JustPaste.it

البيان والتبيين

في أنه لا يجوز إظهار الكفر

بلا إكراه بين الكافرين

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين الذي شرع الدين القويم ليثبت الموحدين ويضل الظالمين فجعل لذلك موازين فقال: هو الذي انزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب
وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله  ()
والصلاة والسلام على النبي الأمين الذي جاء مبينا للذكر الحكيم بلسان عربي مبين لينذر الظالمين وهدى وبشرى للمؤمنين .
واشهد أن لا اله إلا الله ولي المتقين وان محمدا عبده ورسوله الأمين
وبعد
إن هذا الدين متين ومتانة هذا الدين تتقرر في محكماته التي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها فمن أراد أن يبحث في شرع الله تعالى فعليه أن يوغل فيه برفق وتأني وان لا يكون من المتسرعين مستندا إلى أصول وقواعد هذا الدين .وفي هذا الموضوع إن شاء الله تعالى سنبين ما وقع فيه أبو بصير من مخالفات في مسألة خطيرة من أعظم المسائل وهي مسالة إظهار الكفر كيف لا ومن اجلها خلق الله الخلق فقال : هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن()،فقد قرر مقدمة هداني الله وإياه إلى الحق نوافقه عليها وهي قوله :وبعد: فإن إظهار الكفر من غير مبررٍ شرعي معتبر كفر أكبر مخرج لصاحبه من الملة، سواء أظهره وهو معتقد به ومستحسن له، أم أنه أظهره من غير ذلك، ولأي دافع أو اعتبار آخر؛ لأن الأحكام تُبنى على الظاهر وما يُظهره المرء .. وذلك يكون في أحكام الكفر والإيمان،فالمسألة هامة جداً وجد خطيرة؛ وبخاصة إذا علمنا أن الكفر جرم عظيم لا يعدله جرم، وله تبعاته الخطيرة على صاحبه في الدنيا حيث تُجرى عليه أحكام الكفر والردة، وفي الآخرة حيث الخلود في نار جهنم أبداً ، كما قال تعالى: إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار أولئك عليهم لعنةُ الله والملائكة والناس أجمعين . خالدين فيها لا يُخفف عنهم العذاب ولا هم يُنظرون() البقرة:161-162. وقال تعالى: إن اللهَ لا يغفر أن يُشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء [ النساء:48.وفي الحديث فقد صح عن النبي أنه قال:" اثنتان موجبتان " قال رجل: يا رسول الله ما الموجبتان ؟ قال:" من مات لا يُشرك بالله شيئاً دخل الجنة، ومن مات يُشرك بالله شيئاً دخل النار " مسلم.
وعن عبد الله بن مسعود قال: قال رجل: يا رسول الله أيُّ الذنبِ أكبر عندَ الله؟ قال:" أن تدعو لله نداً وهو خلقك " متفق عليه. أي أن تجعل لله تعالى نداً في أي خاصية من خصائصه وهو وحده الذي خلقك الذي يستحق منك أن تعبده..أ.هـ

قلت: فهذا أمر خطير جلل من اجله أرسل الله الرسل ليخرجوا الناس  من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان فيجب:

- أن يكون الاستناد فيه إلى الأصول الثابتة وهي:أن تكون الأدلة قطعية الدلالة قطعية الثبوت لأنه إذا ورد الاحتمال سقط الاستدلال.
- أن ترد إلى أصول الدين فتؤخذ في حال الاتفاق وفي حال عدم فهمها مع أصول الدين تعمل قواعد الشرع.

- اعتبار حالة الفاعل فالصحابي مثلا ليس كغيره فهو آلافهم والأتقى والأورع والأحرص على التوحيد واجتناب الكفر وكذلك السلف من العلماء الذين ثبت علمهم وصحة دينهم
- التعامل بدقة مع الألفاظ وعدم إتباع الهوى في إيراد الكلام مورد ما يذهب إليه المستدل .
- أن يرد الاختلاف إلى الله تعالى والى الرسول عليه السلام ولا يكون إلا إلى دليل محكم يفصل في الأمر وكل ما سبق في إطار قاعدة عامة في التعامل مع النصوص قررها الشاطبي في الموافقات وهي : اعتبار المكي الأصل ورد المكي إلى المكي والمدني إلى المكي والمتأخر إلى المتقدم التنبيه الأول: فعندما نقول جواز إظهار الكفر في كذا فهذا عام يتعلق بجميع أنواع الكفر لان ما ينطبق على نوع كفر ينطبق على الأنواع الأخرى جميعها إذ لا فرق بين كفر وكفر ونقصد بذلك الكفر الأكبر المخرج من الملة،ففي بحث حالات يجوز فيها إظهار الكفر لأبي بصير فهو يتكلم عن الكفر عموما بدليل قوله :  فإن إظهار الكفر من غير مبررٍ شرعي معتبر كفر أكبر مخرج لصاحبه من الملة، سواء أظهره وهو معتقد به ومستحسن له، أم أنه أظهره من غير ذلك، ولأي دافع أو اعتبار آخر؛ لأن الأحكام تُبنى على الظاهر وما يُظهره المرء .. وذلك يكون في أحكام الكفر والإيمان .أ.هـ وقوله: فالمسألة هامة جداً وجد خطيرة؛ وبخاصة إذا علمنا أن الكفر جرم عظيم لا يعدله جرم، وله تبعاته الخطيرة على صاحبه في الدنيا حيث تُجرى عليه أحكام الكفر والردة، وفي الآخرة حيث الخلود في نار جهنم أبداً ، كما قال تعالى: إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار أولئك عليهم لعنةُ الله والملائكة والناس أجمعين . خالدين فيها لا يُخفف عنهم العذاب ولا هم يُنظرون() البقرة:161-162. وقال تعالى: إن اللهَ لا يغفر أن يُشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء () النساء:48.أ.هـ،وقوله: من هنا يتعين على المسلم أن يتعرف على الحالات التي أجاز فيها الشارع إظهار الكفر ليعلم المساحة التي يستطيع أن يتحرك فيها إن اضطر للحركة أو الوقوع فيها، وحتى لا يتوسع في إظهار الكفر من غير علم ولا برهان فيقع في المحظور وتحت طائلة الوعيد والعذاب  أ.هـ،وقوله: وفي هذا البحث سنجتهد ـ إن شاء الله ـ في أن نجيب على هذا السؤال الهام، والذي وردنا من أكثر من طرفٍ وأخٍ : ما هي الحالات التي أجاز فيها الشارع إظهار الكفر أ.هـ لان نوع كفر واحد يتضمن جميع الأنواع فمثلا موالاة الكفار وهو مشايعتهم على كفرهم يتضمن جميع أنواع الكفر من سب الله تعالى وسب رسوله وإنكار الدين  وقتل النبيين.. الخ ومن قصر إظهار الكفر على صفة محددة فقد نقض أصله فالموالاة أي اتخاذ أولياء من دون الله تعالى هي في الحقيقة عبادة لغير الله تعالى بدليل قوله تعالى : والذين اتخذوا من دون الله أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلا الله زلفى ()ومن اتخذ وليا من دون الله فقد كفر وكفره هذا متعلق بعدم اجتناب الطاغوت لقوله تعالى : الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات ()،وعليه فعندما نقول إظهار الكفر فهذا يعني أي نوع أو صفة من الكفر كما أن هذه المسألة ليست من مسائل الاجتهاد.
التنبيه الثاني : إن أصل دعوة الأنبياء هي : اعبدوا الله ما لكم من اله غيره أي عدم فعل الكفر وهذا هو اصل الدين الذي فصله رب العالمين فقال : كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير () إلا تعبدوا إلا الله   إنني لكم منه نذير وبشير ()،وكل الآيات التي ذكرت تفصيل الكتاب وبيانه إنما هي متعلقة بالدرجة الأولى في بيان الكفر وما يتعلق به الذي هو قسيم الإيمان فاحدهما يدل على الأخر ولذلك فان الدعوة المكية  تمثل حالة الضعف والاستضعاف للمؤمنين والتي بناء عليها يتم التشريع ووضع الأحكام لمراعاة هذه الحالة فيكون المطلوب هو ادني الإيمان والعزيمة غير واجبة وغير مقصودة من الجميع ،وعليه فان الأعذار والرخص والاستثناءات المتعلقة بالكفر إنما وردت أحكامها لتتناسب وحال الضعف أي: وجود المسلم في دار الكفر . بينما دار الإسلام هي الدار التي لا يتوقف إسلام المرء فيها إلا على إظهار إسلامه لقوله تعالى : فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله ()ففي دار الكفر الإيمان هو اجتناب الطاغوت .وفي دار الإسلام الإيمان هو الكفر بالطاغوت. لان الكفر بالطاغوت هو الاجتناب وإظهار هذا الاجتناب،بينما الآيات المدنية تمثل حركة المسلم التفصيلية في ظل الآيات المكية وهي كيفية عبادة الله وإظهار شعائره لان الاجتناب قد تحقق
ولذلك نجد أن الرخصة في الكفر جاءت في مكة بنص صريح واضح محكم قال تعالى : من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من اكره () وهنا الاستثناء واضح بين انه متصل أي : إلا من كفر مكرها والكفر المقصود إظهار الكفر أي قول وفعل الكفر،لان الله تعالى استثنى من الكفر الباطن بدليل قوله: وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا  الآية.فالإكراه إنما متعلقه إظهار الكفر وليس شيء آخر لان الكفر إما ظاهر وإما باطن فالباطن لا إكراه فيه وإنما يقع الإكراه على إظهار الكفر .وبناءا على ما سبق نورد الملاحظات الآتية :
1- : لقد جعل أبو بصير هداه الله التقية هي  إظهار الموالاة للكفار أي إظهار الكفر ونحن نتعامل في الشرع بمصطلحات الشرع فقولنا اظهر الكفر أو اظهر الموالاة سيان إضافة إلى انه هو قرر انه يبحث في الحالات التي يجوز فيها إظهار الكفر فجعل منها التقية واستند في قوله هذا إلى قوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون الله ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاه ويحذركم الله نفسه والى الله المصير ()إن الآية مدنية في ظل الواقع الإسلامي المظهر دينه وهذه الآية نزلت بحق المسلمين في المدينة وأباحت لهم التقية فهل المؤمنون في المدينة مستضعفون ؟ أو يخافون من إظهار دينهم ؟ لا وألف لا. قال ابن الجوزي في زاد المسير قوله تعالى: لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء في سبب نزولها أربعة أقوال أحدها:أن عبادة بن الصامت كان له حلفاء من اليهود فقال يوم الأحزاب يا رسول الله إن معي خمسمائة من اليهود وقد رأيت أن أستظهر بهم على العدو فنزلت هذه الآية رواه الضحاك عن ابن عباس والثاني:أنها نزلت في عبد الله بن أبي و أصحابه من المنافقين كانوا يتولون اليهود ويأتونهم بالأخبار يرجون لهم الظفر من النبي صلى الله عليه وسلم فنهى الله المؤمنين عن مثل فعلهم رواه أبو صالح عن ابن عباس والثالث:أن قوما من اليهود كانوا يباطنون نفرا من الأنصار ليفتنوهم عن دينهم فنهاهم قوم من المسلمين عن ذلك وقالوا اجتنبوا هؤلاء اليهود فأبوا فنزلت هذا الآية روي عن ابن عباس أيضا والرابع: أنها نزلت في حاطب بن أبي بلتعة وغيره كانوا يظهرون المودة لكفار مكة فنهاهم الله عز وجل عن ذلك
2- : من الأخطاء اعتبار أن التقية إنما هي بحق المستضعفين في دار الكفر وانظر إلى قوله : قلت( أبو بصير): وأهل التقية هم المستضعفون في الأرض الذين لا يجدون حيلة ولا يهتدون سبيلاً للخروج من دار التقية؛ دار الكفر والقهر والظلم، فيلجئون مضطرين للتقية كمتنفسٍ لهم وللحفاظ على أنفسهم ووجودهم من دون أن يتعرضوا للاستئصال أو القتل .. وهم نفسهم المعنيين من قوله تعالى:إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً. فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان اللهُ عفواً غفوراً [ النساء:98-99. فالتقية لهؤلاء وليس للأقوياء الذي يستطيعون حيلةً ويهتدون سبيلاً.. أ.هـ فهو يقر أن دار التقية هي دار الكفر والقهر والظلم وخطاب الآية : يا أيها الذين آمنوا () أي في دار العز الظهور دار الإسلام التي تحكم يشرع الله تعالى سواء كان العدل أو الظلم .وأيضا هو يقرر أن مجالها أوسع من الإكراه.

