JustPaste.it

بسم الله الرحمن الرحيم



مُؤسَّسَة التَّحَايَا
قِسْمُ التَّفْرِيغِ وَالنَّشْرِ


تفريغ
مناقشة الشيخ أبي قتادة لكتاب

(الدِّيَارت) للشَّابُشتي

ضمن مشروع "ألف كتاب"

 

 

/files/justpaste/d267/a10535478/14511142127811.jpg

 

 

الحمد لله حمدًا طيبًا مباركًا فيه، والصلاة والسلام على أشرف الخلق وسيد المرسلين وإمام المتّقين، حبيبنا وإمامنا وسيّدنا وهادينا محمد بن عبد الله، وعلى آله الطيبين الطاهرين وعلى صحبه الغرّ الميامين، وعلى من تبعهم بإحسان وهدىً وتقىً إلى يوم الدين، جعلنا الله وإياكم منهم آمين.

هذا لقاء جديد أيها الإخوة الأحبة ضمن مشروع "ألف كتاب قبل الممات" وهو مع كتاب (الدِّيارات) للشَّابُشتي. واختياري لهذا الكتاب يعود إلى مسائل متعددة، هناك مقصد رئيسي لهذا الكتاب سأؤخر الحديث عنه لأنه هو الذي سيكون الحديث حوله والإفاضة فيه، ولكن هناك مقاصد أخرى غير المقصد الرئيسي للموضوع سنتحدث عنها أولًا، يعني لماذا هذا الكتاب؟ هناك سبب رئيسي وهناك أسباب تابعة لهذا السبب سنتحدث عنها.

ابتداءً البعض يظن أنه يمكن أن يُلحق هذا الباب -وهو الحديث عن كيفية قراءة كتب الأقدمين- في فن القراءة، الحقيقة البعض يظن أن كتب الأقدمين هي كتب سهلة، وأن مقاصدها مفضوحة، هكذا يظن البعض، أن مقاصد الكتب بيِّنة يمكن أن تدركها، وخاصة أن الكتب الأولى هي كتب رواية في عامتها، يعني أخبار وروايات، فيمكن للمرء أن يرى فيها السذاجة ويرى فيها السهولة، فهو يتحدث عن أخبار فأين مقصد صاحب الكتاب؟ لا يرى له مقصدًا إلا مجرد أن يجمع الأخبار في باب من الأبواب وفي مسألة من المسائل، هكذا يظن البعض.

والحقيقة أن كتب الأقدمين فيها تلغيز شديد، ومقاصد المصنف والمؤلف من الخفاء بمكان، وهذا لا يعرفه إلا من عانى القراءة في هذه الكتب، ومن ترفَّع عن رؤية الكتاب بطريقة ذريّة؛ بمعنى أن يذهب إلى الكتاب فينظر في أخباره خبرًا خبرًا معزولًا عن المجموع والكل، فإذا نظر هذه النظرة الذريّة فسد عليه النظر الصحيح، وفسد عليه النظر إلى المقاصد. وهذا مدخل لنا لمقصد هذا الكتاب.

والشابشتي مأخوذة من (الشاه) معروفة في اللغة الفارسية الملك، و(بُشتي) التابع، كما يقول الناس اليوم: "فلان بُشت" هي من الفارسية بمعنى تابع، كما يقال (خَوَل)،ومعناها في اللغة العربية التابع، خَوَل الرجل تَبَعُه، والعوام يعيبون أن يكون الرجل تابعًا. فشاه يعني الملك، وبشت تابع الملك الذي يمشي وراءه ويحمل له المظلّة ويقضي حاجته ويكتب ما يقول فهذا البشت، فهو شاه بشت.

وهذا المؤلف لا قيمة له إلا في نقطة واحدة هي التي سيكون عليها مدار الحديث، والشابشتي لا يُذكر في ترجمته في الكتب إلا القليل، ومصنفاته ولم يصل منها إلى الباحثين في التراث والمخطوطات إلّا هذا الكتاب وهو (الديارات). ما يهمنا في هذا الشخص هو أنه كان القائم على مكتبة العُبيديين، لما أحد "المتخلفين" كما يسميهم السيوطي -بدل أن يُسمَّوا بالخلفاء فيُسمَّوا بالمتخلفين لكفرهم وضلالهم-، فأنشأوا مكتبة –العبيديون- وكان عندهم اهتمام كبير بالكتب، فأنشأوا مكتبة كبيرة عامرة وملأوها بكل أصناف العلوم وكانوا يتفاخرون في هذا، وعيّنوا الشابشتي هذا عيّنه قيِّمًا على المكتبة، فلنحفظ هذه القضية فهي مهمة.

نعود إلى النقطة وهي البحث عن مقاصد الأقدمين في كتبهم، هذه قضية إلى الآن الحديث عنها قليل، وممن أدركها المستشرقون فاعتنوا بنشر هذه الكتب التي تُخفي تحتها هذه المقاصد. يعني لماذا اهتم المستشرقون كثيرًا بالكتب المتعلقة بالأدب في العصر الفاطمي؟ -الفاطمي تجوّزًا الأصل العبيديون-، هذا المقصد الذي توجّه إليه المستشرقون هو المقصد الذي وُضعت من أجله الكتب، هذه قضية يجب أن نفهمها.

الأسبوع القادم سيكون (كتاب الأذكار) للإمام النووي، ومقصد عظيم أن تقرأ كتاب الأذكار من أجل أن تعلّم سنن الحبيب المصطفى المختار لتعلم عبادته عند الأحداث وعند الأعمال اليومية هذا شيء عظيم، لكن للنووي مقصد، مقصد كلّي من أجله يُنشئ هذا الكتاب. مثلًا لماذا ألّف (رياض الصالحين)؟ هو مقصد يعالج فيه مسألة.

عندما عرضنا كتاب (مداواة النفوس) لابن حزم وفي معرض الكلام ذكرنا كتب الأدب التي ألَّفها أهل السنة، فلماذا ألف البخاري (الأدب المفرد)؟ ألفه لمقصد اجتماعي.

وهذه خذوها لكنها تحتاج لشرح طويل؛ كل علمائنا وكل علوم علمائنا إنتاج اجتماعي، هذه مسألة يجب أن تُفهم، ولذلك لا يمكن أن يُنتَج عندنا العالم ولا الإبداع ولا التغيير الحقيقي حتى يصبح هناك ثمّة قاعدة اجتماعية تُنتج هذا العالم وتُنتج هذا العلم، فعلم الحديث علم اجتماعي، هو إفراز لهذه الأمة، أمة تفرز هذه العلوم، والعالم لا يستطيع أن يعيش في الصحراء بعيدًا عن إنتاج أمته.

الناس يتحدثون عن ابن تيمية، ابن تيمية إنتاج اجتماعي، لما تنظر البيئة المحيطة به تجد أنه نتج في بيئة علماء، ولا يوجد عالم عندنا كالفِطر يخرج هكذا من الصخرة، لا يوجد عندنا علم ينتج هكذا لوحده، لا بد أن توجد عنده القاعدة الاجتماعية التي تُنتج هذا العلم.

عندما تحدثنا عن (الأدب المفرد) قلنا أن هذا الكتاب إنتاج اجتماعي؛ لأن العلماء رأوا أن هناك اتجاه موجود فيه خرق قاعدة وحدة الثقافة ووحدة المصدر. علماء أهل السنة من الذكاء بمكان عندما رأوا كتبًا تؤلَّف في الأدب، وهذه الكتب تشرح الأدب عند أهل فارس، عند اليونان، عند الهنود، ففزعوا لهذا الاختراق وهذه معركة من معارك الوجود لاختراق وحدة المصدر.

