JustPaste.it

هذة عقيدتنا

*******

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على النبي الأمين

اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا انك أنت العليم الحكيم

الإخوة طلبة الحق

إن العمل بالإسلام عمل مستمر وبذل وعطاء وصبر ومصابرة ومكابدة للواقع غير الإسلامي المرير الذي يقوم على أهواء مختلفة ومتباينة وليس للإسلام وصف حقيقي إلا ما وصفه الله به أنه جهاد: َوجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ..إلى قوله: هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ (الحج:78), فكانت الدعوة بهذا القرآن إلى الإسلام جهادا: فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَاداً كَبِيراً (الفرقان:52), ولذلك كان الجزاء من جنس العمل كما بينه تعالى بقوله:وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (العنكبوت:69), فهذه الآية المكية التي نزلت قبل فرض جهاد السيف تصور حال المسلم الحقيقية مع هذا الدين أنه جهاد لطلب مرضاة الله تعالى ليتحقق للعبد الهداية إلى طرق الخير ليصل إلى معية الله تعالى وبذلك يحصل على أعلى وسام رباني ألا وهو الإحسان الذي هو أعلى مراتب الإيمان ولقد كانت هذه الآية خاتمة لسورة بدأت بقوله تعالى: أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (العنكبوت:2), كمقدمة لما يترتب على هذه الدعوة العظيمة الذي هو ملازم لها :وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (العنكبوت:3), وجاءت بداية السورة: وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (العنكبوت:6), لتتوافق مع نهايتها :وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (العنكبوت:69) , ذكل هذا إنما هو بيان لحقيقة الإسلام التي أصبحت غريبة كما بدأت غريبة.

قال السعدي في تفسيره: فإن أعظم الدين التوحيد ومن أجله أرسلت الرسل وأنزلت الكتب وعليه يحاسب الخلق وينقسمون إلى مهتد من أصحاب النعيم وضال من أصحاب الجحيم ولا يحصل التفرق في أمم الرسل إلا فيه ولقد بين الله تعالى أن التوحيد هو الدعوة التي بعث بها كل رسول إلى أمته فقال: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (النحل:36), يخبر تعالى, أن حجته قامت على جميع الأمم, وانه ما من أمة متقدمة أو متأخرة, إلا وبعث الله فيها رسولا وكلهم متفقون على دعوة واحدة, ودين واحد, وهو: عبادة الله وحده لا شريك له " أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ". فانقسمت الأمم, بحسب استجابتها لدعوة الرسل وعدمها, قسمين.

" فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ " فاتبعوا المرسلين, علما, وعملا.

" وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ " متبع لسبيل الغي.

" فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ " بأبدانكم وقلوبكم " فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ " فإنكم سترون من ذلك, العجائب, فلا تجد مكذبا, إلا كان عاقبته الهلاك. أ.هـ .

وهذا الأصل العظيم إنما هو المعنى العملي لهذه الدعوة الربانية العظيمة والذي يترتب عليه أحكام الإيمان والضلال فمن كان ضالا في الدنيا فهو ضال في الآخرة لقوله تعالى: وَمَن كَانَ فِي هَـذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً (الإسراء:72) ومن كان في هذه الدنيا مهتديا فله حكم الظاهر بالهداية والله أعلم بالمهتدين وهذه الدعوة هي قوله تعالى:لاَّ تَجْعَل مَعَ اللّهِ إِلَـهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَّخْذُولاً (الإسراء:22), وهو معنى قوله تعالى: وَقَالَ اللّهُ لاَ تَتَّخِذُواْ إِلـهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلهٌ وَاحِدٌ فَإيَّايَ فَارْهَبُونِ (النحل:51),وكذلك معنى قوله تعالى: وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ (الأعراف:65), فمدار هذه الدعوة العظيمة على أربع كلمات ركنها العمل:

- أعبدوا: وهي العمل من الخلق.

- الله : وهو المعبود بحق.

- اجتنبوا: وهو العمل من الخلق.

- الطاغوت: وهو المعبود من دون الله وكل معبود من دون الله فهو المعبود بالباطل.

وحقيقة التوحيد تتوقف على العلم بهذه المصطلحات الأربعة أعلاه والعمل بها والتي تشكل أركان كلمة التوحيد, وما حصل الخلل والتفرق إلا في تحديد مدلولات هذه المصطلحات, فإذا أردنا النجاة فلا بد من ضبط وتحديد المراد من هذه الألفاظ على مراد الله سبحانه وتعالى من خلال كتابه في آياته المحكمات الواضحات البينات لنحقق العلم بـ لا إله إلا الله كما أمر الله تعالى بقوله: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ (محمد:19).

اولا العبادة

فاما شهادة لا اله الا الله فمعناها الذى نعتقده وندين به.انها تنفى الالهية عما سوى الله واثباتها لله وحده لا شريك له

والالهية هى العبادة ومعنى كلمة اله هو المعبود المطاع. هذا هو تفسير هذة الكلمة .

باجماع اهل العلم فمن عبد شيئا اتخذه الها وجميع الالهه والمعبودات باطلة الا اله واحد هو الله تبارك وتعالى.

اذا معنى لا اله الا الله اى لا معبود بحق الا الله فاى شىء عبد من دون الله فعبادته باطلة

والعبادة هى كل ما شرعه الله من الاعمال والاقوال والظاهرة والباطنة التى امر الله عباده ان يقصدوه بها ويتقربوا بادائها اليه.

وانواعها كثيرة منها الدعاء النذر الذبح الركوع السجود والطواف والصيام والصدقة والنذر والمحبة والاجلال والتعظيم والخوف والتوكل والرجاء والاستعانة وتحليل ما احل الله ونحريم ماحرم والحكم بكتاب الله وسنه رسوله والتحاكم اليها والطاعة لله والاتباع لله وكل ما يعبد من دون الله ويطاع ويتبع من دون الله فعبادته باطلة

ومن معانى العبادة الطاعة والاتباع والمحبة والنصرة

واليكم اقوال علماء السلف لتوضيح ان العبادة هى الطاعة

قال الشوكاني رحمه الله تعالى: لله رب العالمين أي خالصا له لا شريك له فيه والإشارة بذلك إلى ما أفاده لله رب العالمين لا شريك له من الإخلاص في الطاعة وجعلها لله وحده أ.هـ فتح القدير 2/185

وقال ابن تيمية رحمه الله : وحقيقته( التوحيد) أن تفنى بعبادته عما سواه ومحبته عن محبة ما سواه وبخشيته عن خشية ما سواه وبطاعته عن طاعة ما سواه وبموالاته عن موالاة ما سواه وبسؤاله عن سؤال ما سواه وبالإستعاذه به عن الاستعاذة بما سواه وبالتوكل عليه عن التوكل على ما سواه وبالتفويض إليه عن التفويض إلى ما سواه وبالإنابة إليه عن الإنابة إلى ما سواه وبالتحاكم إليه عن التحاكم إلى ما سواه وبالتخاصم إليه عن التخاصم إلى ما سواه أ.هـ منهاج السنة 5/347.

وقال أيضا رحمه الله كلاما جامعا صريحا واضحا:الاستسلام لله وحده يتضمن عبادته وحده وطاعته وحده فهذا دين الإسلام الذي لا يقبل الله غيره وذلك إنما يكون أن يطاع في كل وقت بفعل ما أمر به في ذلك الوقت .. إلى قوله: فالدين هو الطاعة والعبادة ..وقال صلى الله عليه وسلم : إنا معاشر

الأنبياء ديننا واحد. متفق عليه, وهو الاستسلام لله لا لغيره بأن تكون العبادة والطاعة له والذل وهو حقيقة لا إله إلا الله. أ.هـ الفتاوى 5/184.

فهؤلاء علماء الأمة يجمعون على أن العبادة بعمومها تعني الطاعة بعمومها ولم يستثن أحد منهم شيئا منها لأن الله سبحانه بين بأن الصراط المستقيم الذي هو الإسلام والتوحيد هو طاعة الله وحده وطاعة رسوله لا ثالث لهما بقوله: وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقا (النساء: 69).وعليه فإن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت يكون معناه: أطيعوا الله واجتنبوا طاعة الطاغوت فمن استثنى شيئا من العموم كالقول بجواز طاعة الطاغوت في المباح فيكون معناه جواز عبادة الطاغوت في المباح , ومن قال بجواز طاعة الطاغوت في الأمور الإدارية يكون قوله جواز عبادة الطاغوت في الأمور الإدارية وهكذا لأن معنى العبادة الطاعة فأينما وجد مصطلح العبادة في أي نص نضع معناه وهو الطاعة فيكون المعنى صحيحا لا لبس فيه وهو مراد الله تعالى وكذلك فإن معنى الدين الطاعة فمن أطاع الله تعالى فهو في دين الله تعالى ومن أطاع الطاغوت كان في دين الطاغوت ومن قال يجوز طاعة الطاغوت في شيء فقد جعل للطاغوت من الدين شيء والتوحيد( الإسلام) إنما هو أن يكون الدين كله لله كما نص القرآن على ذلك بلفظ صريح واضح: وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه الآية (الأنفال:39).

قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى: واعلم : أن الإنسان ما يصير مؤمناً بالله، إلاّ بالكفر بالطاغوت، والدليل قوله تعالى : َمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (البقرة:256) الرشد : دين محمد ؛ والغي : دين أبي جهل ؛ والعروة الوثقى : شهادة أن لا إلَه إلا ّ الله، وهي متضمنة للنفي والإثبات . تنفي جميع أنواع العبادة عن غير الله تعالى، وتثبت جميع أنواع العبادة كلها لله وحده لا شريك له.أ.هـ الدرر السنية 1/163.

ونقول أيضا:إن الله تعالى جعل الطاعة في الإسلام لله ولرسوله إستقلالا وطاعة أولي الأمر تبعا لطاعتهما لقوله تعالى: َيا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (النساء:59), فطاعة الرسول طاعة لله لقوله تعالى:مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً(النساء:80),وطاعة أولي الأمر – العلماء والأمراء- الذين حققوا اجتناب الطاغوت وجعلوا حياتهم قائمة على طاعة الله ورسوله- مقيدة بطاعة الله ورسوله فطاعتهم إنما تكون إذا أمروا بطاعة الله ورسوله وعند ذلك تكون طاعتهم طاعة لله ورسوله لقوله عليه الصلاة والسلام: من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله ومن أطاع أميري فقد أطاعني ومن عصى أميري فقد عصاني أ.هـ (رواه البخاري ومسلم), وقوله أميري: هو كل من يتولى على المسلمين ويعمل فيهم بما شرعه صلى الله عليه وسلم

وعليه فمن أطاع الطاغوت وأنها تجوز وهي من دين الله تعالى فهو بين أمرين:

الأول: إما أن تكون طاعتهم طاعة لله ورسوله.

الثاني:إما أن يكونوا من أولي الأمر من المسلمين لقوله تعالى: وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ(),وبذلك جعل الطاغوت مسلما وتجوز ولايته على المسلمين بمعنى: أنه تجوز موالاته, وكلا الأمرين لا يمكن القول بأحدهما ولم يقل بهما أحد من المسلمين فضلا عن علمائهم وهو من مشاقة الله ورسوله واتباع غير سبيل المؤمنين.

بالإتبـاع: قال تعالى:اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ (الأعراف:3).

( تبع ) تَبِعَ الشيءَ تَبَعاً وتَباعاً في الأَفعال وتَبِعْتُ الشيءَ تُبوعاً سِرْت في إِثْرِه أَتْبَعَهُ أَيْ حَذَا حَذْوَهُ قفا أثره وذلك تارة بالجسم وتارة بالارتسام والائتمار..ويقال:أتبعه:إذا لحقه قال تعالى: فأتبعوهم مشرقين(الشعراء:60)التّابع :التاليِ ومنه التتبّعُ والمتابعة والإتباع واتَّبَعَ القرآنَ ائْتَمَّ به وعَمِلَ بما فيه..يَتْلُونه حقَّ تِلاوته أَي يَتَّبِعونه حقَّ اتِّباعه وأَراد لا تَدَعُوا تِلاوته والعملَ به فتكونوا قد جعلتموه وراءَكم كما فَعل اليهود حين نَبَذُوا ما أُمروا به وراء ظهورهم.أ.هـ مفردات القرآن1/176, تاج العروس1/5125, كتاب العين2/78, لسان العرب 8 /27.

ت - النـصرة: قال تعالى: وَمَا كَانَ لَهُم مِّنْ أَوْلِيَاء يَنصُرُونَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن سَبِيلٍ (الشورى:46) , وقال تعالى: وَاتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنصَرُونَ (يس:74).

والنُّصْرة حُسْن المَعُونة والنَّصْر العَطاء ونَصَرَهُ منه:نَجَّاهُ وخَلَّصَه و انْتَصَرَ منه انتقم.وقد نَصَره يَنْصُرُه نَصْرا إذا أعانَه على عدوّه وشَدّ منه وفي الحديث انصرْ أخاك ظالماً أو مظلوماً, وتفسيره:أن يمنعه من الظُّلْم إن وَجَدَه ظالماً وان كان مظلوماً ِأعانه على ظالمِهِ والأنصارُ جماعة الناصِر وأنصار النبيَّ أعوانُه, والنَّصيرُ والنّاصِرُ واحدٌ وقال الله جلَّ وعَزَّ:نِعمَ المَوْلَى ونعم النصيرُ ونُصرَة الله لنا ظاهِرةٌ, ونُصرَتُنا لله هو النُّصْرَة لعباده أو القيام بحفظِ حدوده وإعانةِ عهوده وامتثالِ أوامره واجتناب نواهيه قال اللهُ تعالى:إنْ تَنْصُروا اللهَ يَنْصُرْكم() وهو ناصِرٌ أ.هـ لسان العرب5/210,القاموس المحيط1/621, تاج العروس1/3539, مختار الصحاح1/ 688,النهاية في غريب الأثر5/143, كتاب العين 7 /108.

