله مثل فهم أبي بكر رضي الله عنه ، بل إذا بلغه كلام الله ورسوله وخلا من شيء يعذر به فهو كافر كما كان الكفار كلهم تقوم عليهم الحجة بالقرآن مع قول الله : ] وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه [ ( الأنعام : 25 ) …

فانظر كلامه في التفرقة بين المقالات الخفية وبين ما نحن فيه في كفر المعين ، وتأمل تكفيره رؤوسهم ، فلاناً وفلاناً بأعيانهم وردتهم ردّة صريحة ، وتأمَّل تصريحه بحكاية الإجماع على ردّة الفخر الرازي عن الإسلام ، مع كونه عند علمائكم من الأئمة الأربعة ، هل يناسب هذا لما فهمت من كلامه : أن المعين لا يكفر ؟ )[5] .

ـ وقال الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبو بطين رحمه الله :

( بسم الله الرحمن الرحيم

من عبد الله بن عبد الرحمن أبي بطين إلى الأخ المكرم عبد الله بن شومر سلَّمه الله تعالى وعافاه ووفقه لما يُحبه ويرضاه . سلام عليكم ورحمة الله وبركاته …… وما سألت عنه من أنه هل يجوز تعيين إنسان بعينه بالكفر إذا ارتكب شيئاً من المكفرات ؟

فالأمر الذي دل عليه الكتاب والسنة وإجماع العلماء على أن مثل الشرك بعبادة غير الله سبحانه كفر . فمن ارتكب شيئاً من هذا النوع أو حسنه[6] فهذا لا شك في كُفره ولا بأس بمن تحققت منه أشياء من ذلك أن تقول كفر فلان بهذا الفعل .

يُبين هذا أن الفقهاء يذكرون في باب حكم المرتد أشياء كثيرة يصير بها المسلم مرتداً كافراً ، ويستفتحون هذا الباب بقولهم من أشرك بالله فقد كفر ، وحكمه أنه يستتاب فإن تاب وإلا قُتِل ، والاستتابة إنما تكون مع معين، ولما قال بعض أهل البدع عند الشافعي رحمه الله أن القرآن مخلوق، قال : كفرت بالله العظيم .

وكلام العلماء في تكفير المعين كثير ، وأعظم أنواع هذا الشرك عبادة غير الله وهو كُفر بإجماع المسلمين ، ولا مانع من تكفير من اتصف بذلك، لأن من زنا قيل فلان زان، ومن ربا قيل فلان رابا )[7].

ـ وقال أيضاً رحمه الله تعالى : ( نقول في تكفير المعين : ظاهر الآيات والأحاديث وكلام جمهور العلماء يدل على كفر من أشرك بالله فعبد معه غيره ، ولم تفرق الأدلة بين المُعيَّن وغيره ، قال تعالى :
 
] إن الله لا يغفر أن يُشرك به [ ( النساء : 48 ) ، وقال تعالى : ] فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم [ ( التوبة : 5 ) ، وهذا عام في كل واحد من المشركين .

وجميع العلماء في كتب الفقه يذكرون حكم المرتد ، وأول ما يذكرون من أنواع الكفر والردّة الشرك ، فقالوا : إن من أشرك بالله كفر ، ولم يستثنوا الجاهل ، ومن زعم أن لله صاحبة أو ولداً كفر ولم يستثنوا الجاهل ومن قذف عائشة كفر ومن استهزأ بالله أو رسله أو كتبه كفر إجماعاً لقوله تعالى : ] لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم [ ( التوبة : 66 ) ويذكرون أنواعاً كثيرة مجمعاً على كفر صاحبها ، ولم يُفرقوا بين المعيَّن وغيره .

 ثم يقولون : فمن ارتد عن الإسلام قُتل بعد الاستتابة ، فحكموا بردته قبل الحكم باستتابته ، فالاستتابة بعد الحكم بالردة ، والاستتابة إنما تكون لمعين )[8] .

ـ وقال الشيخ سليمان بن سحمان رحمه الله تعالى:( أما كلام شيخ الإسلام ـ أي ابن تيميه ـ في عدم تكفير المُعيَّن ، فالمقصود به في مسائل مخصوصة قد يخفى[9] دليلها على بعض الناس كما في مسائل القدر والإرجاء ونحو ذلك مما قاله أهل الأهواء ، فإن بعض اقوالهم تتضمن أموراً كفرية من أدلة الكتاب والسنة المتواترة ، فيكون القول المتضمن لرد بعض النصوص كفراً ، ولا يحكم على قائله بالكفر لاحتمال وجود مانع كالجهل ، وعدم العلم بنفس النص أو بدلالته ، فإن الشرائع لا تلزم إلا بعد بلوغها ، ولذلك ذكر هذا في الكلام على بدع أهل الأهواء ، وقد نص على هذا فقال في تكفير أناس من أعيان المتكلمين بعد أن قرر هذه المسألة قال : وهذا إذا كان في المسائل الخفية فقد يُقال بعدم التكفير ، وأما ما يقع منهم في المسائل الظاهرة الجلية ، أو ما يعلم من الدين بالضرورة ، فهذا لا يتوقف في كفر قائله )[10] .

ـ وقال الشيخ عبد الرحمن بن حسن رحمه الله : ( وذكر شيخ الإسلام رحمه الله : أن الفخر الرازي ، صنف : ( السر المكتوم في عبادة النجوم ) فصار مرتداً إلاَّ أن يكون قد تاب بعد ذلك ، فقد كفَّر الرازي بعينه لما زيَّن الشرك …… فانظر إلى هذا الإمام الذي نسب عنه من أزاغ الله قلبه عدم تكفير المُعيَّن ، كيف ذكر عن الفخر الرازي وأبي معشر وغيرهما من المصنفين المشهورين أنهم كفروا وارتدوا عن الإسلام ، وتأمل قوله : حتى شاع ذلك في كثير ممن ينتسب إلى الإسلام لتعلم ما وقع في آخر هذه الأمة من الشرك بالله ، وقد ذكر الفخر الرازي في ردِّهِ على المتكلمين ، وذكر تصنيفه ( السر المكتوم ) ، وقال : فهذه ردّة صريحة باتفاق المسلمين )[11].

ـ وقال الشيخ سليمان بن سحمان رحمه الله تعالى : ( وقد تقدم كلام الشيخ في الرازي وتصنيفه في دين المشركين وأنها ردّة صريحة ، وهو مُعيَّن ، وتقدم في كلام الشيخ عبد اللطيف رحمه الله حكاية إجماع العلماء على تكفير بشر المريسي وهو رجل مُعيَّن ، وكذلك الجهم بن صفوان ، والجعد ابن درهم ، وكذلك الطوسي نصير الشرك ، والتلمساني ، وابن سبعين ، والفارابي أئمة الملاحدة وأهل الوحدة ، وأبي معشر البلخي ، وغيرهم . وفي إفادة المستفيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في تكفير المُعيَّن ما يكفي طالب الحق والهدى )[12].

ـ وقال الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن بن حسن رحمهم الله : ( فقد بلغنا وسمعنا من فريق ممن يدعي العلم والدين وممن هو بزعمه مؤتم بالشيخ محمد بن عبد الوهاب إن من أشرك بالله وعبد الأوثان لا يُطلق عليه الكفر والشرك بعينه وذلك أن بعض من شافهني منهم بذلك سمع من بعض الإخوان أنه أطلق الشرك والكفر على رجل دعا النبي صلى الله عليه وسلم واستغاث به فقال له الرجل لا تطلق عليه الكفر حتى تُعرِّفه ، وكان هذا وأجناسه لا يعبأون بمخالطة المشركين في الأسفار وفي ديارهم بل يطلبون العلم على من هو أكفر الناس من علماء المشركين ، وكانوا قد لفقوا لهم شُبُهات على دعواهم يأتي بعضها في أثناء الرسالة ـ إن شاء الله تعالى ـ وقد غزو بها بعض الرعاع من أتباعهم ومن لا معرفة عنده ومن لا يعرف حالهم ولا فرق عنده ولا فهم ، متحيزون عن الإخوان بأجسامهم وعن المشايخ بقلوبهم ومداهنون لهم ، وقد استوحشوا واستوحِش منهم بما أظهروه من الشُبه وبما ظهر عليهم من الكآبة بمخالطة الفسقة والمشركين ، وعند التحقيق لا يكفرون المشرك إلا بالعموم وفيما بينهم يتورعون عن ذلك ، ثم دبت بدعتهم[13] وشبهتهم حتى راجت على من هو من خواص الإخوان وذلك والله أعلم بسبب ترك كتب الأصول وعدم الاعتناء بها وعدم الخوف من الزيغ .

رغبوا عن رسائل الشيخ محمد بن عبد الوهاب ـ قدس الله روحه ـ ورسائل بنيه فإنها كفيلة بتبيين جميع هذه الشُبه جداً كما سيمر ، ومن له أدنى معرفة إذا رأى حال الناس اليوم ونظر إلى اعتقاد المشايخ المذكورين تحير جداً ولا حول ولا قوة إلا بالله وذلك أن بعض من أشرنا إليه بحثته عن هذه المسألة ، فقال: نقول لأهل هذه القباب الذين يعبدونها ومن فيها فعلك هذا شرك وليس هو بمشرك ، فانظر ترى واحمد ربك واسأله العافية ، فإن هذا الجواب من بعض أجوبة العراقي[14] التي يرد عليها الشيخ
عبد اللطيف )[15] .

ـ وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب في مفيد المستفيد في كفر تارك التوحيد : ( وقال أبو العباس أيضاً في الكلام على كفر مانعي الزكاة : والصحابة لم يقولوا هل أنت مقر بوجوبها أو جاحد لها ، هذا لم يُعهد عن الخلفاء والصحابة ، بل قال الصديق لعمر رضي الله عنهما : ( والله لو منعوني عقالاً أو عناقاً كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعه ) فجعل المبيح للقتال مجرد المنع لا جحد الوجوب ، وقد روى أن طوائف منهم كانوا يقرون بالوجوب لكن بخلوا بها ، ومع هذا فسيرة الخلفاء فيهم جميعهم سيرة واحدة وهي قتل مُقاتِلَتِهم وسبي ذراريهم وغنيمة أموالهم ، والشهادة على قتلتِهم بالنار وسموهم جميعهم أهل الردّة ، وكان من أعظم فضائل الصديق رضي الله عنه عندهم أن ثبته الله عند قتالهم ولم يتوقف كما توقف غيره فناظَرهم حتى رجعوا إلى قوله ، وأما قتال المقرين بنبوة مسيلمة ، فهؤلاء لم يقع بينهم نزاع في قتالهم . انتهى .

