JustPaste.it

الدمغة القوية

بنسف ما في الصواعق النجدية

من الشبه والأباطيل الغوية

بسم الله الرحمن الرحيم

أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق وأعوذ بك ربي من همزات الشياطين وأعوذ بك ربي أن يحضرون

الحمد لله رب العالمين الذي خلق فهدى من شاء وأضل من شاء وهو الحكيم الخبير والصلاة والسلام على من أنار الله به القلوب ليخرج العباد من الظلمات إلى النور

أما بعد:

لقد بعث الله تعالى رسله بدعوة واضحة ترتب عليها الهدى والضلال لم يمل منها الرسل وما تقاعسوا عنها حتى حكم الله بينهم وبين قومهم فها هو نوح عليه السلام يخبر عنه ربه عز وجل أنه مكث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما يجادلهم في كلمة واحدة هي : اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت ، حتى قال له قومه: قَالُواْ يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتَنِا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ }هود32، فحاله عليه الصلاة والسلام وأبناؤه الأنبياء من بعده عليهم صلوات ربي وسلامه يدعون أقوامهم إلى اجتناب الطاغوت ويقابلونهم بالشبهات لدفع هذه الدعوة الواضحة البينة حتى آل بهم إلى أن يقولوا كما أخبر عنهم ربهم: {قَالُواْ يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيراً مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفاً وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ }هود91،نعم عجزوا عن فهمها ليس لأنها غير واضحة ومعلومة ولكن لأنها تخالف أهواءهم وتنزعهم من التعلق بالحياة الدنيا التي استسلموا فيها للآلهة من دون الله تعالى لتحقيق مصالحهم فيها فإن ملة الكفر واحدة وعقلية أهل الكفر واحدة .

فالجدال سيبقى في هذه الدعوة حتى يحكم الله بين أهل الحق وأهل الباطل والعاقبة للمتقين ونحن والحمد لله تعالى على خطى الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم ندعوا إلى ما دعوا إليه ويقابلنا قومنا بالتسفيه والشتم والمجادلة بآيات الله تعالى ليدحضوها ومن هؤلاء شمس دين الباطل المصري، ولقد وعدت بأن يكون الرد عليه مبينا أباطيله وتدليسه وجهله وأنا عند وعدي إن شاء الله تعالى .

أولا:قوله: ونقض هذا المذهب من طريق الاستدلال العقلي وبيان مدى فساده له عدة أوجه لا يسعف المقام لسردها مكتفياً بما تقدم عاليه أ.هـ

قلت:1- نقول له هذه حجة من لا حجة له فأنت تتكلم في أصل الدين والمفروض أن تأت بكل ما عندك لبيانه وذلك لخطره وعظيم شانه فما هو المقام الذي لم يسعفه لبيان تلك الأوجه وما هذا إلا أباطيل ودعاوي فارغة .

2- أين الاستدلال العقلي الذي جئت به وما هو الاستدلال العقلي ؟ فالذي جئت به عبارة عن سرد ما لا تحسن القول فيه فانظر إلى قولك: حتى جعلها بعضهم محط انطلاقا لهم إلى الغلو والتفريط إذ كفروا ( بالتعليم- الوظائف- الأوراق كالبطاقة والجواز)!! محتجين على ذلك بأن الاجتناب المقصود في الآية السالفة هو الاجتناب المطلق الذي يمتنع معه أي تعامل مباشر أو غير مباشر مع الطاغوت فضلا عن تكفير الواقع فيه أ.هـ ، أهذا هو الاستدلال العقلي الذي تفتق عنه ذهنك ، هل قلنا لك أن دعوة الله تعالى تمنعك من أن تتعلم أو تعمل لو كان هذا هو قولنا لكان قولا لا يقبله العقل وحق لك أن تقول إن الاستدلال العقلي يمنع هذا لكن نحن نستدل بالعقل على فساد مذهبك فنقول لك ، إن الله تعالى لا يقبل أن يكون معه اله غيره ، فالإله من دون الله تعالى عندما يفتح لك أماكن التعليم ويسمح لك بدخولها ويضع لك مناهج تعليمية هل يفعل ذلك لوجه الله تعالى ونصحا للخلق أم يفعل ذلك ليصرف الخلق عن ربهم خالقهم وتثبيتا لعروشه وحفاظا على دينه وبقائه ومحاربة لدين الله عز وجل الذي ينافي نفيه ؟ فما هو رد عقلك على هذا.

عندما يفتح لك الإله من دون الله تعالى أبواب العمل عنده أو من خلاله هل يفعل ذلك لوجه الله تعالى ونصحا للخلق أم يفعل ذلك ليصرف الخلق عن ربهم خالقهم وتثبيتا لعروشه وبقائه وحفاظا على دينه ومحاربة لدين الله عز وجل الذي ينافي نفيه ؟ فما هو رد عقلك على هذا؟

3- هل قوله: وليت شعري كيف يكون الاجتناب هاهنا مطلقا لا مقيدا وإلا فيلزم من هذا أن يندرج تحت أفراده على الاستغراق اجتناب النظر إلى الطاغوت، واجتناب الكلام معه ولو لضرورة ، واجتناب مصافحته أو الأكل معه ووو الخ، وحينئذ يكون عين الشرك النظر هو النظر - مجرد النظر – إلى الطاغوت أ.هـ ،

يعتبر من الاستدلال العقلي ، هل العقل يمنع أن يكون النظر إلى الإله من دون الله تعالى أو الأكل معه أو وووو الخ شركا؟ نريد رد عقله على هذا.

فما ذكره هو من الاستدلال الشرعي وليس من العقلي لأنه قرر اللزوم والاستغراق وهذه من طرق الاستدلال للنصوص الشرعية ومع ذلك لم يحسنه لأن لازم المذهب ليس بلازم وهي دلالة محتملة وما كان محتملا لا يمكن أن يكون متعلقا بأصل الدين ، ومن ناحية أخرى فإن الإطلاق لا يتعلق به أفراد ، وإنما الأفراد متعلق به العموم وإخراج أفراد من العموم تخصيص وليس تقييد وعلى هذا لو اعتبرنا العموم لخرج منه بعض أنواعه لأن الطاغوت إما أن يكون طاغوت عاقل أو غير عاقل ، والعقل قبل الشرع يمنع هذا.

ولو اعتبرنا التقييد فان التقييد متعلق بالصفة -واسم الجنس حقيقة وماهية -وعلى هذا لو كان هناك تقييد لكان من هذا الباب ومعلوم أن الطاغوت من حيث اسم الجنس إما أن يكون طاغوت دعاء أو حكم أو ولاء، ومعنى التقييد أن يكون الاجتناب فقط لبعضها وليس لجميعها وهذا يمنعه العقل قبل الشرع.

أليس قوله عبارة عن أباطيل وتدليس وجهل ؟؟ أليس هو يهرف بما لا يعرف وبما لا يحسنه ؟؟؟!!!!!!!!! أفيدونا رحمكم الله تعالى.

ثانيا: قوله:كما أن الاجتناب المطلق يلزم منه انتحال مذهب الخوارج بل وأبشع منه أ.هـ

قلت:1- هذا القول يدل على جهل صاحبه في حقيقة الابتداع في الدين هل كان ضلال الخوارج بناء على المسائل المتعلقة بالتعامل مع الطاغوت ؟ هل قال الصحابة لهم إن اجتناب الطاغوت ليس مطلقا وانه مقيد؟ هل قال الصحابة بجواز شيء مما يقوله غثاء هذا الزمان ؟

2- ما علاقة اللازم بمذهب الخوارج ؟ ثم ما معنى لازم المذهب وكيف يكون اللزوم ؟ وهل هذا يتعلق بأصل الدين؟ وهل كل لازم باطل ؟.