ث- المحـبة: قال تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً لِّلّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ (165) إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ(166),سورة البقرة ), وقال تعالى: قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (آل عمران :31 ) وقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاء مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ (الممتحنة:1).

الحُبُّ نَقِيضُ البُغْضِ والحُبُّ الودادُ والمَحَبَّةُ وكذلك الحِبُّ بالكسر.وفي حديث أُحُدٍ " هُوَ جَبَلٌ يُحِبُّنَا ونُحِبّهُ " قال ابن الأَثير : وهذا محمولٌ على المجازِ أَراد أَنه جَبَلٌ يُحِبُّنَا أَهْلُهُ ونُحِبُّ أَهْلَهُ وهُم الأَنْصَارُ ويجوزُ أَن يكونَ من باب المَجَاز الصَّريحِ أَي أَنَّنَا نُحِبُّ الجَبَلَ بِعَيْنِه لأَنَّه في أَرْضِ مَنْ نُحِبُّ. اسْتَحَبَّهُ عليه أي آثره عليه واختاره ومنه قوله تعالى { فاستحبوا العمى على الهدى } وحقيقة الاستحباب : أن يتحرى الإنسان في الشيء أن يحبه واقتضى تعديته ب ( على ) معنى الإيثار.

والمحبة : انفعال نفساني ينشأ عند الشعور بحسن شيء : من صفات ذاتية . أو إحسان أو اعتقاد أنه يحب المستحسن ويجر إليه الخير . فإذا حصل ذلك الانفعال عقبه ميل وانجذاب إلى الشيء المشعور بمحاسنه فيكون المنفعل محبا ويكون المشعور بمحاسنه محبوبا وتعد الصفات التي أوجبت هذا الانفعال جمالا عند المحب إرادة ما تراه أو تظنه خيرا وهي على ثلاثة أوجه:

- محبة للذة كمحبة الرجل المرأة ومنه: ويطعمون الطعام على حبه مسكينا (الإنسان:8).

- ومحبة للنفع كمحبة شيء ينتفع به ومنه: وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب (الصف:13).

- ومحبة للفضل كمحبة أهل العلم بعضهم لبعض لأجل العلم.

والمحبة في كلام العرب على ضروب منها المحبة في الذات والمحبة من الله لعباده المغفرة والرحمة والثناء عليها والمحبة من عباده له القصد لطاعته والرضا لشرائعه.أ.هـ معاني القرآن1/384, مفردات القرآن1/287,النهاية في غريب الأثر 1/869,لسان العرب1/289,تاج العروس 1/379 -380, مختار الصحاح1/167, التحرير والتنوير1/744.

ثانيـا: الله سبـحانه وتعـالى

وقد عرف نفسه _ وهو الغني عن التعريف_ في آيات كثيرة منها قوله تعالى: هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (22) هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ(23)هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ( 24 ) الحشر.

وعرف نفسه - إذ لا يعرف ذاته إلا هو- : قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1 ) اللَّهُ الصَّمَدُ (2 ) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ( 3 ) وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ( 4 ) سورة الإخلاص.

وعرف نفسه وأنه المتصرف بالخلق والمنعم على خلقه بقوله: أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاء فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ(60 ) أَمَّن جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَاراً وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَاراً وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزاً أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ(61 ) أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ (62 ) أَمَّن يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَن يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (63 ) أَمَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (64 ) قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (65 ) سورة النمل.

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن لله تسعة وتسعين اسما مائة إلا واحدا من أحصاها دخل الجنة أ.هـ أخرجه الشيخان وغيرهما من أهل السنن والمسانيد.

ثالثـا: الاجتنـاب ( اجتنبوا)

مصطلح الاجتناب بينه سبحانه وتعالى من خلال ردود الأقوام على دعوة رسلهم فكل رسول قال لقومه: اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ الآية كما يلي:

- رد قوم نوح عليه السلام كما أخبر عز وجل بقوله: وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلَا سُوَاعاً وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً (نوح:23).

- رد قوم هود عليه السلام كما أخبر عز وجل بقوله: قَالُواْ يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (هود:53), وقوله تعالى: قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (الأعراف:70).

- رد قوم صالح عليه السلام كما أخبر عز وجل بقوله: قَالُواْ يَا صَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوّاً قَبْلَ هَـذَا أَتَنْهَانَا أَن نَّعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (هود:62).

- رد قوم شعيب عليه السلام كما أخبر عز وجل بقوله: قَالُواْ يَا شُعَيْبُ أَصَلاَتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاء إِنَّكَ لَأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ (هود:87).

- رد فرعون وقومه كما أخبر عز وجل بقوله: قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاء فِي الأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ (يونس:78) وقوله تعالى: وَقَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءهُمْ وَنَسْتَحْيِـي نِسَاءهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ (الأعراف:127).

- رد العرب قوم محمد عليه الصلاة والسلام كما أخبر الله تعالى بقوله: إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ (الصافات:35), ففهمت أقوام الرسل عليهم السلام أن اجتناب الطاغوت هو ترك معبوداتهم من دون الله (الطاغوت) ويذروها ويلتفتون عنها والنهي عنها.

مصـطلح الاجتنـاب في اللغـة

وجنب الشيء وتجنبه وجانبه وتجانبه واجتنبه بعد عنه وجنبه الشيء وجنبه إياه وجنبه يجنبه وأجنبه نحاه عنه وفي التنزيل العزيز إخبارا عن إبراهيم على نبينا وعليه الصلاة والسلام: وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ (إبراهيم:35), أي:نجني وقد قرىء واجنبني وبني بالقطع ويقال جنبته الشر وأجنبته وجنبته بمعنى واحد أ.هـ لسان العرب 1/ 278, القاموس المحيط للفيروزأبادي.

والجار الجنب(النساء:36)، أي: البعيد، قال عز وجل: إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه (النساء:31)، .. و: اجتنبوا الطاغوت (الزمر:17),عبارة عن تركهم إياه، }فاجتنبوه لعلكم تفلحون)المائدة:90)، وذلك أبلغ من قولهم: اتركوه. أ.هـ المفردات في غريب القرآن للأصفهاني.

مصطلح الاجتناب ودلالاته في القرآن

الاجتناب ورد في ثمان آيات لا تاسع لها في كتاب الله تعالى وهي متعلقة بأصل الدين وتفصيلاته ولا يتغير معناه بتغير متعلقه فالمصطلح الشرعي ثابت المعنى وسأذكر بعض أقوال العلماء على كل آية.

أولا:آيات الاجتناب المتعلقة بأصل الدين:

الآية الأولى:وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (النحل:36).

(واجتنبوا الطاغوت),أي: اتركوا كل معبود دون الله كالشيطان والكاهن والصنم، وكل من دعا إلى الضلال.أ.هـ تفسير القرطبي10/94.

(فهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ),أي: ليس الأمر كما تزعمون أنه لم ينكره عليكم بل قد أنكره عليكم أشد الإنكار ونهاكم عنه آكد النهي وبعث في كل أمة أي: في كل قرن وطائفة من الناس رسولا وكلهم يدعون إلى عبادة الله وينهون عن عبادة ما سواه (أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ) أ.هـ, تفسير ابن كثير2/750.

ومعنى اجتنبوا الطاغوت أعرضوا عن عبادته وخصوا عبادتهم بالله عز وجل أ.هـ فتح القدير4/456.

الآية الثانية : ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (الحج:30).

الوثن: التمثال من خشب أو حديد أو ذهب أو فضة ونحوها، وكانت العرب تنصبها وتعبدها, والنصارى تنصب الصليب وتعبده وتعظمه فهو كالتمثال أيضا,وقال عدي بن حاتم: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وفي عنقي صليب من ذهب فقال:(ألق هذا الوثن عنك) أي الصليب؛ وأصله من وثن الشيء أي أقام في مقامه. وسمي الصنم وثنا لأنه ينصب ويركز في مكان فلا يبرح عنه. يريد اجتنبوا عبادة الأوثان. أ.هـ تفسير القرطبي12/52.

الآية الثالثة :وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ (الزمر:17),أي: تباعدوا من الطاغوت وكانوا منها على جانب فلم يعبدوها.. وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ أي: رجعوا إلى عبادته وطاعته.أ.هـ تفسير القرطبي15/213.

ثانيا:آيات الاجتناب المتعلقة بتفصيلات الشريعة

الآية الأولى:قوله تعالى: إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيماً (النساء:31), أي: إذا اجتنبتم كبائر الآثام التي نهيتم عنها أ.هـ تفسير ابن كثير1/636.

الآية الثانية: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون (المائدة :90). فاجتنبوه أريد :أبعدوه واجعلوه ناحية؛ فأمر الله تعالى باجتناب هذه الأمور....قوله: (فاجتنبوه) تقتضي الاجتناب المطلق الذي لا ينتفع معه بشيء بوجه من الوجوه؛ لا بشرب ولا بيع ولا تخليل ولا مداواة ولا غير ذلك. وعلى هذا تدل الأحاديث الواردة في الباب. أ.هـ تفسير القرطبي6/266.

" فَاجْتَنِبُوهُ " أي: اتركوه " لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ " فإن الفلاح, لا يتم إلا بترك ما حرم الله, خصوصا هذه الفواحش المذكورة. فهذه الأربعة, نهى الله عنها, وزجر, وأخبر عن مفاسدها الداعية إلى تركها, واجتنابها. تفسير السعدي

( فاجتنبوه ) الضمير عائد على الرجس أي: اتركوه ( لعلكم تفلحون) أ.هـ تفسير ابن كثير2/125.

الآية الثالثة: وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (الشورى:37).

الآية الرابعة: الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى (النجم:32). وهم الذين يبتعدون عن كبائر الذنوب والفواحش إلا اللمم.أ.هـ .تفسير السعدي.

الآية الخامسة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ (الحجرات:12).

قال علماؤنا: فالظن هنا وفي الآية هو التهمة, ومحل التحذير والنهي أ.هـ تفسير القرطبي16/282.

يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن كونوا منه على جانب يقال جنبه الشر إذا أبعده عنه وحقيقته جعله في جانب فيعدى إلى مفعولين أ.هـ تفسير البيضاوي 1/218,تفسير النسفي 4/166

أي تباعدوا منه وأصل اجتنبه كان على جانب منه ثم شاع في التباعد اللازم له أ.هـ تفسير الالوسي 26/156.

مصطلح الاجتناب في السنة

قال أبو طلحة كنا قعودا بالأفنية نتحدث فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام علينا فقال: مالكم ولمجالس الصعدات اجتنبوا مجالس الصعدات فقلنا إنما قعدنا لغير ما باس قعدنا نتذاكر ونتحدث قال: إما لا فأدوا حقها غض البصر ورد السلام وحسن الكلام أ.هـ صحيح الإمام مسلم.

عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اجتنبوا اللاعنين قالوا وما اللاعنان يا رسول الله قال الذين يبرزون على طريق الناس أو في مجلس قوم أ.هـ مسند أبو عوانة 1/166.

عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اجتنبوا من الأوعية الدباء والمزفت والحنتم أ.هـ مسند الإمام أحمد ابن حنبل

عن أيمن بن خريم قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبا فقال يا أيها الناس عدلت شهادة الزور إشراكا بالله ثلاثا ثم قال: اجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور.أ.هـ مسند أحمد.

عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اجتنبوا هذه الشجرة المنكرة من أكلها فلا يقربن مسجدنا أ.هـ المعجم الأوسط 7/335.

ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب عليه السلام فقال:اخرج في آثار القوم فانظر ماذا يصنعون وماذا يريدون فإن كانوا قد اجتنبوا الخيل وامتطوا الإبل فإنهم يريدون مكة وإن ركبوا الخيل وساقوا الإبل فهم يريدون المدينة فوالذي نفسي بيده لئن (أرادوا المدينة)لأسيرن إليهم فيها ثم لأناجزنهم قال علي فخرجت في آثارهم أنظر ماذا يصنعون فلما اجتنبوا الخيل وامتطوا الإبل توجهوا إلى مكة أ.هـ تاريخ الطبري2/71.

وفي الصحيحين ' عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اجتنبوا السبع الموبقات قيل يا رسول الله وما هن قال الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات.أ.هـ

معـنى الاجتنـاب عند علـماء الحديث

قوله اجتنبوا أي:ابتعدوا من الاجتناب من باب الافتعال من الجنب وهو أبلغ من أبعدوا واحذروا ونحو ذلك أ.هـ عمدة القاري14/61.

اتقوا دعوة المظلوم أي :اجتنبوا دعوة من تظلمونه وذلك مستلزم لتجنب جميع أنواع الظلم على أبلغ وجه وأوجز إشارة وأفصح عبارة لأنه إذا اتقى دعاء المظلوم لم يظلم فهو أبلغ من قوله لا تظلم وهذا نوع شريف من أنواع البديع يسمى تعليقا أ.هـ فيض القدير 1/141.

