بسم الله و الحمد لله
"الحكومة المحايدة بين الشرع و الواقع"
- سعى أعداء الدين طويلا و عبر حملات منظمة ممنهجة لحصر صورة الحكم بالشريعة الإسلامية في الحدود و القصاص لمآرب لا تخفى على أحد، و ساعدهم في ذلك للأسف بعض المنتسبين للحركات الإسلامية –بدون قصد- حين ركزوا على هذين الأمرين دون غيرهما مما ربط الشريعة وإعمالها في أذهان كثيرين بالحدود و القصاص فقط.
- من مسلمات ديننا الحنيف أن قوله تعالى "و أن احكم بينهم بما أنزل الله " و قوله تعالى "ألا له الخلق و الأمر" و قوله صلى الله عليه وسلم "إن الله هو الحكم" (رواه أبو داود)وغير ذلك من الأدلة يشمل كل مناحي حياة المسلم كبيرها و صغيرها ، وبطبيعة الحال و من باب أولى كل مناحي الحكم في الدولة من سياسة داخلية و خارجية و اقتصاد و مالية و حدود و قصاص و أمن...الخ
- الخدعة التي قد تنطلي على البعض (وللأسف انطلت على بعض المشايخ الفضلاء) أن هناك حكومة محايدة لا هي إسلامية و لا هي علمانية، أو أنه توجد حقائب حكومية محايدة بين الإسلام و العلمانية، ولا شك أن هذا خطأ محض يقر بخطئه مفكرو العلمانية أنفسهم.بل نذهب أبعد من ذلك و نقول إن أي وزير يتولى حقيبة وزارية ،لو أراد أن تكون وزارته إسلامية،لابد أن يكون له اختيارات فقهية محددة في المسائل الشرعية و لهذا اشترط أهل العلم ممن كتب في علم السياسة أن يكون الوزير عنده علم شرعي كاف في شؤون وزارته.
- لنأخذ مثالا وزارة الاقتصاد ، سيتعين على وزير الاقتصاد أن يحدد هل سيدير اقتصاد البلد بطريقة إسلامية فيمنع الربا (فضلا ونسيئة)و المعاملات البنكية المخالفة و يمنع الغرر في البيوع و يراعي في الاستيراد و التصدير الأحكام الشرعية...إلخ ؟أم سيحكم الاقتصاد بالقوانين العلمانية التى لا تراعي أحكام الشرع فيما سبق و غيره؟ (بالطبع لو اختار العلمانية سيتعين عليه أن يختار صورة الاقتصاد العلماني :رأسمالي أو اشتراكي أو مختلط...الخ)
ولو اختار أن يحكم الاقتصاد بالشرع فعليه بعد ذلك أن يعين الاختيارات الفقهية التي سيحكم بها ، فهل سيجعل العلة في الربويات الطعم والوزن ، أم الطعم فقط...الخ؟ وهل سيصحح عقود تصدير المحاصيل الزراعية لمن يغلب على الظن أنه سيصنع منها خمرا (كما هو رأي الحنفية و الشافعية) أم سيمنع هذا البيع ويبطل عقوده(كما هو رأي الحنابلة و المالكية)...إلخ؟
ولا يتصور عقلا ولا شرعا أن يتولى أحد حقيبة وزارة الاقتصاد و لا يكون له حكم في كل ما سبق وأكثر منه بكثير، و إلا فلم يطلق عليه لقب وزير؟؟، ولو قلنا أن مهمته تسيير الأعمال ، فبأي طريقة سيسيرها بالطريقة الإسلامية أم العلمانية؟؟؟
- نفس الشيء وزارة الخارجية هل ستجعل الولاء للمسلمين أيا كانت دولهم أم الولاء سيكون للمصلحة الوطنية فقط، هل ستكون العلاقات مرتبطة بمصلحة الإسلام و أهله أم بمصلحة الدولة القومية؟ هل سيتم عقد معاهدات بشرط تحديد المدة (كما هو رأي الجمهور) أم سيختار وزير الخارجية رأي ابن تيمية في جواز عقد معاهدات بدون تحديد بشرط عدم القدرة...إلخ؟.
- وزارة التعليم: هل التعليم إسلامي أم علماني؟؟ ماذا سيكتب في مادة التاريخ و التربية القومية ؟؟؟ بل –على سبيل المثال لا الحصر- قانون بقاء الطاقة في الفيزياء و الكمياء هل ستعاد صياغته بطريقة توافق الشرع أم سيظل بصورته العلمانية؟(بالمناسبة هناك صياغة إسلامية دقيقة منضبطة علميا للقانون)
ما غاية تعليم النشء اساسا؟؟؟
- بل في وزارات يُظن أنها محايدة تماما كوزارة الكهرباء و الماء، سيكون على الوزير أن يحدد هل سيلتزم بالشروط الإسلامية في بيع الكهرباء للرعية و ذلك بانتفاء الغرر و بيان سعر الكيلووات أم سيتبع الطريق المخالفة للشرع الموجودة في كثير من الدول والتي تبقي هذا السعر مجهولا و فق شرائح معقدة؟ هل سيأخذ بأن النجاسة تطهر بالاستحالة (كما هو رأي الحنفية ورواية عند الحنابلة) فيسمح بمعالجة مياه الصرف الصحي النجسة و إعادة تدوريها أم سيأخذ بالرأي المانع من ذلك؟...الخ
خلاصة ما أود قوله: أن ديننا الحنيف قد نظم كل شيء في حياتنا حتى الخراءة كما قال اليهودي لسلمان الفارسي رضي الله عنه(رواه مسلم)، و أن الانقياد و الحكم بهذا التنظيم من شروط التوحيد، و أن الحكم الإسلامي يشمل جميع مناحي الحياة دقها و جلها، فإن تم تجزيء هذا الحكم إلى وزارات لتسهيل العمل فهذا لا يعني أبدا أن هناك وزارة لا تنظم عملها الشريعة الإسلامية، و أن وجود وزارة حيادية أو غير مؤدلجة أمر يخالف الشرع و الواقع بل الجميع مؤدلج ولابد أن يختار في حكمه بين أن يحكم بما أنزل الله أو يحكم بغير ذلك
أسأل الله أن يلهمنا رشدنا و يهدينا إلى سواء السبيل
كتبه/أبو الفتح الفرغلي
13 ذو الجحة 1437هــ