أليس هذا تدليس وجهل وأباطيل؟!!!!!

ثالثا: قوله:فنحن ندين لله أن الاجتناب المراد في الآية هو اجتناب عبادة الطاغوت وهم يضيفون إلى هذا قدرا زائدا عن العبادة ن ونحن نسأل هل هذا القدر الزائد داخل في العبادة أم هو خارج عنها؟ ، إن قالوا بل هو داخل في معنى العبادة عادوا إلى ما شنعوا به علينا وداروا في حلقة مفرغة، وإن قالوا بل هو خارج ن معنى العبادة فقد آل بهم الحال إلى أبشع مما آلت إليه الخوارج وكفروا بما هو دون الشرك وصرف العبادة لغير الله تعالى أ.هـ

قلت:1- هل قال الله تعالى : اجتنبوا عبادة الطاغوت ؟ فإن قال نعم فقد افترى على الله تعالى ، وإن قال لا وإنما هذا ما فهمناه من النص فنقول له فهمك ليس حجة على الخلق ، وما تدين الله به إنما هو عبارة عن قول لعالم لم يبين دلالته ولم ينص على ما فهمته منه ، فهل قال أحد بأن هناك تعامل مع الطاغوت يكون شركا وآخر ليس بشرك ؟ هل مسائل الطاغوت محكمة أم متشابهة ؟ هل تخضع للنص أم للفهم ؟ هل تركت للخلق أم تكفل بها الخالق؟ .من الذي يضيف على النص ما ليس منه نحن أم هو؟.

2-كان يلزمه قبل أن يسأل أن يعلم حقيقة ما ندعو إليه ثم يعترض بعد ذلك بناء على تصور صحيح ولكنه آثر التدليس ، فنحن ندين الله تعالى بأن الشرك لا يكون إلا بعبادة غير الله تعالى ، ونعتبر كل تعامل مع الطاغوت شرك أي عبادة له ، ولا يوجد تعامل يخرج عن العبادة فليس في الأمر شيء زائد أو ناقص، فنحن قلنا وما زلنا ولن نزال نقول بهذا فهل يجهل قولنا حتى يسال مثل هذا السؤال ، مع انه يعلم بهذا القول فما معنى سؤاله إذن ؟ ونقول له يا هذا أنت لا تحسن حتى السؤال فسؤالك خطأ ،فالسؤال الصحيح هو: ما هو وجه الاستدلال على هذا من خلال النص الشرعي، فهل هو من نفس اللفظ أم من خارجه؟

ثم ما هو الشيء الزائد الذي نضيفه؟ ثم سبحان من أشهده على نفسه فهو يقول: إن قالوا بل هو داخل في معنى العبادة عادوا إلى ما شنعوا به علينا وداروا في حلقة مفرغة أ.هـ فهو بقوله هذا يقر أن كل تعامل مع الطاغوت عبادة لا يخرج عنها مع انه لا يقول بهذا فكيف جاء التشنيع عليه فأين قلتم أن كل تعامل مع الطاغوت عبادة أو لا يخرج عن العبادة ؟ وما هي الحلقة المفرغة ؟

أليس قوله جهل وتدليس وأباطيل؟؟!!!!

رابعا: قوله: أما من طريق الاستدلال الشرعي فالوجوه أكثر من أن تحصى! ، وأكتفي هاهنا بذكر بعض الآيات التي تبين معنى الاجتناب حاملة إياه على التقييد والحصر بالعبادة وهذا ما يعضد ما ذهبنا إليه ولله الحمد والمنة

1- {قَالُواْ يَا صَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوّاً قَبْلَ هَـذَا أَتَنْهَانَا أَن نَّعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ

2- {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ }إبراهيم35.

3- {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ }آل عمران64.

4- وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ }الزمر17.

5- {قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ قُل لاَّ أَتَّبِعُ أَهْوَاءكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ }الأنعام56.

والآيات على هذا المعنى أكثر من أن تحصى أ.هـ

قلت:1- يدعي من ناحية الشرع أن الاستدلال على إثبات أن هناك تعامل مع الآلهة من دون الله تعالى يخرج عن كونه عبادة أكثر من أن تحصى فما هي هذه الوجوه التي غابت عن الأمة طيلة أربعة عشر قرنا ؟ .

2- الآيات التي ذكرها ما هو معنى الاجتناب الذي ذكرته فإذا جئنا إلى النص وهو : واجتنبوا الطاغوت ونظرنا إلى معانيه في ما ذكره وجدناه كالتالي حسب ترتيب الآيات : أتنهانا، واجنبني ، ألا ، اجتنبوا ، نهيت، فيا عباد الله معنى الفعل لا يخضع للتقييد ولا للإطلاق ولا للعموم ولا للخصوص فلا علاقة لمعنى الاجتناب بهذا ولقد بح صوتي وكلت يدي في بيان هذا ولكن القوم صم بكم عمي لا يفقهون ، يا عباد الله اجتنبوا فعل وفاعل والفعل لا يتغير معناه مهما كان متعلقه فإن احضر هذا الجاهل قولا من شرع أو لغة أن الفعل يتعلق به إطلاق وتقييد سأخرج من قولي جملة وتفصيلا فهذا باطل لغة وشرعا ، فهو وشيعته يفرضون مسالة متوهمة لا يخوضون فيها أصلا وإنما يتكلمون بناء على شيء في أذهانهم لا وجود له فضع كلمة اجتنب مع أي شيء مهما كان فإن معناه لا يتغير ، ثم التقييد والإطلاق ليس من المعاني وإنما متعلق بالصفات فمثلا: اذبحوا بقرة ، فالذبح فعل معناه ثابت ولكن الإطلاق والتقييد يتعلق بلفظ بقرة ، فاذبحوا بقرة يعني أي بقرة صغيرة كبيرة تحرث لا تحرث ، سوداء بيضاء ،ودلالة الإطلاق من خلال ظاهر النص ومنطوقه بناء على ما دلت عليه الألفاظ في محل نطقها.

والتقييد يكون إذا جاء النص ما يلي: اذبحوا بقرة صفراء فصفراء تقييد للبقرة وليس لفعل الذبح، ولفظ التقييد يكون تابعا مضافا إليه وليس مضاف، يعني لا نقول اذبح صفراء بقرة ، فهذا لا يقول به إلا مجنون معتوه وهو قلب للغة فلو كان في النص تقييد لكان متعلقا بالصفة وإعرابه مضاف إليه ،فهل هذا متحقق في ما ادعوه وهو أن المقصود من اجتنبوا الطاغوت هو و اجتنبوا عبادة الطاغوت ، فلفظ عبادة لا يمكن أن يكون تقييدا لأنه ليس تابعا للفظ الطاغوت مضافا إليه ولا هو صفة ، وقد بينت ما يتعلق بهذا الأمر في رسالة لباب القوت.

3- الآيات التي ذكرها ليس فيها ذكر للطاغوت إلا آية الزمر وقد بينت ما يتعلق بها في رسالة لباب القوت فتنظر هناك فلو كان منصفا لفند ما جاء فيها ، أما باقي الآيات فغاية ما فيها النهي عن عبادة غير الله تعالى وهو منطوقها ولا يدل بحال على شيء آخر فبأي دلالة وكيف استدل على أن هذه الآيات وغيرها تدل على وجود تعامل مع المعبود من دون الله تعالى يخرج عن كونه عبادة؟

خامسا:قوله: أما من ناحية الاستدلال باللغة ( واللغة وحدها) فلماذا أتى الله بالآية على سبيل الإيجاز ولم يقل مثلا بنص العبارة:(واجتنبوا عبادة الطاغوت)، ولماذا حمل الاجتناب على التقدير دون النص؟ وهل هذا الإيجاز والتقدير لازم لغة ؟ وما هو وجه وجوبه ولزومه؟ أ.هـ .

