JustPaste.it

الرد على مركز الاستقامة

في معنى الطاعة

*******

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على النبي الأمين
لقد أطلعت قدرا على موضوع الطـاعة عند أهل السنة والجماعةَ معانيــها وضوابطهـا الصادر عن مركز الاستقامة للتأصيلِ والمراجعةَ وكان ردا كما تقولون على صاحب ورقات متعلقة بطاعة الطاغوت والكفار لا أعلم من هو صاحبها وكما لزمكم النصح حرصا على دين الله تعالى ومخالفيكم وحسن ظنكم بهم كذلك هذا ما لزم من هذا الرد ولا يمنعنكم ورود بعض الألفاظ مما اقتضاه النقاش أن يسول لكم الشيطان رد الحق الذي ظهر وأن تدرسوه بتأن وروية وسيكون هذا الرد على قسمين :
الأول: الرد على ما جاء في الموضوع .
الثاني: بحث المسألة بحثا شرعيا صحيحا.
***

الرد على ما جاء في الموضوع
أولا: قولكم : مركز الإستقامة للتأصيلِ والمراجعةْ يَهتمُ ببحثِ القضايا والمصطلحات التي عليها مدار الدين الإسلامي مثل , الشرك والكفر والإيمان والطاعة والولاء والبراءة....أ.هـ
قلت: بما أن الطاعة هي من المصطلحات التي عليها مدار الإسلام وهذا نص قولكم حرفيا وأنتم تقررون أن الطاعة التي عليها مدار الأحكام هي القبول والتسليم الباطني بإطلاق فمعنى ذلك أن مدار الإسلام على الأمر الباطني وأنتم تقررون أنه لا تلازم بين الفعل الظاهر (تنفيذ الأمر) وبين التسليم والقبول الباطني ولا يخفى على طالب علم مبتديء أن هذا هو عين مذهب الإرجاء وهذا قررتموه بقولكم ص 24ما نصه: ومما يجب أن يعلم ، أنّنا وإن قلنا أن الدخول في الأعمال ليس دلالة على قبول التكليف ، ولا هو لازم له ، إلا أنه مشروط به ، مبني عليه ، ولا يصح ولا يقبل إلا به أ.هـ ، فهذا تأصيل باطل وإليكم قول السلف في رده:
1- إن القبول وحده لا يتحقق به الإيمان لأن هذا القبول مقيد بالرضى والتسليم والإقرار والعمل الظاهر ولذلك قال تعالى: فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا(النساء:65).
قال ابن كثير رحمه الله تعالى: وقوله { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم } يقسم تعالى بنفسه الكريمة المقدسة أنه لا يؤمن أحد حتى يحكم الرسول صلى الله عليه وسلم في جميع الأمور فما حكم به فهو الحق الذي يجب الانقياد له باطنا وظاهرا ولهذا قال { ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما } أي إذا حكموك يطيعونك في بواطنهم فلا يجدون في أنفسهم حرجا مما حكمت به وينقادون له في الظاهر والباطن فيسلمون لذلك تسليما كليا من غير ممانعة ولا مدافعة ولا منازعة كما ورد في الحديث [ والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لم جئت به أ.هـ التفسير 1/691ن تفسير البيضاوي1/210،تفسير أبي السعود2/197،تفسير النسفي1/231،روح المعاني5/71، تفسير الثعالبي 1/387،تفسير الطبري4/160،الكشاف1/262،
2- وأما أن الإيمان _ وهو القبول والرضى والتسليم والإقرارمستلزم للأعمال وأنها دلالة عليه يقول ابن تيمية رحمه الله تعالى: فَصْلٌ:وَمِمَّا يَدُلُّ مِنْ الْقُرْآنِ عَلَى أَنَّ الْإِيمَانَ الْمُطْلَقَ مُسْتَلْزِمٌ لِلْأَعْمَالِ أ.هـ مجموع الفتاوى2/ 106.
وقال أيضا:وَذَلِكَ لِأَنَّ أَصْلَ الْإِيمَانِ هُوَ مَا فِي الْقَلْبِ . وَالْأَعْمَالُ الظَّاهِرَةُ لَازِمَةٌ لِذَلِكَ.لَا يُتَصَوَّرُ وُجُودُ إيمَانِ الْقَلْبِ الْوَاجِبِ مَعَ عَدَمِ جَمِيعِ أَعْمَالِ الْجَوَارِحِ بَلْ مَتَى نَقَصَتْ الْأَعْمَالُ الظَّاهِرَةُ كَانَ لِنَقْصِ الْإِيمَانِ الَّذِي فِي الْقَلْبِ ؛ فَصَارَ الْإِيمَانُ مُتَنَاوِلًا لِلْمَلْزُومِ وَاللَّازِمِ وَإِنْ كَانَ أَصْلُهُ مَا فِي الْقَلْبِ أ.هـ: مجموع الفتاوى 2 / 112.
ثانيا: من المعلوم أن الإسلام يقوم على قاعدة النفي والإثبات بقوله تعالى : أعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت الآية، وعليه:
1-
فاعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت هي الإسلام المجمل ويثبت لمن أظهر الإقرار والخضوع والتسليم لأوامر الله تعالى وأحكامه على الإجمال وبراءته واجتنابه من الطاغوت على الإجمال أيضا بتلفظه بالشهادتين لمن كان عالما بها فهذا هو الإيمان الإجمالي المطلوب من المكلف ابتداء فمن حقق هذا يطالب بعد ذلك بعبادة الله التفصيلية من صلاة وزكاة وصيام وكل بحسبه بدليل ما ثبت عن معاذ رضي الله عنه حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن فقال له: إنك ستأتي قوما أهل كتاب فإذا جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم فإن هم أطاعوا لك بذلك فإياك وكرائم أموالهم واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينه وبين الله حجاب أ.هـ متفق عليه،فمن لم يحقق الإسلام الإجمالي (ركني النفي والإثبات) لا نحاسبه على عبادة الله التفصيلة، وسيأتي ما يتعلق بحديث معاذ في القسم الثاني المتعلق ببحث المسألة بحثا شرعيا صحيحا.
وعليه فهناك أمر دقيق يجب أن لا يغيب عنا لحظة عين وهو من عبد الله تعالى لا يلزم منه عدم عبادة غير الله تعالى ( الطاغوت)، وأما من اجتنب عبادة غير الله تعالى فيلزم منه عبادة الله تعالى لأن الإنسان كما قال ابن تيمية رحمه الله تعالى إما عابد لله وإما عابد لغير الله تعالى ولا يوجد ثالث لهما.
2-
إن المسائل الشرعية لا تخرج عن هاذين الركنين فإما إثبات وإما نفي، فالمسائل المتعلقة بعبادة الله ( اعبدوا الله) تقوم على قاعدة الاثبات وأما المسائل المتعلقة باجتناب الطاغوت فهي تقوم على قاعدة النفي،وما يتعلق بالإثبات يختلف عما يتعلق بالنفي من حيث التأصيل العام وهو: فالله تعالى يقول: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (الحشر:7) , وبين عليه الصلاة والسلام هذا بقوله: ما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكم به فافعلوا منه ما استطعتم فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم.أ.هـ رواه مسلم.ولا شك أن ما نهى الله عنه وأمر به يدخل في هذا من باب الأولى.
وهذه القاعدة مقررة في الشرع بالإجماع قال ابن تيمية رحمه الله: فالمنهي عنه يجب تركه بكل حال والمأمور به يجب فعله في حال دون حال أ.هـ شرح العمدة 4/329.
وعليه فلا يقاس النفي على الاثبات ولا الإثبات على النفي لأنه قياس باطل فلا يقاس ما يتعلق بشرع الطاغوت على المسائل المتعلقة بشرع الله تعالى قال تعالى: قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُم مَّن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (يونس:35).
ولا يقاس المسلم على الكافر ولا الكافر على المسلم قال تعالى:أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (36)القلم، يقول ابن تيمية رحمه الله تعالى:فَكَيْفَ يُقَاسُ الْمَأْمُورُ بِهِ بِالْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَالْقِيَاسُ الصَّحِيحُ إنَّمَا هُوَ قِيَاسُ الْمَسْكُوتِ عَلَى الْمَنْصُوصِ أَمَّا قِيَاسُ الْمَنْصُوصِ عَلَى مَنْصُوصٍ يُخَالِفُهُ فَهُوَ بَاطِلٌ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ كَقِيَاسِ الرِّبَا عَلَى الْبَيْعِ وَقَدْ أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا .أ.هـ مجموع الفتاوى5/370.
يقول ابو حامد الغزالي رحمه الله تعالى وهو من علماء الأصول ما نصه: وأما قياسهم الأمر على النهي فباطل من خمسة أوجه أ.هـ 1/213.
ولذلك كان قولكم أعلاه غير صحيح لثلاثة أمور:
الأول: لأنه قول مطلق يتضمن ركني الإثبات والنفي بينما هو مقيد بركن الإثبات فقط لأن القواعد والمصطلحات الشرعية وضعت لخدمة الشريعة الربانية وليس تأصيلا للشرائع الطاغوتية.
ثانيا: لأنه متعلق بقبول الأعمال وصحتها عند الله تعالى وهذا أمر مغيب لا علاقة لنا به إلا من حيث بيان حقيقته أما علاقتنا نحن مع المكلفين إنما هي حكمنا عليهم بناء على ما يظهرونه من أعمال .
الثالث: أنكم لم تبينوا كيفية قبول التكليف فبقي الأمر مبهما غير محكم دون ضبط محدد مما يجعله مميعا قابلا لعدة تفسيرات.
فالخطاب الشرعي يتضمن أمر ونهيا وكلا من الأمر والنهي له توصيف خاص من حيث الأحكام فلا يقاس الأمر على النهي أو العكس.
قال الغزالي رحمه الله تعالى:مسألة ( هل الأمر على الفور أم لا .. والمختار أنه لا يقتضي إلا الامتثال ويستوي فيه البدار والتأخير وندل على بطلان الوقف أولا فنقول للمتوقف المبادر ممتثل أم لا فإن توقفت فقد خالفت إجماع الأمة قبلك فإنهم متفقون على أن المسارع إلى الامتثال مبالغ في الطاعة مستوجب جميل الثناء والمأمور إذا قيل له قم فقام يعلم نفسه ممتثلا ولا يعد به مخطئا باتفاق أهل اللغة قبل ورود الشرع وقد أثنى الله تعالى على المسارعين فقال عز من قائل سارعوا إلى مغفرة من ربكم ( آل عمران 133 ) وقال أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون ( المؤمنون 61) وإذا بطل هذا التوقف فنقول لا معنى للتوقف في المؤخر لأن قوله اغسل هذا الثوب مثلا لا يقتضي إلا طلب الغسل والزمان من ضرورة الغسل كالمكان وكالشخص في القتل والضرب والسوط والسيف في الضرب ثم لا يقتضي الأمر بالضرب مضروبا مخصوصا ولا سوطا ولا مكانا للأمر فكذلك الزمان لأن اللافظ ساكت عن التعرض للزمان والمكان فهما سيان ويعتضد هذا بطريق ضرب المثال لا بطريق القياس بصدق الوعد
إذا قال أغسل وأقتل فإنه صادق بادر أو أخر ولو حلف لأدخلن الدار لم يلزمه البدار وتحقيقه أن مدعي الفور متحكم وهو محتاج إلى أن ينقل عن أهل اللغة أن قولهم افعل للبدار ولا سبيل إلى نقل ذلك لا تواترا ولا آحادا ولهم شبهتان:
الأولى: أن الأمر للوجوب وفي تجويز التأخير ما ينافي الوجوب إما بالتوسع وإما بالتخيير في فعل لا بعينه من جملة الأفعال الواقعة في الأوقات والتوسع والتخيير كلاهما يناقض الوجوب.
قلنا قد بينا في القطب الأول أن الواجب المخير والموسع جائز ويدل عليه أنه لو صرح وقال اغسل الثوب أي وقت شئت فقد أوجبته عليك لم يتناقض ثم لا نسلم أن الأمر للوجوب ولو كان للوجوب أما بنفسه أو بقرينة فالتوسع لا ينافيه كما سبق
الشبهة الثانية: أن الأمر يقتضي وجوب الفعل واعتقاد الوجوب والعزم على الامتثال ثم وجوب الاعتقاد والعزم على الفور فليكن كذلك الفعل قلنا القياس باطل في اللغات ثم هو منقوض بقوله افعل أي وقت شئت فإن الاعتقاد والعزم فيه على الفور دون الفعل ثم نقول وجوب الفور في العزم والاعتقاد معلوم بقرينة وأدلة دلت على التصديق للشارع والعزم على الانقياد له ولم يحصل ذلك بمجرد الصيغة أ.هـ المستصفى1/215.
فمثلا (الأمر بالصلاة ):من رأيناه يصلي كما بين رسول الله صلى الله عليه وسلم حكمنا عليه بناء على ظاهره أنه أقر بالأمر وأنه واجب ويقتضي فعلا وعزم على الامتثال ( قَبِلَ التكليف على مصطلحكم) وحكمنا بصحة صلاته مع كونه قد يكون غير ذلك في باطنه وقد لا يكون مستوفيا لشروط الصلاة من طهارة أو غيرها ولكن لا يلزمنا سؤاله لبيان حكمه الباطني.وأما إذا ثبت عندنا أنه لا يصلي لم نحكم عليه حتى نستفصل منه لماذا لا يصلي.
وأما من رأينا يشرب الخمر فلا يلزم من شربه الخمر أنه غير معتقد أنه واجب وأن الواجب لا يقتضي وجوب الفعل والعزم على الامتثال فلا يلزم منا سؤاله لأن الترك متحقق على الفور.ودليل ذلك قصة آدم عليه السلام وإبليس فعندما رفض إبليس السجود لم يحكم عليه سبحانه وتعالى بالكفر إلا بعد أن استفصل منه عن سبب عدم السجود(عدم امتثال الأمر) بقوله تعالى: قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ()،فلما كان بناء على تأويل فاسد مقابل النص المحكم وهو:(قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ) حكم عليه بالكفر فعدم تنفيذ الأمر بالتأويل الفاسد كان فعله كفرا لأن هذا دليل على رد الأمر..
وأما آدم عليه السلام فإن الله تعالى لم يستفصل منه وإنما عاتبه على فعله بقوله تعالى: وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ ()،أقر وأعترف بالذنب فكان فعله معصية دون الكفر ولم يستفصل منه لأن الاستجابة للنهي تحققت منهما فهما لم يأكلا من الشجرة إلا بعد الاستجابة للنهي بخلاف إبليس الذي لم تتحقق منه الإستجابة..فثبت من هذه القصة أن الأمر للوجوب ويقتضي التنفيذ وهو الإتيان بالفعل.
فأصل الحكم في الإسلام إنما هو على الظاهر والأمور الباطنة علمها عند الله تعالى لا يعلمها إلا هو،فلو نزلنا تأصيلكم هذا على القواعد والأدلة الشرعية لكان غير منضبط ومتناقض بحق الخطاب الشرعي المتعلق بتفصيلات الشريعة أي عبادة الله تعالى ركن الإثبات فهو كالتالي:طاعة الله ورسوله في الأمر والنهي ليس دلالة على قبول التكليف ، ولا هو لازم له ، إلا أنه مشروط به ، مبني عليه ، ولا يصح ولا يقبل إلا به أ.هـ
فصحة العمل متعلقة بتحقق الشروط وأما قبوله فهو متعلق بفعل الأمر استجابة لله تعالى وتنفيذا لأمره مع صحة العمل، والأوامر والنواهي المخاطب بها المؤمنون الذين ثبت عقد الإيمان عندهم بدخولهم الإسلام بالشهادتين تصديقا واطمئنانا وقبولا ورضى واعتقادا للوجوب والعزم على الامتثال فعند ورود الأمر ليس إلا أمر واحد وهو الامتثال.
وأما إذا نزلناه على غير الخطاب الشرعي وهو أمر ونهي الطاغوت أي ركن النفي فهو كالتالي: طاعة الطاغوت في أمره ونهيه ليس دلالة على قبول التكليف ، ولا هو لازم له ، إلا أنه مشروط به ، مبني عليه ، ولا يصح ولا يقبل إلا به أ.هـ هل تستطيعون أن تفسروا لنا هذا التأصيل تفسيرا شرعيا صحيحا بأدلته؟.
لقد قلتم ما نصه: وهذا التلبيس هو عين ما فعله الشيطان اللعين ببعضِ طلائع البعث الإسلامي, فبعد أن عجز أن يوقعهم في الاعراض عن الدين ,أتاهم من بابِ إخلاص العبودية لله فزاد عليهم معاني بعض المصطلحات, وابتدع عليهم معاني لم يعرفها سلف هذه الأمة المباركة ,فشّددوا في أمورٍ يسر الله فيها, حتى كادوا أن يُهلكوا أنفسهم أ.هـ
فقولكم نقوله لكم ما دليلكم على هذا التأصيل ومن قال به قبلكم وأين مدرسة أهل السنة والجماعة من هذا؟
ثانيا:قولكم فيما يتعلق بطريقة الاستدلال وكيفية تقرير الأحكام ما نصه: فأعلم ـ هداك الله ووفقك لما فيه الخير والسداد ـ أن هناك طريقين لمعرفة معاني الألفاظ التي وردت في القران الكريم و الحديث النبوي الشريف :
الطريق الأول : هو تتبع تفسير هذه الألفاظ وما أريد بها من النبي عليه السلام، عن طريق تقصي بيان الرسول والصحابة والتابعين لهذه الألفاظ وبذل واستفراغ الجهد في ذلك.
ـ والطريق الآخر : هو النظر المباشر إلى هذه الألفاظ على طريقة الفلاسفة وأهل المنطق والرأي أو قواعد أهل اللغة وأصولهم النحوية دون الاجتهاد في تتبع بيان الله ورسوله .
وإختيار هذا الطريق أو ذاك هو الذي يميز بين أهل السنة والجماعة ـ الذين تتبعوا الطريق الأول على هدى من سبقهم من السلف الصالح رضوان الله عليهم ـ وبين غيرهم ممن عدلوا عن صراط الله المستقيم ، فتفرقت بهم السبل بعيداً عن الحق .أ.هـ .
اقول:
1- أنتم تقررون أن الطريق الأول هو الشرعي الصحيح وأما الطريق الثاني فهو طريق باطل مردود بإطلاق.
2- هل عجز علماؤنا السابقون عن تقرير هذا الأمر ولم يسطروه في كتبهم حتى جئتم ووضعتم أصلا غير محكم ومبهم وقاصر؟ وهل هذا الذي قررتموه هو ما اجمعت عليه الأمة؟
3- أنتم تخلطون بين طرق الاستدلال وبين كيفية تقرير الأحكام وبين التفسير فهذه ثلاثة أمور لم تبينوا ما اتفقت عليه الأمة بشأنها كقاعدة ثابتة متفق عليها فإذا كان الخلاف في هذه الأصول؟ فكيف يكون الفريقان ينطلقان من دين واحد؟.
4- كيف تسوون بين طريقة الفلاسفة وبين طريقة أهل اللغة والنحو الذي ما نزل القرآن إلا بأسلوب اللغة وبلاغتها وبيانها وهل خاطب الرسول عليه السلام العرب قبل الهجرة وأقام عليهم الحجة إلا بالقرآن وحده دون بيان منه وتفسير ولم نسمع منهم أنهم أستشكلوا شيئا منه وكان نظمه بأسلوب اللغة محل إعجاز لهم وتحداهم بالإتيان بسورة مثله،وما أنكرتموه جعلتموه حجة لكم ففسرتم لفظ الطاعة بناء على اللغة ابتداء فطريقة الفلاسفة مذمومة بإطلاق فهل طريقة أهل اللغة مذمومة بإطلاق أيضا ؟!!!.
5- إن النصوص الشرعية إما ربانية قرآنية وإما نبوية،فالنصوص القرآنية ينظر إليها كما أجمع عليه العلماء بقولهم:
قال الزركشي: مسألة في أن أحسن طرق التفسير أن يفسر القرآن بالقرآن: قيل أحسن طريق التفسير ان يفسر القرآن بالقرآن فما اجمل في مكان فقد فصل في موضع آخر وما اختصر في مكان فإنه قد بسط في آخر فإن اعياك ذلك فعليك بالسنة فإنها شارحة للقرآن وموضحه له قال تعالى: وما أنزلنا عليك الكتاب الا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون() ولهذا قال صلى الله عليه وسلم الا اني اوتيت القرآن ومثله معه يعني السنة فإن لم يوجد في السنة يرجع الى اقوال الصحابة فإنهم ادرى بذلك لما شاهدوه من القرائن ولما اعطاهم الله من الفهم العجيب والعلم الصحيح والعمل الصالح لا سيما علماؤهم وكبراؤهم كالأئمة الأربعة الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين مثل عبد الله بن مسعود فإن لم يوجد ذلك يرجع الى النظر والاستباط بالشرط السابق أ.هـ البرهان في علوم القرآن 2 / 175-176الفتاوى لابن تيمية 13/ 363-364،تفسير ابن كثير 1/93.
قال السيوطي رحمه الله تعالى: وقد أخرج ابن جرير وغيره من طرق عن ابن عباس قال التفسير أربعة أوجه وجه تعرفه العرب من كلامها وتفسير لا يعذر أحد بجهالته وتفسير تعلمه العلماء وتفسير لا يعلمه إلا الله تعالى ثم رواه مرفوعا بسند ضعيف بلفظ أنزل القرآن على أربعة أحرف حلال وحرام لا يعذر أحد بجهالته وتفسير تفسره العرب وتفسير تفسره العلماء ومتشابه لا يعلمه إلا الله تعالى ومن ادعى علمه سوى الله تعالى فهو كاذب،قال الزركشي في البرهان في قول ابن عباس هذا تقسيم صحيح أ.هـ الإتقان 2/480،وما ورد عن ابن عباس رضي الله عنه قرره شيخ المفسرين ابن جرير رحمه الله تعالى فقال ما نصه: وبمثل ما قلنا من ذلك روي الخبر عن ابن عباس أ.هـ التفسير 1/56.
وكذلك النصوص النبوية نبحث عن تفسيرها وبيانها في السنة النبوية فإذا لم نجد رجعنا إلى أهل العلم السابقين فإن لم نجد اجتهدنا رأينا.فإذا كان ما قررتموه كقاعدة للتعامل مع النصوص الشرعية قاصرا وغير صحيح فسيكون بعد ذلك بحثكم قاصر وغير صحيح فما بني على باطل فهو باطل.
6- إن ما نقلتموه عن شيخ الإسلام ابن تيمية بحق تفسير الألفاظ إنما هو بحق الألفاظ التي انتقل معناها من المعنى اللغوي المجرد إلى المعنى الشرعي مع بقاء أصل المعنى اللغوي فيها كالصلاة مثلا معناها اللغوي الدعاء فأصبح لها حقيقة شرعية وهي فعل الصلاة من التكبير إلى التسليم مع بقاء الأصل اللغوي فيها وهو الدعاء حقيقة، فالمصطلح الشرعي في التفسير الرباني أو النبوي لم يأت لإلغاء المعنى اللغوي وإنما لإثباته لأنه أصل لفهم الخطاب الشرعي وأصل له ، فوقعتم فيما نقلتموه عن ابن تيمية ذاما بقوله: وأهل البدع إنما دخل عليهم الداخل ، لأنهم أعرضوا عن هذا الطريق ، وصاروا يبنون دين الإسلام على مقدمات يظنون صحتها ، إما في دلالة الألفاظ اللغوية ، وإما في المعاني المعقولة وفق مقدماتهم الفلسفية ، ولا يتأملون بيان الله ورسوله ، وكل مقدمات تخالف بيان الله ورسوله فإنها تكون ضلالا )أ.هـ فأنتم عند لفظ الطاعة اعتمدتم على دلالة اللفظ اللغوية ثم قيدتم هذه الأدلة بل حرفتم المعنى الذي أراده الله سبحانه وتعالى والذي أراده رسوله عليه الصلاة والسلام.
فالمسألة هي طاعة الطاغوت وطاعة الكافر فأين النص القرآني أو النبوي الصريح الذي يقول فيه أن المقصود من الطاعة هنا قبول التكليف لحسم مسألة الخلاف؟ بل أين النص الصريح من قول صحابي أو تابعي أو أي عالم من علماء السلف أن طاعة الطاغوت وطاعة المشرك تجوز في صورة من الصور؟ وهل فصل أحدهم في صور هذه الطاعة؟
وأنا أقول لكم بكل يقين لو بحثتم كتب العلماء من أولها لآخرها فلن تجدوا مثل هذا النص ، ولكنكم جئتم إلى نصوص ظننتم من الفاظها ما ذهبتم إليه فهذا رأيكم المجرد دون دليل محكم جعلتموه أصلا توالون عليه وتعادون وتبدعون وتضللون !!! فوقعتم في الإبتداع والخروج عن جادة الصواب .
ثالثا:قولكم: ونحن ـ ولله الحمد ـ اتبعنا في هذه الرسالة ذات المنهج الذي عليه أهل السنة والجماعة في تفسير وتحديد معنى لفظ (الطاعة ) الوارد في أية الأنعام : {وإن أطعتموهم إنكم لمشركون} وحديث عدي المفسر لآية التوبة : (إنهم حرموا عليهم الحلال ، وأحلوا لهم الحرام ،فأطاعوهم ، فذلك عبادتهم إياهمأ.هـ
قلت:

1- تبين مما سبق أنكم لم تتبعوا المنهج السوي المقرر عند علماء الأمة .
2- إن القضية ليست معنى الطاعة في آية الأنعام وآية براءة فقط وإنما مسألة الطاعة بعمومها والتي تكفل القرآن بتفصيلها كونها من المسائل التي عليها مدار الإسلام كما قررتم ذلك فلا يمكن أن تكون قضية بهذه الأهمية يتركها الله تعالى بغير تفصيل واضح بين.
3- إن أصل المسألة تدور على أمرين منفصلين هما طاعة الطاغوت وطاعة الكافر، فالطاغوت معبود والكافر عابد فقياس أحدهما على الآخر قياسا مطلقا فاسد لا تشهد به الأدلة فإذا ورد النص بحق الكافر بأي دليل يقاس عليه الطاغوت أو العكس فالنص عندها يكون مقيدا إما بالمعبود أو العابد فبأي حق يتم تعميمه على العابد والمعبود ويتم تأويل النص بغير برهان.
رابعا: قولكم: قال عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنه ـ :( تعلمنا الإيمان ثم تعلمنا القرآن أ.هـ قلت: وفي الحاشية عزوتموه إلى ابن مندة والنقل كان من كتاب حقيقة الإيمان ، فكان يلزمكم كونكم لم تنقلوا من الأصل أن تتثبتوا من الرواية فهذا من الأمانة العلمية مما أدى بكم إلى الوقوع في الخطأ في ثلاثة أمور:
1- من ناحية الراوي فذكرتم عبد الله بن عمر بينما رواية ابن مندة عن جندب بن عبد الله رضي الله عنهم أجمعين.
2- أنكم ذكرتم المتن بالنص الآتي:( تعلمنا الإيمان ثم تعلمنا القرآن )أ.هـ بينما النص في رواية ابن مندة كالتالي: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ونحن غلمان حزاورة فتعلمنا الإيمان قبل أن نتعلم القرآن ثم تعلمنا القرآن فازددنا به إيمانا »أ.هـ.
3- أن مناط الحديث إنما هو بحق تعليم الغلمان -أي تحفيظ القرآن- ،وليس البحث العلمي كما فعلتم أنتم فجهلتم دلالة الحديث وجعلتموها في غير مناطها بقولكم:ثم تلقوا الألفاظ ليضبطوا بها تلك المعاني حتى لا تشذّ عنهم ، كما تبين من قول عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنه أ.هـ.
خامسا: قولكم: وهذا يتضمن بلاغ المعنى وأنه في أعلى درجات البيان ، فمن قال أنه لم يبلغ الأمة معاني كلامه وكلام ربه بلاغاً مبيناً ، بل بلغهم ألفاظه وتركهم في فهم معانيه على ما يذكره هؤلاء ، لم يكن قد شهد له بالبلاغ أ.هـ
قلت: قولكم هذا باطل باطل وهذا لا يحتاج إلى جهد في البحث لإثباته فهناك عشرات الألفاظ في كتاب الله تعالى لم يرد عن الرسول عليه الصلاة والسلام معنى لها يقول ابن جرير رحمه الله تعالى: أنّ مما أنزل الله من القرآن على نبيه صلى الله عليه وسلم، ما لا يُوصل إلى علم تأويله إلا ببيان الرسول صلى الله عليه وسلم.... وأنّ منه ما لا يعلم تأويله إلا الله الواحد القهار.... وأن منه ما يعلم تأويلَه كلُّ ذي علم باللسان الذي نزل به القرآن أ.هـ التفسير 1/74، وما بعدها.
سادسا: قولكم : الخلاصة – أخي الكريم- لابد من الالتزام بالنهج السديد الذي عليه أهل السنة والجماعة في إدراك معاني ألفاظ القرآن والحديث ، لا سيما الأسماء العظمى التي عليها مدار الديانة كالإيمان والإسلام والطاعة والعبادة وما يضادها كالكفر والشرك والظلم والمعصية أ.هـ
قلت: هذا حق فأي مسألة حصل فيها خلاف نردها إلى الله تعالى وإلى رسوله فإن لم نجد نردها إلى صحابته ثم علماء السلف ولكن هل يكون الرد إلى نص غير صريح على فهمكم أو على فهمنا؟ فإذا كان النص ليس صريحا في المسألة مدار البحث فبأي حق تلزمون غيركم بفهمكم؟ وأعود وأكرر إن المسألة في ابسط حالاتها كما يلي :هل تجوز طاعة الطاغوت أو الكافر وما وجه الاختلاف والاتفاق بينهما؟
فإن ورد نص من قرآن أو سنة فعلى الرأس والعين ولا نقول إلا سمعنا وأطعنا.
وإن ورد عن الصحابة فنقول على الرأس والعين فهم أعلم منا وأطهر قلوبا وأنقاها.
وإن ورد عن علمائنا المعتبرين المشهود لهم بالعلم والاستقامة فعلى الرأس والعين فمن بحارهم نغرف .
وأما إذا كان قول واجتهاد ممن هم في هذا العصر فلا نملك إلا أن نضرب به وجه الحائط.
سابعا:قولكم: التأصيل لمفهومِ الطاعة: المعني اللغوي للطاعة :جاء في القاموس المحيط: (طاع له يطوع ويطاع: انقاد، كانطاع،،، وفرس طوع العنان: سلس، والمطواع: المطيع).وفي لسان العرب: (الطوع : نقيض الكره ... وقال ابن سيده: وطاع يطاع وأطاع: لان وانقاد، وأطاعه إطاعة، وانطاع له، كذلك).أما في القرآن الكريم: فقد وردت مادة (طَ وَ عَ) في عشرات المواضع منه، ذات دلالات متقاربة، تعود في جملتها إلى المعنى اللغوي السابق.أ.هـ
قلت:

1- ها أنتم تفسرون اللفظ القرآني تفسيرا لغويا صرفا ولم تلتزموا تفسيرها بما ورد في القرآن أو السنة أو عن الصحابة ومن بعدهم علما بأن التفسير معناه: إظهار المعنى المعقول للفظ.
2- لم تكونوا أمناء في التقل فلم تذكروا من قول ابن منظور في لسان العرب ما يخالف مذهبكم مع أنه من معنى اللفظ وهو قوله: وفي التهذيب وقد طاع له يَطُوعُ إِذا انقاد له بغير أَلِف فإِذا مضَى لأَمره فقد أَطاعَه فإِذا وافقه فقد طاوعه... فإِذا جئت إِلى الأَمر فليس إِلاَّ أَطاعَه يقال أَمَرَه فأَطاعَه بالأَلف طاعة لا غير وفي الحديث هَوًى مُتَّبَعٌ وشُحٌّ مُطاعٌ هو أَن يُطِيعَه صاحبُه في منع الحقوق التي أَوجبها الله عليه في ماله وفي الحديث لا طاعةَ في مَعْصِيةِ الله يريد طاعةَ وُلاةِ الأَمر إِذا أَمرُوا بما فيه معصية..أ.هـ.فما ذكره ابن منظور واضح بين بأن الطاعة متعلقة بالأفعال وامتثالها ولم يرد إطلاقا ما يدل على ما ذهبتم إليه.
3- قررتم أن معنى الطاعة من مادة (طوع) في القرآن والتي جاءت في عشرات المواضع تعود في جملتها إلى المعنى اللغوي وأنتم قررتم أن الطريق الثاني في النظر إلى الألفاظ حسب القواعد اللغوية والنحوية من الابتداع المخالف لما عليه السلف فحكمتم على أنفسكم أنكم أول من يخالفون قواعدكم وأنكم من أهل الابتداع، وها أنتم تقرون بأن لفظ الطاعة ومشتقاته وردت في عشرات المواضع من كتاب الله تعالى ويعود معناه في الجملة إلى المعنى اللغوي وليس إلى المعنى الذي زعمتم أنه اصطلاحي.
4- الطوع نقيض الكره يعني أن من أطاع على مطلق اللفظ فقد أحب ، ومن كره لا يطيع على مطلق الطاعة ولذلك قال تعالى: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (آل عمران:31)، فدل على أن الحب مقيد بالإتباع وهو عمل ظاهر وليس بالباطن.
ثامنا : قولكم: أخي الكريم- كما رأيت فأن شيخنا الجليل (مجد الدين الفيروز أبادي) قد قرر أن معني الطاعة هو الانقياد وقد مثل لذلك بالفرس المنقادة أي السلسة الطيعة وهو بذلك لم يتوسع في تفاصيل الانقياد , لان الانقياد الذي هو معنى الطاعة ينقسم الى قسمين :
أ‌- إنقياد باطني بالقبول والرضي والدليل على ذلك قوله تعالى (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ) فصلت (11) فقوله تعالى (اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا) ذكر حالتين لفعل الإتيان وهو الإتيان مع الكره والاتيان مع الطوع وهو الرضي وهذا يدل على أن المخلوق قد يطيع على حالتين , حالة وهو راضي والاخرى قد يطيع وهو كاره ولكنه مغلوب (قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ) اي أتينا راضيتين مستسلمتين.
ب‌- إنقياد ظاهري بالجوارح كفعل الاتيان وغيره من الأفعال المأمور بها من قبل الآمر وقد تتحقق هذه الطاعة مع الكره وعدم القبول القلبي وهو ماعناه شيخنا (إبن منظور) في لسان العرب بقوله (الطوع : نقيض الكره), فأمر الله عزوجل للأرض والسماوات جاء بالتخيير إما بالطاعة والانقياد مع الرضي أو بالطاعة والانقياد مع الكره اي أن هناك انقياد ظاهري مع انقياد باطن وهو الرضي والقبول و أن هناك إنقياد ظاهري مع الكره وعدم القبول.أ.هـ
قلت:

1- لماذا الفيروز أبادي لم يتوسع في تفاصيل الانقياد؟ فلم تجيبوا على تساؤلكم وعدم توسعه ليس تقصيرا منه وإنما ما ذكره هو المقصود وليس من وراء ذلك شيء.بينما ذكر ابن منظور في لسان العرب ما نصه: وقد طاع له يَطُوعُ إِذا انقاد له بغير أَلِف فإِذا مضَى لأَمره فقد أَطاعَه فإِذا وافقه فقد طاوعه أ.هـ فبين أن الطاعة المضي لامتثال الأمر وموافقة الأمر وهذه متعلقة بأعمال الجوارح وهي معلومة ومشاهدة ومحسوسة يمكن إدراكها وأما انقياد القلب فهو غير محسوس ولا مشاهد ولا يمكن إدراكه إلا بدلالة الظاهر وهذا بينه عليه الصلاة والسلام بقوله: إلا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب أ.هـ متفق عليه، فصلاح القلب بانقياده واستسلامه لربه وإذا صلح بالانقياد ظهر ذلك على الجوارح فانقادت فصلاح الجوارح إنما هو دلالة على صلاح القلب،قال المناوي رحمه الله: إذا صلحت بفتح اللام انشرحت بالهداية ( صلح الجسد كله ) أي استعملت الجوارح في الطاعات لأنها متنوعة له أ.هـ فيض القدير3/423.
2- استدلالكم بقوله تعالى: ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ() في غير محل الاستدلال لأنكم قلتم : ذكر حالتين لفعل الإتيان أ.هـ فالآية تتحدث عن كيفية الإتيان ولا تتحدث عن الطاعة.
3- كون المخلوق يطيع على حالتين راضيا وكارها فعلى الحالتين يسمى طائعا فالكره والرضى علاقتهما علاقة قيد وليست من باب التفسير لأن تفسير الطاعة هو الانقياد ، فيقال انقاد كارها وأنقاد راضيا بمعنى أطاع كارها وأطاع راضيا فالكره والرضى لم تغير مدلول الطاعة ومعناها.
4- لقد حرفتم معنى الآية ولم تكلفوا أنفسكم بالرجوع إلى السلف وأعتمدتم على فهمكم فقوله تعالى: (اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا) ، ليس معناه الانقياد مع الرضى أو الكره فقوله (كَرْهًا) معناه مكرهاً وليس كارهاً فشتان بين المعنيين قال ابن كثير رحمه الله تعالى: فَقَالَ لَهَا وَلِلأرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا } أي: استجيبا لأمري، وانفعلا لفعلي طائعتين أو مكرهتين أ.هـ التفسير 4/118، قال أبو حيان الأندلسي رحمه الله تعالى: فإن قلت : ما معنى طوعاً أو كرهاً؟ ..... وانتصابهما على الحال بمعنى طائعتين أو مكرهتين أ.هـ .
5- إن الكره والرضا لا علاقة له بتغير الحكم فقد يعصي الإنسان وهو يكره فعله وكونه يكرهه ولا يرضاه لا يغير حكمه ، فالكره قد يأتي مصاحبا للإضطرار أو الإكراه أو بدونهما فالاضطرار بحق المعاصي دون الكفر والإكراه بحق فعل الكفر.
6- إن القبول ليس مرادفا للرضى فالرضا هنا تقييد آخر فقد يحصل القبول بالرضى وقد يحصل بدونه وعليه فإن الانقياد وهو الطاعة ليست مرادفة للقبول وإنما مقتضى الطاعة القبول -والاقتضاء وهو لازم الشيء الذي لا ينفك عنه لأن الطاعة كما سيأتي هي الامتثال للأمر- فمن امتثل للأمر لزم من ذلك القبول أما كونه يكره ذلك أو يرضاه أو أنه مكره (مغلوب) أو غير مكره فهذا أمر آخر لا علاقة له بالمعنى.
7- مَن مِن العلماء قرر قولكم هذا علما بأن الفيروز أبادي لم ينص على قولكم وما ذكرتموه خاص بكم لا يوجد لا في كتاب تفسير ولا كتاب شرح سنة ولا في كتاب لغوي فمن أين لكم هذا؟ وما أنتم إلا مقلدون لقول وجدتموه في كتاب حقيقة الإيمان لـ عبد المجيد الشاذلي من غير ولا تأصيل.
تاسعا: قولكم: المعني الإصطلاحي للطاعة :أخي الكريم- في بحثنا عن معني الطاعة الشرعي وجدنا أن لها معنيان المعني الأول:أ/ طاعة بمعني القبول والرضى الباطني (قبول التشريع) أ.هـ ثم أوردتم أدلة لا دلالة فيها على ما ذهبتم إليه فحرفتم الكلم عن مواضعه مع أن هذه الأدلة دلالتها ظاهرة على غير ما ذهبتم إليه ثم أين وجدتم هذا المعنى؟ ومن نص عليه ؟ وفي أي كتاب ؟، أما بخصوص ما زعمتم أنه أدلة على مذهبكم فإليكم بيانها:
قولكم الدليل الأول: قوله تعالى {وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله... } روى مسلم في صحيحه عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : " لما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم :{لله ما في السماوات والأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله}الآيات . اشتدّ ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم بركوا على الركب : أي رسول الله كلّفنا ما نطيق من الصلاة والصيام والجهاد والصدقة ، وقد نزلت عليك هذه الآية ولا نطيقها ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم : سمعنا وعصينا ، بل قولوا : " سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير" أ.هـ
قلت:
1- لم يكن عندكم أمانة في النقل فتلاعبتم في الحديث وأسقطتم منه ما يدل على خلاف ما ذهبتم إليه فرواية مسلم الصحيحة بلفظ: فقالوا أي رسول الله كلفنا من الأعمال ما نطيق الصلاة والصيام والجهاد والصدقة أ.هـ وقارنوا بين ما تحته خط وبين ما عندكم فقد حذفتم جملة (من الأعمال) والتي تدل دلالة قطعية على أن الطاعة هي الأعمال الظاهرة من صلاة وصيام وغيرها أي تنفيذ الأمر وامتثاله بالإتيان به..ويقرر ذلك أيضا ما رواه ابن حبان في صحيحه بلفظ: وقالوا : لا نطيق لا نستطيع كلفنا من العمل ما لا نطيق ولا نستطيع أ.هـ
2- وجه الدلالة هنا مخالف لما قررتموه وهو أن الصحابة رضي الله عنهم فهموا منها أنها تفتضي العمل بامتثال الأمر فقوله تعالى: وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللّهُ الآية متعلق بحديث النفس سواء أظهر ذلك أو أخفاه فإنه محاسب عليه ففهم الصحابة أن ذلك يقتضي عملا منهم وأنهم مأمورون بعدم حديث النفس مما يوسوس به الشيطان وهذا في غير مقدورهم وإنما يقدرون على عدم إظهاره وإنكاره في أنفسهم ويدل على هذا ما أخرجه الطبراني في المعجم الكبير بلفظ: قال ابن عمر : إنا نؤاخذ بما توسوس به أنفسنا أ.هـ.
3- الحديث يدل على أن الصحابة لم يكونوا يعلمون من الطاعة إلا العمل الظاهر ويوضح رواية مسلم ما رواه الإمام أحمد في مسنده بسند صحيح بلفظ: وقالوا يا رسول الله هلكنا إن كنا نؤاخذ بما تكلمنا وبما نعمل فأما قلوبنا فليست بأيدينا فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قولوا سمعنا وأطعنا قالوا سمعنا وأطعنا أ.هـ، ففهم الصحابة أن الأوامر الشرعية متعلقة بالأفعال الظاهرة ,أما ما في القلوب فهذا لا يمكن السيطرة عليه ولذلك كان قولكم : وقد تتحقق هذه الطاعة مع الكره وعدم القبول القلبي أ.هـ مخالف لمذهب الصحابة رضي الله عنهم بأن الطاعة في الظاهر دليل على الأمر القلبي ، والرسول عليه السلام لم يكتف بمجرد قبولهم الباطني وإنما أمرهم بأن يعلنوا ذلك قولا وهو عمل ظاهر وهذا نص الرواية : فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قولوا سمعنا وأطعنا قالوا سمعنا وأطعنا أ.هـ ، فلما قال لهم قولوا سمعنا وأطعنا لم يكتفوا بالقبول الباطني لأنهم يعلمون أن الأمر هو تنفيذ الفعل فقالوا بألسنتهم ولأنهم يعلمون أن تنفيذ الأمر دلالة على القبول الباطني لم يتوانوا عن التلفظ لإثبات أنهم قبلوا .
4- إن تأصيلكم هذا إنما هو مذهب الإرجاء وهو إخراج العمل من الإيمان وتعليق الأحكام بالأمور القلبية الباطنة.
5- لم تلتزموا منهج السلف بالرجوع إلى أهل العلم بالتفسير لمعرفة حقيقة هذا الأمر وهذا لأنكم قررتم شيئا دون بحثه مسبقا وبقي حظ النفس عندكم فلم تبحثوا المسألة بحثا علميا صحيحا فأولتم الأدلة إلى رأيكم فحرفتموها وبنظرة إلى أقوال علماء التفسير يتبن لنا جليا أن الآية مخافلة لما ذهبتم إليه :
يقول ابن جرير رحمه الله تعالى: القول في تأويل قوله تعالى : { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا()، .. وأما قوله:(واسمعوا)، فإن معناه: واسمعوا ما أمرتكم به وتقبلوه بالطاعة، كقول الرجل للرجل يأمره بالأمر:"سمعت وأطعت"، يعني بذلك: سمعت قولك، وأطعت أمرك أ.هـ التفسير 2/356.
انظروا إلى قول ابن جرير شيخ المفسرين ما نصه: وتقبلوه بالطاعة، وفسره بقوله: وأطعت أمرك أ.هـ وتقبل الشيء بالطاعة هي الامتثال للأمر بالإتيان به عملا، دليل على قبول التكليف.
وقال أيضا: القول في تأويل قوله تعالى : { وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285) }قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: وقال الكل من المؤمنين:"سمعنا" قول ربنا وأمره إيانا بما أمرنا به، ونهيه عما نهانا عنه ="وأطعنا"، يعني: أطعنا ربنا فيما ألزمنا من فرائضه، واستعبدنا به من طاعته، وسلمنا له أ.هـ التفسير6/127.
فهذا شيخ المفسرين يبين بنص صريح أن المقصود من الطاعة العمل بخلاف ما ذهبتم إليه وتلاعبتم برواية مسلم تلبيسا وتضليلا وكتمانا للحق.