3-: الآية قطعية الثبوت لا شك في ذلك  وكذلك قطعية الدلالة على التقية وليس الكفر ولكن هل هي قطعية الدلالة على إظهار الكفر ؟ هذا ما سيتبين إن شاء الله تعالى هذه الآية محكمة في مورد نصها ولكن حصل تشابه عند من لم يوغل برفق فالمحكم قوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء () فهذا يقرره أيضا محكمات:كقوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة () وقوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فانه منهم () وغيرها من الآيات المدنية.ومن الآيات المكية قوله تعالى:  والذين اتخذوا من دون الله أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى ()وقوله تعالى :والذين اتخذوا من دونه أولياء الله حفيظ عليهم وما أنت عليهم بوكيل ()
وقوله تعالى : أم اتخذوا من دون الله أولياء فالله هو الولي ()والآيات كثيرة أيضا.
فتضافر المكي والمدني على انه لا موالاة لغير الله تعالى إلا لمن اكره.وكذلك قوله تعالى: إلا أن تتقوا منهم تقاة () أيضا محكم بأنه شرع لعباده التقية من الكافرين،فالتقية فعل وليس حكم فان الأحكام الشرعية عندنا هي: كفر وإيمان وفسق ونفاق،فمن الأفعال ما لا تحتمل إلا حكما واحدا كفعل الكفر وقوله ( ولا أتكلم في الباطن لان علمه عند الله تعالى فمدار الأحكام الشرعية على الظاهر).ومن الأفعال ما تحتمل أي حكم من الأحكام- الكفر والفسق - ولا يتحدد إلا بقرينة وإعمال قواعد الشرع وأصوله كمحاربة الله تعالى فان هذا اللفظ يطلق على الكفر والمعصية أما الكفر فمعلوم وإما المعصية فقوله تعالى : إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا  الآية وكذلك قوله تعالى : فأذنوا بحرب من الله ورسوله   ألآية،وعليه فان لفظ تتقوا منهم تقاة لا يقتضي معناه الموالاة بمعنى إظهار الكفر ابتداء فالنصوص المتعلقة بالكفر والإيمان محكمة واضحة بينة تعلم من ظاهرها ولو كان الله تعالى يريد إظهار الكفر لقال ذلك بإحكام ووضوح ولكانت الآية : إلا إن توالوهم تقية () أو تتقوهم موالاة  ولكن الله تعالى يريد شيئا آخر من معنى التقية ولذلك قال : إلا أن تتقوا منهم تقاة فأكد الفعل : تتقوا بمصدره تقاه ليؤكد انه يريد أمرا هو التقية كما قال تعالى : وكلم الله موسى تكليما .فالآية بنفسها تؤكد التقية ولا تؤكد الموالاة ولكن حصل التشابه عند البعض من الاستثناء الموجود في الآية فظنوا انه استثناء متصل أي : استثناء التقية من الموالاة وعليه فان التقية من الموالاة.

أقول : إن الاستثناء من الأمور المتشابه في اللغة ظنية الدلالة ولها أكثر من معنى ولا يصار إلى تحديد أي معنى إلا بقرائن ندل عليه. .والاستثناء في الآية هو استثناء منقطع وليس متصل  وهو كما قال ابن حزم في الأحكام : استثناء الشيء من غير جنسه ونوعه المخبر عنه واسمه في العربية عند النحويين الاستثناء المنقطع وهو حينئذ ابتداء خبر آخر كقائل :أتاني المسلمون إلا اليهود فهذا جائز كأنه قال : إلا اليهود لم يأتوني وهذا لا ينكره نحوي ولا لغوي أصلا .... إلى قوله : قال علي (ويقصد نفسه) : والبرهان القاطع في ذلك قوله تعالى : فسجد الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس () وقال تعالى : وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه() فلم يدع تعالى للشك هاهنا مجالا إلا بينه وأخبر أن إبليس كان من الجن ...... وقال تعالى : لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة () وقال تعالى : لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى () وقال تعالى : لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما إلا قيلا سلاما سلاما ()  فاستثنى عز وجل الموتة الأولى وليست الموتة فيما يذاق أصلا في الجنة واستثنى تعالى التجارة وهي حق – من الباطل واستثنى تعالى القتل الخطأ من القتل المحرم وليس المخطئ قاتلا من العمد الحرام واستثنى تعالى القول الطيب سلاما سلاما من قول الإثم ومن هذا الباب لا اله إلا الله واستثنى الله تعالى من جملة الآلهة التي عبدها من سوانا وليس تعالى من جنسها ولا نوعها ولا له عز وجل نوع ولا جنس أصلا أ.هـ 1/429-433

