JustPaste.it

file12.png 

لحظات مع القرآن/٧١


بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد
فهذه معاني متناثرة لا يجمعها إلا بأنها مما جمعت من سورة الأعراف، تسير على غير ترتيب، لا بما هي عليه الآيات، ولا بما يجمع أو يفرق المعاني، فإن فرغ منها فربما تجمع على وجه من هذه الوجوه، اي ترتيب الآيات، او المواضيع، والله الموفق.
سورة الأعراف هي سورة المسيرة البشرية في رقيها إن أرادت، وفي سقوطها إن سقطت، فهي تتحدث عن الإنسان وأماكن الضعف فيه، ومكامن القوة كذلك، وتتحدث عن مسيرة تاريخه في السماء وفي الأرض، وعن سبل الغواية وسبل الرشاد، فحاجة البشرية إليها كحاجتهم لفقههم أنفسهم، لأنه لا يمكن لأحد أن يعرف إصلاح شيء من عوارض الفساد فيه حتى يعرف حقيقته ، وما ركب منه وله، فهي سورة تكشف النفس البشرية في أشواقها ورغباتها، وهذه الرغبات هي نفسها مكامن القوة ومكامن الضعف، فمنها يدخل الشيطان ليحمل الإنسان إلى المعصية، وهي في دين الله محط الحكم الشرعي ليحصل البلاء بها من الله في استجابة العبد لحكمه أو معصيته، فهو لا يمنع منها لأنها فطرته، ولا يترك فيها بغير قوامة بالحق في أخذها وصرفها، وهذا هو البلاء الإلهي لهذا الإنسان، يمتحنه في إرادته التي ركب عليها، ليكون هذا الواحد في كونه انساناً، والكثير في كونه صاحب ارادة وفكر، وكذلك صاحب شهوة ورغبة، وهذه السورة تذهب إلى أعظم رغبة فيه، ألا وهي رغبة الشهوة الجنسية، تكشفها برفق ورعاية وتنبيه، حتى تقوم بقوامة الحكم الشرعي، ولتستقيم على الهداية بحل الخير منها، وحرمة المعصية فيها،كذلك تذهب إلى النعم الأخرى ملتصقة بهذه النعمة، لا تنافسها ولكنها كأنها الخادم لها، وحيث تختلط العبادة بالشهوة هذه تكون المهلكة، لأنه هناك يتخفى الفساد وراء اسم الدين، وهذا إن كان فسادا وضلالاً فكيف ما لو تخفى فساد هذه الشهوة تحت اسم الصداقة والزمالة وما في هذا المعنى من أكاذيب وضلال!
وحتى لا يبقى الكلام مجرداً هكذا، فلنذهب للسورة مباشرة لنحاول كشف بعض سرها المكنون.
والله الموفق.
القضية الأولى:
أن من أعظم القضايا التي تتساءل البشرية حولها قديماً وحديثاً هو أصل الوجود، أهو قائم على الحق أم الباطل!؟
هل نزعة الخير ام الشر هي الأصيلة في الإنسان!؟
كيف تنشأ المعاني الإجتماعية والقيمية في البشر!؟ ثم كيف تتغير؟
فهذه أسألة الإنسان حول نفسه هو ، وحقيقته هو، ولكنه كذلك وهو يتساءل هذه الاسئلة يحاول كاذباً على نفسه أن يلغي حركته المربوطة بهواه لا بفكره، وبشهوته لا بعقله، وهذه من أهم قضايا القرآن الكريم، ومع ذلك فإن البشر في أسئلتهم الوجودية الكبرى التي تقدمت هربوا منها، لأنها تكشف حقائقهم الضعيفة، وتهديهم رغم أنوفهم إلى طريق النبوة اللازمة لهذا الإنسان ووجوده.
قال تعالى( ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها)
اذاً بني هذا الوجود بما فيه من أقدار على الصلاح، فكل ما فيه تام الخلقة، صالح لما وجد له، قائم لمقاصده ، وإنما يأتي الفساد من الإنسان، فالأرض قد أصلحت، والله يحذر الإنسان من إفسادها،، وهذه الآية قد سبقت بالتالي:( إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش، يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا، والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره، ألا له الخلق والأمر، تبارك الله رب العالمين ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين)
فالأرض والسموات والنجوم، ومسيرة الوجود في أقداره كلها قامت على الحق والصلاح، وهي لدوام صلاحها يجب منع افسادها من الإنسان، ولذلك بعد ذكر الخلق ، جاء ذكر الأمر.
وعليه فإن معيار الحق في هذا موافقة الأمر لما وجد عليه الخلق، فبفهمك لسنن الوجود القدرية تكون مدركاً لحقيقة الأمر الشرعي وصوابه، وهذا هو قمة فقه الصحابة رضي الله عنهم والتابعين من بعدهم.
وقوله تعالى( بعد إصلاحها) يحتمل أن وجودها أصلاً قام على هذا، فلم يسبقها فساد على معنى عدم قيام الشيء لما خلق له، فيكون ضد الصلاح هو عدم الوجود، وهذا هو المعنى الأقوى، وإما أن يقال: إن هناك من أفسدها كما يذكر عن الجن فأصلحت، وهذا ضعيف.
والمعنى الأول يدخل فيه، أن الشيء لا يكون بمجرد وجوده هو الصلاح، ولكن أن يكون هذا الوجود ملائما لما خلق له، فإذا هو وجد ، ثم حمل وجوده على ما قال الله من قوله( يطلبه حثيثا) ثم قوله( مسخرات بأمره) وهذا معناه قيامها لمقاصدها، فصلاحها هو هذا، حيث خلقت ثم أصلح شأنها بحملها على خلقة فيها الحسن والمنفعة، فكان بعد ذلك الصلاح.
وللحديث صلة
اضاءة
قوله تعالى( يطلبه حثيثاً) هو إقامة الخلق على الحق في نفسه.
وقوله تعالى( مسخرات بأمره) قيام الخلق على مقصد وجوده.

الشيخ عمر محمود أبو عمر


للعودة للفهرس