فكانت الإجابة على هذه التساؤلات منه بناء على ما يلي:

الأول: بناء على الدلالات عند الأصوليين فقال: وللجواب على هذا السؤال أنطلق من بيان ما أريد بيانه من باب الدلالات عند الأصوليين ولا احسب أنه يخفى على كل باحث اهتمام الأصوليين بدلالة الألفاظ على المعاني سواء أكان هذا مما يهدف إلى دلالة النص على مضمونه أو كان هذا منصبا على أمر خارج عنه وعلى الأخير جاء منهم التقسيم إلى ثلاث دلالات :

أولا: دلالة الإشارة، ثانيا: دلالة المفهوم بأقسامها ( فحوى الخطاب، لحن الخطاب )، ثالثا: دلالة الاقتضاء.

وما أود الوقوف عليه الآن ومن ثم الإشارة إليه هو (ثالثا)ن حيث دلالة الاقتضاء ، فقد رسخ لنا الأصوليون هذا النوع من الدلالات نظرا لكون الكلام في بعض الأحيان لا يستقيم اطرادا إلا باقتضاء مقدر محذوف ... إلى قوله : والسبيل إلى هذا التقدير يكون تارة بالاستقراء لتعلقه بحقيقة شرعية ثابتة وتارة أخرى بدلالة العقل ولربما في بعض الأحيان بحقيقة عرفية ، كون الإطلاق في هذا المحل لا يستقيم به المعنى وإلا دخل تحت أفراده على الاستغراق تحريم النظر إلى الأمهات أ.هـ .

قلت: بخصوص الدلالات واعتماده على دلالة الاقتضاء

1- لا شك أن من قرأ مقاله يعلم كثرة الأمثلة التي ذكرها على دلالة الاقتضاء، وأن العلماء رحمهم الله الذين هم أئمتنا وحفظ الله بهم دينه يبدو أنهم عجزوا عن هذا الاكتشاف العظيم الذي سود به صفحاته فلم نر أحدا منهم توصل إلى هذا فيبدو أن بيان ما يتعلق بهذه الآية العظيمة لا يهمهم ولم يستوعبوه ، ولم يذكر أحد منهم في تفسيره لاجتنبوا الطاغوت بذكر لفظ عبادة إلا الإمام القرطبي رحمه الله تعالى فهل قال بأن هذا اللفظ من باب تقدير المحذوف وأنه بدلالة اقتضاء؟ هذا سؤال كان يلزمه الإجابة عليه قبل أن يخوض فيما لا علم له به، حتى وصل به الأمر إلى أن يجعل حثالة ذهنه أمرا مقررا عند العلماء بقوله: ولماذا حمل الاجتناب على التقدير دون النص أ.هـ ، فمن الذي قرر هذا وأتحداه أن يأت بقول عالم واحد فقط قال بأن الدلالة في الآية هي دلالة اقتضاء.

2- بالنسبة للدلالات هل اقتصرت على ما ذكره تدليسا، حيث أنه خلط الدلالات بعضها ببعض ولم يكن أمينا في استقصاء هذا الأمر فمن المعلوم بأن الدلالات تخضع لاعتبارات متعددة عند مدرستين من الأصوليين الجمهور والأحناف ولا تعارض بينهم إطلاقا وان كان الأحناف أكثر تفصيلا وأنا مضطر نصحا لله عز وجل ورسوله عليه الصلاة والسلام ولدينه وللمسلمين أن استرسل في بيان هذه المسالة فأقول ناقلا بشيء من التصرف لا علاقة له بالمضمون وإنما بالترتيب:

أولا: الدلالة باعتبار الوضوح والإبهام:هي القسم الأول من أقسام الدلالات عند الأصوليين ولها أهمية متميزة في الدرس الأصولي لأنها تتناول النصوص الشرعية من حيث كونها واضحة أو مبهمة في الدلالة على مرادها، وتنقسم هذه الدلالة إلى اللفظ الواضح وما يندرج تحته من أنواع، واللفظ المبهم وما يندرج تحته من أنواع .

- حقيقة الوضوح: معنى الوضوح في اللغة هو الظهور والبروز وفي الاصطلاح اللفظ الواضح هو اللفظ الجلي الذي يدل على معناه من غير حاجة إلى أمر آخـــر.

أنواع اللفظ الواضح عند الأحناف من الأصولييـن أربعة هي: الظاهر والنص والمفسر والمحكم.

يعتبر المحكم هو أكثر أنواع اللفظ الواضح وضوحا الذي يقدم على غيره، يليه في المرتبة المفسر ثم النص وأخيرا الظاهر، لذلك إذا حصل تعارض بين هذه الأنواع يقدم الأكثر وضوحا ويليه الأقل وضوحا.

المحكم: وهو في اللغة المتقن وفي اصطلاح الأحناف من الأصوليين هو: " اللفظ الدال على معناه والذي سيق من أجله أصالة ولا يحتمل التأويل ولا النسخ" وضوابطه أربعة هي:

- دلالة اللفظ في المحكم على معناه دون حاجة إلى أمر آخر.

- أن المعنى الذي يدل عليه اللفظ هو المقصود الأصلي للشارع.

- أن المحكم لا يحتمل التأويل لأن معناه قطعي.

- أنه لا يحتمل النسخ نهائيا وفي هذا يختلف عن المفسر.

- أنواعــــه:ينقسم المحكم إلى نوعين هما:

1- المحكم لذاته: وهو الذي يكون إحكامه من صيغته و مثاله:

- النصوص الدالة على قواعد الدين كالإيمان بالله وملائكته وكتبه...

- النصوص الدالة على أمهات الفضائل والأخلاق كالعدل والصدق والأمانة.

- النصوص الدالة على تحريم اضاد الفضائل كالجور والكذب والخيانة.

- النصوص المقترنة بما يفيد التأبيد.

2- المحكم لغيره: وهو الذي يكون إحكامه من غير صيغته.

- مثاله: الأحكام المفسرة بعد انقطاع الوحي بوفاة الرسول عليه السلام أصبحت محكمة لانقطاع النسخ عنها وبذلك أصبحت محكمة لغيرها فقوله تعالى: " والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا ".

هذا النص مفسر باعتبار ورود العدد فيه واحتمل النسخ عهد الرسالة لأنه يتضمن حكما عمليا، لكن بعد وفاة الرسول عليه السلام لم تعد النصوص محتملة للنسخ ومنها هذا النص لذلك انتقل إلى المحكم لغيره.

فمن حيث هذا الاعتبار فإن قوله تعالى : {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ }النحل36 هي أصل الدين الذي أرسلت من اجله الرسل وأنزلت الكتب وفصل الله تعالى الحرام والحلال بناء عليها وهي تخضع لقوله تعالى: {هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ }آل عمران7.

فهي آية محكمة بجميع ألفاظها والله تعالى نص على أنها محكمة وتخضع لقواعد الإحكام فألفاظها دالة على معناها والذي سيق من أجله أصالة ولا يحتمل التأويل ولا النسخ دون حاجة إلى أمر آخر،وهي المقصود الأصلي للشارع قطعية الدلالة وألفاظها محكمة لذاتها من صيغتها وهي متعلقة بقواعد وأصول الدين.فهي بذلك تخضع لأقوى الدلالات وهو المحكم.

ثانيا: -طرق دلالة الألفاظ على الأحكامهي القسم الثاني من أقسام الدلالات عند الأصوليين ولها أهمية متميزة على اعتبار أنها تتناول ألفاظ النصوص الشرعية من حيث دلالتها على الأحكام والمقصود من طرق دلالة الألفاظ على الأحكام:هي تلك المسالك المتبعة في استنباط الأحكام العملية من النصوص الشرعية.

