إجابة السائل
عن دعوى الصائل
لتحكيمه للشرع وتكفيره سائر الفصائل
السؤال :
الجواب : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
لا شك أن هناك فرق بين إعلان الإمارة وبين تحكيم الشرع وليس من شروط تحكيم الشرع إعلان الإمارة وإن كانت الإمارة من وسائل تحكيم الشرع ، وذلك لأن تحكيم الشرع واجب عند الاستطاعة حتى ولو لم توجد الإمارة كما نص عليه العلماء في حال فقد الامام وشغور الزمان من الإمام القوام على أهل الإسلام.
والإمارة قد تتأخر لظرف أو تتعسر لعدم اجتماع شروطها قدرة أو قدرا ، فلا يحل مع ذلك التحاكم إلى شرع غير شرع الله بل لا يجوز التحاكم إلا للشرع وجدت الإمارة أم فقدت؛ وعدم قدرتنا على تحكيم الشرع لا يبيح لنا الحكم بغيره أوتحكيم الطواغيت ..
أما بخصوص السؤال عن الفصائل وموقفها من تحكيم الشرع :
1- فمن يزعم أن الغلاة يحكّمون الشرع فإما مضلّلٌ مستغفل ،أو مضلِّل مفتري على الشرع ، وأوضح المسائل عليهم في بطلان ذلك أنهم لا يحكمون بشرع الهداة في الدماء بل يحكمون فيها بشرع الطغاة ؛ فالشرع لا يبيح دم من تخلف عن البيعة ولو كان المبايع أبا بكر الصديق ،والشرع لا يبيح دم وعرض كل عالم خالف الدولة وأميرها ولو كانت الخلافة راشدة ، والشرع لا يحكم بطلاق زوجات من قاتل الغلاة ولا يحكم بأن بقاءهن مع أزواجهن زنى بشبهة أنهم صحوات أو أنهم مقاتلون لدولة الغلاة، بل حكم الشرع في نساء أنصار الطواغيت ليس كما زعم الغلاة للشبهة فكيف بنساء المخالفين لهم من المجاهدين المسلمين ؟ وقد بينت في رسالتي الثلاثينية أننا لا نكفر نساء أنصار الطواغيت المسلمات ونعذرهن بجهلهن ولا نقول عنهن زانيات ؛ فكيف بنساء المجاهدين ولو أخطأوا !؟
2- أما غير الغلاة فإن الغلاة يكذبون بزعم أنهم جميعا لا يحكمون بشرع الله ، ليستفردوا هم بدعوى تحكيم الشرع ثم يكفروا كل من قاتلهم بدعوى أنه لا يوجد اليوم من يحكم بشرع الله غيرهم .. فهذه نتائج خبيثة باطلة، مبنية على مقدمات كاذبة.. وهي من الحكم بغير ما أنزل الله ، فالواجب الحكم بما أنزل الله بالتفصيل في ذلك :
أ- فلا شك أن من الفصائل من يصرّح بعلمانية توجهاته وتطلعاته وغايته ورايته فهذا أمره واضح لا جدال في كفره ..
لكن الغلاة يجعلون كل من خالفهم في سلة واحدة مع هذا الصنف الخبيث وهذا لا شك من حكمهم بغير ما أنزل الله إذ هو من الحكم بالهوى والكذب والبهتان ..
ب- ومن الفصائل من يحكم في بعض ما يقدر على تحكيمه من شرع الله ، ويتأول في البعض الآخر نصوص الشرع وأقوال العلماء في السعة في تأجيل إقامة الحدود في دار الحرب ويعلن صراحة عن أن غايته هي تحكيم الشرع عند إسقاط الطاغوت ؛ فلا يكفر أمثال هؤلاء ويستحل دماءهم إلا الخوارج المارقون ، فمعلوم أن من خالف في مسألة إقامة الحدود في دار الحرب من العلماء ورأى وجوب إقامتها لم يكفّر من خالفه في ذلك ؛ كما يفعل الغلاة الذين يحتجون بأقوال هؤلاء العلماء في وجوب إقامة الحدود في دار الحرب ويعرضون عن موقفهم من عدم تكفير من خالفهم في ذلك ؛ فيأخذون ما يروق له من أقوالهم ويهملون ما يخالف هواهم ؟
ج- لكن ممن يلصق نفسه بهذا الصنف أناس كاذبون لا شك أنهم ليس لهم نصيب من هذا الإجتهاد، ولا حجة لهم بأقوال العلماء المذكورة ، لأنهم يستشهدون بأقوالهم في عدم إقامة الحد في دار الحرب حين يكون المتهم سابا للدين أو الرب أو الرسول ،أما حين تكون المسبة لأمير فصيلهم تراهم يقتلون الساب ويفعلون به الأفاعيل ولا يلتفتون لتلك النصوص التي يحتجون بها لتعطيل الحدود أو تأجيلها في دار الحرب !!
د- وهناك من يعلن أنه ينوي عند إسقاط الطاغية جعل الخيار في اختيار نوع الحكم بيد الشعب بمسلمهم وفاسقهم وكافرهم ودرزيّهم ونصيريهم ورافضيهم ونصرانيهم وهذا لا شك من تحكيم أهواء الناس وليس من الحكم بما أنزل الله وقد حكم الله وهو أحسن الحاكمين بأنه (وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين ) فكيف بعد هذا الحكم العادل من أحكم الحاكمين، وهذا الخبر الصادق من أصدق القائلين ؛يوثق باختيار الناس للإسلام بزعم من رقع لقائل ذلك بأن الشعب مسلم لن يختار إلا الإسلام ؟
وقد أمر الله رسوله بقوله : (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ ) وهذا في بعض ما أنزل الله ، فكيف يجوز بعد هذا لغير الرسول أن يتبع أهواء واختيارات الناس حول كل ما أنزل الله ؟؟
والشاهد من هذا التفصيل أنه لا يصح الإجمال في هذه المسألة وجعل الناس كلهم من صنف من لا يحكمون الشرع، لأجل تكفيرهم بذلك واستحلال دمائهم وأعراضهم كما يفعله الغلاة ..
بل الواجب التفصيل الذي يضع كل طائفة في محلها اللائق بها وهذا لا شك من الحكم بما أنزل الله ، والإجمال من الحكم بغير ما أنزل الله ..
وقد نص العلماء بأن التمسك بالإجمال وفصله عن مبينه من طريقة أهل الزيغ في اتباع المتشابه وترك المحكم ..
وقال العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى :
فعليك بالتفصيل والتبيين فالـ ** إطلاق والإجمال دون بيان
قد أفسدا هذا الوجود وخبطا ** الأذهان والآراء كل زمان
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أبو محمد المقدسي
5 من شوال 1436هـ