- وممن قال إن الاستثناء منقطع الإمام ابن القيم رحمه الله عند كلامه على هذه المسألة:قال رحمه الله تعالى في بدائع الفوائد: لمثال الخامس قوله تعالى لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ومعلوم أن التقاة ليست بموالاة ولكن لما نهاهم عن موالاة الكفار اقتضي ذلك معاداتهم والبراءة منهم ومجاهرتهم بالعدوان في كل حال إلا إذا خافوا من شرهم فأباح لهم التقية وليست التقية موالاة لهم والدخول هاهنا ظاهر فهو إخراج من متوهم غير مراد أ.هـ 3/575
فهو يقرر رحمه الله أن الموالاة غير مرادة في قوله تعالى وإنما إخراج التقية من أن تكون موالاة بل هي شيء آخر له حكم آخر .بل قرر رحمه الله في أحكام أهل الذمة عدم موالاة الكفار ظاهرا وباطنا  مستدلا بالآية بقوله : وتبرأ سبحانه ممن اتخذ الكفار أولياء من دون المؤمنين وحذره نفسه أشد تحذير فقال لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير أ.هـ 1/488-489.
4- : جاءت الآية لتقرر ما سبق تقريره من الأحكام المكية المحكمة وتزيد أمرا فيه سعة غير ما تقرر سابقا بحكم الوضع الجديد للمسلمين ولان هذا الدين هو خاتم
الشرائع وعليه:
لم يرد نص قرآني صريح ينص على أن التقية موالاة أو أن التقية إظهار الكفر لا في القرآن المكي ولا المدني أو جواز إظهار الكفر لغير المكره .كذلك فان الرسول عليه السلام التي مهمته تبيين الذي نزل إلينا وهو القرآن لم يرد عنه نص صريح بجواز إظهار الكفر أو الموالاة أو أن التقية من الكفر أو من الموالاة .فإذا لم يرد نص شرعي على هذه المسألة الخطيرة فمعنى ذلك أنها ليست من المسائل
القابلة للخلاف فمسائل الكفر والإيمان لا يفصل فيها إلا نص قرآني أو نبوي محكم  لان الله تعالى يقول : فان تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم
تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا()  فمن قال بالجواز ومن قال بغير ذلك فقد وجب الرد إلى الله والرسول وليس إلى غيرهما وأما أقوال الصحابة
والعلماء فهي ليست فصلا في محل النزاع ولا يرد إليها النزاع وإنما يجب أن يستانس بها على الأدلة ومعرفة أدلتهم .ولا يجوز بحال التعامل مع أقوالهم معاملة الدليل الشرعي وخاصة من حيث الدلالة فليس في أقوالهم محكم ومتشابه إلى غير ذلك لان هذه الألفاظ خاصة بالأدلة الشرعية ولم يؤثر عن علماء السلف المعتبرين إطلاق هذه الألفاظ بحق أقوال العلماء .فالمسألة محصورة إذن في معنى أن تتقوا منهم تقاة .
خامسا: قال أبو بصير هداه الله: التُقية: هي إظهار الموالاة والمداراة للمشركين باللسان ـ خوفاً منهم على النفس والأهل ـ مع إضمار العداوة والبغضاء
لهم في القلب أ.هـ
أقول :تقييد التقية بأنها إظهار موالاة،تحكم بلا دليل إذ أن هذا مصطلح شرعي لا يحدد معناه إلا الشرع فلم يرد في الكتاب والسنة ما يدل على هذا المعنى لأن الموالاة
في الشرع تعني الكفر وتخصيص التقية بأنها في اللسان فقط تحكم بالدليل دون وجه شرعي إذ أن اللفظ القرآني عام بالتقية يشمل اللسان والعمل فأين الدليل الشرعي على تخصيص التقية بواحد منهما . فان قيل أقوال،العلماء قلنا ما دليلهم إذ أن ما عدا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس من حقه أن يخصص دليلا أو يقيده إلا بدليل مستقل كائنا من كان قائل ذلك وحاشاهم أن يفعلوا ذلك،فهو هداه الله قد استدل على هذا قائلا : والدليل على ذلك قوله تعالى:] لا يتخذِ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيءٍ إلا أن تتقوا منهم تُقاةً ويُحذركم الله نفسَه وإلى الله المصير [ آل عمران:28 أ.هـ فنقول له : أين دلالة النص على ما ذهبت إليه ؟ولكن الحقيقة انه ليس في الآية ما يدل على ذلك وإنما حصل الخلط من أقوال العلماء فهل يقصدون من كلمة الموالاة معناها الشرعي المصطلح عليه في القرآن والسنة وهو الكفر ؟ نقول:
التقية: من الوقاية : وهي حفظ الشيء مما يؤذيه ويضره  المفردات ص 530
وحاصل قول العلماء في التقية أمران :
الأول : إنها نفس الإكراه في حال فعل وقول الكفر  وممن قال ذلك :
القرطبي في التفسير : والتقية لا تحل إلا مع خوف القتل أو القطع أو الإيذاء العظيم ومن أكره على الكفر فالصحيح أن له أن يتصلب ولا يجيب إلى التلفظ بكلمة الكفر بل يجوز له ذلك ما يأتي بيانه في النحل إن شاء الله تعالى 4/57 .
ابن الجوزي في زاد المسير: فصل: والتقية رخصة وليست بعزيمة قال الإمام أحمد وقد قيل إن عرضت على السيف تجيب قال لا وقال إذا أجاب العالم تقية والجاهل بجهل فمتى يتبين الحق وسنشرح هذا المعنى في النحل ثم قوله تعالى إلا من أكره النحل إن شاء الله  1/371
السرخسي في المبسوط : والصحيح أن ذلك جائز لقوله تعالى إلا أن   تتقوا منهم تقاة  آل عمران وإجراء كلمة الشرك على اللسان مكرها مع طمأنينة القلب بالإيمان
من باب التقية وقد بينا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص فيه لعمار بن ياسر رضي الله عنه إلا أن هذا النوع من التقية يجوز لغير الأنبياء والرسل عليهم
الصلاة والسلام 24/.45
المدونة الكبرى: فإن الله تبارك وتعالى قال إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان وقال عز وجل إلا أن   تتقوا منهم تقاة 4/316وقال أيضا : وقال لي مالك في طلاق المشركين نساءهم ثم يتناكحون بعد إسلامهم قال لا يعد طلاقهم شيئا وأخبرني ابن وهب عن رجال من أهل العلم عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وابن عباس وعطاء بن أبي رباح وعبد الله بن عبيد بن عمير ومجاهد وطاووس وغيرهم من أهل العلم أنهم كانوا لا يعتبرون طلاق المكره شيئا وقال ذلك عبد الرحمن بن القاسم ويزيد بن قسيط قال عطاء قال الله تبارك وتعالى إلا أن تتقوا منهم تقاة 6/29.
ابن كثير في تفسيره: وقوله تعالى إلا أن تتقوا منهم تقاة  أي من خاف في بعض البلدان والأوقات من شرهم فله أن يتقيهم بظاهره لا بباطنه ونيته كما قال البخاري عن أبي الدرداء أنه قال إنا لنكشر في وجوه أقوام وقلوبنا تلعنهم وقال الثوري:قال ابن عباس ليس التقية ومعناه إنما التقية باللسان وكذا رواه العوفي عن ابن عباس:إنما التقية باللسان وكذا قال أبو العالية وأبو الشعثاء والضحاك والربيع بن أنس ويؤيده ما قالوه قول الله تعالى من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان الآية1/358وقال أيضا:  ينهى الله تعالى عباده المؤمنين عن اتخاذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين يعني مصاحبتهم ومصادقتهم ومناصحتهم وإسرار المودة إليهم وإفشاء أحوال المؤمنين الباطنة إليهم كما قال تعالى لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة  ويحذركم الله نفسه.أي: يحذركم عقوبته في ارتكابهم نهيه ولهذا قال هاهنا أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطانا مبينا أي حجة عليكم في عقوبته إياكم قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا مالك بن إسماعيل حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس قوله سلطانا مبينا قال:كل سلطان في القرآن حجة وهذا إسناد صحيح 1/571
البخاري في صحيحه:  بسم الله الرحمن الرحيم    كتاب الإكراه قول الله تعالى إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم
عذاب عظيم وقال إلا أن   تتقوا منهم تقاة  وهي تقية وقال إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض إلى قوله عفوا غفورا وقال والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا فعذر الله المستضعفين الذين لا يمتنعون من ترك ما أمر الله به والمكره لا يكون إلا ممتنع من فعل ما أمر به وقال الحسن التقية إلى يوم القيامة وقال بن عباس فيمن يكرهه اللصوص فيطلق ليس بشيء وبه قال بن عمر وابن الزبير والشعبي والحسن وقال النبي  صلى الله عليه وسلم الأعمال بالنية 6/2545.
الشوكاني في السيل الجرار : وأما الإكراه بالإضرار فقط فالظاهر أنه يجوز به فعل المحظور لأن غاية ما وقع في سبب نزول قوله عز وجل إلا من أكره وقلبه مطمئن
بالإيمان هو أنهم كانوا يجعلونهم مبسوطين في حر الرمضاء ويضعون الصخرات على صدورهم وأيضا قد أباح الله أكل الميتة لمجرد الاضطرار إليها وأكلها من جملة المحظورات كما هو معلوم ومن جملة ما يدل على الجواز مع مطلق الضرر قوله عز وجل إلا أن   تتقوا منهم تقاة 4/265
الثاني : ليس بمعنى الإكراه في حال كون المسلم بين المشركين وخافهم على نفسه أي لم يظهر إسلامه وظنوه على دينهم أو ليس مفارقا لهم  ومناطها ما دون الكفر وفسروا معنى الموالاة بالملاطفة والمصانعة والمداراة وصلة الرحم علما بأن الصحابة لم يؤثر عنهم أنهم أطلقوا لفظ الموالاة على ما دون الكفر  وممن قال ذلك :

- القرطبي في تفسيره : فيه مسألتان الأولى قال أبن عباس نهى الله المؤمنين أن يلاطفوا الكفار فيتخذوهم أولياء ومثله لا تتخذوا بطانة من دونكم وهناك يأتي هذا
المعنى ومعنى فليس من الله في شيء أي فليس من حزب الله ولا من أوليائه في شيء 4/57
الطبري في تفسيره  : إلا أن تتقوا منهم تقاة إلا أن تكونوا في سلطانهم فتخافوهم على أنفسكم فتظهروا لهم الولاية بألسنتكم وتضمروا لهم العداوة ولا تشايعوهم على ما هم عليه من الكفر ولا تعينوهم على مسلم بفعل  كما حدثني المثنى قال ثنا عبد الله بن صالح قال ثني معاوية بن صالح عن علي عن ابن عباس قوله لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين قال نهى الله سبحانه المؤمنين أن يلاطفوا الكفار أو يتخذوهم وليجة من دون المؤمنين إلا أن يكون الكفار عليهم ظاهرين فيظهرون لهم اللطف ويخالفونهم في الدين وذلك قوله إلا أن تتقوا منهم تقاة 3\227

- وليس كما فهم من ذلك أبو بصير هداه الله أنه الكفر إذ أن الطبري رحمه الله بين الولاية باللسان غير الكفر بقوله : ولا تشايعوهم على ما هم عليه من الكفر ولا تعينوهم على مسلم بفعل إذ أن الإعانة على المسلم كفر ولذلك جعل استئناسه بقول ابن عباس على أن معنى الموالاة هو قول ابن عباس : فيظهرون لهم اللطف ويخالفونهم في الدين . والمخالفة في الدين هي عدم فعل أو قول الكفر.

