الحازمي بين كبيرة القعود وضلال الجاميّة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين، والعاقبة للمتّقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وصلّى الله وسلّم على خاتم الأنبياء والمرسلين محمّد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
"ولهذا كان الجهاد موجبا للهداية التي هي محيطة بأبواب العلم، كما دل عليه قوله تعالى: {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا} [العنكبوت: 69]، فجعل لمن جاهد فيه هداية جميع سبله تعالى؛ ولهذا قال الإمامان عبد الله بن المبارك وأحمد بن حنبل وغيرهما: إذا اختلف الناس في شيء فانظروا ماذا عليه أهل الثغر فإن الحق معهم؛ لأن الله يقول: {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا} [العنكبوت: 69]" [مجموع الفتاوى: ج28/ص442].
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى:
"ولأهل الجهاد في هذا من الهداية والكشف ما ليس لأهل المجاهدة، ولهذا قال الأوزاعي وابن المبارك: إذا اختلف الناس في شيء فانظروا ما عليه أهل الثغر، يعني أهل الجهاد، فإن الله تعالى يقول: {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين} [العنكبوت: 69]" [مدارج السالكين: ج1/ص506].
قال القرطبي:
"قال سفيان بن عيينة لابن المبارك: إذا رأيت الناس قد اختلفوا فعليك بالمجاهدين وأهل الثغور فإن الله تعالى يقول: {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين} [العنكبوت: 69]" [تفسير القرطبي: ج13/ص365].
فمظنّة الهداية تتضاعف في صف المجاهدين، ولا يخلو زمن من الأزمنة من طائفتهم المنصورة، مهما زعم الزائغون، فلقد قال الصادق المصدوق صلّى الله عليه سلّم: (لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة) [رواه مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه؛ رقم 247].
فإذا ظهر قول جديد خارج صف المجاهدين، غريبا عنهم، ثم أُدخل على حدثاء العهد بالجهاد منهم، كان ذلك شاهدا على شذوذ القول، والله أعلم.
وكان من التطبيق العملي للطريقة الأثرية في فقه الجهاد، الاستشهاد بما عليه أهل الثغر في مسائل الاعتقاد، قال ابن عدي (365هـ) رحمه الله تعالى: "حدثنا الحسين بن بندار بن سعد سنة اثنتين وتسعين ومئتين، أخبرني الحنبلي الحسن بن أحمد الإسفرائيني، قال: قال أحمد بن حنبل: سمعت ابن عيينة يقول: إذا اختلفتم في أمر فانظروا ما عليه أهل الجهاد، لأن الله تعالى قال: {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا}؛ قال الحسين بن بندار: وأجمع أهل الثغر أن اللفظية كلهم جهمية" [الكامل لابن عدي: ج1/ص185].
بل كانوا يحافظون على صفاء منهج المجاهدين بإخراج الزنادقة والمبتدعة من صفوفهم؛ قال أبو عبيد القاسم بن سلام رحمه الله تعالى: "عاشرت الناس وكلّمت أهل الكلام، وكذا، فما رأيت أوسخ وسخا، ولا أقذر قذرا، ولا أضعف حجّة، ولا أحمق من الرافضة، ولقد وليت قضاء الثغور، فنفيت منهم ثلاثة رجال جهميّين ورافضيّا، أو رافضيّين وجهميّا، وقلت: مثلكم لا يساكن أهل الثغور، فأخرجتهم" [السنة للخلال: رقم 795]؛ وقال الذهبي في ترجمة أبي إسحاق الفزاري رحمه الله تعالى: "قال أحمد العجلي: كان ثقة، صاحب سنّة، صالحا، هو الذي أدّب أهل الثغر، وعلمهم السنّة، وكان يأمر وينهى، وإذا دخل الثغر رجل مبتدع، أخرجه، وكان كثير الحديث، وكان له فقه؛ أمر سلطانا ونهاه، فضربه مائتي سوط" [السير: ج8/ص540-541].
وقلّما ظهرت البدعة في الأمّة بما فيها بدعة الأشاعرة، إلا وكان أهل الثغر أقلهم تأثّرا بها وأبعدهم عنها (مقارنة بالقاعدين أهل الكلام) لانشغالهم بالجهاد تحقيقا لملّة إبراهيم عليه الصلاة والسلام، فأظهروا أشدّ العداوة للكفار بإشهار السيوف على رؤوسهم، فنصرهم الله تعالى على من عاداهم من الباطنية والصليبيين.
فالمجاهدون: "قوم مرابطون في ثغور المسلمين، في وجوه الكفرة، يجاهدون أعداء المسلمين، ويحمون حمى المسلمين، ويذبّون عن حريمهم وديارهم، ويظهرون في ثغورهم مذاهب أهل السنة والجماعة، وهم الذين أنزل الله تعالى فيهم قوله: {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا}، زادهم الله تعالى توفيقا بفضله ومنّه" [الفرق بين الفرق: ص303].
فكان جنود الطائفة المنصورة والمشتاقون إلى قوافلها يتلقون العلم من أهل العلم والعمل، أهل الاجتهاد والجهاد، ولم يأخذوه من غيرهم إلا اضطرارا كاضطرار من أشرف على الهلاك جوعا وعطشا، فشرب دما مسفوحا من لحم خنزير ذُكر اسم الطاغوت عليه، وخُنق ووُقذ لغير الله على النصب... ولم يأكل منه السبع لفرط رجسه... لكن لم يجد هذا المسكين المضطر غيره فشرب غُرفة بيده وأكل مضغة.
فكان طلبة الجهاد (في عصر تعيّن الجهاد) لا يأخذون العلم من القاعدين الخوالف فضلا عن المبتدعة فضلا عن علماء الطواغيت؛ وكانوا يقدّمون علوم الأموات من أئمة التوحيد والجهاد على فنون المعاصرين من فسّاق القعود والمداهنة، وكان شعارهم قول ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: "من كان مستنّا فليستنّ بمن قد مات" [حلية الأولياء: ج1/ص305]؛ وقال ابن مسعود رضي الله تعالى عنه: "فإن كنتم لا بد مقتدين فاقتدوا بالميّت، فإن الحيّ لا يؤمن عليه الفتنة" [حلية الأولياء: ج1/ص136]؛ قال الشيخ أسامة بن لادن تقبّله الله: "ومن كان مقتديا فليقتدِ بمن مات من القدوات، فإن الحيّ لا تؤمن عليه الفتنة" [السبيل لإحباط المؤامرات].
فكانوا متّبعين غير مبتدعين، مقتدين بأئمة الهدى، الأمراء الشهداء، كأبي مصعب الزرقاوي وأبي حمزة المهاجر وأبي عمر البغدادي رحمهم الله ورفع قدرهم.
وكم كان أمراؤهم يحذّرونهم من مشايخ آل سلول، ويعلم الله ثم المجاهدون كم حاول آل سلول اختراق صفوف المجاهدين في خراسان بإرسال طلبة علم يعظّمون مشايخ آل سلول الرسميين وغير الرسميين ليُدخلوا مشوراتهم على المجاهدين، وكان ذلك قبل "الربيع العربي".
ثم اختُرق صف المجاهدين عندما قُرّب بعض القاعدين كالطرطوسي (الذي كان يرى شرعية الحكومة الليبية الوطنية، فدعا المجاهدين إلى تسليم سلاحهم لها) والمقدسي (الذي كان يرى أن الجهاد في العراق محرقة) والعلوان (راجع إن شئت رد الشيخ الشهيد سلطان بن بجاد العتيبي عليه، فإنه مهم ويبيّن موقفه العجيب من آل سلول وعساكرهم)، والضالّين من السرورية وحزب الأمّة كالطريفي والعجمي والمطيري، وكان ذلك بدعوى الحصول على حاضنة شعبية و"شرعية"، فحُرّف مسير الجهاد في الشام بسبب هذا الخطيئة الفاحشة.
وعن طريق القاعدين المحسنين الظن بعلماء الطاغوت الرسميين، اخترق آل سلول قيادة المجاهدين بعد "الربيع العربي"، فأصبحنا نرى من يُراسل العرعور الجامي ويقول له: "قد رأيت خطابك على إخوانك وأبنائك بجبهة النصرة، ولم نعهد عليك شيخنا الفاضل هذا الأسلوب" [رسالة الهراري إلى العرعور]، ("جبهة النصرة" إخوان وأبناء العرعور وهو شيخهم!) ولذلك "زكّاه" أخوه غير الشقيق، ابن العرعور الروحي البارّ، زهران علوش، في حوار رسمي مسجّل ومنشور.
ثم أراد ربّ العالمين ابتلاء الأمّة بعلماء ودعاة من جنس هؤلاء القاعدين، إلا أنّهم يخالفونهم في بعض آرائهم وأهوائهم واختياراتهم، فرام الشياطين اختراق المجاهدين عن طريق بعض المعرّفات المشبوهة لمتعالمين ينتهجون الشدّة المفرطة في تخطئة من يخالف آرائهم وينسبونهم زورا وظلما إلى "صحوات الإعلام" و"حزب الأمّة" و"المطيرية" بمجرد استشهاد المرء سابقا بكلام من انتكس من "المنظّرين" قبل انتكاسهم، وأخطر منهم بعض من ظهر على ساحة العلم ورُفع شأنه في مجالس الجامية وغيرهم، وفجأة صار قدوة لبعض حُدثاء العهد بالجهاد.
وكان رأسا من رؤوس هؤلاء القاعدين المداهنين المشبوهين أحمد الحازمي، فقد شابه المقدسي والعلوان والطريفي والمطيري في قعودهم، وخالفهم في التحريض على الجهاد، فهو من أبعد الناس عن الدعوة إلى الجهاد، بل لا تكاد تعرف له محاضرة محرّضة على منهج الطائفة المنصورة المجدّدة لدين الله المقاتلة عليه! فلا هو جاهد ولا دعا إليه، بل قعد على طريق ابن آدم إلى الهجرة والجهاد، فكان السرورية الجدد والقاعدون "المنظّرون" أشدّ تحريضا على الجهاد منه! وبعضهم كان أشدّ تكفيرا لطواغيت الحكم منه!
"ذُكر عن بعض السلف: أن من لم يجاهد في سبيل الله، ابتلي بالجهاد في سبيل الشيطان، ومن بخل بإنفاقه المال في طاعة الله، ابتلي بإنفاقه في المعاصي وفيما لا ينفعه، ومن لم يمش في طاعة الله خطوات، مشى في معصية الشيطان أميالا" [الدرر السنية: ج13/ص174].
"قال بعض السلف: المعاصي بريد الكفر" [الداء والدواء: ص125].
والحازمي من مدرسة جامية جديدة ظهرت بعد تشتّت الجامية القديمة، وجمعت هذه المدرسة بين بعض أقوال أهل السنة والجماعة في الإيمان والتوحيد كالقول بتكفير تارك جنس العمل وتكفير المشرك الجاهل (مع التنزيل الجدلي السياسي فقط)، وبين المجادلة عن آل سلول على طريقة الجامية القديمة والتهوين من مسألة تولّي الصليبيين والحكم بغير ما أنزل الله (فمثلا، الحازمي لا يكاد يتكلّم في هذه المسائل، وإذا تكلّم كان كلامه جدليا كلاميا نظريا بعيدا عن الواقع)، ولهذه المدرسة رؤوس ذو أصول جامية قديمة، ويُنسب إلى هذه الطريقة الآن: فالح الحربي، وعبد اللطيف باشميل، وعبد الرحمن الحجي، وغيرهم؛ علما أن أكبر مشايخ الحازمي والذي لازمه 20 سنة هو محمد علي آدم الإثيوبي، هو من مشايخ الجامية، يُدافع عن ربيع المدخلي وعلي الحلبي وغيرهم من ضلّال العصر.
وكما يعلم مدّعو "السلفية الجهادية"، إن الجهاد في عصرنا فرض عين على كل مسلم، وذلك لدفع الصائل عن التوحيد قبل كل شيء، فلقد استولى طواغيت الأعراب واليهود والنصارى على بلاد المسلمين، وحكموها بالقوانين وطعنوا في الدين ودعوا إلى الإلحاد، والله المستعان.
فإذا كان الحازمي الآن من القاعدين مع النساء تحت ظلال الطواغيت في زمن تعيّن الجهاد، فهل يؤخذ عنه العلم؟ أم أنه مجروح بالفسق (والشبهة الجامية!) قد سقطت عدالته؟ يجب هجره والإنكار عليه!
قال المجاهد شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله تعالى:
"وجماع الهجرة هي هجرة السيئات وأهلها، وكذلك هجران الدعاة إلى البدع، وهجران الفساق، وهجران من يخالط هؤلاء كلهم أو يعاونهم، وكذلك من يترك الجهاد الذي لا مصلحة لهم بدونه، فإنه يعاقب بهجرهم له لما لم يعاونهم على البر والتقوى، فالزناة واللوطية وتارك الجهاد وأهل البدع وشربة الخمر، هؤلاء كلهم ومخالطتهم مضرة على دين الإسلام، وليس فيهم معاونة لا على بر ولا على تقوى، فمن لم يهجرهم كان تاركا للمأمور فاعلا للمحظور" [مجموع الفتاوى: ج15/ص311-312].
فانظر كيف ساوى بين تاركي الجهاد وبين الزناة واللوطية وأهل البدع والسكارى! فهل القاعد في عصرنا إلا من أشر الناس؟ وهل يجوز لمن يدّعي "السلفية الجهادية" أن يخالط ويوقّر ويعظّم ويقتدي بمن معصيته من جنس معصية هؤلاء؟! فكيف بمن نشر رسائله ودروسه وجعله قدوة؟! فكيف لو عرف موقف الحازمي العلني من طاغوت آل سلول؟
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: (الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل) [رواه أبو داود والترمذي، وصحّح النووي إسناده، وقال الترمذي: حديث حسن].
قال محمّد بن سيرين رحمه الله تعالى: "إن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم" [صحيح مسلم: ج1/ص14].
فهنيئا لك يا من تعظّم القاعدين مع النساء تحت ظل الطاغوت وتأخذ دينك عن الفاسقين وتدعو الناس إلى الاقتداء بهم.
قال الحازمي في شرحه لـ"لمعة الاعتقاد":
"ولي الأمر له خصوصية بالشرع، نعم كل الأحاديث الواردة مطلقة في إنكار المنكر إلى آخره مقيّدة بهذه الأحاديث، ولذلك قال: أفلا نقاتلهم؟ قال: (لا، إلا أن ترو كفرًا بواحًا). مع أن غير ولي الأمر قد يُقاتل لو تركوا سنّة، أو تركوا الأذان، أو تركوا الإقامة، أو تركوا صلاة العيد، تُقاتلهم بإجماع أهل العلم، لكن ولي الأمر يختلف، شأنه يختلف، ثَمَّ القواعد العامة التي تتعلق بالغيبة والإنكار ونحوها، هذا على جهة العموم، ويُستثنى منها ولي الأمر لما يترتب عليه من المفاسد، ولذلك كما يقول أهل العلم: منذ أن خرج الخوارج على عثمان إلى هذه الساعة، ولم تسلم الأمّة من ذاك الخروج، ليس الخروج مقصود لذاته، إنما المراد به مقصود لما يترتّب عليه من إقامة شرع الله عز وجل، وهذا الكلام فيما إذا كان الوالي مسلما، أما الكافر فهذا شأنه آخر، لكن ينبغي ضبط هذه المسائل، الكثير الآن وقع اللبس فيها، الكل يجتهد، ما يرجعون إلى كتب أهل السنة والجماعة، مع أنها تُذكر في كل كتاب، ثم قد يطبقون بعض المسائل التي تتعلق بحاكم قد يكون كافرا، نحن لا نقول: الحكام كلهم على الإسلام، وإنما في مثل هذه البلاد يُعلن فيها الشرع تحكيم الشرع، نحن لا نُحكّم هنا إلا الكتاب والسنة، إذا كان هذا المبدأ العام وهذا الذي يعرفه القاصي والداني، إذًا وقوع بعض الشبه في بعض المسائل لا تستلزم أن ننزل الحكم العام، فالتقصير الوارد والتقصير الذي يحصل لا يلزم منه الخروج، ثم ما قد يقع أو يشوش به البعض أنه كفر أو نحو ذلك، يقول هذا أصلاً فيه نوع تشويش وفيه خلاف، فإذا كان فيه خلاف حينئذٍ أقل الأحوال أن يكون من الكفر الذي وقع فيه نزاع فلا يترتّب عليه الخروج، ولذلك من السفه ما يفعل الآن، يعني: بعضهم لا يرتئي أو ما يرتضي أن يكون بين بلاد المسلمين، يخرجون إلى بلاد الغرب، هذا غريب، سعد الفقيه ومن على شاكلته لم يرضوا أن يكونوا تحت راية آل سعود هنا، وهم يُحكّمون الشرع ويُصلون مع المسلمين وظاهرهم ظاهر المسلمين ويتركون عباد الله يصلون ويصومون إلى آخره، ويرضى بحكم بلير وغيره، هل هناك مقارنة؟ ما فيه مقارنة أبدًا، ليس هناك مقارنة البتة، تعلم أن هؤلاء الذين يدعون إلى تحكيم الشريعة بمثل هذه الصور كأنهم أصحاب هوى، وهذا خوارج، هذا نبراس، الخوارج منهم من يخرج باللسان دون السنان، هذا واحد منهم خرج بالمظاهرات والاعتصامات ونحو ذلك، كل هذا مخالف للكتاب والسنة وإجماع السلف، ولذلك لا يورد أحد من أهل العلم الكبار عندنا من يؤيد مثل هذه الأشياء، إذ يرون أن المظاهرات من وسائل الدعوة البدعية إن صح أنها وسائل دعوة، ولا يرى الاعتصامات أنها مما يُدعى به إلى الله عز وجل، إنما هم يقلدون الغرب فيخرجون إلى بلاد الكفر، ثم يعيشون بينهم مثل إخوانهم، حبًّا لهم ورضاءً بما عندهم ويحرسونهم ويدعمونهم بالمال ونحو ذلك، ثم يقولون: نريد حكومة إسلامية.
وهذا الموجود هنا، ما أحد رضي ذلك ولا أخرجك من مسجد، يعني: قد يوجد في بعض البلدان ما لو تخرج وتصلي في المسجد تُمنع، المرأة يُنزع الحجاب منها، ما تستطيع أن تصوم في رمضان، هذا شأن آخر، هذا حكمه حكم آخر، لكن عندنا هنا مثلاً مملكة، ما يوجد هذا كله، لا يوجد بلد مثل هذه البلد نسأل الله يحفظها، والمكائد تدار كل من أجل إحباط الأمن الموجود في هذه الدولة، ويتمسكون ببعض المنكرات العامة، نعم ما نرتضي المنكرات، ما أحد يرضى، لكن كيف نتعامل مع هذه المنكرات نخرج ونسب ونلعن؟ ما بصحيح هذا،وإنما نجاهد في إصلاح الخلق، هذه دعوة الرسل، أنهم دعاة، كل داعية، يُقبل منك أو لا يُقبل، هذا ليس إليك، قبول هذا هداية وتوفيق من الله عز وجل، فليس إليك، إنما أنت تعلّم وتدعو، لكن هل بذلنا أسباب الدعوة بالفعل أم اشتغلنا بأمور الدنيا وقلنا: الدعوة لها يوم في الأسبوع لها ساعات معيّنة؟ لو جعلنا الدعوة نصب أعيننا بحيث أننا نطمئن بأن نحمي هذه البلاد من أن يقع فيها شيء من أسباب الفساد ونحوه؟ الجواب: لا، الدعوة صارت من الأمور الثانوية، صارت أمور الدنيا هي الأصل، فحينئذٍ يكون انتشار الفساد والمنكرات من أولياء الأمور، وكل شيء يرتّب عليه، نعم، ولاة الأمور لهم دور كبير جدًا، فيستطيعون بإذن الله كبت مثل هذه الأشياء، لكن لو لم يفعلوه، ماذا نصنع؟ نتركهم؟ نترك الناس تتقبّل هذه المنكرات؟ لا، ندعو بالتي هي أحسن، هذا هو المسلك السلفي، هذا هو مسلك السلف، التعامل مع المخالفات إنما يكون بتوجيه الناس ونصح الناس، أن يكون المنابر لا يطؤها الجهال، وإنما أهل العلم، وطلاب العلم يسعون إلى أخذ المساجد لتكون بأيديهم، ويعلّمون الناس التوحيد والعقيدة الصحيحة ومجانبة الشرك الأكبر وكيف يصلون، كم وكم الآن من الناس من لا يحسن الصلاة؟ حتى من الشباب الذين يرفعون راية الجهاد بعضهم ما يحسن يصلي ما يحسن أن يتوضأ، أين أنت؟ أين أنت عن تعلم الفرض العين؟ هذا آكد من أن تعلق نفسك بولاة الأمور، قضية ولاة الأمور كما ذكرنا وعدمها معلق بأهل الحل والعقد، ما لك وما لهم؟ أنت لك أن تعتقد ما هو حق ثم بعد ذلك أن تسير على نهج الذي رسمه النبي، صلّى الله عليه وسلّم" [شرح لمعة الاعتقاد: الدرس الـ17].
تنبيه: لا بأس بتأصيله "نظريا"، لكن تنزيله على طواغيت آل سلول من أقبح القبيح، وهو دليل على أن الحازمي لا يفقه الدين ولا الواقع، والله المستعان.
فهلا نظر إلى ما كتبه الشهداء من الدعاة وطلبة العلم، كـ"رسالة في الطواغيت" لأبي عبد الرحمن الأثري (سلطان العتيبي)، و"التتار وآل سعود في نظر شيخ الإسلام بن تيمية " لعبد الله الرشود، و"تهذيب الكواشف الجلية في كفر الدولة السعودية" لصالح بن سعد الحسن (معجب الدوسري)، وجميعهم قُتلوا مقبلين غير مدبرين في جزيرة العرب، عكس الحازمي المبايع لآل سلول باعتقاد صحّة إمامتهم؟ وليس لهؤلاء الشهداء من أهل الثغر تلك الطريقة التسلسلية المغالية التي يدعو إليها الحازميّون ليتوسعوا ويتسرعوا فيكفّروا حتى "عاذر العاذر" و"عاذر عاذر العاذر"
والظاهر من صنيع موقع الحازمي الرسمي وتاريخ الرفع "20 مارس/آذار 2012" أن الدرس جديد وبعد حرب الصليبيين على الإسلام والمسلمين في أفغانستان والعراق، وبعد بدء العمليات ضدهم في جزيرة العرب، أي بعدما أظهر آل سلول علانية للعامّة والخاصّة نصرتهم للصليبيين على المسلمين فضلا عن تحاكمهم إلى الطاغوتين المحلي والدولي.
وموقع الحازمي الرسمي لا يزال يفتخر بهذا الدرس، ورابطه هنا:
http://alhazme.net/articles.aspx?article_no=974
والعجيب في أمر الحازميّين أنّهم يكفّرون الآخرين بما دون قول الحازمي هذا بكثير، لكن يجعلون له ألف عذر وعذر! وذلك لأن نفَسه وافق هواهم، فقدّموا الاستماع لمحاضراته على قراءة كلام الله جلّ وعلا وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم وآثار السلف - قراءة تدبّر وفقه - وقراءة كتب السلف (التي تروي عنهم) كالسنة لعبد الله بن الإمام أحمد والشريعة للآجري، والاستماع إلى دروس العلماء من المجاهدين كأبي عبد الله المهاجر الذي كان يوقّره الشيخ أبو مصعب الزرقاوي رحمه الله، وربما فضّلوا الحازمي على الزرقاوي وأبي حمزة وأبي عمر لأنهم "داهنوا" فلم يتكلموا في "الكفر بالطاغوت"، أي: "تكفير حلقات سلسلة العاذرين"
فإذا كان الحازمي قد أيّد طواغيت آل سلول، فما الذي قاله العلماء فيمن حاله أفضل منه، كمن سكت عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من المنتسبين إلى التديّن؟ وحال أصحاب المنكرات أفضل من حال آل سلول!
قال ابن القيم رحمه الله تعالى:
"وقد غرّ إبليس أكثر الخلق بأن حسّن لهم القيام بنوع من الذكر والقراءة والصلاة والصيام والزهد في الدنيا والانقطاع، وعطّلوا هذه العبوديات، فلم يحدثوا قلوبهم بالقيام بها، وهؤلاء عند ورثة الأنبياء من أقلّ الناس دينا، فإن الدين هو القيام لله بما أمر به، فتارك حقوق الله التي تجب عليه أسوأ حالا عند الله ورسوله من مرتكب المعاصي؛ فإن ترك الأمر أعظم من ارتكاب النهي من أكثر من ثلاثين وجها ذكرها شيخنا رحمه الله في بعض تصانيفه؛ ومن له خبرة بما بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم وبما كان عليه هو وأصحابه رأى أن أكثر من يُشار إليهم بالدين هم أقل الناس دينا، والله المستعان، وأي دين وأي خير فيمن يرى محارم الله تنتهك وحدوده تضاع ودينه يترك وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم يرغب عنها وهو بارد القلب ساكت اللسان؟ شيطان أخرس، كما أن المتكلم بالباطل شيطان ناطق، وهل بلية الدين إلا من هؤلاء الذين إذا سلّمت لهم مآكلهم ورئاساتهم فلا مبالاة بما جرى على الدين؟ وخيارهم المتحزّن المتلمّظ، ولو نوزع في بعض ما فيه غضاضة عليه في جاهه أو ماله بذل وتبذل وجد واجتهد، واستعمل مراتب الإنكار الثلاثة بحسب وسعه، وهؤلاء مع سقوطهم من عين الله ومقت الله لهم قد بلوا في الدنيا بأعظم بلية تكون وهم لا يشعرون، وهو موت القلوب، فإن القلب كلما كانت حياته أتم كان غضبه لله ورسوله أقوى، وانتصاره للدين أكمل.
وقد ذكر الإمام أحمد وغيره أثرا: أن الله سبحانه أوحى إلى ملك من الملائكة أن اخسف بقرية كذا وكذا، فقال: يا رب كيف وفيهم فلان العابد؟ فقال: به فابدأ، فإنه لم يتمعّر وجهه فيّ يوما قط.
وذكر أبو عمر في كتاب التمهيد: أن الله سبحانه أوحى إلى نبيّ من أنبيائه أن قل لفلان الزاهد: أما زهدك في الدنيا فقد تعجّلت به الراحة، وأما انقطاعك إليّ فقد اكتسبت به العزّ، ولكن ماذا عملت فيما لي عليك؟ فقال: يا رب، وأي شيء لك عليّ؟ قال: هل واليت فيّ وليا أو عاديت فيّ عدوا؟" [إعلام الموقّعين: ج2/ص120-121].
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى:
"وليس الدين بمجرد ترك المحرمات الظاهرة، بل بالقيام مع ذلك بالأوامر المحبوبة لله، وأكثر الديّانين لا يعبؤون منها إلا بما شاركهم فيه عموم الناس، وأما الجهاد والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر والنصيحة لله ورسوله وعباده ونصرة الله ورسوله ودينه وكتابه، فهذه الواجبات لا تخطر ببالهم فضلا عن أن يريدوا فعلها، وفضلا عن أن يفعلوها، وأقل الناس دينا وأمقتهم إلى الله من ترك هذه الواجبات وإن زهد في الدنيا جميعها، وقل أن ترى منهم من يحمر وجهه، ويمعّره لله، ويغضب لحرماته، ويبذل عرضه في نصرة دينه،وأصحاب الكبائر أحسن حالا عند الله من هؤلاء، وقد ذكر أبو عمر وغيره: أن الله تعالى أمر ملكا من الملائكة أن يخسف بقرية، فقال: يا ربّ، إن فيهم فلانا العابد الزاهد؛ قال: به فابدأ وأسمعني صوته، إنه لم يتمعّر وجهه فيّ يوم قط" [عدّة الصابرين: ص146-147].
هذا في مجرّد السكوت، فكيف بمن زيّن أمر الطواغيت ودافع وجادل عنهم؟
قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهّاب رحمه الله تعالى:
"إذا عرفتم ذلك، فهؤلاء الطواغيت الذين يعتقد الناس فيهم، من أهل الخرج وغيرهم، مشهورون عند الخاص والعام بذلك، وأنهم يترشحون له ويأمرون به الناس، كلهم كفار مرتدون عن الإسلام؛ ومن جادل عنهم، أو أنكر على من كفّرهم، أو زعم أن فعلهم هذا لو كان باطلاً فلا يخرجهم إلى الكفر، فأقلّ أحوال هذا المجادل أنه فاسق لا يُقبل خطه ولا شهادته، ولا يُصلى خلفه..." [الرسائل الشخصية: ص188].
ثم انظر ما قاله علماء المالكية المغاربة فيمن دعا لسلاطين الدولة العُبيدية الباطنية، تجد كلامهم في: "حكم الخطباء والمشايخ الذين دخلوا في نصرة وتأييد المبدلين لشريعة الرحمن" لأبي قتادة الفلسطيني هداه الله، والقصد بيان التناقض المنهجي عند الحازميين، (وأما تكفير الحازمي، فهذا أمر لا أدّعيه).
فإن قال قائلهم: "لقد تراجع الشيخ عن تزكية آل سلول"
قلت: {قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين} [النمل: 64].
قال جلّ وعلا: {إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون * إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم} [البقرة: 159-160].
فشرط التوبة من كلامه السابق أن يبيّن للناس براءته من آل سلول بعد أن دعا إليهم ولهم، ولا يكفي الكلام المجمل، بعد أن كان تأييده مفصّلا.
وإذا أردت أن ألتزم بالتكفير الرياضي (نسبة إلى الرياضيات) التي يتبنّاه هؤلاء، أقول: وقوعه في هذا الكلام قطعي محكم، وزعمكم أنه قد "تاب" ظني متشابه، إذاً من لم يكفّره فهو كافر! ومن لم يكفّر من لم يكفّره فهو كافر!!! والله المستعان...
وبعضهم يلبّس ويستدل بكلام عام للحازمي فيه تكفير نظري لمن بدّل الشريعة، وكلامه ليس بأفضل ولا أوضح من كلام مشايخ آل سلول الرسميين، كابن باز وابن عثيمين وصالح الفوزان وصالح آل الشيخ وغيرهم، فأكثر مشايخ آل سلول الرسميين أيضا يكفّرون المبدّلين نظريا، وأحيانا بأسلوب أحسن من أسلوب الحازمي؛ ثم إن موقعه الرسمي لا يزال ينشر هذا الدرس رغم أن الحازمي وأصحاب الموقع نُبّهوا عليه مرارا وتكرارا دون أي جدوى...
وآخرون من المقلّدين يزعمون أنه مُكره، رغم أنه قادر على الهجرة ولو إلى دار كفر يستطيع فيها إظهار العداوة للطاغوت! ولو فتحنا دعوى الإكراه دون دليل، لفتحنا الباب لكل الناس، لا للحازمي وحده! وكأن هؤلاء نسوا أن القادر على الهجرة التارك لها لا يُعد مُكرها؟ وإلا لزمهم أن يقولوا بأن المرتدين في جيش بشّار مُكرهون!
وأخبرني الثقة أن بعض المحبّين للحازمي دعوه إلى الهجرة، لكنه اعتذر بحجج واهية من جنس حجج أهل الدنيا وأصحاب الأشمغة الحمراء مفضّلا التدريس في ظل آل سلول، ولا تنس أنه سافر إلى تونس ومصر ليلقي المحاضرات ثم عاد إلى "السعودية" دون أي ابتلاء يُذكر، مما يزيد الشكوك التي تحيطه، و(لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي)، فهل يجوز هذا السفر إلا لأمثال حسّان عبّود وزهران علّوش والطريفي والعريفي؟ وهل يسمح آل سلول لأحد مثل هذا السفر إلا من سيدمّر جماعة المسلمين في نظرهم، كما فعلوا مع العرعور وربيع المدخلي وسلمان العودة؟!
ألم يقرأ الحازميّون رسائل الشيخ سليمان آل الشيخ وحمد بن عتيق وإسحاق آل الشيخ في وجوب الهجرة على من لم يستطع إظهار دينه في دار الكفر؟ ووجوب إظهار العداوة للطواغيت - طواغيت قومه قبل غيرهم؟ أم أنها الكيل بمكيالين اتباعا للهوى؟ (ولا أدّعي تكفيره، إنما الهدف بيان تناقضهم).
وأعجب من ذلك كله أن الحازمي يترحّم كثيرا على ابن عثيمين ويصفه بالعلامة في دروسه مرارا وتكرارا، "وكان يسمع شروحات الشيخ ابن عثيمين كثيرا ويُوصي بالاستماع إليها" كما ذُكر في بعض تراجمه، وهذا من التناقض العجيب، فمعروف قول ابن عثيمين المُحْدَث في إعذار الجاهل بالشرك (كما في شرحه لكشف الشبهات)، ولا شك أن ابن عثيمين لا يكفّر العاذر نفسه إذ هو منهم! والحازمي مطّلع على كلام ابن عثيمين وينقل من شروحه كثيرا، وإنما ذكرت هذا لبيان تناقض "المنظّر" المندفع لهذه المسألة الآن، فهلا التزم بما هو "قطعي" فكفّر شيخه بهذا "المناط"؟ وهلا كفّر الحازميّون "علّامتهم" الحازمي لأنه لم يكفّر شيخه؟ وهلا امتحنوا الناس في الحازمي وكفّروا من لم يكفّره أو شكّ في كفره؟ إلخ؟
فكيف إذا أضاف ابن عثيمين إلى قوله هذا، المجادلة عن آل سلول والإفتاء بهواهم والبيعة لهم؟
ومن تناقض الحازمي المعروف في هذه المسألة تفرقته بين عبّاد القبور وعبّاد القوانين، وجعل أثر ابن عباس "كفر دون كفر" شبهة مانعة من إلحاق الكفر بمن توقّف في تكفير طواغيت الحكم... وهذا من التناقض، فكيف يُقلّد ويُعظّم بدندنته، ثم انطلاقا منها يكون افتتان الناس بالرجل وامتحانهم في آرائهم حول فلان من آحاد الناس ممن تكلم بكلام محتمل ولا يستطيعون مجالسته ليعرفوا حقيقة قوله وحاله، وليستتيبوه أو يقيموا عليه الحجة ويزيلوا عنه الشبهة، إن احتاج الأمر إلى ذلك؟ فلا يُلحق كل أنواع الكفر بالقائل أو الفاعل من غير شروط وإزالة موانع، وإنما ذلك في نوع من الكفر له صلة بالشهادتين (أصل الدين)، كعبادة الطواغيت واتباع الدجاجلة والاستهزاء بالله ودينه ورسوله، أما القول المحتمل لأوجه وتأويلات كثيرة، بعضها كفر وبعضا ضلال وبعضها خطأ، فلا يسلّم بتكفير قائله فضلا عن المتوقّف في تكفيره! خاصّة إذا كان القائل بهذا القول المحتمل في مكان أو زمان أو حال يمنعنا من معرفة قصده، إلخ.
قال الحازمي:
"قال وهل ثمّت فرق بين عبّاد القوانين وعبّاد القبور؟ يعني شرك القبور وشرك القصور، هل بينهما فرق أم لا؟ قُلْ: نعم، بينهما فرق، لا شكّ في هذا، أن مسائل ما يتعلّق بعبّاد القبور، هذه من المعلوم من الدين بضرورة، وهيهات أن تأتي بحرف واحد عن أحد من أئمة الإسلام قولا يحكم بإسلام من عبد غير الله تعالى،فالمسألة هذه مُحكَّمة، لا خلاف فيها ولا شبهة ولا تأويل سائغ، وأما ما يتعلّق بالحكم بغير ما أنزل الله، فالمسألة فيها شبهة عند المتأخّرين، ثَمّ أقوال معتمدة على تفسير ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وثَمّ أقوال للمفسّرين جعلت بعض أهل العلم يظنّ أن الحكم مطلق بمعنى أنه لا يُستثنى فيه شيء دون شيء، وثَمّ مواضع قد أجمع عليها أهل العلم على أن من حكم بغير ما أنزل الله فهو كافر، كمن اعتقد الأفضلية أو المساواة إلى آخره، والبحث إنما هو في ماذا؟ من اعتقد أفضلية الدين والشريعة لكنه حكّم القوانين فهو حينئذ لم يكن معتقدا، عرفنا فيما سبق أن هذه كذلك، مجمع عليه عند السلف، وأعني بهم الصحابة رضي الله تعالى عنهم، مع الجواب على أثر ابن عباس، لكن البحث في ماذا؟ في المخالف، ليس فيما نعتقد فيه نحن، المخالف إذا تمسّك بأثر ابن عباس وكلام السلف عن عطاء ومجاهد إلى آخره وما ذكره ابن جرير رحمه الله تعالى في أثر ابن عباس في قوله {ومن لم يحكم بما أنزل الله} جاحدا تقييدا بالجحود، وتبعه كثير من المفسرين، بل لا تكاد تجد مفسرا من المفسرين في هذه الآية على جهة الخصوص إلا ويذكر أثر ابن عبّاس، الشاهد من هذا الكلام وخلاصته أن هذه المسألة فيها شبهة عند المتأخرين، حينئذ لا يُكفّر كل من خالف في هذه المسألة، أما مسألة عبّاد القبور فهذه ليس فيها خلاف ألبتّة، ولا شك أن توحيد العبادة أعظم من توحيد الحكم أو الحاكمية إن سمّيتها، لا شك في هذا، وأن الشرك في العبادة أعظم في الشرع من الشرك في الحاكمية، هذا مقرر عند أهل العلم قاطبة، إذا لا نسوي بين المسألتين، فإذا كفّرنا كل من لم يكفّر عبّاد القبور لا تأتي وتُلزمنا بأن نكفّر كل من لم يكفّر من حكم القوانين، لأن هذه تُعتبر فيها شبهة، ولا بدّ من إزالتها إلى آخره، إذاً ثَمّ فرق بين المسألتين، فليس ثَمّ لازم أو تلازم بين التكفير بإطلاق في موضع أن نأتي ونُطلق كذلك في موضع آخر، بل لا بدّ من أن ننطلق من النص، لا بما تُمليه علينا آراؤنا أو عقولنا أو ما يعيشه الإنسان في مجتمعه أو رموزه ونحو ذلك، وإنما النظر كل الانطلاق من الكتاب والسنة، فما كان فيه نص واضح بيّن ولم ينقل عن السلف ولا الخلف كذلك، حينئذ نقول هذا لا شبهة فيه ألبتّة، وما نُقل فيه خلاف عن الخلف وكانوا من أئمة الدين لا شكّ في ذلك، حينئذ نقول هذا يُعتبر شبهة تدفع عن القائل التكفير، فلا بد حينئذ من النظر في قوله وفي ما يدور حوله إلى آخره، واضح هذا؟ إذاً فرق بين المسألتين، إذاً هذه المسألة مسألة الكفر بالطاغوت يجب أن تُنزّل على كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والنظر فيه يكون بهذا الاعتبار" [تكفير المشركين وعلاقته بالكفر بالطاغوت].
إذاً، أعذر عاذر عبّاد القوانين بأثر ابن عبّاس وبكلام المفسّرين، وأثره من جنس الأحاديث والآثار التي يستدل بها أهل الباطل العاذرون لعبّاد القبور.
قال الشنقيطي رحمه الله تعالى:
"فالإشراك بالله في حكمه كالإشراك به في عبادته، قال في حكمه: {ولا يشرك في حكمه أحدا} [الكهف: 26]، وفي قراءة ابن عامر من السبعة {ولا تشرك في حكمه أحدا} بصيغة النهي؛ وقال في الإشراك به في عبادته: {فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا} [الكهف: 110]، فالأمران سواء كما ترى إيضاحه إن شاء الله" [أضواء البيان: ج7/ص48].
وقال رحمه الله تعالى:
"وبهذه النصوص السماوية التي ذكرنا يظهر غاية الظهور: أن الذين يتبعون القوانين الوضعية التي شرعها الشيطان على ألسنة أوليائه مخالفة لما شرعه الله جل وعلا على ألسنة رسله صلى الله عليهم وسلم، أنه لا يشك في كفرهم وشركهم إلا من طمس الله بصيرته، وأعماه عن نور الوحي مثلهم" [أضواء البيان: ج3/ص259].
فيما سبق ردّ على تفرقة الحازمي بين "شرك القبور" و"شرك القصور"، فإمّا أن يعذر العاذرَ في البابين، أو يُكفّر العاذرَ في البابين، أو يأتي بفرق مبين، فلا بد أن يعترف المحبّون له أن فيما يدندن حوله الحازمي لبس لا بدّ من إزالته وإشكال لا بدّ من رفعه قبل الخوض في هذا النوع من التكفير، وإلا انتهى الأمر بما لا تُحمد عواقبه، (فائدة: قد منع أبو عمر البغدادي الجنود من الخوض في هذه المسألة عام 1428هـ لكثرة أخطاء الخائضين)، أما أن يُجعل الحازمي أو غيره من آحاد المعاصرين أو المتأخرين أو المتقدّمين بعد عصر السلف مرجعا في أصول الدين، فهذا من الابتداع المبين!
ثم، أقول: اعترف الحازمي نفسه أن مسألة تكفير الحاكم بغير ما أنزل الله مجمع عليها عند السلف (ونقل ابن كثير الإجماع على تكفير من حكم بالياسق التتري)، وإنما حدث الاختلاف عند المتأخّرين بعد عصر السلف، فهو إذاً (بناء على التكفير الرياضي) قد جعل خرق الإجماع مانعا من موانع التكفير! فهلا كفّره محبّوه وكفّروا من لم يكفّره إلخ؟!
قال إسحاق آل الشيخ رحمه الله تعالى مبيّنا المرجع في أصول الدين وأنه ليس أقوال المتقدمين ولا المتأخرين ولا المعاصرين:
"ومما هو معلوم بالاضطرار من دين الإسلام أن المرجع في مسائل أصول الدين إلى الكتاب والسنة وإجماع الأمة المعتبر وهو ما كان عليه الصحابة وليس المرجع إلى عالم بعينه في ذلك" [تكفير المعيّن: ص15].
ومن أقبح أفعال هؤلاء أنهم لا يرجعون إلى نصوص القرآن والسنة وآثار السلف لمعرفة أصول الدين، إنما يجعلون كلام المتأخرين أنفسهم هو أصول الدين! فهل نجعل الكلام التالي من أصول الدين إذاً لأنّه ورد في كتاب العقائد من الدرر السنية؟:
"ثم لا يخفى عليكم أنه بلغني أن رسالة سليمان بن سحيم قد وصلت إليكم، وأنه قبلها وصدقها بعض المنتمين للعلم في جهتكم، والله يعلم أن الرجل افترى عليّ أمورا لم أقلها، ولم يأت أكثرها على بالي.
فمنها قوله: إني مبطل كتب المذاهب الأربعة؛ وإني أقول: إن الناس من ستمائة سنة ليسوا على شيء، وإني أدعي الاجتهاد؛ وإني خارج عن التقليد؛ وإني أقول: إن اختلاف العلماء نقمة، وإني أكفّر من توسّل بالصالحين؛ وإني أكفّر البوصيري لقوله: يا أكرم الخلق؛ وإني أقول: لو أقدر على هدم قبّة رسول الله صلى الله عليه وسلم لهدمتها، ولو أقدر على الكعبة لأخذت ميزابها، وجعلت لها ميزابا من خشب، وإني أحرّم زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وإني أنكر زيارة قبر الوالدين وغيرهما، وإني أكفّر من حلف بغير الله،وإني أكفّر ابن الفارض، وابن عربي؛ وإني أحرق دلائل الخيرات، وروض الرياحين، وأسميه روض الشياطين.
جوابي عن هذه المسائل أن أقول: سبحانك هذا بهتان عظيم!" [الدرر السنية: ج1/ص33-34].
والتقليد مذموم، ودلائل الخيرات كتاب شرك وبدع، وقبّة الرسول (صلى الله عليه وسلم) يجب أن تُزال، ولقد كفّر بعض العلماء من لم يكفّر طائفة ابن عربي! ولا يجوز النطق بخلاف المعتقد مدّعيا مصلحة الدعوة! أقول هذا لبيان خطأ من يجعل مرجعه في أصول الدين كتاب بعينه دون الكتاب والسنّة بفهم السلف.
فلا تأويل لهذا الكلام سوى ما قاله الإمام مالك رحمه الله تعالى: "ليس أحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلا ويؤخذ من قوله ويترك إلا النبي صلى الله عليه وسلم".
وربما كان لهذا الكلام وغيره سياق مفصّل يبيّن القصد الصحيح، ولا يُعرف لأنه ضاع في التاريخ، بخلاف دلالة القرآن والسنن والإجماع.
وقال الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى:
"وأما الكذب والبهتان: أنّا نكفر بالعموم، ونوجب الهجرة إلينا على من قدر على إظهار دينه، وأنّا نكفر من لم يكفّر ولم يقاتل، ومثل هذا وأضعاف أضعافه! فكل هذا من الكذب والبهتان الذي يصدّ به ورثة أبي جهل من سدنة الأصنام وأئمّة الكفر، الناس عن دين الله ورسوله؛ وإنّا لا نكفّر إلا من كفّره الله ورسوله، من المشركين عبّاد الأصنام كالذين يعبدون الصنم الذي على قبر عبد القادر والصنم الذي على قبر أحمد البدوي وأمثالهما، أما الذين آمنوا بالله وكتبه ورسله واليوم الآخر وجاهدوا في الله حق جهاده فهم إخواننا في الدين وإن لم يهاجروا إلينا، فكيف نكفر هؤلاء؟ سبحانك هذا بهتان عظيم" [منهاج التأسيس والتقديس: ج1/ص89].
تنبيه: ليس الهدف الاحتجاج بكلام الإمام رحمه الله تعالى، ولا تبنّي قول بعينه، وإنما أبيّن أن في بعض كلامه ما يحتاج إلى تفسير وتفصيل، لا كما يدّعي القوم: تكفير رجل من المرتدّين بعينه هو من أصل الدين الذي لا يُعذر الجاهل به في أي حال من الأحوال، وتكفير العاذر مما هو معلوم من الدين بالضرورة يُكفّر بعد أن يبلغه القرآن، وتكفير عاذر العاذر من المسائل الخفية يُكفّر بعد ظهور الدعوة، وتكفير عاذر عاذر العاذر مسألة اجتهادية، ربما الراجح والأحوط تكفيره! ومن خالف في أي حلقة من هذه السلسلة كفر وأقل أحواله أنه مبتدع بدعة مكفّرة!
أُكرّر أنني أتكلّم في تكفير السلسلة العاذرية نفسها، لا تكفير المشرك الجاهل، فإن المشرك لا يُعذر بجهله مهما صلّى وصام وزعم أنّه مسلم.
فأصول الدين ليست قول فلان ولا علّان من المتأخرين بل حتى من المتقدمين، وإنما مرجعها الكتاب والسنّة وإجماع السلف، مع العلم بأن الله وعدنا بحفظ كتابه وسنّة نبيه صلى الله عليه وسلم، وليس عندنا عهد بأن كلام العلماء محفوظ من تحريف النسّاخ أو معصوم من خطأ أصحابها!
وليس هناك فرق بين أسلوب الحازمي المندفع مع ناقض من لم يكفّر المشركين كَفَر، وتحريفه إلى مناط جديد (على الأقل باللفظ المبتدع ثم التسلسل المغالي) وهو القول بتكفير العاذر بالجهل، وبين أن يأتي رجل ويقول بتكفير "المجازيّين" (القائلين بتقسيم اللغة إلى حقيقة ومجاز) بدعوى أن الزنادقة من المعطّلة والجهمية أجمعوا على التمسك بهذه الشبهة ليجحدوا علو الله على خلقه (وقد سمّى ابن القيم شبهتهم طاغوتا كما في "الصواعق المرسلة"، وذكر شيخ الإسلام أن هذا التقسيم محدث بعد عصر السلف)، ثم يكفّر من لا يكفّر "المجازيين" وهكذا... علما أن كثيرا من المثبّتة للصفات يقولون بتقسيم اللغة إلى حقيقة ومجاز، ومع ذلك يثبتون علو الله على خلقه حقيقة وغيرها من الصفات التي وردت بالآثار.
فالحازمي جعل الشبهة التي يتمسّك بها بعض المتوقفين، مناطا جديدا (باللفظ المبتدع ثم التسلسل المغالي)، رغم أن شبهتهم لها معاني كثيرة محتملة، فتارة تُطلق والمراد في بعض أحكام الدنيا والآخرة دون بعضها، وتارة في المسائل الظاهرة والخفية دون الشهادتين، وتارة في بعض الأحوال دون غيرها، وكلٌّ يطلق وينفي بحسب ما اصطلح عليه، مع العلم بأن بعض العاذرين نظريا لا يلتزمون قولهم في واقعنا وما شابهه، فلا يعذرون أنواع الجاهلين بأصل الدين وكثير من ضرورياته لقيام الحجة عليهم ببلوغ القرآن، وهذا ظاهر صنيع صاحب "الجامع في طلب العلم الشريف" وغيره من المعاصرين.
وأكرر، ليس الهدف تحرير هذه المسألة وذكر ضوابطها وما فيها من تفاصيل، وإنما أبيّن بعض تناقضات الحازميّين الذين يتوسعون ويتسرعون في التكفير دون ضابط علمي.
فائدة: كما حرّف الخوارج في عصر الصحابة معنى كلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم ليكفّروا أصحاب الكبائر، حرّف بعض الجهلة معنى كلام أئمة الدعوة النجدية ليكفّروا عوام المسلمين بالشبه، ثم استغلّ الطاغوت المرتد عبد العزيز آل سعود (مؤسس الدولة الثالثة الموالية لبريطانيا) أخطاء بعض الجهلة وآراء علماء السلطان للقضاء على "إخوان من طاع الله" بعد أن طعن في منهجها، فسبق أبا عبد الله الشامي، والله المستعان.
قال عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهّاب في رسالته إلى عبد العزيز الخطيب:
"وقد رأيت سنة أربع وستين، رجلين من أشباهكم، المارقين، بالأحساء، قد اعتزلا الجمعة والجماعة، وكفّرا من في تلك البلاد من المسلمين، وحجّتهم من جنس حجّتكم، يقولون: أهل الأحساء يجالسون ابن فيروز، ويخالطونه، هو وأمثاله، ممن لم يكفر بالطاغوت، ولم يصرّح بتكفير جدّه، الذي ردّ دعوة الشيخ محمد، ولم يقبلها، وعاداها.
قالا: ومن لم يصرّح بكفره، فهو كافر بالله، لم يكفر بالطاغوت، ومن جالسه، فهو مثله، ورتّبوا على هاتين المقدمتين الكاذبتين الضالّتين، ما يترتّب على الردّة الصريحة من الأحكام، حتى تركوا ردّ السلام، فرُفع إليّ أمرهم، فأحضرتهم، وتهددتهم، وأغلظت لهم القول، فزعموا أولا: أنهم على عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وأن رسائله عندهم، فكشفت شبهتهم، وأدحضت ضلالتهم، بما حضرني في المجلس.
وأخبرتهم ببراءة الشيخ من هذا المعتقد والمذهب، وأنه لا يكفّر إلا بما أجمع المسلمون على تكفير فاعله من الشرك الأكبر، والكفر بآيات الله ورسله، أو بشيء منها..." [الدرر السنية: ج1/ص467-468].
قال أبوه الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهّاب في "المورد العذب الزلال":
"فصل في الإشارة إلى ما تضمنته: لا إله إلا الله، من الشرك، وإبطاله، وتجريد التوحيد لله تعالى، والإشارة إلى بعض ما تنتقض به عرى الدين، الذي بعث الله به المرسلين، والباعث على ذلك: ما بلغني عن رجل، قبل طروق الفتن، يغلو في التكفير، ويكفّر بأشياء لم يكفّر بها أحد من أهل العلم، ثم إنه قال بعد ذلك، لما غرق في الفتن، أعاذنا الله من مضلات الفتن، ما ظهر منها وما بطن: من قال لا إله إلا الله، فهو المسلم المعصوم، وإن قال ما قال!" [الدرر السنية: ج11/ص309].
وكم انتكس من الغلاة وارتدّ؛ يكفّرون المسلمين بالشبه ثم يرتدّ بعضهم رافضيا أو إباحيا أو حتى قبوريا وقانونيا! اللهم يا مقلّب القلوب ثبّت قلوبنا على دينك.
ومثلهم رؤوس الجامية في اليمن من المصريين كأبي الحسن المأربي وأسامة القوصي وغيرهم، فأصولهم من جماعة شكري مصطفى!
وللأسف، بعض المعظّمين للحازمي قعدوا عن الجهاد في الشام (ربما تقليدا له) لأنهم متوقفون في إسلام بعض أمراء الدولة الإسلامية وعامّة المسلمين فيها، وهذا شاهد آخر على بطلان الغلو التسلسلي في التكفير، فإنه لا يُعرف أصلا في أي ثغر من ثغور القرن رجل كان يرى هذا الرأي إلا وكان أسرع وأسبق الناس خروجا من الثغر وقعودا في بيته مع نسائه، ثم يجلس ويجادل ويتكلّم على مذهب القعدة من الخوارج، فإذا تجرأ ما كان تجرؤه إلا على الموحّدين من المجاهدين! تشهد ثغور خراسان والقوقاز والصومال وغيرها على ذلك، والله على كل شيء شهيد.
أيضا من الأخطاء في التكفير وفهم كلام الأئمة، تنزيل كلام شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهّاب رحمه الله في بادية عصره على غيرهم من البدو، وتكفير أعيان البدو بالعموم لاحتمال إسلام بعضهم، نبّه على ذلك الشيخ سليمان بن سحمان غفر الله له في بعض رسائله كـ"منهاج أهل الحق" (وللأسف، يعظّم الشيخ سليمان في هذه الرسالة عبد العزيز آل سعود مؤسس الدولة السعودية الثالثة الموالية لبريطانيا، والله المستعان)...
قال غفر الله له:
"فمن زعم أن حال الأعراب - بعد ما دخلوا في دين الإسلام والتزموا شرائعه العظام - هي حالهم قبل أن يدخلوا فيه من الكفر بالله والإشراك به، وأن هذا وصف قائم بهم لا ينفك عنهم، وأنهم على الحالة الأولى، فقد أعظم الفرية على الله وعلى المسلمين ونسبهم إلى ما هم بريؤون منه [...]
فإذا تبين لك هذا، فيقال لهؤلاء الجهلة الصعافقة الحمقى، الذين لا علم لهم ولا معرفة لديهم بحقائق الأمور ومدارك الأحكام، الذين يقرؤون على الناس كلام شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، وهم لا يفهمون مواقع الخطاب وتوقيع الأمور على ما هي عليه، حيث يقول قائلهم: نعم، هذا قول الشيخ في البدو، والمشايخ اليوم يقولون ويقولون.
فيقال لهم: إن كلام الشيخ الذي تقرؤونه على الناس في قوم كفار ليس معهم من الإسلام شيء، وذلك قبل أن يدخلوها في الإسلام، ويلتزموا شرائعه، وينقادوا لأوامره، وينزجروا عن زواجره ونواهيه، وأما بعد دخولهم في الإسلام فلا يقول ذلك فيهم إلا من هو أضل من حمار أهله وأقلهم دينا وورعا، ومقالته هذه أخبث من مقالة الخوارج الذين يكفرون بالذنوب، وهؤلاء يكفرونهم بمحض الإسلام. أما علم هؤلاء المساكين أن الإسلام يجب ما قبله، وأن الهجرة تهدم ما قبلها، بنص رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ [...]
فإذا تقرر هذا وتبين لك أنهم لم يفهموا ما ذكره الشيخ محمد رحمه الله تعالى في الأعراب الذين كانوا في زمنه قبل أن يدخلوا في الإسلام، وأنهم وضعوه في غير موضعه، فجعلوه في الأعراب الذين هم بين ظهور المسلمين وظاهرهم الإسلام: فالعجب كل العجب ممن يصغي ويأخذ بأقوال أناس ليسوا بعلماء ولا قرؤوا على أحد من المشايخ فيحسنون الظن بهم فيما يقولونه وينقلونه، ويسيئون الظن بمشايخ أهل الإسلام وعلمائهم الذين هم أعلم منهم بكلام أهل العلم، وليس لهم غرض في الناس إلا هدايتهم وإرشادهم إلى الحق الذي كان عليه صلى الله عليه وسلم وأصحابه وسلف الأمة وأئمتها.
وأما هؤلاء المتعالمون الجهال فكثير منهم - خصوصا من لم يتخرج على العلماء منهم - وإن دعوا الناس إلى الحق فإنما يدعون إلى أنفسهم ليصرفوا وجوه الناس إليهم؛ طلبا للجاه والشرف والترؤس على الناس؛ فإذا سئلوا أفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا.
وقد قال بعض السلف: إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم، وقال بعض العلماء: إن من سعادة العجمي والعربي إذا أسلما، أن يوفقا لصاحب سنة، ومن شقاوتهما أن يوفقا لصاحب بدعة [...]
ومن علامات صاحب البدعة: التشديد، والغلظة، والغلو في الدين، ومجاوزة الحد في الأوامر والنواهي، وطلب ما يُعَنِّت الأمة ويشق عليهم ويحرجهم، ويضيق عليهم في أمر دينهم، وتكفيرهم بالذنوب والمعاصي، إلى غير ذلك مما هو مشهور مذكور من أحوال أهل البدع..." [منهاج أهل الحق: ص14-26؛ باختصار].
أخيرا: من أراد أن يقرأ لمعاصر، فليقرأ وليستمع لمن جمع بين شرف العلم وشرف الجهاد في سبيل الله، وبعدا وسحقا لعلماء الطواغيت والقاعدين مع النساء.
وإلى "الحازميين" أقول: كفّروا شيخكم وإلا اسكتوا، فوالله إنكم في تناقض عجيب!
{أفلا يتدبّرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا} [النساء: 82].
اللهم تقبّل عبد الله الرشود ومعجب الدوسري وسلطان العتيبي.
اللهم فكّ أسر الطويلعي والزهراني، اللهم فكّ أسر الخضير والفهد، اللهم ثبّتهم، اللهم ثبّتهم.
اللهم ردّ كيد الحازمي في نحره، واكشف خبيئته، وافضح سريرته، واجعله عبرة لمن يعتبر، آمين، آمين.
كتبه
أبو ميسرة الشامي
غفر ال
Created by Anti Ulemaau Suu