JustPaste.it

http://s02.justpaste.it/files/justpaste/d248/a9924479/0027-small.gif

bi1hv2_small.jpg

 

أولا/ العلم:

(وَقُلْ رَبِّي زِدْنِي عِلْماً). [طه: من الآية:114].
العلم لغة: المعرفة، يقال عَلِم الشيء يعلمه عِلْماً أي عرفه.
أما اصطلاحًا: فهو إدراك الشيء على ما هو به، وقيل: زوال الخفاء من المعلوم، والجهل نقيضه، وقيل: هو مستغنٍ عن التعريف، وقيل: العلم: صفة راسخة تدرك بها الكليات والجزئيات.
ونبدأ بالعلم الذي بدأ به الله تعالى مع نبيه محمد (صلى الله عليه وسلم) عندما قال: "اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ". [العلق: 1].
وفيه قول الله تعالى: "فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ". [محمد: 19].
قال الحسن بن الفضل : فازدد علما على علمك.
لقد كان بداية الوحي المنزل:العلم،وهو نور يهدي الله تعالى به عباده، ويخرجهم من الظلمات إلى النور، لتستقيم حياتهم كما يرضى, وكلما ازداد المرء علما ازداد ثقة بربه ونفسه وبعدالة دعوته وأحقيتها، وازداد إصرارًا على المضي قدمًا لإنفاذ تلك الدعوة حتى تصل أكبر عدد ممكن من عباد الله.