- أنواع هذه الدلالة عند الأصوليين: تندرج تحت هذه الدلالة أنواع مختلفة باختلاف تقسيم المدارس الأصولية لها فالشافعية من الأصوليين يقسمونها إلى:

1- دلالة المنطوق وهي دلالة اللفظ على حكم ذكر في الكلام ونطق به مطابقة أو تضمنا أو التزاما، وتنقسم إلى:

- منطوق صريـــح ، ومنطوق غير صريح ويتفرع عندهم إلى دلالة الإشارة ودلالة الإيماء ودلالة الاقتضاء.

2- دلالة المفهوم وهي دلالة اللفظ على حكم لم يذكر في الكلام ولم ينطق به، وتنقسم إلى:

- مفهوم موافقة أو – مفهوم الخطاب – وهو دلالة اللفظ على ثبوت حكم المنطوق للمسكوت عنه وموافقته له نفيا وإثباتا لاشتراكهما في معنى يدرك بمجرد معرفة اللغة دون حاجة إلى بحث أو اجتهاد.

* حقيقة أنواع دلالة الألفاظ على الأحكام وأمثلتها وحكم العمل بها:

1- دلالة العبارة:هي عند الأصوليين ما يفهم من ذات اللفظ الذي وضع له مهما تكن قوة وضوح اللفظ عليه فهي بذلك مرتبطة:

- بالمعنى المستفاد من الألفاظ التي ترد بها النصوص على مستوى عباراتها أو منطوقها.

- أن المعنى المستفاد من عبارة النص يمكن أن يتفاوت من حيث الوضوح فيمكن أن يكون من قبيل الظاهر أو النص أو المفسر أو المحكم.

- وبذلك فدلالة العبارة مرتبطة تحديدا بالمستوى اللغوي للنص.

- مثالها: قوله تعالى " إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا" يستفاد من النص بدلالة عبارته أن أخذ أموال اليتامى دون وجه حق هو جريمة عقابها النار.

- حكمها: يجب العمل بما يستفاد من النص بدلالة عبارته لأن ذلك المعنى يمثل إرادة المشرع على اعتبار أن الشارع عندما خاطبنا بلغة معينة أراد من ذلك أن يبلغنا معاني العبارات التي خاطبنا بها في إطار تلك اللغة.

2- دلالة الإشارة: عند الأصوليين هي: " ما يدل عليه اللفظ بغير عبارته ولكن بإشارة ناتجة عنها " فهي بذلك:

- تفهم من النص بإيماء من عبارته.

- دلالة الإشارة لا تستفاد من عبارة النص مباشرة وإنما تكون ناتجة عنها.

- أن هذه الدلالة مرتبطة بالمستوى العقلي واللغوي للنص لأنها فهم عقلي لما يستفاد من لغة النص نتيجة إشارة تتضمنها.

- أن دلالة الإشارة تتفاوت العقول في إدراكها نتيجة اختلاف أصحابها على خلاف دلالة العبارة.

- مثالها: قوله تعالى: " وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف" يستفاد من هذا النص بدلالة إشارته أن مال الولد للأب فيه شبهة ملك لذا لو أخذه لا يعد سارقا ودليل ذلك أن نفقة المولود واجبة على أبيه بنص الآية.

- حكمها: يعمل بما تدل عليه بعد التأكد من أن معناها متحقق في اللفظ ، أما إذا لم يتأكد ذلك فلا يجوز العمل بما يقال أنه دلالة إشارية للنص.

- 3 - دلالة النص: هي عند الأصوليين " المعنى الذي يفهم من روح النص ومعقوله" فهي بذلك:

- مرتبطة بمفهوم النص المستفاد منه.

- أنها مقترنة بمعقول النص لذلك فهي مرتبطة بالمستوى العقلي للنص.

- وقد تعددت أسماء هذه الدلالة عند الأصوليين فهي تسمى:

* دلالة النص لأنها مستفادة من النص.

* وتسمى دلالة الدلالة لأن معناها يفهم من مفهوم النص لا من عبارته.

* وتسمى مفهوم الموافقة لأنها توافق دلالة العبارة ولا تخالفها.

* وتسمى القياس الجلي عند الشافعي لأنها إعمال لعلة النص الواضحة التي لا تحتاج إلى استنباط.

* وتسمى دلالة الأولى لأن العمل بها أولى من غيره.

- مثالها: قوله تعالى في حق الوالدين: " ولا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما " فالآية تنهى بدلالة النص عن كل أذى يمكن أن يتسبب فيه الأولاد لآبائهم ولا تنهى عن قول أف لهما ونهرهما فقط.

- حكمها: يعمل بما تدل عليه بعد التأكد من أن معناها متحقق في اللفظ بحيث يستفاد منه عقلا، أما إذا كان متعارضا مع معقول النص فلا يجوز العمل به.

4- دلالة الاقتضاء:هي عند الأصوليين " دلالة اللفظ على كل أمر لا يستقيم المعنى إلا بتقديره إما لصحته واستقامة معناه أو لصدقه ومطابقته للواقع" فهي بذلك:

- مرتبطة بما يحتاجه النص ليستقيم معناه.

- أن ما يحتاجه النص في دلالة الاقتضاء يكون لأمور محددة عند الأصوليين هي:

- إما صدق المعنى.

- أو صحته ومطابقته للواقع العقلي .

أو صحته ومطابقته للواقع الشرعي.

- مثالها: قوله تعالى " حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير" يقتضي النص لصدق الكلام شرعا أن يكون المراد من تحريم هذه الأنواع أكلها أو الانتفاع بها على اختلاف بين المذاهب في ذلك.وكذلك قوله عليه السلام: " رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" يقتضي النص لصحة الكلام أن يكون المراد رفع الإثم المترتب عن هذه الأمور لأن الخطأ والنسيان حاصل في واقع الأمة.

- أنواعها: قسم علماء الأصول دلالة الاقتضاء إلى ثلاثة أنواع باعتبار المقتضي المحذوف هي:

1- ما وجب تقديره لصدق الكلام شرعا:مثاله قوله عليه السلام: " لا صيام لمن لا يبيت النية" يقتضي  النص لصدقه أن الصيام لا يقع صحيحا مقبولا عند عدم تبييت النية.

2- ما وجب تقديره لصحة الكلام عقلا: مثاله قوله تعالى:" فليدع ناديه" يقتضي النص لصحته عقلا أن يكون مقصوده  فليدع أهل ناديه لأن النادي مكان لا يدعي عقلا.

3- ما وجب تقديره لصحة الكلام شرعا: مثاله قوله تعالى: " فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان" يقتضي النص لصحته شرعا أن يكون الإتباع بالمعروف والأداء بإحسان عند العفو عن القصاص وقبول الدية ، أما عند عدم العفو والمطالبة بالقصاص فليست هناك دية وليس هناك إتباع بالمعروف ولا أداء بإحسان.

- حكمها: يعمل بما تدل عليه دلالة الاقتضاء بعد التأكد من أن معنى النص لا يستقيم إلا بها إما من ناحية صدقه أو صحته، أما إذا كان النص يدل على معناه ولا يقتضي أمرا آخر فلا يجوز العمل بها.

- ترتيب أنواع هذه الدلالة عند تعارضها: تأتي دلالة العبارة في المرتبة الأولى وتليها دلالة الإشارة ثم دلالة النص ودلالة الاقتضاء عند الأحناف من الأصوليين.