عاشرا: قولكم:الدليل الثاني :قوله تعالى :قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن تولوا فان الله لا يحب الكافرين (). فجعل الله تبارك وتعالى في هذه الآية التولي عن طاعته وطاعة رسوله كفراً ، وخروجاً عن دائرة الإسلام ، فليس المقصود بطاعة الله وطاعة الرسول في هذه الآية العمل بالأوامر والإجتناب للنواهي ، وإنما هو قبول التكليف ، فمن رد التكليف فهو كافر.يقول :الحافظ ابن كثير في تفسير الآية :( فدل على أن مخالفته في الطريقة كفر والله لا يحب من اتصف بذلك ) انتهى.أ.هـ
قلت:
1- الآية تتحدث عن طاعة الله وطاعة الرسول وليس عن طاعة الطاغوت أو الكافر ولكنكم هنا تخالفون إجماع علماء الأمة بقياسكم الباطل وهو قياس طاعة الطاغوت والكافر على طاعة الله وطاعة رسوله فأنتم تساوون بين المأمور به والمنهي عنه وقد ذكرت أقوال العلماء بأن هذا قياس فاسد ومسلك أهل البدع والضلال.
2- لأن منهجكم عدم سلوك منهج السلف في تقرير المسائل الشرعية واعتمادكم على آرائكم المجردة وتحريفكم للنصوص وبترها لموافقة أهوائكم لم تلتزموا الأمانة العلمية في النقل فما ذكرتموه من قول ابن كثير رحمه الله تعالى مع أنه لا يوافق مذهبكم إلا أنكم بترتم كلامه الصريح الذي يدل على الطاعة هنا وأن المقصود منها العمل بالأوامر والنواهي وهاكم قوله كاملا غير مبتور:{ قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا } أي خالفوا عن أمره { فإن الله لا يحب الكافرين } فدل على أن مخالفته في الطريقة كفر والله لا يحب من اتصف بذلك وإن ادعى وزعم في نفسه أنه محب لله ويتقرب إليه حتى يتابع الرسول النبي الأمي خاتم الرسل ورسول الله إلى جميع الثقلين : الجن والإنس الذي لو كان الأنبياء بل المرسلون بل أولو العزم منهم في زمانه ما وسعهم إلا اتباعه والدخول في طاعته واتباع شريعته أ.هـ التفسير 1/477.
3- أما مخالفته في الطريقة فهذا يدل على الفعل والهدي الظاهر والباطن ولا يدل بحال على ما ذهبتم إليه.
وأنظروا إلى قوله: خالفوا أمره ا.هـ، وهذا لا يكون إلا بالعمل .
وانظروا إلى قوله أيضأ: إلا اتباعه والدخول في طاعته واتباع شريعته أ.هـ.
فأين قول ابن كثير رحمه الله تعالى الصريح الذي لا يحتمل إلا معنى واحد وهو ما ذهبتم إليه ؟ فحقيقةً لا يوجد إلا في أذهانكم وما دام أنه لم يذكر مسألة الخلاف بقول صريح فلا يستأنس به .
4- هذه الآية نزلت بحق نصارى نجران قال ابن جرير رحمه الله تعالى: قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : قل يا محمد لهؤلاء الوفد من نصارى نجران : أطيعوا الله والرسول محمدا فإنكم قد علمتم يقينا أنه رسولي إلى خلقي ابتعثته بالحق تجدونه مكتوبا عندكم في الإنجيل فإن تولوا فاستدبروا عما دعوتهم إليه من ذلك وأعرضوا عنه فأعلمهم أن الله لا يحب من كفر فجحد ما عرف من الحق وأنكره بعد علمه أ.هـ التفسير 3/233.
5- تسلكون هنا أيضا مسلك غلاة الإرجاء بإخراج العمل من الإيمان وجعلتم الإيمان فقط هو القبول القلبي ففسرتم طاعة الله وطاعة رسوله بالقبول دون العمل، فجعلتم أوامر الله وأوامر رسوله فارغة من المضمون العملي وهذا ما لم يقبله الله تعالى من إبليس عندما أمره بالسجود والأمر بالسجود هل المراد منه القبول فقط ؟كلا وألف كلا لأن الله تعالى يرد عليكم بقوله: إلا إبليس لم يكن من الساجدين () فهذا دليل على أن امتثال الأمر دليل الإقرار والرضى والتسليم الباطني وأنهما متلازمان وهذا ما نفيتموه وخالفتم قول الله تعالى فهل هذا منهج الحق والسلف الصالح.فالله تعالى لم يسأله هل قبلت أم لم تقبل ؟ وإنما سأله بقوله: ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك () أي: ما منعك أن تطيع بالسجود ,فالأمر يقتضي الطاعة من المأمور وهي تنفيذ الفعل.
حادي عشر: قولكم:الدليل الثالث :قال تعالى : وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله().أ.هـ
قلت:
1- إن منهجكم في هذا البحث كان متصفا ببتر الأدلة وإيراد ما يوافق أهواءكم وآراءكم المجردة وكان الأولى بكم أن توردوا الآية كاملا وإيراد سبب النزول أوليس هذا ما جعلتموه أصلا في التعامل مع الأدلة وكنتم أول من خالفه فالآية كاملة هي : وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً (النساء:64).فهذه الآية نزلت في المنافقين الذين تحاكموا إلى الطاغوت ولم يرضوا بحكم الرسول عليه السلام وعدم رضاهم كان بعدم تنفيذهم لما حكم به فدل على أن عدم طاعته في تنفيذ الحكم دليل على عدم رضاهم بحكمه فثبت أن الطاعة وهي امتثال الأمر ( تنفيذه) لازم للقبول ،قال ابن جرير رحمه الله تعالى: ما أرسلت رسولا إلا فرضت طاعته على من أرسلته إليه فمحمد صلى الله عليه وسلم من أولئك الرسل فمن ترك طاعته والرضى بحكمه واحتكم إلى الطاغوت فقد خالف أمري وضيع فرضي أ.هـ تفسير الطبري4/159.
أنظر إلى قوله : فمن ترك طاعته والرضى بحكمه أ.هـ كيف فرق بين الطاعة والرضى بـ واو العطف ومعلوم أن واو العطف تقتضي المغايرة بين المعطوف والمعطوف عليه.
2- أنتم ذكرتم قول البيضاوي رحمه الله تعالى وفيه وهو محل الشاهد: وتقريره أن إرسال الرسول لمـّا لم يكن إلا ليطاع كان من لم يطعه ولم يرض بحكمه لم يقبل رسالته ومن كان كذلك كان كافراً مستوجباً للقتل)ا.هـ.
فحالكم أينما وجدتم لفظ قبل ويقبل وقبول طرتم بها بغض النظر عن وضعها وتعلقها بالنص فانظروا إلى قوله: كان من لم يطعه ولم يرض بحكمه لم يقبل رسالته أ.هـ، وهو كلام صريح لا يحتمل إلا معنى واحدا وهو أنه جعل من لم يطعه ولم يرض بحكمه دلالة على عدم القبول وهنا فرق رحمه الله تعالى بين الرضى وبين القبول فأنتم هنا تذكرون ما هو مخالف لمذهبكم دون أن تعلموا فإذا كنتم توردون الأدلة وهي ضدكم وتجعلونها موافقة لمذهبكم فلا أدري إي قواعد علمية وشرعية تتعاملون بها.
3- قولكم : فانظرـ هداك الله أخي الكريم ـ كيف فسر الإمام البيضاوي الطاعة الواردة في الآية إذ جعلت بأن الهدف من الرسالة وغايتها هي الرضي بحكم الرسول ، فمن لم يرض بحكم الرسول وأبى قبول فرائضه فهو منسلخ عن الرسالة كافر بها ، وإن ادعى الإيمان بها بلسانه، واعترف بصدقها وصحتها .أ.هـ.
قلت: أنظروا كيف تتلاعبون بالأدلة وبأقوال العلماء وتحرفونها وتلوونها ليا فأين فسر الطاعة على قولكم؟ فأنتم تجهلون معنى التفسير وتجهلون كيف تفسرون الأقوال تفسيرا علميا حسب القواعد الصحيحة فكلامه هنا ليس تفسيرا فلم يقل إن الطاعة هنا هي عدم الرضى وعدم القبول وإنما بين أن عدم القبول دلالته أمران هما عدم الطاعة وعدم الرضى فنص قوله هو : من لم يطعه ولم يرض بحكمه لم يقبل رسالته أ.هـ ، وهذا يعني :من لم يطعه لم يقبل رسالته ومن لم يرض بحكمه لم يقبل رسالته إلا أذا كنا لا نفقه اللغة العربية وأسلوب الخطاب بمعنى أنكم أعاجم لا تدرون اسلوب الخطاب اللغوي وتفسرونه على هواكم دون ضوابط وقواعد ، فجملة لم يقبل رسالته جواب الشرط لقوله من لم يطعه ولم يرض بحكمه، فوجود المشروط مرتبط بالشرط فإذا وقع الشرط وقع المشروط والعكس فلا أملك إلا أن أقول عجبا لكم كيف تتصدرون للفتيا وأنتم لا تتقنون ورود الخطاب وصدوره.
ثاني عشر: قولكم: الدليل الرابع :قال سبحانه وتعالى : {ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون}أ.هـ
قلت :
1- هذه الآية نزلت ولها صورة سبب نزول وخصوص سبب النزول أعم من صورة السبب وعموم اللفظ أعم من صورة وسبب النزول، والقاعدة الأصولية تقول : العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب فهي خاصة بتحليل الميتة عامة بالتشريع والقرينة في الآية قوله تعالى: وإن الشياطين ليوحون الآية ، فهناك وحي الله تعالى ( تشريع الله ) وهناك وحي الشياطين تشريع غير الله تعالى ومعلوم أن التشريع لا ينحصر في التحريم والإباحة وإنما يتعلق بالأحكام الخمسة وهي : الوجوب والتحريم والكراهة والاستحباب والإباحة التكليفية والوضعية.
فالتشريع هو:خطاب الشارع للمكلفين بالاقتضاء والتخيير والوضع أ.هـ وهذا محل اتفاق بين الأمة.
فالتشريع الاسلامي( وهو وحي الله تعالى): خطاب الله تعالى وخطاب رسوله عليه الصلاة والسلام للمسلمين الذين أعلنوا إقرارهم ورضاهم وتسليمهم وعزمهم على التنفيذ لهذا الخطاب ورفضوا خطاب غيره وهو بصيغة الأمر على سبيل الوجوب والتحريم والاستحباب والكراهة والاباحة(التحليل) بنوعيه التكليفي والوضعي فهناك:
وجوب تكليفي ووجوب وضعي واستحباب تكليفي واستحباب وضعي.
وتحريم تكليفي وتحريم وضعي وكراهة تكليفية وكراهية وضعية.
وتحليل وضعي.
والتشريع الطاغوتي (وهو وحي شياطين الإنس والجن):وهو خطاب غير الله تعالى وغير رسوله عليه الصلاة والسلام لمن هو تحت سلطانهم ( وهذا الخطاب إنما استندوا به إلى الحكم القدري وهو أن آتاهم الله سبحانه وتعالى الملك والجاه ) على سبيل الوجوب والتحريم والإباحة التكليفية والوضعية علما بأن الأصل عندهم في الأشياء التحريم – بخلاف الحكم الرباني وهو الأصل في الأشياء الإباحة_وعليه فأحكامهم في مجملها وضعية وأما بخصوص الأحكام التكليفية فهي بحق من دخل في طاعتهم وأصبح من جنودهم.والطاغوت يخاطب غيره على اعتبار أنه آمر وهم مأمورون وأنهم أتباع وهو متبوع وعلى اعتبار أنه حاكم وهم محكومون له.
وعليه فالمسلم من رفض خطابهم جملة وتفصيلا بترك العمل بها وامتثالها، لأنه غير مخاطب به ولا علاقة له به وكونه موحد أي:أن مصدر وجهة الخطاب في حياته واحدة وهي من الله تعالى ومن رسوله عليه الصلاة والسلام وتوحيد مصدر وجهة الخطاب لا يتحقق إلا بنفي سواه .
هذا التوضيح كان لزاما علي إيراده حتى تكونوا على بينة مفصلة للقاعدة التي تبنى عليها المسائل الشرعية.
2- لكي نفهم حقيقة هذه الآية خاصة عند من لا يعلم كيفية وطرق فقه التعامل مع النصوص لا بد من دراسة النص كاملا ليكون الفهم مبني على الألفاظ السابقة واللاحقة كاملا غير منقوص لأن النقص في الفهم يؤدي إلى نقص في المراد من حقيقة النصوص وعليه: فصورة سبب النزول هي مجادلة المشركين للمسلمين في أكل الميتة والتي خرجت من أصل الإباحة بنص شرعي إلى التحريم فأراد المشركون بالجدال أن يعيدوها إلى الأصل وهو الإباحة بموجب قياس فاسد مقابل النص وهذا القياس سماه الله تعالى وحي الشياطين وهو الرد إلى الأمر والحكم القدري -مع أنه رد إلى الله تعالى-مقابل الأمر والحكم الشرعي، فإذا كان معارضة النص- الأمر والحكم الشرعي- بالأمر والحكم القدري وكلاهما من الله سبحانه وتعالى شركا،فكيف بمن عارض الأمر والحكم الشرعي بالقياس الفاسد لمصلحة دنيوية أو هوى أو غير ذلك ، وهو كفعل إبليس عندما لم ينفذ الأمر بالسجود بالقياس الفاسد مقابل النص وهو الأمر الصريح، فهو عارض الأمر الشرعي استنادا إلى الأمر القدري وهو : أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين().
والناس إما مسلم (وهو المؤمن بالله واليوم الآخر) الذي يرد أقواله وأفعاله إلى الله تعالى وإلى رسوله عليه السلام لقوله تعالى:يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (النساء:59).
فالخطاب للمؤمنين وهم الذين يطيعون الله ويطيعون رسوله في حياتهم كلها فهم قبل النزاع متفقون وهذا لا يكون إلا على طاعة الله وطاعة رسوله فإن تنازعوا فهم أيضا متفقون على الرد إلى الله تعالى وإلى رسوله عليه الصلاة والسلام فالاتفاق بالرد إلى الله وإلى رسوله قبل النزاع وبعده شرط الإيمان بالله واليوم الآخر.
وإما مشرك وهو الذي لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر -وهو مفهوم المخالفة من الآية السابقة- الذي يرد شيئا من أمور حياته إلى غير الله تعالى وغير رسوله قبل النزاع مع الآخرين- لأنه سيكون متفقا معهم على الرد إلى نفس المصدر- أو بعد النزاع مع الآخرين.
وهذا تفصيل لا بد منه لنكون على بينة مما نقول ونأتي الآن إلى إتمام الحديث على بيان حقيقة آية الأنعام مبنيا على ما تقدم:
فالخطاب موجه إلى مسلمين يعتبرون أنفسهم غير مخاطبين بغير شرع الله يردون أمورهم إلى الله تعالى وإلى رسوله عليه السلام وبما أنهم في بداية الدعوة والأصل في الأشياء عندهم الإباحة ويفعلونها بناء على هذا الأصل فكانوا قبل نزول النص بتحريم الميتة ربما يأكلها بعضهم بناء على الأصل وهو الإباحة فلما نزل نص التحريم امتنعوا عن أكلها طاعة لله تعالى فالنهي المقصود منه الفعل وهو عدم الأكل أما قبول حكم التحريم (على اصطلاحكم)فهذا الأمر قد انعقد منذ لحظة دخولهم الاسلام لأن عقد الاسلام هو القبول والإقرار والرضى والتسليم بتكليف الله تعالى مسبقا لأي حكم يصدر عن الله تعالى أو عن رسوله عليه السلام والعزم على تنفيذ الفعل فالقبول حاصل والرضى حاصل والعزم على التنفيذ حاصل لأن هذا هو عقد الإيمان وإذا تخلف أحدها انتفى الإيمان فلم يبقى إلا التنفيذ وعليه فإن الطاعة المطلوبة هي امتثال الأمر بالإتيان بالفعل على الوجه الذي يبينه الله تعالى ويبينه رسوله ولذلك كان الخطاب للمسلمين بـ يا أيها الذين آمنوا أي: يا أيها الذين قبلتم شرع الله تعالى ورضيتم به وعزمتم على تنفيذه أفعلوا كذا أو انتهوا عن كذا ولذلك لما نزل قوله تعالى في الخمر : فهل أنتم منتهون () قال الصحابة رضوان الله عليهم دون انتظار أو تفكير انتهينا انتهينا ولم يقولا قبلنا قبلنا وهكذا كان حالهم مع كل أمر يوجه إليهم من الله تعالى أو من رسوله عليه الصلاة والسلام قال القرطبي رحمه الله تعالى: وقوله:إن كنتم بآياته مؤمنين() أي بأحكامه وأوامره آخذين فإن الإيمان بها يتضمن ويقتضي الأخذ بها والانقياد لها أ.هـ التفسير 7/65.وبالمقابل فإن عقد الإيمان مع الله تعالى بخصوص شرع الطاغوت مهما كان عدم قبوله وعدم الرضى به وعدم العزم على تنفيذه فافهموا هذا .
هؤلاء المسلمون بهذا العقد الإيماني يعيشون بين مشركين غير داخلين في طاعتهم ولا يتعاملون معهم بناء على ما يردونه إلى شريعة طواغيتهم ، علم هؤلاء المشركون بتحريم الميتة فجاؤوا إلى من علموا بإسلامهم فجادلوهم أي: عرضوا عليهم حججهم محاولين إقناعهم فقالوا لهم : ما ذبحتم بسكين من حديد تأكلونه وما ذبح الله بسكين من شمشير لا تأكلونه فكان جواب هؤلاء المسلمين :أن عقد إيماننا قبول شرع الله والرضى به والعزم على تنفيذه وما دام الله تعالى أحل هذا وحرم هذا فما علينا إلا التنفيذ، وبالعودة إلى الآية الكريمة قوله تعالى: ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه () فهنا الأمر بالنهي عن فعل الأكل مما لم يذكر اسم الله عليه فالمطلوب هو طاعة الأمر بتنفيذ الفعل (عدم الأكل)، قوله تعالى: وإنه لفسق ، أي: أكل ما لم يذكر اسم الله عليه فسق -معصية وخروج عن الحق- وهذا حكم الأكل المجرد ، ثم يأتي النص لبيان حالة أخرى وهو قوله: وإن الشياطين ليحون إلى أوليائهم ليجادلوكم() أي: إن المشرعين غير ما شرعه الله تعالى يوحون إلى أتباعهم ليفاوضوكم على سبيل المنازعة والمغالبة أن أكل الميتة هو طاعة لله لأنه هو ذبحها كما أنكم تعتبرون أكل ما ذبحتم طاعة لله أيضا روى ابن جرير بسند صحيح عن ابن عباس رضي الله عنه قال : جادل المشركون المسلمين فقالوا : ما بال ما قتل الله لا تأكلونه وما قتلتم أنتم أكلتموه ! وأنتم تتبعون أمر الله ازهـ فيأتي حكم هذه الحالة بقوله: وإن أطعتموهم إنكم لمشركون () أي:إن أكلتم الميتة بناء على مجادلتهم فأنتم مشركون().
قال ابن كثير رحمه الله تعالى: وقوله تعالى : { وإن أطعتموهم إنكم لمشركون } أي حيث عدلتم عن أمر الله لكم وشرعه إلى قول غيره فقدمتم عليه غيره فهذا هو الشرك أ.هـ التفسير 2/227.
وقال الزمخشري : إنكم لمشركون " لأن من اتبع غير الله تعالى في دينه فقد أشرك به أ.هـ الكشاف 1/376.
وقال الشوكاني : وإن أطعتموهم: فيما يأمرونكم به وينهونكم عنه { إنكم لمشركون } مثلهم أ.هـ فتح القدير 2/228.
قال البغوي: وإن أطعتموهم } في أكل الميتة { إنكم لمشركون } قال الزجاج : وفيه دليل على أن من أحل شيئا مما حرم الله أو حرم ما أحل الله فهو مشرك أ.هـ التفسير 1/183.
وقال البيضاوي: { وإن أطعتموهم } في استحلال ما حرم { إنكم لمشركون } فإن من ترك طاعة الله تعالى إلى طاعة غيره واتبعه في دينه فقد أشرك أ.هـ التفسير1/448.فاستحلال ما حرم الله تعالى أي جعله حلالا له ثلاثة صور :
الأولى: إما بالقلب وهذا قد يصاحبه فعل وقد لا يصاحبه فعل وهذا غيب لا يعلمه إلا الله تعالى ولسنا مطالبين بالبحث عنه لأن الأحكام عندنا على الظاهر .
الثانية:وإما بالفعل بأن يفعل ما حرم الله تعالى بناء على تأويل مقابل النص الصريح أو بناء على قول من يستحلها.
الثالثة:وإما بالقول بأن يقول عما حرمه الله تعالى أنه حلال.
وكلام العلماء رحمهم الله تعالى لا يخرج عن هذه وكلها مذكورة في أقوالهم فالاختلاف في أقوالهم هو من باب اختلاف التنوع .
3- إن المجادلة التي حصلت من المشركين إنما على أكل الميتة بدليل ما رواه ابن جرير بسند صحيح عن ابن عباس قوله: جادل المشركون المسلمين فقالوا : ما بال ما قتل الله لا تأكلونه وما قتلتم أنتم أكلتموه ! وأنتم تتبعون أمر الله أ.هـ فهذا قول ابن عباس وأنتم تقولون ما نصه: لان مجادلة المشركين للمسلمين لم تكن بهدف أكل الميتة أ.هـ وبنفس الوقت تنقلون أقوالا تثبت أن المجادلة من أجل أكل الميتة وهي: عن ابن عباس في قوله : {وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم} يقولون ما ذبح الله فلا تأكلوه وما ذبحتم أنتم فكلوه فأنزل الله :{ولا تأكلوا مما لم يذكر الله عليه} ورواه ابن ماجه وابن أبي حاتم عن عمرو بن عبد الله عن وكيع عن إسرائيل به وهذا إسناد صحيح، وكذلك:عن ابن عباس {ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه} إلى قوله {ليجادلوكم} قال يوحي الشياطين إلى أوليائهم تأكلون مما قتلتم ولا تأكلون مما قتل الله ؟ فعجبا لكم تنكرون ما تثبتونه، فانتم تخالفون قول ترجمان القرآن لأن المشركين يريدون من المسلمين أكل الميتة على اعتبار أن قولهم صحيح وهذه أحدى صور الاستحلال وهي اتباع غير شرع الله تعالى،وأكل الميتة بناء على مجادلة المشركين كسبب نزول لا يجعل الآية خاصة بها وإنما عامة بفعل المحرم أو بعدم فعل الحلال بناء على شرعة المشركين- أوامرهم ونواهيهم- ويدل على أن المسلم لا يسمع من المشركين ويبدي رفضه لفعل ما حرمه الله ورسوله أو عدم فعل ما أحله الله ورسوله أما أن يكون المسلم تابع للمشركين في تشريعاتهم ممتثلا لأوامرهم ونواهيهم دون إكراه فهذا ليس بمسلم وقد نص العلماء على هذا العموم كابن كثير والشوكاني والزمخشري والبيضاوي وهي نصوص صريحة .
3- قول القرطبي الذي ذكرتموه مع قول ابن العربي وهو : قوله تعالى : { وإن أطعتموهم } أي في تحليل الميتة { إنكم لمشركون } فدلت الآية على أن من استحل شيئا مما حرم الله تعالى صار به مشركا وقد حرم الله سبحانه الميتة نصا فإذا قبل تحليلها من غيره فقد أشرك قال ابن العربي : إنما يكون المؤمن بطاعة المشرك مشركا إذا أطاعه في الاعتقاد فأما إذا أطاعه في الفعل وعقده سليم مستمر على التوحيد والتصديق فهو عاص فافهموه أ.هـ، فيه :
أ‌- إن الآية تتحدث عن أكل الميتة بنص صريح كما ثبت ذلك عن ابن عباس رضي الله عنه ولا تحتاج إلى تأويل، والقرطبي رحمه الله تعالى من الراسخين في العلم ولا يخفى عليه ذلك ولا يمكن أن يقول بغير ذلك.
ب‌- سبق من أقوال العلماء اختلاف التنوع بينهم حيث ذكر كل واحد بعض صور وكيفية الاستحلال وذكر بعضها لا ينفي البعض الآخر فالقرطبي رحمه الله تعالى ذكر تحليل الميتة بشكل عام وهو ما يدل عليه عموم اللفظ ولم يبين كيفية هذا التحليل وخاصة أن سبب النزول وصورته يبين أحدى هذه الصور وهي الأكل بناء على مجادلة المشركين على اعتبار الحجج باستخدام القياس الفاسد الذي هو شرعة المشركين في مقابلة الشرع الحكيم ، وأشد من ذلك من أكل الميتة بناء على قول المشركين دون مجادلة، والعبرة بعموم اللفظ وهو فعل ما حرم الله ورسوله أو عدم فعل ما أحله الله ورسوله بناء على شرع الطاغوت أو أوامر ونواهي المشركين التي يردونها إلى شرائعهم الباطلة.
ت‌- ذكر القرطبي لقبول التحريم لا يعني تقييده بالقلب فهذا لا يعلمه إلا الله تعالى ولا نستطيع أن نحكم بناء عليه وقبول التحليل مطلق وليس مقيد فمن قبل ربما لا يأكل ومن قبل ربما لا يرضى ومن رضي ربما لا يأكل ولا يقبل وهذه كلها أمور باطنية لا نطلع عليها ولكن القبول عام يشمل القول والفعل فمن قال بلسانه الميتة حلال ولو لم يأكل وحتى لو كان مازحا فإنه يكفر وكذلك يكون القبول بالأكل بناء على مجادلة المشركين أو أوامرهم دون إبداء رفضها أو بفعلها بناء على إذنهم أو أمرهم أو ما شابه ذلك.
ث‌- بالنسبة لقول ابن العربي وقول العلماء عموما فأقوالهم ليست معجزة أو أنها جوامع الكلم بمعنى أنه لا يتعامل معها كما يتعامل مع النصوص القرآنية والنبوية من حيث العموم والخصوص والإطلاق والتقييد والإجمال والمحكم والمتشابه وإنما أقوالهم تكون متضمنة لطبيعة مجتمعهم ودرجة المستوى العلمي في ذلك العصر وبناء على ما يتصوره من صورة لما يتكلم عنه .
فابن العربي من الأندلس عاش في واقع إسلامي الأصل فيه أن العزة للمسلمين والكلمة لهم وأن المشركين عندهم ليس لهم سلطان أو حتى ربما جرأة على أن يظهروا شعائرهم-بخلاف الواقع الذي نزلت فيه الآية_ فلذلك سيتعاملون مع المسلمين من هذا المنطلق فالمشرك في هكذا مجتمع لا يكون قوله للمسلم من باب الأمر والنهي ولا أن المسلم داخل تحت طاعته ولا في سلطانه لأن صيغة الأمر التي تتعلق بها الأحكام هي :
1- الأمر وهو صيغة طلب الفعل على سبيل الإلزام والاستعلاء وهذا هو الوجوب أي أن صيغة الطلب فيها وجوب على المقول له وهذه الصورة قطعا غير موجودة في الواقع الإسلامي وعليه فطاعة المسلم للمشرك على الوجوب غير حاصلة.
2- الدعاء وهي صيغة طلب الفعل من الأدنى إلى الأعلى وهذا يعرف بقرائن الحال كالطلب من ذوي السلطان أو الجاه وهذه الصورة أيضا لم تكن في واقع ابن العربي رحمه الله تعالى لأن هذه الصورة صورة التذلل والمسكنة فإذا كانت من مسلم لمشرك فهو قد جعل العزة للمشرك وعارض قول الله تعالى وجعل المشرك أعلى من المسلم وخالف وعاند قول الله تعالى : َولَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً( النساء: 141).فالله تعالى ينفي يصيغة الجزم أن يجعل للكافرين على المؤمنين سبيلا ومعلوم أن سبيلا نكرة والنكرة في سياق النفي تدل على العموم أي السبيل القدري والسبيل الشرعي:
-
أما السبيل القدري فهو الاستئصال قال ابن كثير رحمه الله تعالى: يحتمل أن يكون المعنى ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا أي في الدنيا بأن يسلطوا عليهم استيلاء استئصال بالكلية وإن حصل لهم ظفر في بعض الأحيان على بعض الناس فإن العاقبة للمتقين في الدنيا والاخرة أ.هـ التفسير 1/754.وهذا الأمر ثابت تدل عليه نصوص قرآنية كثير وأحاديث نبوية منها الحديث الصحيح فعن شداد بن أوس رضي الله عنه :..... وأني سألت ربي عز وجل لا يهلك أمتي بسنة بعامة وان لا يسلط عليهم عدوا فيهلكهم بعامة وان لا يلبسهم شيعا ولا يذيق بعضهم بأس بعض وقال يا محمد اني إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد وأني قد أعطيتك لامتك ان لا أهلكهم بسنة بعامة ولا اسلط عليهم عدوا ممن سواهم فيهلكوهم بعامة .. الحديث أ.هـ رواه الإمام أحمد وأصله في صحيح مسلم ورواه ابن خزيمة والحاكم في المستدرك.
فعموم السبيل القدري هو الذي نفاه الله تعالى مخصوص بما قدره الله تعالى وجعله على المؤمنين من قتلهم من قبل المشركين وأسرهم وأخذ أموالهم وهذا لا يحتاج إلى ذكر أدلة فهو معلوم من الدين بالضرور.
أما السبيل الشرعي فهو عام متعلق:
أولا: بإقامة الحجة الشرعية على المؤمنين من المشركين يقول القرطبي رحمه الله تعالى وغيره من المفسرين: إن الله سبحانه لا يجعل للكافرين على المؤمنين سبيلا شرعا فإن وجد فبخلاف الشرع، الخامس - { ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا } أي حجة عقلية ولا شرعية يستظهرون بها إلا أبطلها ودحضت أ.هـ التفسير 5/396.
ثانيا: أو أن يشرع الله تعالى في كتابه أو على لسان رسوله ما فيه ولاية للمشركين على المؤمنين ولا يشوش على ذلك زواج الكافر من المؤمنة لأن هذا في بداية الدعوة وهو الأمر الذي استقرت الشريعة على نسخه وآية النساء مدنية كما أن آية الممتحنة وآية البقرة مدنيتان.
قال ابن كثير رحمه الله تعالى: وقد استدل كثير من العلماء بهذا الآية الكريمة على أصح قولي العلماء وهو المنع من بيع العبد المسلم للكافر لما في صحة ابتياعه من التسليط له عليه والإذلال ومن قال منهم بالصحة يأمره بإزالة ملكه عنه في الحال لقوله تعالى : { ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا }أ.هـ التفسير /754.
قال البيضاوي رحمه الله تعالى:واحتج به أصحابنا على فساد شراء الكافر المسلم أ.هـ التفسير 1/269.
وانظروا إلى فقه العلماء رحمهم الله تعالى ونظرهم في النصوص باستخراج المسائل الدقيقة فهل يغفلون عن قضية عليها مدار الإسلام ويتركونها للإجتهاد ومن ذلك مسألتنا هذه قال الألوسي رحمه الله تعالى: واحتج الشافعية بالآية على فساد شراء الكافر العبد المسلم لأنه لو صح لكان له عليه يد وسبيل بتملكه ونحن نقول : يصح ولكن يمنع من استخدامه والتصرف فيه إلا بالبيع والإخراج عن ملكه فلم يحصل له سبيل عليه أ.هـ روح المعاني 5/175.
فإذا كان الشرع لم يجعل للكافر الذي ملك العبد المسلم بشرائه من ماله الذي ملكه ملكا صحيحا استخدامه بحيث لا يكون له عليه أمر ولا نهي ولا أي من أنواع الولاية وليس له إلا بيعه فقط فكيف يكون في الشرع جواز طاعة الطاغوت أمرا ونهيا والدخول تحت طاعته وأن يكون موظفا عنده والتذلل له واستجدائه واتباع شرائعه فسبحان الله العظيم.
يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: والتحقيق : أنها مثل هذه الآيات وأن انتفاء السبيل عن أهل الإيمان الكامل فإذا ضعف الإيمان صار لعدوهم عليهم من السبيل بحسب ما نقص من إيمانهم فهم جعلوا لهم عليهم السبيل بما تركوا من طاعة الله تعالى فالمؤمن عزيز غالب مؤيد منصور مكفي مدفوع عنه بالذات أين كان ولو اجتمع عليه من بأقطارها إذا قام بحقيقة أ.هـ إغاثة اللهفان2/182.
فانظروا إلى قوله : بما تركوا من طاعة الله تعالى أ.هـ فهل يعني بذلك ترك القبول أم ترك تنفيذ أوامر الله تعالى ونواهيه ؟! فهذا أمر واضح وضوح الشمس مما يدل على أن الطاعة المقصودة هي تنفيذ الأوامر والنواهي بامتثالها وأنها دلالة على القبول والرضى.
وقال أيضا رحمه الله تعالى: وقيل بل الآية على ظاهرها وعمومها ولا إشكال فيها بحمد الله فإن الله سبحانه ضمن أن لا يجعل للكافرين على المؤمنين سبيلا فحيث كانت لهم سبيل ما عليهم فهم الذين جعلوها بتسببهم ترك بعض ما أقروا به أو ارتكاب بعض ما نهوا عنه فهم جعلوا لهم السبيل عليهم بخروجهم عن طاعة الله ورسوله في ما أوجب تسلط عدوهم عليهم من هذه الثغرة التي أخلوها كما أخلى الصحابة يوم أحد الثغرة التي أمرهم رسول الله بلزومها وحفظها فوجد العدو منها طريقا إليهم فدخلوا منها أ.هـ الصواعق المرسلة4/1392-1393.
وهذه الأمور مما يطرحه الكثيرون ما هو إلا لأنهم ألفوها عن آبائهم وولدوا عليها ونشأوا فيها وعاشوا عليها وشابوا عليها وكما قالوا كثرة المساس تفقد الإحساس وهذه الحجة من القياس الفاسد الذي يتذرع به المشركون لرد شرع الله تعالى قال تعالى:وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ(الزخرف:23)، وانظروا إلى دقة الأسلوب القرآني وإعجازه عند لفظ مترفوها فتجد من يقول بطاعة الكفار وممارسة شؤون الحياة عن طريقهم بحجتين فاسدتين :
الأولى: وهي الحكم القدري بأن جعل الله تعالى لهم الملك والسلطان وأن المسلم يعيش بينهم وفي بلادهم ولا يوجد تمكين للمسلمين وهذا من باب الإبتلاء وسنة الله تعالى في عباده بأن جعل سنن في قوة الدين وظهوره وفي عودته إلى الغربة التي بدأ منها حتى يحكم الله بأمره .
الثانية:الترف وهي أنهم يجيزون ذلك للمصالح الدنيوية التي تحقق لهم رفاهية في الحياة وسهولة في ممارستها.
ولذلك ذكر العلماء مسألة مؤاجرة المسلم من الذمي ومعلوم أن الذمي هو المشرك الذي يعيش تحت سلطان المسلمين وليس له سلطان عليهم وإنما يعيش بالذلة والصغار قال ابن القيم رحمه الله تعالى: ومنهم من منع إجارة الخدمة خاصة وجوز إجارة العمل وهذه طريقة أكثر أصحابنا وفرقوا بينهما بأن إجارة الخدمة تتضمن حبس نفسه على خدمته مدة الإجارة وذلك فيه نوع إذلال للمسلم وإهانة له تحت يد الكافر فلم يجز كبيع العبد المسلم له أ.هـ أحكام أهل الذمة1/565.
وقال الثعالبي:ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا أي يوم القيامة قاله علي رضي الله عنه وعليه جميع أهل التأويل والسبيل هنا الحجة والغلبة قلت إلا ابن العربي لم يرتض هذا التأويل قال وإنما معنى الآية أحد ثلاثة وجوه الأول لن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا يمحو به دولة المؤمنين ويستبيح بيضتهم الثاني لن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا إلا أن يتواصوا بالباطل ولا يتناهوا عن المنكر ويتباعدوا عن التوبة فيكون تسليط العدو من قبلهم وهذا نفيس جدا الثالث لن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا بالشرع فإن وجد ذلك فبخلاف الشرع ونزع بهذا علماؤنا بالاحتجاج على أن الكافر لا يملك العبد المسلم انتهى أ.هـ تفسير الثعالبي 1 /425.أنظر أحكام القرآن لابن العربي 2/496 و ما بعدها.فأبن العربي يقرر ما ذكرناه من أقوال العلماء فهل من يقول بذلك يمكن بحال أن يكون معنى قوله في طاعة المشرك بما فسرتموه وهذا لا يحتاج إلى كثير نظر بعد هذا التحقيق،فهل الطاعة عند ابن العربي هي القبول الباطني ؟ اسمعوا إلى جوابه قال رحمه الله تعالى على تفسير قوله تعالى:يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً(النساء:59): المسألة الأولى:في حقيقة الطاعة وهي امتثال الأمر كما أن المعصية ضدها وهي مخالفة الأمر ، والطاعة مأخوذة من طاع إذا انقاد والمعصية مأخوذة من عصى إذا اشتد فمعنى ذلك امتثلوا أمر الله تعالى وأمر رسوله عليه الصلاة والسلام أ,هـ أحكام القرآن1/573.، فماذا تقولون ؟ أليس البحث العلمي يقتضي تقصي أقوال العالم في المسألة حتى لا نكون ممن يأخذ الأقوال بالهوى.
3- الالتماس وهي طلب الفعل على سبيل التساوي بحيث يكون طالب الفعل والفاعل متساويين لا آمر ولا مأمور لا حاكم ولا محكوم من باب الصحبة أو المعاملة العادية والتصرفات الطبيعية الاعتيادية بين عامة الناس فهذه الصورة التي يقصدها ابن العربي بحكم حقيقة الواقع الذي يتكلم منه.
ثالث عشر: قولكم : أخي الكريم - تأمل – المفارقة عندما نلتزم مذهب المخالفين في قولهم أن المقصود بقوله تعالى (وإن أطعتموهم إنكم لمشركون) هو الانقياد الظاهري بالجوارح (تنفيذ الأمر) لو كان المقصود بالطاعة في النص السابق هو الانقياد الظاهري بالجوارح (تنفيذ الأمر) لكان كل من أطاع غيره بامتثال أوامره واجتناب نواهيه مشركاً بالله عز وجل لأنه يكون بذلك عابداً لهذا الآمر الناهي ، وهذا معلوم بطلانه من الدين بالضرورة ، فإن الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم قد أوجبا علينا طاعة ولي الأمر ، كما أوجبا علينا طاعة الوالدين وغير ذلك أ.هـ
قلت:
1- لقد بينت بتحقيق مفصل حقيقة ما يتعلق بقوله تعالى:وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ (الأنعام:121). وثبت يقينا أن الآية تناقض ما ذهبتم إليه وأنكم لم تحسنوا فهمها لا تأصيلا ولا تفريعا .
2- إن الحديث عن طاعة الطاغوت وطاعة المشرك التي وردت النصوص الصريحة بالنهي عنها -وسيأتي الكلام فيها محققا تأصيلا وتفريعا- فقمتم بالقياس قياسا فاسدا مقابل النصوص بقياس طاعة الكافر التي نهى الله عنها على طاعة من أوجب الله طاعته كأولي الأمر أو الوالدين فهل كنتم بعقولكم عندما قلتم قولكم هذا؟ كيف تقولون أنه إذا قلنا بأن طاعة الكافر كفرا فإن هذا يعني أن طاعة من أمرنا الله بطاعته تكون كفرا أوليس من أطاع من أوجب الله طاعته تكون طاعة لله وبالتالي فطاعة أولي الأمر وطاعة الوالدين عبادة لله تعالى وليس لهم؟ ، وهذا من المعلوم من الدين بالضرورة حتى المشركين يعلمون هذا يقينا والله إن العجب والدهشة تملكتني عندما قرأت قولكم هذا فقلت إذا كان هذا حال دعاة التوحيد الخالص فكيف حال المشركين ؟
فأناس يتصدرون للحديث في قضايا الإيمان والكفر لا يفرقون بين النصوص المتعلقة بالمشركين وبين النصوص المتعلقة بالمؤمنين ويجعلونها سواء ولا يفهمون إلا ذلك أوليس يقع عليهم ما رواه عبد الله بن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤوسا جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا أ.هـ صحيح البخاري
رابع عشر: :قولكم: ووجه الدلالة في هذا هو : أننا لو قلنا إن الطاعة ليس لها إلا معني واحد وهو الانقياد الظاهري بالجوارح (تنفيذ الأمر) فلا يجوز لنا بعد ذلك أن ننظر إلى الآمر ولا إلى دينه , لأنكم جعلتموها عبادة والعبادة يكون مشركاً بها من صرفها لغير الله. لأن الشرك إنما يحصل بصرف العبادة لغير الله عز وجل ، والعبادة هنا ـ على قول المخالفين ـ هي ذات امتثال الأمر واجتناب النهي ، والله عز وجل عندما يقول عن شيء إنه عبادة فلا يجوز البتة صرفه لأحد غيره أيّاً كان ، فنحن إذا قلنا : إن الله عز وجل قد نص في قوله : {وإن أطعتموهم إنكم لمشركون} على أن الانقياد الظاهري بالجوارح (تنفيذ الأمر) هو الطاعة الشركية التي هي عبادة فلا يجوز البتة صرفها لغيره حتى ولو كان ولي أمر المسلمين ، بل حتى لو قال أحد المسلمين لأخيه : افعل كذا ثم استجاب هذا الأخ وفعل ما أمره به أخوه لكان ـ بناء على قول المخالفين ـ مشركاً لأن ذات امتثال الأمر واجتناب النهي عبادة لا يجوز صرفها إلا لله عز وجل .أ.هـ
قلت:
1- أي وجه دلالة تتكلمون عنه ألا تعلمون أن الدلالة نوعان دلالة منطوق ودلالة مفهوم فما هو المنطوق الذي استندتم إليه أو المفهوم الذي عولتم عليه ، وبأي دلالة تقررون بعدم جواز النظر إلى الآمر أو دينه وقبل ذلك ما مبلغ علمكم عن حقيقة الأمر التي تتعلق بها الأحكام .
2- ثم بعد ذلك تأتون بطامة وباقعة ما لها من راقعة فتنكرون أن ذات إمتثال الأمر وإجتناب النهي أنها عبادة أسألكم بالله هل أنتم تعون ما تقولون؟ لقد جئتم بأمر ما قاله عرب ولا عجم ولا جن ولا إنس ولا مؤمن ولا كافر
عندما أمرنا الله بفعل الصلاة هل يريد منا امتثال الأمر وفعل الصلاة فإن قلتم لا خرجتم من الإسلام وخالفتم إجماع ليس أمة محمد بل الجن والإنس على مختلف مذاهبهم،وإن قلتم نعم خالفتم مذهبكم.
وعندما أمرنا الله بالصلاة هل فعل الصلاة من تكبيرة الإحرام إلى التسليم عبادة فإن قلتم ليست عبادة خرجتم من الإسلام وخالفتم إجماع ليس أمة محمد بل الجن والإنس على مختلف مذاهبهم، وإن قلتم أنها عبادة خالفتم مذهبكم.وما يصدق على الصلاة يصدق على الصيام والحج والزكاة والجهاد وكل شرائع الإسلام القولية والعملية.
3- أعود وأكرر قائلا أنكم جعلتم النصوص التي تتحدث عن المشركين عامة بحق المسلمين أيضا فجئتم بأصول وأقوال ما انزل الله بها من سلطان وعكستم الشريعة والأحكام فحكمتم على المسلمين بأنهم مشركين فهذا قولكم بنصه: فنحن إذا قلنا : إن الله عز وجل قد نص في قوله : {وإن أطعتموهم إنكم لمشركون} على أن الانقياد الظاهري بالجوارح (تنفيذ الأمر) هو الطاعة الشركية التي هي عبادة فلا يجوز البتة صرفها لغيره حتى ولو كان ولي أمر المسلمين ، بل حتى لو قال أحد المسلمين لأخيه : افعل كذا ثم استجاب هذا الأخ وفعل ما أمره به أخوه لكان ـ بناء على قول المخالفين ـ مشركاً لأن ذات امتثال الأمر واجتناب النهي عبادة لا يجوز صرفها إلا لله عز وجل .أ.هـ، فهل ولي الأمر المسلم وأخي المسلم ممن يدخل في قوله تعالى: وإن أطعتموهم إنكم مشركون()، فأي خوارج تتحدثون عنهم وأي مبتدعة تصفون وأي مخالفة لتأصيل أهل السنة والجماعة تتحدثون عنه. والله إني لا أصدق ما اقرأ ولا خطر على بالي في يوم من الأيام أن اقرأ هذا وأنه مذهب فرقة ينسبون أنفسهم إلى أهل السنة والجماعة .
4- ظهر من قولكم هذا أنكم تفهمون عكس ما يحب أن يكون بل يلزم من كون الطاعة وهي امتثال الأمر أن ننظر إلى الآمر والى دينه لأن النهي ليس عن أفعال مجردة وإنما نهي عن طاعة ذوات معينة.
5- قولكم استجاب هذا الأخ - وأنتم تتكلمون عن المسلم- يعني للطاغوت والمشركين فأقول لكم الإستجابة من المسلم لمن تكون يقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ(الأنفال:24)، فاستجابة المسلم لله وللرسول لإن استجابته لهما حياة فهل الاستجابة للطاغوت وللمشركين حياة أم موت وهلكة؟.

