JustPaste.it

file12.png 

لحظات مع القرآن/ القسم الثاني/١٠

بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على النبي الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد
فعند قوله تعالى(قالوا لئن لم تنته يا لوط لتكونن من المخرجين) من سورة الشعراء، قال الزمخشري: أي من جملة من أخرجناه من بين أظهرنا، وطردناه من بلدنا،ولعلهم كانوا يخرجون من أخرجوه على أسوإ حال من تعنيف به واحتباس لأملاكه، وكما يكون حال الظلمة إذا أجلوا بعض من يغضبون عليه، وكما كان يفعل أهل مكمة بمن يريد المهاجرة. انتهى كلاه.
قال ابن المنير على هذا الكلام:
: كثيرا ما ورد في القرآن، خصوصا في هذه السورة، العدول عن التعبير بالفعل إلى التعبير بالصفة المشتقة. ثم جعل الموصوف بها واحدا من جمع. كقول فرعون: لأجعلنك من المسجونين وقولهم: سواء علينا أوعظت أم لم تكن من الواعظين وقولهم: لتكونن من المرجومين وقوله: إني لعملكم من القالين وقوله تعالى في غيرها: رضوا بأن يكونوا مع الخوالف وكذلك: ذرنا نكن مع القاعدين وأمثاله كثيرة، والسر في ذلك، والله أعلم، أن التعبير بالفعل، إنما يفهم وقوعه خاصة. وأما التعبير بالصفة، ثم جعل الموصوف بها واحدا من جمع، فإنه يفهم أمرا زائدا على وقوعه. وهو أن الصفة المذكورة، كالسمة للموصوف ثابتة العلوق به. كأنها لقب. وكأنه من طائفة صارت كالنوع المخصوص المشهور ببعض السمات الرديئة. واعتبر ذلك لو قلت: رضوا بأن يتخلفوا، لما كان في ذلك مزيد على الإخبار بوقوع التخلف منهم لا غير، وانظر إلى المساق وهو قوله: رضوا بأن يكونوا مع الخوالف كيف ألحقهم لقبا رديئا، وصيرهم من نوع رذل مشهور بسمة التخلف، حتى صارت لقبا لاحقا به. وهذا الجواب عام في جميع ما يرد عليك من أمثال ذلك. فتأمله واقدره قدره، والله الموفق للصواب. انتهى كلامه
وبهذا تعلم فضل الإخبار بالصفة على الفعل، ولذلك لا يشتق لزوماً من الفعل الصفة، بخلاف الصفة فإنها لزوما إن كانت حسنى أن يشتق منها الفعل، وانظر ما قاله ابن القيم في بدائع الفوائد في هذا الباب من كلام رائع متين
: أن أفعال الرب -تبارك وتعالى- صادرة عن أسمائه وصفاته، وأسماء المخلوقين صادرة عن أفعالهم فالرب -تبارك وتعالى- فعاله عن كماله،والمخلوق كماله عن فعاله، فاشتقت له الأسماء بعد أن كمل بالفعل، فالرب لم يزلكاملًا فحصلت أفعاله عن كماله لأنه كامل بذاته وصفاته، فأفعاله صادرة عن كماله،كَمُل ففعلَ، والمخلوق فعل فكمل الكمال اللائق به.
وهذا ان تأملته علمت غلط من احتفل بكلمة البيضاوي حين جعل الصفات غاياتها الأفعال، دون البدايات وهي الانفعالات، فالحق هو العكس لا ما قال، فإن الفعل غايته أن يصبح صفة، لا أنه بذاته الغاية، وتأمل قوله صلى الله عليه وسلم: ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً، فكانت غاية الفعل ثبوته صفة لازمة للنفس.
والله الموفق

‏الشيخ عمر محمود أبو عمر‏

للعودة للفهرس