فتأمل كلامه رحمه الله في تكفير المعيَّن والشهادة عليه إذا قُتل بالنار وسبي حريمه وأولاده عند منع الزكاة ، فهذا الذي ينسب عنه أعداء الدين عدم تكفير المعين . قال رحمه الله بعد ذلك : وكفر هؤلاء وإدخالهم في أهل الردّة قد ثبت باتفاق الصحابة المستند إلى الكتاب والسنة ، انتهى كلامه ……

وقال ابن القيم في إغاثة اللهفان في إنكار تعظيم القبور : وقد آل الأمر إلى هؤلاء المشركين أن صنف بعض غلاتهم في ذلك كتاباً سماه : ( مناسك المشاهد ) ولا يخفى أن هذا مفارقة لدين الإسلام ودخول في دين عبادة الأصنام ، انتهى .

وهذا الذي ذكره ابن القيم ، رجل من المصنفين يُقال له ابن المفيد ، فقد رأيت ما فيه بعينه ، فكيف ينكر تكفير المعين .

 

وأما كلام سائر أتباع الأئمة في التكفير ، فنذكر منه قليلاً من كثير :

 وما زال الكلام للشيخ محمد بن عبد الوهاب .

أما كلام الحنفية : فكلامهم في هذا من أغلظ الكلام ، حتى إنهم يُكفرون المُعيَّن إذا قال مُصيحف أو مُسيجد أو صلى صلاة بلا وضوء ونحو ذلك .

وقال في النهر الفائق وعلم أن الشيخ قاسماً قال في شرح درر البحار : إن النذر الذي يقع من أكثر العوام بأن يأتي إلى قبر بعض الصلحاء قائلاً ياسيدي فلان إن رُدَّ غائبي أو عوفي مريضي فلك من الذهب أو الفضة أو الشمع أو الزيت كذا باطل إجماعاً لوجوه ، إلى أن قال : ومنها ظن أن الميت يتصرف في الأمر واعتقاد هذا كفر ، إلى أن قال ، وقد ابتلى الناس بذلك لا سيما في مولد أحمد البدوي ،
انتهى كلامه .

فانظر إلى تصريحه إن هذا كفر ، مع قوله أنه يقع من أكثر العوام ، وأن أهل العلم قد ابتلوا بما لا قدرة لهم على إزالته .

وقال القرطبي رحمه الله لما ذكر سماع النقر أو صورته قال : هذا حرام بالإجماع .

وقد رأيت فتوى شيخ الإسلام جمال الملّة أن مستحل هذا كافر ، ولما عُلِم أن حرمته بالإجماع لزم أن يكفر مستحله ، فقد رأيت كلام القرطبي وكلام الشيخ الذي نقل عنه في كفر من استحل السماع والرقص مع كونه دون ما نحن فيه بالإجماع بكثير .

وقال أبو العباس رحمه الله : حدثني ابن الخضيري عن والده الشيخ الخضيري إمام الحنفية في زمانه قال : كان فقهاء بخارى يقولون في ابن سينا كان كافراً ذكياُ ، فهذا إمام الحنفية في زمنه حكى عن فقهاء بخارى جملة كفر ابن سينا وهو رجل معيَّن مصنف يتظاهر بالإسلام .

وأما كلام المالكية : في هذا فهو أكثر من أن يُحصر وقد اشتهر عن فقهائهم سرعة الفتوى والقضاء بقتل الرجل عند الكلمة التي لا يفطن لها أكثر الناس ، وقد ذكر القاضي عياض في آخر كتاب الشفاء من ذلك طرفاً ، ومما ذُكر أن من حلف بغير الله على وجه التعظيم كفر ، وكل هذا دون ما نحن فيه بما لا نسبة بينه وبينه .

وأما كلام الشافعية : فقال صاحب الروضة رحمه الله : أن المسلم في الكلام إذا ذبح للنبي صلى الله عليه وسلم كفر . وقال أيضاً : من شك في كفر طائفة ابن عربي فهو كافر ، وكل هذا دون ما نحن فيه . وقال ابن حجر الهيثمي في شرح الأربعين على حديث ابن عباس : إذا سألت فاسأل الله ، وما معناه إن من دعا غير الله فهو كافر ، وصنف في هذا النوع كتاباً مستقلاً سماه ( الإعلام بقواطع الإسلام ) ذكر فيه أنواعاً كثيرة من الأقوال والأفعال كل واحد منها ذكر أنه يُخرج من الإسلام ويُكفَّر به المُعيَّن ، وغالبه لا يساوي عُشير معشار ما نحن فيه ……

فمن أحسن ما يزيل الإشكال فيها ويزيد المؤمن يقيناً ما جرى من النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والعلماء بعدهم فيمن انتسب إلى الإسلام ، كما ذُكر أنه صلى الله عليه وسلم بعث البراء ومعه الراية إلى رجل تزوج امرأة أبيه ليقتله ويأخذ ماله ، ومثل همّه بغزو بني المصطلق لمّا قيل أنهم منعوا الزكاة ، ومثل قتال الصديق وأصحابه لمانعي الزكاة وسبي ذراريهم وغنيمة أموالهم وتسميتهم مرتدين ، ومثل إجماع الصحابة في زمن عمر على تكفير قدامة بن مظعون وأصحابه إن لم يتوبوا لما فهموا من قوله تعالى : ] ليس على الذين ءامنوا وعملوا الصالحات جُناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وءامنوا  [( المائدة : 93 ) حل الخمر لبعض الخواص ، ومثل إجماع الصحابة في زمن عثمان في تكفير أهل المسجد الذين ذكروا كلمة في نبوة مسيلمة مع أنهم لم يتبعوه ، وإنما اختلف الصحابة في قبول توبتهم ، ومثل تحريق علي رضي الله عنه أصحابه لما غلوا فيه ، ومثل إجماع التابعين مع بقية الصحابة على كفر المختار بن أبي عبيد ومن أتبعه مع أنه يدعي أنه يطلب بدم الحسين وأهل البيت ، ومثل إجماع التابعين ومن بعدهم على قتل الجعد بن درهم وهو مشهور بالعلم والدين وهلم جرا ، من وقائع لا تُعد ولا تُحصى .

ولم يقل أحد من الأولين والآخرين لأبي بكر الصديق وغيره كيف تقتل بني حنيفة وهم يقولون لا إله إلا الله ويصلون ويزكون ، وكذلك لم يستشكل أحد تكفير قدامة وأصحابه لو لم يتوبوا وهلم جرا ، إلى زمن بني عبيد القداح الذين ملكوا المغرب ومصر والشام وغيرها مع تظاهرهم بالإسلام وصلاة الجمعة والجماعة ونصب القضاة والمفتين لمّا أظهروا من الأقوال والأفعال ما أظهروا لم يستشكل أحد من أهل العلم والدين قتالهم ولم يتوقفوا فيه وهم زمن ابن الجوزي والموفق ، وصنف ابن الجوزي كتاباً لما أخذت مصر منهم سماه ( النصر على فتح مصر ) .

ولم يسمع أحد من الأولين والآخرين أن أحداً أنكر شيئاً من ذلك أو استشكل لأجل ادعائهم الملة ، أو لأجل قول لا إله إلا الله أو لأجل إظهار شيء من أركان الإسلام إلا ما سمعناه من هؤلاء الملاعين[16] في هذه الأزمان من إقرارهم إن هذا هو الشرك ، ولكن من فعله أو حسنه أو كان مع أهله أو ذم التوحيد أو حارب أهله لأجله أو أبغضهم لأجله إنه لا يكفر ، لأنه يقول لا إله إلا الله أو لأنه يؤدي أركان الإسلام الخمسة ، ويستدلون بأن النبي صلى الله عليه وسلم سماها الإسلام ، هذا لم يُسمع قط إلا من هؤلاء الملحدين الجاهلين الظالمين[17] ، فإن ظفروا بحرف واحد من أهل العلم أو أحد منهم يستدلون به على قولهم الفاحش الأحمق فليذكروه ، ولكن الأمر كما قال اليمني في قصيدته :

أقاويـل لا تعزى إلى عالم فـلا              تساوي فلسـاً إن رجعت إلى نقـد )[18] .

ـ وقال الشيخ عبد الله والشيخ إبراهيم أبناء الشيخ عبد اللطيف والشيخ سليمان بن سحمان عليهم رحمة الله : ( وأما قوله : نقول بأن القول كفر ولا نحكم بكفر القائل ، فإطلاق هذا جهل صرف ، لأن هذه العبارة لا تنطبق إلا على المُعيَّن ، ومسألة تكفير المُعيَّن مسألة معروفة إذا قال قولاً يكون القول به كفراً ، فيُقال من قال بهذا القول فهو كافر ، لكن الشخص المُعيَّن إذا قال ذلك لا يُحكم بكفره حتى تقوم عليه الحجة التي يكفر بها تاركها ، وهذا في المسائل الخفية التي قد يخفى دليلها على بعض الناس كما في مسائل القدر والإرجاء ونحو ذلك .

فما قاله أهل الأهواء فإن بعض أقوالهم تتضمن أموراً كفرية من ردّ أدلة الكتاب والسنة المتواترة ، فيكون القول المتضمن لردّ بعض النصوص كفراً ولا يُحكم على قائله بالكفر لاحتمال وجود مانع كالجهل وعدم العلم بنقض النص أو بدلالته ، فإن الشرائع لا تلزم إلا بعد بلوغها ، ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيميه قدس الله روحه في كثير من كتبه ؛ وذكر أيضاً تكفير أُناس من أعيان المتكلمين بعد أن قرر هذه المسائل قال : وهذا إذا كان في المسائل الخفية فقد يُقال بعدم التكفير ، وأما ما يقع منهم في المسائل الظاهرة الجلية أو ما يُعلم من الدين بالضرورة فهذا لا يتوقف في كفر قائله .

ولا تُجعل هذه الكلمة عكازاً تدفع بها في نحر من كفر البلدة الممتنعة عن توحيد العبادة والصفات بعد بلوغ الحجة ووضوح المحجة )[19] .  

 

*       *       *

 

 

أما مسألة أن الحجة لم تقم عليهم

فهذه مسألة قيام الحجة

 

فلينتبه الموحد ما معنى قيام الحجة حتى لا تلتبس عليه المسألة .

 

فنذكر ما قاله أئمة الدعوة في مسألة قيام الحجة[20] :

ـ قال الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى :

( بسم الله الرحمن الرحيم

إلى الإخوان ، سلام عليكم ورحمة الله وبركاته . وبعد : ما ذكرتم من قول الشيخ : كل من جحد كذا وكذا ، وقامت عليه الحجة ؛ وأنكم شاكون في هؤلاء الطواغيت وأتباعهم هل قامت عليهم الحجة ، فهذا من العجب ، كيف تشكون في هذا وقد أوضحته لكم مراراً ؟! فإن الذي لم تقم عليه الحجة هو الذي حديث عهد بالإسلام والذي نشأ ببادية بعيدة ، أو يكون ذلك في مسألة خفية مثل الصرف والعطف فلا يُكفَّر حتى يُعرَّف ، وأما أصول الدين التي أوضحها الله وأحكمها في كتابه فإن حُجة الله هي القرآن ، فمن بلغه القرآن فقد بلغته الحُجة[21]، ولكن أصل الإشكال أنكم لم تُفرقوا بين قيام الحجة وبين فهم الحُجة[22] ، فإن أكثر الكُفار والمُنافقين من المسلمين لم يفهموا حُجة الله مع قيامها عليهم ، كما قال تعالى : ] أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلاَّ كالأنعام بل هم أضل سبيلا [ ( الفرقان : 44 ) .