خامس عشر:قولكم: ومن فرق من أصحاب هذا المذهب بين الأمر بالمعصية والأمر بالمعروف أو فرق بين الآمر سواء كان طاغوتاً أو مشركاً أو مسلماً فقد اضطرب في مذهبه وتناقض لأن الله يقول : {وإن أطعتموهم إنكم لمشركون} فهو جعل الطاعة بمعني الانقياد الظاهري بالجوارح(تنفيذ الأمر) عبادة والعبادة لا يجوز صرفها لغير الله, فمناط الشرك الطاعة فلا يجوز أن نزيد عليها أوصافاً أخرى بلا دليل وهذا المخالف قد فسرها : بالانقياد الظاهري بالجوارح (تنفيذ الأمر) أي:امتثال أمر الآمر واجتناب نهيه.فتأمل !!أ.هـ.
قلت:
1- أي اضطراب تتحدثون عنه ألا تبصرون ألا تعقلون ما تقرأون وتكتبون؟ كيف تستدلون بآية تتعلق بالمشركين وتجعلونها متعلقة بالمسلمين؟بأي فقه وعلى أية أصول ؟ ألا تعلمون أن الله تعالى ورسوله وأهل السنة والجماعة قاطبة قد فرقوا بين المسلم والمشرك قال تعال: أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ ()مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ () وفرقوا بين الطاغوت والمشرك فأنتم تحكمون على الله تعالى وعلى رسوله وعلى أهل السنة والجماعة قاطبة بالاضطراب والتناقض والنصوص الشرعية قرآنا وسنة فرقت بين المسلم والمشرك حتى في أبسط الأمور فلا يقاد مسلم بمشرك ولا ولاية لكافر على مسلمة ولو أردت إيراد النصوص وأقوال العلماء لحصل من ذلك أحمال الجمال..
2- فإذا كنتم تجهلون العبادة معناها وكيفيتها ومتى يكون الإنسان عابدا لله تعالى أو عابدا لغير الله تعالى فبأي حق وبأي سلطان تبدعون وتفسقون وتضللون وتكفرون .
سادس عشر:قولكم:وإن قال المخالفين : بأن الدخول في الأعمال هو دلالة قبول الشرع, فيصبح مرتكب المعصية كافر خارج من دائرة الإسلام ، لأنه أتى ـ على حسب قولهم ـ بما يدل على رده لشرع الله عز وجل ، ورد شرع الله كفر مخرج من الملة ، مناف لأصل الدين الذي هو : قبول حكم الله جملة ، وهذا معلوم بطلانه بالضرورة من دين الإسلام ، بل إنه من عقيدة الخوارج الذين يكفّرون بالمعصية ولا يفرقون بين الطاعة بمعنى القبول للحكم ، والطاعة بمعنى : إمتثال الأمر وتنفيذه أ.هـ
قلت:
1- وإن قال المخالفين هذا خطأ لغوي فاحش والصحيح وإن قال المخالفون لأنه فاعل والفاعل مرفوع وبما أنه جمع مذكر سالم فعلامة الرفع الواو.
2- في القواعد الشرعية وتأصيل أهل السنة والجماعة فإن قاعدة النواهي غير قاعدة الأوامر ولا يقاس النهي على الأمر فهذا قياس فاسد يقول ابن تيمية رحمه الله تعالى:فَكَيْفَ يُقَاسُ الْمَأْمُورُ بِهِ بِالْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَالْقِيَاسُ الصَّحِيحُ إنَّمَا هُوَ قِيَاسُ الْمَسْكُوتِ عَلَى الْمَنْصُوصِ أَمَّا قِيَاسُ الْمَنْصُوصِ عَلَى مَنْصُوصٍ يُخَالِفُهُ فَهُوَ بَاطِلٌ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ كَقِيَاسِ الرِّبَا عَلَى الْبَيْعِ وَقَدْ أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا .أ.هـ مجموع الفتاوى5/370.
يقول صاحب المستصفى ما نصه: وأما قياسهم الأمر على النهي فباطل من خمسة أوجه أ.هـ 1/213، ولذلك كان قولكم : فيصبح مرتكب المعصية كافر خارج من دائرة الإسلام ، لأنه أتى ـ على حسب قولهم ـ بما يدل على رده لشرع الله عز وجل ، ورد شرع الله كفر مخرج من الملة أ.هـ، باطل لأن الطاعة وهي امتثال الأمر بإيجاده دلالة على القبول من حيث الظاهر المتعلق به الأحكام سواء في شرع الله تعالى أو شرائع الطاغوت وهذا دلت عليه النصوص المتقدمة، وأما النهي فهو ترك معدوم ويأتي في حالتين:
الأولى:أن يرد على الشخص في حال فعله فلا بد من التصريح بالانتهاء كما حدث للصحابة في الخمر فمن قرئ عليه النص فهل أنتم منتهون وهو يفعلها قال: انتهينا انتهينا، وقد حصل عنده القبول فمن شربها بعد ذلك فقد جاء بفعل بعد الإتيان بالترك وهو حاصل من اللحظة الأولى وهذا الفعل دلت النصوص على أن فاعله عاص وغير كافر لأن فعل المنهي عنه لا يدل على عدم قبول التحريم فاجتماع قبول التحريم ومقارفة الفعل ممكن شرعا وعقلا..
الثانية : أن يرد نص في حال عدم فعلها فهذا لا يقتضي فعلا ظاهرا أصلا كون عدم فعل المنهي عنه متحقق كون الخطاب موجه إلى مسلم الأصل فيه الإقرار والالتزام والعزم على تنفيذ الأمر فكونه لم يعترض فقد حصل القبول فإن فعل المنهي عنه بعد ذلك ففعله لا يدل على عدم قبول التحريم فاجتماع قبول التحريم ومقارفة الفعل ممكن شرعا وعقلا..
وقد سبق بيان حقيقة الطاعة من حيث الأمر والنهي في الكلام على قصة آدم عليه السلام مع إبليس لعنه الله، والفرق بين الأمر والنهي أصل معتبر،قال ابن تيمية رحمه الله تعال: الْوَجْهُ التَّاسِعُ أَنَّ الْكَلِمَاتِ الْجَوَامِعَ الَّتِي فِي الْقُرْآنِ تَتَضَمَّنُ امْتِثَالَ الْمَأْمُورِ بِهِ وَالْوَعِيدَ عَلَى الْمَعْصِيَةِ بِتَرْكِهِ : مِثْلَ قَوْله تَعَالَى لِنَبِيِّهِ { فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا }....إلَى أَمْثَالِ هَذِهِ النُّصُوصِ الَّتِي يُوصِي فِيهَا بِاتِّبَاعِ مَا أَمَرَ وَيُبَيِّنُ أَنَّ الِاسْتِقَامَةَ فِي ذَلِكَ وَأَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْ إلَّا بِذَلِكَ وَأَنَّهُ إنْ تَرَكَ ذَلِكَ كَانَ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّ اتِّبَاعَ الْأَمْرِ أَصْلٌ عَامٌّ وَأَنَّ اجْتِنَابَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ فَرْعٌ خَاصٌّ أ.هـ مجموع الفتاوى4/ 255)
وَالْمَأْمُورُ بِهِ قَدْ طُلِبَ وُجُودُهُ وَالْمَنْهِيُّ عَنْهُ قَدْ طُلِبَ عَدَمُهُ فَعُلِمَ أَنَّ الْمَطْلُوبَ بِالْأَمْرِ أَكْمَلُ وَأَشْرَفُ مِنْ الْمَطْلُوبِ بِالنَّهْيِ وَأَنَّهُ هُوَ الْأَصْلُ الْمَقْصُودُ الْمُرَادُ لِذَاتِهِ وَأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَكُونُ عَدَمُهُ شَرًّا مَحْضًاأ.هـ مجموع الفتاوى4/258)
وقال أيضا: الْوَجْهُ الْخَامِسَ عَشَرَ أَنَّ الْأَمْرَ أَصْلٌ وَالنَّهْيَ فَرْعٌ ؛ فَإِنَّ النَّهْيَ نَوْعٌ مِنْ الْأَمْرِ ؛ إذْ الْأَمْرُ هُوَ الطَّلَبُ وَالِاسْتِدْعَاءُ وَالِاقْتِضَاءُ وَهَذَا يَدْخُلُ فِيهِ طَلَبُ الْفِعْلِ وَطَلَبُ التَّرْكِ لَكِنْ خُصَّ النَّهْيُ بِاسْمِ خَاصٍّ... فَكُلُّ مَنْ عَصَى النَّهْيَ فَقَدْ عَصَى الْأَمْرَ لِأَنَّ الْأَمْرَ اسْتِدْعَاءُ الْفِعْلِ بِالْقَوْلِ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِعْلَاءِ وَالنَّاهِي مُسْتَدْعٍ مِنْ النَّهْيِ فِعْلًا : إمَّا بِطَرِيقِ الْقَصْدِ أَوْ بِطَرِيقِ اللُّزُومِ فَإِنْ كَانَ نَوْعًا مِنْهُ فَالْأَمْرُ أَعَمُّ وَالْأَعَمُّ أَفْضَلُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَوْعًا مِنْهُ فَهُوَ أَشْرَفُ الْقِسْمَيْنِ ؛ وَلِهَذَا اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى تَقْدِيمِهِ عَلَى النَّهْيِ وَبِذَلِكَ جَاءَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ قَالَ تَعَالَى : { يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ } وَقَالَ : { إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ } أ.هـ مجموع الفتاوى 4/ 261)
سابع عشر:قولكم: إن صفوة القول وخلاصته في الطاعةأي الطاعة بمعني الانقياد والقبول الباطني - أن يقف المرء من الرسول صلى الله عليه وسلم موقف القبول والتسليم ، ويقبل ما جاء به جملة ، ويعقد قلبه على إلتزام شرائعه ، إن بلغته تفاصيلها ، وأما ما لم يبلغه تفصيلها فيعقد قلبه على الإستعداد لقبولها حين بلوغها ، والإلتزام بها عند العلم بها ، هذه هي الطاعة بمعني (قبول الشرع) ، وهي واجبة على المسلم في كل زمان ، حتى في بداية الدعوة النبوية ، وقبل نزول الأحكام والشرائع التفصيلية.فمن حقق هذه الطاعة - بمعنى الانقياد والقبول الباطني - جاز له أن يدخل في الأعمال ، ويباشر فروع الطاعات ، من أداء الواجبات والمندوبات ، وترك المحرمات والمكروهات ، وهذا هو الذي ينظر في أعماله ، لأنها صحيحة معتبرة ، لقيام شرطها ، وقاعدتها التي تنبني عليها وهي : قبول الشرع ، فيثاب على طاعته ، وأما معاصيه فهي تحت مشيئة الله ، إن شاء غفرها ، وإن شاء عاقبه عليها .فهذه الطاعة التي عناها شيخ الإسلام ابن تيمية بقوله في الرسالة التدمرية : فالإسلام يتضمن الإستسلام لله وحده ، فمن إستسلم له ولغيره كان مشركاً ، ومن لم يستسلم له كان مستكبرا عن عبادته، والمشرك به والمستكبر عن عبادته كافر...) ا.هـ.وهذه الطاعة لا تقتضي عملاً إلا قبول الشرع أي : عقد القلب بنية العمل بالأمر عند العلم به والقدرة عليه ، ودلالته الظاهرة هي ـ كما ذكرنا ـ : الإقرار وعدم الرد ، فمن نطق بالشهادتين كان ذلك منه إعلاماً بقبول شريعة النبي صلى الله عليه وسلم فإن رد حكماً من أحكام الشريعة الإسلامية كان مرتداً والعياذ بالله. أ.هـ
قلت:
1- فآخر قولكم ينقض أوله، فأنتم تقررون ما يلي: إن صفوة القول وخلاصته في الطاعةأي الطاعة بمعني الانقياد والقبول الباطني أ.هـ ثم بعد ذلك تقولون: وهذه الطاعة لا تقتضي عملاً إلا قبول الشرع أ.هـ وفسرتموها بقولكم: عقد القلب بنية العمل بالأمر عند العلم به والقدرة عليه أ.هـ ثم نقضتم غزلكم بقولكم: ، فمن نطق بالشهادتين كان ذلك منه إعلاماً بقبول شريعة النبي صلى الله عليه وسلم أ.هـ
أ‌- كيف يستقيم قولكم أن الطاعة وهي القبول الباطني لا يقتضي عملا ثم تفسروه بعقد القلب بنية العمل فأنتم تدورون في حلقة مفرغة وقبل ذلك تقررون ما نصه:ويقبل ما جاء به جملة ، ويعقد قلبه على إلتزام شرائعه أ.هـ وهنا لم تذكروا نية العمل فهذا حالكم تقرير ثم تدمير.
ب‌- أنتم تقررون أن القبول لا يقتضي عملا فكيف تكون أمرا باطنيا متعلقا بالقلب والنطق بالشهادتين إعلاما لهذا القبول، فمعنى ذلك لولا النطق -وهو عمل - ما ثبت قبوله لرسالة محمد عليه الصلاة والسلام ، فالذي دل على قبوله نطقه بالشهادتين وتغييركم لكلمة إعلاما بدلا من كلمة دلالة لا يغير من الأمر فالإعلام والدلالة سواء، فما تقرروه تنقضوه فعجبا لكم.
2- إذا كان القبول أمرا قلبيا باطنيا فضده الرد يجب أن يكون باطنيا أيضا فقولكم : فإن رد حكما من أحكام الشريعة الاسلامية كان مرتدا أ.هـ فكيف يكون رد الحكم بالباطن ؟ فإن قلتم بالقول قلنا لكم هذا عمل اللسان ولا يدل على الباطن حسب مذهبكم فستحيرون جوابا ولن تستطيعوا إثبات مذهبكم .
ثامن عشر:قولكم: ب/ طاعة بمعني الانقياد الظاهري بالجوارح (تنفيذ الأمر):وهي تنفيذ أمر الآمر وإجتناب نهي الناهى وهي طاعة عملية وحكمها حكم الفعل , وهذه الطاعة لا تعني بالضرورة (قبول الشرع) فقبول الشرع شئ والدخول في الاعمال شئ آخر ولكل منهما تكييف شرعى مختلف أ.هـ
قلت:
1- أنتم هنا تفرقون بين الطاعة وبين الفعل فتثبتون أمرين مختلفين وتثبتون لهما حكما واحدا فتجعلون حكم الطاعة نفس حكم الفعل بإطلاق فبالله عليكم بأي لغة تتكلمون وهل قال أحد على وجه الأرض بقولكم هذا ؟ .
2- تقررون هنا مذهبا آخر فبعد أن جزمتم سابقا بأن الطاعة الباطنة حسب تعبيركم لا تقتضي عملا ظاهرا ( طاعة عملية) احتمالية دلالتها على قبول الشرع بنص قولكم:وهذه الطاعة لا تعني بالضرورة (قبول الشرع)أ.هـ وقد تعني قبول الشرع أيضا.

