JustPaste.it

بر الوالدين

الحمد لله الذي أمرنا ببرِّ الوالدين ونهانا عن عقوقهما، وقرن حقهما بحقه سبحانه، والصلاة والسلام على نبي الرحمة الذي أوصى بالوالدين، وعلى آله وأصحابه الكرام البررة، أما بعد:

وفي الصحيحين عن عبد الله بن مسعود قال: سألت النّبيّ ﷺ: أيّ العمل أحبّ إلى الله عزّ وجلّ؟ قال: «الصّلاة على وقتها». قال: ثمّ أيّ؟ قال: «برّ الوالدين». قال: ثمّ أيّ؟ قال: «الجهاد في سبيل الله»، فجعل النبي ﷺ بر الوالدين أفضل من الجهاد في سبيل الله!!

بر الوالدين سبب لكل خيرٍ عاجل في الدنيا وآجلٍ في الآخرة، وقد أمرنا الله ببرهما في آيات كثيرة في كتابه فقال: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً﴾ أي أحسنوا إليهما بكل ما تستطيعونه من القول اللين والأفعال الحسنة التي تدخل السرور إلى قلبيهما.

 وقال سبحانه: ﴿وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما وَقُلْ لَهُما قَوْلًا كَرِيماً * وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً ﴾.

وفي الصحيحين أيضا عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله ﷺ فقال: يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: «أمك» قال: ثم من؟ قال: «ثم أمك» قال: ثم من؟ قال: «ثم أمك» قال: ثم من؟ قال: «ثم أبوك».

إن رضا الله في رضا الوالدين وسخطه في سخطهما، فالله الله في برهما والإحسان إليهما، وليس البر ترك العقوق فقط، بل البر أعلى من ذلك، البر أن تحسن إليهما بكل ما تستطيعه، وأن تصاحبهما معروفا ولو كان فيهما قسوة عليك، بل ولو كانا ظالمَين لك، بل ولو كانا كافرين بالله، فحقهما لا يسقط على أولادهما بحال أبدا، قال الله سبحانه وتعالى:﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا﴾ فلم يجعل الله شركهما به عذراً ومبرراً لشيء من العقوق أو سوء المعاملة!

أيها المسلم أسرع في تلبية ندائهما، وافرح إن أمراك بأمر مباح، واحرص على مساعدتهما في أعمالهما، وإن أمراك بأمر محرم فتلطف في الاعتذار لهما، وإياك أن تُحزنهما أو تزعجهما بأي حال من الأحوال، وأصلح ذات بينهما، وعلمهما ما يجهلانه من أمور الدين، وأمرهما بالمعروف، وانههما عن المنكر بمنتهى اللطف والإشفاق والرفق، واصبر عليهما إذا لم يقبلا، واحرص على الجلوس معهما وإيناسهما بالحديث المباح الذي يستأنسان به، واحرص على مشاورتهما في أمورك وحدثهما عن أحوالك وأخبارك ولو بالهاتف إن كنت بعيدا عنهما.

والحذر كل الحذر التقصير في حقهما، بل الحذر مِن نهرهما ورفع الصوت عليهما، واحذر من مقاطعتهما أو منازعتهما الحديث، واحذر من العبوس عند لقائهما، بل تودد لهما وتحبب إليهما وابتسم في كلامك معهما، وتواضع لهما واجلس بين أيديهما بأدب واحترام.

واحرص كل الحرص على كثرة الدعاء والاستغفار لهما في حياتهما، وكذلك بعد موتهما، فأعظم هدية تقدمها لهما بعد موتهما أن تدعو لهما وتستغفر لهما وتتصدق عنهما ولو بالقليل، ﴿وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾، وقل: ﴿ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ﴾.

اللهم وفقنا جميعا للبِر بوالدَينا والإحسان إليهما في حياتهما وبعد موتهما، اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا وارحمهم برحمتك يا أرحم الراحمين.