JustPaste.it

file12.png 

لحظات مع القرآن/٧٨


بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على النبي الأمين وعلى آله وأصحابه أجمعين
أما بعد
تبرز قضية الشهوة ، وإظهار السوأة كشفاً أو ستراً في سورة الأعراف بوضوح ، ذلك لأهمية هذا الجانب الإنساني وأثره على تحقيق سعادته الدنيوية والأخروية، وذلك لأنها مجال سيطرة الشيطان على الإنسان وسوقه إلى سبيله إن تابعه وانقاد له.
لقد استطاع الشيطان كشف هذه السوأة من خلال اغواء آدم وزوجه لتحقيق المعصية، والقرآن يبين أن الضعف الإنساني أمام الشيطان يكمن باقتراف المعصية كما قال تعالى( إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا) وهذه في سورة آل عمران وهي تتحدث عن سبب الهزيمة في غزوة أحد، وكذلك في هذا السورة قوله تعالى( كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون)، وبالمفهوم فإن قوة الإنسان أمام إفساد الشبطان تكمن في طاعته لله تعالى، ومن أبصر هذا المعنى ازداد ثباتاً على الحق، وتمسكاً بالفضائل، وأعرض عن المعاصي، لأنه يفهم أن المعصية هي غلبة الشيطان عليك، وإفراغ لك من قوتك، وكشف لعيوبك الباطنة والظاهرة، والطاعة والإعراض عن المعصية ومتابعة الشيطان تعني غلبتك لعدوك، وحفاظك على قوتك، وستر لعيوبك الظاهرة والباطنة، وتأمل فرح الشيطان عند وقوعك في المعصية بجانب استغفار الملائكة لك، تعلم حينها أن من مصلحتك ترك المعصية ، والإبتعاد عنها، وهذا إن استحضرته في كل فتنة اجتنبت السقوط فيها إن شاء الله تعالى، إلا أن يخلى بينك وبين التأييد الإلهي رجاء حصول التوبة التي بها يصح دين وقلب وعقل الإنسان.
في هذه السورة( الأعراف) يحذر الله تعالى الإنسان من فتنة الإغواء الإبليسي(يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا ۗ إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ ۗ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ)، وهذا التحذير كان بعد ذكر المنة الإلهية بإنزال اللباس، وذكر لباس التقوى، فالله جل في علاه لا يوجه الأمر للعبد بلا سلاح، ولا يمنع أمراً بلا بديل، فحيث ذكر الله تعالى لباساً يواري السوأة، ذكر أمر فتنة نزعه عن الإنسان، وجعل ما تقدم من مثال الاب الأول وما حدث معه نذيراً للأبناء أن لا يقعوا فيه، فقال( كما أخرج أبويكم من الجنة) والذي تقدم من حال الوالدين في الجنة هو الستر ، والتنعم بالنعيم على وجه الإذن والإباحة، ولكن كان هناك وسوسة يريد الشيطان منها أمراً معلوماً اديه وليس مجهولاً ، هو( لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَٰذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ) فالشيطان يعلم عاقبة المعصية، وهي ( ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوآتهما)، وأما ذكر قوله تعالى بعد التحذير( لا يفتننكم) وذلك بقوله( إنه يراكم) فهو تطبيق لما تقدم من قول إبليس( قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ)، فكيف ياتيه هذا الإتيان الذي لا يصده بدن ولا حاجز نادي؟
كان الجواب: لطف هذا الكائن، وعدم قدرتك على رؤيته، وقدرته هو ومن هو من جنسه على رؤيتك.
هذا من جهة البدن والمادة، والقرآن لا يكتفي بهذا الأمر، بل ذكر أمراً آخر غير رؤيته لمن أراد بلا حاجز يمنعه، لكن سطرته وسلطانه في الإغواء والإفساد خاص لآحاد الناس ممن قال الله فيهم( إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون) والذهاب عن موضوع اللباس وتفصيل شأنه وأنه نعمة من الله تعالى وأثره في صد الشيطان بستر العورة إلى موضوع الإيمان كما هو بين في الآية لأن السيطرة الجزئية سبيل للسيطرة الكلية، كما قال السلف: المعصي بريد الكفر، فالشيطان يرتقي من موضوع الستر ومخالفته إلى اخراج المرء من الإيمان والكفر به، وكذلك يكون الكفر بالله وترك شرعه سبباً في سيطرة الشيطان ليقع كشف سوأته ، وهكذا يكون امداد المعاصي لتصل إلى الكفر ، وهو ما يسمى بكفر المآل والعاقبة، ويكون الكفر بالله سبيلاً للذهاب إلى المعاصي، والذي أظنه والله أعلم أن عاقبة البشرية حيث تقوم الساعة هو العري التام ، حيث لا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق كما في الحديث الصحيح في مسلم من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وفي الحديث: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تقوم الساعة حتى تضطرب أليات نساء دوس على ذي الخلصة). وهو في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ،وهي حالة كانت تعيشها العرب قبل الإسلام من طواف النساء عاريات، وهذا سبب قوله تعالى،( خذوا زينتكم عند كل مسجد)، وذكر اضطراب الأعجاز ليس فقط لبيان شدة الحركة، بل كذلك لأمر آخر هو كشفها كما أظن.
وفي هذا الآية( لا يفتننكم الشيطان) بيان أن حالة كشف العورة في الدنيا هي مشابهة لكشف عورة ابوينا من قبل في الجنة ، لقوله( كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما) وهو تحذير أن لا يرى الناس عورات بعضهم بعضا( ليريهما سوآتهما)، وهذا الإهتمام بجانب اللباس وهذه الفاحشة وهي كشف العوارات، هو لكونها من أعمق ما يحصل من تأثير إبليسي على الإنسان، وهي من جانب آخر خير نعم الله على الخلق كما تقدم ، ولذلك (حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن) كما في الآية، ومن أعظم الفواحش الظاهرة كشف العورات، وهي سبيل كل الغوايات الكبرى، وأعظمها الزنا، عياذا بالله تعالى، وهي سبيل المعاصي الباطنة كذلك كما تقدم ذكره.
في سورة الأعراف وهي تسوق أمثلة الأمم مع المعاصي التي كانت سبباً لإهلاكهم جاء خبر قوم لوط عليه السلام، وفعلهم لفاحشة هم أول من اقترفها في البشرية كما قال تعالى( ما سبقكم بها من أحد من العالمين) في هذه السورة، وفي سورة العنكبوت ذكر تعالى( وتأتون في ناديكم المنكر) وأصح ما ذكر في تفسيرها هو العري في المجالس والمبارزة في الضراط، وهو من جنس ما نحن فيه من التحذير.
هذه الفاحشة العظيمة وهي كشف العورات سبيلها هو سقوط الناس في سنن الآباء، والدخول في تقليدهم، ثم زعمهم ان شرع الله يجيز هذا، وهذا له حديثه ان شاء الله تعالى

الشيخ عمر محمود أبو عمر

للعودة للفهرس