JustPaste.it

 

file12.png 

لحظات مع القرآن/ب/٣

الجدال بالباطل في سورة غافر


بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين وعلى اله وصحبه أجمعين
أما بعد
وما زلنا مع سورة( المؤمن/ غافر) وبحث المجادلة بالحق لدحض الباطل، وعرض صور الحجاج بالباطل، والمجادلة بالسوء،ومما ينبغي أن يعتنى به أن هذه السورة تكرر فيها لفظ( البينات) ست مرات، وهي تعرض حجج الحق، وما أعطاه الله لأنبيائه، ففيها قال تعالى:
--( ذلك بأنهم كانت تأتيهم رسلهم بالبينات) وهذه (البينات) كانت مقدمة لبيان الحجة الإلهية على الأقوام قبل اهلاكهم، فقال تعالى عقبها(فكفروا فأخذهم الله الله إنه قوي شديد العقاب)
-- ومن قول مؤمن آل فرعون لقومه، وذلك في بيان حجة الأنبياء الصادقة ، والتي تلزم البشر اتباعها(أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم)، وهي تبين أن مصدر الحق هو الله تعالى.
-- ثم أتت من قول موسى عليه السلام في بيان ما أتى به يوسف عليه السلام من قبل، وأن ما اتى به بين واضح، ولكن قوبل بالاتباع مع الشك، والأمر كما قال ابن كثير وبعض المفسرين أنهم اتبعوا يوسف مع شك، لأن دعوته خالطها سلطان، فأخذوا هديه مع الشهوة ورغبة اصابة ما يحصل لهم من سلطانه، فقال تعالى( ولقد جاءكم يوسف بالبينات فما زلتم في شك مما جاءكم به)
--ثم اتى هذا اللفظ في معرض بيان انقطاع حجة الكافر على ربه يوم القيامة، اذ كان في هذه الدنيا على بينة من الحق لما أتى به الأنبياء، فلم يخف عليه شيء منه، وبهذا أعذر ربنا في عذابهم، والله يحب العذر، فقال تعالى( أولم تك تأتيكم رسلكم بالبينات، قالوا بلى ، قالوا فادعوا وما دعاء الكافرين الا في ضلال)
-- ثم جاءت في بيان التزام الصالحين بها، وترك ما عداها، لأنه وهي كذلك بينة، فإنها ملزمة، فقال تعالى( قل إني نهيت ان أعبد الذين تدعون من دون الله لما جاءني البينات من ربي وأمرت أن أسلم لرب العالمين)
--ثم كان خاتمة ذكر هذا اللفظ القرآني الواصف لحجج الله تعالى على خلقه،مبينة صفة الحجة الإلهية مقابل الباطل وعلم الآباء الذي لا يملك سلطة الحق في نفسه سوى أنه إرث مأخوذ من السابقين بلا برهان، فقال تعالى( فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم)،وكلمة الفرح هنا عجيبة، ذلك لأنها تكشف لا مجرد الإلتزام بكلمة الآباء، ولكن بافتخارهم وسعادتهم بها، مما يدل ان تلقيهم لبينات السماء كان بكره وغضب، والحال إذا كان هذا فإنه يدل على انتفاعهم بهذا العلم الخبيث، وذلك لما يحصل لهم به من سلطان الباطل، وأخذ الناس به عبيداً، كما هو شان علوم الجاهلية التي تقابل علوم السماء، فإن التاريخ يثبت أن هذه العلوم هي التي تحقق سلطان الطواغيت على عبيدهم، فهم بهذا يفرحون بها، وهو مصداق قوله تعالى عن التابع والمتبوع( ربنا استمتع بعضنا ببعض)
ومن جمع بين بينات الحق وتكرار لفظها في هذه السورة مع لفظ الجدال علم اتصالهما ، ذلك لأن الجدال بالباطل يجب أن يقابل بالبينات.
وعود ألى موطن جدال المبطلين:
الآية الثانية التي ذكر فيها جدال المبطلين في سورة غافر قوله تعالى(وجادلوابالباطل ليدحضوا به الحق)
ومن عجيب الجواب على هذا الفعل قوله تعالى( فأخذتهم)
وهذا دليل أن مثل هذا النوع من الجدال لا يحتاج إلى مقارعة الكلمة بالكلمة، ذلك لأن هؤلاء ليس مبعث جدالهم طلب الحق، ولا البحث عنه، ولا هم في معرض الذهاب إليه ما لو ظهر على ألسنة خصومهم، بل هم همهم الوحيد ما قاله تعالى( ليدحضوا به الحق)
والباطل الذي أراده الله هو ما عرضه مما تقدم ذكره، من قوله تعالى( تقلبهم في البلاد) اي أسر الناس وقتلهم وتعذيبهم، فليس معهم في هذا الميدان إلا هذه الحجج، ولذلك كان العرض الإلهي لهذا الحال صورة فرعون حيث قال:(فلما جاءهم بالحق من عندنا قالوا اقتلوا أبناء الذين آمنوا معه واستحيوا نساءهم) وكذلك مما يعجب له جواب القرآن على هذا التخطيط والكيد والفعل المجرم بقوله( وما كيد فرعون إلا في ضلال) ذاك لما قال بعدها(إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد)
وتأمل ورورد كلمة الهدى في قوله عما أتى به موسى عليه السلام( ولقد آتينا موسى الهدى وأورثنا بني اسرائيل الكتاب)
ومما ينبغي أن يرعى نظرك إن كنت مهتما بهذا الشأن الجليل أن ترى تقدم قوله تعالى على هذا الموطن من الجدال( وهمت كل أمة برسولها ليأخذوه) وهي مقدمة سلقت قوله( وجادلوا بالباطل) فهي تبين لك أن جماعة الكفر وفراعنة الوجود يضعون أمام من جادلهم السيف والعصا والسجن، وبحضور هذه الأدوات وتخويف العبيد بها يكون بعد ذلك ( وجادلوا بالباطل)، فحينها تسقط الجموع، وتلتحق بهم، لا لقوة الحجاج ولكم لسلطة القوة والبطش والتخويف.
من أجل هذا يا عبد الله تم عرض صور الحق وأتباعه ، ومن هم ، فتأمل السياق وما فيها من قوله تعالى( الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا) فهؤلاء هم عدد الحق، وهم أتباعه، يقابل الله بهم ( تقلبهم في البلاد)، وذلك لتأكيد قوله(فلا يغررك).
ثم تأمل ما جاء الله به( ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما)
فماذا عند الطواغيت وأهل الباطل؟
إنما هو الباطل، وهذا يقابله العلم، وعندهم السلطان والتخويف به، وهذا يقابله رحمة الله، فلا تكن أسير لحظتك، فتخضع لكلماتهم الباطلة، او تخاف من سلطانهم الجائر.
وها هي الصورة التاريخية لصدق خبر الله لكم( فوقاه الله سيئات ما مكروا وحاق بآل فرعون سوء العذاب) ذلك لأنه تقدم قوله(فاخذتهم فكيف كان عقاب)
وللحديث صلة ان شاء الله تعالى

‏الشيخ عمر محمود أبو عمر‏

للعودة للفهرس