وكذلك قال الطبري رحمه الله : حدثني محمد بن عمرو قال ثنا أبو عاصم عن عيسى عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين إلا مصانعة في الدنيا ومخالقة أ.هـ  3/228
وقال أيضا:: وقال آخرون معنى إلا أن تتقوا منهم تقاة إلا أن يكون بينك وبينه قرابة  ذكر من قال ذلك حدثنا بشر قال ثنا يزيد قال ثنا سعيد عن قتادة قوله لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين إلا أن تتقوا منهم تقاة نهى الله المؤمنين أن يوادوا الكفار أو يتولوهم دون المؤمنين وقال الله إلا أن تتقوا منهم تقاة الرحم من المشركين أن يتولوهم في دينهم إلا أن يصل رحما له في المشركين حدثنا الحسن بن يحيى قال أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن قتادة في قوله لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء قال لا يحل لمؤمن أن يتخذ كافرا وليا في دينه وقوله إلا أن تتقوا منهم تقاة قال أن يكون بينك وبينه قرابة فتصله لذلك حدثني محمد بن سنان قال ثنا أبو بكر الحنفي قال ثنا عباد بن منصور عن الحسن في قوله إلا أن تتقوا منهم تقاة قال صاحبهم في الدنيا معروفا الرحم وغيره فأما في الدين فلا وهذا الذي قاله قتادة تأويل له وجه وليس بالوجه الذي يدل عليه ظاهر الآية إلا أن تتقوا من الكافرين تقاة فالأغلب من معاني هذا الكلام إلا أن تخافوا منهم مخافة فالتقية التي ذكرها الله في هذه الآية إنما هي تقية من الكفار لا من غيرهم ووجهه قتادة إلى أن تأويله إلا أن تتقوا الله من أجل القرابة التي بينكم وبينهم تقاة فتصلون رحمها وليس ذلك الغالب على معنى الكلام والتأويل في القرآن على الأغلب الظاهر من معروف كلام العرب المستعمل فيهم أ.هـ   3/229
ابن كثير : وهذا مثل ضربه الله للمؤمنين أنهم لا تضرهم مخالطة الكافرين إذا كانوا محتاجين إليهم كما قال تعالى لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن   تتقوا منهم تقاة أ.هـ 4/394 .
وعلى هذا فان العلماء جعلوا التقية عامة تشمل ما يتعلق بالكفر وهو الإكراه وما دون الكفر وهو الملاطفة والمصانعة ونحو ذلك فكل إكراه تقية وليس كل تقية إكراه فالتقية أعم من الإكراه وليس كما عكس أبو بصير- بصره الله بالحق- الأمر  فجعل التقية تندرج تحت الإكراه،والإكراه أعم منها بقوله :فإن قيل: التقية هي صورة من صور الإكراه، فعلام أدرجتها كحالة ثانية من الحالات التي يجوز فيها إظهار الكفر ..؟
أقول: نعم، التقية صورة من صور الإكراه، لكنها تختلف عن الإكراه من وجهين أ.هـ
فنقول له :  قد أخطأت فان العكس هو الصحيح إذ أن الإكراه صورة من صور التقية والتقية لها وصفان :
ففي حال وقوع الإكراه فهنا يجوز إظهار الكفر قولا وفعلا وهذا في دار الكفر .وفي حال عدم وقوع الإكراه وخاف من إظهار دينه فله التظاهر بما يدفع عنه شرهم  بما دون الكفر وهذا له حكم العموم من حيث الدار فهذا يكون في دار الكفر ودار الإسلام كما أن دار الإسلام الإكراه متعلق بما هو دون الكفر .وخلاصة القول : أن الكفر لم يرد بحقه إباحة إلا في حال الإكراه بنص واضح صريح محكم : من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من اكره ()ومن فعل كفرا من غير إكراه فقد كفر سواء موالاة الكفار أو غير ذلك من صور الكفر،ولأن الكفر بالإكراه صورة من صور التقية .
المسألة الثانية :قوله:الحالة الثالثة: من أجل استئصال ودفع كفر أغلظ وأشد .وذلك عندما يقع خيار بين كفرين لا بد من تقديم أحدهما على الآخر، فحينها يقضي الشرع بتقديم أقلهما كفراً وضرراً لدفع أشدهما وأغلظهما كفراً وضرراً.وصورة ذلك تتحقق عندما تُبتلى الأمة بطاغوت كفره مغلظ بعضه فوق بعض، تشتد فتنته وبلوته على البلاد والعباد، ولا مجال لاستئصاله وإراحة العباد من شره إلا بعد الانغماس في صفه وعسكره، والتظاهر بما يوهمه أنك من جنده وبطانته إلى أن تتمكن من عنقه وقتله.
قلت:أولا:  لقد أخطا أبو بصير في تعريف  الحالة الثالثة: من أجل استئصال ودفع كفر أغلظ وأشد .: وهي أن دفع الكفر الأغلظ والأشد عندما يقع بين كفرين لا بد من تقديم أحدهما على الآخر أي : دفع أعلى المفسدتين بأدناهما إنما يكون بحق مكلف واحد بعينه أي يخير شخص بين كفر من كفرين  من فعل نفس الشخص وهذا التخيير يكون مقيدا بالإكراه أما أن يقع الكفر من شخص آخر فهذا ليس تخييرا لشخص واحد وإنما إثمه على فاعله ولا يجوز بحال دفع كفر شخص بكفر شخص آخر لقوله تعالى : فمن كفر فعليه كفره ولا يزيد الكافرين كفرهم عند ربهم إلا مقتا ولا يزيد الكافرين كفرهم إلا خسارا ()،وقال تعالى  : ومن كفر فلا يحزنك كفره إلينا مرجعهم فننبئهم بما عملوا إن الله عليم بذات الصدور ()والآيات كثيرة بذلك .والله تعالى قال : ولا تزر وازرة وزر أخرى () فمن كفر فعليه كفره ولا يتحمل المسلم شيئا من إثم من كفر فالله تعالى  أرسل رسله ودعوا الناس جماعات وفرادى للإسلام وجعل ذلك غاية من أجلها يعمل المسلم حتى الموت فقال : يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون () والله تعالى لا يرضى لعباده الكفر سواء جماعات أو أفراد فقال : إن تكفروا فان الله غني عنكم ولا يرضى لعباده الكفر وان تشكروا يرضه لكم ولا تزر وازرة وزر أخرى ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم تعملون انه عليم بذات الصدور ()وهذه الآية اشتملت على كل ما سبق فالله يريد منا الإيمان ولا يريد منا الكفر ولا يرضاه لنا وكفر البعض لا يؤثر في الآخرين وإنما لكل نفس ما كسبت وعليها ما اكتسبت .فهذا تأصيل باطل بنى عليه استدلاله وما بني على باطل فهو باطل ولكن سنبين إن شاء الله تعالى هذا الأمر ونزيده إيضاحا.
ثانيا: إن الصورة التي ذكرها أبو بصير هداه الله هي صورة متكررة على مر الزمان واجهها الأنبياء جميعا إذ أن الله تعالى  أرسل رسله إلى عتاة جبارين طغاة يسومون الناس سوء العذاب يعبّدون الناس لهم رغبة ورهبة وكانت دعوة الأنبياء لهم ولغيرهم لدخول الإسلام باجتناب الطاغوت وعبادة الله تعالى إذ أن اجتناب الطاغوت يقتضي عبادة الله والعكس غير صحيح فلا يقتضي من عبد الله أن يجتنب عبادة  غير الله تعالى . .وكذلك فان هذه الصورة كانت موجودة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا أبو جهل وأمية بن خلف وعقبة بن أبي معيط وغيرهم الذين تحققت فيهم الصورة التي وصفها بقوله:  وصورة ذلك تتحقق عندما تُبتلى الأمة بطاغوت كفره مغلظ بعضه فوق بعض، تشتد فتنته وبلوته على البلاد والعباد، ولا مجال لاستئصاله وإراحة العباد من شره إلا بعد الإنغماس في صفه وعسكره، والتظاهر بما يوهمه أنك من جنده وبطانته إلى أن تتمكن من عنقه وقتلها. أ.هـ
ثالثا: إن الغاية التي يسعى المؤمن لتحقيقها أن يموت مسلما وان لا يفعل كفرا والله تعالى جعل ما في الأرض وسائل لتحقيق هذه الغاية وليس العكس بان يجعل غير الإسلام غاية بحيث ينقض هذا الإسلام لتحقيق غرض آخر . وفي حال وجود الطواغيت فالمطلوب الأول من الناس فرادى وجماعات ليكونوا من المسلمين هو اجتناب الطاغوت ومنه اجتناب أن يكونوا من جنده والكون معهم والانضمام إليهم وإظهار موالاتهم فهكذا يحقق المرء الإسلام في ظل الطواغيت. وليس تحقيق الإسلام في ظل الطاغوت يكون بالكفر به( كحد للإيمان) وإنما باجتنابه،والكفر يتضمن الاجتناب وإظهار الدين ومجاهدتهم باللسان واليد وهذا الأمر لا يستطيعه كل شخص ولذلك كان خطئا عظيما من أبي بصير أن يجعل دعوة الأنبياء بقوله : علماً أن الدين ـ من لدن نوح إلى نبينا محمد ـ يقوم على ركنين عظيمين: أولهما الكفر بالطاغوت وإزالته واستئصاله وبغضه، والركن الثاني تحقيق العبودية المطلقة لله ، وهذا معنى لا إله إلا الله الذي لأجلها خلق الله الخلق كله .. وهي غاية عظمى لا تعلوها غاية،
ترخص في سبيلها كل الغايات والمقاصد، فضلاً عن الوسائل والسبل أ.هـ
قلت:إن الدين يقوم على ركنين من لدن نوح إلى نبينا محمد صلوات الله وسلامه عليهم
هما:اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت ،فإزالة الطاغوت واستئصاله مطلوب على المستوى الفردي أولا بأن لا يكون في حياة المسلم للطاغوت حظ وهذا يتحقق بالاجتناب ثم من حقق الاجتناب بعد ذلك فليفعل ما شرعه الله ورسوله .وهذه الطواغيت ما هي قائمة إلا بسبب عدم اجتنابها . إن إزالة أعداء الله تعالى مطلوب ولكن بشرط عدم الوقوع في الكفر لأن هذا الحد الذي لا يجوز مجاوزته.وهذا الأمر- قتل الطغاة- صورة من صور الجهاد الذي هو القتال لإعلاء كلمة الله فكيف يكون معليا لكلمة الله --وأعظم كلمة هي لا اله إلا اله-- من ينقضها لقتل طاغية ؟
رابعا: إن أبا بصير قد خالف تأصيله وهي الصورة التي بنى عليها إباحة ذلك:وكفرهم.ثة قتل كعب  بن الأشرف ولا قتل خالد بن سفيان الهذلي ولا حادثة نعيم بن مسعود تتحقق فيهم الصورة التي ذكرها .فكعب بن الأشرف كان يسب الرسول عليه السلام وكان يؤذيه وضرره لا يتعدى إلى البلاد والعباد .وخالد الهذلي ليس بأول من يجمع لحرب المسلمين .وكذلك المشركين في الأحزاب وإنما هذه حالة طبيعية مترتبة على عدم إيمانهم وكفرهم. ثم إن قتل معين يتحقق منه بيقين بإزالة الضرر المترتب على وجوده بشرط عدم نقض الإيمان فكيف ينصر الله تعالى من نقض من نقض إيمانه والله تعالى يقول : يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم () والمسلم يقاتل أعداءه بطاعة الله والله ينصره بطاعته ومعصية عدوه .
خامسا: إن ما استدل به أبو بصير على جواز إظهار الكفر لقتل أعداء الله تعالى ليس صحيحا ولا يدل على ما ذهب إليه،لأن هذه الحوادث حوادث فعل لا يستدل إلا على صورتها قال ابن تيمية رحمه الله : وأما رد النص بمجرد العمل فهذا باطل عند جماهير العلماء.؟أ.هـ
  
