JustPaste.it

file12.png 

لحظات مع القرآن/ ب/٤

مع سورة غافر

بِسْم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على النبي الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد
ما زلنا مع الجدال الباطل لدحض الحق في سورة غافر( المؤمن) سورة الفرادة كما في صورة مؤمن آل فرعون وهو يهجر قومه لما بان له من الحق الذي أتى به موسى عليه السلام،وذلك من قوم لم يكن عندهم دليل يستندون إليه إلا كونهم الملأ الذي يريد بسط فكرته ودينه وقوانينه بالقوة ومظاهر الطغيان فقط.
يقول تعالى( الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم، كبر مؤقتاً عند الله وعند الذين آمنوا، كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر لا يؤمن بيوم الحساب)
هذا النص القرأني جاء بعد قوله( ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات فما زلتم في شك مماجاءكم به..)وتختم الأية بقوله( كذلك يضل من هو مسرف مرتاب).
فهذا الاتباع القائم على الشك وعدم اليقين يورث الإرتياب، وهو موجب للترك بمجرد حصول العوارض اليسيرة، ولذلك قالوا:( لن يبعث الله من بعده رسولاً)
وهذا قوله تعالى في سورة الشورى في قوله جل في علاه(وإن الذين أورثوا الكتاب من بعدهم لفي شك منه مريب) ذلك لوجود التفرق في الأسلاف، وهذا التفرق يصنع الشك والإرتياب في الابناء والأحفاد.
ما الذي حصل اذا بعد يوسف عليه السلام، وهم قد دخلوا دينه مع شك وارتياب؟
الذي وقع هو الترك، وهذا الترك لا بد له من تبرير بعد ذلك،وهذا التبرير هو الجدال بالباطل، فقوله تعالى بعد ذلك الأية المتقدمة من سورة غافر( الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان اتاهم كبر مقتاً عند الله وعند الذين آمنوا)، فإذا هو جدال التبرير في الإعراض وعدم الاتباع.
كان من عظمة هذا النص القرآني أن جعل معيار الحق قبول الصالحين له، وهذا كثير في القرآن، كقوله تعاالى في سورة هود(أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه) والصواب أن الشاهد هنا هو الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه،وكذلك قوله تعالى في سورة الحديد( ومالكم لا تؤمنون بالله والرسول يدعوكم لتؤمنوا بربكم) فقد جعل قوة الحق بقوة المؤمن به والداعي إليه ، فلنتبه لهذا في الدعوة إلى الله تعالى، لأن وعاء الحق يجب ان يكون حقاً وملائما للحق، وإلا افسد الحق وضره ، وفي هذه الأية جعل معيار الباطل هنا هو ترك الصالحين له، فقال سبحانه( كبر مقتاً عند الله وعند الذين آمنوا)، اذ يكفيه أنه باطل أن الله يمقته، وان المؤمنين يمقتونه كذلك.
لكن هاهنا بيان وجه صواب الجدال بالحق، وهو وجود سلطان له، وهو الدليل والبينة له، فمن جادل بلا سلطان إنما يجادل بالباطل، وما هي عنده الا أهواء نفوس لا غير.
ما هي حجة هؤلاء في جدالهم بالأهواء؟
الجواب في فاصلة هذه الآية، وهو قوله( كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار)
إنه الأنا فقط.
اذ يظن أن مجرد أن يقوله هو أن يكون هو الحق، وهذا هو تأليه النفس، وهو منازعة الله تعالى في صفتاه، بل في أخص صفاته وهي الكبرياء.
وهذا الكبر مظهره بعد ذلك، بل سببه قبل ذلك أنه جبار.
فهو يدفع بالأقوال كما يريد، ولا يريد أن يدافع في قوله، لأنه متكبر، فإن نوزع وحوجج كان جباراً في سلطانه وتعامله.
لعرض هذه الصورة من التكبر والغرور والظلم وطغيان المرء بسلطانه جاء قوله تعالى( وقال فرعون يا هامان ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب،أسباب السموات فأطلع إلى إله موسى)
هذا الطغيان ، وهذاالغرور السلطان والقوة هو سبب صده عن تلحق
فقال تعالى( وكذلك زين لفرعون سوء عمله وصد عن السبيل)
وهذا لمن تأمله علم أن الباطل ليس حالة فكر أبداً، با هو حالة غرور وطغيان، وهو ظل الأهواء ولا غير.
لكن أهظم ما يخوف هنا هو قوله تعالى( زين لفرعون سوء عمله) وطالب العلم أخوف ما في القرآن له قوله تعالى( وكذلك زينا لكل أمة عملهم).
هل تتصور بعد ذلك هذا المجادل بالباطل كيف سيكون؟
سلطان قاهر، وكبر نفس، وتزيين ما هو عليه من السبيل والطريق.
هذا هو ما يحقق قول تعالى:
كبر مقتا عند الله
وعند الذين آمنوا
هذا ما لهم عند الاه والمؤمنين، أما ما هم عليه إن خلوا لأنفسهم( لمقت الله أكبر من مقتكم انفسكم)
وللحديث صلة

الشيخ عمر محمود أبو عمر

للعودة للفهرس