وقيام الحجة نوع وبلوغها نوع وقد قامت عليهم ، وفهمهم إياها نوع آخر ، وكفرهم ببلوغها إياهم وإن لم يفهموها ، إن أشكل عليكم ذلك فانظروا قوله صلى الله عليه وسلم في الخوارج :
(( أينما لقيتموهم فاقتلوهم )) وقوله (( شر قتلى تحت أديم السماء )) مع كونهم في عصر الصحابة ، ويحقر الإنسان عمل الصحابة معهم ، ومع إجماع الناس: أن الذي أخرجهم من الدين هو التشدد والغلو والاجتهاد، وهم يظنون أنهم يُطيعون الله وقد بلغتهم الحجة ولكن لم يفهموها .

وكذلك قتل علي رضي الله عنه الذين اعتقدوا فيه وتحريقهم بالنار مع كونهم تلاميذ الصحابة ،
ومع عبادتهم وصلاتهم وصيامهم وهم يظنون أنهم على حق .

وكذلك إجماع السلف : على تكفير غُلاة القدرية وغيرهم ، مع علمهم وشدة عبادتهم ، وكونهم يحسبون أنهم يُحسنون صُنعاً ، ولم يتوقف أحد من السلف في تكفيرهم لأجل كونهم لم يفهموا ، فإن هؤلاء كلهم لم يفهموا ، إذا علمتم ذلك : فإن هذا الذي أنتم فيه كُفر ، الناس يعبدون الطواغيت ويُعادون دين الإسلام ، فيزعمون أنه ليس ردّة لعلهم ما فهموا الحُجة ، كُل هذا بيّن . وأظهر مما تقدم : الذين حرقهم علي فإنه يُشابه هذا )[23] .

ـ وقال الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن رحمه الله تعالى : ( فتأمل كلام الشيخ ـ أي الشيخ محمد بن عبد الوهاب ـ ونسأل الله أن يرزقك الفهم الصحيح وأن يُعافيك من التعصب ، وتأمل كلام الشيخ رحمه الله أن كُل من بلغه القرآن فقد قامت عليه الحُجة وإن لم يفهم ذلك وجعلُهُ هذا هو السبب في غلط من غلط وأن جعل التعريف في المسائل الخفية ، ومن حكينا عنه جعل التعريف في أصل الدين ، وهل بعد القرآن والرسول تعريف ؟ ثم يقول هذا اعتقادنا نحن ومشايخنا ، نعوذ بالله من الحور بعد الكور ، وهذه المسألة كثيرة جداً في مصنفات الشيخ رحمه الله ، لأن علماء زمانه من المشركين يُنازعون في تكفير المُعيَّن ، فهذا شرح حديث عمرو بن عبسة من أوله إلى آخره كُله في تكفير المُعيَّن ، حتى أنه نقل فيه عن شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله أن من دعا علياً فقد كفر ، ومن لم يُكفره فقد كفر ، وتدبر ماذا أودعه من الدلائل الشرعية التي إذا تدبرها العاقل المنصف فضلاً عن المؤمن عرف أن المسألة وِفاقية ولا تُشكِل إلاَّ على مدخول عليه في اعتقاده )[24] .

ـ وقال رحمه الله : ( ثم قال الشيخ رحمه الله تعالى ـ محمد بن عبد الوهاب ـ في تلك الرسالة بعدما ذكر كثرة من أرتد عن الإسلام بعد النبي صلى الله عليه وسلم ، كالذين في زمن أبي بكر رضي الله عنه حكموا عليهم بالردّة بمنع الزكاة ، وكأصحاب علي وأهل المسجد الذين بالكوفة ، وبنو عُبيد القداح ، كُل هؤلاء حكموا عليهم بالردّة بأعيانهم ، ثم قال : وأما عبارة شيخ الإسلام ابن تيميه التي لبسوا بها عليك فهي أغلظ من هذا كُله ، ولو نقول بها لكفَّرنا كثيراً من المشاهير بأعيانهم ، فإنه صرح فيها : بأن المُعيَّن لا يكفر إلاَّ إذا قامت عليه الحُجة ، فإذا كان المُعيَّن يكفر إذا قامت عليه الحُجة فمن المعلوم أن قيامها ليس معناه أن يفهم[25] كلام الله ورسوله مثل أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، بل إذا بلغه كلام الله ورسوله وخلا عن ما يُعذر به فهو كافر ، كما كان الكُفار كُلهم تقوم عليهم الحجة بالقرآن مع قول الله تعالى : ] إنا جعلنا على قلوبهم أكنةً أن يفقهوه  [ ( الكهف : 57 ) )[26] .

ـ وقال رحمه الله : ( ومسألتنا هذه وهي : عبادة الله وحده لا شريك له ، والبراءة من عبادة ما سواه ، وأن من عبد مع الله غيره فقد أشرك الشرك الأكبر الذي ينقل عن الملّة هي أصل الأصول ، وبها أرسل الله الرسل وأنزل الكتب ، وقامت على الناس الحُجة بالرسول والقرآن .

وهكذا تجد الجواب من أئمة الدين في ذلك الأصل عند تكفير من أشرك بالله ، فإنه يُستتاب فإن تاب وإلا قُتل ، لا يذكرون التعريف في مسائل الأصول إنما يذكرون التعريف في المسائل الخفية التي قد يخفى دليلها على بعض المسلمين ، كمسائل نازع بها بعض أهل البدع كالقدرية والمرجئة ، أو في مسألة خفية كالصرف والعطف ، وكيف يُعرِّفون عُباد القبور وهم ليسوا بمسلمين ولا يدخلون في مسمى الإسلام ، وهل يبقى مع الشرك عمل والله تعالى يقول: ] ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سَمّ الخياط  [ ( الأعراف : 40 ) …

 إلى غير ذلك من الآيات ، ولكن هذا المُعتقد يلزم منه مُعتقد قبيح وهو أن الحُجة لم تقُم على هذه الأمة بالرسول والقرآن ، نعوذ بالله من سوء الفهم الذي أوجب لهم نسيان الكتاب والرسول )[27] .

ـ وقال الشيخ سليمان بن سحمان: ( قال شيخنا الشيخ عبد اللطيف رحمه الله : وينبغي أن يُعلم الفرق بين قيام الحُجة وفهم الحُجة ، فإن من بلغته دعوة الرُسل فقد قامت عليه الحجة إذا كان على وجه يمكن معه العلم ، ولا يُشترط في قيام الحجة أن يفهم عن الله ورسوله ما يفهمه أهل الإيمان والقبول والانقياد لما جاء به الرسول .

فأفهم هذا يكشف عنك شُبُهات كثيرة في مسألة قيام الحجة، قال الله تعالى : ] أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلاَّ كالأنعام بل هم أضل سبيلا [ ( الفرقان : 44 ) وقال تعالى :
 ] وختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غِشاوة ولهم عذابٌ
عظيم 
[ ( البقرة : 7 ) ، انتهى

قلت : ومعنى قوله رحمه الله تعالى : إذا كان على وجه يمكن معه العلم ، فمعناه : أن لا يكون عديم العقل والتمييز كالصغير والمجنون ، أو يكون ممن لا يفهم الخطاب ولم يحضر ترجمان يُترجم له ، ونحو هؤلاء ، فمن بلغته رسالة محمد صلى الله عليه وسلم وبلغه القرآن فقد قامت عليه الحُجة )[28] .

ـ وقال المشائخ عبد الله وإبراهيم أبناء الشيخ عبد اللطيف وسليمان بن سحمان: ( وأما قوله: ـ أي أحد المجادلين عن المشركين ـ وهؤلاء ما فهموا الحجة ؛ فهذا مما يدل على جهله ، وأنه لم يُفرق بين فهم الحجة وبلوغ الحجة ، ففهمها نوع وبلوغها نوع آخر، فقد تقوم الحجة على من لم يفهمها )[29].

ـ وقال الشيخ محمد بن ناصر بن معمر : ( فكل من بلغه القرآن فليس بمعذور فإن الأصول الكبار التي هي أصل دين الإسلام قد بينها الله ووضحها وأقام بها الحجة على عباده ، وليس المراد بقيام الحجة أن يفهمها الإنسان فهماً جلياً كما يفهمها من هداه الله ووفقه وانقاد لأمره ، فإن الكفار قد قامت عليهم حجة الله مع إخباره بأنه جعل على قلوبهم أكنةً أن يفقهوا كلامه ، فقال : ] وجعلنا على قلوبهم أكنةً أن يفقهوه وفي آذنهم وقراً [ ( الأنعام : 25 ) …

والآيات في هذا المعنى كثيرة ، يخبر سبحانه أنهم لم يفهموا القرآن ولم يفقهوه وأنه عاقبهم بجعل الأكنةً على قلوبهم والوقر في آذانهم وأنه ختم على قلوبهم وأسماعهم وأبصارهم ، فلم يعذرهم مع هذا كله بل حكم بكفرهم )[30] .

ـ وقال الشيخ عبد الله أبا بطين معلقاً على قول ابن تيميه في معرض ردّه على الذي يدعي أن شيخ الإسلام ابن تيميه وابن القيم يقولان أن من فعل هذه الأشياء ـ أي الشرك ـ لا يُطلق عليه أنه كافر مُشرك حتى تقوم عليه الحُجة ، قال : ( إن من فعل شيئاً من هذه الأمور الشركية لا يُطلق عليه أنه كافر مشرك حتى تقوم عليه الحجة الإسلامية فهو لم يقل ذلك في الشرك الأكبر وعبادة غير الله ونحوه من الكفر ، وإنما قال هذا في المقالات الخفية كما قدمنا من قوله : وهذا إذا كان في المقالات الخفية فقد يُقال لم تقم عليه الحجة التي يكفر صاحبها .

فلم يجزم بعدم كفره وإنما قد يُقال ، وقوله : قد يقع ذلك في طوائف منهم يعلم العامة والخاصة بل اليهود والنصارى يعلمون أن محمداً بُعث بها وكفَّر من خالفها من عبادة الله وحده لا شريك له ونهيه عن عبادة غيره فإن هذا أظهر شعائر الإسلام . يعني فهذا لا يمكن أن يُقال لم تقم عليه الحجة التي يكفر تاركها )[31].