اجتنبوا :أبعدوا وهو أبلغ من لا تفعلوا لأن نهي القربان أبلغ من نهي المباشرة أ.هـ فيض القدير 1/153.

( فاجتنبوا الطريق ) أي اعدلوا وأعرضوا عنها وانزلوا يمنة أو يسرة أ.هـ فيض القدير1/370.

إياكم والوصال أي: اجتنبوا تتابع الصوم بغير فطر فيحرم لأنه يورث الضعف والملل والعجز عن المواظبة على كثير من وظائف العبادات والقيام بحقها أ.هـ فيض القدير 3/123.

اجتنبوا ما أسكر أي :احترزوا عن المسكر أ.هـ عون المعبود 10/118.

مصطلح التـرك

التَّرْكُ وَدْعُك الشيء وتَرَكْتُ الشيءَ تَرْكاً خليته أ.هـ لسان العرب 10/405.

تَرَكْتُ المنزل(تَرْكًا) رحلت عنه و(تَرَكْتُ) الرجل فارقته ثم استعير للإسقاط في المعاني فقيل( تَرَكَ) حقه إذا أسقطه و( تَرَكَ) ركعة من الصلاة لم يأتِ بها أ.هـ المصباح المنير 1/74.

ترَك الشيء خلاّه أ.هـ مختار الصحاح 1/83.

ولم يأت مصطلح الترك في القرآن والسنة إلا على المعنى اللغوي المعهود عند العرب في لغتهم ولم يفهموا منه إلا لما وضع له.

مصطلح نذر في اللغة:

قال الراغب الأصفهاني:وذر,يقال: فلان يذر الشيء.أي: يقذفه لقلة اعتداده به، ولم يستعمل ماضيه وقال تعالى: قالوا أجئتنا لنعبد الله وحده ونذر ما كان يعبد آباؤنا (الأعراف:70)،(ويذرك وآلهتك (الأعراف:127).أ.هـ الغريب في مفردات القرآن

وذَرْهُ، أي: دَعْهُ، يَذَرُهُ تَرْكاً .أ.هـ القاموس المحيط.

مصطلح نذر عند علـماء التفسيـر

قالوا أجئتنا لنعبد الله وحده ونذر: نترك أ.هـ تفسير الجلالين

قال أبو بكر الأنباري: ويذرك وإلاهتك؛ بمعنى ويتركك وعبادة الناس لك. وقراءة العامة "وآلهتك ". أ.هـ تفسير القرطبي 7/213.

( ويذرك وآلهتك ) قال بعضهم الواو ها هنا حالية أي أتذره وقومه يفسدون في الأرض وقد ترك عبادتك وقرأ ذلك أبي بن كعب وقد تركوك أن تعبد وآلهتك حكاه ابن جرير وقال آخرون هي عاطفة أي أتدعهم يصنعون من الفساد ما قد أقررتهم عليه وعلى ترك آلهتك وقرأ بعضهم إلاهتك أي:عبادتك وروي ذلك عن ابن عباس ومجاهد وغيره وعلى القراءة الأولى قال بعضهم كان لفرعون إله يعبده أ.هـ تفسير ابن كثير2/319 .

وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ ,أي:يدعك أنت وآلهتك,وينهى عنك,ويصد الناس عن اتباعك.أ.هـ تفسير السعدي.

مصطلح نذر في السنة

عن النعمان بن سالم قال سمعت أوسا يقول:أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في وفد ثقيف فكنت معه في قبة فنام من كان في القبة غيري وغيره فجاء رجل فساره فقال:اذهب فأقتله فقال: أليس يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله,قال:يشهد, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذره ثم قال: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها حرمت دماؤهم وأموالهم إلا بحقها قال محمد فقلت لشعبة أليس في الحديث أليس يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله قال أظنها معها ولا أدري

قال ابن الأثير: والمراد في الحديث: أي يقر بالشهادة لاجئا إليها لتدفع عنه القتل وليس بمخلِص فلذلك قال له النبي صلى الله عليه وسلم "ذره" أي أتركه ودعه أ.هـ جامع الأصول 1/249.

وأما مصطلحي أتنهانا وتلفتنا , فـ أتنهانا من النهي وهو الكف وتلفتنا من لفته أي صرفته وكلاهما يتضمن معنى الترك أيضا.

فالاجتناب يعني ترك المعبودات من دون الله تعالى تركا عاما وهذا الأمر تجلى من خلال التطبيق العملي الذي بينه الله تعالى في كتابه لأهل التوحيد من خلال إبراهيم عليه الصلاة والسلام والذي لا يقبل الله عز وجل إلا ملته فأمر بها خير رسله محمد عبد الله ورسوله عليه الصلاة والسلام بقوله : ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (النحل:123), فملة إبراهيم عليه السلام هي التوحيد قولا وعملا ظاهرا وباطنا وما سواها الشرك وقد تجلى هذا التطبيق العملي من خلال مصطلحيين عمليين هما الاعتزال والبراءة .

مصطلح الاعتزال فيما يتعلق بأصل التوحيد ورد في أربع آيات هي:

1- قوله تعالى:وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحمته ويُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقاً (الكهف:16).

2- قوله تعالى:وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاء رَبِّي شَقِيّاً (مريم:48).

3- قوله تعالى:فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلّاً جَعَلْنَا نَبِيّاً (مريم:49).

4- قوله تعالى: وَإِنْ لَّمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ (الدخان:21).

فالاعتزال في القرآن كما بينه سبحانه وتعالى من خلال إبراهيم عليه الصلاة والسلام بقوله تعالى:وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ (الصافات:99), وقوله تعالى : فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (العنكبوت:26), فهو المفارقة والهجرة وهو ما نص عليه أهل التفسير واللغة بالإجماع .

مصطلح الاعتـزال في اللغـة

اعتزل الشيء إذا كان بمعزل منه فمعنى اعتزلي أي كوني وحدك في جانب أ.هـ المطلع1/336.

العزلة خروج عن مخالطة الخلق بالانزواء والانقطاع أ.هـ التعاريف1/513.

الاعتزال طلب العزل وهو الانفراد عما شأنه الاشتراك والاعتزال تجنب الشيء عمالة أو إمارة أو غيرهما بالبدن أو القلب أ.هـ التعاريف1/75 .

عزلت الشَّيء نحّيته.أ.هـ كتاب العين1/353.

العزلة جانبهم وزايلهم وفارقهم وبات منهم وانفتل عنهم أ.هـ الألفاظ المؤتلفة 1/183.

الاعْتِزالُ والأَعْزَلُ: الرَّمْلُ المُنْفَرِدُ المُنْقَطِعُ أ.هـ القاموس المحيط 1/1333.

واعْتَزَلْتُ القومَ أَي:فارَقْتهم وتَنَحَّيت عنهم أ.هـ لسان العرب11/440.

مصطلح الاعتزال عند علماء التفسير:

وقوله: وأعتزلكم وما تدعون من دون الله() يقول: وأجتنبكم وما تدعون من دون الله من الأوثان والأصنام أ.هـ تفسير الطبري8/349.لاحظ كيف فسر الاعتزال بالاجتناب.

وأعتزلكم وما تدعون من دون الله() أي: أهاجر بديني عنكم وعن معبوداتكم حيث لم تقبلوا نصحي ولا نجعت فيكم دعوتي أ.هـ فتح القدير 3 /481.

وأعتزلكم وما تدعون من دون الله() أي : أعتزل ما تعبدون من دون الله : قال مقاتل : كان اعتزاله إياهم أنه فارقهم من ( كوثى ) فهاجر منها إلى الأرض المقدسة أ.هـ معالم التنزيل للبغوي1/235.

وأعتزلكم وما تدعون من دون الله } بالمهاجرة بديني أ.هـ تفسير البيضاوي1/19.

وأعتزلكم وما تدعون } أفارقكم وأفارق ما تعبدون من أصنامكم.أ.هـ الوجيز للواحدي 1/683.

قوله تعالى وأعتزلكم أي: وأتنحى عنكم وأعتزل ما تدعون من دون الله أ.هـ زاد المسير5/238.

مصطلح الاعتـزال في السنة وعند علماء الحديث

( إذا قرأ ابن آدم السجدة ) أي آيتها ( فسجد ) للتلاوة ( اعتزل ) أي تباعد وكل من عدل إلى جانب فهو معتزل ومنه سميت الفرقة العدلية معتزلة أ.هـ فيض القدير1/415.

فلما كان جواب رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاوية بن حيدة لما سئل عن آية الإسلام أن تقول أسلمت وجهي لله وتخليت وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتفارق المشركين إلى المسلمين وكان التخلي هو ترك كل الأديان إلى الله ثبت بذلك أن كل من لم يتخل مما سوى الإسلام لم يعلم بذلك دخوله في الإسلام أ.هـ شرح معاني الآثار 3/216.

وتخليت التخلي التفرغ أراد التبعد من الشرك وعقد القلب على الإيمان أي:تركت جميع ما يعبد من دون الله وصرت عن الميل إليه فارغا ولعل هذا كان بعد أن نطق بالشهادتين لزيادة رسوخ الإيمان في القلب ويحتمل أن يكون هذا إنشاء الإسلام لأنه في معنى الشهادة بالتوحيد والشهادة بالرسالة قد سبقت منه بقوله إلا ما علمني الله ورسوله أو أن هذا الكلام يتضمن الشهادة بالرسالة لما في أسلمت وجهي من الدلالة على قبوله جميع أحكامه تعالى ومن جملة تلك الأحكام أن يشهد الإنسان لرسوله بالرسالة ففيه أن المقصود الأصلي هو إظهار التوحيد والشهادة بالرسالة بأي عبارة كانت والله تعالى أعلم أ.هـ حاشية السندي على النسائي5/5.

مصطلح البراءة فيما يتعلق بأصل التوحيد ورد في تسع آيات مرادفة لمعنى الاعتزال وهي قوله تعالى:

1- وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاء مِّمَّا تَعْبُدُونَ (الزخرف:26).

2- قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (الممتحنة:4).

3- قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً قُلِ اللّهِ شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُل لاَّ أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَـهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ (الأنعام:19).

4- فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَـذَا رَبِّي هَـذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ (الأنعام:7).

5- وَأَذَانٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِن تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (التوبة:3 ).

6- وَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل لِّي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَاْ بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ (يونس:41).

7- أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَاْ بَرِيءٌ مِّمَّا تُجْرَمُونَ (هود:35).

8- إِن نَّقُولُ إِلاَّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوَءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللّهِ وَاشْهَدُواْ أَنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ (هود:54).

9- فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ (الشعراء:216).

مصطلح البـراءة في اللغـة

بَرِئَ إِذا تخَلَّصَ وبَرِئَ إِذا تَنَزَّهَ وتباعَدَ وبَرِئَ إِليَّ وبارَأْتُ شَرِيكي إِذا فارَقْتَه, بَرِئَ منه ومن الدين والعيب سلم أ.هـ لسان العرب1/31, تاج العروس1/77, مختار الصحاح 1/73.

التنـزيه التبرئة ونزهت الله عن السوء برأته منه أ.هـ التعاريف 1/209.

مصطلح البراءة عند علماء التفسير

برئت من الشيء أبرأ براءة فأنا منه بريء إذا أزلته عن نفسك وقطعت سبب ما بينك وبينه أ.هـ تفسير القرطبي8/60, فتح القدير 2/481.

المراد من قوله: ( لست منهم في شيء ) أي: أنت منهم بريء وهم منك براء تقول العرب: إن فعلت كذا فلست مني ولست منك أي: كل واحد منا بريء من صاحبه أ.هـ معالم التنزيل للبغوي1/208.

وأصل التركيب لخلوص الشئ عن غيره إما على سبيل التقصي كقولهم بريء المريض من مرضه المديون من دينه أو الإنشاء كقولهم برأ الله آدم من الطين أ.هـ تفسير البيضاوي1/324.

برئت من الأمر إذا تخليت منه أ.هـ روح المعاني25/111.

والتبرؤ تكلف البراءة وهي التباعد من الأمر الذي من شأن قربه أن يكون مضرا ولذلك يقال تبارا إذا أبعد كل الآخر من تبعه محققة أو متوقعة أ.هـ التحرير والتنوير1/480.

- أصل البرء والبراء والتبري : التقصي مما يكره مجاورته أ.هـ مفردات القرآن 1/112.

مصطلح البراءة في السنة وعند علماء الحديث

قوله تخليت معناه تبرأت من الشرك وانقطعت عنه أ.هـ غريب الحديث للخطابي1/323.

أسْلَمْتُ وَجْهِي إلى اللهِ وَتَخَلَّيْتُ أي تَبَرَّأْتُ من الشِّرْك أ.هـ غريب الحديث لابن الجوزي1/302.

الخلاصة: اتفاق علماء اللغة والتفسير والحديث بالإجماع على أن الاجتناب هو الترك والاعتزال والبراءة والمراد به العموم المطلق لما وضعت له.

رابعـا: الطاغـوت ( المعبود من دون الله )

مصطلح الطاغوت ورد في كتاب الله تعالى في ثمان آيات لا تاسع لها لم تجعل للطاغوت من عموم معاني العبادة التي ورد بيانها شيئا وإنما أقتصر الذكر الحكيم على ذكرها لبيان:

1- أصل الدين: قوله تعالى: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (النحل : 36 ), وقوله تعالى:لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ(البقرة:256).

2-أن الطاغوت يكون بمعنى الجمع بقوله تعالى: اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (البقرة:257).

