JustPaste.it

موعظة سورة العصر

الحمد لله الذي يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ، مَنَّ عَلَيْنَا فَهَدَانَا، وَأَطْعَمَنَا وَسَقَانَا، وَكُلَّ بَلَاءٍ حَسَنٍ أَبْلَانَا، الْحَمْدُ لِلَّهِ غَيْرَ مُوَدَّعٍ، وَلَا مُكَافَئٍ وَلَا مَكْفُورٍ، وَلَا مُسْتَغْنًى عَنْهُ، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَ مِنَ الطَّعَامِ، وَسَقَى مِنَ الشَّرَابِ، وَكَسَا مِنَ الْعُرْيِ، وَهَدَى مِنَ الضَّلَالَةِ، وَبَصَّرَ مِنَ الْعَمَى، وَفَضَّلَ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ خَلْقِهِ تَفْضِيلًا، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:

 فيا أيها المسلمون نتدبر معكم في هذه الدقائق سورة قصيرة لكنها تشمل الدين كله، سورة عظيمة قال عنها الإمام الشافعي رحمه الله: لو تفكّر الناس في سورة العصر لكفَتْهُم!! 

إنها سورة العصر، يقول الله سبحانه: ﴿بسم الله الرحمن الرحيم وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾.

في هذه السورة أقسم الله بالعصر وهو الزمن كما يُقال: عصر التقدم: أي زمنه.

 على أي شيء أقسم الله؟! نحن نصدق الله وإن لم يُقسم فلماذا أقسم؟!!

أقسم الله على خبر مخيف، وقد أكّده بالقسم لبيان أهميته، أقسم جل جلاله على أن جميع الناس في خسارة!! كل الناس في ضلال!! ﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ﴾.

ثم استثنى الناجين من الخسارة استثناءً فقال: ﴿ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ...﴾. كما في سورة التين: (لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين إلا..)

فالأصل الغالب في الناس الخسران والضلال، كما قال سبحانه: ﴿ وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ﴾، وقال عز وجل: ﴿ وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾، وقال: (وقليل من عبادي الشكور) وقال سبحانه: ﴿ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ﴾. 

فالناجون من الخسارة قليل وهم الذين اتصفوا بأربع صفات بينها الله في هذه السورة وهي:

1-الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره.

2-العمل الصالح، وهو الخالي من الرياء المقيد بالسنة، فليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل، وأعظم الأعمال بعد الشهادتين: إقامة الصلوات الخمس في أوقاتها، وصوم شهر رمضان، وإيتاء الزكاة على من ملك نصابا، وحج البيت الحرام لمن استطاع إليه سبيلا.

3-التواصي بالحق، فالدين النصيحة، ومن صفات المؤمنين والمؤمنات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما قال الله سبحانه: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ﴾.

4-التواصي بالصبر، والصبر ثلاثة أقسام: 

أ‌- صبر على الطاعات: فالطاعات فيها نوع مشقة فتحتاج إلى صبر على أدائها كما قال سبحانه: ﴿رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا ﴾.

ب‌- صبر عن المعاصي: فالنفس أمارة بالسوء فعلى المسلم أن ينهى نفسه عن هواها، قال سبحانه: ﴿فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى* وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾. 

ج‌- صبر على أقدار الله المؤلمة، فالله يبتلي عباده بما يشاء كما وعدنا بذلك فقال: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾.

فما أعظم هذه السورة وما أكثر معانيها، وما أنفعها لمن عمل بها وجعلها قانون حياة!!