فيقوم العالم ويؤلف كتابًا، لا يقول: "الرد على كذا وكذا"، ولكن الكتاب يُفهم في إطاره التاريخي أنه رد على هذا الاختراق، فقلنا أن هذه الكتب التي أُلفت مثل (الأدب المفرد) للإمام البخاري، كتاب الأدب الواسع في (سنن أبي داود)، وهكذا عند الإمام البخاري في الصحيح وكل مؤلَّف، لماذا يُفردون ويُنشئون كتب الأدب؟ هي رد، ولكن كيف نفهم هذا؟ هذا لا يكون اكتشافه كما تكتشفون الآن "العالم الفلاني ردَّ على العالم الفلاني أو على قضية كذا"، ليس مثل الآن: "العالم رد على المستشرقين"، العلماء لا يضعون هذا، يُلغِّزون الرد، يُنشؤون الكتاب، فأنت عليك أن تفهم هذا الكتاب خلال الحقبة الاجتماعية والتاريخية لعصره لترى هذا الكتاب ردًّا على ظاهرة ما أو قضية ما.
أقول هنا لا بد أن تفهم مقاصد الكتب، ولا يمكن معرفة مقاصد الكتب حتى تذهب فتنظر إلى سياقها التاريخي، سياقها التاريخي يقتضي قراءة الاجتماع في داخل هذا العصر، لماذا وضعه؟ سنكتشف أن كتاب (الأذكار) هو رد على قضية دينية موجودة، وكتاب (رياض الصالحين) هو رد على قضية، هو لم يُرِد فقط أن يضع كتابًا هكذا من أجل أن يكون، وإلا فكتب السنة موجودة.

لو ذهبنا إلى كتاب (الرسالة) لأبي زيد القيرواني وهو كتاب صغير تقرأه في جلسة واحدة، وتعجب لهذا الإمام العظيم، كيف يضع هذا الكتاب، لماذا وضعه؟ فتذهب وتبحث فتجد أنه قد وضعه في زمن غلبة العبيديين على المغرب، وألّفه للأطفال الصغار حتى يُعلّموا الأطفال الصغار العقيدة، وهذا المتن الصغير للأطفال الصغار من أجل تحصين الطفل المسلم والفتى المسلم من أفكار ومذاهب العبيديين. هذا تلغيز، هذا شيء عظيم عليك أن تفهمه.

وهذه الطريقة لم يستخدمها فقط علماؤنا بل استخدمها خصومنا كذلك، عندما يأتي العُبيدي -العُبيدي هذا ينتسب لفاطمة ليُعطي نفسه الشرعية-، عندما يريد هذا العُبيدي الحاكم والمؤرخ الذي يؤرخ وراءه والذكي الذي يُدير المعركة الخفية؛ معركة الثقافة، معركة الدين، معركة الأدب، معركة الشرعية، عندما يريد أن يُدير هذه المعركة ضد خصومة، فإنه يجد أن أعظم طريقة لإعطاء الشرعية للعُبيدي هو قذف تاريخ هذه الأمة الذي يوازيه ويعاديه.

فعندما يريد المؤرخ الذكي المواكب لحركة العسكر وحركة القوة -التي هي مرجعية وشرعية القوة-، بسط نفوذ العُبيدي على بلاد المسلمين، فهو يريد أن يكون عنده الجيش ويكون عنده السلطان والقوة من أجل أن يفرض خلافته على البلد المسلم، وعلى الواقع المسلم، وعلى جغرافية البلاد المسلمة، فهذا لا يكفي، لا بد من حركة موازية هي حركة ثقافية علمية، تنزع الشرعية عن المقابل وتثبت الشرعية له. ما هي الطريقة لإسقاط شرعية المقابل الذي هو السُّني؟ العودة للتاريخ، وصناعة الأخبار أو تقمُّم الأخبار، بهاتين الطريقتين؛ صناعة الأخبار التي تُسقط شرعية المقابل، الشرعية التي يمتلكها المسلم بالنسبة لقضية التقوى، بم يكون الإمام إمامًا عندنا؟ بالتقوى، بالعلم، بالجهاد، بالعبادة، فهذه يجب أن يستبدلها، فيذهب ويجمع الأخبار من هنا ومن هنا ومن هنا، ويضعها أمام القارئ في حالة واحدة، يقول انظر هذا هو حال مَنْ تأتمُّ به وتعتبره إمامك. فيجمع أولًا ويتقمّم الأخبار التي تصدم المسلم، يقول كان هؤلاء كذلك، معاوية كان كذلك، المعتز كان كذلك؟ المتوكل كان كذلك في فجوره وشرب خمر، يقضي نهاره في القصف واللهو إلخ..

فهذا إسقاط له من أجل أن يعطي الشرعية للآخر. انظر لهذا المقصد الكلي، ولا يكتب هو في العنوان "بيان فساد الأمويين والعباسيين والصحابة"، لا يكتب ذلك، لكن هو يجمع هذه الأخبار ويقول انظر!، ويبدأ بعد ذلك بصناعة الأخبار، هناك أخبار صحيحة لكنها ليست هي كل الحياة.
الإمام ابن الجوزي عظيم، لما جاء لنقد كتاب (الأغاني) وله كلام شديد –وهو ضمن هذا السياق-، قال أن أعظم ما يصنع هذا الكتاب هو إفساد القارئ؛ لأنه حين يقرأ القارئ هذا الكتاب لا يرى في تاريخ الأمة إلا فسادًا؛ شرب الخمر، إتيان الذُّكران، النساء والصراع حولهن، والبذخ و.. إلخ، وكأن هارون الرشيد انتهى ولم يبقَ منه إلا غِمَّة قبيحة، وكأن المتوكل لما يبقَ منه إلا هذا، وكأن معاوية لم يبقَ منه إلا هذا، هي الصورة الوحيدة المعروضة أمامه. فهذا تجميع، ثم بعد تجميع هذه الأخبار يضعها أمامك كأن تاريخ الأمة هو تاريخ فساد.

أين العلماء؟ أين المحدِّثون؟ أين الفقهاء؟ أين العُبَّاد؟ أين الجهاد؟ أين المساجد؟ أين الحجيج؟ هذا مستور مخفي، مع أن الصورة الأكبر في تاريخنا هي هذه، وهذه التي تُذكر هي أخبار فرعية، هي أخبار موجودة في داخل المجتمع، لا يمكن أن يخلو منها مجتمع من المجتمعات، لكن حين تجمعها فكأنها تُغلق أمامك الصورة كاملة، بأن صورة تاريخ فاسد. وهذا ليس كلامي بل معنى كلام ابن الجوزي في حكمه على كتاب (الأغاني).

هذا الكتاب ما مقصد صاحبه؟ هو هذا، حين تقرأ هذا الكتاب تخرج بصورة قبيحة سيئة للمجتمع الإسلامي في زمن العباسيين والأمويين والصحابة وإلخ، فيها أخبار قذرة وأشعار.

