JustPaste.it

file12.png 

لحظات مع القرآن/ القسم الثاني/٧


بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على النبي الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد
عند قوله تعالى في سورة الروم(وعد الله لا يخلف الله وعده، ولكن أكثر الناس لا يعلمون، يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون)
قال جار الله ابو القاسم:وقوله (يعلمون) أي الثانية، وهي في قوله تعالى( يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا)بدل من قوله (لا يعلمون)، والمقصود أن قوله يعلمون، هو عين قوله لا يعلمون، ويشرح ابو القاسم سبب هذا الأمر، وكيف صار العلم هو عين عدم العلم ، فيقول:
وفي هذا الإبدال من النكتة أنه أبدله منه، وجعله بحيث يقوم مقامه، ويسد مسده، ليعلمك أنه لا فرق بين عدم العلم الذي هو الجهل، وبين وجود العلم الذي لا يتجاوز الدنيا.
ثم يأتي إلى قوله ( ظاهراً من الحياة الدنيا) فيقول: يفيد أن للدنيا ظاهراً وباطناً، فظاهرها ما يعرفه الجهال من التمتع بزخارفها والتنعم بملاذها، وباطنها وحقيقتها أنها مجاز إلى الآخرة، يتزود منها إليها بالطاعة والأعمال الصالحة.
وفي تنكير الظاهر( ظاهراً) أنهم لا يعلمون إلا ظاهراً واحداً من جملة الظواهر.
انتهى كلام الشيخ.
علق ابن المنير على هذا الكلام قائلاً:
وفي التنكير تقليل لمعلومهم، وتقليلهيقربه من النفي حتى يقابل المبدل منه، وروي عن الحسن أي البصري أنه قال في تلاوته هذه الآية: بلغ من صدق أحدهم في ظاهر الحياة الدنيا أنه ينقر الدينار بأصبعه فيعلم أجيد أم رديء.
انتهى كلامه رحمه الله.
قلت سورة الروم هي سورة النعم، وسورة يوم القيامة، فقد تكرر فيها قوله تعالى( ويوم القيامة) كما تكرر فيها قوله تعالى( ومن آياته..)
ولا يوجد في عمود مقصدها إلا هذين الأمرين، فما قاله جار الله مرتبط بعمود مقصد السورة، فهو تنبيه للمؤمن أن لا يقف عند النعم من غير نظر للعواقب والمآلات، ولو أردنا أن نربط هذا المعنى بمطلع السورة( غلبت الروم) لرأينا أن وجه الجمع هو تغير الحال على الفريقين، فالفرس قد غلبوا الروم، ثم سيؤول الأمر إلى هزيمتهم، وكذلك الحال مع الروم، فإنهم مهزومون اليوم ثم سيكون الحال إلى نصر، وهذا شأن الدنيا، فلا يستقيم لها حال، ولا يستقر لها قرار، فالمؤمن لا يقع فيما وقع به الجاهلون كما وصفوا في هذه السورة بقوله( وإذا أذقنا الناس رحمة فرحوا بها، وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم إذا هم يقنطون) ، وتأمل وضع ( إذا) في الأولى لأنها أقرب وقوعاً، واكثر وجوداً في الحياة ،بخلاف موقع (وإن) عند المصائب والبلاء فإنها الأقل في الوجود، والناس لا يقرون بهذا، لأنهم لا يعدون أيام السعد والنعيم، فإذا كاء يوم تعب وشقاء جعلوه العمر كله.
هذا المثل، وهو وقوع النصر للروم على الفرس، ثم انتقاله لما تقدم من معاني التبديل والتغير في الحياة، هو ما ذكر به الله في اخر السورة- والله أعلم- حين قال: (ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل ولئن جئتهم بآية ليقولن الذين كفروا إن أنتم إلا مبطلون)

الشيخ عمر محمود أبو عمر

للعودة للفهرس