JustPaste.it

ماذا يعني تطبيق الشريعة؟

الحمد لله أحمده على نعمائه، وأشكره على آلائه، وأشهد أن لا إله إلا الله، له الملك في أرضه وسمائه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اتبع سبيلهم واهتدى بهديهم، وسلم تسليما كثيرا، أما بعد:

إن هذه الثورة المباركة والجهاد العظيم انطلق من المساجد لا من الفنادق، وهدفه هو إسقاط النظام الكافر الفاجر وتحكيم شرع الله ، فتبًّا لمن لا يريدها إسلامية، تبًّا لمن يريد أن يتسلل على دماء الشهداء ويتسلق على جثث الأبطال ليجعلها بعد هذه التضحيات مدنية لا دينية الديمقراطية، ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾.

لقد جاء الإسلام ليُخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، وليست الحرية أن يكون الإنسان عبدا لشيطانه وشهواته وهواه، بل حقيقة الحرية هي التجرد من عبودية كل أحد إلا الله، وفهْمُ الحرية بأنها الخروج عن أمر الله؛ فهْمٌ باطل، وعبودية للنفس وجعلها شريكا لله، قال تعالى: ﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾. فمن سوَّغ لنفسه أن يقول أو يفعل ما يشاء فقد أقر بعبوديته لهواه وشيطانه، وهذا أضل الناس كما قال سبحانه: ﴿ فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾.

والحرية في الإسلام مقيدة بأن تفعل ما تشاء مما لم يحرمه الله، وبهذا تنضبط الحياة، ويأخذ كل ذي حق حقه، ولا يظلم أحد أحدا، ولا يؤذي أحد أحدا، فيأخذ كل إنسان حقه من المباح ولا يضر غيره، فليس من الحرية أن تضر غيرك ولا تضر حتى نفسك.

أيها المسلمون إن المرجفين يريدون أن يصوروا الإسلام على أنه يسوق للمجازر وقطع الرقاب، كلا والله بل جاءت أحكام الإسلام لضبط الدين والدنيا، فالإسلام جاء بجلب المصالح للعباد وتكميلها، ودفع المفاسد وتقليلها، سواء في دينهم ودنياهم، وما أمرنا الشرع إلا بما ينفعنا في ديننا ودنيانا، وما نهانا إلا عما يضرنا، قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾ أي لأحسن الخصال في كل شيء، سواء للأفراد والأسر والمجتمعات والدول، والحدود التي شرعها الله لمن ارتكب كبائر الفواحش هي زواجر تردع الناس عن المحارم، وهي مانع من الجريمة على مستوى الفرد والجماعة، وليس المراد من إقامتها التشفي وتعذيب الناس، وإيقاعهم في الحرج، إنما المراد منها أن تسود الفضيلة.

فالشريعة تأمر بالستر والتوبة إلى الله، أما من أظهر الفواحش أو ظهر للناس منه ذلك، فإنه يجب إقامة الحد عليه إذا وصل الأمر إلى الحاكم حتى لا تشيع الفاحشة في المجتمع.

والنهي عن الفاحشة والجريمة لا يكفي لحمل الناس على تركها، فإن الناس مختلفون في ضبط نفوسهم عن الفواحش، فمن الناس من يكرهها ويبتعد عنها، ومن الناس من قد يسعى إليها، بل ومن الناس من يدعو غيره إليها، فلا بد من وجود رادع يضبط أصحاب القلوب المريضة من الوقوع في هذه الفواحش والجرائم التي تضر الفرد والمجتمع. 

إن الإٍسلام هو دين الرحمة، وما أرسل الله تعالى نبيه محمداً ﷺ إلا رحمة للعالمين، وكلما بادرت الأمة بتطبيق هديه وتحكيم شريعته عزّت وارتفعت على سائر الأمم. فشريعته ﷺ كلها رحمة، ودعوته رحمة، وسيرته رحمة، وأقواله رحمة، وأفعاله رحمة، وكل ما أمر به وجوباً أو استحباباً ففعله رحمة، وكل ما نهى عنه تحريماً أو تنزيهاً فتركه رحمة.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.