وأنا لا أؤمن بالقراءة الطُّهرية، -وهذا ذكرته في (فن القراءة)-؛أي الذين يدعون إلى تنقية كتب التراث من هذه الأخبار الفاسدة هذه دعوة باطلة، أَبقِها كما هي فله دور، يعني أنت الآن لو أَخْليتَ هذا الكتاب و(الدّيارات) من القصص الفاسدة لذهب مقصد الكتاب، وفاتك خير عظيم.

خلاصة الكلام؛ أن مقصده هو تدمير التاريخ السني من أجل إعطاء الشرعية للعُبيديين، هذا هو الذي أراده، مقصد صاحبه هي هذه المسألة، وهي أن يقول: انظروا إلى تاريخكم، وهو لا يقول هذا ولكن أنت تعرف بمجموع الكتب وبما استدل به المستشرقون بعد ذلك، وبما قام به الزنادقة بعد ذلك من تسويد وتقبيح تاريخنا، وعندما تبحث لماذا وُضعت هذا الكتب؟ وتبدأ تُحقِّق، بعضها تجميع صحيح وبعضها صناعة، كذب غير صحيح.

ولذلك لما جاءوا لابن السائب الكلبي سبوه، مع أنه إمام الأئمة في الأنساب، ومع أنه مرجعية لكل علماء التاريخ الإسلامي في الأنساب، إلا أنهم سبوه، لأنه كان يَثلِب الأنساب؛ بمعنى يُشكِّك أن هذا ابن كذا وهذا ابن جارية وهذا أبوه كذا، فرأوا أنه يطعن في أنساب الأمة وأنساب علمائها وأنساب قوّادها في استغلاله لعلم النسب، واستغلال التاريخ لتدمير الشرعية.

هنا نعود إلى النقطة التي بدأتها أن هذا فن كبار الأذكياء. الآن الفيلم السينمائي لما أراد هؤلاء أن يسيئوا إلى التاريخ قدموا فيلمًا، هو يقول لك هذا فيلم، وتخرج وأنت قد اصطبغت بفكرة أن التاريخ تاريخ قذارة، الغرب لا يعرف من تاريخ أمتنا إلا "ألف ليلة وليلة"، عندما يريد الغرب أن يتكلم عن قضية العبودية الرِّق، انظر إليه كيف يقدم نفسه في الأفلام، والفيلم مثل الكتابة، وكذلك في الشِّعر نفس القضية، في الشعر في الكتاب في المسرح هي قضية واحدة؛ هي لصبغ ذهنيتك بما يريد، سرقتك وإعطاء الشرعية لحالته.

كل من يقرأ كتب الأدب التي نتكلم عنها والتاريخ التي كُتبت بهذه الصبغة لا يمكن له أن يحترم أُمَّته!، لذلك هذه كتب ذكية، والمقصد فيها مُلغَّز مخفي في داخلها يجب علينا أن نفهمه. والمستشرقون جاؤوا لهذه الكتب وبدأوا نشرها في وقت تَرَافَق مع هذا الغزو في إسناد مرجعية الفساد إلى صناعة السينما ودعم المدارس الفاسدة، صنعوا السينما ليقولوا: ما الشيء الجديد في هذا الفساد الموجود اليوم؟ الفساد الموجود اليوم هو فساد موجود في تاريخك، علماؤك الذين تتكلم عنهم انظر كيف كان العالم الفلاني كذا والعالم الفلاني كذا، ويذكر لك قصصًا سيئة قبيحة في علماء ثقات فتسقط هيبتهم وتسقط مرجعيتهم، من أجل أن تُهدم الأسوار المانعة لدخول الفساد الذي يريده بعد ذلك، ويكون الجيش الآخر موافقًا له وموازيًا، جيش الهدم في تاريخك مع جيش الغزو لصناعة واقعك وحضارتك التي تعيشها، يجب علينا أن نفهم هذا.

قد يقول قائل: إذا كان الأمر كذلك، فلماذا لا تتوافق أنت مع قضية هجر هذه الكتب؟

هذه الكتب مهمة، ولكن يجب أن نفهمها في سياقها وأن نضعها ونقلب الداء إلى دواء، وهذا نموذج هذا الكتاب داء مرض، وانظر الكتاب، حقَّقه تركس عوّاد، كوستاس الرمل هو الذي دعاه إليه وهو (أب) لهم، والذي دعاه ونبّهه إليه هو شيخو المستشرق الألماني، يعني هو كتاب بسلسلة من النصارى، وهو أراد هذا، انظر التقاء المقصد الطائفي والمقصد العُبيدي مع النصارى، {أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} هذه العلاقة موجودة.

فهذا الكاتب أراد مقصده، لكن أنت كيف تقلب هذا السلاح التي يُتّخذ ضدك إلى سلاح أنت تنتفع به على الحقيقة؟

وأنت لا تكذب، العلم لا يجوز فيه الكذب، إذا أجاز هذا العُبيدي أن يلتقط أخبارًا مكذوبة ويضع فيها الأسماء التي يريد، ويأخذ الأخبار المكذوبة من أجل أن تصنع له ما يريد، فهذه القضية له وهي منهجه. لكن في العلم الذي به يُبتغى فيه وجه الله ويُبتغى فيه النصر -لأن العلم معركة- فلا يجوز لك أن تكذب فيه، العلم هو قضية صناعة العقل، والعقل أي كذب فيه هو كلابس ثوبي زور يدمر صاحبه ويدمر من يسمع له، (الـمُتشبِّع بما لم يُعطَ كلابس ثوبي زور)، إياك والكذب مع العلم، لا مع إخوانك ولا مع الآخرين ولا مع العالم، العلم يجب أن يكون نقيًّا، والصحيح صحيح والخطأ خطأ وهكذا، هذا هو الذي يدعو إليه القرآن، الصدق في الأخبار والصدق في الأحكام {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا} الله يأمرنا بالصدق والعدل؛ الصدق في الأخبار والعدل في الأحكام.

الآن إذا كان هذا مقصد الواضع، ما مقصد المترجم؟ والمحقق؟ نشأت فكرة بثّها المستشرقون، أن الحضارة الإسلامية ليست صناعة مصدر وحيد، إنما شاركت مراجع أخرى في صناعة هذه الحضارة، كيف؟ نحن نعتقد أنه حيث كان الحق في هذه الأمة كان مصدره واحدًا؛ الكتاب والسنة، الحضارة الإسلامية بمفهومها السليم البريء من أي دخن، والذي تحققت به انتصارات، وتحققت به سلامة الحياة وتحققت به عزة المسلم في الوجود إنما صُنع الكتاب والسنة فقط، لكن الوجود الإنساني ليس نقيًا لهذه الدرجة، حتى لو كان تاريخنا الإسلامي ليس نقيًا، إنما إذا كان نقيًا صنع العجائب كما الصحابة، أين عظمة الصحابة؟ في أنهم تلقّوا من مصدر واحد هو القرآن والسنة فقط.

الأمويون في وقت مبكّر قاموا بالترجمة، جاء اليونان، جاءت ترجمة الهند، (كليلة ودمنة) والأدب والتراث الفارسي، وبدأت تغزو وتدخل هذه الثقافات، وكلما قويت شوكة هؤلاء كلما ضعف تميُّز الأمة وضعفت قوتها، وهذه كلمة لمصطفى صادق الرافعي –رحمه الله- في (وحي القلم)، قال: "ما يُعتبر عند الآخرين في قراءتهم لتاريخ الأمة مصدر قوة هو مصدر ضعف"، ما معنى الكلام؟ عندما نأتي إلى الحضارة الأندلسية فنرى فيها البذخ والبناء الجميل والأزهار، هذه يعتبروها الغرب مصدرًا حضاريًا، مصدر مدح ، وفي الحقيقة حيث كان الترف كان الهدم. فما يُعتبر مصادر قوة دخلت في الأمة ويعتبره البعض من عدالة ثقافة الأمة أن تتلقَّى ثقافة الغير، ويعتبرون هذا شيئًا جميلًا وشيئًا جيدًا وهو في الحقيقة دمار.