إن العلم من أهم الصفات المطلوب توافرها في القائد المسلم إن لم يكن أهمها على الإطلاق، وهو مرتبط بالصفات الأخرى، فمنها ما لا تكون إلا بوجوده؛ فالحلم يجب أن يُحَدَّ بحدود العلم، وكذا الحزم، والشجاعة، كما إن كلًّا من الصفات الأخرى مرتبط به بشكلٍ أو بآخر؛ فهو المبتدأ وأساس الصفات، لا غنى للقائد عنه طرفة عين؛ فعليه أن يتلقى منه ما حتم عليه المقام الذي أقامه تعالى فيه وكلفه به ابتداءً من الأصول التي يُبنى عليها الحكم في الإسلام –ويؤخذ هذا من القرآن والأحاديث الصحيحة- وانتهاءً بدراسة السيرة الصحيحة من مظانِّها، والوقوف على فعل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أو الصحابة (رضوان الله عليهم) مع الحوادث، وتدبر ذلك، ثم قياس ما قد يحصل في أيامنا من حوادث مشابهة على ذلك، ولكن، مهلًا.. فإن الأمر أوسع من هذا، ولا ينبغي أن يقتصر على ذلك؛ فإنه قد تحدث أمورًا في زمننا لو روجِع موقف الرسول (عليه الصلاة والسلام) أو الصحابة حيال أمثالها في السيرة لوُجِد أن غيره أفضل في زمننا؛ وللتوضيح: فإنه قد يستدل قومٌ على اتخاذ الشدة في حادثةٍ ما مشابهة لحادثةٍ كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قد استعمل حيالها الشدة، ولكن لم ينتبه أولئك إلى التوقيت؛ فإن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لم يشرع في استخدام تلك الشدة إلا بعد هجرته إلى المدينة، وأما وهو في مكة فإن الصفح والصبر كان ديدنه بل كان يأمر أصحابه به، وحكم ذلك أوكد في أيامنا هذه، فإنه لا يخفى أنَّ الحكم اليوم والغلبة لغير المسلمين، وهو ما يشبه إلى حدٍّ ما ما كان عليه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وأصحابه (رضي الله عنهم) في مكة، فلم يكن (عليه السلام) آنذاك يستعمل العنف في تغيير المنكر، فلم يَثبُت أنه قَتَلَ كافرًا في غير المعارك أو عَذَّبه -حسب ما أعلم-، ولكن كان يدعو إلى الله ويصفح، وذلك انه (صلى الله عليه وسلم) -إضافةً إلى ضعف المسلمين- كانت وظيفته في هذه المدة تبليغ دين ربه ليكون الكفار على بينة تامة منه، حتى لا تختلط عليهم الأمور حين يرون منه ما لا يسرهم أي بسبب عنادهم وظلمهم، وهكذا نحن! فكثيرٌ من غير المسلمين في زماننا -سواءٌ من الغرب، أو ممن هم بين أظهرنا من النصارى- وحتى من المسلمين، من ليس لهم علمٌ بهذا الدين، وقد يتفاوتون في الجهل به بتفاوت بُعدهم عن مظاهر الإسلام الصحيح، لذلك وجب أن يُتَدَرَّج لتغيير المنكر من اللين إلى العنف -إن استوجب-، كما يجب إظهار هذا اللين على مسامع جميع الخلق ومرائيهم كما كان قد علم القاصي والداني -من القبائل- بصفح رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وعفوه عن المشركين أيام كان يدعو الناس في مكة، وعكس هذا سبيلٌ إلى تشويه هذا الدين، وقد حَصَل، فاتُّهِمَ بالإرهاب والغلظة حتى لا يكاد يُذكَر إلا وقد قفزت هذه الصورة إلى الأذهان وما ذاك إلا بسبب "الجهل" الذي قاد بعض الأقوام - الذين أعطوا لأنفسهم الحق في قيادة الأمة!- إلى ارتكاب ما ينفر الناس عن دين الله وإقامة شرعه. فهذا مما لابد أن يؤخذ بنظر الاعتبار، فإن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لم يشرع في إقامة الحدود وقتل المستحقين للقتل إلا بعد أن أصبح الكفار وغيرهم على بيِّنَةٍ تامَّة من هذا الدين؛ حين علموا أن لينه (صلى الله عليه وسلم) يسبق شدته، وأن الرحمة والعفو أحبُّ إليه (صلى الله عليه وسلم) من الغلظة، مما لم يبقِ لهم حجة ولو صغيرة حين استخدم (عليه الصلاة والسلام) الشدة معهم وهو في المدينة، وهذا ما لم يبنه (صلى الله عليه وسلم) في ليلةٍ وضحاها، قال السرخسي (رحمه الله): (أَنْ الْأَمْرَ بِالْجِهَادِ وَبِالْقِتَالِ نَزَلَ مُرَتَّبًا. فَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ (صلى الله عليه وسلم) مَأْمُورًا فِي الِابْتِدَاءِ بِتَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ وَالْإِعْرَاضِ عَنْ الْمُشْرِكِينَ ...ثُمَّ أَمَرَ بِالْمُجَادَلَةِ بِالْأَحْسَنِ ... ثُمَّ أَذِنَ لَهُمْ فِي الْقِتَالِ ... ثُمَّ أُمِرُوا بِالْقِتَالِ إنْ كَانَتْ الْبِدَايَةُ مِنْهُمْ ... ثُمَّ أُمِرُوا بِالْقِتَالِ بِشَرْطِ انْسِلَاخِ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ ... ثُمَّ أُمِرُوا بِالْقِتَالِ مُطْلَقًا). وقد أطلت النَفَس في هذا الأمر لما قد علمتم مما يحصل في بلادنا من تصرفات تُحسَب على الإسلام وهو منها براء، لذلك فإنه كان فرضًا على القائد المسلم أن يكون ساعيًا في طلب العلم أبدًا، وأن يستشير العلماء الثقات المهديين الصادقين في أمور الدولة ليرقى بالأمة ويخرجها من نفق التيه والضياع الى نور الحق المبين، وعليه أن يكون بعد ذلك صاحب حجة، يستطيع إقامة الدليل على خصومه من أهل الباطل. كما إنه يجب أن يحث رعيته على طلب العلم ويفتح لذلك المراكز العلمية والجامعات ...الخ،ويقوم بتكفل طلبة العلم وصرف رواتب لهم تعينهم في حياتهم اليومية، وعليه أن يقدر للعلماء فضلهم، ويخصص عطاءً للموهوبين منهم، ويستقطب العلماء من الخارج ليشيع العلم بكل ذلك ويزدهر وترتقي بلاد المسلمين.