- أما عند بعض المتكلمين من الأصوليين الذين أخذوا بهذا التقسيم لهذه الدلالة فقد قدموا دلالة النص على دلالة الإشارة فيكون ترتيب أنواع هذه الدلالة عندهم هو دلالة العبارة ودلالة النص ثم دلالة الإشارة والاقتضاء.

ووفق هذا الترتيب تقدم أنواع هذه الدلالة على بعضها عند تعارضها.

1- قوله تعالى: اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت ، من حيث هذه الدلالة فإنها تخضع للمنطوق لا للمفهوم وكونها أصل الدين فهي تخضع لأقوى الدلالات وهو المنطوق الصريح بدلالة العبارة بحيث يجب العمل بما يستفاد من النص بدلالة عبارته لأن ذلك المعنى يمثل إرادة المشرع على اعتبار أن الشارع عندما خاطبنا بلغة معينة أراد من ذلك أن يبلغنا معاني العبارات التي خاطبنا بها في إطار تلك اللغة.

2- من المعلوم أن دلالة الاقتضاء هي بحسب المقتضى ، وإذا نظرنا الى التركيب اللغوي لقوله تعالى: اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت الآية ،على هذا الاعتبار وجدناه مستقيما لا يحتاج إلى أمر آخر لأنه :

1- من حيث مقتضى صدق الكلام شرعا ،فإن الحكم المترتب على تحقيق اجتناب الطاغوت هو الإسلام ويتحقق لمن اجتنب الطاغوت جملة وتفصيلا ولم يتعامل معه بأي شيء مطلقا ولم ينظر إليه ولم يكلمه ولم يجلس معه وووو....الخ، ولا يقال عنه أنه مبتدع قد احدث في دين الله تعالى ما ليس منه ولا يقال عنه أنه كافر فمن خالفنا يتفق معنا في هذه الحقيقة ، لأن هذه الأمور تستفاد من نفس النص وتدل عليه بدلالة العبارة فيصدق عليه حكم الإسلام ،والآية قررت بناء على الاجتناب حكم الهداية والضلال بقوله تعالى: فمنهم من هدى الله الآية وهم من حققوا الاجتناب المطلق ، ومنهم من حقت عليه الضلالة والذين حقت عليهم الضلالة هم المشركون وهم من لم يحققوا الاجتناب المطلق وبناء على ذلك فإن تقدير مقدر محذوف لا يقتضيه النص بناء على صدق الكلام شرعا.

2- من حيث مقتضى صحة الكلام عقلا، فإن الله تعالى هو الإله الحق وما دونه هو الباطل ولا يقبل أن يوجد في ملكه من يدعي الالوهية ويصرف الناس من تحقيق الهدف الذي وجدوا من أجله وهو عبادته وحده وأن لا يكون في حياتهم إلا شرعه والعلاقة بين المسلم وبين الطاغوت مبينة على العداوة والكره والبض وهذه الحقيقة نص عليها ربنا سبحانه وتعالى من خلال المحاجة العقلية من إبراهيم عليه السلام لقومه قال تعالى: قَالَ أَفَرَأَيْتُم مَّا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ()أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ() فإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ()، لماذا هذه العداوة يا نبي الله صلى الله عليك وعلى جميع المرسلين فجاء الجواب جوابا عقليا محضا بقوله: الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ()وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ()وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ()وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ()،فمن كان بينك وبينه عداوة ظاهرة ومستقرة في القلب بل هي غاية العداوة فإن العقل لا يقبل إلا الابتعاد عنه وتركه وعدم التعامل معه وهذا دلت عليه الألفاظ في محل نطقها فهي لا تقتضي مقدر محذوف من حيث صحة الكلام عقلا.

3- من حيث صحة الكلام شرعا فإن اجتناب المعبود من دون الله تعالى جملة وتفصيلا بإطلاق دلت عليه النصوص الشرعية فهذا إبراهيم أبو الأنبياء يضرب لنا أروع المثل كما قال تعالى: وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاء مِّمَّا تَعْبُدُونَ()، فإنا برءاء تقتضي عدم التعامل معه جملة وتفصيلا وبإطلاق وهذه البراءة ثبتت بنص آخر بقوله تعالى: وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاء رَبِّي شَقِيّاً()، فالاعتزال معناه الهجر وعدم التعامل مطلقا مع المهجور فثبت أن الآية بألفاظها قد دلت على صحة الاجتناب المطلق من ذات النص وأنه لا حاجة لتقدير مقدر محذوف.

4- من حيث معنى العبادة فإن الله تعالى قد قال: قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ() ، وهذه هي معنى قوله تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ()، فدلت هذه الآيات على أن كل تعامل في الحياة هو لله تعالى أي من خلال شرعه على أساس التوحيد القائم على توحيد القصد (التوجه) وهو التنسك والشعائر وعلى توحيد الطلب (التلقي)وهو تلقي الأوامر والأحكام والتشريعات ، وبما أن المعبود من دون الله تعالى يجب أن يكون عبدا لله تعالى خاضعا لشرعه فليس له من الأمر شيء وإنما هو مأمور .

1- تعتبر دلالة الاقتضاء بإجماع أهل الأصول أضعف دلالات المنطوق وهي من قسم غير الصريح والصريح اقوي منه وأقوى دلالات الصريح هي دلالة العبارة وعبارة اجتنبوا الطاغوت صريحة بما دلت عليه ألفاظها في محل نطقها ومعناها مستقيم وبما أنه متعلق بأصل الدين فإنها عقلا وشرعا تخضع لأقوى الدلالات وبإجماع علماء الأصول أنه إذا تعارضت دلالتان يقدم أقواهما من حيث نفس النوع وأما إذا كانت الدلالة من نوعين مختلفين فلا ينظر أصلا إلى الأضعف .

2- وبناء على ما تقدم فإن القول بأن قوله تعالى: واجتنبوا الطاغوت الآية، يقتضي التقدير لمحذوف بدلالة الاقتضاء ساقط شرعا وعقلا ولغة وقائل هذا جاهل جهلا مركبا لا وزن له في العلم وما هو إلا متعالم.

3- ويقابل المنطوقَ غير الصريح المنطوقُ الصريح، وهو المعنى الذي وضع له اللفظ، وهو يشمل دلالةَ المطابقةِ كدلالة الرجل على الإنسان الذكر، ودلالةَ التضمُّن كدلالة الأربعة على الواحد وهو ربُعها.فالواجب حمل الكلام على ظاهره لاستغنائه بنفسه؛ لأنَّ الأصلَ في اللفظ أن يكون مستقلاَّ بذاته لا يتوقَّف على تقدير مُضمَر، والإضمارُ على خلاف الأصل، فإذا دار اللفظ بين أن يكون مستقلاَّ بنفسه أو مضمرًا على نحو ما مثَّل به المصنِّف فإنه يحمل على استقلاله، وهو عدم التقدير لقِلَّة اضطرابه أ.هـ

الثاني:قوله:بناء على ما قرره الأصوليون بقوله: يقول السعدي: من المقرر عند الأصوليين : أنه لا يصح إضافة الأحكام التكليفية للذوات بخلاف الأحكام الوضعية فيجوز إضافتها للذوات.. ومنه على سبيل التطبيق قول الله تبارك وتعالى:حرمت عليكم أمهاتكم()،فالتحريم من أفراد الحكم التكليفي وهو هاهنا مضاف إلى ذات وهي قوله: أمهاتكم () لذا وجب التقدير بدلالة الاقتضاء لمقدر محذوف وهو النكاح....كون الإطلاق في هذا المحل لا يستقيم به المعنى وإلا دخل تحت أفراده على الاستغراق تحريم النظر إلى الأمهات وكذا تحريم الأكل معهن ومصافحتهن والجلوس معهن ووو...الخ مما علم فساده بالاضطرار من شريعة الإسلام...من هاهنا يتوجب التقدير كون الحكم لا يصح إضافته إلى الذوات ، إلا أن الله علق الحكم بالذات مجازا بديعا على معنى الكناية بالمحل عن الفعل الذي يحل به ولا يفهم مثل هذا النوع من المجاز والكناية إلا عربي أصيل يفهم مدلولات اللغة ويشعر بجمالها وتعبيراتها، فلما غاب هذا الحس اللغوي الأصيل خرج علينا شرذمة لا علم لهم ولا لغة لا يفقهون معنى البيان ولا المجاز مستنكرين القول بالحذف المقدر في قوله تعالى اجتنبوا الطاغوت أ.هـ

1- أما كون الأحكام التكليفية التحريم والتحليل لا تضاف إلى الذوات فهذا لا نخالف فيه وما قلناه ولا ذكرناه ولا جادلنا فيه .