3- أنتم تقررون أن قبول الشرع شيء والدخول في العمل شيء آخر وأن تكييفهما مختلف فبما أنهما مختلفان كيف أطلقتم عليهما نفس التسمية ؟فكيف يكون كل منهما طاعة وبنفس الوقت مختلفان بالكيف؟ بالله عليكم بأي لسان تتحدثون؟ ومع من تتحدثون؟
تاسع عشر:قولكم: وهذه الطاعة هي التي تدخل في فروع الدين ، وهي فعل الأمر واجتناب النهي ، فمن فرّط فيها ، بأن ترك أمراً ، أو أتى نهياً ، فهو عاص ناقص الإيمان ، وسواء فعل ذلك بأمر غيره ، أو فعله بمحض إرادته ، باستثناء أعمال مخصوصة جعلها الشارع دلالة على صحة الإسلام في حق من بلغته الشرائع ، وهي المباني الأربعة على خلاف فيها بين أهل السنة والجماعة كما هو معلوم.أ.هـ
قلت:
1- هناك قاعدة تقول : زيادة المبنى تفيد زيادة في المعنى ، وهناك حرام لذاته وهناك حرام لغيره وهناك كفر لذاته وهناك كفر لغيره وهناك فعل مجرد وهناك فعل لورود أمر فكيف يستويان؟
2-
كيف تستثنون أعمالا من قاعدة شرعية عامة تعتبرونها منهج أهل السنة والجماعة فعلى أي أصل تم الاستثناء فهذه المباني الأربعة ( الصلاة والزكاة والصيام والحج) هي أفعال؟وأنتم تقررون أن القبول لا يقتضي عملا فأنا أجزم أنكم لن تستطيعوا التوفيق ؟ وهذا تناقض يهدم قاعدتكم.
عشرون:قولكم: فلو أمر حاكم أو كافر بالسجود له فكل من يسجد له بغير اكراه يكون كافراً لان ذات السجود عبادة ومن صرفه لغير الله كان مشركاً به ومناط شركه هو ذات فعل السجود لغير الله أ.هـ.
قلت: لو أن هذا الحاكم أمر شخصا ما بالسجود له وهذا الشخص استدار ليسجد ثم مات هو الآن لم يسجد أي : لم يأت بفعل الكفر ما حكمه؟ ولماذا؟ وعلى أي أصل؟ فإن قلتم لأنه قبل الأمر فنقول لكم كيف علمتم أنه قبل ؟فستقولون بلا شك لأنه أراد أن يسجد قلنا لكم كيف عرفتم ؟ قلتم لأنه استدار فنقول لكم أليس استدارته دلالة على قبوله الباطني وهذه الاستدارة أليس قد تضمنت العزم على الفعل فالحكم عليه على اعتبار أنه عزم على الفعل ولا يوجد فعل دون عزم وهو الأمر الباطني سموها ما شئتم عزم ، نية ، رضى ، قبول فكل ذلك سيان.
واحد وعشرون: قولكم:وأما إذا شرّع الحاكم قانوناً يلزم كل من يمارس عملاً بدفع مبلغ مالي معين حتى يسمح له بمباشرة عمله فطاعته بدفع المال له لا تعني - بالضرورة - قبول هذا التشريع منه,فهذه الطاعة يكون حكمها حكم الفعل وهو دفع المال أ.هـ
قلت:

1- لقد ثبت عدم دلالة ما ذكرتم من الأدلة على أن معنى الطاعة ما ذهبتم إليه ولم تذكروا نصا صريحا بذلك.
2- لماذا اللف والدوران هذه مسألة هي طاعة غير شرع الله تعالى أو بعبارة أخرى طاعة شرع الطواغيت على العموم هل لها حكم في شرع الله تعالى أم لا؟
العمل بشرع الطاغوت ما حكمه؟
اتباع شرع الطاغوت ما حكمه ؟
وهذا غير القبول وغير الرضى وهو العمل الظاهر فالقبول والرضى بشرع الطاغوت هذا محل اتفاق ولكن كيف يكون القبول ؟ فهذا لم تبينوه حتى الآن.
3- لم تقولوا لنا ما حكم دفع المال ؟ كما أنكم لم تفسروا لنا ما هو دفع المال؟ الم تعلموا أن دفع المال المجرد لا حكم له لأن كلمة دفع معناها بما عدي بها فإن عديت بـ إلى كان معناها الإنالة وإن عديت بـ عن كان معناها الحماية فمعنى دفع المال إلى .. أي: ناوله ، وهذا لا حكم له وإنما متوقف على السبب والكيفية والقرائن.فالمسألة تصبح ليس حكم دفع مال مجرد وإنما تصبح دفع مال للطاغوت للحصول على إذن أو ليسمح الطاغوت بمباشرة العمل؟ وأسألكم هنا هل المسلم من يذهب إلى الطاغوت ليبيح له مباشرة الأعمال؟ فكلمة يسمح معناها يبيح أو هي الإذن والله يقول لكم : آلله أذن لكم أم على الله تفترون()، اليس الإذن مصطلح شرعي؟ فهل علمتم معناه ودلالته والأحكام الشرعية المتعلقة به؟ أنتم تتعاملون مع المسائل التي تقررونها تعاملا سطحيا بغياب الضبط الشرعي .
4- بناء على قولكم هذا وما بعده يظهر أن الأصل في طاعة أوامر ونواهي الطاغوت والمشرك واتباع شرائع الطاغوت أنه لا حكم لها عندكم فلا هو كفر ولا حرام ولا مباح وإنما متوقف على نفس الفعل فإذن أنتم لا تتكلمون عن حكم طاعة الطاغوت والمشرك وإنما تتحدثون عن حكم الأفعال وهذا قطعا وجزما خارج مسألة البحث فأنتم تخلطون بين الطاعة وبين الأفعال وتجعلونهما واحدا وهذا في العقول الصريحة ممتنع وفي النقول الصحيحة تحريف.
اثنان وعشرون:قولكم: ويدخل في هذا كل الأوامر العملية للحكام _ طواغيت كانوا أو غيرهم _ مثل استخراج الرخص والجنسيات والجوازات وغيرها فحكم استخراجها واقتنائها يعرف بالنظر لشروطها , فإذا كان ضمن شروطها شرطاً كفرياً يكفر من يستخرجها وان كان ضمن شروطها شرطاً محرماً يكون كل من يستخرجها عاصياً, وإن خلت من الشروط الكفرية والمحرمة كان استخراجها واقتناؤها مباحاً. أ.هـ
قلت:
1- ذكرتم أوامر عملية، فيبدوا أن هناك أوامر غير عملية ، وهي أوامر قولية وأوامر قلبية فما هي هذه الأوامر؟ وهل يترتب عليها أحكام؟
فأنتم هنا تخلطون وتلوون الكلام ليا وحتى طرح المسائل تتلاعبون به فقولكم الأوامر العملية ؟من حيث البناء اللغوي خطأ فاحش لأن الصحيح :الأمور العملية، وأما الأوامر فهي بالقول فشتان بين قولنا الأمور العملية وبين قولنا الأوامر العملية لأن هذا معناه عمل أمور تدل على الأمر وهذا لا مفهوم له.

2- إن كنتم تقصدون بالأوامر العملية الأمر بتنفيذ الأعمال فأنتم تساوون أوامر الحكام الطواغيت مع غيرهم ومعلوم أن غير الطواغيت من الحكام هم:
الله تعالى يأمر بأوامر تقتضي عملا.
والرسول عليه السلام حاكم يأمر بأوامر تقتضي عملا.
والحاكم المسلم يأمر بأوامر تقتضي عملا.
فلا فرق عندكم بين أوامرهم فكلها لها نفس الحكم فأمر الله تعالى بالتجارة كأمر الطاغوت بالتجارة وأمر الله بالصلاة كأمر الطاغوت بالصلاة وهكذا وعليه فتشريع الطاغوت بما لم يأت نص به كتشريع الله تعالى .
3- تقولون أن الحكم للأمور التي التي ذكرنموها للاستخراج والاقتناء ولكن قبل ذلك:
الرخص ما هي؟
الجنسيات ما هي ؟
الجوازات ما هي؟
ثم كيفية استخراجها ما هو وما حكمه؟
هل تدرون ؟ أم أنكم وجدتم آباءكم يفعلونها ففعلتم ما يفعلون؟
4- تقولون أن هذه الأمور حكم استخراجها واقتنائها نظرا لشروطها؟ ومعلوم أن الشرط خارج عن ماهية الشيء فجعلتم الحكم لشيء خارج عنها فما حكم هذه الأمور؟ وهذا لا يتم إلا بمعرفة حقيقتها وحكم الشروط أمر آخر .
5- فما حكم استخراجها واقتنائها؟ فهل من يستخرجها يستخرجها لمجرد استخراجها أو لمجرد اقتنائها؟ فماذا عن العمل بموجبها؟ فأمور لا تعلمون حقيقتها ولا تدرون ما يتعلق بها فكيف تتصدرون للفتيا بها؟

ثلاثة وعشرون:قولكم: ومما يجب أن يعلم ، أنّنا وإن قلنا أن الدخول في الأعمال ليس دلالة على قبول التكليف ، ولا هو لازم له ، إلا أنه مشروط به ، مبني عليه ، ولا يصح ولا يقبل إلا به ، قال تعالى : {من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب} ، فمن لم يقبل من الله أمره بالصلاة ، فهو كافر ابتداء ، وإن صلى فصلاته باطلة ، غير مقبولة لانعدام شرطها ، إذ أن قبول الشرع شرط في صحة الأعمال وقبولها ، والشرط هو ما يلزم من عدمه العدم ، ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم ، فالأعمال لا تثبت صحيحة مقبولة إذا انعدم ركن قبول الشرع ، فعدمه يستلزم عدمها ، وأما قبول الشرع فيثبت ويتحقق بغير الدخول في الأعمال ، فوجوده لا يستلزم وجودها ، وإذاً فليس لها ـ أي الأعمال ـ أي اعتبار في بقائه أو زواله ، فمن قبل حكم الله في الزنا ، لا يلزم من ذلك أن لا يزني وإلا كان راداً لحكم الله كافراً ، فلم يقل بذلك إلا الخوارج والمعتزلة ، بل قد يعرض له شهوة أو غواية فيقع في الزنا ، وهو مع ذلك ما يزال قابلاً لحكم الله ، وقد لا يقع منه زنا البتة ، فتركه للزنا شئ زائد على القبول ، إذا حققه زاد إيمانه وإذا لم يحققه بقي على ما هو عليه من القبول أ.هـ
قلت:
1- الحديث ليس عن صحة العمل وقبوله عند الله تعالى فانتم تتكلمون في غير مسألة الخلاف.
2- بأي شيء يتحقق قبول الشرع فانتم تقولون أنه يتحقق بغير الدخول في الأعمال؟
3- قبول الشرع عندكم لا أثر للأعمال في بقائه وزواله وعلى هذا فهو يتحقق بأمر باطني ويزول بأمر باطني ما هو وكيف؟
4- ثبت أن قبول الشرع عندكم هو الإيمان وهو أمر باطني وعقيدة أهل السنة والجماعة أن الإيمان يزيد وينقص بالأعمال وهذا لا يحتاج مني إلى إيراد أدلة وأقوال علماء ، وعلى هذا فانتم تخالفون عقيدة أهل السنة والجماعة في :
أ‌- أن أهل السنة والجماعة يقولون أن الأعمال لها أثر في الإيمان (وهو القبول عندكم) زيادة ونقصانا وأنتم تقولون أن الأعمال لا أثر لها في بقائه وزواله أي لا ينقص ولا يزيد فيها.
ب‌- أن أهل السنة والجماعة يقولون أن الأعمال تنقص الإيمان حتى تزيله وأنتم تقولون أن الإيمان شيء باطني لا يزيله إلا أمر باطني .
أتدرون أي عقيدة هذه وأي مذهب هذا ؟ إن هذا مذهب غلاة الإرجاء ثم تدعون أن هذا ما عليه أهل السنة والجماعة .ابن تيمية رحمه الله تعالى يبطل مذهبكم من أصله بقوله: ( فَصْلٌ ) إذَا تَبَيَّنَ هَذَا وَعُلِمَ أَنَّ الْإِيمَانَ الَّذِي فِي الْقَلْبِ مِنْ التَّصْدِيقِ وَالْحُبِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ الْأُمُورَ الظَّاهِرَةَ مِنْ الْأَقْوَالِ الظَّاهِرَةِ وَالْأَعْمَالِ الظَّاهِرَةِ ؛ كَمَا أَنَّ الْقَصْدَ التَّامَّ مَعَ الْقُدْرَةِ يَسْتَلْزِمُ وُجُودَ الْمُرَادِ وَأَنَّهُ يَمْتَنِعُ مَقَامَ الْإِيمَانِ الْوَاجِبِ فِي الْقَلْبِ مِنْ غَيْرِ ظُهُورِ مُوجِبِ ذَلِكَ وَمُقْتَضَاهُ أ.هـ مجموع الفتاوى 2 / 165.وله غير هذا القول ذكرناه ساحقا ، فابن تيمية رحمه الله تعالى مخالف لكم فهل هو ممن لبس عليه الشيطان وقال ما لم يقله السلف ويفسر الألفاظ بالخواطر والظنون وصار رأسا في الفتنة والضلال.
اربع وعشرون:قولكم: إن الذين يقولون إن تنفيذ الأمر دلالة على القبول ، فيحكمون على من نفذ أمراً من أوامر الحاكم _ أياً كان _ بأنه قد قبل حكمه وأطاعه في تشريعه ، ويكفّرونه بناء على ذلك ، فلازم قولهم انتفاء القبول بانتفاء تنفيذ الأمر وهو مذهب الخوارج الذين يكفّرون أهل المعاصي وحسبنا الله ونعم الوكيل.أ.هـ .
قلت:
1- لقد ثبت بالأدلة الشرعية وأقوال علماء أهل السنة والجماعة أن الطاعة هي امتثال الأمر وأن الأحكام متعلقة بها .
2- ذكرنا سابقا من قصة آدم عليه السلام وإبليس لعنه الله كيفية الحكم من خلال امتثال الأمر.
خامس وعشرون:قولكم:وخلاصة القول أن القول بأن الدخول في الأعمال دلالة على قبول التكليف ، والطاعة في التشريع ، قول عظيم ، مخالف لما ثبت في سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، وما استقر عند السلف الصالح، إذ أن قبول التكليف في الإسلام ، حقيقة واقعة سابقة على مباشرة أي عمل من أعمال الشرائع ، ودلالته الإقرار وعدم الرد ، وذلك بالنطق بالشهادتين ، فالتلفظ بهما ليس مقصودا لذاته ، وإنما المقصود هو الإعلان عن تحقيق مدلولهما من الإقرار بالوحدانية والبراءة من الشرك وأهله ، وتصديق الرسول فيما أخبر ، والتزام شرائعه، وقبول أحكامه ، فإذا رد الناطق أمراً مما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك فهو كافر مرتد ، ناقض لما دلت عليه الشهادتان من الانقياد والقبول ، وإن اقترن بالتلفظ ردّ لحكم من أحكام الشريعة ، فصاحبه باق على كفره لم يدخل الإسلام بعد.أ.هـ
قلت:
1- والخلاصة أن القول الحق بأن الدخول في الأعمال دلالة على الإيمان(قبول التكليف على اصطلاحكم) لأنه هو المقصود من الخطاب ، قول حق ، ثبت في كتاب الله تعالى وسنة النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو ما استقر عند السلف الصالح.
2- طاعة تشريع غير تشريع الله تعالى وأعم من ذلك اتباع غير تشريع الله كفر وهذا هو مناط الحكم الظاهر الذي تتعلق به الأحكام الشرعية والقبول والرضى والعزم على الانقياد مناطات أخرى .
سادس وعشرون:قولكم:السؤال الرابع :من المعلوم أن لفظ (الطاعة ) في القرآن الكريم والسنة المطهرة ورد بمعنيين طاعة بمعني (قبول التشريع) وضدها رد الشرع وعدم قبوله, وطاعة بمعني (تنفيذ الأمر ) وضدها العصيان وعدم تنفيذ الأمر فالمعني الأول يتعلق بالقلب ولا دخل لعمل الجوارح فيه والمعني الثاني يتعلق بأعمال الجوارح ولا دخل لأعمال القلب فيه فهل تقرون بصحة ما ذكرنا ؟؟أ.هـ.
قلت :هذا خلاصة مذهبكم ولا نقر به لأنه مخالف لمنهج أهل السنة والجماعة وسأترك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى يرد عليكم: فَصْلٌ إذَا عُرِفَ أَنَّ أَصْلَ الْإِيمَانِ فِي الْقَلْبِ فَاسْمُ " الْإِيمَانِ " تَارَةً يُطْلَقُ عَلَى مَا فِي الْقَلْبِ مِنْ الْأَقْوَالِ الْقَلْبِيَّةِ وَالْأَعْمَالِ الْقَلْبِيَّةِ مِنْ التَّصْدِيقِ وَالْمَحَبَّةِ وَالتَّعْظِيمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَتَكُونُ الْأَقْوَالُ الظَّاهِرَةُ وَالْأَعْمَالُ لَوَازِمُهُ وَمُوجِبَاتُهُ وَدَلَائِلُهُ أ.هـ مجموع الفتاوى2/ 162)
وقال أيضا: وَذَلِكَ لِأَنَّ أَصْلَ الْإِيمَانِ هُوَ مَا فِي الْقَلْبِ . وَالْأَعْمَالُ الظَّاهِرَةُ لَازِمَةٌ لِذَلِكَ . لَا يُتَصَوَّرُ وُجُودُ إيمَانِ الْقَلْبِ الْوَاجِبِ مَعَ عَدَمِ جَمِيعِ أَعْمَالِ الْجَوَارِحِ بَلْ مَتَى نَقَصَتْ الْأَعْمَالُ الظَّاهِرَةُ كَانَ لِنَقْصِ الْإِيمَانِ الَّذِي فِي الْقَلْبِ ؛ فَصَارَ الْإِيمَانُ مُتَنَاوِلًا لِلْمَلْزُومِ وَاللَّازِمِ وَإِنْ كَانَ أَصْلُهُ مَا فِي الْقَلْبِ...إلى قوله: الثَّالِثُ ظَنُّهُمْ أَنَّ الْإِيمَانَ الَّذِي فِي الْقَلْبِ يَكُونُ تَامًّا بِدُونِ شَيْءٍ مِنْ الْأَعْمَالِ وَلِهَذَا يَجْعَلُونَ الْأَعْمَالَ ثَمَرَةَ الْإِيمَانِ وَمُقْتَضَاهُ بِمَنْزِلَةِ السَّبَبِ مَعَ الْمُسَبِّبِ وَلَا يَجْعَلُونَهَا لَازِمَةً لَهُ ؛ وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ إيمَانَ الْقَلْبِ التَّامِّ يَسْتَلْزِمُ الْعَمَلَ الظَّاهِرَ بِحَسَبِهِ لَا مَحَالَةَ وَيَمْتَنِعُ أَنْ يَقُومَ بِالْقَلْبِ إيمَانٌ تَامٌّ بِدُونِ عَمَلٍ ظَاهِرٍ أ.هـ مجموع فتاوى 2 /112- 113.
ويقول أيضا: فَأَمَّا الطَّائِفَةُ الَّتِي ذَهَبَتْ إلَى أَنَّ الْعَمَلَ لَيْسَ مِنْ الْإِيمَانِ فَيُقَالُ لَهُمْ : مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ مِنْ الْعِبَادِ إذْ قَالَ لَهُمْ : أَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ الْإِقْرَارَ بِذَلِكَ أَوْ الْإِقْرَارَ وَالْعَمَلَ ؟ فَإِنْ قَالَتْ : إنَّ اللَّهَ أَرَادَ الْإِقْرَارَ وَلَمْ يُرِدْ الْعَمَلَ ؛ فَقَدْ كَفَرَتْ . عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ . ( ك مَنْ قَالَ : إنَّ اللَّهَ لَمْ يُرِدْ مِنْ الْعِبَادِ أَنْ يُصَلُّوا وَلَا يُؤْتُوا الزَّكَاةَ ؟) وَإِنْ قَالَتْ : أَرَادَ مِنْهُمْ الْإِقْرَارَ قِيلَ : فَإِذَا كَانَ أَرَادَ مِنْهُمْ الْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا لِمَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُ يَكُونُ مُؤْمِنًا بِأَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ وَقَدْ أَرَادَهُمَا جَمِيعًا ؟ أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ رَجُلًا قَالَ : أَعَمَلُ جَمِيعَ مَا أَمَرَ بِهِ اللَّهُ وَلَا أُقِرُّ بِهِ أَيَكُونُ مُؤْمِنًا ؟ فَإِنْ قَالُوا : لَا . قِيلَ لَهُمْ : فَإِنْ قَالَ : أُقِرُّ بِجَمِيعِ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَلَا أَعْمَلُ بِهِ ؛ أَيَكُونُ مُؤْمِنًا ؟ فَإِنْ قَالُوا : نَعَمْ . قِيلَ مَا الْفَرْقُ ؟ فَقَدْ زَعَمْتُمْ أَنَّ اللَّهَ أَرَادَ الْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا فَإِنْ جَازَ أَنْ يَكُونَ بِأَحَدِهِمَا مُؤْمِنًا إذَا تَرَكَ الْآخَرَ جَازَ أَنْ يَكُونَ بِالْآخَرِ إذَا عَمِلَ بِهِ وَلَمْ يُقِرَّ مُؤْمِنًا لَا فَرْقَ بَيْنَ ذَلِكَ . فَإِنْ احْتَجَّ فَقَالَ : لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَسْلَمَ فَأَقَرَّ بِجَمِيعِ مَا جَاءَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيَكُونُ مُؤْمِنًا بِهَذَا الْإِقْرَارِ قَبْلَ أَنْ يَجِيءَ وَقْتُ عَمَلٍ ؟ قِيلَ لَهُ : إنَّمَا يُطْلَقُ لَهُ الِاسْمُ بِتَصْدِيقِهِ أَنَّ الْعَمَلَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ : أَنْ يَعْمَلَهُ فِي وَقْتِهِ إذَا جَاءَ وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْوَقْتِ الْإِقْرَارُ بِجَمِيعِ مَا يَكُونُ بِهِ مُؤْمِنًا ؛ وَلَوْ قَالَ : أُقِرُّ وَلَا أَعْمَلُ لَمْ يُطْلَقْ عَلَيْهِ اسْمُ الْإِيمَانِ . قُلْت : يَعْنِي الْإِمَامُ أَبُو ثَوْرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنَّهُ لَا يَكُونُ مُؤْمِنًا إلَّا إذَا الْتَزَمَ بِالْعَمَلِ مَعَ الْإِقْرَارِ وَإِلَّا فَلَوْ أَقَرَّ وَلَمْ يَلْتَزِمْ الْعَمَلَ لَمْ يَكُنْ مُؤْمِنًا . وَهَذَا الِاحْتِجَاجُ الَّذِي ذَكَرَهُ أَبُو ثَوْرٍ هُوَ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ الْأَمْرَيْنِ : الْإِقْرَارِ وَالْعَمَلِ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مِنْ الدِّينِ وَأَنَّهُ لَا يَكُونُ مُطِيعًا لِلَّهِ وَلَا مُسْتَحِقًّا لِلثَّوَابِ وَلَا مَمْدُوحًا عِنْدَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إلَّا بِالْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ يَجْعَلُ الْأَعْمَالَ خَارِجَةً عَنْ الدِّينِ وَالْإِيمَانِ جَمِيعًا أ.هـ مجموع الفتاوى 7/ 388.
وأخيرا لنتدبر القول الآتي لنرى صاحبه أمن الذين لبس عليهم الشيطان أم من أولياء الرحمن: قال الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف رحمه الله تعالى: والمقصود بهذا: ما قد شاع وذاع من إعراض المنتسبين إلى الإسلام - وأنهم من أمة الإجابة - عن دينهم وما خلقوا له - وقامت عليه الأدلة القرآنية والأحاديث النبوية - من لزوم الإسلام ومعرفته، والبراءة من ضده،?والقيام بحقوقه، حتى آل الأمر بأكثر الخلق، إلى عدم النفرة من أهل ملل الكفر، وعدم جهادهم، وانتقل الحال حتى دخلوا في طاعتهم، واطمأنوا إليهم، وطلبوا صلاح دنياهم بذهاب دينهم، وتركوا أوامر القرآن ونواهيه، وهم يدرسونه آناء الليل والنهار.وهذا لا شك أنه من أعظم أنواع الردة، والانحياز إلى ملة غير ملة الإسلام ودخول في ملة النصرانية، عياذاً بالله من ذلك... والدخول في طاعتهم، اتباع لملتهم، وانحياز عن ملة الإسلام... والآيات القرآنية في تحريم موالاة الكفار، والدخول في طاعتهم، أكثر من أن تحصر؛ ومن تدبر القرآن، واعتقد أنه كلام الله منـزل غير مخلوق، واقتبس الهدى والنور منه، وتمسك به في أمر دينه، عرف ذلك إجمالاً وتفصيلاً أ.هـ كتاب الجهاد8/10-14.
يقول محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى ما نصه: اعلم أن كل مسلم يجب عليه في هذا الزمان تأمل هذه الآيات من سورة محمد وتدبرها والحذر التام مما تضمنته من الوعيد الشديد, لأن كثيرا ممن ينتسبون للمسلمين داخلون بلا شك فيما تضمنته من الوعيد الشديد لأن عامة الكفار من شرقيين وغربيين كارهون لما نزل الله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم , وهو هذا القرآن وما يبينه به صلى الله عليه وسلم من السنن.فكل من قال لهؤلاء الكفار الكارهين لما نزل الله :سنطيعكم في بعض الأمر فهو داخل في وعيد الآية, وأحرى من ذلك من يقول لهم : سنطيعكم في كل الأمر كالذين يتبعون القوانين الوضعية مطيعين بذلك للذين كرهوا ما نزل الله فإن هؤلاء لا شك أنهم ممن تتوفاهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم, وأنهم أتبعوا ما اسخط الله وكرهوا رضوانه وأنه محبط أعمالهم , فاحذر كل الحذر من الدخول في الذين قالوا: سنطيعكم في بعض الأمر أ.هـ أضواء البيان 7/589-590.
يقول الشيخ أحمد شاكر رحمه الله تعالى: وقال أيضا: إن الأمر في هذه القوانين الوضعية واضحة وضوح الشمس هي كفر بواح لا خفاء فيه ولا مداورة ولا عذر لأحد ممن ينتسب للإسلام –كائنا من كان- في العمل بها أو الخضوع لها أو إقرارها فليحذِّر امرؤ نفسه وكل امريء حسيب نفسه ألا فليصدع العلماء بالحق غير هيابين وليبلغوا ما أمروا بتبليغه غير موانين ولا مقصرين أ.هـ عمدة التفسير 4/173-174.
وقال أيضا : نرى في بعض بلاد المسلمين قوانين ضربت عليها نقلت عن أوروبا الوثنية الملحدة وهي قوانين تخالف الإسلام في جوهره في كثير من أصولها وفروعها بل إن في بعضها ما ينقض الإسلام ويهدمه وذلك أمر واضح وبديهي لا يختلف فيه إلا من يغلط نفسه ويجهل دينه أو يعاديه من حيث لا يشعر وهي في كثير من أحكامها توافق التشريع الإسلامي أو لا تنافيه على الأقل وأن العمل بها في بلاد المسلمين غير جائز حتى في ما وافق التشريع الإسلامي لأن من وضعها حين وضعها لم ينظر إلى موافقتها للإسلام أو مخالفتها , إنما نظر إلى موافقتها إلى قوانين أوروبا أو لمبادئها وقواعدها وجعلها هي الأصل الذي يرجع إليه فهو آثم مرتد بهذا سواءًا أوضع حكما موافقا للإسلام أم مخالفا أ.هـ تعليقه على المسند 6/301-316.
ونقول لهؤلاء الذين يجعلون طاعة واتباع القوانيين الوضعيةبزعمهم التي لا تخالف الشريعة- من الإسلام أنه يلزم من ذلك جواز تشريعها لأن الفرع له حكم الأصل ومعنى هذا جث الإسلام من جذوره فمن أجل الحصول على بعض مظاهر الرفاهية أو تسهيل الحصول على الضروريات حرفنا دين رب البريات.
بعد بيان بطلان مذهبكم ومخالفته لمنهج أهل السنة والجماعة لا بد من بيان حقيقة هذا الأمر وهو الطاعة حسب الأصول الشرعية الصحيحة