فحيث دخلت الثقافة اليونانية والثقافة الهندية والثقافة الفارسية، بدأت الأمة تضعف، وكلما قويت كلما ضعفت الأمة وهزلت، والدليل لما حكم العبيديون جاء الصليبيون، وما سقطت بلادنا إلا وهي محكومة للعبيديين. فوحدة المصدر مهمة لتقوية هذه الأمة.

فماذا يريد هؤلاء؟ هذه قضية فقط على الهامش، لكن لنصل إلى ما يريده المحقق -انتهينا مما يريده المؤلف-، أرادوا أن يقولوا وهناك دراسات بدأت بتعظيم دور الثقافات الأخرى التي طرأت على الأمة، ومن ذلك بيان دور ما يسمى بـ"الثقافة" -إن جاز وإلا فهو في الحقيقة كذب لا وجود له، لكن لنذهب معه-، يقولون بأن مكونات الحضارة الإسلامية العظيمة التي أمدّت هذه الحضارة بالرّقي الإنساني هو تلقيها من مصادر أخرى، هو مصدر النصرانية، وأٌلّفت في ذلك كتب، والذي دعاني أن ألجأ إلى هذا الكتاب هو قراءتي لتلك، في كتاب اسمه: (أثر الحضارة النصرانية على الحضارة الإسلامية)، هو كتاب رسالة دكتوراة وأشرف عليه الدكتور محمد أحمد خلف الله -المشهور-، ويتحدث عن الأديرة، قلنا نذهب لنرى الأديرة من مصادرها، فذهبت إلى الأديرة ما شاء الله عنها!، هذا الكتاب يكشف لنا ما نريده نحن الآن.

ما هو مقصد المحقق؟ ما هي صورة الحضارة الإسلامية بنفس هذا النصراني كوكس عواد وكوستاس الرملي ولويس شيخو؟ حضارة عربان قادمين من الصحراء ليست لهم قيمة ولا ثقافة، لكن لما جاءوا إلى الشمال وخاصة ما بثه جورجي زيدان في كتبه وتاريخه، وهذا جزء من التلغيز، جزء من الفن، أعداؤنا استفادوا منها، لما تذهب لقصص جورجي زيدان –والأصل جورج لكن جورجي أكثر تسهيلًا ليصبح مقبولًا-، فلما تقرأ كتبه، وبالفعل لما ترجع إلى قصته (فتاة غسان)، وتبحث تقرأ القصة بعيدًا عن سرقتك، واحد يحب وحدة ثم بتزوجها ومن هذا الكلام، فتبحث ماذا يريد الرجل هذا؟

وإذا به يريد أن يقول لك أن الغساسنة كانوا من أعظم الناس حضارة، في الثقافة، في البناء، في الحضارة في الترتيب، وجاء هؤلاء العربان البجم القادمون من مكة والمدينة بقوة، وبعد ذلك صُنعت الحضارة من خلال وعاء الثقافة المسيحية. هذا طبعًا ضد ما نقوله في ديننا، وكلما كنا نحن أكثر صلابة في رفض هذا الذي يسمونه كلما كنا أكثر عزة.

فهو أراد هذا، وقامت دراسات تدعو لهذا الأمر؛ وهو البحث عن مصادر تخبرنا بما أنتج النصارى في الثقافة الإسلامية. هذا الكتاب يريد هذا المقصد، يريد أن يقول: انظر الوجود الإسلامي كان موجودًا في الأديرة، هي التي فيها الإنسانية، سوف نكتشف هذه الإنسانية الجميلة الراقية، والأبنية العظيمة والترتيبات. هناك كتاب أرجو أن يُقرأ لحبيب الزيّات عن الأديرة النصرانية في الإسلام، فهو يقوم على هذا المقصد؛ أن الدير كان له وجود حضاري وجود ثقافي.

فإذًا مقاصدهم هو فيما ذكروه وبيّنوه، وهو التقاط الكتب التي تُبيّن أثر الثقافة النصرانية في بناء الحضارة الإسلامية.

وهذا اضطر نجيب البهبيتي مثلًا أن يدافع عن أبي تمّام، وكتّاب التراجم يبحثون أحيانًا عن الغرائب والعجائب للتميز، مثلًا أبو تمّام أبوه اسمه أوس، وأبو تمّام طائي، وطَيْء في الشمال، فلغتها غير محتج بها لأنها في الشمال وقد قاربت العجم ودخل فيها العُجمة إلى غير ذلك، وطيء منها حاتم الطائي ومنها مين الصحابي الجليل عدي بن حاتم، وكان نصرانيًا على مذهب الرُّكُوسية فلقربها من الشمال تنصروا، فهم عرب تنصروا. ولكن انظر إلى هذا الخبث وهذا الدّس الخطير، وذُكر في بعض تراجمه قالوا: يُقال أن والده اسمه (تَدْرُس) كان نصرانيًا، هذه الجملة الصغيرة يبنون عليها في النهاية أن أبا تمّام هذا الإمام العظيم في اللغة وهو من الشعراء العلماء، وذوّاقة في الشعر، وهو الذي يقال عنه أنه كسر عمود الشعر، لكنهم يريدون أن يقولوا بأن أبا تمّام هو إنتاج نصراني، لمجرد أن والده كان نصرانيًا، فما دخل النصرانية في العرب؟ هكذا نفهم كيفية التدسيس لهذا الموضوع.

كيف نستفيد من هذه الكتب؟ نأتي الآن لماذا نريد هذا الكتاب إذًا؟ بعد هذا الشرح قد يأتي شيخ ويقول -كما يفعل البعض-: امسك هذه الكتب وارمها في البحر وأرحنا منها، لما فيها من أخبار قذرة ومكذوبة، لما فيها من الصورة التي ذكرناها من تعميم صور الفساد على المجتمع الإسلامي، هذه الكتب نريدها لأنها مهمة لدينا، ومن أجل هذا المقصد اخترت هذا الكتاب، كتاب (الديارات) للشاه بشتي.

لماذا هذا الكتاب؟ هذا الكتاب يكشف لنا حقيقة الدَّيْر، فإذا أردت أن تعرف ما هو الدير في التاريخ الإسلامي فاذهب إلى هذا الكتاب.

وعلماء الأدب واللغة اهتموا بالأديرة ليس على أساس علمي ولا ثقافي، إنما اهتموا بها بجوانب متعددة، الذين ألفوا بالديارات كثر، والذي أعرفه أنه لم يصل إلا كتاب (الديارات) للشابشتي ومحققه يقول هناك (الديارات) لأبي الفرج الأصفهاني، وهو كتاب مطبوع وجدته ولكن ليس عندي، وموجود في الإنترنت، وهناك كتب أخرى في بعض كتب الأدب تجد مثل كتب الأماكن التي تختص بالجغرافية والبلدان والمدن، فتجد حديثًا طويلًا عن الأديرة؛ لأن الأديرة أنتجت أدبًا.

قلنا الشابشتي يريد مقصدًا آخر، يريد ضرب التاريخ، يتخذ عنوان الأديرة من أجل مقصده، أنت لو دخلت كتاب (الديارات) تَعْجَب؛ الفقرة الأولى يتحدث عن الدير فقرة فقط من سبعة أسطر، أين يوجد الدير، ما فيه من مكتبة، ما فيه من راهبات جميلات جدًا، ولأي شيء كان يُتَّخذ، ستة أو سبعة أسطر، وبعد ذلك يأخذ لك شخصية إما خليفة وإما شاعر وإما مغني وإما قائد عسكري وتُصبح أربع أو خمس صفحات كلها في حديث عن شعر هذا الشاعر، وذِكر هذا الخليفة أو ذكر هذا المغني، وينتهي كأن الحديث ليس عن الأديرة وإنما هو حديث عن الشخصيات. إذًا هذا يكشف لنا ما هو مقصد صاحب الكتاب، هو ليس فقط حديثًا عن الأديرة، الدير له أسطر معدودة وبعد ذلك يفيض الحديث عن الشعر وكذا إلخ.

لكن لماذا إذًا الأديرة تُذكر في الكتب؟

إما أن تُذكر في كتب الأماكن لأنها أماكن تجمُّع، وإما أن تذكر من أجل الأدب فيها، يعني هناك أشعار قيلت في هذه الأديرة، فيجمعونها، وهناك أخبار أدبية قيلت في الأديرة وكان مناسبتها الأديرة فيذكرون هذه الأديرة، فمن هنا نشأ "أدب الدير" –إن صح التعبير هذا مني-، الدير له أدب كما أن لأماكن أخرى آداب، كما أن للأعياد آداب، يعني قصص تاريخية بين الأدباء وأشعار وقصص للترفيه، الكتب الموجودة، فيذكرون هذه الأمور ذكرًا مطوّلًا.

إذًا ما هو الدير في ثقافتنا؟ في ثقافتنا الإسلامية هو ما يبسطه أصحابه، واعتنوا به. ما هو شأن الدير في التاريخ والثقافة الإسلامية؟ هذا الذي من أجله اخترنا هذا الكتاب، ونحن نستفيد فهذا جزء من تاريخنا، هذا جزء من أمتنا، حتى لو كان هذا الجزء من التاريخ هو بمقدار المرحاض في البيت اليوم.

ولكن من أكبر في البيت المرحاض أم غرفة النوم؟ أم غرفة المعيشة؟ فهم يُصوِّرون أن تاريخ الأمة وجلوسها دائمًا في المرحاض، يعني حتى لما نذهب إلى الديارات فنجد متى يذهب إليها الناس؟ هل طيلة الوقت جالسون في الدير وهناك الثقافة وأماكن العلم؟! طيب نحن عندنا المسجد يذهب له المصلون خمس مرات في اليوم، احسبها كم النسبة الزمنية، يتوضأ ويمشي للمسجد ويجلس، وقد يكون هناك حديث وقد يكون خطبة الجمعة، فكم يأخذ من المسجد من يومك؟ إذًا ثقافة المسجد هي الثقافة الحقيقية في الأمة، والدير هو بيت الخلاء.

لكن هم يريدون أن يجعلوا الدير هو المكان الثقافي. والله يا إخوتي قرأت هذا الكتاب باحثًا عن هذه الصورة التي يريد أن يقدمها النصراني لحقيقة الدير فلم أجد، بمعنى أن هناك طلبًا من هؤلاء النصارى بوضع الدير كمركز ثقافي، مركز ثقافي يعني أن يذهب فيتناظر الناس فيه في مناظرة علمية، يذهب للدير لسماع محاضرة، يذهب للدير لما يُصنع في الأسواق التجارية التي صارت أدبية، مثل ذي المجاز وذي المجنّة وعكاظ، هذه أسواق تجارية على هامشها أُوجدت أسواق ثقافية ونوادٍ ثقافية، يتناشدون الشعر.

بحثت في هذا الكتاب كونه هو المرجع، وحتى قرأت شيئًا قليلًا ليس كثيرًا من كتاب (الديارات) لأبي الفرج الأصفهاني فلم أجد هذا، يقولون شعرًا وهم في القصف -يعني في اللهو والسُّكر والعربدة- يقولون الشعر الساقط، وللذكر فهذا الكتاب ما فيه من أشعار –وهو مليء بالأشعار- ولكنها أشعار لا قيمة لها في الأدب، ضعيفة جدًا ومُهلهلة، وهي مجرد حديث فقط بين أناس يتكلمون ويصنعونه شعرًا، حتى الشعر ليس عليه رونق الشعر ولا قيمته ولا أهميته.

ولو أرادوا أن يجلعوا من الدير مكانًا للأدب مكانًا للثقافة كان ينبغي أن يذكروا أن أنه كان مكانًا للمطارحات الأدبية وللمناقشات الأدبية، حتى لو كانت على الصيغة التي تُذكر في أي مكان آخر، وليس المقصود أن يذهبوا إليه ليتناقشوا في أحكام الوضوء، لا نطالب من الدير أن يكون كذلك، لكن أن يكون فيه مطارحات أدبية كما نسمع وكما نقرأ في أخبار الأسواق، الآن عندما نذهب إلى أخبار الأسواق الثقافية الموازية للأسواق التجارية، نجد أدبًا، نجد هناك حديثًا راقيًا، مناظرات، نجد هناك تحكيمًا شعريًا، نجد هناك كلامًا علميًا، لكن في الأديرة نفقد هذا كليًا.

إذًا ما الذي يمكن أن نستفيده من هذا الكتاب؟

علينا أن نعرف هذا المكان يُلحق في المجتمعات رغم أنوفها، لأن المجتمعات واحدة، لا يمكن أن تكون المجتمعات كلها فيها الولاية والقدّيسية، لا بد تنشأ على هامش المجتمعات قاذورات –كالمزبلة-، الآن هل يوجد مدينة من المدن لا يوجد فيها مزبلة؟ فهي مزبلة، فهي هامش، والدليل أن الدير كان في الهامش حتى على الجهة الجغرافية، يعني لا يوجد دير ذكره المصنف هنا ويوجد في وسط المدينة، الدير ينشأ خارج المدينة. قد يُقال أن الأديرة أصلًا نشأت من أجل الرهبانية، لك هذه الرهبانية مفقودة هنا في داخل الدير هذا الذي يُذكر في الإنتاج الإسلامي رهبانية مفقودة، وحلَّ مكانها شيء آخر، الرهبانية من أجل التعبُّد، الإخبات، التفرد، الفكر، الخلوة إلى غير ذلك، لكن هنا نحن نفقدها لا نجدها.

وبلا شك أن الدير اليوم يجب أن يُدرس غير هذه الدراسة، يعني أنا رأيت عدة برامج ثقافية عن الأديرة في مصر، وإذا اطلعت عليها أيها المسلم تذهل من هذه الأديرة، وأنت تسمع كذلك أخبارًا عن الأديرة المعاصرة وخاصة مصر، إذا اطَّلعت على طبيعة الدير في الثقافة النصرانية في مصر مثلًا، تجد الأديرة أشبه بقلاع صليبية تعيش في داخل الوسط المسلم، ولها ثقافتها ولها قوانينها ولها إدارتها، وهي أشبه بالدول داخل الدول، علاوة على أنها قلاع عسكرية، والدولة لا تستطيع الدخول إليها؛ لأن الدولة متواطئة مع الدير، ولأن الدولة منذ أن جاءنا في تاريخنا ما جاء في البعثات الدبلوماسية في زمن الدولة العثمانية والدير يجب أن تُعطى له الصلاحية، وإلا الغرب قام بالدفاع عنه!، الأديرة والكنائس في الشرق هنا محميّة، وهي بالنسبة للغرب خط أحمر لا يجوز الاقتراب منه.