2- لقد من الله علي بحفظ كتابه وطيلة السنين التي قضيتها اتلوا كتاب الله تعالى وأسمعه لا أعلم أن فيه قول منسوب إلى الله تعالى يقول فيه: حُرِمَ عليكم الطاغوت()،فإذا كان لا يميز بين حرم واجتنبوا فلا يحملنا نحن تبعة جهله، فهل قوله: واجتنبوا الطاغوت مرادف للقول حرم عليكم الطاغوت؟،ثم ما لفرق بين التركيبين وما وجه العلاقة بينهما؟

ثم يتبجح ليصفنا بأننا شرذمة فقدنا الحس الأصيل للغة، لكن نبشرك يا وريث فرعون حين قال : إن هؤلاء لشرذمة قليلون() وإنهم لنا لغائظون() فقد ترك وراءه إتباع يسيرون على خطاه.

الم تقرر أن القاعدة هي عدم جواز إضافة الأحكام التكليفية للأعيان ونزلت صارخا مولولا فهل اجتنبوا الطاغوت يصدق عليه ما تقول يا اجهل من حمار أهله أليس التكليف بناء على أمر ونهي فالفعل اجتنبوا أمر من الله تعالى لعبادة وهو تكليف فالتكليف وقع على من ؟ أليس اجتنبوا معناه ابتعدوا واتركوا ؟ أليس هذا فعل ؟ أليس المطالب به العباد؟ فهنا التحريم مستفاد من لفظ الاجتناب والاجتناب فعل فالتحريم وقع على الفعل وليس على الذات. فالمحرم عدم الترك وهو الفعل أليس هذا هو ما تقرره من نقلك لأقوال العلماء:

أ- قول ابن العربي رحمه الله : وإنما يتعلق التكليف بالأمر والنهي بأفعال المكلفين أ.هـ ، أليس الاجتناب متعلق بأفعالنا؟ .

ب- قول الجصاص رحمه الله تعالى: والتحريم إنما يتعلقان بأفعال المأمورين والمنهيين وما لم يكن فعلا لهم لا يجوز أن يتعلقا به وذلك لأنه لا يصح أن يؤمر أحد بفعل غيره ولا ينهى عن فعل غيره أ.هـ أليس قوله واضح صريح ؟

فلما تصل بك درجة الشطط والجهل أن تعتبر جملة اجتنوا وهي فعل وفاعل يعني فعل متعلق بفاعل أنها تحريم لذات فأنت بذلك لم تفقد حس اللغة العربية بل أنت لا تدري ما هي اللغة العربية ولا تميز بين الفعل والفاعل ولا علاقة لك باللغة العربية أصلا.

3- أليس هو الذي ينقل قول ابن الخطيب مقررا له ما نصه:ومعلوم أن غير الأم ومن ذكر معها وغير الميتة وما عُطف عليها لا يجوز أن يتناولها التحريم إذ كانت هذه الأشياء فعلا لله تعالى ومحال أن ينهانا الله تعالى عن فعله لأن ذلك عبث وسفه والله تعالى عن ذلك أ.هـ

أليس الطاغوت هو المعبود من دون الله تعالى؟ فهل خلق الله تعالى معبودات سواه حتى ينهى عنها؟

أليس علة عدم إضافة التحليل والتحريم إلى الأعيان هي كونها ليس من أفعال العباد وهذا ما قرره؟ أليس الطاغوت هو من جعل نفسه إلها إن كان من العقلاء وإن كان من غير العقلاء فيجعله غيره إلها ؟ فإذا كان لا يدري ما معنى طاغوت فكيف ينصب نفسه متكلما في دين الله تعالى ؟ لا أقول إلا حسبنا الله وعم الوكيل على هؤلاء الرويبضات.

لقد بح صوتي وكلت يدي وأنا أقول أن الطاغوت اسم جنس ومعنى اسم جنس المراد به الحقيقة والماهية لا الذوات يعني لا الإنس ولا الجن ولا الحيوانات ولا النباتات ولا الجمادات ولا أي شيء خلقه الله تعالى في هذا الكون فالطاغوتية حقيقة وماهية هي من الأوصاف فمعنى اجتنبوا الطاغوت فسره رب العزة سبحانه وتعالى بقوله: {وَقَالَ اللّهُ لاَ تَتَّخِذُواْ إِلـهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلهٌ وَاحِدٌ فَإيَّايَ فَارْهَبُونِ }النحل51، وفسرها بقوله أيضا: {لاَّ تَجْعَل مَعَ اللّهِ إِلَـهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَّخْذُولاً }الإسراء22، فالمكلف لا يجعل مع الله إلها آخر ولا يتخذ إلها آخر إلا بفعله سواء جعل نفسه إلها أو جعل غيره إلها ، والأفعال تعاملات فيصبح النهي عن أي تعامل تجعل فيه غير الله تعالى إلها ، فثبت أن هذا المعتوه في واد وحقيقة ما نتكلم عنه في واد آخر وما هو إلا كما قال تعالى {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاء وَنِدَاء صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُوَ}البقرة171.

فلا علاقة لهذه القاعدة المذكورة بقوله تعالى: اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت، لا من قريب ولا من بعيد.

وحتى يكون بيان ما يتعلق بهذه المسالة شاملا نقول : لو كان التركيب اللفظي كما يلي: حرم عليكم الطاغوت() لكان صحيحا من حيث اللغة ولا يحتاج تقدير مقدر محذوف لأنه كما سبق بيانه لا يكون الشيء طاغوتا إلا من خلال التعامل معه كمعبود بالتقرب إليه وتعظيمه وطاعته والحكم بأحكامه والتحاكم إليه ونصرته ومحبته وإتباع أٌقواله (شرعه) وهذه هي العبادة فهي تشمل كل تعامل فلفظ الطاغوت يشمل كل ما ذكر فيكون بأوجز لفظ وأحكمه فيكون التحريم واقعا على التعامل إذ ليس هناك ذات تعبد من دون الله تعالى من حيث أصل الخلقة يعني لم يخلق الله تعالى ما يعبد من دونه فهي من الصفات وليس من الذوات، لكن من حيث الفصاحة وقوة البيان ومطابقة اللفظ لحقيقة الشيء فإن لفظ اجتنبوا أقوى وأشمل لأنه أعمق أثرا وأقوى وقعا يتناسب مع هذا أخطر قضية في الأرض وهي وجود مخلوق إله من دون الله تعالى. كما أن النهي عن أين يكون المكلف طاغوتا أو يجعل غيره طاغوتا تحريم للطاغوت لكن لفظ الاجتناب أعمق مدلولا لأنه يعني النفي المطلق لأن يكون هناك معبودا آخر غير الله تعالى.