***

بحث المسألة بحثا شرعيا صحيحا
إن مسألة الطاعة من مسائل اصل الدين والتي طرأ عليها التحريف بقصد او بغير قصد مما أدى إلى غياب حقيقتها والتي انعكست سلبا على حقيقة الاسلام مما أدخل الناس في متاهات الحيرة والألفة لواقع الجاهلية في عصرنا هذا ولذلك كان لزاما علينا بيان حقيقتها وضوابطها لنكون على بصيرة من ديننا والله الهادي إلى سواء السبيل

معنى الطاعة في اللغة
والطاعة : اسم للطوع الذي هو مصدر طاع يطوع بمعنى انقاد وفعل ما يؤمر به عن رضى دون ممانعة فالطاعة ضد الكره . والطاعة : امتثال الأوامر واجتناب النواهي قالوا ولا تكون الطاعة إلا عن أمر كما أن الجواب لا يكون إلا عن قول يقال أمره ( فَأَطَاعَ ) والطوع الانقياد بسهولة والطاعة مثله لكن أكثر ما يقال في الائتمار فيما أمر والارتسام فيما رسم. وقيل : طَاع : إذا انْقَاد وأطِاع : اتَّبَع الأمْرَ ولم يُخَالفه, فإذا مَضى لأَمرِه فقد أَطاعَهُ فإذا وافقَه فقد طاوَعَهُ أ.هـ تاج العروس1/ 5426 -5427، لسان العرب 8 / 240, القاموس المحيط 1/ 962, مختار الصحاح1/403, المصباح المنير2/380, النهاية في غريب الأثر3/322 , كتاب العين2/209, التعريفات1/182, التعاريف1/487, التحرير والتنوير1/1400, 2927.
فالطاعة هي امتثال الأمر والتي تعني الرضى وعدم الكره أي المحبة, وامتثل أمره: احتَذاه وعمل على مِثاله, و( امْتَثَلْتُ ) أمره أطعته, ورَسَمْتُ له كذا فارْتَسَمَه إذا امتَثله أ.هـ لسان العرب11/610, 12/ 241, المغرب في ترتيب المعرب 2/258, المصباح المنير 2/564.
معنى الطاعة في القرآن والسنة النبوية
فالطاعة في الأصل هي فعل متعلق بأمر فلا تكون الطاعة إلا بعد ورود الأمر وهذا ما قررته النصوص الشرعية القرآنية والنبوية فأما القرآنية فهي:
قوله تعالى:لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (الأنبياء:27).
وقوله تعالى:يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (النحل:50).
فهذه حقيقة طاعة الملائكة لربهم أنهم يتلقون أوامر ربهم فيستجيبون لأمره بالعمل والفعل ولم يذكر الله تعالى أن الطاعة تتحقق بالقبول كما ذهبتم إليه فدل على أن العمل والفعل الظاهر هو الدلالة الحقيقية لقبول الأمر .
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى:فقوله لا يعصون لا يمتنعون عن الطاعة وقوله ويفعلون ما يؤمرون أى هم قادرون على ذلك لا يعجزون عن شىء منه بل يفعلونه كله فيلزم وجود كل ما أمروا به وقد يكون فى ضمن ذلك أنهم لا يفعلون الا المأمور به كما يقول القائل أنا أفعل ما أمرت به أى أفعله ولا أتعداه الى زيادة ولا نقصان أ.هـ مجموع الفتاوى 7/174.
وقال أيضا:وأحسن من هذا وهذا أن العاصي هو الممتنع من طاعة الامر مع قدرته على الامتثال فلو لم يفعل ما أمر به لعجزه لم يكن عاصيا فاذا قال لا يعصون الله ما أمرهم لم يكن فى هذا بيان أنهم يفعلون ما يؤمرون فان العاجز ليس بعاص ولا فاعل لما أمر به وقال ويفعلون ما يؤمرون ليبين أنهم قادرون على فعل ما أمروا به فهم لا يتركونه لا عجزا ولا معصية والمأمور انما يترك ما أمر به لأحد هذين اما أن لا يكون قادرا وإما أن يكون عاصيا لا يريد الطاعة فاذا كان مطيعا يريد طاعة الآمر وهو قادر وجب وجود فعل ما أمر به فكذلك الملائكة المذكورون لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون أ.هـ مجموع الفتاوى 13/61.
وهذا حال الأنبياء صلى الله عليه وسلم قال تعالى عن ابراهيم الخليل صلى الله عليه وسلم:
فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ(102) فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ(103)، فالرؤي بحق الانبياء عليهم الصلاة والسلام حق ولم يفهم ابراهيم واسماعيل عليهما السلام من الرؤيا القبول وإنما فهموا أن المقصود من الأمر الفعل الظاهر الذي هو الدلالة الحقيقية على القبول القلبي فاسماعيل عليه السلام قال : يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ، وهذا الفعل وهو الامتثال للأمر ولذلك بين سبحانه وتعالى أن الاستسلام (فَلَمَّا أَسْلَمَا)، كانت دلالته (وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ).
وقال تعالى:يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (المائدة:67)،فبين سبحانه لنبيه أنه إذا لم يمتثل للأمر بفعل البلاغ فإنه لم يأت بالمقصود من الطاعة فلم يكتاف منه بمجرد القبول القلبي،وهو أصل مذهبكم ولو أردت الاسترسال بالأدلة لكان هذا متعلقا بجميع آيات القرآن.
أما الأدلة بخصوص لفظ الطاعة الصريح على أن المراد منه الإتيان بالفعل وأنه دلالة على القبول :
قوله تعالى:
1- قوله تعالى:يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً(النساء:59)،يقول ابن العربي رحمه الله:المسألة الأولى:في حقيقة الطاعة وهي امتثال الأمر كما أن المعصية ضدها وهي مخالفة الأمر ، والطاعة مأخوذة من طاع إذا انقاد والمعصية مأخوذة من عصى إذا اشتد فمعنى ذلك امتثلوا أمر الله تعالى وأمر رسوله عليه الصلاة والسلام أ,هـ أحكام القرآن1/573.
2- قوله تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً(النساء:64)، فالمقصود من لفظ يطاع نفهمه من وروده في نص آخر وذلك قوله تعالى: مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ (غافر:18)،فالشفاعة هنا من أجل إخراجهم من النار فلو كان معنى يطاع القبول القلبي فلا معنى من الشفاعة إلا إذا قلنا أن القبول يلزم منه الفعل فيكون الفعل دلالة على اتلقبول وهذا هو الحق الذي لا تقول بخلافه العقول السوية.
3- قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ الآية (الحجرات:7).
يقول ابن جرير رحمه اله تعالى: وقوله { لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم } يقول تعالى ذكره : لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل في الأمور بآرائكم ويقبل منكم ما تقولون له فيطيعكم { أنتم } يقول : لنالكم يعني الشدة والمشقة في كثير من الأمور بطاعته إياكم لو أطاعكم لأنه كان يخطئ في أفعاله ا.هـ التفسير 11/385.
قال القرطبي رحمه الله تعالى :ومعنى طاعة الرسول لهم الائتمار بما يأمر به فيما ييلغونه عن الناس والسماع منهم أ.هـ : تفسير القرطبي 16/266.
4- قوله تعالى: وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقاً(النساء:69)، وهذه الآية سبقها آية توضح المقصود منها وهي قوله تعالى: وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً () فهي تتحدث عن طاعة الله تعالى بامتثال أوامره من قتل النفس والاخراج من الديار وجاء البيان الرباني بقوله: ولو أنهم فعلوا ، فالمطلوب من الأوامر الطاعة وهذه الطاعة المقصود منها الائتمار فعل امتثال الأمر والاتيان بالفعل.
قال ابن كثير رحمه الله تعالى: أي من عمل بما أمره الله به وترك ما نهاه الله عنه ورسوله فإن الله عز وجل يسكنه دار كرامته ويجعله مرافقا للأنبياء ثم لمن بعدهم في الرتبة وهم الصديقون ثم الشهداء والصالحون الذين صلحت سرائرهم وعلانيتهم أ.هـ التفسير 1/693.
ولا أظن أن كلامه يحتاج إلى توضيح وكما يقولون فإن توضيح الواضح من المستحيلات
معنى الطاعة في الخطاب النبوي
- عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ حِينَ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ إِنَّكَ سَتَأْتِي قَوْمًا أَهْلَ كِتَابٍ فَإِذَا جِئْتَهُمْ فَادْعُهُمْ إِلَى أَنْ يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ أ.هـ صحيح البخاري.
قلت:
أ- قوله: فادعهم إلى شهادة أَنْ يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ فسرتها رواية مسلم بلفظ:فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ عِبَادَةُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وقوله فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فسرتها رواية مسلم بلفظ: فَإِذَا عَرَفُوا اللَّهَ، ورواية البيهقي بلفظ: فان هم اجابوك لذلك.

ب- قوله: فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ، فسرتها رواية مسلم بلفظ: فَإِذَا فَعَلُوا،ورواية البيهقي بلفظ: فان هم اجابوك لذلك، وقال ابن دقيق العيد في الفتح لابن حجر : وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْفَضْلِ بْنِ الْعَلَاءِ بَعْدَ ذِكْرِ الصَّلَاةِ " فَإِذَا صَلَّوْا أ.هـ5/123.
فالطاعة المقصود منها فعل الصلاة، لأنها تقضي فعلا في وقتها ووقت إسلامهم لا بد من أن يكون في وقت صلاة معينة يجب فعلها..
ت- قوله: فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ ، فسرتها رواية مسلم بلفظ: فَإِذَا أَطَاعُوا بِهَا، ورواية البيهقي بلفظ: فان هم اجابوك لذلك،وقال ابن دقيق العيد في الفتح لابن حجر: وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْفَضْلِ بْنِ الْعَلَاءِ بَعْدَ ذِكْرِ الصَّلَاةِ " فَإِذَا صَلَّوْا " وَبَعْدَ ذِكْرِ الزَّكَاةِ " فَإِذَا أَقَرُّوا بِذَلِكَ فَخُذْ مِنْهُمْ أ.هـ 5/123.
فالطاعة المتعلقة بالزكاة هي الاجابة بالإقرار لأن الزكاة لا تجب إلا بعد الحول بالنصاب الشرعي.
فالطاعة جاءت بمعنى امتثال الأمر(الإتيان بالفعل)،قال محمد شمس الحق العظيم آبادي رحمه الله تعالى: فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوك لِذَلِكَ:اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْكُفَّار غَيْر مُخَاطَبِينَ بِالْفُرُوعِ حَيْثُ دُعُوا أَوَّلًا إِلَى الْإِيمَان فَقَطْ ثُمَّ دُعُوا إِلَى الْعَمَل أ.هـ عون المعبود4/1، وهذا العمل الظاهر دلالة على القبول الباطني لأنه من لوازمه قال: وَفِي حَدِيث اِبْنِ عَبَّاس من الْفَوَائِد غَيْر مَا تَقَدَّمَ الِاقْتِصَار فِي الْحُكْم بِإِسْلَامِ الْكَافِر إِذَا أَقَرَّ بِالشَّهَادَتَيْنِ ، فَإِنَّ مِنْ لَازِمِ الْإِيمَان بِاَللَّهِ وَرَسُوله التَّصْدِيق بِكُلِّ مَا ثَبَتَ عَنْهُمَا وَالْتِزَام ذَلِكَ أ.هـ فتح الباري 20/440.
قَالَ اِبْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ : يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ إِقْرَارَهُمْ بِوُجُوبِهَا عَلَيْهِمْ وَالْتِزَامِهِمْ لَهَا ، وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ الطَّاعَةَ بِالْفِعْلِ ، وَقَدْ يُرَجَّحُ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْمَذْكُورَ هُوَ الْإِخْبَارُ بِالْفَرِيضَةِ فَتَعُودُ الْإِشَارَةُ بِذَلِكَ إِلَيْهَا ، وَيَتَرَجَّحُ الثَّانِي بِأَنَّهُمْ لَوْ أُخْبِرُوا بِالْفَرِيضَةِ فَبَادِرُوا إِلَى الِامْتِثَالِ بِالْفِعْلِ لَكَفَى وَلَمْ يُشْتَرَطْ التَّلَفُّظُ بِخِلَافِ الشَّهَادَتَيْنِ ، فَالشَّرْطُ عَدَمُ الْإِنْكَارِ وَالْإِذْعَانُ لِلْوُجُوبِ اِنْتَهَى . وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ ، فَمَنْ اِمْتَثَلَ بِالْإِقْرَارِ أَوْ بِالْفِعْلِ كَفَاهُ أَوْ بِهِمَا فَأَوْلَى ، أ.هـ فتح الباري5/123. وهو هنا يتحدث عن رواية البخاري وقد سبق بيان الروايات الأخرى المفسرة لها.
وقال ابن حجر رحمه الله تعالى: وَاَلَّذِي وَقَعَ فِي حَدِيث مُعَاذ " فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا " فَإِنَّ عِنْد بَعْض رُوَاته كَمَا ذَكَرَهُ اِبْن التِّين " فَإِنْ هُمْ طَاعُوا " بِغَيْرِ أَلْف ، وَقَدْ قَرَأَ الْحَسَن الْبَصْرِيّ وَطَائِفَة مَعَهُ " فَطَاوَعَتْ لَهُ نَفْسه " قَالَ اِبْن التِّين : إِذَا اِمْتَثَلَ أَمَرَهُ فَقَدْ أَطَاعَهُ ، وَإِذَا وَافَقَهُ فَقَدْ طَاوَعَهُ ، قَالَ الْأَزْهَرِيّ . الطَّوْع نَقِيض الْكُرْه ، وَطَاعَ لَهُ اِنْقَادَ ، فَإِذَا مَضَى لِأَمْرِهِ فَقَدْ أَطَاعَهُ . وَقَالَ يَعْقُوب بْن السِّكِّيت : طَاعَ وَأَطَاعَ بِمَعْنَى أ.هـ فتح الباري8/68.
2-ع َنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ دَعُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِسُؤَالِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ فَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ أ.هـ صحيح البخاري22/255.
قوله: وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ أ.هـ فسرتها رواية الامام أحمد بلفظ: فَاتَّبِعُوهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ أ.هـ ورواية أخرى له بلفظ: فَأْتُوهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ أ.هـ،ورواية الطحاوي في مشكل الآثار بلفظ: فافعلوا منه ما استطعتم أ.هـ
قال ابن رجب الحنبلي رحمه الله تعالى: وأشار - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث إلى أنَّ في الاشتغال بامتثالِ أمرِه ، واجتنابِ نهيه شغلاً عن المسائل ، فقال : (( إذا نهيتُكم عن شيءٍ ، فاجتنبوه ، وإذا أمرتُكم بأمرٍ ، فأتوا منه ما استطعتم )) فالذي يتعيَّنُ على المسلم الاعتناءُ به والاهتمامُ أنْ يبحثَ عمَّا جاءَ عن الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ، ثم يجتهدُ في فهم ذلك ، والوقوف على معانيه ، ثم يشتغل بالتصديقِ بذلك إنْ كان من الأمور العلمية ، وإنْ كان من الأمور العملية ، بذل وسْعَهُ في الاجتهاد في فعل ما يستطيعه من الأوامر ، واجتناب ما يُنهى عنه أ.هـ جامع العلوم والحكم ص11.وقال أيضا: أنَّ امتثالَ الأمر لا يحصلُ إلاّ بعمل أ.هـ جامع العلوم والحكم ص 24.
3- عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً فَاسْتَعْمَلَ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُطِيعُوهُ فَغَضِبَ فَقَالَ أَلَيْسَ أَمَرَكُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُطِيعُونِي قَالُوا بَلَى قَالَ فَاجْمَعُوا لِي حَطَبًا فَجَمَعُوا فَقَالَ أَوْقِدُوا نَارًا فَأَوْقَدُوهَا فَقَالَ ادْخُلُوهَا فَهَمُّوا وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يُمْسِكُ بَعْضًا وَيَقُولُونَ فَرَرْنَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ النَّارِ فَمَا زَالُوا حَتَّى خَمَدَتْ النَّارُ فَسَكَنَ غَضَبُهُ فَبَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَوْ دَخَلُوهَا مَا خَرَجُوا مِنْهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ أ.هـ صحيح البخاري13/237.
قلت : انظر إلى فهم الصحابة رضي الله عنهم من لفظ الطاعة فعندما قال لهم: فَقَالَ أَلَيْسَ أَمَرَكُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُطِيعُونِي قَالُوا بَلَى أ.هـ فعندما أمرهم بجمع الحطب وإيقاد النار فعلوا ذلك ولم يقولوا له إن الطاعة هنا القبول فقط ولا يلزم منها امتثال الأمر بفعله حتى أنهم لما أمرهم بدخول النار التي أوقودوها همّ بعضهم بدخولها امتثالا للأمر لكن البعض لم يفعل ذلك ليس لأن الطاعة لا تعني امتثال الأمر بل لأن دخولهم الإسلام فرارا من النار فكيف يدخولونها بعد اسلامهم.
4- عن الأسود بن سريع أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال : أربعة يوم القيامة رجل أصم لا يسمع شيئا ورجل أحمق ورجل هرم ورجل مات في فترة فأما الأصم فيقول رب لقد جاء الإسلام وما أسمع شيئا وأما الأحمق فيقول رب لقد جاء الإسلام والصبيان يحذفوني بالبعر وأما الهرم فيقول ربي لقد جاء الإسلام وما أعقل شيئا وأما الذي مات في الفترة فيقول رب ما أتاني لك رسول فيأخذ مواثيقهم ليطيعنه فيرسل إليهم ان أدخلوا النار قال فوالذي نفس محمد بيده لو دخلوها لكانت عليهم بردا وسلاما.ا.هـ مسند أحمد بن حنبل4/24. تعليق شعيب الأرنؤوط : حديث حسن وهذا إسناد ضعيف لانقطاعه قتادة : وهو ابن دعامة السدوسي مدلس وقد عنعن.
عن أبي هريرة : مثل هذا غير انه قال في آخره فمن دخلها كانت عليه بردا وسلاما ومن لم يدخلها يسحب إليها أ.هـ مسند أحمد بن حنبل4/24.تعليق شعيب الأرنؤوط : إسناده حسن من أجل معاذ بن هشام : وهو الدستوائي.
قلت: أنظر إلى قوله: فيأخذ مواثيقهم ليطيعنه أ.هـ ومعنى الطاعة هنا بقوله: فمن دخلها كانت عليه بردا وسلاما ومن لم يدخلها يسحب إليها أ.هـ فثبت هنا أيضا أن الطاعة هي امتثال الأمر بفعل المأمور به وليس القبول الباطني.
5-عن أبي هريرة رضي الله عنه :أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله ومن أطاع أميري فقد أطاعني ومن عصى أميري فقد عصاني أ.هـ متفق عليه.
قال ابن حجر رحمه الله تعالى: والطاعة هي الإتيان بالمأمور به والانتهاء عن المنهي عنه والعصيان بخلافه قوله ومن أطاع أميري فقد أطاعني في رواية همام والأعرج وغيرهما عند مسلم ومن أطاع الأمير ويمكن رد اللفظين لمعنى واحد فان كل من يأمر بحق وكان عادلا فهو أمير الشارع لأنه تولى بأمره وبشريعته ويؤيده توحيد الجواب في الأمرين وهو قوله فقد أطاعني أي عمل بما شرعته أ.هـ فتح الباري13/112.
دلالات الطاعة في الخطاب الشرعي
إن معنى الطاعة يقوم عليه مدار الدين لأنه المعنى العملي للعبادة وهذا ما قرره علماء الأمة على حد سواء علماء اللغة والتفسير والحديث والفقه ويتوقف عليه حكم الإسلام والكفر..
وأَصل العُبودِيَّة الخُضوع والتذلُّل.وتَعَبَّدَ اللَّهُ العَبْدَ بالطاعة أَي استعبده, والتَّعَبُّدُ التَّنَسُّكُ والعِبادَةُ الطاعة, وقال الزجاج في قوله تعالى: إياك نعبد أي:نطيع الطاعة التي يخضع معها, وقيل إياك نوحد, ومعنى العبادة في اللغة الطاعة مع الخضوع.
قال الأَزهري غلط الليث في القراءة والتفسير ما قرأَ أَحد من قرَّاء الأَمصار وغيرهم وعَبُدَ الطاغوتُ برفع الطاغوت إِنما قرأَ حمزة وعَبُدَ الطاغوتِ وأَضافه قال والمعنى فيما يقال خَدَمُ الطاغوتِ قال وليس هذا بجمع لأَن فَعْلاً لا يُجْمَعُ على فَعُلٍ مثل حَذُرٍ ونَدُسٍ فيكون المعنى وخادِمَ الطاغوت.
وكلُّ من دانَ لملك فهو عابد له وقال ابن الأَنباري فلان عابد وهو الخاضع لربه المستسلم المُنْقاد لأَمره وقوله عز وجل: اعبدوا ربكم() أَي: أَطيعوا ربكم وعَبَّدَ الرجلُ أَسْرعَ وما عَبَدَك عَنِّي أَي ما حَبَسَك, وعَبِدَ به لَزِمَه فلم يُفارِقْه أ.هـ لسان العرب3/273.
والعَبْدِيَّةُ والعُبودِيَّةُ والعُبودَةُ والعِبادَةُ : الطَّاعَةُ أ.هـ القاموس المحيط 1/378.
وقال آخَرُونَ : العُبُودَةُ : الرِّضا بما يَفْعَلُ الرَّبُّ والعِبَادَةُ : فِعْلُ ما يَرْضَى به الرَّبُّ, وأَما عَبَدَ الله فَمَصْدَرهُ : عِبَادَة وعُبُودة وعُبُودِيّة أَي أَطاعه.وفي اللسان : وعَبَد اللهَ يَعبُده عِبادَةً ومَعْبَداً : تَأَلَّه له .
والمُعَبَّدُ كمُعَظَّمٍ : المُذَلَّلُ من الطريق وغيره يقال: بَعِيرٌ مُعَبَّد أي مُذَلَّلٌ طريقٌ مُعَبَّدٌ أي مسْلُوكٌ مُذَلَّل.وقيل: هو الذي تَكثرُ فيه المُخْتَلِفةُ . قال الأزهريُّ: والمُعَبَّد: الطَّريقُ المُوطُوءُ. والمُعَبَّدُ: المُكَرَّمُ المُعَظَّم كأَنّه يُعَبَد ضِدٌّ قال حاتم: تَقُولُ أَلا تُبْقِي عليكَ فإِنَّني.. أَرى المالَ عِنْدَ المُمْسِكِينَ مُعَبَّدَا أي مُعَظَّماً مَخْدُوماً وبَعِيرٌ مُعَبَّدٌ: مُكَرَّمٌ أ.هـ تاج العروس1/2096-2101.
( تَعَبَّدْتُهُ ) دعوته إلى الطاعة أ.هـ المصباح المنير2/289.
دلالة الطاعة في المصطلحات الشرعية
1- التوحيد
فأَنا أَوّل العابدين إِلهَ الخَلْق أَجمعين الذي لم يلد ولم يولد وأَوّل المُوَحِّدِين للرب الخاضعين المطيعين له وحده أ.هـ لسان العرب3/273.
2- الإسلام
{ ونحن له مسلمون} ونحن له خاضعون بالعبودية والطاعة وقيل: منقادون لأمره ونهيه.أ.هـ تفسير الطبري 1/ 612. روح المعاني1/396.
فتأويل قوله : { إن الدين عند الله الإسلام } : إن الطاعة التي هي الطاعة عنده الطاعة له وإقرار الألسن والقلوب له بالعبودية والذلة وانقيادها له بالطاعة فيما أمر ونهى وتذللها له بذلك من غير استكبار عليه ولا انحراف عنه دون إشراك غيره من خلقه معه في العبودة والألوهة أ.هـ تفسير الطبري3/211.
3- القنـوت
{ كل له قانتون } روي عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:كل قنوت في القرآن فهو طاعة, قال النحاس: مطيعون طاعة انقياد وقيل: قانتون مقرون بالعبودية وإما قالة وإما دلالة.أ.هـ تفسير القرطبي 14/ 18 .
ويقنت معناه : يطيع ويخضع بالعبودية قاله الشعبي وقتادة أ.هـ تفسير الثعالبي3/226.
4- الانقياد والإتباع
{ إن كنتم إياه تعبدون } يقول:إن كنتم منقادين لأمره سامعين مطيعين أ.هـ تفسير الطبري2/88.
113.
أن الإسلام طوعا هو الانقياد والامتثال لما أمر الله تعالى من غير معارض أ.هـ روح المعاني3/214.
, وعن مجاهد وزيد بن أسلم تفسير قوله ( إلا ليعبدون ) بمعنى : إلا لآمرهم وأنهاهم .أ.هـ التحرير والتنوير1/3772.
5- الديـن
قال أبو جعفر : ومعنى { الدين } في هذا الموضع : الطاعة والذلة أ.هـ تفسير الطبري 3/211.
{ وأمرنا لنسلم لرب العالمين } يقول : وأمرنا ربنا ورب كل شيء تعالى وجهه لنسلم له لنخضع له بالذلة والطاعة والعبودية فنخلص ذلك له دون ما سواه من الأنداد والآلهة.أ.هـ تفسير الطبري5/231.
وانتصب( دينا ) على التمييز, وإسلام الوجه كناية عن تمام الطاعة والاعتراف بالعبودية وهو أحسن الكنايات لأن الوجه أشرف الأعضاء وفيه ما كان به الإنسان إنسانا وفي القرآن ( فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعني )أ.هـ التحرير والتنوير1/1031
6- الإخبـات
{وبشر المخبتين} يقول تعالى ذكره: وبشر يا محمد الخاضعين لله بالطاعة المذعنين له بالعبودية المنيبين إليه بالتوبة أ.هـ تفسير الطبري 9/150
8- التسخير
السخرة بمعنى الانقياد والعبودية أ.هـ تفسير البيضاوي1/170.
9- التنسك
{ واسجد } أي صل لله { واقترب } أي تقرب إلى الله جل ثناؤه بالطاعة والعبادة أ.هـ تفسير القرطبي 20/118.
فبعد ضبط معنى الطاعة ومدلولاتها ومكانتها من الدين لا بد من ضبط وتحديد قاعدة هذه الطاعة التي تقوم عليه وهو الأمر لأن الطاعة هي امتثال الأمر ، والأمر من خصائص الربوبية ومقتضاها اللازم لها ولا ينفك عنها لأن الآمر لا يكون إلا خالقا قال تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (الأعراف:54)، ولذلك قرر سبحانه وتعالى بأن الأمر له وحده خاص به لأنه خالق الخلق المتصرف بهم فكلهم مربوبون له مطيعون فليس هناك آمر إلا هو قال تعالى: يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الأَمْرِ مِن شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ الآية(آل عمران:154)، يقول الألوسي رحمه الله تعالى:وعلى الثاني يريد أن تلك الأحكام حدود حاجزة بين الألوهية والعبودية فالإله يحكم والعباد تنقاد فلا تقربوا الأحكام لئلا تكونوا مشركين بالله تعالى أ.هـ روح المعاني2/69.
الأَمْرُ :معروف نقيض النَّهْيِ وأَمَرَهُ يَأْمُرُه أَمْراً وإِماراً فأْتَمَرَ أَي قَبِلَ أَمْرَه وائْتَمَرَ الأَمرَ أَي امتثله ,فأْتَمَرَ أَي أَطاعها وأُولُو الأَمْرِ : الرُّؤساءُ والعلماءُ ,. والأمر بمعنى الحال جمعه ( أُمُورٌ ) وعليه ( وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ ) و( الأَمْرُ ) بمعنى الطلب جمعه ( أَوَامِرُ ) وعليه أكثرُ الفُقَهاء وهو الجارِي في ألْسِنَة الأقوام أ.هـ لسان العرب4/ 26, القاموس المحيط 1/439, تاج العروس 1 / 2463 , المصباح المنير جزء 1 /21 .
الأمر عند علماء الأصول والبلاغة والتفسير والحديث هو: استدعاء الفعل بالقول ممن هو دونه على سبيل الوجوب وصيغته افعل وهي عند الإطلاق والتجرد عن القرينة تحمل عليه إلا ما دل الدليل على أن المراد منه الندب أو الإباحة ولا تقتضي التكرار على الصحيح إلا ما دل الدليل على قصد التكرار ولا تقتضى الفور أو هو طلب الفعل بالقول على سبيل الاستعلاء والإلزام أو اقتضاء فعل غير كف على جهة الاستعلاء , والاقتضاء طلب (والطَّلَبُ: مُحاوَلَةُ وِجْدانِ الشَّيءِ وأَخْذِه ) الفعل مع المنع عن الترك وهو الإيجاب أو بدونه وهو الندب أو طلب الترك مع المنع عن الفعل وهو التحريم أو بدونه وهو الكراهة والأمر والدعاء يتشاركان لفظا ومعنى ويتفاوتان بالاستعلاء والتسفل وقيل: بالرتبة والدعاء إذا استعملت في طلب الفعل على سبيل التضرع نحو ( رب اغفر لي ولوالدي ) والالتماس إذا استعملت فيه على سبيل التلطف كقولك لمن يساويك في الرتبة أفعل بدون الاستعلاء والاحتقار نحو (ألقوا ما أنتم ملقون).أ.هـ إرشاد الفحول1/140, الإحكام للآمدي2/258, , المحصول للرازي2/22,المدخل1/223, المستصفى 1/202,روضة الناظر1/189, الورقات1/13, لتعريفات 1/50. لسان العرب 1/559, الكشاف 1 / 59, تفسير البيضاوي 1/ 69,تفسير النسفي 1 /34, الإيضاح في علوم البلاغة جزء 1/141-143, شرح سنن ابن ماجه 1/63 , مجموع الفتاوى28/168, الاستقامة2/292.
وعليه فلواقع تحريف الدين الذي نعيشه وندرة العلماء الربانيين واتجاه الناس إلى التقليد في الدين وغياب الوعي الحقيقي واندراس ملكة اللغة في الأمة وغلبة العجمة على الناس حتى عند من يتكلم في المسائل الشرعية فكثير منهم يظن أن كل تنفيذ لطلب فعل -وهي صيغة الأمر- أنها طاعة مأمور لآمر أي : أن كل من طلب فعل فهو آمر وأن كل من نفذ فعل فهو مأمور وهذا خطأ فاحش ترتب عليه تخليط وتمييع وعدم ضبط لهذه المسألة فصيغة طلب الفعل لها ثلاث وثلاثون معنى فهي من الأمور المحتملة وعليه فإن صيغة طلب الفعل من حيث الآمر والمأمور والتي تترتب عليها الأحكام الشرعية خمسة وهي صيغة طلب الفعل المتعلقة بالتشريع والتي تدل على معنى الأحكام الشرعية من حيث الوجوب والتحريم والكراهة والاستحباب والإباحة التكليفية والوضعية فهي عند الإطلاق والتجرد عن القرينة تعني الوجوب من حيث الأمر بإيجاد معدوم وتحريم من حيث النهي، ومع وجود القرائن تنتقل إلى ما دون الوجوب وهو الكراهة والاستحباب والإباحة وهذه على اعتبارين:
الأول: أن تكون من له صفة السلطان سواء السلطان المادي وهم الأمراء ( السادة والكبراء) أو السلطان المعنوي وهم العلماء، فإن ردوها إلى الله ورسوله فتكون الربوبية لله تعالى، وإن ردوها إلى غير الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام فتكون ربوبية لهم فعندها يكونوا طواغيتا.وهذا في الاصطلاح الشرعي هو: طلب الفعل بالقول على سبيل الاستعلاء والإلزام.
الثاني:أن تكون من غير ذوي السلطان (الضعفاء والمستضعفون)، إلى السادة والكبراء فإن كانوا ممن يردون أمورهم إلى غير شرع الله تعالى فهي تأليه لغير الله تعالى واتخاذ أرباب من دون الله تعالى أي:عبادة غير الله تعالى، وهذه تكون فيما لا يملكه السادة والكبراء من حق أثبته لهم الشرع، وهذا يسمى في الاصطلاح الشرعي الدعاء وهو:طلب الفعل على سبيل التسفل والدنوا واللجوء والاستجداء.
فإذا كان طلب الفعل من متساويين في الرتبة فيكون على سبيل التلطف دون استعلاء واحتقار فهو الالتماس وحكم الامتثال يكون حكم الفعل ويجتمع هنا حكمان حكم الطاعة وحكم الفعل.
تبقى قضية طاشت فيها العقول واضطربت فيها الأفهام قادتها الآراء والأهواء وهي مسألة علاقة الشيطان مع المسلمين فبناء على ما سبق فإن الشيطان ليس له سلطان بنص قوله تعالى: {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (إبراهيم:22)، فليس له سلطان مادي على المسلم فلا يوجد علاقة أمير ورئيس ومرؤوس وليس له سلطان معنوي وهو سلطان الحجة،ومن ناحية أخرى فهو أدنى من المسلم رتبة والمسلم أعلى منه وبما أن علاقته من خلال الوسوسة والتزيين والإغراء فصورة الأمر هي : طلب فعل من أدنى إلى أعلى على سبيل الغواية والتزيين والحكم في هذه الحالة يكون للفعل وهي حالة أدنى من طلب الفعل من متساويين فطلب الفعل من متساويين يكون له حكم الفعل فيجتمع حكمان حكم الطلب وحكم الفعل وهذا من باب الزيادة في الشيء بخلاف قضية الشيطان كونها حالة أدنى منها فيكون الحكم للفعل فقط ويقال عندها أطاع الشيطان في المعصية او الكفر وتكون الطاعة في هذه الحالة من حيث الأمر وليس الآمر.
الطاعة عند المسلم
قررت النصوص الشرعية بأن الطاعة عند المسلم بنص قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (النساء:59).
1- طاعة الله عز وجل بحق الربوبية,
2- طاعة الرسول عليه الصلاة والسلام لأن طاعته طاعة لله عز وجل بنص قوله تعالى: مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً(النساء:80).
3- طاعة أولي الأمر أي : أصحاب الأمر وهذا الأمر ليس مطلقا وإنما أمر الله ورسوله وهم أصحاب الولايات الشرعية : الإمامة العظمى ، وإمامة الصلاة وإمامة الجهاد وإمارة الصدقات والعلماء والوالدين واالزوج وهكذا فيطاع كل والي من خلال ولايته التي يؤديها حسب طاعة الله تعالى وطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم وهذه الطاعة هي كما بينها عليه الصلاة والسلام عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله ومن أطاع أميري فقد أطاعني ومن عصى أميري فقد عصاني أ.هـ متفق عليه. وعليه فطاعة أولي الأمر في طاعة الله عز وجل طاعة لله عز وجل وطاعة أولي الأمر في طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم طاعة لله عز وجل وهذه الطاعة مقيدة بغير المعصية لقوله عليه الصلاة والسلام في قصة أمير السرية التي أوقد نارا وأمرهم بدخولها: الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ أ.هـ صحيح البخاري،وقوله عليه الصلاة والسلام: السمع والطاعة حق ما لم يؤمر بالمعصية فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعةأ.هـ صحيح البخاري فالنتيجة أن الطاعة لله عز وجل وبذلك يتحقق التوحيد في الطاعة.
فليس عند المسلم طاعة لغير ما نصت عليه النصوص الشرعية أما غير المسلم فقد دلت النصوص على أن طاعة الطاغوت وطاعة المشرك مناقضة للتوحيد لأن الطاعة أصل الدين ولا يشوش على ذلك قوله عليه الصلاة والسلام:لا طاعة لمخلوق في معصية الله عز وجل فهنا كلمة مخلوق من العام المخصوص بمن وجبت طاعته وليست عامة بحق البشر جميعا سواء منهم المسلم وغير المسلم ولو قلنا بعموم لفظ المخلوق لشمل ذلك جميع ما هو مخلوق من الإنس والجن والدواب والنبات والجماد وهذا لا يقوله أحد وهذا أحد أساليب الخطاب اللغوي كقوله تعالى: الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم الآية، فهنا المقصود من الناس ليس جميع الناس على وجه الأرض وإنما ناس مخصوصون ثم إن الخطاب النبوي إنما موجه إلى المسلمين في الواقع الإسلامي فافهموا ذلك، فاطاعة أصل التوحيد ويتحقق فيها ركني النفي والإثبات أما الاثبات فقد ورد في آيات كثيرة منها:
قوله تعالى:وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَاحْذَرُواْ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاَغُ الْمُبِينُ (المائدة:92).
قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ (الأنفال:20).
قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ (محمد:33).
وأما النفي فقد ورد في آيات كثيرة منها:
قوله تعالى: فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَاداً كَبِيراً (الفرقان:52).
قوله تعالى:َيا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً (الأحزاب:1).
قوله تعالى:وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً(الأحزاب48).
ولذلك ورد النص الشرعي بأن من قال للكافر سأطيعك في بعض الأمر أنه مرتد فكيف بمن جعل نفسه تحت ولاية الكافر في أكثر أمور حياته ولو عمل أحدهم في هذا الزمان إحصائية في الأمور التي يطيع فيها الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام بالنسبة لطاعته للمشركين لوجدها نسبة لا تذكر في أمور محددة قال تعالى:ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ(محمد:26)، والعجيب أن هذه الآية جاءت بعد قوله تعالى: أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا()، نعم أفلا يتدبرون القرآن ليعلموا أن الطاعة أصل التوحيد أفلا يتدبرون القرآن ليعلموا أنه لا ولاية للمشرك على المسلم ، أفلا يتدبرون القرآن ليعلموا أن النصوص المتعلقة بطاعة الكافر حكمها الردة والكفر، فإذا كان هذا حكم من قال سأطيع ولم يطع سواء كان عن اعتقاد أو غير اعتقاد عن رضى أو كره فمن باب أولى من أطاع وهذا حكم الله سبحانه وتعالى في طاعة الكافر بقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ الَّذِينَ كَفَرُواْ يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنقَلِبُواْ خَاسِرِينَ (آل عمران:149).
وأما الطاغوت فقد ورد أصل الدين باجتنابه والاجتناب إنما هو لذاته كونه طاغوتا، وطاعته والتحاكم إليه ونصرته وحبه زاباع شرائعه كل ذلك من باب التفصيل لحقيقة الطاغوت وبالنظر فيها فإنها لا تبق للطاغوت شيئا من أمور الحياة عند المسلم فكل حركة في الحياة إما طاعة وإما اتباع وإما حكم وإما تحاكم وإما نصرة وإما محبة فكل هذا عند المسلم لله تعالى لا يشاركه فيه غيره لأنه الصراط المستقيم قال تعالى: قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ(161) قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ(162)
(163)الأنعام. لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ
وأما قوله تعالى: وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقاً مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ (آل عمران:100)،وهذه الآية نزلت بسبب تحريش اليهود بين الأوس والخزرج وتذكيرهم بما كان بينهم في الجاهلية من الحروب والبغضاء فالطاعة هنا من جنس طاعة ابليس بالإغواء والتزيين والتحريش وليس عن أمر بناء على سلطان مادي أو معنوي وعموم اللفظ متعلق كما قال ابن جرير رحمه الله تعالى: فنهاهم جل ثناؤه : أن ينتصحوهم ويقبلوا منهم رأيا أو مشورة ويعلمهم تعالى ذكره أنهم لهم منطوون على غل وغش وحسد وبغض أ.هـ التفسير 3/ 372و10/254،تفسير ابن كثير 3/614،أحكام القرآن لابن العربي 1/387، فالطاعة التي نهاهم عنها سبحانه وتعالى هي أن يشاوروهم ويستنصحوهم وهذا محل إجماع عن المفسرين،فلا يمكن بحال أن يتصور أحد العلماء أن يكون مسلم ممتثلا لأوامر ونواهي المشركين في أمر من الأمور ويبقى على إسلامه ناهيك عن امتثال أوامرهم في أكثر نواحي الحياة.

ولأن مسألة الطاعة أثير حولها كثير من الشبهات ومن ذلك أنهم جعلوا للطاغوت طاعة وأن هذا لا يناقض التوحيد فإليك أقوال أهل العلم من المفسرين لتكون على بينة ولتعلم حقيقة التحريف والجهل في هذا الأمر وأن التوحيد هو إخلاص الطاعة لله وجعلها له وحده ليس لمن دونه منها شيء بنص صريح واضح كما أن البعض حرف معنى الطاعة وجعلها حق الطاعة ومعلوم أن هذا تقييد للمعنى الشرعي لا بد من نص شرعي صريح عليه مع ان حق الطاعة تتعلق بالباطن وهو الإعتقاد القلبي والطاعة شيء آخر:
أمن الأمان و الأمانة بمعنى وقد أمنت فأنا أمن و آمنت غيري من الأمن و الأمان و الأمن ضد الخوف و الأمانة ضد الخيانة والإيمان ضد الكفر
..والأمانة تقع على الطاعة والعبادة والوديعة والثقة والأمان أ.هـ لسان العرب 13/21 , النهاية في غريب الأثر 1/166 , المطلع 1/248, عون المعبود9/58, فيض القدير 6/261, نيل الأوطار 9/103.
وقال شيخ المفسرين رحمه الله تعالى
: والذي أراد ابن عباس إن شاء الله بقوله في تأويل قوله:اعبدوا ربكم, وحدوه أي: أفردوا الطاعة والعبادة لربكم دون سائر خلقه أ.هـ تفسيرالطبري1/160.
وقال أيضا
: ويكون الدين كله لله يقول حتى تكون الطاعة والعبادة كلها لله خالصة دون غيره أ.هـ الطبري9/248.
وقال أيضا
: يقول تعالى ذكره اجتنبوا أيها الناس عبادة الأوثان وقول الشرك مستقيمين لله على
إخلاص التوحيد له وإفراد الطاعة والعبادة له خالصا دون الأوثان والأصنام غير مشركين به شيئا من دونه أ
.هـ تفسير الطبري17/155.
وقال أيضا
: وقوله:ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى يقول تعالى ذكره ومن الناس من يخاصم في توحيد الله وإخلاص الطاعة والعبادة له بغير علم عنده بما يخاصم ولا هدى يقول ولا بيان يبين به صحة ما يقول ولا كتاب منير يقول ولا بتنزيل من الله جاء بما يدعى يبين حقية دعواه أ.هـ تفسير الطبري21/79.
والدين ما ورد به الشرع من التعبد ويطلق على الطاعة والعبادة والجزاء والحساب أ
.هـ الحدود الأنيقة 1/70.
وقال الواحدي رحمه الله تعالى
:وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة أي شرك يعني قاتلوهم حتى يسلموا وليس يقبل من المشرك الوثني جزية ويكون الدين أي: الطاعة والعبادة لله وحده فلا يعبد دونه شي ء فإن انتهوا عن الكفر فلا عدوان أي فلا قتل ولا نهب إلا على الظالمين والكافرين أ.هـ الوجيز1/155.
وقال البغوي رحمه الله تعالى
: هو الذي يريكم آياته وينزل لكم من السماء رزقا يعني المطر الذي هو سبب الأرزاق وما يتذكر وما يتعظ بهذه الآيات إلا من ينيب يرجع إلى الله تعالى في جميع أموره فادعوا الله مخلصين له الدين: الطاعة والعبادة ولو كره الكافرون أ.هـ معالم التنزيل 4/94
وقال الشوكاني رحمه الله تعالى
: لله رب العالمين أي خالصا له لا شريك له فيه والإشارة بذلك إلى ما أفاده لله رب العالمين لا شريك له من الإخلاص في الطاعة وجعلها لله وحده أ.هـ فتح القدير 2/185
وقال ابن تيمية رحمه الله
: وحقيقته( التوحيد) أن تفنى بعبادته عما سواه ومحبته عن محبة ما سواه وبخشيته عن خشية ما سواه وبطاعته عن طاعة ما سواه وبموالاته عن موالاة ما سواه وبسؤاله عن سؤال ما سواه وبالإستعاذه به عن الاستعاذة بما سواه وبالتوكل عليه عن التوكل على ما سواه وبالتفويض إليه عن التفويض إلى ما سواه وبالإنابة إليه عن الإنابة إلى ما سواه وبالتحاكم إليه عن التحاكم إلى ما سواه وبالتخاصم إليه عن التخاصم إلى ما سواه أ.هـ منهاج السنة 5/347.
وقال أيضا رحمه الله كلاما جامعا صريحا واضحا
:الاستسلام لله وحده يتضمن عبادته وحده وطاعته وحده فهذا دين الإسلام الذي لا يقبل الله غيره وذلك إنما يكون أن يطاع في كل وقت بفعل ما أمر به في ذلك الوقت .. إلى قوله: فالدين هو الطاعة والعبادة ..وقال صلى الله عليه وسلم : إنا معاشر الأنبياء ديننا واحد. متفق عليه, وهو الاستسلام لله لا لغيره بأن تكون العبادة والطاعة له والذل وهو حقيقة لا إله إلا الله. أ.هـ الفتاوى 5/184.
فهؤلاء علماء الأمة يجمعون على أن العبادة بعمومها تعني الطاعة بعمومها ولم يستثن أحد منهم شيئا منها لأن الله سبحانه بين بأن الصراط المستقيم الذي هو الإسلام والتوحيد هو طاعة الله وحده وطاعة رسوله لا ثالث لهما بقوله
: وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقا (النساء: 69).وعليه فإن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت يكون معناه: أطيعوا الله واجتنبوا طاعة الطاغوت فمن استثنى شيئا من العموم كالقول بجواز طاعة الطاغوت في المباح فيكون معناه:
جواز عبادة الطاغوت في المباح
.
ومن قال بجواز طاعة الطاغوت في الأمور الإدارية يكون قوله جواز عبادة الطاغوت في الأمور الإدارية وهكذا، لأن معنى العبادة الطاعة فأينما وجد مصطلح العبادة في أي نص نضع معناه وهو الطاعة فيكون المعنى صحيحا لا لبس فيه وهو مراد الله تعالى وكذلك فإن معنى الدين الطاعة فمن أطاع الله تعالى فهو في دين الله تعالى ومن أطاع الطاغوت كان في دين الطاغوت ومن قال يجوز طاعة الطاغوت في شيء فقد جعل للطاغوت من الدين شيء والتوحيد
( الإسلام) إنما هو أن يكون الدين كله لله كما نص القرآن على ذلك بلفظ صريح واضح: وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه الآية (الأنفال :39) .
قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى
: واعلم : أن الإنسان ما يصير مؤمناً بالله، إلاّ بالكفر بالطاغوت، والدليل قوله تعالى : َمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (البقرة:256) الرشد : دين محمد ؛ والغي : دين أبي جهل ؛ والعروة الوثقى : شهادة أن لا إلَه إلا ّ الله، وهي متضمنة للنفي والإثبات . تنفي جميع أنواع العبادة عن غير الله تعالى، وتثبت جميع أنواع العبادة كلها لله وحده لا شريك له.أ.هـ الدرر السنية 1/163.
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على النبي الأمين

***

الطــــاعة والعبــــــــادة

أمن أمن الأمان و الأمانة بمعنى وقد أمنت فأنا أمن و آمنت غيري من الأمن و الأمان و الأمن ضد الخوف و الأمانة ضد الخيانة و الإيمان ضد الكفر..... و الأمانة تقع على الطاعة والعبادة والوديعة والثقة و الأمان أ.هـ1/22

وقال الله عز وجل ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله أراد ولكن البر بر من آمن بالله وقول الشاعر:

وكيف تواصل من أصبحت خلالته كأبي مرحب أي كخلالة أبي مرحب و تباروا تفاعلوا من البر وفي حديث الاعتكاف ألبر تردن أي الطاعة والعبادة أ.هـ لسان العرب 4/52

القول في تأويل قوله تعالى يأيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون قال أبو جعفر فأمر جل ثناؤه الفريقين اللذين أخبر الله عن أحدهما أنه سواء عليهم أأنذروا أم لم ينذروا أنهم لا يؤمنون لطبعه على قلوبهم وعلى سمعهم وأبصارهم وعن الآخر أنه يخادع الله والذين آمنوا بما يبدي بلسانه من قيله آمنا بالله واليوم الآخر مع استبطانه خلاف ذلك ومرض قلبه وشكه في حقيقة ما يبدي من ذلك وغيرهم من سائر خلقه المكلفين بالاستكانة والخضوع له بالطاعة وإفراد الربوبية له والعبادة دون الأوثان والأصنام والآلهة لأنه جل ذكره هو خالقهم وخالق من قبلهم من آبائهم وأجدادهم وخالق أصنامهم وأوثانهم وآلهتهم فقال لهم جل ذكره فالذي خلقكم وخلق آباءكم وأجدادكم وسائر الخلق غيركم وهو يقدر على ضركم ونفعكم أولى بالطاعة ممن لا يقدر لكم على نفع ولا ضر وكان ابن عباس فيما روي لنا عنه يقول في ذلك نظير ما قلنا فيه غير أنه ذكر عنه أنه كان يقول في معنى اعبدوا ربكم وحدوا ربكم وقد دللنا فيما مضى من كتابنا هذا على أن معنى العبادة الخضوع لله بالطاعة والتذلل له بالاستكانة والذي أراد ابن عباس إن شاء الله بقوله في تأويل قوله اعبدوا ربكم وحدوه أي أفردوا الطاعة والعبادة لربكم دون سائر خلقه أ.هـ تفسير الطبري1/160

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم وقاتلوا المشركين الذين يقاتلونكم حتى لا تكون فتنة يعني حتى لا يكون شرك بالله وحتى لا يعبد دونه أحد وتضمحل عبادة الأوثان الآلهة والأنداد وتكون العبادة والطاعة لله وحده دون غيره من الأصنام والأوثان كما قال قتادة فيما حدثنا بشر بن معاذ قال ثنا يزيد قال ثنا سعيد عن قتادة قوله وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة قال حتى لا يكون شرك أ.هـ تفسير الطبري 2/194

القول في تأويل قوله تعالى وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله فإن انتهوا فإن الله بما يعملون بصير يقول تعالى ذكره للمؤمنين به وبرسوله وإن يعد هؤلاء لحربك فقد رأيتم سنتي فيمن قاتلكم منهم يوم بدر وأنا عائد بمثلها فيمن حاربكم منهم فقاتلوهم حتى لا يكون شرك ولا يعبد إلا الله وحده لا شريك له فيرتفع البلاء عن عباد الله من الأرض وهو الفتنة ويكون الدين كله لله يقول حتى تكون الطاعة والعبادة كلها لله خالصة دون غيره أ.هـ الطبري9/248

وقوله أفلم يسيروا في الأرض يقول تعالى ذكره أفلم يسر هؤلاء المشركون الذين يكذبونك يا محمد ويجحدون نبوتك وينكرون ما جئتهم به من توحيد الله وإخلاص الطاعة والعبادة له في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم إذ كذبوا رسلنا ألم نحل بهم عقوبتنا فنهلكهم بها وننج منها رسلنا وأتباعنا فيتفكروا في ذلك ويعتبروا أ.هـ تفسير الطبري13/81

يقول تعالى ذكره اجتنبوا أيها الناس عبادة الأوثان وقول الشرك مستقيمين لله على إخلاص التوحيد له وإفراد الطاعة والعبادة له خالصا دون الأوثان والأصنام غير مشركين به شيئا من دونه فإنه من يشرك بالله شيئا من دونه فمثله في بعده من الهدى وإصابة الحق وهلاكه وذهابه عن ربه مثل من خر من السماء فتخطفه الطير فهلك أو هوت به الريح في مكان سحيق يعني من بعيد من قولهم أبعده الله وأسحقه أ.هـ تفسير الطبري17/155

وقوله ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى يقول تعالى ذكره ومن الناس من يخاصم في توحيد الله وإخلاص الطاعة والعبادة له بغير علم عنده بما يخاصم ولا هدى يقول ولا بيان يبين به صحة ما يقول ولا كتاب منير يقول ولا بتنزيل من الله جاء بما يدعى يبين حقية دعواه كما حدثنا بشر قال ثنا يزيد قال ثنا سعيد عن قتادة ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير ليس معه من الله برهان ولا كتاب أ.هـ تفسير الطبري21/79

الشريعة ما شرع الله تعالى لعباده المشروع ما أظهره الشرع والدين ما ورد به الشرع من التعبد ويطلق على الطاعة والعبادة والجزاء والحساب الحدود الأنيقة 1/70

وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة أي شرك يعني قاتلوهم حتى يسلموا وليس يقبل من المشرك الوثني جزية ويكون الدين أي: الطاعة والعبادة لله وحده فلا يعبد دونه شي ء فإن انتهوا عن الكفر فلا عدوان أي فلا قتل ولا نهب إلا على الظالمين والكافرين أ.هـ تفسير الواحدي1/155

وقاتلوهم يعني المشركين حتى لا تكون فتنة أي شرك يعني قاتلوهم حتى يسلموا فلا يقبل من الوثني إلا الإسلام فإن أبى قتل ويكون الدين أي :الطاعة والعبادة لله وحده فلا يعبد شيء دونه أ.هـ تفسير البغوي 1/162

وادعوه واعبدوه مخلصين له الدين الطاعة والعبادة أ.هـ تفسير البغوي 2/156

قوله عز وجل لولا أن رأى برهان ربه جواب لولا محذوف تقديره لولا أن رأى برهان ربه لواقع المعصية كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء فالسوء الإثم وقيل السوء القبيح والفحشاء الونا إنه من عبادنا المخلصين قرأ أهل المدينة والكوفة المخلصين بفتح اللام حيث كان إذا لم يكن بعده ذكر الدين زاد الكوفيون مخلصا في سورة مريم عليها السلام ففتحوا ومعنى المخلصين المختارين للنبوة دليله إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار وقرأ الآخرون بكسر اللام أي المخلصين لله الطاعة والعبادة أ.هـ تفسير البغوي 2/421

هو الذي يريكم آياته وينزل لكم من السماء رزقا يعني المطر الذي هو سبب الأرزاق وما يتذكر وما يتعظ بهذه الآيات إلا من ينيب يرجع إلى الله تعالى في جميع أموره فادعوا الله مخلصين له الدين الطاعة والعبادة ولو كره الكافرون أ.هـ تفسير البغوي 4/94

هو الحي لا إله إلا هو أي الباقي الذي لا يفنى المنفرد بالألوهية فادعوه مخلصين له الدين أي الطاعة والعبادة الحمد لله رب العالمين قال الفراء هو خبر وفيه إضمار أمر أي احمدوه أ.هـ فتح القدير 4/499

وأوحى في كل سماء أمرها الذي أمر به من فيها من الطاعة والعبادة أ.هـ تفسير الجلالين1/631

والمراد بالصبر الصبر على طاعة الله تعالى والصبر عن محارمه قاله قتادة وحذف المتعلق يشعر بالعموم فيشمل الصبر على البأساء والضراء وحين البأس والصادقين في نياتهم وأقوالهم سرا وعلانية وهو المروى عن قتادة أيضا والقانتين أي المطيعين قاله ابن جبير أو المداومين على الطاعة والعبادة قاله الزجاج أو القائمين بالواجبات قاله القاضي والمنفقين من أموالهم في حق الله تعالى قاله ابن جبير أيضا أ.هـ روح المعاني3/102

ومحياي ومماتي أي ما أعمله في حياتي ومماتي من أعمال الخير ومن أعمال الخير في الممات الوصية بالصدقات وأنواع القربات وقيل نفس الحياة ونفس الموت لله قرأ الحسن نسكي بسكون السين وقرأ الباقون بضمها وقرأ أهل المدينة محياي بسكون الياء وقرا الباقون بفتحها لئلا يجتمع ساكنان قال النحاس لم يجزه أي السكون أحد من النحويين إلا يونس وإنما أجازه لأن المدة التي في الألف تقوم مقام الحركة وقرأ ابن إسحاق وعيسى بن عمرو عاصم الجحدري محيى من غير ألف وهى لغة عليا مضر ومنه قول الشاعر سبقوا هوى وأعنقوا لهواهم فتخرموا ولكل جنب مصرع لله رب العالمين أي خالصا له لا شريك له فيه والإشارة بذلك إلى ما أفاده لله رب العالمين لا شريك له من الإخلاص في الطاعة وجعلها لله وحده أ.هـ فتح القدير 2/185

وقوله عز وجل فادعوا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون أي فأخلصوا لله وحده العبادة والدعاء وخالفوا المشركين في مسلكهم ومذهبهم أ.هـ تفسير ابن كثير 4/74

والأحسن أن يكون هذا القسم مستغنيا عن الجواب لأن القصة التنبيه على المقسم به وأنه من آيات الرب العظيمة ويبعد أن يكون الجواب قتل أصحاب الأخدود الذين فتنوا أولياءه وعذبوهم بالنار ذات الوقود ثم وصف حالهم القبيحة بأنهم قعود على جانب الأخدود شاهدين ما يجري على عباد الله تعالى وأوليائه عيانا ولا تأخذهم بهم رأفة ولا رحمة ولا يعيبون عليهم دينا سوى إيمانهم بالله العزيز الحميد الذي له ملك السموات والأرض وهذا الوصف يقتضي إكرامهم وتعظيمهم ومحبتهم فعاملوهم بضد ما يقتضي أن يعاملوا به وهذا شأن أعداء الله دائما ينقمون على أوليائه ما ينبغي أن يحبوا ويكرموا لأجله كما قال تعالى قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل وأن أكثركم فاسقون وكذلك اللوطية نقموا من عباد الله تنزيههم عن مثل فعلهم فقالوا أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون وكذلك أهل الإشراك ينقمون من الموحدين تجريدهم التوحيد وإخلاص الدعوة والعبودية لله وحده وكذلك أهل البدع ينقمون من أهل السنة تجريد متابعتها وترك ما خالفها وكذلك المعطلة ينقمون من أهل الإثبات إثباتهم لله صفات كماله ونعوت جلاله وكذلك الرافضة ينقمون على أهل السنة محبتهم للصحابة جميعهم وترضيهم عنهم وولايتهم إياهم وتقديم من قدمه رسول الله منهم وتنزيلهم منازلهم التي أنزلهم الله ورسوله بها وكذلك أهل الرأي المحدث ينقمون على أهل الحديث وحزب الرسول أخذهم بحديثه وتركهم ما خالفه وكل هؤلاء لهم نصيب وفيهم شبه من أصحاب الأخدود وبينهم وبينهم نسب قريب أو بعيد ثم أخبر سبحانه أنه أعد لهم عذاب جهنم وعذاب الحريق حيث لم يتوبوا وأنهم لو تابوا بعد أن فتنوا أولياءه وعذبوهم بالنار لغفر لهم ولم يعذبهم وهذا غاية الكرم والجود قال الحسن أنظروا إلى هذا الكرم والجود يقتلون أولياءه ويفتنونهم وهو يدعوهم إلى التوبة والمغفرة أنظروا إلى كرم الرب تعالى يدعوهم إلى التوبة وقد فتنوا أولياءه فحرقوهم بالنار فلا ييأس العبد من مغفرته وعفوه ولو كان منه ما كان فلا عداوة أعظم من هذه العداوة ولا أكفر ممن حرق بالنار من آمن بالله وحده وعبده وحده ومع هذا فلو تابوا لم يعذبهم وألحقهم بأوليائه أ.هـ التبيان في أقسام القرآن 1/58

***

أساس الإتباع

أساس الإتباع قائم على ما بينه تعالى من قصة موسى عليه السلام مع الخضر: ﴿ قَالَ لَهُۥ مُوسَىٰ هَلۡ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰٓ أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمۡتَ رُشۡدٗا ٦٦ قَالَ إِنَّكَ لَن تَسۡتَطِيعَ مَعِيَ صَبۡرٗا ٦٧ وَكَيۡفَ تَصۡبِرُ عَلَىٰ مَا لَمۡ تُحِطۡ بِهِۦ خُبۡرٗا ٦٨ قَالَ سَتَجِدُنِيٓ إِن شَآءَ ٱللَّهُ صَابِرٗا وَلَآ أَعۡصِي لَكَ أَمۡرٗا ٦٩[الكهف: ٦٦، ٦٩] ، إنه الصبر (والطاعة المطلقة القائمة على اليقين بأسماء الله الحسنى)..

الإتباع والطاعة الآن لغير الله سبحانه وتعالى بل للأوثان الدستور والقانون وهذه أوثان هذا العصر اول أمور الإتباع تبدأ باتباع الطاغوت في تشريعه الذي يزعم أنه يحافظ علي حقوق البشر : يقولون لك كمواطن يجب أن تكون عندك شهادة ميلاد ومن خلالها يحق لك استخراج الأوراق الثبوتية وهي الأولى في إتباع القانون ومن غيرها لا تكون مستحق لحمل الجنسية لأن الطاغوت قال إن هذه الجنسية حق قانوني تضمن لكم حقوقكم كمواطنين وهم اطاعوا ذلك التشريع كما قال الله عن فرعون ﴿ فَٱسۡتَخَفَّ قَوۡمَهُۥ فَأَطَاعُوهُۚ إِنَّهُمۡ كَانُواْ قَوۡمٗا فَٰسِقِينَ [الزخرف: ٥٤] كذلك الطواغيت اليوم استخفوا قومهم فأطاعوهم في أوامرهم الصادرة من الدستور الوثن الذي شرع هذه الحقوق المزعومة (الجنسية والبطاقة والرخصة والجواز ووثيقة عقد الزواج والتامين ) ويكون الإتباع والطاعة لهم من هذه الأبواب القائمة على يقين إله باطل هو الدستور والله سبحانه وتعالى قال ﴿ لَا تَتَّخِذُوٓاْ إِلَٰهَيۡنِ ٱثۡنَيۡنِۖ [النحل: ٥١] وتجد الناس يتبعون هذا (الوثن ) الدستور الذي السبب الأول في صنعه هم الشعب الذين ينتخبون الأحبار والرهبان أرباب المجالس التشريعه، نوابا عنهم ليجتمعوا في مجلس دوري و هذا المجلس مهمته إنتاج هذا الدستور (الوثن) و (القانون) الذي لا حياة فيه ومعروف ان الإنسان لا يصنع شئ فيه حياة وينسبون الأمر لهذا الوثن الدستور والقانون ، أي أن هؤلاء النواب (الأحبار) يجتمعون في كل دورة ليعلنوا للشعب الذي اختارهم أن " يا أيها الشعب العزيز لقد أنتجنا اليكم اليوم قانون رقم 133 و إن هذا القانون يبيح لكم الخمر فاشربوا كما شئتم " أو أنهم يعلنون قائلين " يا أيها الشعب العزيز لقد عدلنا القانون رقم 133 و إنه اصبح يأمركم بمنع شرب الخمر " أو يصدرون قانونًا يمنع الوقوف في مكان ما أو أن اتخذوا بطاقات وطنيه وجوازات بالصفة التي أمر بها القانون مثلاً رقم 356 .. لتحفظوا حقوقكم كمواطنين وهذه الحقوق المزعومة كحق الأنتخابات والمشاركة في الجيش والشرطة ودواوين الدولة وتجد احدهم يقول إن لي حقوقا أقرها لي الدستور الوثن الذي أنتجه الأحبار والرهبان وجعلوا الناس يطيعون هذا الإله الباطل وهو كمواطن وتجده يسعى إلى اتباع هذا الوثن المتأله والطاعة إلى الأحبار والرهبان الذين وضعوه له. وإليكم معنى الطاعة.

***

معنى الطاعة في اللغة

والطاعة : اسم للطوع الذي هو مصدر طاع يطوع بمعنى انقاد وفعل ما يؤمر به عن رضى دون ممانعة فالطاعة ضد الكره . والطاعة : امتثال الأوامر واجتناب النواهي قالوا ولا تكون الطاعة إلا عن أمر كما أن الجواب لا يكون إلا عن قول يقال أمره ( فَأَطَاعَ ) والطوع الانقياد بسهولة والطاعة مثله لكن أكثر ما يقال في الائتمار فيما أمر والارتسام فيما رسم. وقيل : طَاع : إذا انْقَاد وأطِاع : اتَّبَع الأمْرَ ولم يُخَالفه, فإذا مَضى لأَمرِه فقد أَطاعَهُ فإذا وافقَه فقد طاوَعَهُ أ.هـ تاج العروس1/ 5426 -5427، لسان العرب 8 / 240ق, القاموس المحيط 1/ 962, مختار الصحاح1/403, المصباح المنير2/380, النهاية في غريب الأثر3/322 , كتاب العين2/209, التعريفات1/182, التعاريف1/487, التحرير والتنوير1/1400, 2927.

فالطاعة هي امتثال الأمر والتي تعني الرضى وعدم الكره أي المحبة, وامتثل أمره: احتَذاه وعمل على مِثاله, و( امْتَثَلْتُ ) أمره أطعته, ورَسَمْتُ له كذا فارْتَسَمَه إذا امتَثله أ.هـ لسان العرب11/610, 12/ 241, المغرب في ترتيب المعرب 2/258, المصباح المنير 2/564.

والمعروف ان المتبع لا يعصي أمراً للذي يتبعه وإتباع الناس اليوم للطواغيت في شرائعهم التي شرعها واستخفافهم للناس وجعلوا الناس لا يعصون لهم أمراً في مسأئل الحقوق والواجبات الوطنية المزعومة لاتباعهم وطاعتهم وولاءهم كمواطن تابع لوثن منقاد له وهم قالوا عن المواطنة المزعومة هي تأدية حقوق ولكن هي تعبيدكم إلى الأوثان التي أنتم من اقرهم على تعبدكم اليهم فالإسلام هو قائم على إتباع شرع الله وسنة رسوله واجتناب الطاغوت وبعث الله كل رسول باجتناب الطاغوت الذي يُعبد من دون الله سبحانه وتعالي وكونوا كالذي قال : ﴿ وَمَا لِيَ لَآ أَعۡبُدُ ٱلَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ ٢٢ [يس: ٢٢] و ﴿ قُلۡ إِنِّي نُهِيتُ أَنۡ أَعۡبُدَ ٱلَّذِينَ تَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِۚ قُل لَّآ أَتَّبِعُ أَهۡوَآءَكُمۡ قَدۡ ضَلَلۡتُ إِذٗا وَمَآ أَنَا۠ مِنَ ٱلۡمُهۡتَدِينَ ٥٦ [الانعام: ٥٦] وقولوا للذين يأمرون بعبادة هذه الأوثان (الدستور والقانون) ﴿ قُلۡ أَفَغَيۡرَ ٱللَّهِ تَأۡمُرُوٓنِّيٓ أَعۡبُدُ أَيُّهَا ٱلۡجَٰهِلُونَ ٦٤ [الزمر: ٦٣] . لأن الطاعة عبادة لا يمكن صرفها لغير الله.

***

ايها المخالف في الطاعة:

هل تعلم ان معنى الطاعة هو : الاسلام والدين والقنوت والاخبات والتشريع والحكم والتسخير والتنسك , هل تصدق هذا ؟ إليك البيان يا من ظننت ان الطاعة ما الفته مما وجدت عليه آباءك , فهل لك كلام بعد الكلام الذي ستقراه وهو ما يلي:

معاني الطاعة في دين الله تعالى :

1- الإسلام {ونحن له مسلمون}ونحن له خاضعون بالعبودية والطاعة وقيل: منقادون لأمره ونهيه.أ.هـ تفسير الطبري 1/ 612, روح المعاني1/396.

فتأويل قوله : { إن الدين عند الله الإسلام } : إن الطاعة التي هي الطاعة عنده الطاعة له وإقرار الألسن والقلوب له بالعبودية والذلة وانقيادها له بالطاعة فيما أمر أ.هـ تفسير الطبري3/211.

2- القنـوت : القنوت في كلام العرب معان أحدها: الطاعة والآخر: القيام والثالث: الكف عن الكلام والإمساك عنه, وأولى معاني القنوت في قوله:{كل له قانتون} الطاعة والإقرار لله عز وجل بالعبودية.أ.هـ تفسير الطبري 1/554

3- الديـن : قال أبو جعفر : ومعنى {الدين} في هذا الموضع : الطاعة والذلة أ.هـ تفسير الطبري 3/211.

4- الإخبـات :وقوله:{وبشر المخبتين} يقول تعالى ذكره: وبشر يا محمد الخاضعين لله بالطاعة المذعنين له بالعبودية المنيبين إليه بالتوبة أ.هـ تفسير الطبري 9/150.

5- التشريع والحكم: وعلى الثاني يريد أن تلك الأحكام حدود حاجزة بين الألوهية والعبودية فالإله يحكم والعباد تنقاد فلا تقربوا الأحكام لئلا تكونوا مشركين بالله تعالى أ.هـ روح المعاني2/69.

6- التسخير: (فاتخذتموهم سخريا ) هزؤا وقرأ نافع وحمزة و الكسائي هنا وفي ( ص ) بالضم وهما مصدر سخر زيدت فيهما ياء النسب للمبالغة وعند الكوفيين المكسور بمعنى الهزء والمضموم من السخرة بمعنى الانقياد والعبودية أ.هـ تفسير البيضاوي1/170.

7- التنسك: {واسجد} أي صل لله {واقترب} أي تقرب إلى الله جل ثناؤه بالطاعة والعبادة أ.هـ تفسير القرطبي 20/118.

فيا ايها المخالف إن قولك بجواز طاعة الطاغوت يعني: بانك مسلم للطاغوت مخبت له مسخر له متنسك له اتخذته مشرعا وحكما وانك قانت له وانك على دينه ﴿ وَتَحۡسَبُونَهُۥ هَيِّنٗا وَهُوَ عِندَ ٱللَّهِ عَظِيمٞ ١٥[النور : ١٥] ﴿قُلۡ هَاتُواْ بُرۡهَٰنَكُمۡ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ ١١١[البقرة: ١١١]