3- أن الطاغوت يأت بمعنى المؤنث بقوله تعالى: وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ (الزمر : 17 ).

4-أن عبادة الطاغوت ليست خاصة بمن لم يأتهم رسول أو كتاب, قال تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَؤُلاء أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ سَبِيلاً (النساء:51).

5- أن أهل الكتاب منهم من عبد الطاغوت مع وجود الكتاب ولم ينفعهم ذلك بقوله تعالى: قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللّهِ مَن لَّعَنَهُ اللّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُوْلَـئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ عَن سَوَاء السَّبِيلِ (المائدة:60).

6- بعض مظاهر العبادة التي قد يظن البعض أنها ليست عبادة مع ادعائهم الإيمان ولكنهم ممن عبدوا الطاغوت:

أ- التحاكم, قال تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيداً (النساء:60).

ب- الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان وأن كل قتال لا يكون تحت راية الإسلام يكون للطاغوت بدليل قوله تعالى: الَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً (النساء:76).

معـنى الطاغـوت

والطاغوت يعم كل مخلوق معبود من دون الله تعالى من الجمادات والنباتات والحيوانات الثقلين وممن رضي بالعبادة من الجن والإنس.

قال النووي رحمه الله تعالى: قوله الطواغيت هو جمع طاغوت قال الليث وأبو عبيدة روينا وجماهير أهل اللغة الطاغوت كل ما عبد من دون الله تعالى وقال ابن عباس ومقاتل والكلبى وغيرهم الطاغوت الشيطان وقيل هو الأصنام قال الواحدى الطاغوت يكون واحدا وجمعا ويؤنث ويذكر... قال النحويون وزنه فعلوت والتاء زائدة وهو مشتق من طغى وتقديره طغووت ثم قلبت الواو ألفا والله أعلم أ.هـ شرح النووي لمسلم 3/18.

وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله : والطاغوت : عام في كل ما عبد من دون الله، فكل ما عبد من دون الله، ورضي بالعبادة، من معبود، أو متبوع، أو مطاع في غير طاعة الله ورسوله، فهو طاغوت ؛ والطواغيت كثيرة،ورؤوسهم خمسة:

الأول : الشيطان، الداعي إلى عبادة غير الله، والدليل قوله تعالى : أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (يس:60).

الثاني : الحاكم الجائر، المغير لأحكام الله تعالى، والدليل قوله تعالى :أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيداً (النساء:60).

الثالث: الذي يحكم بغير ما أنزل الله، والدليل قوله تعالى: وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (المائدة:44).

الرابع:الذي يدعي علم الغيب من دون الله،والدليل قوله تعالى:عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً ()إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً (الجن:26- 27), وقال تعالى : وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ (الأنعام:59).

الخامس: الذي يعبد من دون الله، وهو راض بالعبادة والدليل قوله تعالى:وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِّن دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (الأنبياء: 29 ). أ.هـ الدرر السنية1/162-163.

وقال أيضا: قال ابن القيم: رحمه الله تعالى، معنى الطاغوت: ما تجاوز به العبد حده، من معبود، أو متبوع، أو مطاع.

والطواغيت كثيرة، ورؤوسهم، خمسة، إبليس لعنه الله، ومن عبده وهو راض، ومن ادعى شيئاً من علم الغيب، ومن دعا الناس إلى عبادة نفسه، ومن حكم بغير ما أنزل الله ؛ والدليل قوله تعالى : ( لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى ( البقرة 256) وهذا : معنى لا إلَه إلا ّ الله. أ.هـ الدرر السنية 1/135.

  وقال أيضا: والطواغيت كثيرة والمتبين لنا منهم خمسة : أولهم الشيطان، وحاكم الجور، وآكل الرشوة، ومن عبد فرضي، والعامل بغير علم أ.هـ 1/137.

والطاغوت على ضربين:

الأول: طاغوت يعقل( جن أو إنس).

الثاني: طاغوت لا يعقل ( جماد أو نبات أو حيوان).

والطاغوت عموما ينقسم إلى ثلاثة أقسام بحسب مظاهر العبادة:

أ- طاغـوت دعــاء ( تنسك وسؤال واستغاثة وطاعة وتسمية) وهو ما يطلق عليه التنسك أو النسك أو التقرب دليل ذلك قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (الأعراف: 194 ).

ب- طاغـوت حكــم: دليل ذلك قال تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدا ً(النساء : 60 ).

ت- طاغـوت ولاء: دليل ذلك قال تعالى: اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (البقرة : 257) ,وقال تعالى: الَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً (النساء:76).

ولذلك بين سبحانه وتعالى أن الدعاء والحكم والولاء هو العبادة والتأليه ومن جعل ذلك لغير الله تعالى فقد اتخذ إلها آخر وأشرك بالله العظيم:

1- أما الدعـاء فدليله قوله تعالى: قُلْ أَنَدْعُو مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُنَا وَلاَ يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَىَ وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (الأنعام:71).

2- وأما الحـكم فدليله قوله تعالى: أَفَغَيْرَ اللّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ(الأنعام 114).

3- وأما الـولاء فدليله قوله تعالى: قُلْ أَغَيْرَ اللّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ قُلْ إِنِّيَ أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكَينَ (الأنعام:14).

وجمع الله تعالى ذلك كله بقوله : قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ (الزمر:64).

فالمعبود بحق هو الله الخالق ولا خالق إلا هو سبحانه وتعالى والمعبود بالباطل ( الطاغوت) هو كل مخلوق ينسب له الحكم والأمر والاستغاثة والإتباع والمحبة والنصرة دون الرد إلى الله تعالى وإلى رسوله عليه السلام سواء كان يعقل- إذا رضي بذلك - أو لا يعقل وغالب المعبودات التي لا تعقل هي الأوثان (الجمادات) سواء كانت على هيئتها التي خلقها الله تعالى عليها أو وضعها( صنعها) الإنسان أو شكلها بأي شكل أو صورة ومها أطلق عليها من أسماء,وكل ما يصدر عن الإنسان فهو جماد كما بين تعالى في محاجة إبراهيم لقومه: قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ (الصافات:95) , وحقيقتها واحدة مهما اختلف شكلها وتغير اسمها فهي لا تسمع ولا تبصر ولا تضر ولا تنفع ولا تأكل ولا تشرب ولا تمشي ولا تدافع عن نفسها كما قال تعالى: قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (72 )أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ (73-72, الشعراء), وقال تعالى: قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ (الأنبياء:63) ,وقال تعالى:فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ (الصافات:91) , وهذه هي الحجة التي أوتيها إبراهيم عليه السلام على قومه والتي ذكرها سبحانه وتعالى: وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (الأنعام:83), ولذلك قال الله تعالى: أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادْعُواْ شُرَكَاءكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلاَ تُنظِرُونِ (الأعراف:195), ولا يمكن بحال أن تكون الجمادات مما ينسب لها شيء من شرع الله تعالى كما يقال موافق للشرع أو مخالف للشرع- إذ كيف يكون للجماد أمر ونهي ؟ وهل يقول ذلك عاقل ؟ وكيف يكون لجماد تنظيم حياة البشر وهي القاصرة عن تنظيم نفسها إذ لا حياة فيها ؟ والطاغوت في زماننا هو:

أولا: الطاغـوت من غيـر العقـلاء:

الأوثـان: وهي الدساتير والقوانين التي ينسبون إليها تنظيم حياة البشر من خلال الحكم والأمر والنهي والسياسات المختلفة والأوطان التي جعلوها القبلة التي يتوجهون إليها ويعملون من أجلها... الخ , قال تعالى: ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (الحج:30) , وقال تعالى: إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَوْثَاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (العنكبوت:17).

الهـوى:قال تعالى: أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً (الفرقان:43), وقال تعالى: أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (الجاثية:23).وقوله تعالى: فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (القصص:50).

ثانيا: الطاغـوت من العقـلاء:

السادة والكبراء وهم أصحاب السلطان ( الأمر والنهي) الذين يأمرون بغير أمر الله أو يحكمون بغير حكم الله أو يُتَّبَعون على غير شرع الله تعالى ويردون شؤونهم إلى غير الله والرسول قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً (الأحزاب:64),إلى قوله: وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا (الأحزاب:67), وغالبا ما يكونون ممن يحافظون على الطواغيت ممن لا تعقل وخاصة الوثنية سواء كانوا بصفة فردية أو مؤسسات و أنظمة ويتكلمون باسمها كما قال ابن عباس رضي الله عنه : ـ الجبت: الأصنام؛ والطاغوت: تراجمة الأصنام، الذين يكونون بين أيديهم، يعبرون عنها الكذب ليضلوا الناس أ.هـ الدرر السنية2/301.

وهم يردون ذلك إلى أمور جعلوا لها قداسة وتعظيما من دون الله تعالى وأسبغوا عليها هالة تمنع الناس من السؤال عن حقيقتها ليتمكنوا من الاستخفاف بالناس والسيطرة عليهم ويستخدمون كل الطرق بالترغيب والترهيب لتعبيد الناس لها.

وقد بين تعالى أن السلطان هو سلطان القوة والأمر بقوله: وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاء لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِّنَ النَّارِ(غافر:47), وقال تعالى: وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَن نَّكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَاداً وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (سبأ:33).

2- العلمـاء ( الأحبار والرهبان) وهم بسلطانهم المعنوي الديني الذين يحرفون الأدلة بتأويل باطل من إباحة الكفر أو تحليل الحرام و تحريم الحلال, قال تعالى: اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهاً وَاحِداً لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ(التوبة:31).وقد بين تعالى أن طاغوتية الأحبار والرهبان من خلال الإدعاء بأن ما يقولونه هو من عند الله تعالى بمعنى أنه مما يصدقه الشرع ويتوافق مع النصوص الشرعية وفي الحقيقة أنه من عند أنفسهم قال تعالى : وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ(آل عمران:78), وهؤلاء هم الذي يحرفون الكلم عن مواضعه تارة وتارة بتحريف الكلم من بعد مواضعه.

3- الشيطان الجـني : فالطواغيت من البشر هم شياطين الإنس وكما سبق ذكره فإن طاغوتيتهم مستمدة من السلطان المادي والمعنوي وأما الشيطان الجني فليس له سلطان على الإنس سواء معنوي أو مادي بدليل قوله تعالى: وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيم ٌ(إبراهيم:22), ومن قوله تعالى يتبين ما يلي:

أ- أنه نفى السلطان وقد جاء لفظ السلطان نكرة في سياق النفي مما يفيد العموم أي : أنه لم يكن له سلطان مادي أو معنوي وهذا حق فالشيطان لم تكن له إمارة وحكم على الناس وكذلك لم يكن من الأحبار والرهبان يعيش بين الناس لأنه كما بين تعالى : يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ (الأعراف:27), فهو يرانا ولا نراه فمعنى ذلك ليس له خطاب موجه لبني آدم يأمرهم به وينهاهم ويحل لهم ويحرم عليهم.

ب- الإستثناء في قوله تعالى : إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ(),استثناء منقطع إذ أن الدعوة ليست من السلطان وإنماهي طلب فعل على سبيل التخيير مع امتلاك المخير حرية الاختيار, فليس في ذلك سلطان من قوة ولا حجة.

ج- إن مظاهر علاقة الشيطان مع البشر هي:

1- الإغواء قال تعالى: قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (ص:82).

قال القرطبي رحمه الله تعالى: لأغوينهم () لأستدعينهم إلى المعاصي وقد علم أنه لا يصل إلا إلى الوسوسة ولا يفسد إلا من كان لا يصلح لو لم يوسوسه أ.هـ تفسير القرطبي 15/201.

وقال الشوكاني رحمه الله تعالى: فأقسم بعزة الله أنه يضل بني آدم بتزيين الشهوات لهم وإدخال الشبه عليهم حتى يصيروا غاوين جميعا.أ.هـ فتح القدير 4/634.

2- التزيين : قال تعالى: قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (الحجر:39).

قال الشوكاني رحمه الله تعالى:أي ما داموا في الدنيا والتزيين منه إما بتحسين المعاصي لهم وإيقاعهم فيها أو يشغلهم بزينة الدنيا عن فعل ما أمرهم الله به فلا يلتفتون إلى غيرها.أ.هـ (فتح القدير3/188).

3 - الوسوسة: قال تعالى: فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى (طه:120).

قال الراغب الأصفهاني رحمه الله تعالى: الوسوسة : الخطرة الرديئة وأصله من الوسواس وهو صوت الحلي والهمس الخفي.أ.هـ المفردات522.

وجاء في التبيان تفسير غريب القرآن ما نصه:فوسوس إليه الشيطان ألقى في نفسه شرا.أ.هـ 291.

4- النزغ: قال تعالى: وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتعِذْ بِاللّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ(الأعراف :200).

قال الطبري رحمه الله تعالى: وأصل ( النزغ ) الفساد يقال : ( نزغ الشيطان بين القوم ) إذا أفسد بينهم وحمل بعضهم على بعض أ.هـ التفسير 6/155.