أما من حيث الشرع فإن لفظ التحريم متعلق بتفصيلات الشريعة ومسالة الطاغوت هي أصل الدين فيجب أن يكون اللفظ فيه معنى يتضمن التحريم ويشتمل عليه ويزيد عليه ليتميز أصل الدين عن تفصيلاته ولا يمكن أن يكون إلا بأقوى لفظ يتناسب مع هذه القضية الخطيرة وهو لفظ الاجتناب الذي يتضمن أركان التوحيد من البراءة والاعتزال.

ولزيادة البيان أقول: لقد ورد في الشرع لفظ التحريم ولفظ الاجتناب بمعنى عدم القرب ( الابتعاد) وكما سيأتي من أقوال العلماء فإن لفظ الاجتناب ابلغ من الابتعاد كقوله تعالى: ولا تقربا هذه الشجرة الآية ، وكقوله تعالى: تلك حدود الله فلا تقربوها الآية ولا تقربوا الزنا الآية ، فإن هذا من باب تحريم الشيء وتحريم ما يقرب إليه أي باب سد الذرائع المفضية إليه وانه لا توجد مصلحة من الاقتراب منه وهذا بحق عدم القرب بينما لفظ التحريم إذا نظرنا إلى متعلقاته وجدنا لها مصالح قد تكون واجبة فتحريم نكاح الأم لا يلزم منه تقبيل الأم والسلام عليها والخلوة بها لأن هذه من أمور البر ومستلزماتها وهي مع غير الأم ( والمحارم) تكون من مقدمات الزنا ، كذلك تحريم الميتة فن أكلها المحرم يصبح حلالا عند الضرورة وهكذا فسبحان الحكيم الخبير الذي أنزل شرعا لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد.

د- ونأتي إلى باقعة له ما لها من راقعة وهي تقريره لقول الجصاص موافقا له ما نصه: ويستحيل أيضا من جهة أخرى وهي أن هذه الأشياء أعيان موجودة فلا يصح النهي عنها ولا الأمر بها لأن لنهي عنها يصير في معنى النهي عن أن يكون هذا الموجود والأمر بما يصير في معنى الأمر بأن يكون هذا الموجود وهذا محال فلما استحال ذلك فيها علمنا أن التحليل والتحريم يتعلق بفعلنا أ.هـ

قلت :- هكذا يفعل الجهل بأهله .

- عند هذا المخذول فإن الطاغوت ذات موجودة يستحيل أن يأمر الله تعالى بأن يصير غير موجود ولا يصح لله تعالى أن يأمر بنفيها بل يجب على الله تعالى أن يبقيها ، فعلى هذا لم يصرخ هو وشيعته ويقول أن التوحيد نفي واثبات فنسأله نفي لمن ؟ فالطاغوت موجود بأفعال العباد أي بالتعامل معه وإذا انتفى التعامل معه فقد أصبح غير موجود وهذا هو مقصود التوحيد ومعنى النفي فيه.

- نقول لهذا المخذول هل خلق الله تعالى معبودات؟ لا نريد إجابته بل نكتفي بإجابة رب العالمين قال تعالى: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ }الزخرف45، وهنا معنى جعل أي خلق.

4- وبكل بجاحة وتشدق يقول ما نصه: وقولكم أنها بتقدير محذوف أنها متشابهة كما أن الآية نص ظاهر بتحريم التعامل مع الأمهات مطلقا ( التحريم المطلق)ولم تنص على تحريم النكاح فقط كما تدعون!كما أنها نص ذلك وليس تحريم النكاح فقط كما تقولون !!ووو.. الخ من النعارات الجاهلة الكاذبة التي لا تدرك أبسط معاني ومدلولات اللغة ولك أن تعجب أن معظم آيات القرآن تعضد قولنا أ.هـ ثم ذكر الآيات التي فيها نص التحريم والتحليل كحرمت ، حرمنا، أحلت ، حل .

قلت:1- والله هذا من خذلان الله لك كان الأولى بهذا العلامة النحرير أن يقيس النظير على النظير فلماذا لم يستشهد بآيات الاجتناب ليخرج لنا منها أن متعلق الاجتناب يدخل في دلالة الاقتضاء وأنها تقتضي مقدرا محذوفا وينزل عليها هذه القاعدة علما بأني استقرأت كل النصوص حسب جهدي التي ورد فيها لفظ الاجتناب وذلك في كتاب ( الكلمة الباقية منهاج الأمة في المواجهة) فوجدت أن ما جاء منها يحتمل تقدير المحذوف جاء مبينا في نفس النص ليس في القرآن منها شيء وإنما هما من النصوص النبوية وإذا أردنا أن نستقريء ما يتعلق بتقدير المحذوف فلا بد أن يكون من القرآن لأن آية أصل الدين من القرآن ولا بد أن نرد إلى معهود الخطاب في القرآن فمثلا:

قوله تعالى: َلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (الحج:30).

فهنا: فاجتنبوا الرجس من الأوثان، هل تقتضي مقدرا محذوفا -وللعلم (من) هنا ليس للتبعيض وإنما للجنس ولا استبعد أن يخرج علينا ليقول هذا فلو كانت للتبعيض لكان معناها أن هناك أوثان ليس رجس ويجز عدم اجتنابها-؟ فهذه لا تقتضي مقدرا محذوفا إطلاقا لأن الوثن ليس ذات فاصله جماد ولا يقال عن الجماد وثن إلا إذا كان معبودا.

كذلك واجتنبوا قول الزور، فهل تحتمل مقدرا محذوفا فقول الزور فعل والاجتناب إنما عن هذا الفعل.فكل النصوص التي وردت في القرآن والسنة بلفظ الاجتناب هي متعلقة بالأفعال لان اجتنبوا فعل معناه الترك.

2- أما كون الاجتناب يقتضي الإطلاق فهذا ليس قولنا وأننا ابتدعتاه فنحن نسير على خطى سلفنا الطاهرين الذين نور الله بصائرهم فإليكم قول بعض أئمة الهدى رحمة الله عليهم عند قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون (المائدة :90).

يقول القرطبي رحمه الله تعالى: فاجتنبوه أريد :أبعدوه واجعلوه ناحية؛ فأمر الله تعالى باجتناب هذه الأمور....قوله: (فاجتنبوه) تقتضي الاجتناب المطلق الذي لا ينتفع معه بشيء بوجه من الوجوه؛ لا بشرب ولا بيع ولا تخليل ولا مداواة ولا غير ذلك. وعلى هذا تدل الأحاديث الواردة في الباب. أ.هـ تفسير القرطبي6/266.

يقول السعدي رحمه الله تعالى: " فَاجْتَنِبُوهُ " أي: اتركوه " لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ " فإن الفلاح, لا يتم إلا بترك ما حرم الله, خصوصا هذه الفواحش المذكورة. هـ التفسير, نهى الله عنها, وزجر, وأخبر عن مفاسدها الداعية إلى تركها, واجتنابها.أ.هـ تفسير السعدي،

وإجماع العلماء على أن معنى الاجتناب ابلغ من النهي ثابت فمعنى هذا أن النهي جزء من المعنى واليكم بعض أقوالهم:

قال الألوسي رحمه الله تعالى: أي تباعدوا منه وأصل اجتنبه كان على جانب منه ثم شاع في التباعد اللازم له أ.هـ تفسير الالوسي ،فانظر إلى قوله: ثم شاع في التباعد اللازم له أ.هـ فالابتعاد من لوازم معنى الاجتناب وهذا يقتضي أن لا يكون هناك أي تعامل إطلاقا.

قال الملا قاري رحمه الله تعالى:قوله اجتنبوا أي:ابتعدوا من الاجتناب من باب الافتعال من الجنب وهو أبلغ من أبعدوا واحذروا ونحو ذلك أ.هـ عمدة القاري14/61.

اجتنبوا:أبعدوا وهو أبلغ من لا تفعلوا لأن نهي القربان أبلغ من نهي المباشرة أ.هـ فيض القدير 1/153.

3- فمن الذي لا يدرك مدلولات اللغة ومن هو صاحب النعرات الجاهلية المحارب للملة المحمدية ؟

5- لم يكتف هذا الجاهل الجهول المتقول على الله بغير علم الخائض فيما لا علم له به بفضح جهله دون أن يختم بحثه المشئوم بالتلاعب بآيات الله تعالى :يقول ما نصه: وكل مكلف يفهم عند سماعه للآيات كقوله تعالى: َيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا، أو قوله : وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ" ، أن المقصود من الخطاب هو تركهم لما كانوا يصرفونه تجاه هذا المحل وهو عبادته والاعتقاد فيه فقولهم : أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا" يعني تاركوا الشيء الذي كنا نقدمه لآلهتنا ( عبادة واعتقادا) تجاه هذا المحل ..وإلا لما كان للترك معنى وأضاف النهي هاهنا إلى العين مجازا بديعا منه جل وعلا كما قال ابن العربي أ.هـ

1- لم أتصور في حياتي أن يصل الجهل بأناس يدعون التوحيد إلى هذه الدرجة المزرية لا من حيث جهل أصول الدين ولا من حيث جهل اللغة العربية فلفظ آلهتنا ماذا يفهم منه البسيط ؟ لا يفهم منه إلا معنى ظاهرا متبادرا للذهن لا يخرج عن منطوقه وهو المخلوقات التي جعلناها آلهة ، لأنها من جعلهم والله تعالى لم يجعل ( يخلق ) إلها من دونه .
ف معنى قول هذا المخذول ما يلي: إننا لن نترك آلهتنا بل سنبقيها موجودة ولكن لن نؤلهها ، فيا مخذول هذه ما صارت آلهة إلا بتأليهها أي بفعلهم فإذا انتفت أفعالهم تجاهها فقد صارت غير موجودة ، فأنت بقولك تجمع المتناقضين فبقوله هذا يقر راضيا بوجود الآلهة من دون الله تعالى .

2- أليست العبادة تأليه؟ أم أنها شيء آخر عند أدعياء التوحيد هذا الزمان، فالتأليه عبادة والعبادة تأليه فالقول تاركوا ألهتنا معناه تاركوا عبادتنا لغير الله تعالى ، فإذا تصور هذا الجاهل أن يجتمع لفظ التأليه والعبادة في جملة واحدة- فلا يستبعد عن أمثاله الذين لا حظ لهم في الدين واللغة – فهذا من الحشو وذكر ما لا لزوم له فهل هذا من البديع في شيء ؟ سبحانك ربي هذا بهتان عظيم .

3- أما بخصوص اجتنبوا الطاغوت فهذا لفظ معجز قمة في الفصاحة والبلاغة البيان لأنه من قول الحكيم الخبير فالطاغوت معناه المعبود من دون الله تعالى، وعدم التقدير بسبب:

الأول: أن لفظ الطاغوت ليس عين وإنما اسم جنس ( حقيقة وماهية ) لا يوجد إلا بأفعال المخلوق.

الثاني: أن لفظ الطاغوت يشتمل على معنى العبادة ، وتقدير هذا اللفظ هو تقدير لشيء موجود في حقيقة اللفظ وليس شيء خارج عنه ، والتقدير إنما يكون متعلقا بشيء مختلف دلت عليه قرائن خارجية عن اللفظ سواء عقلا أو شرعا أو عرفا ليتم حصول الصدق في الكلام ، وقد تم بيان هذا مفصلا.

الثالث: من ناحية البلاغة والفصاحة فإن ذكر لفظ العبادة حشو من الكلام والاقتصار على لفظ الطاغوت يعطي تمام المعنى المقصود وهو تحقق النفي لكل معبود من دون الله تعالى واصل الدين لا بد أن تكون دلالته من المنطوق الصريح فلو كان يقتضي تقدير لفظ العبادة لكان يلزم منه أن يتم ذكره قطعا للاحتمال ولو تم ذكره لما آمن أحد من العرب بكتاب الله تعالى لأن صيغة:واجتنبوا عبادة الطاغوت، لا يمكن أن يتصورها العربي من الفصاحة في شيء فهي بيان الشيء بلازمه الذي لا ينفك عليه وليس هناك غيره فتصبح اجتنبوا عبادة المعبود من دون الله تعالى وهذا كالقول : اجتنب حلاوة السكر ،فإن السكر لا يشتمل إلا على الحلاوة ، فالقول اجتنب السكر ، لا يقتضي تقدير لفظ محذوف وهو الحلاوة،

وأخيرا: يقول هذا المخذول: الخلاصة أن الاجتناب حكم تكليفي لا يضاف مباشرة إلى ذات وإذا حدث هذا فقد علمنا بالضرورة وجوب التقدير ، وعليه تأتلف الأدلة ويجتمع شمل النصوص كما أنزل الله بعد هذا مبينا ومؤكدا صحة قولنا في قوله تعالى : {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ }الزمر17.

ووالله لا يجحد هذا الدليل إلا قلب كافر أفاك بحجج واهية وكأن القرآن الذي نزل بعد هذا يناقض القرآن الأول الذي نزل في صدر الرسالة .

اللهم إنا نبرأ إليك من هذا القول الفاحش الذي قاله هؤلاء..

اللهم إنا نبرأ إليك من أن نتخذ القرآن عضين كما فعل هؤلاء ..

اللهم إنا نبرأ إليك من أن نؤمن ببعض الكتاب ونكفر ببعض كما فعلوا...

اللهم إنا نبرأ إليك من الافتئات على دينك وشرعك ...

اللهم إنا نبرأ إليك من القول في دينك بغير علم وحق ..

قلت:1- ثبت يقينا بان هذا الجاهل يهرف بما لا يعرف .

2- ليس في الأمر أحكام تكليفية مضافة إلى ذوات فهذا من توهمه لجهله .

3- لقد وضحت فيما يتعلق بآية الزمر في رسالة لباب القوت بشكل مفصل ما يتعلق بها لأنها هي الشبهة التي تعلق بها هؤلاء لنشر إفكهم وضلالهم ومحاربتهم لدين الله تعالى وتثبيتا للآلهة من دون الله تعالى، فانظروها هناك فهو لم يجرؤ على تفنيد ما قررته فيها، وما علم هذا الجاهل أن هذه الآية خبر عمن حقق اجتناب الطاغوت فلا هي بيان ولا هي تأكيد ومع ذلك يقع في التناقض فكيف يجتمع البيان والتأكيد فإن كانت مبينة فمعنى ذلك أن الذي بينته غير مبين وانه متشابه فهكذا يفعل الجهل بأهله،وأصل الدين لا يحتاج إلى تأكيد .

ووالله لا يجحد ما بيناه إلا قلب كافر أفاك بحجج واهية .

اللهم إنا نبرأ إليك من هذا القول الفاحش الذي قاله هؤلاء..

اللهم إنا نبرأ إليك من أن نتخذ القرآن عضين كما فعل هؤلاء ..

اللهم إنا نبرأ إليك من أن نؤمن ببعض الكتاب ونكفر ببعض كما فعلوا...

اللهم إنا نبرأ إليك من الافتئات على دينك وشرعك ...

اللهم إنا نبرأ إليك من القول في دينك بغير علم وحق ..

والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله وصل اللهم وسلم وبارك على النبي المصطفى وعلم الهدى محمد عبدك ورسولك وعلى آله وصحبه ومن استن بهداه

سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك