JustPaste.it

file12.png 

لحظات مع القرآن/٧٠


بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
الحمد لله والصلاة والسلام على خير الخلق وإمام الأنبياء والمرسلين محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد
البيئة للعقائد تكتشف من خلال نموها وحركتها التاريخية، أو من خلال ترداد أصحابها لموضوع يشغل بالها ويؤرق فكرها، وهذه البيئات تسعى العقائد ورجالها لتحصيلها، لأنها بوجودها تنمو هذه العقائد وتقوى وتحصل مقاصدها، واختلاف البيئات يعني انكسار مفاهيمها، كما الضوء، فإنه ينكسر إذا خرج من بيئة لها كثافتها إلى بيئة أخرى تفرق عنها في هذا الكثافة، كما نرى حين نضع عصا في الماء فنرى انكسار هذا العصا في أعيننا ، والسبب هو اختلاف بيئة الهواء عن الماء في الكثافة.
القرآن له بيئته التي سعى لتحصيلها أمراً ليتم لقارئه الوعي والفهم عليه، واختلاف واقع القرآن عن هذه البيئة يعني انكسار مفاهيمه في عقل ونفس الناظر فيه، وهذه البيئة لها واقع ذهني علمي ولها واقع نفسي، ولها واقع وجودي، والعلماء تكلموا عما يحتاجه الناظر من العلوم ليحصل الهداية من القرآن، وهذا ما شغلت به كتب مصنفات علوم القرآن، وانتشر الكثير من كلامهم بلا جمع في مصنف في تمييز الحالة النفسية التي تلائم تحصيل هداية القرآن كقولهم عن الحزن حين قراءته، أو الفرح به، أو قراءته وكأنه يتنزل عليك، وكذا تحدثوا عن أحسن البيئات التي تلائم القرآن حين تلاوته، كحضهم على قراءته في قيام الليل، فإن هذا هو وقت تنزلات أعظم معانيه، وهذا قد تكلم فيه الواعظون، وكذا تحدث عنه من يهتم بمثل هذا النوع من العلوم الجليلة التي هي من علوم هذا القرآن.
هناك حالة ربما تحدث عنها البعض ولكنها ما زالت لم تأخذ حقها من العناية، وهي معرفة بيئة القرآن باعتباره كلاً واحداً في شرائعه وحركته ومزاجه ومعانيه، هذه البيئة نستطيع أن نعرفها من خلال حركة الشخوص المهتدية في القرآن، ومن خلال النظر إلى أكثر ما يتحدث عنه القرآن وصفاً وحكماً وتنشيطاً، هذه البيئة هي بيئة الجهاد في سبيل الله والدعوة إليه جل في علاه.
باستقراء سريع نستطيع ان نرى أن أكثر من ربع القرآن هو حديث عن الجهاد وحركته، فإذا ضم إليه الدعوة إلى الله كان ضعف هذا التقدير.
بالنسبة للجهاد في سبيل الله تعالى وحركة شخوصه، والآيات الحاضة عليه، وبيان موقف الناس منه، وأحكامه، وقصص المجاهدين ، وقصص الجهاد، تكاد تملأ ما تقدم ذكره إن لم يكن يزيد على هذا التقدير.
لو نظرنا لغزوات الرسول صلى الله عليه وسلم في القرآن فإننا نرى التالي:
--يكاد ربع سورة ال عمران حديثاً عن غزوة أحد، وقد فصلت فيها هذه الغزوة ومواقف الناس منها، وما جرى فيها تفصيلا عظيماً جليلاً. مع ما فيها من حديث عن غزوة حمراء الأسد.
--سورة الأنفال مقصورة على أمور الجهاد، وهي سورة غزوة بدر.
--سورة التوبة هي سورة غزوة العسرة ، مع ما فيها من أمور كلها متعلقة بشؤون الجهاد والحياة السياسة مع الطوائف المشركة.
-- سورة الاحزاب، ثلثها تقريباً حديث عن غزوة الاحزاب، ومواقف الناس فيها، والحديث عن منة الله تعالى على عبيده فيها.
-- سورة محمد هي سورة القتال.
سورة الفتح، هي سورة صلح الحديبية.
سورة الحشر، هي سورة بني النضير كما سماها ابن عباس رضي الله عنهما.
واما السور التي تكلمت عن فصص الجهاد في الأمم السابقة:
-- ففي البقرة حديث عن بني اسرائل وما جرى لقومه من بعده حين طلبوا ملكا يقودهم للجهاد.
وفيها حديث ان ظرف الجهاد والأمر به وبعض أحكامه، وذلك من قوله تعالى( وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم).. إلى غيرها من الآيات بعد ذلك،
-- وفي سورة ال عمران من قوله تعالى( قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد) ، وهي ما تكرر لهم في ختام السورة( متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد)
كما فيها الحديث عن نوع قتال الذين كفروا للمؤمنين، وذلك في قوله تعالى لن يضروكم إلا أذى..) بل إن ما بعد هذه الآية اإلى ذكر آيات غزوة أحد حديث متعلق بالجهاد وشؤونه.
-- في سورة النساءحديث واسع عن الجهاد وشؤونه ومواقف الناس منه، وذلك من قوله تعالى( يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم فانفروا ثبات أو انفروا جميعاً) ثم أمر الهجرة، وهي متعلق من متعلقات الجهاد، إلى حكم صلاة الخوف، كل هذا تفصيل عن الجهاد وشؤونه.
-- في سورة المائدة حديث عن موسى عليه السلام وقومه في خاتمة رحلته معهم حين قال لهم( يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم..)
-- في سورة النمل ذكر جهاد سيدنا سليمان عليه السلام ورسالته إلى بلقيس.
-- سورة العنكبوت كلها تدور حول فتنة الهجرة والابتلاء ، وتستطيع ان ترى هذا مشروحاً في تفسيري لهذه السورة.
-- سورة الصف، هي سورة قتال وجهاد.
فهذه هي بيئة القرآن
وهذا له شواهد أخرى تبين أن بيئة القرآن الوجودية هي الجهاد في سبيل الله تعالى، فالجهاد ليس خيارا بين متعدد بل هو قدر هذا الدين وهذا القرآن، ومغاليقه لا تفهم إلا بالبلاء في سبيل الله تعالى، فحين ترى الجهاد قد فتح، وأن الأمة قد دخلت غيه فاعلم أن القرآن صار له واقعه الذي تحدث به وعوده ومعانيه الحق، فالعاقل لا يعمل للخروج من هذه البيئة لغيرها من المهادنة والمصالحة وترك الجهاد، لكن العاقل الغقيه بهذا الدين وهذا القرآن من يشعل لهذا الجهاد مواقده، ويرمي به في الأمة لتحيا، كما سمى الله الجهاد بهذا في قوله( استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم)، فإذا كان القرآن حياة القلوب، فإن في الجهاد حياة القرآن.
اضاءة
تيتطيع أن تعود لبعض كتب الفقه القديمة الصفراء كما يسميها أصحاب الجهالة فترى وجوب عزل السلطان إن ترك الجهاد، أي جهاد الطلب الذي به تنتشر الدعوة ويدخل الناس به في دين الله أفواجاً.

الشيخ عمر محمود أبو عمر


للعودة للفهرس