وعليه فإن عبادة الشيطان التي حذر منها سبحانه وتعالى بقوله: أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (يس:60),هي بفعل الشرك والذي لا يكون إلا بتزيين الشيطان كما بين تعالى عن المشركين بقوله: وَعَاداً وَثَمُودَ وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم مِّن مَّسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ (العنكبوت:38),وقوله تعالى: وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ (النمل:24), وقال تعالى: تَاللّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (النحل:63) , ولذلك بين سبحانه وتعالى أن السلطان الذي للشيطان على المشركين هو استجابتهم لتزيينه بقوله:وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم(), ولقد بين تعالى أن عبادة الشيطان تكون باتباعه بقوله: وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ (سبأ:20), وبين هذا الإتباع بأنه السير على خطوات الشيطان بقوله تعالى: وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (الأنعام:142).

وأما الفعل المجرد للمخالفة دون الكفر فهي المعصية ولا تكون عبادة للشيطان كما أخبر سبحانه وتعالى عن آدم عليه السلام: فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى(طه: 121), وكما أخبر تعالى عن شرب الخمر بقوله:إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ (المائدة:91), فطاغوتية الشيطان إنما هي طاغوتية مقيدة بتزيين الشرك فمن فعل شركا من نفسه مخيرا فيه فقد استجاب لدعوة الشيطان وتولى عن دعوة الله تعالى فيكون قد أتخذه إلها من دون الله سبحانه تعالى ومن فعل المعصية بتزيين الشيطان وغوايته كان عاصيا وليس عابدا للشيطان.

والطاغوت الوثني طاغوتيته مطلقة وتتعلق بعموم الأفعال إذ لا تعامل معها إلا من منطلق الطاغوتية, بخلاف الطاغوت البشري فقد تكون طاغوتيته مطلقة وقد تكون مقيدة وما يكون طاغوتا بحق أناس قد لا يكون طاغوتا بحق آخرين وما يكون طاغوتا في حال قد لا يكون طاغوتا في حال آخر وما يكون طاغوتا في وقت قد يكون مسلما في وقت آخر بخلاف الأوثان وهذا قليل من يتفطن له في التعامل مع الأدلة الشرعية التي لا بد من معرفة الحكم أولا ثم معرفة الواقع للزمن والأشخاص ولا بد من التفريق فيما يتعلق بالأدلة الشرعية الواردة بحق الطاغوت بين حقيقة الطاغوت من حيث أنه يعقل أو لا يعقل ومن حيث كونه جني أو إنسي ومن حيث كونه ممن يرد الأمور إلى شرع الله تعالى أو إلى غير شرع الله تعالى وعدم ضبط الأمور بهذه الكيفية وتحديدها هو مزلة الأقدام وخاصة في هذا الزمان حيث أصبح النظر في الأدلة الواردة بحق الطاغوت غير واضحة ومنضبطة ومحددة فتأخذ على العموم حسب الهوى وتقيد حسب الهوى فمن ذلك قولهم جواز طاعة الطاغوت بالمباح وهذا قول يشمل عموم الطاغوت ويسقط قولهم هذا لأنه يدخل فيه الطاغوت من الأوثان والتي لا يمكن بحال ان تكون مطاعة سواء بمباح أوغيره وكذلك الشيطان لا يأمر بمباح ولا يزينه ولا يعتبر من الغواية ونحن نستدل بعموم الاجتناب حيث يجتنب إجتنابا عاما كونه طاغوتا.

وإن قالوا لا نستدل بعموم الطاغوت وإنما إستدلالنا يتوافق مع ما يتعلق به من حيث حقيقته ومجال طاغوتيته فقد رجعوا وسلموا للحق.

فإذا ثبت بأن معاني العبادة هي التسعة( التنسك والتسمية بالاسماء الحسنى والطاعة والتشريع والحكم والتحاكم والاتباع والنصرة والمحبة), بالعموم المطلق نستطيع أن نفقه قول الله تعالى المتعلق بالتوحيد الصريح كقوله تعالى : قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (الأحقاف:4),فهذا المطاع والحكم والمتحاكم إليه والمشرع والمتبع والذي يعمل له ومن أجله ماذا خلق من الأرض؟ فلا خالق إلا الله تعالى ليس بشرا وحجرا ولا غير ذلك من المخلوقات فإن الخالق وحده هو المطاع والمشرع والحكم والمتحاكم إليه والمتبع شرعه والذي يعمل من أجله وله ولذلك حكم الله تعالى حكما واضحا وصريحا بقوله: وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ (الأحقاف:5), فالدعاء هو العبادة- وهي التسعة السابقة- وعليه فلا يوجد اضل ممن أطاع غير الله تعالى أو حكم بغير حكم الله تعالى أو تحاكم على غير حكم الله أو اتبع غير شرع الله أو عمل لغير الله تعالى وعاقبته :إ ِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ (الأنبياء:98).

الأصول الشرعية الدالة على عموم اجتناب الطاغوت والمطلق

إن أصل الإسلام الذي جاءت به الرسل عليهم السلام إلى أقوامهم بينه تعالى بقوله: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (النحل:36), كما مر بيان ذلك بالتفصيل فالكفر والإيمان ميزانه اجتناب الطاغوت فمن اجتنب الطاغوت فقد حقق عبادة الله تعالى وحده وهو من الذين هداهم الله تعالى وأما من لم يجتنب الطاغوت فقد عبد غير الله تعالى وهو ممن حقت عليه الضلالة ممن قال تعالى فيهم: فَرِيقاً هَدَى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلاَلَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ اللّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ (الأعراف:30), إنهم هؤلاء الذين يتبعون ما تشابه من كتاب الله تعالى ويحسبون كونهم يستندون إلى كتاب الله تعالى أنهم مهتدون بدليل قوله تعالى: هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ(آل عمران: 7) , فليس الحق في أن تحسب- وهذا هو الظن- نفسك على هداية ولكن الهداية أن تكون على ما أحكمه الله تعالى وهو اليقين قال تعالى: وَمَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً (النجم:28), وقال عليه الصلاة والسلام: إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث أ.هـ (رواه البخاري ومسلم), فكيف يكون حال من كان دينه يتصف بوصفين شرعيين: لا يغني شيئا وأنه أكذب الحديث. ولذلك يظن الكثيرون أن اجتناب الطاغوت ليس المقصود منه الترك العام وقد مر بيان ذلك علما بأن هذا الترك إنما هو متعلق بالمخلوق كونه يُمارَس بحقه أي مظهر من مظاهر العبادة التي سبق ذكرها بالتفصيل مع التنبيه أن الطاغوت قد يتصف بجميع مظاهر العبادة فيكون طاغوتا مطلقا ومنهم من يتصف بمظهر أو مظهرين وكل بحسبه وإليك الدلالات والقواعد الشرعية التي تدل على عموم الترك (الاجتناب):

أولا: قوله تعالى: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ(النحل:36) , مرادف لقوله تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (الأنبياء:25), وهو مرادف لقول كل نبي جاء إلى قومه: َ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ (الأعراف:59),وكل نص من هذه المترادفات يشتمل على ركني التوحيد وهما النفي والإثبات:

فالإثبات هو: (اعبدوا الله ) و (إلا أنا فاعبدون).

والنفي هو: (اجتنبوا الطاغوت) و (لا إله).

فاجتناب الطاغوت هو تأليه الله تعالى وحده وعدم اجتناب الطاغوت هو تأليه لغير الله تعالى لأن الاجتناب مقابل للتأليه وهذا نص عام لا مخصص له بحال إذ لا يمكن بحال جواز تأليه غير الله تعالى لأن عدم الاجتناب تأليه كونه شق النفي المقابل لشق الإثبات فمن لم ينف مطلقا لم يثبت مطلقا فهذا من المسلمات العقلية والشرعية التي لا تقبل جدالا, والله تعالى يقول: لاَّ تَجْعَل مَعَ اللّهِ إِلَـهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَّخْذُولاً (الإسراء:22), وهذا نص عام يقابله نص عام هو الاجتناب العام فمن لم يجتنب الطاغوت فقد جعل مع الله إلها آخر، وقال تعالى: وَقَالَ اللّهُ لاَ تَتَّخِذُواْ إِلـهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلهٌ وَاحِدٌ فَإيَّايَ فَارْهَبُونِ (النحل:51), وهذا نص عام يقابله نص عام هو اجتنبوا الطاغوت فمن لم يجتنب الطاغوت بأي مظهر وجزئية فقد اتخذه إلها, فمن أجل ذلك أرسل الله رسله وأنزل كتبه. وبهذا يثبت عموم الاجتناب وأنه لا مخصص له.

ثانيـا: قوله تعالى: إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورا ً(163 ) وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيماً(164, النساء), وهذه الآيات مدنية وممن قص الله على نبيه قبل هذه الآية قصة يوسف عليه السلام وهو مما لا شك فيه داخل في قوله تعالى أيضا: وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ () والذي أوحاه الله تعالى إليهم هو قوله: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ (), كل بلسان قومه ليبين لهم كما قال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (إبراهيم:4),ولا شك أن هذا الأمر هو الذي اتفقت عليه الرسل وهو أصل ما شرعه الله تعالى للرسل قال تعالى: شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ (الشورى:13) , وهذا الأمر ليس الذي قال فيه سبحانه: لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً (المائدة:48), فالأصل فيه اتفاق وهو التوحيد وفروع مختلفة وهي الشريعة, وهذه الآية فيها دلالات عظيمة منها :

- أن التفرق يكون في أصل الشرعة والمنهاج أي في:اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت.

- كون الاجتناب المطلوب في الدعوة عام ومطلق هو ما كبر على المشركين دعوتهم إليه.

- أن الاجتباء يكون بحق النبوة ( الله يعلم حيث يجعل رسالته).

- أن الهداية تكون على الله تعالى للمنيبين إليه الذين يتبعون المحكم ويفوضون المتشابه إلى الله في حال عدم توجيهه مع المحكم وحالهم ومقالهم: آمنا به كل من عند ربنا.

والله تعالى قص علينا قصص الأنبياء من نوح إلى محمد عليهم الصلاة والسلام بأحكم بيان وأتم تفصيل وكلهم اتفقوا على هذه الدعوة وبين تعالى بنصوص محكمة أنهم دعوا إلى اجتناب الطاغوت اجتنابا عاما وليس في أحوالهم مقالا أو عملا أو تقريرا مخالف للاجتناب العام فهذا هو المحكم من أحوالهم ولا يوجد في أحوالهم متشابه قد يفهم منه غير ذلك إلا ما فهمه الخلف في هذا الزمان من قصة يوسف عليه السلام والذي جاء في زمان وسط بين الأنبياء فلا يوجد في أحوال من سبقه من الأنبياء متشابه ولا فيمن بعده فنعلم يقينا أن حاله كحالهم وما تشابه ( وليس فيه متشابه إلا في عقول أهل الزيغ) فنرده إلى المحكم ليتفق معه فإن علمنا ذلك فالحمد لله وإن لم نعلم ذلك فوضناه إلى ربنا وقلنا: آمنا به كل من عند ربنا () والخلل في عقولنا وليس في منقولنا,وسأبين بكل تفصيل إن شاء الله تعالى ما يتعلق بقصة يوسف عليه السلام في بحث مستقل, وبهذا أيضا يثبت عموم الاجتناب وأنه لا مخصص له.

ثالثـا: حسب القاعدة الأصولية التي تنص على أنه: لا يجوز تأخير البيان لمجمل أو ظاهر يراد غير ظاهره عن وقت حاجة العمل به أ.هـ فالعمل بالتوحيد مطلوب فورا فلو كان المطلوب غير العموم الظاهر لكان ينبغي أن يبين الله تعالى ذلك في نفس الدعوة أي: اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت في كذا وكذا ولا تجتنبوا في كذا وكذا وهذا لم يوجد في دعوة أي نبي حتى في دعوة يوسف عليه السلام حين بينها للفتيين معه في السجن فقد دعاهم دعوة عامة لا تخصيص فيها فما من مسألة شرعية وخاصة في الفرعيات إلا وبين الشرع أدق تفصيلاتها فكيف بأصل الدين فهل يعقل أن يكون من مسائل الاجتهاد متروكا لإفهام البشر المختلفة فأصل الدين هو مراد الله تعالى ولا يعلم مراده إلا منه وليس من البشر، إذ أن أفهام البشر لا ضابط لها, فبما انه لم يأت نص يخصص الاجتناب العام فيبقى على عمومه ولا يوجد نص لا في القرآن ولا فيما أنزله الله تعالى على السابقين لا قولا ولا عملا ونقول نريد نصا لا فهما يحتمل فإذا ورد الاحتمال بطل الاستدلال فهذا بحق النصوص في معنيين فكيف بحق الأفعال التي اتفق فيها جمهور الأصوليين على أنها لا عموم لها ولا يستدل بالفعل إلا على صورته المطابقة له, وبهذا أيضا يظهر أن الاجتناب المطلوب هو عموم الاجتناب.

رابعـا: إن أصل الإسلام لا إله إلا الله والتي هي أعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت تقوم على قاعدة النفي والإثبات أي النهي والأمر.

فالنفي: اجتنبوا الطاغوت الذي هو: لا إله وهذا هو النهي.

والإثبات: اعبدوا الله الذي هو: إلا الله وهو الأمر.

فالله تعالى يقول: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (الحشر:7) , وبين عليه الصلاة والسلام هذا بقوله: ما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكم به فافعلوا منه ما استطعتم فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم.أ.هـ رواه مسلم.

ولا شك أن ما نهى الله عنه وأمر به يدخل في هذا بمفهوم الموافقة المسكوت عنه أولى بالمنطوق.

وهذه القاعدة مقررة في الشرع بالإجماع قال ابن تيمية رحمه الله: فالمنهي عنه يجب تركه بكل حال والمأمور به يجب فعله في حال دون حال أ.هـ شرح العمدة 4/329.

فنص النهي يفيد الترك بكل حال تركا عاما إلا إذا ورد نص يخصص والمنهيات لها قاعدة الضرورات تبيح المحظورات, وهذا بحق المحرمات دون الكفر حتى أن هناك من المحرمات لا تباح بحال كشرب الخمر الذي ورد النهي عن استعماله حتى كدواء كما ورد في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام أحمد والدارقطني وابن أبي شيبة أن رجلا يقال له سويد بن طارق:سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الخمر فنهاه عنها فقال إني أصنعها للدواء فقال النبي صلى الله عليه وسلم إنها داء وليست بدواء, وفي رواية بلفظ:نصفها للدواء (),وكذلك قتل النفس المحرمة لأن الأصل في الدماء الحرمة.أ.هـ أما الكفر فله قاعدة الإكراه:إلا من أكره.

وعليه فاالطاغوت - المعبود من دون الله تعالى- , يجب اجتنابه اجتنابا عاما وفي كل حال.

وأما نص الأمر فله قاعدة الاستطاعة أن يفعله على حال دون حال وقد يسقط بكل حال وهذا بحق تفصيلات الشريعة أما عبادة الله كأصل عام فيجب تحقيقه وهو ليس بحثنا ومن جعل القياس في المنهيات على المأمورات أو العكس فقد قال على الله مالا يعلم فثبت أيضا أن الاجتناب المطلوب هو اجتناب عام لا خصوص فيه.

خامسـا: شهادة التوحيد التي هي( لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أو اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ,أو عْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ), تتضمن النفي والإثبات بلفظ دقيق فنص الإثبات قوله: اعْبُدُواْ اللَّهَ (), والذي هو إثبات لعبادة الله تعالى وليس إثباتا لذات الله تعالى لأن ذات الله تعالى ثابتة في الفطر فهي الخلقة التي خلق الله تعالى عليها البشر متأصلة في العقول ليس هناك ما يدل على خلافها .

وأما النفي فهو نفي لذات الطاغوت وهو المعبود من دون الله سبحانه بنص واضح صريح وهو قوله تعالى : َاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ (), لأن نفي الذات أبلغ من نفي الفعل بحقه فليس هناك حق لوجود معبود من دون الله تعالى فكيف بعبادته ؟! إذ أن وجود معبود دون الله تعالى أمر تستنكره العقول ولا تقبله وترفضه رفضا قاطعا فالمشركون الذين يعبدون غير الله تعالى يستنكرون ذلك وينفونه إذا واجهتهم بالمصطلح الصريح بأنكم تعبدون غير الله تعالى وذلك لأنهم مفطورون على عبادة الله وحده ولكن الخلل في عدم فهم مصطلح العبادة بحيث يصبح معناه مختزلا يتوافق مع المعنى العرفي الذي اصطلح عليه الناس بالألفة والتقليد ولذلك عندما سمع الصحابي عدي بن حاتم رضي الله عنه قبل إسلامه- وكان على النصرانية -رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ قوله تعالى: اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ الآية قال مستنكرا : ما عبدناهم(), فمن قوله هذا نستطيع أن نتبين أمورا هامة تنبيء عن حقيقة عقلية المشرك وهي:

أن اتخاذ الأرباب هو اتخاذ معبود من دون الله تعالى.

أنه استنكر أن يكون هناك معبود غير الله تعالى.

أن الخلل إنما يكون في فهم مصطلح العبادة كمفهوم عام شامل.

أن عبادة غير الله تعالى لا تكون إلا عن جهل وغفلة وتقليد.

أن وجود الكتب السماوية لا يعتبر مانعا من وجود الشرك عند أهلها وأن الأحبار

والرهبان- العلماء والعباد- هم أصل الشرك في أممهم وبوابة الخروج من دين الله تعالى وأنهم الوسيلة التي يتخذها الحكام لذلك.

فقولنا لا إله إلا الله لا بد أن نقصد منه المعنى الذي يريده الله تعالى الذي هو نفي المعبود من دون الله تعالى وليس ما اصطلح عليه الناس في واقعهم فيجب أن تكون شهادة حق صريحة واضحة بمعنى:

- لا لأي مسئول ومستغاث به ومطاع ومسمى بالأسماء الحسنى والصفات العلى إلا الله تعالى.

- لا لأي شرع وحكم إلا تشريع وحكم الله تعالى.

- لا لأي منصور ومحبوب إلا الله تعالى.

- لا إتباع إلا لشرع الله تعالى.

فالمسلم ليس في حياته إلا قول الله تعالى وقول رسوله عليه السلام حكما وإتباعا وطاعة وتحاكما ومحبة ونصرة وتشريعا وأولوا الأمر هم القائمون والمحافظون على قول الله تعالى وقول رسوله عليه السلام والذين ليس في حياتهم إلا طاعة الله تعالى وطاعة رسوله عليه السلام وسوى ذلك فهو الكفر والطاغوتية , والمرء على دين من يطيع ويتبع ويتحاكم إليه ويحبه وينصره ومن جعل لغير الله تعالى مع الله تعالى شيئا من ذلك فهو المشرك الكافر, فالله يريد ذلك كله خالصا له وهذا معنى قوله تعالى: وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (الأنفال :39),أي: حتى يكون الدعاء كله( تنسكا وسؤالا واستغاثة وطاعة وتسمية بالأسماء الحسنى) والحكم كله( تشريعا وحكما وتحاكما) والولاء كله ( طاعة واتباعا ومحبة ونصرة) وانظر إلى لفظ كله أي: ليس لغيره منه شيء والتي تعني العموم المطلق فالدين هو العبادة وهو الدعاء والولاء والحكم بمعناها العام فلا يكون المرء مسلما إلا إذا جعل كل ذلك كله بإطلاق لله وحده ومن جعل أي شيء منه لغير الله تعالى فقد خرج إلى الشرك فالله تعالى يقول: فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدا (الكهف:110).

الحقائق التالية:

أولا: ما هي الأوثـان ؟

الجواب: الوَثْنُ والوَاثِنُ المقيم الراكد الثابت الدائم ... قال ابن الأَثير الفرق بين الوَثَنِ والصَّنَم أَن الوَثَنَ كل ما له جُثَّةٌ معمولة من جواهر الأَرض أَو من الخشب والحجارة كصورة الآدمي تُعمَلُ وتُنْصَبُ فتُعْبَدُ والصَّنَمُ الصورة بلا جُثَّةٍ ومنهم من لم يفرق بينهما وأَطلقهما على المعنيين قال وقد يطلق الوَثَنُ على غير الصورة والجمع أَوْثانٌ .. أَصل الأَوْثانِ عند العرب كل تِمْثالٍ من خشب أَو حجارة أَو ذهب أَو فضة أَو نحاس أَو نحوها وكانت العرب تنصبها وتعبدها وكانت النصارى نصبت الصَّليب وهو كالتِّمْثال تُعَظِّمُه وتعبده ... وقال عَدِيُّ بن حاتم قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم وفي عُنُقِي صَليب من ذهب فقال لي أَلْقِ هذا الوَثَنَ عنك أَراد به الصليب والله أَعلم أ.هـ لسان العرب 13/442.

لقد ثبت بما لا يدع مجالا لعاقل أنها كل جماد مصور ( صنم) أو غير مصور ينسب له الأمر والحكم والتدبير في حياة الإنسان كما بين إبراهيم عليه السلام أنها لا تنطق ولا تأكل ولا تسمع ولا تبصر ولا تنفع ولا تضر ولا تتحرك وبينها سبحانه بقوله:أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادْعُواْ شُرَكَاءكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلاَ تُنظِرُونِ (الأعراف:195), فإذا اتصف أي شيء بهذه الصفات فهو وثن مهما كان اسمه وواضعه.

ثانيـا: كيف نعرف الواقع الوثني والأوثـان المعبودة؟

الجواب: يجب علينا أن ننظر في هذا الواقع لنعلم من الذي يرد إليه الأمر والحكم والتحاكم والتشريع ومن هو الذي يعمل من أجله ومن هو الذي ينصر ويطاع ومن هو المتبوع فإن كان فيه صفات الجماد فهو الوثن المعبود من دون الله تعالى مهما تغير شكله أو تغير اسمه لأن حقيقته ثابتة لا تتغير وعندها لا ينظر إلى كون أمره أو حكمه أو شرعه مخالف أو موافق للشرع لأن القول بهذا إقرار بالأوثان فما دامت أوثان فالعقل يقول أنا لا تنطق حتى تأمر فتطاع وأنها لا تنصر نفسها حتى تنصر غيرها وأنها لا تعقل فكيف يصدر عنها حكم وهي لا تتحرك فكيف تنفع أو تضر وبما أنها لا تسمع ولا تبصر فطاعتها لا تنفع ومعصيتها لا تضر في الواقع.

ثالثـا: ما هي الأوثـان في عصرنا؟

الجواب: إنها التي يسمونها- وما هي إلا أسماء كما قال تعالى: إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَى (النجم:23) – الدستور والقانون أو النظام أو المادة، سواء كانت وطنية أو إقليمية أو دولية فهم ينسبون لها: الحكم والأمر والتشريع وهي التي يرد إليها تصريف علاقة البشر بالله تعالى وبالبشر وبالحيوان وبالنبات وبالجماد ومنها أخذت باقي الأوثان شرعيتها, فأين قول الله تعالى أو قول رسوله عليه السلام بأن هناك قانون ودستور من صنع الإنسان له طاعة وحكم وإتباع ونصرة وأنه يدبر حياة البشر: قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (النمل:64), فهم يقولون: أمر القانون وحكم القانون ونص القانون وسمح القانون ومنع القانون بموجب القانون بقوة القانون وهذا القانون متفرع عن الوثن الأكبر الدستور، فهم يثبتون قولا وعلما وحكمة وإرادة وقوة لهذا القانون، فنقول لهم:

هل القانون والدستور هو الله سبحانه أو من عنده ؟ سيجيبون بالنفي.

هل القانون والدستور خالق أم مخلوق؟ قطعا إنه مخلوق لأن الخالق هو الله وحده.

هل هو مخلوق غير منظور من الملائكة أو الجن؟ الجواب لا شك بالنفي.

هل هو مخلوق منظور من الحيوان أو النبات أو الجماد؟ الجواب قطعا بالنفي.

هل القانون هو الإنسان؟ فمن أبواه ؟ وما دينه ؟ هل هو كبير أم صغير ؟ هل هو عالم أم جاهل؟ فالجواب النفي, لأنه من صنع البشر ونحتهم والبشر لا يصنع إلا جماد فهم وضعوها ونقول لهم إنكم على ملة تناقض ملة إبراهيم عليه السلام لقوله: قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ(95) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (96, الصافات) وقال تعالى: قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً وَاللّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (المائدة:76) فمتى كانت صنعة الإنسان تتكلم ولها إرادة وحياة وحكمة وعلم بحيث تكون أعلى من الإنسان وتحكم على فعله , فكيف يجعل من يعقل مرتبته دون الجماد وأنه مسخر لها؟.

فالنتيجة إما أن يكون القانون والدستور جمادا أو لا شيء وأيا كان منهما فلا يوجد عاقل يقبل أن يكون المتصرف فيه ومدبر أموره وشؤون حياته جمادا مهما كان أو أن يكون لا شيء إضافة إلى أمر عظيم وهو أ الله تعالى أمر بقطع يد السارق وجلد الزاني ورجم الزاني المحصن ونهى عن الربا وعن الخمر والفواحش وأمر بجهاد اليهود والنصارى وعدم موالاتهم وغير ذلك والقانون أمر بسجن السارق والزاني ورخص الربا والفواحش وأمر بعدم جهاد اليهود والنصارى وموالاتهم ومضادة الله تعالى في كل أمر فكيف يطاع مثل ذلك ويعظم ويحترم ويكون آمرا ناهيا لخلق الله تعالى ويكون له قدر وشأن؟!.فمن هو هذا الذي يعارض الله تعالى في كل أمر وحكم؟.

ويقولون بعد ذلك: القانون فوق الجميع ( فوقية معنوية ولو كان المقصود من ذلك الفوقية المكانية لتناقضوا مع أنفسهم فاين يكون ؟ هل فوق السماء أم بين السماء والأرض إذ لا يوجد أحد فوق الجميع بائن عن خلقه إلا الله تعالى ) وهذا تأليه للقانون والدستور سواء صرحوا بهذا أم لم يصرحوا به لأن الألوهية كما قررها سبحانه وتعالى بقوله: وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاء إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (الزخرف:84) وألوهية الله سبحانه في السماء لا تختلف عن ألوهيته في الأرض فقال عن ألوهيته في السماء – وهي بحق الملائكة-: وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مِن دَآبَّةٍ وَالْمَلآئِكَةُ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ ( 49) يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ(50), وَقَالَ اللّهُ لاَ تَتَّخِذُواْ إِلـهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلهٌ وَاحِدٌ فَإيَّايَ فَارْهَبُونِ(51,النحل), فمن كانت له الفوقية المعنوية فوق الجميع فهو الإله وهذه الفوقية تقتضي الأمر لأن الأمر لا يكون إلا لآمر والآمر لا بد أن يكون أعلى من المخلوق والذي هو أعلى من المخلوق وفوقه إنما هو الخالق وله الربوبية قال تعالى: إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (الأعراف:54) وعليه: فالفوقية تأليه والآمر إله, فالطاعة تأليه والتحاكم تأليه والإتباع تأليه والحب تأليه والنصرة تأليه والعمل بالشرع تأليه وهذه الآية فيها دلالة عظيمة بأن الخلق مرتبط بالأمر وأن عبودية السموات والأرض بالتسخير وأنها مسخرة بأمر الله تعالى وكذلك فإن عبودية الإنسان لربه بأن يكون مسخرا بأمره وحده وهذا ما بينه تعالى بقوله: ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (فصلت:11).

