JustPaste.it

حكم الديمقراطية

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فيا أيها الأخوة الكرام أحب أن أتكلم معكم عن أمر مهم كثر فيه الخلط، والتبس فيه الأمر على كثير من الناس، إنها الديمقراطية، ما هي حقيقتها؟ وما حكمها في الإٍسلام؟ 

أيها الأخوة الكرام: الديمقراطية تعني حكم الشعب نفسه بنفسه، وهي بهذا المعنى تنافي الإسلام وتناقضه؛ إذ إن المرجع في الحكم في الإسلام هو لله تعالى وحده، قال تعالى: (وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ)، وقال تعالى: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً)، فالحلال ما أحله الله، والحرام ما حرمه الله، والدين ما شرعه الله.

 إن المرجع في التشريع عند المسلمين هو كتاب الله وسنة رسوله ﷺ ، قال تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ)، وقال تعالى: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً)، والمرجع في الديمقراطية إنما هو للشعب وللأغلبية، فما قررته الأغلبية هو الحق ولو كان باطلا مخالفا لكتاب الله وسنة رسول الله!!

أيها المسلمون لا يشك مسلم أن الحكم لله لا للأغلبية: ﴿ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ﴾، فالتشريع والتحليل والتحريم حق خالص لله، ومن صرف هذا الحق لغير الله فقد أشرك مع الله غيره، فإن العبادة لله وحده والحكم له وحده، والله لا يرضى أن يشرك معه أحد في عبادته قال الله تعالى: ﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾ وكذا لا يرضى أن يشرك معه أحداً في حكمه، كما قال سبحانه:﴿وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا ﴾.

 أيها الأخوة المصلون اعلموا بارك الله فيكم أن خلاصة الدين الإسلامي شيئان: 

أن يكون الحكم لله وحده وأن تكون العبادة لله وحده قال الله تعالى: ﴿ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾.

واعلموا أيها المسلمون أنه قد أجمع العلماء على كفر من شرعَّ للناس شرعا لم يأذن به الله، وأعرض عن شرع الله ولم يحكم به كما أمر الله، قال الله سبحانه: ﴿ أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾، وقال سبحانه: ﴿ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾.

أيها المسلمون: لا يجوز أن يُقدَّمُ حكمُ الناسِ واختيارُهُمُ المُناقِضُ لحكمِ اللهِ، ولو كان حكمُ الشعوبِ مُقدَّمًا لكان الأنبياءُ خارجينَ عن الحَقِّ؛ فقد نَشَئوا بينَ أقوامٍ أجمَعت أغلبيتهم على الباطلِ, أو كانَ جُمْهُورُهُمْ عليهِ، قال تعالى: ﴿ يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ ، وقال سبحانه وتعالى: ﴿وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ ﴾، وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «عُرضت علي الأمم فرأيت النبي ومعه الرهط، والنبي ومعه الرجل والرجلان، والنبي وليس معه أحد » متفق عليه.

أيها المسلمون لا شك أن النظم الديمقراطية تُلغي سيادة الخالق سبحانه وتعالى، وحقه في التشريع المطلق، وتُجعل من حقوق المخلوقين، والله تعالى يقول: ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ﴾.

وقد يقول قائل: ما الفرق بين الشورى والديمقراطية؟!

فنقول: الشورى في الإسلام تختلف عن الديمقراطية الغربية في أمور منها:

1 – أن الشورى إنما تكون في الاجتهاديات وفيما لا نص فيه، بينما الديمقراطية تجعل للشعب أن يقرر مخالفة أحكام الشريعة وما وردت به النصوص ما دام ذلك رأي الأغلبية!

2 – أن الشورى في الشريعة الإسلامية تكون بين المسلمين ممن لهم صفات معينة على حسب الموضوع المتشاور فيه، ولا يُشاوَر كل أحد ولو كان كافراً أو جاهلا بما يتشاور فيه، قال سبحانه: ﴿وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ﴾، بينما في الديمقراطية الحكم للشعب كله ولو كان منهم المسلم و الكافر أو العالم والجاهل أو التقي و الفاجر، والله يقول: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾، ويقول: ﴿أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾، ويقول: ﴿ أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ﴾.

أيها المسلمون إن الفلاح في السعي إلى تحكيم شرع الله وحده، يقول سبحانه: ﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ * أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾. 

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.