ـ وقال شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله : ( فكل من بلغه القرآن من إنسي وجني فقد أنذره الرسول به )[32] .

  ـ وقال رحمه الله : ( وقال تعالى : ] أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوبٍ أقفالُها [
( محمد : 24) ، وقال تعالى : ] أفلم يدَّبروا القول أم جاءهم ما لم يأت ءابآءهم الأولين [ ( المؤمنون : 68) وقال تعالى : ] أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه إختلافاً كثيراً [
( النساء : 82 ) ، فإذا كان قد حض الكفار والمنافقين على تدبره ، علم أن معانيه مما يمكن الكفار والمنافقين فهمها ومعرفتها )[33] .

ـ وقال رحمه الله : ( فآياته سبحانه توجب شيئين :

أحدهما : فهمها وتدبرها ، ليعلم ما تضمنته . والثاني : عبادته والخضوع له إذا سُمِعت ، فتلاوته إياها وسماعها يوجب هذا وهذا ، فلو سمعها السامع ولم يفهمها كان مذموماً ، ولو فهمها ولم يعمل بما فيها كان مذموماً ، بل لابُد لكل أحد عند سماعها من فهمها والعمل بها ، كما أنه لابُد لكل أحد من استماعها ، فالمعرض عن استماعها كافر ، والذي لا يفهم ما أُمِر به فيها كافر ، والذي يعلم ما أُمِر به فلا يُقرّ بوجوبه ويفعله كافر . وهو سبحانه يذم الكفار بهذا وهذا )[34] .

ـ ويقول ابن القيم رحمه الله تعالى في قوله تعالى :  ] وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كُنا في أصحاب الجحيم  [ : ( فهذا السمع المنفي عنهم سمع الفهم والفقه ، وقوله تعالى : ] ولو علم الله فيهم خيراً لأسمعهم  [ أي لأفهمهم ، والسمع هنا سمع فهم ، وإلاَّ فسمع الصوت حاصل لهم ، وبه قامت حجة الله عليهم )[35] .

ـ وقال الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن رحمه الله : ( بل أهل الفترة الذين لم تبلغهم الرسالة والقرآن وماتوا على الجاهلية لا يُسمون مسلمين بالإجماع ، ولا يُستغفر لهم ، وإنما اختلف أهل العلم في تعذيبهم في الآخرة )[36] .

ـ وقال رحمه الله : ( والله يقضي بين عباده يوم القيامة بعدله وحكمته ولا يُعذب إلا من قامت عليه حجته بالرسل ، فهذا مقطوع به في جُملة الخلق ، وأما كون زيد بعينه وعمرو قامت عليه الحجة أم لا ، فذلك مما لا يُمكن الدخول بين الله وعباده فيه .

بل الواجب على العبد أن يعتقد أن كل من دان بدين غير دين الإسلام فهو كافر ، وأن الله تعالى لا يُعذب أحداً إلا بعد قيام الحجة عليه بالرسول ، هذا في الجملة ، والتعيين موكول إلى علم الله وحكمه ، هذا في أحكام الثواب والعقاب ، وأما أحكام الدنيا فهي جارية على ظاهر الأمر )[37] .

  ـ وقال الشيخان حسين وعبد الله أبناء محمد بن عبد الوهاب رحم الله الجميع : ( من مات من أهل الشرك قبل بلوغ هذه الدعوة ، فالذي يُحكم عليه أنه إذا كان معروفاً بفعل الشرك ويُدين به ، ومات على ذلك فهذا ظاهره أنه مات على الكفر ولا يُدعى له ولا يُضحى له ولا يُتصدق عليه وأما حقيقة أمره فإلى الله تعالى ، فإن كان قد قامت عليه الحجة في حياته وعاند فهذا كافر في الظاهر والباطن ، وإن كان لم تقم عليه الحجة فأمره إلى الله تعالى )[38] .

ـ وقال الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن : ( وأما كلام الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن رحمه الله تعالى على هذه المسألة فكثير جداً ، فنذكر من ذلك شيئاً يسيراً ، لأن المسألة وفاقية والمقام مقام اختصار ، فلنذكر من كلامه ما يُنبهك على الشُبه التي أستدل بها من ذكرنا في الذي يعبد قبة الكواز ، وأن الشيخ توقف في تكفيره .

ونذكر أولاً مساق الجواب وما الذي سيق لأجله ، وهو أن الشيخ محمد رحمه الله ومن حكى عنه هذه القصة يذكرون ذلك معذرة له عن ما يدعيه خصومه عليه من تكفير المسلمين ، وإلاَّ فهي نفسها دعوى لا تصلح أن تكون حُجة ، بل تحتاج إلى دليل وشاهد من القرآن والسُنّة ، ومن فتح الله بصيرته وعوفي من التعصب وكان ممن اعتنى ببيان هذه المسألة بياناً شافياً ، وجزم بكفر المُعيَّن في جميع مصنفاته ، ولا يتوقف في شيء منها )[39] .

ـ وقال رحمه الله : ( وقد ذكر الشيخ سليمان بن عبد الله رحمه الله تعالى في شرح التوحيد في مواضع منه أن من تكلم بكلمة التوحيد وصلى وزكى ، ولكن خالف ذلك بأفعاله وأقواله من دُعاء الصالحين والاستغاثة بهم والذبح لهم ، أنه شبيه باليهود والنصارى في تكلمهم بكلمة التوحيد ومخالفتهم ، فعلى هذا يلزم من قال بالتعريف للمشركين : أن يقول بالتعريف باليهود والنصارى في تكلمهم بكلمة التوحيد ومخالفتها ، فعلى هذا يلزم من قال بالتعريف للمشركين أن يقول بالتعريف باليهود والنصارى ، ولا يُكفرهم إلاَّ بعد التعريف ، وهذا ظاهر بالاعتبار جداً )[40] .

 

وأما مسألة أنهم جهلة

فهذه مسألة العُذر بالجهل[41]

 

فنذكر ما قاله أئمة الدعوة النجدية رحمهم الله تعالى :

 

  ـ قال الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن رحمهم الله تعالى : ( قال ابن القيم رحمه الله تعالى : في كتاب طبقات المكلفين لما ذكر رؤوس الكفار الذين صدّوا عن سبيل الله أن عذابهم مُضاعف ، ثم قال : الطبقة السابعة عشرة : طبقة المقلدين وجُهال الكفار وأتباعهم وحميرهم الذين هم معهم تبع ، يقولون إنا وجدنا آباءنا على أُمّة ولنا أُسوة بهم ، ومع هذا فهم مسالمون لأهل الإسلام غير مُحاربين لهم ……

وقد اتفقت على هذه الطبقة كفار وإن كانوا جُهالاً مقلدين لرؤسائهم[42] ، وأئمتهم ، إلاَّ ما يُحكى عن بعض أهل البدع أنه لم يحكم لهؤلاء بالنار وجعلهم بمنـزلة من لم تبلغه الدعوة ، وهذا مذهب لم يقل به أحد من أئمة المسلمين ولا الصحابة ولا التابعون ولا من بعدهم ، وإنما يُعرف عن بعض أهل الكلام المحدث في الإسلام )[43] .

ـ وقال الشيخ عبد الرحمن بن حسن رحمه الله تعالى : ( وقال العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى ، أيضاً : في طبقات الناس ـ من هذه الأمة وغيرها ـ الطبقة السابعة عشرة : طبقة المقلدين ……

وقد أخبر الله في القرآن في غير موضع بعذاب المُقلدين لأسلافهم من الكفار ، وأنهم يتحاجون في النار وأن الأتباع يقولون : ] ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذاباً ضعفاً من النار قال لكل ضعف ولكن لا تعلمون [ ( الأعراف : 38 ) ، انتهى ملخصاً ……

وهذا كلام شيخ الإسلام رحمه الله تعالى في المنهاج يطابق ما قد أسلفناه عنه في هذا الجواب :

قال رحمه الله تعالى : وأشهر الناس بالردّة خصوم أبي بكر الصديق رضي الله عنه وأتباعه كمسيلمة الكذاب وأتباعه وغيرهم . ومن أظهر الناس ردّة : الغالية الذين حرَّقهم علي رضي الله عنه بالنار لمّا ادعوا فيه الإلهية ؛ والسبئية أتباع عبد الله بن سبأ الذي أظهر سب أبي بكر وعمر .

وأول ما ظهر عنه دعوة النبوة من المنتسبين إلى الإسلام المختار بن أبي عُبيد وكان من الشيعة[44] ، فعُلم أن أعظم الناس ردّة هم في الشيعة أكثر منهم في سائر الطوائف ؛ ولهذا لا يُعرف أسوأ ردّة من ردّة الغالية ، كالنُصيرية ، ومن ردّة الإسماعيلية الباطنية ونحوهم . انتهى . 

ومن المعلوم : أن كثيراً من هؤلاء جُهال يظنون أنهم على الحق ، ومع ذلك حكم شيخ الإسلام بسوء ردتهم )[45] .

ـ وقال شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله تعالى : ( ولفظ ( الضلال ) إذا أُطلق تناول من ضلَّ عن الهدى سواء كان عمداً أو جهلاً ، ولزم أن يكون مُعذباً ، كقوله :  ]إنهم ألفوا آباءهم ضالين فهم على آثارهم يهرعون [ ، وقوله : ] ربنا إنا اطعنا سادتنا وكُبراءنا فأضلونا السبيلا ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعناً كبيراً [ )[46] .

ـ وقال رحمه الله : ( والمقصود هنا أن فيمن يُقرَّ برسالته العامة في الظاهر من يعتقد في الباطن ما ينقض ذلك ، فيكون منافقاً وهو يدعي في نفسه وأمثاله أنهم أولياء الله مع كفرهم في الباطن بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم إما عناداً وإما جهلاً )[47] .

ـ وقال أيضاً : ( وبنوا آدم ضلالهم فيما جحدوه ونفوه بغير علم ، أكثر من ضلالهم فيما أثبتوه وصدَّقوا به )[48] .

ـ وقال أيضاً رحمه الله : ( وبالجملة فمن قال أو فعل ما هو كُفر كَفر ، وإن لم يقصد أن يكون كافراً ، إذ لا يقصد الكُفر أحد إلاّ ما شاء الله )[49] .

ـ وقال : ( وقد يُبتلى في أماكن الجهل وزمانه كثير من الناس بما هو من الشرك الأكبر
وهم لا يعلمون )[50] .

