JustPaste.it

file12.png 

لحظات مع القرآن/ القسم الثاني/٦


بين الزمخشري وابن المنير


بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد
فما أعظم تنافس العلماء في سبقهم للغوص على الدرر الخفية في كتاب ربنا، والمرء يعلم يقيناً أنه كلما كان المرء عالماً بكتاب الله، ذائقا لحلاوته ، خاشعاً لعظمته كلما كان عابداً لله تعالى ، وحيث يسبق العبد في مقام العبودية يعني أنه صار أعلم بربه، وأعلم بكتابه، ومدخل سر العلم هو الحرف والكلمة والجملة والمعنى واللفظ،،، وغير ذلك مما تنقطع الأنفاس لحوقاً به، ووالله كم قلت في نفسي وأخواني لئن أكرمني الله بجنته رحمة منه وغفراناً للذنب ليكونن أول ما أسأله أن يذيقني القرآن ولذته كما أذاقها لعبده وحبيبه محمد صلى الله عليه وسلم، فلا أظن أن هناك متعة اعظم منها سوى رؤية الرحمن وحلول الرضون.
المعذرة: نفثة محجوب ، واعتراف بالجهل هو كل ما نملكه.
عندما جاء جار الله الزمخشري إلى قوله تعالى( كذبت قبلهم قوم نوح فكذبوا عبدنا) تأمل فيها سر تكرار التكذيب: فقال:( كذبت) ثم قال:(فكذبوا)، وأنت والله تعجب من هؤلاء القوم، حيث يوقفونك على أسرار مثل هذه، ونحن نمر عليها كأعمى أو جاهل بالدرر،ونتلوها ولا ندري ما يجري على ألسنة من سر الكلام الإلهي العظيم.
وقف هنا جار الله وقال: معناه: كذبوا فكذبوا عبدنا، أي كذبوه تكذيباً على عقب تكذيب، كلما مضى منهم قرن مكذب تبعه قرن مكذب،أو كذبت قوم نوح الرسل فكذبوا عبدنا، اي لما كانوا مكذبين بالرسل جاحدين للنبوة رأساً كذبوا نوحاً لانه من جملة الرسل. انتهى كلام الرجل.
هذا الأمر لم يعجب شيخنا المالكي تلميذ ابن الحاجب، وهو رجل بلاغي لغوي فقيه، يهجم بلا ترددعلى المعاني الفخمة، ولا يضره أن يسقط لأن هذه سمة الكبار والفحول.
ابن المنير هذا أعاد هنا مواضيع عدة علق عليها من كلام صاحبه الزمخشري، ولكنه بعد ذلك صار الى القول: ذكره من جهة عمومه ثم من ناحية خصوصه إسهاباً وهو بمثابة ذكره مرتين.
ويقول: وجواب آخر هنا: وهو أن الكذب أولاً محذوف دل عليه ذكر نوح، فكأنه قال: كذبت قوم نوح نوحاً، ثم جاء بتكذيبهم ثانياً مضافاً الى قوله( عبدنا) فوصف نوحاً بخصوص العبودية وأضافه إليه إضافة تشريف، فالتكذيب المخبر عنه ثانياً ابشع عليهم من المذكور أولا لتلك اللمحة. انتهى كلامه
هذا قولهم، وهو يدلك أن هذا باب لا يغلق، فليس هو من العلوم التي جف فيها القلم، بل هي من العلوم التي تسيل سيل الانهار الكبار التي لا تتوقف أبدا، وتهمي همي الطلل بلا انحباس، وأنت تستطيع أن تقول ما شئت في هذا الباب من العلم بلا خوف ولا وجل، بل تسير سيرهم، ومن عاشر القوم أصابه خلوقهم.
هل ترى هذه الكلمات سرت على ألسنتهم وأقلامهم دون وقوف وتأمل، أو دون بكاء بين يدي الجليل واستغاثة أن علمنا!
ما أجهل ما قلت إن ظننت ان هذه المعاني تأتي من غير تأمل في الليل والنهار، وبكاء بين يدي الله في الأسحار.
رحمهم الله

الشيخ عمر محمود أبو عمر

للعودة للفهرس