JustPaste.it

http://s02.justpaste.it/files/justpaste/d248/a9924624/0027-small.gif

bi1hv2_small.jpg

 

الصفة الخامسة/ الحزم:

الحزم لغةً: هو ضبط الإنسان أمْرَه وأخذُه فيه بالثِّقة، من الحزم الذي هو الربط والشِّدَّة. ورجلٌ حازمٌ إذا كان مُحْكَمًا غيرَ منتكثٍ في رأيِه وتصرُّفِه. ومن معانيه: التأهب للأمر. وعُرِّف أيضًا بـــ(سوء الظن). والترابط بين هذه المعاني واضح؛ إذ إن الإنسان الحازم مشهور بـيقظته وفطنته، فلا تجده ساذجًا دائمَ التبرير بحق المسيئين، ولكن متيقظًا حذرًا مسيئًا للظن حيث ينبغي أن يكون، وتراه دومًا متأهبًا مستعدًّا لردع من يستحق الردع منهم في الوقت المناسب، ثم هو شديد عليهم بحسب إساءاتهم. فهو ضابط لأموره، متمكن منها دومًا.

أما اصطلاحًا: فهو الجزم في التغليظ على المسيئين، وعدم التردد في معاقبتهم، وترك التبرير وحسن الظن في حقهم. وحدُّه: معرفة الصديق من العدو، والمخطئ في إساءته من المتعمد المصرّ عليها.
إن من أهم الصفات المطلوبة في القائد هي صفة الحزم؛ وهذا أمرٌ بديهي معروف في الفِطَر؛ فإن القائد يُعابُ عليه لينه الدائم في غير مَوضِعِهِ، وهنا لا بُدَّ من التنبيه إلى كونِ الحزم المطلوب هنا يَجِبُ أن يكون في مَوضِعِه، كما أن اللين المطلوب يجب أن يكون كذلك، وهذا قد ضَلَّ فيه فريقان، ففَرَّطَ أحَدُهُم وأفرَط الآخر، والمطلوب الوسط واتِّخاذِ من سُنَّةِ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) دليلًا.
إن لحَزْمِ القائِدِ فوائِدَ جَمَّة للمسلمين، وإن لاتِّصافِه بخلافِ ذلك ضياعًا لهم وللأمة! ويتَبيَّن ذلك بِقُدْرَتِهِ -أي إن كان متَّصِفًا بتلك الصفة العظيمة- على فَرْضِ رأيِهِ الذي تَرَجَّحَ له صوابه على كل من يخالِفُه فيه وإن كان ذلك المخالف من حاشيتِهِ المُقَرَّبة إليه، وإن كان صاحب فضلٍ عليه، وإن كان يخشى شيئًا من ثَورَتِه عليه، وكيف لا يكون القائد كذلك وهو من يَجِبُ أن لا يخشى في الله لومة لائم، وأن يُقَدِّمَ مصلحة الأمة على أي اعتبار؟ إن القائد المثالي هو الذي يبحث عن الحق في كل حال، ولا يَضُرُّه إن اتَّضَحَ خطؤه أن يعود إلى ذلك الحق ويتمسك به بكل إصرار مهما كلف الأمر ولو انسحب الجميع من حوله، ذاك هو القائد الحازم..
ومن أمثلة حزم رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فعله (صلى الله عليه وسلم) مع أبي عزة الشاعر، فقد روى مسلم في صحيحه: أنه (صلى الله عليه وسلم) أسر أبا عزة الشاعر يوم بدر، فمنّ عليه، وعاهده أن لا يحرض عليه، ولا يهجوه، وأطلقه فلحق بقومه، ثم رجع إلى التحريض والهجاء، ثم أسره يوم أحد، فسأله المنَّ، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "المؤمن لا يلدغ من نفس جحر مرتين". قال الإمام مسلم (رحمه الله) في شرحه لقول رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ذاك: (هو المؤمن الممدوح، وهو الكيِّس الحازم الذي لا يستغفل فيُخدع مرة بعد أخرى، ولا يفطن لذلك)، ولا يعني ذلك أن المسلم يجب أن يُلدغ مرة ليتنبه، ولكن عليه أن يكون فطنًا لنوايا المسيئين، متحزمًا في أمره معهم إن اتضح له سوء تلك النوايا، فإن أخطأ مرة وأحسن الظن في غير محله، فلا يُخدع من الشخص نفسه مرة أخرى.

ومن الأمثلة كذلك حزمه (صلى الله عليه وسلم) مع يهود بني قريظة، روى البخاري عن أبي سعيد الخدري (رضي الله عنه) أنه قال: (نزل أهل قريظة على حكم سعد بن معاذ، فأرسل النبي (صلى الله عليه وسلم) إلى سعد، فأتى على حمار، فلما دنا من المسجد قال للأنصار: "قوموا إلى سيدكم أو خيركم"، فقال: "هؤلاء نزلوا على حكمك". فقال: تقتل مقاتلتهم، وتسبي ذراريهم، قال: "قضيت بحكم الله، وربما قال: بحكم الملك".
ومن مواقف الحزم في كتاب الله قصة موسى عليه السلام مع قومه والسامري لما رجع من الطور بعد أن ناجى ربه وعاد بالألواح وقد علم من الله بخبر عبادة قومه للعجل فلما عاين الأمر أقبل على أخيه (عليه الصلاة والسلام) –حين ظن تقصيره في إنكار المنكر- والسامري وقومه بالحزم، فأما هارون (عليه الصلاة والسلام) فلأنه كان قد استخلفه في قومه لدى ذَهَابه لميقاتِ رَبِّه، كما أخبر تعالى: "وَوَاعَدْنَا مُوسَىٰ ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً, وَقَالَ مُوسَىٰ لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ".[الأعراف: 142] فلمّا رَجَع ورأى ما أحدثه قومُه غضب عليه لظَنِّه تقصيره في الإنكــار عليهم. وقال قومٌ أنه غضب لتقصيره في الإنكارِ الفعلي واقتصاره على القوليّ منه. ولعَلَّ الراجحَ القولُ الأول، والدليل: أنَّه (عليه السلام) اعتذر لأخيه أن قومه استضعفوه و"كادوا" يقتلونه، أي انه بلغ في شدة إنكاره عليهم أنَّهم أوشكوا قتله. وقيل إنه (عليه السلام) كان لينًا (دون موسى في شدة العزيمة وقوة الإرادة وأخذ الأمور بالحزم) ، لذلك فإن القوم لم يسمعوا له وكادوا يقتلونه، وها هنا فائدة تؤكد وجوب أخذ الرئيس المرؤوسين بالحزم ولكنه الحزم بالحق، الحزم الذي يكون في موضعه.

أما حزمه مع السامريّ رأس الفتنة فقد تمثل في:
أولًا: غضبه، وشدة لهجته: ويتبيَّن ذلك من خلال تهويله (عليه السلام) فعلَه عبرَ سؤاله عن "خطبه"، والخطب: الأمر الجليل. فَكان رد السامريّ كما بينته الآية الكريمة: "علمت ما لم يعلمه قومك فقبضت قبضة من أثر حافر فرس الرسول -يقصد جبريل (عليه السلام)- فرميتها في العجل المصنوع من الحلي فَخارَ، وهكذا زينت لي نفسي" أي (لا بإلهام إلهي أو ببرهان نقلي أو عقلي!). فلما كان منه هذا:
ثانيًا: أمر نبي الله موسى (عليه السلام) بنبذه وعدم تكليمه أو مخالطته بقوله: "اذهب فإن لك في الحياة أن تقول لا مساس"، وهو ما يسمى في وقتنا بـــ"العزل المدني".
ثالثًا: ثم هدده بعذاب يوم القيامة في قوله: "وإن لك موعدًا لن تُخلَفَه". ولما لم يقتصر ضرر ما ابتدعه السامريّ على نفسه وتعداه إلى بني إسرائيل، كان لا بد من إدحاض شبهته أمام أعينهم، من خلال:
رابعًا: تحريق العجل وتذريته، والتحريق أبلغ من الحرق فمعناه تحريقه تحريقًا لا يدع له شكلًا. ثم تذريته في البحر تذريةً لا تُبقى له أثرًا يُتَوَصَّل به إليه. وأكد (عليه السلام) الفعل "نسف" بالمفعول المطلق لاستئصال شبهة إلوهيته من قلوب بني إسرائيل؛ فهو (عليه السلام) لا يخشى غضب الإله المزعوم، لذلك فلن يتردد في نسفه نسفًا، ولعل هذا أقصى ما أمكن فعله لمحاولة استخراج ما وقر في قلوبهم من تلك الشبهة. ومثل هذا ينبغي أن يُفعَلَ مع أمثال السامريّ من مبتدعين وغيرهم؛ قال القرطبي (رحمه الله): (هذه الآية أصلٌ في نفي أهل البدع والمعاصي وهجرانهم وألا يُخالَطوا). هذا بالنسبة لصاحب البدعة الداعي لها. وقد وصف القرآن الكريم الموقف هذا كله بصورة حزم واضحة تشعر القارئ بسرعة اتخاذ المواقف، ثم القضاء على الفتنة برمتها وبحزم سريع يكاد يكون خاطفاً فلم يتردد أو يتكاسل، بل إن الوضوح والإصرار كان ملازماً لتصرفاته عليه السلام في القضاء على الأمر وهذا هو معنى الحزم الذي نتحدث عنه. ومن حزم الخليفة الراشد أبو بكر الصديق رضي الله عنه قتاله المرتدين بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم، فقد كثروا وتعددت أشكال ردتهم، منهم من ادعى النبوة، ومنهم من منع الزكاة، ومنهم من عطل الصلاة، فكان الحزم من قبل هذا الأمير، أما عمر (رضي الله عنه) فقد تردد في قتال من منع الزكاة لشبهة أنهم قالوا "لا إله إلا الله" فقال لأبي بكر (رضي الله عنه): (يا أبا بكر كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فمن قال لا إله إلا الله عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله، قال أبو بكر: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لقاتلتهم على منعها). رواه البخاري ،فكان حزمه (رضي الله عنه) مع المرتدين فيه الخير الكثير لدين الله وللأمة فقد ثبت أركان الدولة الإسلامية وتخلص من كل أعدائها في الداخل وكل من أراد أن يتخذ إلهه هواه، ومن ثم تفرغ لأعدائها في الخارج ولو نظرنا إلى هذا الحوار لرأينا فيه من الحكمة والحزم الذي لا يتوفر عند الكثير من قادة الأمة فكانت الحكمة في إقناع عمر رضي الله عنه ومن يحمل نفس فكره من خلال الحوار وكان الحزم من خلال قتال المرتدين والقضاء على الأهواء ومن سوف يشتت شمل وأركان الدولة.
ومن حزم أمير المؤمنين عمر الفاروق رضي الله عنه ما قام به من أول لحظة لدخوله الإسلام، عن ابن عباس (رضي الله عنهما) قال : سَأَلْتُ عُمَرَ (رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ): " لِأَيِّ شَيْءٍ سُمِّيتَ الْفَارُوقَ؟ قَالَ: أَسْلَمَ حَمْزَةُ قَبْلِي بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، ثُمَّ شَرَحَ اللهُ صَدْرِي لِلْإِسْلَامِ فَقُلْتُ: اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى، فَمَا فِي الْأَرْضِ نَسَمَةٌ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ نَسَمَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قُلْتُ: أَيْنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟، قَالَتْ أُخْتِي: هُوَ فِي دَارِ الْأَرْقَمِ بْنِ الْأَرْقَمِ عِنْدَ الصَّفَا، فَأَتَيْتُ الدَّارَ وَحَمْزَةُ فِي أَصْحَابِهِ جُلُوسٌ فِي الدَّارِ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْبَيْتِ، فَضَرَبْتُ الْبَابَ فَاسْتَجْمَعَ الْقَوْمُ فَقَالَ لَهُمْ حَمْزَةُ: مَا لَكُمْ؟ قَالُوا: عُمَرُ، قَالَ: فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخَذَ بِمَجَامِعِ ثِيَابِهِ ثُمَّ نَثَرَهُ نَثْرَةً فَمَا تَمَالَكَ أَنْ وَقَعَ عَلَى رُكْبَتِهِ فَقَالَ: «مَا أَنْتَ بِمُنْتَهٍ يَا عُمَرُ؟» قَالَ: فَقُلْتُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، قَالَ: فَكَبَّرَ أَهْلُ الدَّارِ تَكْبِيرَةً سَمِعَهَا أَهْلُ الْمَسْجِدِ، قَالَ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَلَسْنَا عَلَى الْحَقِّ إِنْ مُتْنَا وَإِنْ حَيِينَا؟ قَالَ: «بَلَى وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّكُمْ عَلَى الْحَقِّ إِنْ مُتُّمْ وَإِنْ حَيِيتُمْ» ، قَالَ: فَقُلْتُ: فَفِيمَ الِاخْتِفَاءُ؟ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَتَخْرُجَنَّ، فَأَخْرَجْنَاهُ فِي صَفَّيْنِ، حَمْزَةُ فِي أَحَدِهِمَا، وَأَنَا فِي الْآخَرِ، لَهُ كَدِيدٌ كَكَدِيدِ الطَّحِينِ، حَتَّى دَخَلْنَا الْمَسْجِدَ، قَالَ: فَنَظَرَتْ إِلَيَّ قُرَيْشٌ وَإِلَى حَمْزَةَ، فَأَصَابَتْهُمْ كَآبَةٌ لَمْ يُصِبْهُمْ مِثْلَهَا، فَسَمَّانِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ الْفَارُوقَ، وَفَرَّقَ اللهُ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ. حلية الأولياء للأصبهاني

فكم هي الأمة بحاجة لمن يقف تلك المواقف الحازمة في وجه أعدائها ليصدع بدعوة الحق ويتصدر قيادة الأمة ويدافع عن دينها ودمائها وأعراضها التي تنتهك في مشارق الأرض ومغاربها، ولا سيما اليوم وفي الأمة أزمة قيادة! نحن بحاجة إلى قيادة رشيدة، تجمع كلمتنا وتوحد صفنا وتحزم أمرنا مع أعدائنا وترتب سياساتنا الداخلية والخارجية.

الصفات المهمة لقيادة الأمة

 جمعهُ ورتبه

الشيخ/ إسماعيل بن عبد الرحيم حميد
"أبو حفص المقدسي " حفظه الله