ـ وقال ابن القيم رحمه الله تعالى : ( فإن قيل : فما الذي أوقع عُباد القبور في الافتتان بها ، مع العلم بأن ساكنيها أموات ، لا يملكون لهم ضراً ولا نفعاً ولا موتاً ولا حياتاً ولا نشورا ؟ قيل أوقعهم في ذلك أمور : منها : الجهل بحقيقة ما بعث الله به رسوله بل جميع الرُسل من تحقيق التوحيد وقطع أسباب الشرك ، فقلَّ نصيبهم جداً من ذلك ، ودعاهم الشيطان إلى الفتنة ، ولم يكن عندهم من العلم ما يُبطل دعوته ، واستجابوا له بحسب ما عندهم من الجهل وعُصِموا بقدر ما معهم من العلم )[51] .

ـ وقال الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين رحمه الله : ( وما تقدم من حكاية شيخ الإسلام ـ محمد بن عبد الوهاب ـ رحمه الله ، إجماع المسلمين على أن من جعل بينه وبين الله وسائط يتوكل عليهم ويسألهم جلب المنافع ودفع المضار أنه كافر مشرك ، يتناول الجاهل وغيره .

لأنه من المعلوم أنه إذا كان إنسان يُقرّ برسالة محمد صلى الله عليه وسلم ويؤمن بالقرآن ويسمع ما ذكر الله سبحانه في كتابه من تعظيم أمر الشرك بأنه لا يغفره وأن صاحبه مخلد في النار ، ثم يُقدِم عليه وهو يعرف أنه شرك ، هذا ما لا يفعله عاقل ، وإنما يقع فيه من جهل أنه شرك )[52] .

ـ وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى : ( فإنك إذا عرفت : أن الإنسان يكفر بكلمة يُخرجها من لسانه وقد يقولها وهو جاهل ، فلا يُعذر بالجهل ، وقد يقولها وهو يظن أنها تقربه إلى الله ؛ خصوصاً إن ألهمك الله ما قص عن قوم موسى مع صلاحهم وعلمهم أنهم أتوه قائلين]    اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة [ ( الأعراف : 138 ) .

فحينئذٍ يعظم خوفك وحرصك على ما يُخلصك من هذا وأمثاله )[53].

ولقد ذكر رحمه الله بعض نواقض الإسلام ونص على استواء حكم الجاد والهازل والخائف حال الوقوع فيها إلاَّ المُكره ، ولم يستثني غيره مثل الجاهل أو المتأول أو المخطئ .

  ـ قال رحمه الله في آخر النواقض : ( ولا فرق في جميع هذه النواقض بين الهازل والجاد والخائف[54] إلاَّ المُكره )[55] .

ـ وقال الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبو بطين : ( فنقول كل من فعل اليوم ذلك عند هذه المشاهد فهو مشرك كافر بلا شك ، بدلالة الكتاب والسنة والإجماع ، ونحن نعلم : أن من فعل ذلك ممن ينتسب إلى الإسلام أنه لم يوقعهم في ذلك إلاَّ الجهل ، فلو علموا : أن ذلك يُبعد عن الله غاية الإبعاد ، وأنه من الشرك الذي حرمه الله ، لم يُقدِموا عليه ، فكفَّرهم جميع العلماء ولم يعذروهم بالجهل ، كما يقول بعض الضالين : إن هؤلاء معذورون لأنهم جُهال ، وهذا قول على الله بغير علم )[56] .

ـ وقال الشيخ سليمان بن سحمان رحمه الله : ( فلا يُعذر أحد في عدم الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فلا عُذر له بعد ذلك بالجهل ، وقد أخبر الله سبحانه بجهل كثير من الكفار مع تصريحه بِكُفرهم ، ووصف النصارى بالجهل مع أنه لا يشك مُسلم في كفرهم ، ونقطع أن أكثر اليهود والنصارى اليوم جُهال مقلدون ونعتقد كُفرهم ، وكُفر من شك في كُفرهم ، وقد دلّ القرآن على أن الشك في أصول الدين كُفر ……

ولا عُذر لمن كان حاله هكذا لكونه لم يفهم حُجج الله وبيناته لأنه لا عُذر له بعد بُلوغها وإن لم يفهمها )[57] .

ـ وقال الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبو بطين رحمه الله : ( ومما يُبين : أن الجهل ليس بعذر في الجملة قوله صلى الله عليه وسلم في الخوارج ما قال مع عبادتهم العظيمة ؛ ومن المعلوم : أنه لم يوقعهم ما وقعوا فيه إلا الجهل ، وهل صار الجهل عذراً لهم ؟ يوضح ما ذكرنا : أن العلماء من كل مذهب يذكرون في كتب الفقه : باب حكم ( المرتد ) وهو المسلم الذي يكفر بعد إسلامه .

وأول شيء يبدؤون به من أنواع الكفر : الشرك ، يقولون : من أشرك بالله كفر ، لأن الشرك عندهم أعظم أنواع الكفر ، ولم يقولوا إن كان مثله لا يجهله ، كما قالوا فيما دونه ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لما سُئل : أي الذنب أعظم أثماً عند الله ؟ قال: (( أن تجعل لله نداً وهو خلقك )) ، فلو كان الجاهل أو المُقلد غير محكوم بردّته إذا فعل الشرك لم يغفلوه ، وهذا ظاهر .

وقد وصف الله سبحانه أهل النار بالجهل كقوله تعالى[58] : ] وقالوا لو كُنا نسمع أو نعقل ما كُنا في أصحاب السعير [ ( الملك : 10 ) وقال : ] ولقد ذرأنا لجهنم كثيراً من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعينٌ لا يُبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون  [ ( الأعراف : 179) ، وقال : ] قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدُنيا وهم يحسبون أنهم يُحسنون صنعا [ ( الكهف : 103 ، 104 ) وقال تعالى : ] فريقاً هدى وفريقاً حق عليهم الضلالة إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون  [
( الأعراف : 30 ) قال ابن جرير ـ عند تفسير هذه الآية ـ : وهذا يدل على أن الجاهل غير معذور[59] .

ومن المعلوم أن أهل البدع الذين كفرهم السلف والعلماء بعدهم أهل علم وعبادة وفهم وزهد ، ولم يوقعهم فيما ارتكبوه إلاَّ الجهل ، والذين حرقهم علي بن أبي طالب بالنار هل آفتهم إلا الجهل ؟ ولو قال إنسان : أنا أشك بالبعث بعد الموت ، لم يتوقف من له أدنى معرفة في كُفره .

والشاك جاهل ، قال تعالى ] وإذا قيل إن وعد الله حق والساعة لا ريب فيها قلتم ما ندري ما الساعة إن نظن إلا ظناً وما نحنُ بمستيقنين   [ ( الجاثية : 30 ) وقد قال الله تعالى عن النصارى :
 ] اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله والمسيح ابن مريم [ الآية ( التوبة : 31 ) قال عدي بن حاتم للنبي صلى الله عليه وسلم ما عبدناهم ، قال : (( أليس يُحلون ما حرم الله فتحلونه ؟ ويحرمون ما أحل الله فتحرمونه ؟ )) قال : بلى ؛ قال : (( فتلك عبادتهم )) فذمهم الله سبحانه وسماهم مشركين مع كونهم لم يعلموا أن فعلهم معهم هذا عبادة لهم ، فلم يُعذروا بالجهل .

ولو قال إنسان عن الرافضة في هذا الزمان : إنهم معذورون في سبهم الشيخين وعائشة لأنهم جُهال مُقلدون، لأنكر عليهم الخاص والعام، وما تقدم من حكاية شيخ الإسلام رحمه الله إجماع المسلمين على: أن من جعل بينه وبين الله وسائط يتوكل عليهم ويسألهم جلب المنافع ودفع المضار أنه كافر مُشرك ، يتناول الجاهل وغيره ……

والقرآن يرد على من قال : إن المقلد في الشرك معذور ، فقد افترى وكذب على الله ، وقد قال الله تعالى عن المقلدين من أهل النار ] إنّا أطعنا سادتنا وكُبراءنا فأضلونا السبيلا  [ ( الأحزاب : 67 ) وقال سبحانه حاكياً عن الكُفار قولهم : ] إنّا وجدنا آباءنا على أُمة وإنّا على آثارهم مهتدون  [
( الزخرف : 22 ) . وفي الآية الأخرى ] إنّا وجدنا آباءنا على أُمة وإنّا على آثارهم مقتدون  [
( الزخرف : 23 ) .

واستدل العلماء بهذه الآية ونحوها على أنه لا يجوز التقليد في التوحيد والرسالة وأصول الدين ، وأن فرضاً على كُل مُكلف : أن يعرف التوحيد بدليله وكذلك الرسالة وسائر أصول الدين ، لأن أدلة هذه الأصول ظاهرة ولله الحمد[60] لا يختص بمعرفتها العلماء )[61] .

ـ وقال رحمه الله : ( ومن العجب أن بعض الناس إذا سمع من يتكلم في معنى هذه الكلمة نفياً وإثباتاً عاب ذلك وقال : لسنا مُكلفين بالناس والقول فيهم[62] ، فيُقال له : بل أنت مُكلف بمعرفة التوحيد الذي خلق الله الجن والإنس لأجله ، وأرسل جميع الرسل يدعون إليه ، ومعرفة ضده وهو الشرك الذي لا يُغفر ولا عذر لمكلف في الجهل بذلك ، ولا يجوز فيه التقليد لأنه أصل للأصول .

فمن لم يعرف المعروف وينكر المنكر فهو هالك لا سيما أعظم المعروف وهو التوحيد وأكبر المنكرات وهو الشرك )[63] .

ـ وقال الشيخ عبد الرحمن بن حسن رحمه الله : ( ويُقال : وكل كافر قد أخطأ ، والمشركون لا بُد لهم من تأويلات ويعتقدون أن شركهم بالصالحين ، تعظيم لهم ينفعهم ويدفع عنهم ، فلم يُعذروا بذلك الخطأ ولا بذلك التأويل ، بل قال الله تعالى : ] والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليُقربونا إلى اللهِ زُلفى إن الله يحكم بينهم فيما هم فيه يختلفون إن الله لا يهدي من هو كاذب
كفار
[  ( الزمر : 3 ) ……

والعلماء رحمهم الله تعالى سلكوا منهج الاستقامة ، وذكروا باب حكم المرتد ، ولم يقل أحد منهم: أنه إذا قال كُفراً أو فعل كُفراً وهو لا يعلم أنه يُضاد الشهادتين ، أنه لا يكفر لجهله .

وقد بين الله في كتابه : أن بعض المشركين جُهال مقلدون ، فلم يدفع عنهم عقاب الله بجهلهم وتقليدهم ، كما قال تعالى : ] ومن الناس من يُجادل في الله بغير علم ويتبع كُل شيطان مريد   [ إلى قوله : ] إلى عذاب السعير [ ( الحج : 3 ، 4 ) )[64] .

ـ وقال الشيخ سليمان بن سحمان رحمه الله : ( إن الشرك الأكبر من عبادة غير الله ، وصرفها لمن أشركوا به مع الله من الأنبياء والأولياء والصالحين ، فإن هذا لا يُعذر أحد في الجهل به ، بل معرفته والإيمان به من ضروريات الإسلام ، فعلى كُل مسلم مُعاداة أهله ومقتهم وعيبهم والطعن عليهم ، ومصلحة إنكاره راجحة على مفسدة ترك ذلك من كُل وجه )[65] .

ـ وقال الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبو بطين مُبيناً الفرق بين أهل السُنة والمعتزلة في صحة إيمان المُقلَّد : ( وفرض على كُل أحد : معرفة التوحيد وأركان الإسلام بالدليل ، ولا يجوز التقليد في ذلك ، لكن العامي الذي لا يعرف الأدلة إذا كان يعتقد وحدانية الرب سبحانه ، ورسالة محمد صلى الله عليه وسلم ، ويؤمن بالبعث بعد الموت وبالجنة والنار وأن هذه الأمور الشركية التي تُفعل عند هذه المشاهد باطلة وضلال ، فإذا كان يعتقد اعتقاداً جازماً لا شك فيه[66] ، فهو مسلم وإن لم يُترجم بالدليل ، لأن عامة المسلمين ولو لُقنوا الدليل فإنهم لا يفهمون المعنى غالباً )[67] .

ـ وقال الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن رحمه الله : ( لا بُدّ في هذا المقام من تفصيل به يزول الإشكال ، وهو الفرق بين مُقلد تمكن من العلم ومعرفة الحق فأعرض عنه ، ومُقلد لم يتمكن من ذلك بوجه ، والقسمان واقعان في الوجود ، فالمتمكن والمُعرض مُفرط تارك للواجب عليه لا عذر له عند الله ، وأما العاجز عن السؤال والعلم الذي لا يتمكن من العلم بوجه ، فهم قسمان .

أحدهما : مُريد للهُدى مؤثر له مُحب له غير قادر عليه ولا على طلبه لعدم مُرشد ، فهذا حكمه حكم أرباب الفترات ومن لم تبلغه الدعوة ، الثاني : مُعرض لا إرادة له ولا يُحدث نفسه بغير ما هو عليه . فالأول يقول : يا رب لو أعلم لك دين خير مما أنا عليه لدُنت به وتركت ما أنا عليه ولكن لا أعرف سوى ما أنا عليه ولا أقدر على غيره ، فهو غاية جهدي ونهاية معرفتي ، والثاني : راضٍ بما هو عليه ولا يؤثر غيره عليه ولا تطلب نفسه سواه ، ولا فرق عنده بين حال عجزه وقدرته ، وكلاهما عاجز ، وهذا لا يُحب أن يلحق بالأول لما بينهما من الفرق .

فالأول كمن طلب الدين في الفترة فلم يظفر به ، فعدل عنه بعد استفراغ الوسع في طلبه عجزاً وجهلاً ، والثاني كمن لم يطلب به ، مات على شركه ولو كان طلبه لعجز عنه ، ففرق بين عجز الطالب وعجز المُعرض )[68] .

 

عدم إعذار أهل الفترة الفاقدة للحجة والبرهان دليل على عدم الإعذار في وجود القرآن والسُنة من باب أولى :

ـ قال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن رحمهما الله تعالى : ( ولذلك حَكَم على المُعيَّنين من المشركين من جاهلية العرب الأميين لوضوح الأدلة وظهور البراهين ، وفي حديث المنتفق : (( ما مررت عليه من قبر دوسي أو قُرشي فقل له : إن محمداً يُبشرك بالنار )) .

وهذا وهُم أهل فترة فكيف بمن نشأ من هذه الأمة وهو يسمع الآيات القرآنية والأحاديث النبوية والأحكام الفقهية في إيجاب التوحيد والأمر به ، وتحريم الشرك والنهي عنه ؟ فإن كان ممن يقرأ القرآن فالأمر أعظم وأطم ، لا سيما إن عاند في إباحة الشرك ودعا إلى عبادة الصالحين والأولياء وزعم أنها مُستحبة وأن القرآن دلّ عليها ، فهذا كفره أوضح من الشمس في الظهيرة ولا يتوقف في تكفيره من عرف الإسلام وأحكامه[69] وقواعده وتحريره )[70].

ـ وقال الشيخ عبد الرحمن بن حسن رحمه الله : ( ولا ريب : أن الله تعالى لم يعذر أهل الجاهلية الذين لا كتاب لهم بهذا الشرك الأكبر ، كما في حديث عياض بن حمار عن النبي صلى الله عليه وسلم : (( إن الله نظر إلى أهل الأرض ، فمقتهم عربهم وعجمهم إلاَّ بقايا من أهل الكتاب )) .

فكيف يعذر أمةً كتاب الله بين أيديهم يقرؤونه ويسمعونه وهو حُجة الله على عباده كما قال تعالى : ] هذا بلاغ للناس ولينذروا به وليعلموا أنما هو إله واحد وليذكر أولوا الألباب  [
( إبراهيم : 52 ) )[71] .

 

الغالب على كُل مشرك شُبهة عُرضت له اقتضت كُفره :

ـ قال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن رحمهما الله : ( والغالب على كُل مشرك أنه عُرضت له شُبهة اقتضت كفره وشركه[72] ، قال تعالى : ] لو شاء الله ما أشركنا ولا ءابآؤنا …[ الآية
( الأنعام : 148 ) .

وقال ] لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء  [ ( النحل : 35 ) ، عُرضت لهم شُبهة القدرية فردّوا أمره تعالى ودينه وشرعه بمشيئته القدرية الكونية ……

والنصارى شُبهتهم في القول بالنبوة والأقانيم الثلاثة : كون المسيح خُلق من غير أب ، بل بالكلمة ، فاشتبه الأمر عليهم ، لأنهم عُرفوا من بين سائر الأمم بالبلادة وعدم الإدراك في المسائل الدينية ، فلذلك ظنَّوا أن الكلمة تدرعت في الناسوت وأنها ذات المسيح ولم يُفرقوا بين الخلق والأمر ، ولم يعلموا أن الخلق يكون بالكلمة لا هو نفس الكلمة .

وقد أشار الله إلى شبهتهم وردّها وأبطلها في مواضع من كتابه ، كقوله تعالى : ] إن مثل عيسى عند الله كمثل ءادم  [ ( آل عمران : 59 ) ، وقوله : ] وكلِمته ألقاها إلى مريم [ ( النساء : 171 ) ، وأكثر أعداء الرسل عُرضت لهم شُبُهات )[73] .

 

العذر بالخطأ في الشرك الأكبر يلزم منه عدم تكفير طوائف من الكُفار والزنادقة قد أجمعت الأمة على كفرها

وكفر من شك في كُفرها :

ـ قال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن رحمهما الله : ( وهل أوقع الاتحادية والحلولية فيما هم عليه من الكفر البواح والشرك العظيم والتعطيل لحقيقة وجود ربّ العالمين إلاَّ خطؤهم في هذا الباب الذي اجتهدوا فيه ، فضلُّوا وأضلَّوا عن سواء السبيل ؟ وهل قتل الحلاج ـ باتفاق أهل الفتوى على قتله ـ إلا ضلال اجتهاده ؟ وهل كفر القرامطة وانتحلوا ما انتحلوه من الفضائح الشنيعة وخلعوا ربقة الشريعة إلا باجتهادهم فيما زعموا ؟ وهل قالت الرافضة ما قالت واستباحت ما استباحت من الكفر والشرك وعبادة الأئمة الإثني عشر وغيرهم ، ومسبة أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم وأم المؤمنين الصديقة بنت الصديق رضي الله عنهما إلا باجتهادهم فيما زعموا !؟ )[74] .

 

الكفر غير خاصاً بالمعاند بل يشمل من أرتكب الكفر جاهلاً :

ـ قال الشيخ عبد الله أبو بطين : ( وقال رحمه الله ـ أي شيخ الإسلام ابن تيميه ـ في أثناء كلام له ، قال : ولهذا قالوا من عصى مستكبراً كإبليس كفر بالاتفاق ، ومن عصى مشتهياً لم يكفر عند أهل السنة ، ومن فعل المحارم مستحلاً فهو كافر بالاتفاق .

وقال : والاستحلال اعتقاد أنها حلال ، وذلك يكون تارة باعتقاد أن الله لم يحرمها وتارة بعدم اعتقاد أن الله حرمها ، وهذا يكون لخلل في الإيمان بالربوبيه أو الرسالة ، ويكون جحداً محضاً غير مبني على مقدمة ، وتارة يعلم أن الله حرمها ثم يمتنع من التزام هذا التحريم ويُعاند ، فهذا أشد كفراً
ممن قبله ، انتهى .

وكلامه رحمه الله في مثل هذا كثير ، فلم يخص التكفير بالمعاند ، مع القطع بأن أكثر هؤلاء جهال ، لم يعلموا أن ما قالوه أو فعلوه كُفر ، فلم يُعذروا بالجهل في مثل هذه الأشياء )[75] .

ـ وقال رحمه الله : ( فإن كان مرتكب الشرك الأكبر معذوراً لجهله فمن الذي لا يُعذر ؟! ولازم هذه الدعوى : أنه ليس لله حجة على أحد إلا المعاند ، مع أن صاحب هذه الدعوى لا يمكنه طرد أصله ، بل لا بُد أن يتناقض ، فإنه لا يمكنه أن يتوقف في تكفير من شك في رسالة محمد صلى الله عليه وسلم ، أو شك في البعث أو غير ذلك من أصول الدين ، والشاك جاهل والفقهاء يذكرون في كتب الفقه حكم المرتد : أنه المسلم الذي يكفر بعد إسلامه نطقاً أو فعلاً أو شكاً أو اعتقاداً ، وسبب الشك الجهل ، ولازم هذا : أنا لا نُكفِّر جهلة اليهود والنصارى[76] ، والذين يسجدون للشمس والقمر والأصنام لجهلهم ، ولا الذين حرقهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه بالنار ، لأنا نقطع أنهم جهال ، وقد أجمع المسلمون على كفر من لم يكفر اليهود والنصارى أو شك في كُفرهم ، ونحن نتيقن أن أكثرهم جُهال .

 

الأدلة على عدم العذر بالجهل في أصل الدين :

ثم قال رحمه الله : وقال الشيخ تقي الدين رحمه الله تعالى : من سب الصحابة رضوان الله عليهم ، أو واحداً منهم ، واقترن بسبه دعوى أن علياً إله أو نبي ، أو أن جبريل غلط ، فلا شك في كفر هذا ، بل لا شك في كفر من توقف في تكفيره ، قال : ومن زعم أن الصحابة ارتدوا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا نفراً قليلاً لا يبلغون بضعة عشر ، أو أنهم فسقوا ، فلا ريب في كفر قائل ذلك ، بل من شك في كفره فهو كافر[77] .

قال : ومن ظن أن قوله تعالى :  ] وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه [ ( الإسراء : 23 ) بمعنى قدَّر ، وأن الله سبحانه ما قدَّر شيئاً إلا وقع ، وجعل عَبَدة الأصنام ما عبدوا إلا الله ، فإن هذا من أعظم الناس كفراً بالكتب كلها ، انتهى .

ولا ريب : أن أصحاب هذه المقالة ، أهل علم وزهد وعبادة ، وأن سبب دعواهم هذه الجهل ، وقد أخبر الله سبحانه عن الكفار : أنهم في شك مما تدعوهم إليه الرسل ، وأنهم في شك من البعث ، وقالوا لرسلهم : ] وإنا لفي شك مما تدعوننا إليه مريب  [ ( إبراهيم : 9 ) ، وقال تعالى : ] وإنهم لفي شك منه مريب [ ( هود : 110 ) ، وقال تعالى إخباراً عنهم : ] إن نظن إلاّ ظناً وما نحن بمستيقنين  [
( الجاثية : 32 ) ،وقال تعالى عن الكفار] إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون  [ (الأعراف : 30 ) وقال تعالى : ] قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا [ ( الكهف : 103 ، 104 ) ،

ووصفهم الله سبحانه بغاية الجهل ، كما في قوله تعالى: ] لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون [
( الأعراف : 179 ) . وقد ذم الله المقلدين بقوله عنهم :  ] إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنّا على آثارهم مهتدون  [ الآيتين ( الزخرف : 22 ، 23 ) ، ومع ذلك كفرهم…

قال الشيخ موفق الدين أبو محمد بن قدامة رحمه الله تعالى لما أنجز كلامه : هل كل مجتهد مصيب ؟ ورجح قول الجمهور ، أنه ليس كل مجتهد مصيب ، بل الحق في قول واحد من أقوال المجتهدين .

قال : وزعم الجاحظ : أن من خالف ملة الإسلام إذا نظر فعجز عن إدراك الحق فهو معذور غير آثم ، إلى أن قال : أما ما ذهب إليه الجاحظ فباطل يقيناً وكُفرٌ بالله ورد عليه وعلى رسوله ، فنعلم قطعاً : أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر اليهود والنصارى بالإسلام وإتباعه وذمهم على الإصرار وقاتلهم جميعهم ، يقتل البالغ منهم .

ونعلم : أن المعاند العارف ممن يقل ، وإنما الأكثر مقلدة اعتقدوا دين آبائهم تقليداً ولم يعرفوا معجزة الرسول وصدقه .

والآيات الدالة في القرآن على هذا كثيرة ، كقوله تعالى : ] ذلك ظن الذين كفروا [ الآية
( ص : 27 ) ، وقوله : ] وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم  [ الآية ( فصلت : 23 ) ، وقوله :
 
] إنهم إلا يظنون [ ( الجاثية : 24 ) .

وقوله : ] ويحسبون أنهم على شيء [ ( المجادلة : 18 ) ، وقوله : ] ويحسبون أنهم مهتدون [
( الزخرف : 37 ) ، وقوله : ] قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يُحسنون صنعاً [ الآية ( الكهف : 103 ، 104 ) .

وفي الجملة : ذم المكذبين للرسول مما لا ينحصر في الكتاب والسنة ، انتهى .

والعلماء يذكرون : أن من أنكر وجوب عبادة من العبادات الخمس أو قال في واحدة منها إنها سنة لا واجبة ، أو جحد حِلَّ الخبز ونحوه ، أو جحد تحريم الخمر ونحوه ، أو شك في ذلك ومثله لا يجهله كفر ، وإن كان مثله يجهله عُرِّف ، فإن أصرّ بعد التعريف كفر وقتل ؛ ولم يقولوا : فإذا تبين له الحق وعاند كفر .

وأيضاً فنحن لا نعرف أنه مُعاند ، حتى يقول : أنا أعلم أن ذلك حق ولا ألتزمه ولا أقوله ، وهذا لا يكاد يوجد .

وقد ذكر العلماء من أهل كل مذهب أشياء كثيرة لا يمكن حصرُها من الأقوال والأفعال والاعتقادات : أنه يكفر صاحبها ولم يُقيدوا ذلك بالمعاند ، فالمدعي أن مرتكب الكُفر متأولاً أو مجتهداً أو مُخطِأً أو مُقلداً أو جاهلاً معذور ، مخالف للكتاب والسنة والإجماع بلا شك ، مع أنه لا بُدّ أن ينقض أصله فلو طرد أصله كفر بلا ريب ، كما لو توقف في تكفير من شك في رسالة محمد صلى الله عليه وسلم ونحو ذلك )[78] .

 

الشبهة التي يستدل بها دائماً المخالفون :

ـ قال الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبو بطين : ( واحتج بعض من يُجادل عن المشركين بقصة الذي قد أوصى أهله أن يُحرقوه بعد موته على أن من أرتكب الكفر جاهلاً لا يكفر ولا يكفر
إلا المعاند .

والجواب على ذلك كله : أن الله سبحانه وتعالى أرسل رسله مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حُجة بعد الرسل ، وأعظم ما أُرسلوا به ودعوا إليه : عبادة الله وحده لا شريك له ، والنهي عن الشرك الذي هو عبادة غيره ، فإن كان مرتكب الشرك الأكبر معذوراً لجهله ، فمن
الذي لا يُعذر ؟! ……

وأما الرجل الذي أوصى أهله أن يُحرقوه ، وأن الله غفر له مع شكه في صفة من صفات الرب تبارك وتعالى ، فإنما غفر له لعدم بلوغ الرسالة له ، كذلك قال غير واحد من العلماء .

ولهذا قال الشيخ تقي الدين : من شك في صفة من صفات الرب تعالى ومثله لا يجهله كفر وإن كان مثله يجهله لم يَكفر ، قال : ولهذا لم يُكفر النبي صلى الله عليه وسلم الرجل الشاك في قدرة الله تعالى لأنه لا يَكفر إلا بعد بلوغ الرسالة ، وكذلك قال ابن عقيل وحمله على أنه لم تبلغه الدعوة .

واختار الشيخ تقي الدين في الصفات : أنه لا يكفر الجاهل ، وأما في الشرك ونحوه فلا ، كما ستقف على بعض كلامه إن شاء الله تعالى ، وقد قدمنا بعض كلامه في الاتحادية وغيرهم ، وتكفيره من شك في كفرهم .

قال صاحب اختياراته : والمرتد من أشرك بالله أو كان مبغضاً لرسوله صلى الله عليه وسلم أو لما جاء به ، أو ترك إنكار كُل منكر بقلبه[79] ، أو توهم أن من الصحابة من قاتل مع الكُفار ، أو أجاز ذلك ، أو أنكر فرعاً مجمع عليه إجماعاً قطعياً ، أو جعل بينه وبين الله وسائط يتوكل عليهم ويدعوهم ويسألهم ، كفر إجماعاً .

ومن شك في صفة من صفات الله تعالى ومثله لا يجهلها فمرتد ، وإن كان مثله يجهلها فليس بمرتد[80] ، ولهذا لم يُكفر النبي صلى الله عليه وسلم الرجل الشاك في قدرة الله .

فأطلق فيما تقدم من المكفرات وفرَّق في الصفة بين الجاهل وغيره مع أن رأي الشيخ : أن التوقف في تكفير الجهمية ونحوهم خلاف نصوص أحمد وغيره من أئمة الإسلام .

قال المجد رحمه الله تعالى : كل بدعة كفرنا فيها الداعية فإنا نُفسق المقلد فيها ، كمن يقول : بخلق القرآن أو أن علم الله مخلوق أو أن أسمائه مخلوقة ، أو أنه لا يُرى في الآخرة ، أو يسب الصحابة رضي الله عنهم تديناً ، أو أن الإيمان مجرد الاعتقاد ، وما أشبه ذلك .

فمن كان عالماً في شيء من هذه البدع يدعوا إليه ويناظر عليه ، محكوم بكفره نص أحمد على ذلك في مواضع ، انتهى .

فانظر كيف حكم بكفرهم مع جهلهم )[81] .

ـ وقال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن رحمه الله : ( وحديث الرجل الذي أمر أهله بتحرِّيقه كان موحداً ليس من أهل الشرك ، فقد ثبت من طريق أبي كامل عن حماد عن ثابت عن أبي رافع عن أبي هريرة (( لم يعمل خيراً قط إلا التوحيد ))[82] .

فبطل الاحتجاج به في مسألة النـزاع )[83] .

 

وخلاصة القول :

لا يُعذر أحد بالجهل في مسائل أصول الدين . 

 

*       *       *

 

 

 

 

الخاتمة :

 

أخي الموحد .. وبعد التوضيح والتبيين بالأدلة الشرعية وكلام أهل العلم ، هل هُناك تردُد في تكفير المرتدين .

وأُذكرك بأني ذكرت تسع شُبه ورددتُ عليها بما استطعت في كتابي : ( الحق واليقين في عداوة الطُغاة والمُرتدين ) على موقع الإنترنت ، منبر التوحيد والجهاد ، فارجع إليه إن شئت .

وأسأله سبحانه أن يُزيل كُل الشُبه أمامك لتعرف الحق من الباطل .

وإن تعودوا نعُد بإذن الله عز وجل .

 

 

 

أبو عبد الرحمن الأثري

5/11/1422 هـ

 

 

*       *       *

 

 

 

 

 

 

 

 

الفهرس

 

 

المقدمة  ……………………………………………………

 

يترددون في تكفيرهم بأربع أمور   …………………………………

 

أما مسألة أن عندهم علماء يفتون لهم بذلك   …………………………

 

أما مسألة أن لا يُكفَّروا بأعيانهم فهذه مسألة تكفير المعين …………………

 

أما مسألة أن الحجة لم تقم عليهم فهذه مسألة قيام الحجة …………………

 

أما مسألة أنهم جهلة فهذه مسألة العذر بالجهل…………………………

 

الخاتمة  ……………………………………………………

الفهرس ……………………………………………………

 

 

 

*       *       *

 

[1] تنبيه : كلامنا على الكفر المُجمع عليه والمسائل الظاهرة والأمور المعلومه من الدين بالضرورة وليس كلامُنا في المسائل الخفية .

[2] أما من أراد زيادة بحث في هذه المسألة فليرجع إلى رسالة ( تكفير المُعيَّن ) لإسحاق بن عبد الرحمن بن حسن ، وهي موجودة في عقيدة الموحدين ، ورسالة ( مفيد المستفيد  في كفر تارك التوحيد ) للشيخ محمد بن عبد الوهاب ، وبعض رسائل الشيخ في الدرر السنية .

[3] يعني ابن تيميه .

[4] قلت : فأي هذين أعظم تزويج امرأة الأب ؟ أم تحكيم القوانين ومظاهرة الصليبين ضد أهل التوحيد في أفغانستان .

