JustPaste.it

http://s02.justpaste.it/files/justpaste/d248/a9924671/0027-small2.gif

bi1hv2_small.jpg

 

 

الصفة التاسعة/ الصدق:

"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ". [ التوبة، 119 ]
الصدق في اللغة: هو الصدق في القول ماضيًا كان أو مستقبلًا، وعدًا أو غيره، ويكون في الخبر دون غيره من أصناف الكلام.
واصطلاحًا: استواء السر والعلانية، والظاهر والباطن، بألّا تكذب أحوال العبد أعماله، ولا أعماله أحواله.
إن الصِّدقَ صِفةُ المؤمن الحق، ولا ريب أن أولى الناس للاتصاف بذلك: القائد؛ لِشِدَّة حاجته إليه في ما أقامه الله تعالى فيه؛ وذلك أنه ليس له غِنىً عن توفيق الله تعالى وتأييده طرفة عين، وقد أبت سُنَّةُ الله تعالى الثابتة في خلقه أن يكون تأييده عز وجل ذاك لكاذِب؛ فهذا لن يكون نصيبه إلا الخُذلان ولو بعد حين؛ فلن تجد عملًا مدخولًا بكذب صاحبه قولًا أو فعلًا أو نيةً، مبارَكًا فيه، ولكن قد يكون لأولئك بعض الجولات وبعض ما وعد الله تعالى عباده الصالحين من نصرٍ و.. و.. و، وإنما لذلك توقيت، لحكمةٍ يعلمها الله تعالى؛ لقد أبى الله تعالى أن يجعل لغير أهل صدقِهِ بركةً وتمكينًا، فهؤلاء من يبني عز وجل على جهادهم -وأعمالهم بصورة عامة- أمورًا متعددة المنافع للعباد والبلاد، وقد يجعلها على مدى قرون من الزمن كما قد تعلمنا من سنن الله تعالى الثابتة، لذلك فقد كان القائد أحق الناس للاتصاف بتلك الصفة العظيمة.

إن القائد يحتاج الصدقَ مع رَبِّهِ أوَّلًا، والصِّدْقُ معه عز وجل غير الإخلاص إليه وإن كان هناك ارتباط وتلازم بينهما، فالصِّدقُ يكون في الطلب والإخلاص في المطلوب؛ قال ابن القيم (رحمه الله تعالى): "والفرق بينه وبين الإخلاص أن للعبد مطلوبا وطلبا، فالإخلاص توحيد مطلوبه، والصدق توحيد طلبه. فالإخلاص ألا يكون المطلوب منقسما، والصدق ألا يكون الطلب منقسما، فالصدق بذل الجهد، والإخلاص إفراد المطلوب"، وبهذا فإن القائدَ يَجِبُ أن يبلُغ جهده كله، ويستنفذَ وُسعَهُ فيما عاهَدَ عليهِ الله تعالى يومًا، فذاك هو الصِّدقُ في الطلب؛ ولا ينبغي أن يَرْكَنَ أو يرتاح تحت أي ذريعة حتى يَبلُغَ أمرَهُ ذاك. هذا بالنسبة لصدقِهِ مع الله وذاك والله هو أصل التوفيق، وهو مادَّة الأمر، فالعبد إن صَدَقَ مع ربِّه سيصدق مع رعيَّتِه ..

إن القائِدَ يجب أن يكون صادقًا في قوله، أمينًا في نقله، لا يداهن أحدا على حساب الأمة، لا يخشى في الله لومة لائم، يقف واضح الرؤية، واضح المنهج، واضح الراية، واضح السلوك، أخلاقه ومعاملاته تدل على صدقه، يراعي مصالح الأمة ولو كلفه ذلك الكثير من وقته وجهده، لا يحابي احدًا، لا يغش الأمة أو يوهمها بمستقبل واعد وهو ساكِنٌ لا يسعى لإعدادِ ما يُستَطاع من قوة لإنجاز ما وَعَد؛ إن القائد الحقيقي الذي سيعيد للأمة مجدها وتاريخها لا بد ان يكون بمستوى تطلُّعات الأمة.

إن لصدقِ القائد آثارًا عظيمة في حب رعيته له والتفافِهم حوله؛ وكيف لا يكون ذلك وهو الذي لم يكذِبهم يومًا أو يُغَرِّر بهم أو يخدعهم، ولا ريب أنَّ تلك الرعية ستكون حاضِنة له، وتكون من وراءِهِ، لا تُسْلِمُه، أو تَخونُهُ، أو تَخذُلُه، فأما إن كان يُعْرَفُ بالكَذِبِ، فَهذا سينهار بنيانه في وقت أسرع مما يتوقع وإن توفرت فيه الست خصال السابقة حيث يقول تعالى: "أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ" [ التوبة، 109 ] ، وإن الصدق يقوي روابط المجتمع ويجعله متماسكًا لا يقوى عليه شيء من أمور الدنيا ولا تستطيع الفتن أن تدخل إليه.
إن الصِّدْقَ سمة قادة البشر إلى الله، أنبياء الله تعالى، وقد كان نبي الهدى محمد (صلى الله عليه وسلم) يلقب بالصادق الأمين قبل بعثته، فكان قومه (عليه الصلاة والسلام) يصدِّقونه في كافَّةِ الأمور رغم تكذيبهم له، روى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : صعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم على الصفا فقال : يا صباحاه ، قال : فاجتمعت إليه قريش ، فقالوا له : مالك ؟ قال : أرأيتم لو أخبرتكم أن عدوا مصبحكم أو ممسيكم أما كنتم تصدقوني ؟ قالوا : بلى ، قال : فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد ، فقال أبو لهب : تبا لك ، ألهذا دعوتنا جميعا ؟ فأنزل الله - عز وجل - : " تبت يدا أبي لهب وتب " إلى آخرها (رواه النسائي في سننه) ونحن هنا نستشهد بقول ما قاله قومه حين سألهم صلى الله عليه وسلم قال : أرأيتم لو أخبرتكم أن مصبحكم أو ممسيكم أما كنتم تصدقوني ؟ فكان جوابهم بما عهدوه عنه صلى الله عليه وسلم نعم أي صدقوه بما قال وهذا ما يجب ان يتحلى به القائد يصدقه العدو والصديق فالعدو لا يعهد عنه الكذب وكذلك الصديق فقوله صدق لا يقبل الشك. فالصدق خلق نبيل من أخلاق النبوة وهو أصل لا يتخلف عن تحقيق التقوى؛ لذلك كان لا بد لكل من يعمل لنصرة دينه أن يتحلى به، "قَالَ اللَّهُ هَٰذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ". [ المائدة، 119 ]
لقد كان (صلى الله عليه وسلم) يحث أصحابه (رضي الله عنهم) على الصدق؛ فعن ابن مسعود (رضي الله عنه) عن النبي صلى الله عليه وسلم: قال: ((عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِى إِلَى الْبِرِّ وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِى إِلَى الْجَنَّةِ وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِى إِلَى الْفُجُورِ وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِى إِلَى النَّارِ وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا). رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وصححه واللفظ له

 

هذا وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

الصفات المهمة لقيادة الأمة

 جمعهُ ورتبه

الشيخ/ إسماعيل بن عبد الرحيم حميد
"أبو حفص المقدسي " حفظه الله