والقول: فوق الجميع, طامة كبرى فمعني ذلك العموم أي: فوق الخالق والمخلوق في الواقع المعاصر صحيح فقد جعلوا الدستور والقانون هو الذي يقرر أمر الله وحكمه وشرعه فهما الأصل والفوقية لهما فهذه هي الديمقراطية دين العصر دين الوثنية فهل بعد هذا الكفر كفر ؟!!!!!.

ونخلص من ذلك أنه لا يكون المرء مسلما إلا إذا اجتنب (ترك) هذه الأوثان- الدساتير والقوانين-طاعة وحكما وتحاكما وإتباعا وعملا ومحافظة، وترك القائمين عليها لأنهم يمثلونها فإذا كان الكاهن سادن بيت الأوثان بصورته الأولى يجلس في مبنى ويمثل هذا الوثن ويتحدث بإسمه ونيابة عنه فإن هذه الأنظمة ممثلة بحكامها وملأها ومن يعمل فيها هم سدنتها كل يؤدي مهمته في خدمتها والمحافظة عليها ونصرتها وتعبيد الناس لها فكل مبنى لهذه الأنظمة هو بيت الدستور والقانون( الوثن) البيت الذي فيه يعبد أي:يعظم ويخضع له ويتبع ويطاع.

فهذا هو الإسلام الذي يُخلّص الإنسان من التبعية لغيره من المخلوقات التي لا تعقل ويجعل تبعيته لمن خلق العقل ليتساوى مع غيره في الخضوع لجهة واحدة ومصدر واحد فيحقق التوحيد الذي هو دين الله تعالى توحيد لمصدر التلقي الذي هو نفسه مصدر التوجه والذي به النجاة من الخلود في الجحيم والفوز بجنات النعيم.

الركن الثاني: ويتجلى من خلال مظهرين:

1- بعد بيان حقيقة المعبود بحق وهو الخالق سبحانه وتعالى وحقيقة المعبودات من دونه عز وجل وأنها مخلوقات قاصرة من خلال الحجج العقلية يتبع ذلك بيان ما يتوجب فعله تجاه هذه المعبودات وهو البراءة منها كما نص تعالى بقوله: وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاء مِّمَّا تَعْبُدُونَ (الزخرف:26), نعم إنه البراءة التي هي الاجتناب والترك لأن الأوثان- ومنها القانون والدستور- معبودات من دون الله تعالى ووصفها الشرعي أنها طاغوت والإسلام هو كما قرره تعالى بقوله: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (النحل:36) , ومن دعا إلى طاعتها والتحاكم إليها والمحافظة عليها والعمل بشرائعها فهو طاغوت أيضا حكمه حكمها وينطبق عليه ما ينطبق عليها.

2- الدعوة إلى اجتنابها ( تركها والبراءة منها واعتزالها) ومن رفض الانصياع إلى نداء العقل فيجب اتخاذ موقف حازم تجاهه كما بين تعالى بقوله: قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ(الممتحنة:4) وعلى هذا نفهم قوله تعالى: لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ(الكافرون:2).

3- الصبر على الدعوة وعلى التوحيد حتى يحكم الله تعالى بين عباده وبين أعدائه قال تعالى: وَإِن كَانَ طَآئِفَةٌ مِّنكُمْ آمَنُواْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَآئِفَةٌ لَّمْ يْؤْمِنُواْ فَاصْبِرُواْ حَتَّى يَحْكُمَ اللّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (الأعراف:87), وقال تعالى: وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّىَ يَحْكُمَ اللّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (يونس:109).

وقد بين سبحانه وتعالى حقيقة من لم يتبع هذه الملة المباركة بقوله تعالى: وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (البقرة:130), وتسفيه النفس إنما يكون بسلب صفة العقلانية منها والتخلي عن صفة التكريم والانحدار بالبشرية إلى مستوى الأنعام كما قال تعالى: أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً (الفرقان :44), لأن الإنسان عندما لا يستخدم عقله في الوصول إلى أعظم حقيقة في الوجود ألا وهي المعبود بحق وما يجب له واختيار المنهج الرباني وشريعة الرحمن لتقوم حياة الإنسان عليها ومن خلالها يكون قد استنكف عن المهمة التي خلقه الله تعالى من أجلها وعطل الغاية من وجوده وكفر بربه.

فالنطق بالشهادتين هو إعلان قبول الإسلام والدخول فيه والانخلاع والتبرؤ من كل منهج ونظام سواه كائنا ما كان, فعن معاوية بن حيدة رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله وما آية الإسلام قال أن تقول أسلمت وجهي لله وتخليت وتقيم الصلاة وتؤتى الزكاة وكل مسلم على مسلم محرم إخوان نصيران لا يقبل الله عز وجل من مشرك يشرك بعد ما أسلم عملا أو يفارق المشركين إلى المسلمين أ.هـ أخرجه الإمام أحمد والنسائي بسند حسن.

فـ لا إله إلا الله تعني: أنه لا مطاع ولا حكم ولا متبع شرعه ولا يعمل له ولا محبوب ولا منصور إلا الله فلا أطيع إلا الله ولا أحكم إلا بحكم الله ولا أتحاكم إلا إلى حكم الله ولا أحب إلا الله ولا أنصر إلا الله ولا أتبع إلا شرع الله أي: أن نظام حياتي وعلاقتي بالخالق والمخلوق إنما هو قائم على أوامر الله تعالى وأحكامه وشرعه وحده لا شريك لغيره في شيء من ذلك.

وأما شهادة أن محمدا رسول الله فتعني: أن هذه الطاعة والحكم والمحبة والنصرة والإتباع إنما هي كما بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم قولا وعملا وبذلك نحقق قوله تعالى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً (الأحزاب:21).

فالديمقراطية التي أشربها الناس اليوم إلا من رحم الله تعالى وينادى بها ليلا ونهارا هي أن يخضع كل أمر وحكم وشأن في الحياة سواء كان لله تعالى أو لمن دونه للشورى والنقاش والاختيار بينما الإسلام إنما يكون التسليم- والإسلام إنما هو من الاستسلام- لأمر الله تعالى وحكمه غير خاضع للشورى والنقاش والتخيير لقوله تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً (الأحزاب:36), وما الشورى إلا فيما لا نص فيه من الله تعالى ومن رسوله عليه السلام ومن جعل شرع الله تعالى وأمره وحكمه خاضع للنقاش والاختيار فقد خرج من دائرة الإيمان والإسلام إن كان قد دخل فيه وأصبح في دين الديمقراطية الوثنية.

فكيف يجتمع عابد الرحمن وعابد الأوثان؟!

وكيف يجتمع من ارتقى بنفسه وكرمها مع الملأ الأعلى مع من سفه نفسه وتهاوى بها في الدركات؟ كيف تجتمع ملة التوحيد الحنيفية الربانية مع الديمقراطية الوثنية الشركية؟!

وكيف تجتمع شريعة الرحمن ومنهجه مع شريعة الشيطان ومنهج أعداء الرحمن من يهود وعبدة صلبان؟!

وكيف يجتمع الاستخلاف والتمكين مع المحق والهلاك؟!

الإسلام إعلان ظاهر يصدقه عمل ظاهر

لذلك يجب ان ننظر فى واقعنا العلمى وحياتنا العملية لكى نحقق هذة الدعوة فى حياتنا فهل يوجد الان تعامل فى دين الله مع الطاغوت؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

الطاغوت لا تعامل معه باى شكل من الاشكال طالما تحققت فى هذا الشىء انسان كان او جن او جماد فيجب اجتنابه

اسئلة يجب الرد عليها

سؤال هل يجوز البيع والشراء مع الطاغوت ؟

انه اول ما ضيع الدين فرض اشياء لن تحدث بل هذا مخالف لدعوتنا وديينا الحنيف لانه جاء لكى يخاطب واقع عملى وليس واقع تخيلى افتراضى فهل هناك اله يبيع ويشترى. خصوصا ان فعلة البيع والشراء فعله خاصة بلمعبودين والاله هو من ينظم تلك العمليه (احل الله البيع وحرم الربا)

فلا توجد عملية بيع فى الدنيا الا بين بائع ومشترى اى ليس بين عابد ومعبود فكونها بين بائع ومشترى فلايوجد طاغوت فهى عملية بيع وشراء اى لا طاغوت وعندما توجد هذة العمليه فى اى مكان وزمان يصبح البائع تاجر مشرك اذا كان من المشركين والموحد عندما يشترى فهو الان يشترى من مشرك وليس طاغوت . وكذلك جميع المعاملات التى يكون التعامل فيها على سبيل الندية والمساوة والتقرب الى الموحد ين وليس العكس.وهذة يظهر بقرائن الحال.

مثل الهدية التى اهداها المقوقس الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلاك الهدية التى اهداها جبار مصر الى السيدة سارة فباعث الهدية هو من يتقرب الى المهدا الية الهدية فالمقوقس يتقرب الى رسول الله وكذلك الجبار كان يريد ان يتقرب الى السيدة سارة فتعفوا عنه فهم فى مقام الادنى وليس مقام المعبود والعياذ بالله تعالى

ثانيا:هل يجوز العمل فى المباح فى الحكومات التى تحكم بغير شرع الله وذلك استنادا الى حديث سيدنا خباب فى العمل عند المشرك؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

اولا قياس العمل عند المشرك او الكافر يختلف اختلافا كليا عن العمل عند الحكومات الطاغوتيةفشتان بين الامرين اذ لكل من الكافر وصف وله حكام والحكومات الطاغوت له وصف وله حكمه.ولكن قبل الخوض فى هذة المسئلة العمل فى الحكومات يجب ان نلقى الضوء على الرواية التى يستدلوا بها وهو حديث سيدنا خباب ولابد ان لقى على جميع الرويات الضوء حيث القاء الضوء وتعدد الرويات سيزول الاشكال وحجية الاستدلال بها

الرواية التي أوردها لم ينفرد البخاري رحمه الله بها فقد رواها مسلم والترمذي والإمام أحمد ? فتعدد الروايات يزيل الإبهام ويقلل من الاحتمالات المتعلقة بالأحكام المستنبطة إن لم تزلها ? ويكون الاستدلال أحكم وأثبت.

عن خباب بن الأرت رضي الله عنه قال: كنت قيناً في الجاهلية ? وكان لي على العاص بن وائل السهمي دين ? فأتيته أتقاضاه.

وفي رواية قال: فعملت للعاص بن وائل سيفاً ? فجئته أتقاضاه ? فقال : لا أعطيك حتى تكفر بمحمد ? فقلت: والله لا أكفر حتى يميتك الله ثم تبعث ? قال: وإني ميت ثم مبعوث ? ? قلت: بلى ? قال: دعني حتى أموت وأبعث فسأوتى مالاً وولداً فأقضيك ? فنزلت:{أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالاً وولدا * أطلع الغيب أم اتخذ عند الرحمن عهدا * كلا سنكتب ما يقول ونمد له من العذاب مدا * ونرثه ما يقول ويأتينا فردا}? أخرجه البخاري ومسلم.

وأخرجه الترمذي قال: جئت العاص بن وائل السهمي أتقاضاه حقاً لي عنده ? فقال: لا أقضيك حتى تكفر بمحمد .. الحديث ?.هـ

وفي رواية الأمام أحمد رحمه الله قال: كنت قيناً وكان لي دينٌ على العاص بن وائل .. الحديث.

من هذه الروايات يظهر ما يلي:

? خباب بن الأرت رضي الله عنه تميمي النسب ? سبي في الجاهلية ? واشترته امرأة من مكة وأعتقته وكان مولىً لها .

? كان رضي الله عنه قيناً - حداداً - يمارس صنعته في دكانه.

? كانت مهنة الحدادة حرفته في الجاهلية ? أي: قبل إسلامه بدليل قوله: كنت قيناً في الجاهلية ? ولا يقال لمن أسلم في ذلك الوقت أنه في الجاهلية ? وإنما يقال في الإسلام.

? العمل الذي قام به هو صناعة سيف في دكانه للعاص بن وائل وهذا قبل إسلامه.

? المقاضاة؛ أي: المطالبة بالدين التي حصلت منه كانت بعد إسلامه رضي الله عنه وهذا ما بينته رواية الترمذي بقوله: جئت العاص بن وائل السهمي أتقاضاه حقاً كان لي عنده وكذلك بدليل قول العاص له: لا أعطيك حتى تكفر بمحمد

مما سبق فإن صورة الرواية هي: إن خباب رضي الله عنه صنع في دكانه للعاص بن وائل سيفاً قبل إسلامه ? وبعد إسلامه جاءه ليقاضيه. لذلك كانت الترجمة من البخاري رحمه الله تعالى بعدم الجزم كما وضح ذلك ابن حجر رحمه الله بقوله: ولم يجزم المصنف بالحكم لاحتمال أن يكون الجواز مقيداً بالضرورة أو أن جواز ذلك كان قبل الإذن في قتال المشركين ومنابذتهم وقبل الأمر بعدم إذلال المؤمن نفسه.?.هـ( ).فإذا ورد الاحتمال بطل الاستدلال.

وأضيف أمراً آخر نصت عليه الروايات وليس من باب الاحتمال بأن هذا العمل كان في الجاهلية قبل إسلامه.

وحقيقة العمل في الحكومات الكافرة الحاكمة بغير ما أنزل الله المستندة في تشريعاتها طبيعة وقوانينها وأنظمتها إلى الوثن الأكبر - الدستور - ? الذي لا يسمع ولا يبصر ولا يغني شيئاً كما قال تعالى:{والذين تدعون من دونه لا يستطيعون نصركم ولا أنفسهم ينصرون}? وقال تعالى:{ألهم أرجلٌ يمشون بها ? أم لهم أيدٍ يبطشون بها ? أم لهم أعين يبصرون بها ? أم لهم آذان يسمعون بها ? قل ادعوا شركاءكم ثم كيدونٍ فلا تنظرون}? وقال تعالى:{ هل يسمعونكم إذ تدعون أو ينفعونكم أو يضرون}. إلى غير ذلك من الآيات التي تبين حقيقة الأوثان. وهذه الحكومات الهدف من عملها هي الإخلاص للطواغيت البشرية والمحافظة على الطواغيت الوثنية ? فالعمل فيها إما تنفيذي ? وإما تفويضي ? فالتنفيذي: هو تنفيذ لأحكام القانون والدستور. أي: لأحكام الطاغوت الوثني. وهو الأصل في العمل فيها. أما التفويضي: فينظر إليه هل هو بناءً على دين العامل معه أم على دين النظام الحاكم.

فالحكومة وهو اللفظ المتعارف عليه للسلطة التنفيذية للنظام الحاكم ? هي كل من يعمل فيها ويعتبر جزءٌ منها ولذلك إذا نظرت في البطاقة الشخصية لكل موظف عند بند العمل تجد النص التالي :( موظف حكومة) بغض النظر عن مهنته.

0إن الوصف الشرعي لهذه الحكومات أنها طاغوت ? فهي حاكمة بغير شرع الله مستندة في أحكامها إلى غير شرع الله في كل أعمالها صغيرها وكبيرها محكومة بالدستور والقانون ? منفذة لأحكامهما وفق الأسس المنصوص عليها من قبل طواغيتهم وأوثانهم. والعامل فيها هو الشكل العملي لهذه القوانين والأنظمة فهو ممثل لها حاصل على وظيفته بناءً على شروط القانون مستوفياً لأحكامه ? منفذاً لعمله حسبما يقرره القانون تنفيذاً لأحكام القانون وشريعة الطاغوت ? ولذلك تسمى الحكومة بوزاراتها المختلفة السلطة التنفيذية أي تنفيذية للأحكام والقوانين التي تصدرها السلطة التشريعية.

وعلى هذا تكون وظيفة العامل فيها أياً كان نوع الوظيفة هي تنفيذ لأحكام القانون وليست تفويضية ? فالسلطات الثلاث والتي تشكل النظام الحاكم وهي: السلطة التشريعية والسلطة القضائية والسلطة التنفيذية والتي يمثلها العاملون فيها تزاول أعمالها من خلال الدستور.

فالتشريعية: تشرع من خلال مواد الدستور ونصوصه .

والقضائية: تحكم بالأحكام الصادرة عن السلطة التشريعية.

والتفيذية: تنفذ القوانين والأنظمة والأحكام الصادرة عن السلطتين التشريعية والقضائية.

وهذه السلطات الثلاث يرأسها ما يسمى برأس الدولة ملكاً كان أو رئيساً أو أميراً وله الحاكمية المطلقة، فالتشريع الصادر عن السلطة التشريعية لا يعتبر تشريعاً إلا إذا أقره ? والأحكام الصادرة عن القضاء لا تعتبر نافذة إلا باسمه ? وهو يتولى تنفيذ القوانين والسياسات من خلال وزرائه ? فالمنفذ الفعلي هو الحاكم الأول -رأس الدولة - والموظف عبارة عن نائب عنه يتولى ما كلف به تنفيذاً لإرادته لأن مهمته عندما يتولى منصبه والتي يقسم عليها هي المحافظة على الدستور وخدمة الأمة .

فهذا هو الوصف الشرعي والحقيقي لهذه الأنظمة والعاملين فيها لا يماري فيه ولا ينكره إلا مطموس البصر والبصيرة ? فهل العمل في مثل هذه الحكومات مسألة اجتهادية أم أن النصوص الشرعية نزلت لاجتناب هذا الطاغوت الذي جعل نفسه إلهاً مع الله؟

بالإضافة إلى أن هناك نصاً قرآنياً قطعي الدلالة والثبوت ? محكمٌ لا يدخله التشابه ? واضحٌ وضوح الشمس بالحكم على كل موظف يعمل في هذه الأنظمة بأنه كافر خارج من ملة الإسلام وإليك بيانه:

فالناظر إلى هذه الأنظمة بنور الوحي يجد أنها وصلت إلى أعلى درجات الانحراف وهي الفرعونية حيث أن التشريعات الصادرة عنها تتحكم بجميع مناحي الحياة فلا يتحرك المرء خطوة إلا من خلالها صغيراً كان الأمر أم كبيراً - لمن لم يكفر بهذا الطاغوت - فكل شيء من خلال القانون حفاظاً على الدستور وهذه الأنظمة عبّدت الناس لها حتى اندمجوا فيها والذي يخرج عن القانون فالعقاب جزاؤه كما قال تعالى حاكياً عن فرعون عندما دعاه موسى عليه السلام إلى ترك ادعاء الألوهية وعدم التشريع والحكم إلا بشرع الله والخضوع لسلطانه:{لئن اتخذت إلهاً غيري لأجعلنك من المسجونين}? نعم : إنها الفرعونية ? فمن يتخذ شرعاً غير شرع الدستور والقانون ولو كان شرع الله فالسجن مصيره ? فالفرعونية والنمرودية عادت من جديد وبأسلوب شيطاني خبيث .

قال تعالى:{إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين}( )

إن فرعون لقب للحاكم في ذلك الحين كما أن كسرى لقب لملك فارس وقيصر لقب لملك الروم لأنه كما تذكر الأخبار أن اسمه الوليد بن الريان أو رمسيس

هامان هو لقب لوزير فرعون والذي يتولى فرعون سلطته التنفيذية من خلاله مهما اختلفت التسمية رئيساً للوزراء أو وزيراً أول أو وزيراً أو غير ذلك من المسميات .

. إن الله عز وجل عطف لفظ الجنود بصيغة التثنية العائدة على كل من فرعون وهامان

اذا ان لفرعون جنوده التابعين له ولهمان جنوده التابعين له وهما خاطئين فلكل منهما جنوده التابعين لسلتطه المباشرة وهما لم يكونوا متساويان فى الرتبة ففرعون اعلى مقاما ومنصبا وهامان خاضع لفرعون وله سلطة ولكن غير مستلقة عن سلطة فرعون وهذا بينه الله تعالى ( فارسل فرعون فى المدائن حاشرين) فلما خرج بنوا اسرائيل ممن مصر فرين حشد فرعون جيشه لملاحقة موسى عليه السلام وتولى الجيش بنفسه فهو القائد الاعلى.

بينما هامان -رئيس الوزراء - يتولى تنفيذ شريعة فرعون - رأس الدولة - ورغباته بحيث يمثل السلطة التنفيذية والتي يتولاها فرعون - رأس الدولة - من خلاله ولذلك عندما أراد بناء الصرح لم يرسل في المدائن حاشرين أي: لم يتولَّ ذلك بنفسه وإنما توجه إلى هامان مصدراً أوامره وتوجيهاته وإرادته له لينفذها ? قال تعالى:{وقال فرعون يا هامان ابنِ لي صرحاً لعلي أبلغ الأسباب}(غافر:36)? وهامان بدوره تولى التنفيذ من خلال جنوده التابعين له - أي: الوزارة المتخصصة أو الجهة ذات الشأن بذلك من خلال موظفيها كلٌ حسب وظيفته - .

فكل موظف في الدولة إما أن يكون تابعاً لسلطة الحاكم - رأس الدولة - المباشرة وإما أن يكون تابعاً لسلطة هامان رئيس الوزراء مباشرة أي: من السلطة التنفيذية. ولذلك تكون القيادة العليا للجيش والأجهزة الأمنية بيد رأس الدولة يتولاها مباشرة ? بينما أجهزة الدولة الأخرى تابعةٌ للوزراء وكلا الفريقين يعملون للمحافظة على شريعة الطاغوت وخدمة الأوثان.(الدستور)

لذلك فإن الله عز وجل حكم عليهم جميعاً حكماً واحداً أنهم كانوا خاطئين الخطأ الأكبر وهو عبادة غير الله ? فخطأ فرعون ادعاءه الألوهية والربوبية وخطؤهم بالدخول في نظامه والعمل في حكومته، ولم يكفروا بطاغوتيته المتمثلة بأركان التوحيد الثلاثة ? فهم أشركوا الشرك الأكبر لأنهم نقضوا أركان التوحيد :

? لم يرفضوا ويتركوا الطاغوت وشرعه فهم متبعون لتشريعاته ? منفذون لأحكامه وأنظمته راضين راغبين فهم قدموا طلب التوظيف باختيارهم هذا إذا لم يلجئوا إلى شفيع(واسطة) ليحصلوا على وظيفتهم.

? تقديم النسك والعمل من أجل الطاغوت ? فعملهم من أجل الوطن والديمقراطية والمحافظة على الدستور والإخلاص لطواغيتهم.

? موالاة أعداء الله : فهم في أعمالهم لا يفرقون بين ملة وملة فربما يكون رئيسه أو المسؤول عنه معلوم الكفر وهذا معلوم بالضرورة فهو مع ذلك يطيعه ويظهر مودته ومخالطته والسكوت عنه إلى غير ذلك من ضروب الموالاة لأن العمل في هذه الأنظمة لا اعتبار فيه إلا لشرع الطاغوت الذي ينص على أن المواطنين جميعاً –على اختلاف مذاهبهم وعقائدهم- متساوون في الحقوق والواجبات وحرية العقيدة بمفهومهم،فحكم الله واضح صريح.{إن فرعون وهامان وجنودهما(1) كانوا خاطئين}

06إن أصل التوحيد هو عبادة الله واجتناب الطاغوت وهو معنى لا إله إلا الله ? والاجتناب المطلوب هو اجتناب عبادته لقوله تعالى:{والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها} بمعنى العبادة الشاملة بأنواعها الثلاثة ? الدعاء بأنواعه وما يتعلق بالحكم من تحكيم وتحاكم وولاء بجميع أنواعه- بصورها الثلاث - القلبية والقولية والعملية - والاجتناب قد سبق بيانه وهو الترك ? فاجتناب عبادة الطاغوت هو تركها تركاً مطلقاً وليس مقيداً ?

ثالثا. ما حكم ركوب القطار ودفع التذكرة ومعلوم ان السكة الحديدية تحت تصرف الحكومة لكى تديرها وليس ملكها؟؟ حيث انه لا يملك الطاغوت اى شىء فى الدولة ولكنه متصرف فيها مؤتمن عليها؟

اولا والحمد لله رب العالمين ان الطاغوت ما صارا طاغوتا بشق الطرق او عمل السكة الحديد ولكن الطاغوت صار طاغوتا باشياء بينتها سابقا فهو فى هذة الحالة ليس طاغوت اى لا يوجد طاغوت فى المسالة الا فى حالة واحدة ان تكون مخاطب خطاب مباشر باوامر الاوثان (الدستوروالقانون) فهذة الحالة تكون طاعة للاوثان وانت عابد لها لم تحقق الاجتناب للطاغوت اما اذا كان ليس خطاب مباشر فهذة الحالة داخلة فى الاتباع وينظر حينها للفعلة هل امر الله بها ام على الله يفترون فهى فى الشرع فعلة اجارة والاجارة طالما ليست مع طاغوت ولا انت تكون مخاطب باوامر الاوثان(الدستور ) وذلك بحسب القرائن المحيطة بالفعلة تكون حسب حكمها الشرعى.والله اعلم.

رابعا ما حكم الوقوف فى اشارة المرور؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

اولا ان الله سبحانه امرنا كما بينا سابقا باجتناب الطاغوت الذى لا يحصل التوحيد الابه ولا يجوز لموحد ان يطيع الطاغوت او يتبعه ولذلك هناك امور يدخل فيها الاحتمال اى تشابه الاوامر فيها بين امر الله وامر الطاغوت(الذى ليس له الحق ان يامر) منها مثال الامر بغلق المحلات وقت الصلاة فاذا فعلها الموحد على انها امر الله فقط فهو فى دين الله ام اذا فعلها خائف من الطاغوت فهو فى دين الطاغوت ومن فعلها لله وايضا لان الطاغوت امر بها هذا هو المشرك نفس هذا الكلام ينطبق على الوقف فى اشارة المرور الواقف بين ثلاث اشياء.

الاول من وقف طاعة لله خائف على نفسه بان لا يلقى نفسه فى التهلكة وخائف على الغير من باب لا ضرر ولا ضرار فهذا فى دين الله

والثانى من فعلها احترام للنظام والقانون ولكى لا يعاقب من الطاغوت فهذا فى دين الطاغوت .

والثالث فعلها من اجل السبب الاول وايضا من اجل السبب الثانى هذا هو المشرك الذى اتخذ مع الله اله اخر.