فإذا ذهبت إلى الدير المصري مثلًا وجدته قلاعًا، الوصول إليه يحتاج إلى مدة، ولو أرادت الجيوش أن تغزوه عليها أن تغزو بالطائرات، وإذا كان في داخله سلاح سيكون صعبًا بسبب عمقها وضربها في داخل الجبل ومتانتها وصلابتها، فهي أشبه بالقلاع التي أنشأها الصليبيون في زمن الحروب لصليبية. وأنا أنصح لمن يريد -ولا أدري إن كانت هذه البرامج موجودة على اليوتيوب فيمكن الرجوع إليها- فأنت سترى وستُذهل، أنا أتوقع أن أي مسلم يرى هذه البرامج في كشف جغرافية الدير؛ أين هو؟ في الصحراء، كيف يُبنى؟ وبناؤه في داخل القلاع، كيفية التحصين، ماذا فيه من أطعمة تكفي لشهور يعيشون فيها، استقلاله في عملية القضاء، يعني أموره الداخلية لا يتدخل فيها القضاء العام للبلد.

وهذا ينبغي أن يكون حاضرًا، أن ندرس الدير دراسة جديدة بالنسية للمجتمعات التي فيها الأديرة، مثل لبنان ومصر إلى غير ذلك.

نأتي إلى قضية مهمة جدًا، أن الدير ظهرت ثقافته واسمه في حالات إسلام بعض النصارى، لعلكم سمعتم بعض الأخوات المسلمات اللواتي كن نصرانيات فأسلمن، ثم سُلِّمن بقضاء للطاغوت في القضاء المصري، سُلمت هؤلاء الأخوات إلى الدير وبعد ذلك فُقدن، مثل وفاء قسطنطين، هذه إلى الآن لا يعرفون أين هي، والعالم تحدوهم أنكم قتلتموها، ومع ذلك لم يستطيعوا أن يخرجوها في مجرد صورة أين هي، ماتت قتلت، تذهب إلى الدير، وكاميليا وغيرها.

فثقافة الدير اليوم صار لها صورة جديدة؛ أنها مجرد قوة عسكرية وقوة ثقافية وقوة قانونية موجودة داخل المجتمعات المسلمة التي يغلب فيها النصارى، فيجب أن ندرس الأديرة دراسة جديدة تتوافق مع ما نحن فيه.

انتهينا من قراءته المنهجية، والآن أقرأ لكم عجائب أديرة الشابشتي، هناك نقاط تجدها في كل الكتاب، يعني أولًا كما قلت وأكرر، لا يوجد دير تقدم ذكره في هذا الكتاب إلا وجعل مقدمة التعريف فيه أن مكان -بين قوسين- "انبساط"؛ من يريد أن يسكر يذهب إلى الدير، من يريد -أجلكم الله- نساءً يذهب للراهبات هناك جيدات، وحتى أنه يصف الراهبات في النهار مجوس وفي الليل نصرانيات، ما معنى مجوس؟ يعني لا دين لهم. الذي يريد أن يهرب من بيئته ودينه ويذهب هناك، بل الشعراء يجعلون أن الدير هو محارب المسجد، إما أن تذهب للمسجد أو للدير. فهذا هو الدير، فلا يوجد في هذا الكتاب وصف لدير من الأديرة إلا وفيه هذا الوصف، وهو أن الدير مكان لما ذكرنا.

والدير مكان الكفر، حتى لو أراد رجل أن يكفر يذهب إلى الدير، إذا أراد أن يكفر كفر الهوى والشهوة وليس كفر الاقتناع والفكر، إذا أراد أن يا يخرج من دينه بالكلية، يفسد حتى يخرج من دينه فليذهب إلى الدير، نقرأ هذا النص، يقول:

"دير الجاثليق"، الجاثليق معناه في اللغة اليونانية: البعيد، ولكن إذا سمعتموها صارت في التاريخ الإسلامي موجودة حتى في وقت مبكر في زمن الصحابة موجودة، استخدموا هذا اللفظ هو يوناني ومعنى جاثليق: كبير القسيسين، فهو دير الجاثليق يعني كبير القسيسين، لكن معناها البعيد.

يقول: "وهذا الدير يقرب من باب الحديد، وهو دير كبير حسن، نزق، تحدق به البساتين والأشجار والرياحين، وهو يوازي دير الثعالب في النزهة والطيب وعمارة الموقع؛ لأنهما في بقعة واحدة، وهو مقصود مطروق، لا يخلو من المتنزهين فيه والقاصدين له، وفيه رهبانه وفتيانه ومن يألفه من أهل الخلاعة والبطالة.."، كل الأديرة فيها هذا الوصف، ماذا فيه؟ الرهبان والفتيان من أهل الخلاعة والبطالة والقصف والسُّكر والعربدة إلخ.

"وقالت الشعراء فيه ووصفته، ولمحمد بن أبي أمية الكاتب فيه، وفيه لحن خفيف الرمل:

لهفي على قمر في الدير مسجونِ ... في صورة الإنس، في مكر الشياطينِ

والله ما أبصرت عيني محاسنه ... إلا خرجتُ له طوعًا من الدينِ!"

فهو يذكر راهبة مسجونة في الدير، وكيف رآها؟ هذه عندكم! ويصفها أنها في صورة الإنس جميلة وفي مكر الشياطين. يعني يؤدي به مثلًا بعض الصور أنه لما تخرج عنده حتى تعطيه ما يريد أن يكفر.

نص آخر في الكفر، يقول هنا: "دير قوطاء، وهذا الدير بالبَرَدان من قرى بغداد على سبعة فراسخ منها على شاطئ دجلة، وبين البردان وبغداد بساتين متصلة ومتنزهات متتابعة، منها إلى بلشكر ثم إلى المحمدية ثم إلى الطولوني الصغير ثم إلى الطولوني الكبير ثم إلى البردان، كل ذلك بساتين وكروم وشجر ونخل. والبردان من المواضع الحسنة والبقاع النزهة والأماكن الموصوفة وهي كثيرة الطُّرّاق والمتنزهين.

وهذا الدير بها وهو يجمع أحوالًا كثيرة، منها عمارة البلد وكثرة فواكهه، ووجود جميع ما يحتاج إليه فيه، ومنها أن الشراب هناك مبذول"، يعني بالمجان، ولماذا نقول هذه الكلمة هنا؟ وهذه رد على من يقول أن الدير فيه رهبان وفيه عبّاد وفيه صلوات وفيه كنائس، وفيه كذا وكذا، ولكن جاء الفسّاق والفجّار من المسلمين وصنعوا كذا وكذا، وجعلوه مكانًا للفسق والفجور.

فالخمر مبذول، وهذه رد عليه، واللفظة تدل على أن القائمين على الدير هم يحبون هذا الأمر أن يأتيه الفساق والفجار، والدليل أنهم يبذلونه لما تفيد هذه اللفظة، يجب عليك أن تقرأ كل لفظة وأنا تفهمها في سياقها.

قال: "ومنها أن الشراب هناك مبذول، والحانات كثيرة، ومنها أن في هذا الموضع ما يطلبه أهل البطالة والخلاعة من الوجوه الحسان، والبقاع الطيبة ...، قال: ولعبدالله بن عباس بن الفضل بن الربيع قصيدة، قال:

أقمت بالدير حتى صار لي وطنًا من أجله ... ولبست المـُسْحَ والصُّلَبا"

ماذا يفعل هذا الرجل؟ كفر، في الحقيقة يوجد نشاط تبشيري بلا شك، ولكن كما ذُكر في كتاب (دمروا الإسلام وأبيدوا أهله)، أن هؤلاء ليس لهم شرف الدخول في الدين، هم في الحقيقة لو قدروا لأدخلوهم في الدين، يعني هؤلاء العرب وهؤلاء المسلمون ليس لهم الشرف في الدخول في النصرانية، لكن أخرجوهم من الدين بحيث لا دين لهم، وفي التاريخ إن حدث أن يتنصَّر الناس يتنصَّرون لأجل الأموال، الآن للأسف بعض قبائل البربر يتنصّرون لماذا؟ بُغضًا بالعرب وبغضًا بالإسلام ومن أجل الأموال، أما أن يتنصَّر أحدٌ على الحقيقة ويفهم الدين النصراني ثم يتنصَّر هذه كلها أكاذيب، في التاريخ الإسلامي لا تستطيع أن تعد خمسة آلاف واحد تنصّروا -في التاريخ الإسلامي كله من مشرقه إلى مغربه-. لكن هنا لماذا يلبس مُساح الرهبان والصلبان؟ من أجل الشهوة.

قال:

"أقمت بالدير حتى صار لي وطنًا ... من أجله ولبست الـمُسْحَ والصُّلَب

وصار شمّاسه لي صاحبًا وأخا... وصار قسّيسه لي والدًا وأبا"

الشَّماس: هو مرتبة دنيا في داخل الدير، الدير يعني أو النظام النصراني هو نظام طبقات، وسموها عندنا الآن "سماحة وفضيلة"، وأنا ما عرفت أن سماحة أعلى من فضيلة حتى غلطت مرة أدام واحد، قلت له: فضيلة الشيخ الفلاني، قال لي: "إيش؟ أنا سماحة!"، ولم أعرف أن السماحة أعلى من الفضيلة غير ذاك اليوم. والقصد حتى الكنيسة النصرانية هي كنيسة فيها جاهلية في تركيبها الاجتماعي؛ في الغرب في كنيسة للسود وكنيسة للبيض، كنيسة لكذا وكنيسة لكذا، يوجد عندهم، حتى الكراسي يجلس الناس عندهم حسب مرتبتهم الاجتماعية، وعندنا صارت! يعني الصف الأول يجب أن يجلس ناس معينين إذا جاؤوا إلى الصلاة، خربطوا وغيّروا ديننا!

ولكن النظام هناك يحمي هذا، هنا لا يوجد نظام هنا يوجد ضلال، هناك النظام يحمي هذه المظاهر ويؤصل لهذا الفساد.

فالشماس ليس هو القسيس، وليس هو الذي يصلي بالناس، إنما يقوم بحمل الشموع، وإما يقوم بخدمة القسيس فهو مرتبة دنيا، هذا هو الشماس.

 

نرى الجمع بين "الدير والحان"، يجب أن تعرف معنى كلمة "حان"، ولماذا يذهب الناس للخمَّارة؟ وثانيًا إذا ذهبوا كيف يكون الحال؟ كيف يكون الحال في داخل الحان؟

يقول: "وهو دير مديان، وهو دير حسن نزه حوله بساتين وعمارة ويُقصد للتنزّه والشرب، ولا يخلو من قاصد وطارق، وهو من البقاع الحسنة النَّزِهة... إلخ،

حُثَّ المدام فإن الكأس مترعة ... مما يهيج دواعي الشوق أحيانا

إني طربت برهبان مجاوبة ... بالقدس بعد هدوء الليل رهبانا"

المقصود بالقدس المذبح، القدس في داخل الكنيسة هو مكان الذبح.

يقول: "كان أبو علي ابن الرشيد يلازم هذا الدير ويشرب فيه، وكان له قيان يحملهن إليه ويقيم به الأيام، لا يفتر عزفًا وقصفًا –القصف هو الغناء والمقصود- وكان شديد التهتّك"، يعني شديد التعري، يتعرّى وتصبح جلسات عري كاملة، فيتعرى فيه من فيه، الرجال والنساء!

وانظر لهذه الكلمة التي سنقولها تبين لك النظرة الاجتماعية للدير، نظرة المجتمعات المسلمة للدير، يعني الآن لو في بلد وقالوا: فلان يذهب لمكان كذا؛ إما أنه مكان عظيم فيُعظّم، كما يقول الناس ذاهب للحج فيقولون هذا إنسان عابد، وإما أن يذهب إلى الجامعة فيقولون هذا إنسان متعلم، وإما أن يذهب إلى مكان من أماكن العهر والفجور فهذا ساقط اجتماعيًا، حتى نعرف ما معنى الدير لمن تردّد عليه، هل هو إنسان محترم؟ انظر إليه.

وهنا هو ينسب القصة أن أحد أبناء الخلافة ذهب للدير، فالوالي ماذا فعل معه؟ قال: جاء وضربه لأنه من أبناء الخلفاء، أو من عائلة الخلفاء، وبغض النظر عن القصة تصح أو لا تصح لكن ما يهمنا هو الجانب الذي أراده، قال –هذا الوالي يقول-: "إن أمير المؤمنين لم يولّني خلافته حتى أضيّع الأمور وأهملها، ولا حتى أدعك وغيرك من أهله تُعرّونه وتفضحونه"، انتبه من الذي كان يذهب إلى الأديرة؟ أشراف الناس؟ العلماء الكبار؟ من يذهب إلى الأديرة؟ قال: "وتخرجون إلى ما خرجت إليه من التبذّل والشهرة وهتك الحرمة وإخراجهن إلى الديارات والحانات"؛ يعني الذهاب للحان يعادل الذهاب إلى الدير، أو الذهاب إلى الدير يعادل الذهاب إلى الحان، هذا حتى نعرف معنى الدير في الحالة الاجتماعية.

وهذا ممكن يفيد دارسي علم الاجتماع؛ لماذا نشأت الأعياد الشركية في الإسلام؟ هذه مسألة مهمة، خاصة أول عيد شركي ظهر في الإسلام هو عيد النيروز، النيروز معناه الربيع، وهو اسم فارسي، فإذا جاء الربيع خرجوا. فلماذا نشأ هذا العيد؟ أنشأه الناس من أجل التهتُّك!.

الأصل في العيد أنه مسألة تعبّدية، العيد في الإسلام مسألة تعبديّة، ويقوم فيها الناس من العبادات العظيمة من الصلاة والتكبير والنحر إلى غير ذلك، فهو عمل تعبّدي، مع ما في ذلك من أكل وشرب وذكر لله، (أيام منى أيام أكل وشرب وذكر لله) ففيه ذكر لله وفيه تعبّد. الناس يريدون الانفلات من الطاعات، ولا يستطيعون في عيد الأضحى وعيد الفطر، فماذا يفعلون؟ أحضروا عيدًا آخر، ما العيد الذي يلائم هذا؟ عيد النيروز، فيريدون أماكن ليذهبوا إليها، فوجدوا الدير أعظم مكان لعيد النيروز!

إذًا لماذا نشأت الأعياد الشركية؟ من أجل التهتّك ومن أجل الخروج عن الشريعة والفساد، لكن أين وجدوا ضالتهم في هذه الأعياد؟ في داخل الأديرة.

وكثير من الأديرة تُذكر في هذا الكتاب أنها مكان للاحتفال بعيد النيروز، نقرأ لكم نصًا يخدم هذه القضية، قال: "قال أبو عبد الله بن حمدون: كنا عند المتوكل في يوم النيروز والهدايا تُعرض عليه وفيه تماثيل من عنبر وكان شفيع الخادم واقفًا.. إلخ، فذهبوا به هذا اليوم إلى الدير".

لنرى حال الدير في أعياد النصارى، النصارى الهم أعياد، نقرأ نصوص بعض الأخبار عن هذا.

يقول: "دير أشموني"، لماذا سمي بهذا الاسم؟ يقول: "وأشموني امرأة بُني الدير على اسمها ودُفنت فيه، وهو بقطربل، غربي دجلة وعيده اليوم من الثالث من تشرين الأول، وهو من الأيام العظيمة في بغداد، يجتمع أهلها إليه، كاجتماعهم إلى بعض أعيادهم -يعني من المسلمين-، ولا يبقى أحد من أهل التطرّب واللعب إلا خرج إليه، فمنهم في الطيارات -الطيارات يعني السفن-، ومنهم في الزبازب والسميريات، كل إنسان بحسب قدرته. ويتنافسون فيما يظهرونه هناك من زيهم، ويباهون بما يعدونه لقصفهم، ويعمرون شطه وأكنافه وديره وحاناته، ويُضرب لذوي البسط منهم الخيم والفساطيط، وتعزف عليهم القيان فيظل كل إنسان منهم مشغولًا بأمه، ومكبًّا على لهوه، فهو أعجب منظر وأطيب مشهد"، فهذا حكمه أنه أطيب مشهد!.

وهذا دير أشموني ما زلنا معه، انظر كيف يصير لبعض المعاصي طقوس، كما للقراءة طقوس، وللعبادات طقوس وظروف، متى يصير عندهم طقوس لشرب الخمر في الأديرة؟ يقول:

"وللثرواني فيه: اشرب على قرع النواقيسِ ... في دير أشموني بتغليسِ"

متى توقيت الشرب؟ لما تُضرب النواقيس يصير متوافقًا شرب الخمر مع ضرب النواقيس!

هنا نص جيد، يقول عن "دير العذارى": "دير العذارى كن ديرًا للرواهب السريانيات في بغداد، هي قطيعة النصارى حيث كانت بيعة مالتوا للسريان، -البيعة يعني مكان التعبد-، وذكره العلامة ابن العبري في أحداث سنة 1200 ميلادي، وسماه دير الأخوات، وقال: إن قومًا .." وهذا جيد أن نذكره، لأن بعض الأديرة وبعض بِيَع اليهود في تاريخنا الإسلامي المتأخر كانت مكانًا سيئًا يذهب إليه بعض الناس للتطّبُّب وللرقية الشركية، يعني اليهود السامرة -مشهورون في فلسطين قديمًا قبل قيام دولة يهود-، كان الناس العوام يذهبون إليهم للرقية، يرقونهم الرقيات الشركية من أجل الأولاد ومن أجل كذا وكذا، يُذهب إليه من أجل بعض الأعمال، هذه للأسف دخلت على عالم الإسلام هذه الفئة. وكذلك الأديرة كانوا يذهبون إليها للتطّبّب، وعند العوام قصص كثيرة، لا نريد أن نعرّج عليها، ماذا يفعلون بالنساء المسلمات هناك اللواتي يذهبن للتطّبّب والرقية، يعني قصص معروفة عند العوام، لو واحد عنده جدّ ممكن يسأله فيُعرّفه عن آبائنا، وهذه من الاعتقادات التي سرت في المسلمين.

قال: "وسماه دير الأخوات فإن قومًا من السوقة –يعني اللصوص والفاسدين- حاولوا نهبه، ثم ولوا عنه هاربين لنبأ أتاهم أن خلقًا من الأوباش هلكوا في حريق نشب في البيعة المذكورة بفعلهم"، لهم كرامات! وهذه من الاعتقادات الباطلة التي صارت عند المسلمين بسبب هذه الأماكن. والكلام عن نساء الدير كثير.

الكتاب هنا تستطيع أن تجد تعظيمه إذا وضع قصصًا تعظّم علي توازي قصصًا في سب معاوية، في نفس الوقت مباشرة مما يخدم قضية هذا العبيدي. وطبعًا تجدون في هذا الكتاب كذلك احتقار الخلفاء والعلماء والفقهاء، يعني إذا ذكر العلماء يُلغِّز بهم ويعطيهم الأوصاف كما تعطيهم التمثيليات القديمة، الآن صورة العالم والإرهابي والمتدين في داخل الثقافة المرئية والسينما كيف تُقدَّم؟ تستطيعون أن تجدوا هذا في الكتاب.

هذا الذي قلنا عنه "دير المجوس"، يقول: "هو دير الماسرجيس، هذا الدير بعانة، وعانة مدينة على الفرات عامرة، وبها هذا الدير وهو كبير حسن كثير الرهبان، والناس يقصدونه من هيت وغيرها للتنزّه فيه، وهناك كروم و... وبساتين وشجر، والموضع في نهاية الحُسن، جامع لما يحتاج إليه أهل التطرُّب والتفرُّج..."

يقول: "ولابن أبي طالب المكفوف الواسطي شعر، قال فيه:

وغزال مكحّل ذي دلال ... ساحر الطّرف سامريّ عروس"

سامري معناه ليّن، هذا إذا أخذناه بمعنى الجمال، لأن ثوب سامري، يعني ثوب ليّن طري شفاف. وممكن تُطلق على شيء آخر على المعاني الخُلُقية.

قال: "دينه الـمُعلَن دين النصارى ... وإذا ما خلا فدين المجوس

قد خلون بظبية تجتليه ... يوم السبت إلى صباح الخميس"

وهناك دير اسمه "دير الشياطين"، أين هذا الدير؟

"وهذا الدير غربي دجلة من أعمال البلد بين جبلين في فم الوادي، له منبر حسن وموقع جليل، هواؤه رقيق لطيف، وقلايليه كثيرة عامرة الأشجار، وأرضه كثيرة الرياض وله سور على سطح هيكله يشرفه على دجلة والجبل، والناس يطرقونه للشرب فيه، وهو من مطارح أهل البطالة ومواطن أهل الخلاعة..".

يكفي إلى هنا.

وأسأل الله -عز وجل- أن يجنبنا أماكن الفسق والفجور، وأن يرزقنا فهمًا عن دينه وفهمًا عن واقع أمتنا.

ونسأل الله -عز وجل- أن يجنبنا شرور هذه الأماكن الفاسدة.

وبارك الله فيكم، والحمد لله رب العالمين


* * * * * * *

http://s04.justpaste.it/files/justpaste/d267/a10535478/0o4arp2.gif