ويقول أيضاً رحمه الله: وإذا كان فعله - المقتدى به - جائزاً أو مستحباً أو أفضل فإنه لا عموم له في جميع الصور بل لا يتعدى حكمه إلاّ إلى ما هو مثله فإن هذا شأن الأفعال لا عموم لها حتى فعل النبي صلى الله عليه وسلم لا عموم له.أ.هـ وهذا الأمر - أي أن الأفعال لا عموم لها - قول جماهير أهل الأصول كما نقل ذلك الشوكاني أيضا.فليس في أي حادثة ذكرها الصورة التي يتكلم عنها وهي أن يدخل المسلم جيش الطاغوت بناء على  تشريعاته والتزامها والمكوث في طاعة الطواغيت وقوانينهم وإعانتهم وخدمتهم وإظهار الموافقة على دينهم  سنين عديدة أو حتى شهورا .وإنما كل ما فيها استخدام المعاريض التي قد يفهم منها العدو ما يريده هو وعليه فان تحديد الوصف الشرعي للمسالة وتفصيلاتها لا يتم بناء على فهم الكافر منها فإذا فهم إنسان من إنسان آخر أنه يسب أو ينتقص  فلا يحكم على الفعل بناء على فهمه وإنما على حقيقة ما صدر من الشخص ويجب أن يكون صريحا  لا يحتمل إلا وجها واحدا أما إذا احتمل أكثر من وجه فيسقط الاستدلال ولا يقطع بوجه معين إلا بقرينة الحال  وهذا أوان التفصيل في كل ما استشهد به من أدلة:

1- فعل محمد بن مسلمة رضي الله عنه كما رواها البخاري ومسلم وغيرهما واللفظ لمسلم : قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم : من لكعب بن الأشرف فإنه قد آذى الله ورسوله  فقال محمد بن مسلمة يا رسول الله أتحب أن أقتله قال نعم قال ائذن لي فلأقل قال:قل فأتاه فقال له وذكر ما بينهما وقال:إن هذا الرجل قد أراد صدقة وقد عنانا فلما سمعه قال:وأيضا والله لتملنه قال:إنا قد اتبعناه الآن ونكره أن ندعه حتى ننظر إلى أي شيء يصير أمره قال وقد أردت أن تسلفني سلفا قال فما ترهنني قال ما تريد قال ترهنني نساءكم قال أنت أجمل العرب أنرهنك نساءنا قال له ترهنوني أولادكم قال يسب ابن أحدنا فيقال رهن في وسقين من تمر ولكن نرهنك اللامة يعني السلاح قال:فنعم وواعده أن يأتيه بالحارث وأبي عبس بن جبر وعباد بن بشر قال فجاءوا فدعوه ليلا فنزل إليهم قال سفيان عمرو قالت له امرأته إني لأسمع صوت دم قال إنما هذا محمد بن مسلمة ورضيعه وأبو نائلة إن الكريم لو دعي إلى طعنة ليلا لأجاب قال محمد:إني إذا جاء فسوف أمد يدي إلى رأسه فإذا استمكنت منه فدونكم قال:فلما نزل وهو متوشح فقالوا نجد منك ريح الطيب قال نعم تحتي فلانة هي أعطر نساء العرب قال فتأذن لي أن أشم منه قال نعم فشم فتناول فشم ثم قال أتأذن لي أن أعود قال فاستمكن من رأسه ثم قال دونكم قال:فقتلوه أ.هـ
قلت:بوب العلماء رحمهم الله تعالى ما يلي على هذه القصة ومعلوم أن تبويبهم إنما هو بناء على أهم المسائل المستخلصة منها: -
-
الإمام مسلم في صحيحه: باب قتل كعب بن الأشرف طاغوت اليهود .3/1425
-
مسند أبي عوانة: بيان ندب النبي  صلى الله عليه وسلم  أصحابه إلى عدوه والمؤذي له وإباحته لهم المكر به بالقول والفعل.4/346
-
الإمام البخاري في صحيحه : باب رهن السلاح 2/887
باب الكذب في الحرب 3/1102
باب قتل كعب بن الأشرف 4/1481
سنن البيه قي الكبرى : باب ما حرم عليه من خائنة الأعين دون المكيدة في الحرب7/40
نيل الأوطار : باب الكذب في الحرب 2/82
سنن أبي داوود : باب في العدو يؤتى على غرة ويتشبه بهم  3/87
السنن الكبرى: الرخصة في الكذب في الحرب 5/192
أحكام أهل الذمة : فصل انتقاض العهد بنكثهم أيمانهم 3/1381
أحكام أهل الذمة زوال العصمة عن نفس ومال المؤذي لله ورسوله   3/1395
أحكام أهل الذمة :  فصل حجة الإمام الشافعي في قتل الساب 3/1415
لم نجد أحدا من أهل العلم قد فهم من قصة محمد بن مسلمة رضي الله عنه أن فيها إظهار الكفر لقتل عدو الله تعالى .لذلك كان أبو بصير مخطئا  بقوله :  : فالحديث ـ بمجموع طرقه، وكما فهمه العلماء ـ حجة قوية في المسألة، إن تُمكن من رد وجه من أوجه الاستدلال به، فإنه لا يمكن رد مجموع أوجه الاستدلال به الآنفة الذكر ..والله تعالى أعلم  . أ.هـ

نقول له: أين ما ذهبت إليه من أقوال العلماء فهم لم يفهموا ذلك وأنت تقولهم ما لم يقولوا به أما كونك فهمت هذا من كلامهم فهذا شانك.وسيتم رد جميع الوجوه بإذن الله تعالى فما حصل من محمد بن مسلمة وصحبه رضي الله عنهم هي أقوال معاريض يفهم منها عدو الله أنها طعن في رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذه الأقوال تمت بعد إذن الرسول عليه السلام وهذا من حقوقه التي لا يتصرف فيها غيره كما إنها ليست سبا أو ذما صريحا والتعويل على ما ذكره ابن حجر من رواية الواقدي مما لا تقوم به حجة .
قول أبي بصير هداه الله : منها: قول محمد بن مسلمة:" سألنا الصدقة ونحن لا نجد ما نأكل .." وهذا مفاده رمي النبي بالظلم والجور، وأنه يسأل الناس دفع الصدقات وهم لا يجدون ما يأكلون.. وهذا لا شك أنه كفر أ.هـ
نقول له : أنت فهمت هذا ونحن لا نسلم بفهمك فنحن نفهم أن كلام محمد بن مسلمة رضي الله عنه حق وصدق فان الرسول عليه السلام أمر المسلمين بالصدقة وفيهم من لا يجد ما يأكل فهو ممن لا تجب عليه الصدقة فهو قد ذكر حالهم ولكن أين قوله : انه سألنا الصدقة سواء منّا الذي يجد والذي لا يجد وهذا ظلم وجور منه،فهم قد استأذنوا قول المعاريض التي يفهم منها السامع لهم الذم بينما هم لا يقصدون ذلك وذكر المعاريض هو الذي فهمه العلماء ومن ذلك ما ذكره بقوله : قال لشيباني في السير 1/189:" فأذن لنا فلنقل، فإنه لا بد لنا منه "؛ أي نخدعه باستعمال المعاريض، وإظهار النيل منك . انتهى .
قول أبي بصير هداه الله: ومنها: قوله:" وإنه قد عنَّانا "؛ أي أتعبنا بسؤاله لنا الصدقة ونحن لا نجد ما نصدقه.. هذا المفهوم من سياق الكلام، وهذا لا شك انه كفر لتضمنه التذمر وعدم الرضى بالنبي وما جاءهم به من عند ربه ..أ.هـ
نقول له: هذا فهمك ولا نسلم به فقوله قد عنّانا لا يقتضي اتصاله بالصدقة وإنما هو كلام منفصل وهو حق فان الشرع الذي جاء به صلى الله عليه وسلم فيه تعب ولذلك تسمى التكاليف الشرعية ومعنى تكليف أي ما يترتب عليه مشقة فنحن نفهم قوله رضي الله عنه على أنه يقصد: أتعبنا في الدنيا ليريحنا في الآخرة ويذهب عنا شقاء الدنيا فهما بما يتطابق مع حال وحقيقة القائل (الصحابي) وليس على فهم عدو الله.

قول أبي بصير هداه الله : ومنها: أن هذا المفهوم من قوله " قد عنَّانا " المتقدم الذكر هو الذي حمل كعباً على أن يقول:" وأيضاً والله لتملنَّه " أي سيأتي اليوم الذي تملون فيه النبي ودعوته بسب هذا الظلم وهو سؤاله لكم الصدقة وأنتم لا تجدون ما تصدقونه ..أ.هـ
نقول له : هذا كلام كعب بن الأشرف لا يتحمل وزره الصحابة رضي الله عنهم وإنما وزره على قائله وكذلك فان إرسال الله تعالى رسله إلى أقوامهم ترتب عليه أنهم قد كفروا بهم وكذبوهم ووصفوهم بالجنون والسحر غلى غير ذلك فهل نقول إن إرسال الرسل ترتب عليه الكفر من الكفار ومحاربتهم لله ورسوله وللمؤمنين وبذلك فهذا أمر لا يعقل أو غير صحيح .
قول أبي بصير هداه الله : ومنها: قوله:" فلا نُحبُّ أن ندعه ننظر إلى أي شيءٍ يصير أمره "، أي أن وقوفنا معه قائم على اعتبار العاقبة، فإن كانت العاقبة له كنا معه وأصابنا الخير بسبب ذلك، وإن كانت العاقبة لغيره تركناه وتخلينا عنه .. فنحن ننظر إلى أي شيءٍ يصير أمره .. وهذا لا شك أنه كفر . أ.هـ
نقول له : هذا فهمك ولا نسلم به ولكننا نفهم من قوله رضي الله عنه لأنه ممن وقر الإيمان في قلبه ويعلم علم اليقين أن الله سينصر رسوله وأن العاقبة للمؤمنين وبما انه موقن من هذا فيكون معنى كلامه الذي يقصده : إننا لن ندعه حتى ننظر إلى أي شيء يصير أمره الذي نؤمن ولا نشك أن الله تعالى سيظهره ومن اجل هذا لا نحب أن ندعه ،فهذا ليس بكفر وإنما من المعاريض التي يفهم السامع منها بناء على دينه ويقصد المتكلم ما يتفق مع دينه بل هذه شهادة لهم بالفطنة والذكاء.ونقول بمليء أفواهنا إن هذا إيمان بلا شك براء من الشرك .
قول أبي بصير هداه الله : ومنها: قول أبي نائلة ـ وكان مع محمد بن مسلمة في المهمة ـ :" نريد خذلانه والتخلي عنه "، لا شك أنه من الكفر البواح الذي لا يحتمل تأويلاً ولا صرفاً .. ولو قيل هذا الكلام في الظروف الطبيعية لكفر صاحبه أ.هـ
قلت:إن هذا من رواية الواقدي مما لا تقوم به حجة .

قول أبي بصير هداه الله :والشاهد أن الجلوس في مجالس الكفر والاستهزاء بالدين من غير إنكار ولا إكراه ولا قيام هو كفر أكبر، ومع ذلك الصحابة فعلوه ليتمكنوا من استئصال الكفر الأكبر المتمثل في الطاغية كعب بن الأشرف لعنه الله .
نقول : إن هذا فهمك ولا نسلم به فأين مجلس الكفر ولم يصدر منهم ذلك كما أنهم قاموا بما يتوجب عليهم شرعا إذا كانوا في مجلس كفر وهو الإنكار باليد فقد قاموا بقتل كعب بن الأشرف وتحقق الإنكار وليس كما زعم بأن هذا مجلس كفر من غير إنكار ونقول له : ماذا تسمي قتلهم لكعب بن الأشرف أليس هو أعظم الإنكار على التسليم انه مجلس كفر وليس بذلك .فلماذا لا نعتبر أن دار الكفر هي مجلس كفر لان فيها الاستهزاء بالدين وسماع ذلك ورؤيته إلى غير ذلك فهل نقول إن حكم المسلم في دار الكفر انه كافر لأنه في مكان فيه الكفر ومحاربة الإسلام والمسلمين ؟!
قول أبي بصير هداه الله :ومنها: أن استئذان الصحابة ـ رضي الله عنهم أجمعين ـ النبيَّ في أن يقولوا فيه كلاماً؛ أي الكلام الذي يفيد الذم والتجريح الذي لا يجوز أن يُقال في الحالات الطبيعية إلا إذا آثر صاحبه الكفر على الإيمان .. وإلا فإن الكلام المباح لا يحتاج إلى استئذان وهذا المعنى يوضحه ابن حجر في الفتح حيث يقول: قوله" فأذن لي أن أقول شيئاً، قال قل .." كأنه استأذنه أن يفتعل شيئاً يحتال به، ومن ثم بوب عليه المصنف " الكذب في الحرب " وقد ظهر من سياق ابن سعد للقصة أنهم استأذنوا أن يشكوا منه ويُعيبوا رأيه..!أ.هـ

نقول له : هذا خطا فاحش لأنه كما ذكرنا من حقوق الرسول عليه السلام التي له الحق بالتصرف فيها ليست لأحد من بعده فهم استأذنوا بان يقولوا معاريض وهو صلى الله عليه وسلم أذن لهم فقد حصلت لهم الشرعية وكذلك ما ورد في الروايات التي ذكرها مع التسليم بصحتها. .
فخلاصة أقوال أبي بصير أنها فهمه الخاص ولا يسلم له فيه وما استدل به إنما يحتمل وجوها عديدة يجب حملها على أحسن الوجوه اعتباراً لأحوال الصحابة الإيمانية وأنهم يعظمونه صلى الله عليه وسلم تعظيما شهد لهم به أعداؤهم ولا تسمح لهم أنفسهم بان يؤذوه طرفة عين ويكفي قول خبيب رضي الله عنه حين صلبوه: ما أود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكانه وأن يشاك بشوكة أو كما قال رضي الله عنه .
الثاني : قصة قتل سفيان بن خالد الهذلي .والروايات كما وردت في مجمع الزوائد هي:باب قتل خالد بن سفيان الهذلي عن عبد الله بن أنيس قال دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إنه قد بلغني أن خالد بن سفيان بن نبيح الهذلي يجمع لي الناس ليغزوني فائته فاقتله قال قلت يا رسول الله أنعته لي حتى أعرفه قال إذا رأيته وجدت له قشعريرة قال فخرجت متوشحا سيفي حتى وقعت عليه وهو بعرنة مع ظعن يرتاد لهن منزلا وحين كان وقت العصر فلما رأيته وجدت ما وصف لي رسول الله صلى الله عليه وسلم من القشعريرة فأقبلت نحوه وخشيت أن يكون بيني وبينه محاولة فصليت وأنا أومئ برأسي الركوع والسجود فلما انتهيت إليه قال من الرجل قلت رجل سمع بك وبجمعك لهذا الرجل فجاءك في ذلك قال أجل أنا في ذلك قال فمشيت معه شيئا حتى إذا أمكنني حملت عليه بالسيف حتى قتلته ثم خرجت وتركت ظعائنه مكبات عليه قلت روى أبو داود بعضه في صلاة الخوف رواه احمد وأبو يعلى ينحوه وفيه راو لم يسم وهو ابن عبد الله بن أنيس وبقية رجاله ثقات . وعن محمد بن كعب القرظى قال:قال عبد الله ابن أنيس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من لي بخالد بن نبيح رجل من هذيل وهو يومئذ بعرنه قال عبد الله:قلت أنا يا رسول الله انعته لي قال لو رأيته هبته قلت والذي أكرمك ما هبت شيئا قط فخرجت حتى لقيته بحيال عرنة قبل أن تغيب الشمس فلقيته فرعبت منه فعرفت حين رعبت منه الذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال من الرجل قلت باغي حاجة فهل من مبيت قال نعم فالحق بي قال فخرجت في رجاء فصليت العصر ركعتين خفيفتين ثم خرجت فأشفقت أن يراني ثم لحقته فضربته بالسيف ثم غشيت الجبل وكمنت حتى إذا ذهب الناس خرجت حتى قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فأخبرته الخبر معه رواه الطبراني ورجاله ثقات   .
  
وعن عبد الله بن أنيس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من لسفيان الهذلي يهجوني ويشتمني ويؤذيني فقلت أنا له يا رسول الله ابعثني له فبعثه أتاه ليلا دخل داره فقال أين سفيان فاطلع إليه مطلع من أهله فقال ما تريد قال أريد سفيان فمروه فليطلع على فاطلع إليه سفيان فقال ما تريد قال:أريد أن تهبط إلى فان عندي درعا أريد أن أريكها قال:فأين هي قال:هذه فاهبط إلى بقبائك فاخرج معي أريكها فخرج معه فسل سيفه فضربه حتى برد ثم أقبل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد فأخبره بأنه قد قتله ومع النبي صلى الله عليه وسلم عصا يتخصر بها فناوله إياها فقال تخصر بهذه فان المتخصرين يوم القيامة قليل فلم تزل معه حتى مات فدفنت معه رواه الطبراني وفيه الوازع بن نافع وهو متروك .
وعن عبادة يعني ابن الصامت قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا معشر الأنصار ألا رجل يكفيني سفيان الهذلي فانه قد هجاني فقام عبد الله بن أنيس فقال :أنا يا رسول الله وأين هو قال:بعرنة قال:يا رسول الله صفه لي قال :إذا رأيته فرقت منه قال:يا رسول الله ما فرقت شيئا منذ أسلمت فخرج عبد الله ابن أنيس يسعى على رجليه حتى قتله ثم رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه الطبراني وإسحق بن يحيى لم يدرك عبادة .
فهذه الروايات أصحها ما رواه الطبراني وفيها: فلقيته فرعبت منه فعرفت حين رعبت منه الذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال من الرجل قلت باغي حاجة فهل من مبيت قال نعم فالحق بي قال فخرجت في رجاء فصليت العصر ركعتين خفيفتين ثم خرجت فأشفقت أن يراني ثم لحقته فضربته بالسيف أ.هـ فليس فيها ما يشكل .وعلى التسليم بصحة الرواية التي استند إليها أبو بصير وعلق عليها بقوله :فتأمل قوله:" رجل سمع بك وبجمعك لهذا الرجل، فجاءك في ذلك "؛ أي جئتك لأنصرك وأكثر سوادك في قتالك للنبي.. وهذا لا شك أنه لفظ كفري، ولو أنه قيل في الحالات الطبيعية ـ لغير ضرورة استئصال هذا الطاغوت ـ لكان كفراً أكبر أ.هـ
نقول : هذا فهمك وكلامك أنت لا نسلم به وأما كلام الصحابي ليس بلفظ كفري  فنحن نفهم من قوله رضي الله عنه انه ما قال إلا حقا وصدقا فهو :رجل قد سمع به وهذا حق وسمع بجمعك لهذا الرجل وهذا حق فجاءك في ذلك وهذا حق فهو قد جاءه في ذلك ليقتله فأين ما ذهب إليه أبو بصير بان المعنى : إنني جئت لأنصرك وأكثر سوادك في قتالك للنبي .

قلت:قد يكون هذا ما فهمه ذلك الطاغية وهذا من فطنته رضي الله عنه في استخدام الألفاظ التي توهم هذا الفهم مع صحة قوله لنفسه ولا يحكم على القول بناءا على ما يفهمه السامع وإنما على ما يقصده المتكلم فإذا عرفنا أن من يتكلم هو من صحابة رسول الله صلى الله عليه خير البشر بعد الأنبياء والرسل فلا شك أننا نحمله بما يناسبهم رضي الله عنهم من ديانة وتقوى وورع.فقوله رضي الله عنه حققوله:ن وليس كفر وبهتان ناهيك عن أن يكون معصية
ثالثا: قصة نعيم بن مسعود رضي الله عنه وقد استند في ذلك إلى ما ذكره ابن كثير في البداية والنهاية وقد ذكرها ابن كثير بلا سند وكذلك غيره فهي مما لا تقوم بها حجة ابتداء فهي ليس بدليل قطعي الثبوت .ومع ذلك نناقشه فيها:
قوله : ومن الأدلة كذلك: أمر النبي لنعيم بن مسعود أن يخذل عن المسلمين يوم وقعة الأحزاب .. وكان مما قاله نعيم بن مسعود لأبي سفيان بن حرب ومن معه من رجال قريش: قد عرفتم ودي لكم، وفراقي محمداً، وإنه قد بلغني أمر قد رأيت عليَّ حقاً أن أبلغكموه نصحاً لكم فاكتموه عني ..أ.هـ
قلت :هذا لا يعتبر من الأدلة لعدم ثبوته وكونها مشهورة ليس دليل صحة والقول المنسوب إلى الصحابي رضي الله عنه وهو : : قد عرفتم ودي لكم، وفراقي محمداً أ.هـ كلام صحيح صحيح فهو يتكلم بحاله التي يعرفونها قبل إسلامه فهم لا يعلمون منه إلا أنه يودهم وانه مفارق لمحمد عليه الصلاة والسلام .فليس الأمر إلا رجل يكتم إيمانه فهذا ليس بكفر ولا معصية وبذلك كان خطئا عظيما قول أبي بصير.. لاشك أن هذا من الكفر البواح لا شك فيه .أ.هـ فنقول له أخطأت ، ثم قال هداه الله:فإن قيل هذه المقولة:" قد عرفتم ودي لكم، وفراقي محمداً .." لا تفيد الكفر، أقول: إن مجرد الجلوس والإقامة في مجالس الكفر والاستهزاء والطعن، والحرب على الله ورسوله.. من غير إنكار ولا قيام هو كفر، لقوله تعالى: وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يُكفر بها ويُستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديثٍ غيرِه إنكم إذاً مثلهم [ النساء:140. أي إن أبيتم إلا الجلوس معهم من غير إنكار فأنتم مثلهم في الكفرأ.هـ
نقول : أما عدم الإنكار مع التسليم بالرواية المنسوبة فلا نسلم به إذ انه ذهب ليخذل عن المسلمين ويوهن الكافرين ويزرع بينهم الشقاق وينصر المسلمين وهذا من أعظم الإنكار بأن يحول ما سماه مجلس كفر يستهزأ بالدين ومحاربة المسلمين إلى فرقة وهزيمة وإذلال ووالله إن هذا أعظم الإنكار فان الإنكار ليس مقيدا بصورة معينة وإنما صوره غير محدودة ومنها توهين الكفار وزرع الشقاق بينهم .وأنظر إلى قول أبي بصير هداه الله :ولكن الذي برر كل ذلك هو أن نية الصحابي نعيم بن مسعود كانت أن يخذل عن المسلمين، ويفرق بين الأحزاب التي تحالفت على حرب الرسول والدعوة الإسلامية وهذه مهمة جليلة فوائدها عامة، تهون أمامها مثل العبارة الآنفة الذكر عنه أ.هـ
فنقول : العبارة ليس فيها شيء إطلاقا وخذلانه عن المسلمين هو الإنكار بحد ذاته
4- قوله:قال الشيباني في السير 1/185: وإذا دخل المسلم دار الحرب بغير أمان، فأخذه المشركون فقال لهم: أنا رجل منكم، أو جئت أريد أن أقاتل معكم المسلمين، فلا بأس بأن يقتل من أحب منهم، ويأخذ من أموالهم ما شاء .. انتهى . ثم استدل بقصتي مقتل الطاغوتين: خالد بن سفيان الهذلي، وكعب بن الأشرف
قلت: قوله أنا رجل منكم، أو جئت أريد أن أقاتل معكم المسلمين هو كفر، وهو مستساغ ـ عند الشيباني ـ من أجل أن يقتل منهم من أحب، وإذا كان الأمر كذلك فمن باب أولى أن يكون ذلك مستساغاً وجائزاً من أجل استئصال طاغوت اشتد كفره وطغيانه وأذاه على المسلمين ..!أ.هـ
نقول له: لقد أتعبتنا يا أبا بصير فانت لا تتأمل بدقة مع ما تذكره غن هذا ليس بدليل شرعي فلا دليل إلا قول الله تعالى وقول رسوله عليه السلام ثم إن القول الذي ذكره الشيباني وهو : أنا رجل منكم، أو جئت أريد أن أقاتل معكم المسلمين أ.هـ ليس قولا مجردا وإنما معه قرينة حال وهي قوله : فأخذه المشركون ،فأخذه المشركون يعني أسروه ،إذن فهذا القول يكون في حال الأسر والأسير له حكم المكره .وهذه الحالة بخلاف ما يستدل به وبخلاف الأدلة التي أوردها إذ انه لم يرد في الأدلة التي ذكرها قول كفر مجرد صريح كما انه لم يكن احدهم أسيرا.ولا يستدل بحادثة قتل كعب بن الأشرف وخالد بن سفيان الهذلي على هذه الحالة
إطلاقا،علما باني بحثت واجتهدت في البحث عن هذا القول في كتاب السير فلم اهتدي إليه .ثم كان تعليقه بعد ذلك وهو :قلت: قوله أنا رجل منكم، أو جئت أريد أن أقاتل معكم المسلمين هو كفر، وهو مستساغ ـ عند الشيباني ـ من أجل أن يقتل منهم من أحب، وإذا كان الأمر كذلك فمن باب أولى أن يكون ذلك مستساغاً وجائزاً من أجل استئصال طاغوت اشتد كفره وطغيانه وأذاه على المسلمين ..!أ.هـ غير صحيح وفي غير محل الاستدلال .
قوله: ثانياً: أن قواعد الشريعة الكلية جاءت بمبدأ دفع الضرر، وبارتكاب أخف الضررين ودفع أعلاهما ضرراً، وهذا يشمل جميع مسائل الدين؛ الأصول والفروع منها، ومن هذه المسائل التي يشملها مسألتنا هذه.أ.هـ
أقول : هذه قاعدة صحيحة انزلها في غير محلها إذ أن إظهار الموالاة كفر بينما وجود طاغوت مهما كان عتوه ليس كفر على المسلم إذا كان في أرضه ومحقق اجتنابه وقد سبق بيان هذا الأمر ..فأين الكفران اللذان يدفع احدهما بالآخر إلا إذا كان وجود المسلم في دار الحرب بوجود الطواغيت العتاة حكمه الكفر وهذا ما لا يقول به أبو بصير هداه الله وما لا يقوله الشرع قبل ذلك إلا إذا تحقق في مجموع الأمة ما قاله ابن حزم رحمه الله : : ما تقولون في سلطان جعل اليهود أصحاب أمره والنصارى جنده وحمل السيف على كل من وجد من المسلمين وأعلن العبث به ، وأباح المسلمات للزنا وهو في كل ذلك مقر للإسلام معلن به لا يدع الصلاة؟ فإن أجازوا الصبر على هذا خالفوا الإسلام جملة وانسلخوا منه وإن قالوا: بل يقام عليه ويقاتل فقد رجعوا إلى الحق... الخ. وقال أيضاً: ولو أن كافراً مجاهراً غلب على دار من دور الإسلام وأقر المسلمين بها على حالهم إلاّ أنه هو المالك لها المنفرد بنفسه في ضبطها وهو معلن بدين غير الإسلام لكفر بالبقاء معه من عاونه وأقام معه وإن ادعى أنه مسلم أ.هـ. فابن حزم رحمه الله لم يقل يجواز إظهار الكفر لقتل هذا الطاغية وإنما يتحدد الحكم بموقف الأمة واف لأمة تعد بالملايين لا تستطيع تغيير شخص . وما هذا إلا لأن الأمة خاضعة لهذا الشخص مقرة له بذلك حبا وإيثارا للدنيا، وعليه فإن مسألتناوالبلاد.ة إطلاقا في هذه القاعدة لا من حيث الأصول ولا من حيث الفروع.
قوله:فإن أخذت الحمية بعض المتسرعين وقالوا: هذا مفاده إباحة بعض صور الكفر !قلت: فإن عدمه يلزمك السكوت والإبقاء والمحافظة على ما هو أغلظ منه كفراً وخطراً على العباد والبلاد ..!!فانظر أيهما أسلم وأرضى لدينك وآخرتك ..؟!!أ.هـ
قلت : نعم نقول إن هذا إباحة للكفر هذا ليس تسرعا وإنما حق فان في ذلك إباحة للكفر وليس لبعض صور الكفر لان ما جاز في صورة كفر يجوز في غيره ومن حقق الإسلام وهو اجتناب الطاغوت ليس بساكت ولا يكون محافظا على كفر بل هو السالم إن شاء الله تعالى .فالأسلم لديني أن لا افعل كفرا وان ألقى الله تعالى بقلب سليم من الشرك والكفر خطر هؤلاء الطواغيت على من لم يجتنبهم وفعل الكفر معهم وهو أعظم الظلم بحكم الله تعالى : إن الشرك لظلم عظيم ()،إن تحقيق الاجتناب هو من نصرة الله تعالى لأنه أمر الله لنا ولم يأمرنا تعالى بفعل الكفر لقتل كائنا من كان .
قوله:فإن قالوا ـ كما ذُكر عن البعض ـ : أن الكفر لا يُباح إلا لضرورة ملزمة، لأن المحظورات لا تُباح إلا بالضرورات، وإزالة الطاغوت حاجة وليست ضرورة ..!!أ.هـ
قلت: وهذا تأصيل فاسد لان قاعدة الضرورات تبيح المحظورات إنما هي في المحرمات دون الكفر أما الكفر فلا يكون إلا بالإكراه فكل إكراه ضرورة وليس كل ضرورة إكراه فلم يحسن الرد على من قالوا ذلك حتى وافقهم على أن هذه القاعدة تشمل الكفر ثم ما تبع ذلك من كلامه فهو مستند إلى هذا التأصيل الفاسد فهو باطل .
قوله:ثالثاً: إذا كان ـ كما يقول الصحابي ابن مسعود t ـ يجوز للمرء أن يقول الكـلام الذي يدرأ عنه سوطاً أو سوطين .. فكيف لا يجوز له أن يقول الكلام الذي يدرأ عنه وعن أمته الذبح والقتل، والذل، والقهر، والكفر المغلظ بكل ضروبه وأنواعه ..؟!! وإذا كان دفع سوط أو سوطين يُعتبر من الضرورات التي تبيح المحظورات .. فكيف لا يكون دفع القتل والمجازر الجماعية بحق المسلمين وبحق أطفالهم ونسائهم التي يقوم بها الطاغوت من الضرورات التي تُبيح المحظورات ..؟!!أ.هـ
نقول :إن قول الصحابي رضي الله عنه بحق المكره والسوط والسوطين ليست قاعدة عامة وإنما الإكراه واسع وليس مقيد بصورة محددة فما كان إكراها للبعض ليس بالضرورة أن يكون إكراها لغيره فلكل شخص وضعه وحاله والله اعلم بالسرائر ،وقولك هذا يا أبا بصير إباحة للكفر إذ أن هذه المذابح تنتهي بالقول أن هؤلاء مسلمون وأنهم ولاة أمور المسلمين وغير ذلك من الكلام لأنك جعلت الإبقاء على حياة الناس قاعدة عامة وأصل الإسلام الذي من أجله يباح الكفر وأبو بصير هداه الله يتكلم وكأن هؤلاء الطواغيت بمتناول اليد فما عليك إلا أن تذهب وتظهر الموالاة فيدخلونك( كصورة خالد الهذلي وكعب بن الأشرف) ثم دونكهموا
إن من يدافع عن الطواغيت ويحمونهم هم أخي وأخوك وابن عمي وابن عمك وقراباتي وقرابتك وجاري وجارك وهؤلاء هم الذين يمدونهم بالمال لبقائهم والحال ليست بخافية على احد هذا من ناحية من ناحية أخرى إن قتل طاغية لا يريح الأمة منه ولا تنتهي مشاكلها التي ذكرها أبو بصير وعلى سبيل المثال : فقد تم قتل السادات الطاغية الجبار فجاء من بعده اشد طغيانا وظلما واحتراسا فماذا كانت النتيجة ؟رجعت الجماعة الجهادية عن كل ما كانت عليه .
يا أبا بصير هداك الله أننا نعيش في أنظمة طاغوتية فرعونية ليس ما يقع على الناس من شخص الحاكم وإنما هذا الحاكم يمثل نظاما فإذا ذهب الشخص بقي النظام وجيء بشخص آخر فلا يؤثر تغير الحاكم وليس الأمر ككعب الأشرف أو خالد الهذلي .

إن الواقع يقتضي أحد أمرين:إما تغيير أنظمة كاملة وإما أن نتغير من الواقع.
لا يكون المرء مسلما إلا باجتناب الطاغوت ومن حقق ذلك فقد سلم ونجى بإذن الله ولا نجاة إلا في ذلك ولا سلطان للطاغوت عليه بنص كتاب ربنا قال تعالى : إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون () والمسلم لا يقبل الذل فإن استطاع أن يقاتل عن نفسه وقتل فهو شهيد وقد فاز وله أن يقاتل عن عرضه وماله فمال الأمة بمجموعها ساكتة راضية وصدق فيهم قول ابن حزم رحمه الله : : ما تقولون في سلطان جعل اليهود أصحاب أمره والنصارى جنده وحمل السيف على كل من وجد من المسلمين وأعلن العبث به ، وأباح المسلمات للزنا وهو في كل ذلك مقر للإسلام معلن به لا يدع الصلاة؟ فإن أجازوا الصبر على هذا خالفوا الإسلام جملة وانسلخوا منه وإن قالوا: بل يقام عليه ويقاتل فقد رجعوا إلى الحق... الخ.  وقال أيضاً: ولو أن كافراً مجاهراً غلب (1)على دار من دور الإسلام وأقر المسلمين بها على حالهم إلاّ أنه هو المالك لها المنفرد بنفسه في ضبطها وهو معلن بدين غير الإسلام لكفر بالبقاء معه من عاونه وأقام معه وإن ادعى أنه مسلم أ.هـ.
رابعاً: قوله: هذا الطريق سلكه الأعلام من مجاهدي الأمة ابتداء من الصحابي محمد بن مسلمة، ونعيم بن مسعود ، وأبي نائلة، وعبد الله بن أُنيس .. مروراً بالبطل صلاح
الدين الأيوبي الذي كان وزيراً في الدولة الفاطمية العبيدية الكافرة، إلى أن تمكن من استئصال الكفر المتمثل في شعوذة العبيديين، وتغيير الدولة كلها إلى دولة إسلامية سنية مجاهدة .. انتهاء بالبطل خالد اسلامبولي ورفاقه الذين أراحوا الأمة من خائن الأمة السادات ..! والقول بخلاف ما قدمنا من لوازمه رمي هؤلاء الأبطال وغيرهم بالكفر والعياذ بالله..!!أ.هـ
قلت : لقد ثبت عدم صحة دعواه بأنه لا يوجد دليل على جواز إظهار الكفر لغير المكره وان ما استدل به لا يصلح للاستدلال لهذا وإنما على جواز قتل أعداء الله بالحيلة والمكيدة والكذب في الحرب واستعمال المعاريض هذا بحق الصحابة رضي الله عنهم .
أما صلاح الدين الأيوبي فليس دليلا في ذلك وكتب التاريخ لا تصلح للاستدلال إضافة إلى انه ورد في سيرته انه لم يقتل الخليفة العبيدي وإنما أعطاه ضياعا وأموالا ليعيش حرا طليقا في مكان اختاره له .
وأما خالد الأسلامبولي فقد قتل طاغية وجاء أطغى منه فلم يتحقق الهدف من ذلك .
وأما إن خلاف قولك يا أبا بصير يلزم منه تكفير من ذكرت فهذا أسلوب الإرهاب الفكري ودغدغة العواطف والأمور الشرعية يبحث هكذا:أما الصحابة فلم يظهروا كفرا - فهذا فهمك تتحمل تبعاته في الدنيا والآخرة- وقولك لا يلزمنا وقد تبين بطلانه وأما صلاح الدين فلم نعلم عنه انه كان جنديا من جنود الدولة العبيدية وأنه اظهر الكفر وأما خالد الاسلامبولي فقد دخل جيش الطواغيت واظهر الكفر سنوات عديدة فكان حكمه الكفر وأما إن تاب من ذلك وحسن إسلامه فهو مسلم وإلا فحكمه على ما ظهر منه .فمدار أقوال أبي بصير هداه الله على تنبيهات وضعها في نهاية بحثه وهي:
-
قوله: لا يجوز إظهار الكفر إلا لضرورة استئصال كفر أكبر وأغلظ .. والمتمثل في الطغاة المجرمين وكفرهم .. ولا نرى إظهار الكفر ـ بقول أو عمل ـ من أجل إزالة كفرٍ مماثل لـه أو ما هو دونه أ.هـ.!!
قلت: هذا خطا فاحش بنى عليه مسألته فان قتل طاغية لا يزيل الكفر وإنما يزيل كافر ويبقى الكفر فتكون حصيلة مسألته هي: إظهار كفر لإزالة كافر وليس كفر كما زعم

-قوله:لا يُلجأ إلى هذه الوسيلة إلا إذا انتفت جميع الوسائل التي تمكن من استئصال الطاغوت صاحب الكفر المركب والمغلظ .. أما إن توفرت وسائل وسبل أخرى لا يجوز اللجوء إلى هذه الوسيلة ..!أ.هـ
قلت: إن الوسائل يجب أن تكون شرعية والرسل جاءت لاستئصال الطاغوت بوسيلة بعثهم بها رب العالمين الحكيم الخبير وهي اجتناب الطاغوت فإذا تحقق من الأمة الاجتناب فقد استأصلت الطاغوت وإذا  اجتنب الأكثر الطاغوت فان الطاغوت لا بقاء له عندهم أما إذا لم يتحقق الاجتناب من المجموع أو الأكثر فلا ادري كيف سيزول ؟ ولن يزول فان الله تعالى عندها: وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون()
-
قوله: في حال عُمل بهذه الرخصة يجب التحري ما أمكن في عدم التلفظ أو الوقـوع في الكفر .. إلا ما دعت إليه الضرورة من غير زيادة أو توسع..أ.هـ
قلت: قد ثبت عدم وجود الرخصة في ذلك وأن أقواله مبينة على مقدمات متناقضة وباطلة وأن هذه الرخصة ليست من الشرع وإنما من كيسك يا أبا بصير تتحمل تبعته في الدنيا والآخرة..
قوله:  في حال قُدر على استخدام المعاريض، وكانت تكفي لتنفيذ المهمة .. لا يجوز اللجوء إلى الترخص في إظهار الكفر أو التلفظ به، لقوله تعالى: فاتقوا الله ما استطعتم [ التغابن:16. أ.هـ
قلت : هذا تأصيل فاسد إذ أن الآية واضحة وهي بحق أوامر الله تعالى فهل امرنا الله تعالى بإظهار الكفر لقتل طاغية ؟ الجواب لا ،ولذلك هو يعلم أن أقوال الصحابة ما هي إلا معاريض فكيف يستدل بأفعالهم على أنها كفر صريح وحاول ما استطاع أن يثبت أن أقوالهم أقوالا كفرية .فهذه أفعال الصحابة لا يستدل بها إلا على صورتها وهي استخدام المعاريض وقد اقرهم على ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف أصبح الاستدلال بأفعالهم على أنها إظهار كفر . وهذا من تناقضه هداه الله .
قوله: ما يجوز في الجهاد لا يجوز في غيره من المواطن، وما يجوز للمجاهد المقاتل لا يجوز لغيره القاعد.. وهذه مسألة بينة واضحة تضافرت عليها أدلة الكتاب والسنة، بحثها مستقلاً يحتاج إلى بحث وربما إلى مصنف جديد..!أ.هـ
قلت : إن الأمر لا يحتاج إلى بحث وتصنيف جديد والشرع قد بين كل شيء والحمد لله رب العالمين قال تعالى : اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا () فالجهاد ذروة سنام الإسلام أي مصدر قوته وهو أعظم عمل بعد التوحيد إن كان فرض عين وما عداه يكون بوصف لا يؤثر فيه ويضعفه وإنما يقويه ويؤيده ضمن الضوابط الشرعية . والجهاد هو وسيلة لحفظ التوحيد وحمايته وما شرع الجهاد إلا لنشر التوحيد وظهوره ولا يمكن بحال أن يكون الجهاد سببا في إظهار الكفر فعندها فان الخلل فيمن يدعي الجهاد وفعله ليس بجهاد.
وملاحظة أخيرة على قوله في الهامش: بخلاف المنافق: فإنه يضمر الكفر والعداوة لأهل الإيمان في القلب، مع إظهار الإيمان والموالاة لهم باللسان.. وبالتالي لا يجوز حمل حكم ومصطلح النفاق أو المنافق على المؤمن الذي يأخذ بالتقية لمجرد مخالفة ظاهره لباطنه .. فليس كل مخالفة ظاهر للباطن هو من النفاق أو أن صاحبه منافق، فتنبه لذلك. أ.هـ
قلت : من اظهر الإسلام وأبطن الكفر فهذا منافق .
ومن اظهر الكفر من غير إكراه فهذا كافر وليس منافق ولا يقال بحقه انه يبطن الإسلام ويظهر الكفر إذ لا إسلام مع إظهار الكفر لغير المكره.

وخلاصة بحثنا هذا هو انه لا يجوز إظهار الكفر إلا للمكره بالأدلة الشرعية
اسأل الله العظيم رب العرش العظيم رب جبرائيل وميكائيل واسرافيل عالم الغيب والشهادة أن يهدينا لما اختلف يفه من الحق بإذنه انه ولي ذلك والقادر عليه .
وأساله تعالى أن ينفع بهذا البحث كاتبه ومن كان سبب كتابته وكل باحث عن الحق لتتبين سيبل المجرمين ويتنزل علينا نصر رب العالمين : بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على النبي الأمين قدوة المؤمنين المجاهدين وعلى صحابته أئمة الهدى اتقى العالمين بعد النبيين ومن استن يهديهم إلى يوم الدين
وسبحانك اللهم وبحمدك اشهد أن لا اله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك .