لحظات مع القرآن/ القسم الثاني/٩
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد
فعند قوله تعالى( ومن أهل المدينة مردوا على النفاق) في سورة التوبة قال جار الله: مردوا ؛ أي تمهروا فيه،من مرن فلان عمله ومرد عليه، إذا درب به وضرى حتى لان له، ومهر فيه، ودال على مرانتهم عليه ومهارتهم فيه بقوله( لا تعلمهم) اي يخفون عليك مع فطنتك وشهامتك وصدق فراستك لفرط تنوقهم في تحامي ما يشك في أمرهم. انتهى قوله.
علق عليها ابن المنير قائلاً: وكان قوله تعالى( مردوا) توطئةً لتقرير خفاء حالهم عنه عليه الصلاة والسلام لما لهم من الخبرة والنفاق والضرواة به، والله أعلم.انتهى قوله.
قلت: ما صنعا في هذا الباب كثير أمر، وإنما كان القول أن يجري على التفريق بين نفاق الأعرابي ونفاق الحضري المدني، فهذا أولى في البيان، ذلك لأن الآيات السابقة وصفت نفاق الأعرابي بقولها( الأعراب أشد كفراً ونفاقا)، وحيث وصف هذا النفاق بأنه أشد فهذا يعني ظهوره وغباء فاعله، إذ سيظهر منه، فهو لا يقدر على الكتم والا السر، ثم هو يجري به مواجهة دواب أرضه من الهجوم والظهور والسذاجة،وجاء الوصف لمقدار شدته وقوته، فهو كما قال تعالى( أشد كفراً ونفاقاً)، وهذا اليوم وفي كل وقت يعير به الأعراب حين يسبون من قبل أهل الحضر والمدينة.
وأما حال نفاق أهل الحضر فهو وصف لأسلوبه لا لقوته وضعفه، فهم ولا شك أقل شدة من نفاق أهل البداوة على ما قرره القرآن، لكن كيف هو من جهة مهارته وقدرته على التخفي والخداع، فالشدة لضرواتها تظهر وتبين،ولكن هذا الوصف القرآني لنفاق المدني والحضري هو( مردوا على النفاق) فهم على ما قال الزمخشري: يخفون عليك مع فطنتك وشهامتك وصدق فراستك لفرط تنوقهم( أي تزينهم) في تحامي ما يشك في أمرهم.
والحال بين النفاقين كالحال بين القبيلين في معيشتهم وحياتهم وأسلوب سلوكهم، فلا يعير نفاق على نفاق، ولا يعاب قبيل على قبيل، فنفاق المدني مخاتل خبيث في ذكائه وفرط مهارته، وهذا يتلاءم مع التجار وأمثالهم، ونفاق الأعرابي شديد الأسر ، على ما عليه حال حياته.
ومن الانصاف في الوصف قوله عن ألأعراب بعد ذلك( ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر ويتخذ ما ينفق قربات عند الله وصلوات الرسول ألا إنها قربة لهم سيدخلهم الله في رحمته ان الله غفور رحيم)، وتلك سنة الله الجارية في كتابه في انصاف الخلق وبيان مراتبهم.
اضاءة: لتعلم اصناف المنافقين كما جاؤوا في القرآن فعليك ببحث لي سميته: مسائل في النفاق.. أنواعه وأحكامه، نشر في العدد الخامس من مجلة المنهاج، ففيه إن شاء الله ما ينفع.