[5] الدرر السنية  10 / 63 – 73 .

[6] يعني دُعاة الضلال .

[7] مجموعة الرسائل والمسائل النجدية  1 / 657 .

[8] الدرر السنية  10 / 401 .

[9] يعني في المسائل الخفية .

[10] كشف الشبهتين  ص 83 .

[11] الدرر السنية  11 / 452 ، 453 .

[12] كشف الشبهتين  ص 96 .

[13] تأمل الشيخ إسحاق عدَّ عدم تكفير المُعيَّن من البدع .

[14] هو داود بن جرجيس ، رد عليه الشيخ عبد اللطيف في كتابه منهاج التأسيس والتقديس .

[15] عقيدة الموحدين ، رسالة : ( حكم تكفير المُعين والفرق بين قيام الحجة وفهم الحجة ) ص 169 ، 170 .

[16] تأمل يا من تردد في تكفير المُعيَّن ماذا سماهم الشيخ .

[17] ذكر الشيخ أنه لم يسمع إلا من هؤلاء فانتبه لذلك .

[18] مجموع مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب  6 / 210 – 215 .

[19] عقيدة الموحدين  ص 526 ، 227 .

[20] المراد بقيام الحجة ليس إثبات وصف الكفر لمن تلبس به ، ولكن لاستحقاق العذاب يوم القيامة .

[21] من منهج الشيخ محمد بن عبد الوهاب أنه لا يعذر في المسائل الظاهرة مثل الطواف والسجود والدعاء والذبح والحكم بغير الشرع إلا حديث عهد بالإسلام أو رجل نشأ ببادية بعيدة عن الإسلام ، ولا يعذر إلا في المسائل الخفية ، حيث لا يُكفِّر من فعلها حتى يُقيم عليه الحجة . وبذلك يتبين لك ضلال من يعذر في المسائل الظاهرة ، وأما من مات على الشرك حتى ولو لم يبلغه الإسلام فهو مشرك ، ولا يُسمى مسلم بالإجماع ، هذا حكمه في الدُنيا ، والخلاف هل يُعذب يوم القيامة ؟ والصحيح أنه لا يُعذب لقوله تعالى : ] وما كُنا مُعذبين حتى نبعث رسولا [ فإن الله لا يُعذب أحداً يوم القيامة حتى يُقيم عليه الحُجة ، وحكمه في الدنيا أنه مشرك ، وحكمه في الدُنيا شيء وفي الآخرة شيء آخر ، فانتبه يا طالب الحق .

[22] وفهم الحجة شيء وقيامها شيء آخر ، ويغلط في ذلك كثير من طلاب العلم ، لأن فهم أبو بكر وعمر غير فهمي وفهمك ، وهذا فرق شاسع وواضح ، إذ لا يُشترط فهم الحجة .

[23] الدرر السنية  10 / 93 – 95 .

[24] عقيدة الموحدين ، رسالة : ( حكم تكفير المُعين والفرق بين قيام الحجة وفهم الحجة ) ص 178 .

[25] المراد من فهم كلام الله هنا أن يتفطن العبد إلى مراد الله من الدليل ، ويستوعب وجه الاستدلال منه ، وليس المقصود أن يفهم دلالة الألفاظ ويدرك معانيها ، أي البيان . قال الله تعالى : ] وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليُبين لهم  [( إبراهيم : 4 ) .

[26] عقيدة الموحدين ، رسالة : ( حكم تكفير المُعين والفرق بين قيام الحجة وفهم الحجة ) ص 173 .

[27] عقيدة الموحدين ، رسالة : ( حكم تكفير المُعين والفرق بين قيام الحجة وفهم الحجة ) ص 171 .

[28] كشف الشُبهتين ص 91 .

[29] الدرر السنية  10 / 433 .

[30] النبذة الشريفة النفيسة في الرد على القبوريين .

[31] مجموعة الرسائل والمسائل النجدية ج 4  القسم الثاني ص 474 ، 475 .

[32] مجموع الفتاوى  16 / 149 .

[33] مجموع الفتاوى  5 / 158 .

[34] مجموع الفتاوى  23 / 147 .

[35] مفتاح دار السعادة  1 / 81 – 105 .

[36] عقيدة الموحدين ، رسالة : ( حكم تكفير المعين والفرق بين قيام الحجة وفهم الحجة ) ص 171 .

[37] عقيدة الموحدين ، رسالة : ( حكم تكفير المعين والفرق بين قيام الحجة وفهم الحجة ) ص 184 .

[38] الدرر السنية  10 / 142 .

[39] عقيدة الموحدين ، رسالة : ( حكم تكفير المعين والفرق بين قيام الحجة وفهم الحجة ) ص 179 .

[40] عقيدة الموحدين ، رسالة : ( حكم تكفير المعين والفرق بين قيام الحجة وفهم الحجة ) ص 178 .

[41] تنبيه :

   من وقع في الكفر والشرك فهذا كافر مُشرك ، هذا حكمه في الدنيا ، أما الآخرة ففيه خلاف ، والصحيح أن الله عز وجل لا يُعذب أحداً حتى يُقيم  الحُجة عليه ، لقوله تعالى : ] وما كُنا معذبين حتى نبعث رسولا [ فمن نشأ في بادية بعيدة لم يسمع بالإسلام أو كان حديث عهد بالإسلام ووقع في الكفر ، فحكمه في الدنيا كافر غير مُعذب يوم القيامة ، لأن الحُجة لم تقم عليه ، وحكمه في الدنيا شيء وفي الآخرة شيء آخر ، إلا في المسائل الخفية فلا يُكفَّر حتى يُعرّف ، هذا في الجُملة منهج ابن تيميه وابن القيم ومحمد بن عبد الوهاب وأئمة الدعوة وسيأتي كلامهم رحمهم الله تعالى .

[42] تأمل كلام ابن القيم إذ لم يعذُر الجُهال وكفَّرهم ، وانتبه حتى المقلدين لرؤسائهم أو علمائهم فإنهم داخلين في ذلك إذا أطاعوهم في الكفر ، فانتبه يا أخا التوحيد وادعوا الله وتضرع إليه بطلب الحق ، وإياك والتقليد ، واجعل منهجك الكتاب والسنة ، والحذر الحذر من الزيغ ، نسأل الله أن يٌثبتنا وإياك على الصراط المستقيم .

[43] عقيدة الموحدين ، رسالة : ( حكم تكفير المعين والفرق بين قيام الحجة وفهم الحجة ) ص 183 .

[44] والشيعة هم الرافضة وهم كُفار بالله ، ولذلك فمن معتقداتهم أنهم يتهمون عائشة رضي الله عنها بالزنا ـ حاشاها وقد برأها الله في القرآن ـ ويقولون إن القرآن ناقص ، وقد قال ابن عباس ( من كفر بحرف واحد من القرآن فقد كفر بالقرآن كُله ) ويسبون الصحابة ومنهم من يُكفِّر أبو بكر وعُمر ، ومنهم من يؤلهون علي ، والصحيح أنهم كُفار هم وعامتهم وجُهالهم ، ومن أراد مزيد بحث عن الرافضة فليرجع إلى كتاب صغير الحجم ( من عقائد الشيعة ) .

[45] الدرر السنية  11 / 479 – 482 .

[46] مجموع الفتاوى  7 / 166 .

[47] مجموع الفتاوى  11 / 168 ، 169 .

[48] مجموع الفتاوى  17 / 336 .

[49] الصارم المسلول  ص 178 .

[50] مجموع الفتاوى  22 / 387 .

[51] إغاثة اللهفان  1 / 332 .

[52] مجموعة الرسائل والمسائل النجدية ج4 القسم الثاني ص 477 .

[53] الدرر السنية  1 / 71 .

[54] إن كان يخاف على زوال مُلك أو جاه أو منصب ، فليس معذور بل كافر ، والعياذ بالله ، بشرط أنه وقع في كُفر .

[55] عقيدة الموحدين ص 470 .

[56] الدرر السنية  10 / 404 ، 405 .

[57] كشف الشبهتين  ص 92 .

[58] هذه الأدلة على عدم العذر بالجهل في المسائل الظاهرة .

[59] نقل الحافظ ابن كثير رحمه الله في هذه الآية عن الإمام الطبري قوله وأقرّه عليه ، وقال الإمام البغوي فيها : ( وفيه دليل على أن الكافر الذي يظن أنه في دينه على الحق ، والجاحد ، والمُعاند ، سواء ) .

[60] اعرف ذلك يا طالب الحق ، واهتم بالدليل واجعله منهجك .

[61] الدرر السنية  10 / 391 – 194 .

[62] فكيف بمن يقول أنا أتورع من الكلام في الناس .

[63] عقيدة الموحدين ، رسالة : ( الانتصار لحزب الله الموحدين ) ص 16 .

[64] الدرر السنية  11 / 478 ، 479 .

[65] كشف الشبهتين  ص 63 ، 64 .

[66] موقن بذلك من غير شك ولا تردد .

[67] الدرر السنية  10 / 409 .

[68] عقيدة الموحدين ، رسالة : ( حكم تكفير المعين والفرق بين قيام الحجة وفهم الحجة ) ص 184 .

[69] تأمل ذلك واعرف جهل من يعذرون عُباد القبور في مصر والسودان ، فنعوذ بالله من الضلال .

[70] منهاج التأسيس والتقديس  ص 102 .

[71] الدرر السنية  11 / 466 .

[72] ليس كُل من جاءنا بشبهة عذرناه .

[73] منهاج التأسيس والتقديس  ص 102 ، 103 .

[74] منهاج التأسيس والتقديس  ص 218 .

[75] الدرر السنية  10 / 369 ، 370 .

[76] انتبه لهذا الإلزام الخطير .

[77] شيخ الإسلام ابن تيميه لا يعذر بالجهل ، وهذه عبارات واضحة وبينة ولم يستثني الجاهل ، وما نُقل عنه انه يعذر الجهمية ولا يُكفرهم ، فهذا في مسألة الأسماء والصفات وفي المسائل الخفية ، أما الأمور الظاهرة مثل دعاء الأولياء أو الطواف بالقبور أو الذبح لغير الله فهذه لا يعذر فيها ابن تيميه ، وعلى العموم مرجعنا الكتاب والسنة ، وابن تيميه وغيره من العلماء ليسوا معصومين .

[78] الدرر السنية  12 / 69 – 73 .

[79] انتبه لذلك يا أخا التوحيد .

[80] ابن تيميه لا يُكفِّر الجاهل بالصفات .

[81] الدرر السنية  12 / 68 – 74 .

[82] انتبه لذلك .

[83] منهاج التأسيس والتقديس  ص 218 .

 

نقله لكم إخوانكم في مؤسسة التوحيد والجهاد 

لا تنسونا من صالح دعائكم 

https://twitter.com/tawhid_jihad_3

 

_________asdfu_small.png