لقد حث الله تعالى ورسوله (صلى الله عليه وسلم) المسلمين على طلب العلم ومتابعة العلماء، قال تعالى: "وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُون".[التوبة: 122]، وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول:  "مَنْ سَلَكَ طَريقا يَبتَغي فيه عِلما سَهل اللّهُ له طَريقا إلى الجَنّة وإنّ الملائِكَةَ لَتَضَعُ أجنِحَتَها لِطالِبِ العِلمِ وإنّ العالِمَ ليَستَغفِر لَهُ مَن في السَماواتِ وَمَن في الأرضِ حَتّى الحيتانُ في الماء. وَفَضلُ العالِمِ على العابِدِ كَفَضلِ القَمَر على سائر الكواكِبِ، إنّ العُلماءَ وَرَثَةُ الأنبياء، إنّ الأنبياءَ لَم يُورِّثوا دينارا ولا دِرهَما، إنّما ورّثوا العِلمَ فَمَن أخَذَ بِهِ أخَذَ بِحَظّ وافِر". (رواه أبو داود والترمذي واللفظ له).

وروى معاوية رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين". رواه البخاري ومسلم. قال الإمام ابن القيم رحمه الله: وهذا يدل على أن من لم يفقهه في دينه لم يرد به خيراً كما أن من أراد به خيراً فقهه في دينه، ومن فقهه في دينه فقد أراد به خيراً إذا أريد بالفقه العلم المستلزم للعمل، وأما إن أريد به مجرد العلم فلا يدل على أن من فقه في الدين فقد أريد به خيراً فإن الفقه حينئذ يكون شرطاً لإرادة الخير وعلى الأول يكون موجباً والله أعلم. وقال ابن بطال رحمه الله: فيه دليل على فضل العلماء على سائر الناس، وفيه فضل الفقه في الدين على سائر العلوم، وإنما يثبت فضله لأنه يقود إلى خشية الله والتزام طاعته وتجنّب معاصيه، فبالعلم تصح العبادات وتصلح، وبدونه تنقص بحسب الحال حتى إنها قد تنقلب معصية، وبالعلم ترتقي الأمم وبدونه تردى. وان قيادة الأمة أولى الناس بطلب ذلك العلم، وهو ما بينه النبي (صلى الله عليه وسلم) في الحديث الذي رواه أبو الدرداء (رضي الله عنه) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن العلماء ورثة الأنبياء، إن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً إنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر". (سبق تخريجه).

إن طلب العلم لا يقتصر على الشرعي منه بل يعم كافة المجالات التقنية والتكنولوجية والعسكرية وغيرها، عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "طلب العلم فريضة على كل مسلم". أخرجه البيهقي وصححه الألباني في صحيح الجامع، قال الإمام البيهقي رحمه الله: أراد - والله تعالى أعلم - العلم الذي لا يسع العاقل البالغ جهله، أو علم ما يطرأ له خاصة فيسأل عنه حتى يعلمه، أو أراد أنه فريضة على كل مسلم حتى يقوم به من فيه كفاية.

وجاء عن فضل العلم والعلماء أنه ذُكِر لرسول الله صلى الله عليه وسلم رجلان أحدهما عابد والآخر عالم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله وملائكته وأهل السموات والأرض حتى النملة في جحرها وحتى الحوت ليصلون على معلم الناس الخير". ، قال الإمام ابن القيم (رحمه الله): لما كان تعليمه للناس الخير سبباً لنجاتهم وسعادتهم وزكاة نفوسهم جازاه الله من جنس عمله بأن جعل عليه من صلاته وصلاة ملائكته وأهل الأرض ما يكون سبباً لنجاته وسعادته وفلاحه وأيضاً فإن معلم الناس الخير لما كان مظهراً لدين الرب وأحكامه ومعرفاً لهم بأسمائه وصفاته جعل الله من صلاته وصلاة أهل سماواته وأرضه عليه ما يكون تنويهاً به وتشريفاً له وإظهاراً للثناء عليه بين أهل السماء والأرض. وقال الإمام بدر الدين بن جماعة (رحمه الله): واعلم أنه لا رتبة فوق رتبة من تشتغل الملائكة وغيرهم بالاستغفار والدعاء له وتضع له أجنحتها وإنه لينافس في دعاء الرجل الصالح أو من يظن صلاحه فكيف بدعاء الملائكة وقد اختلف في معنى وضع أجنحتها فقيل التواضع له وقيل النزول عنده والحضور معه وقيل التوقير والتعظيم له وقيل معناه تحمله عليها فتعينه على بلوغ مقاصده ، وأما إلهام الحيوانات بالاستغفار لهم فقيل ؛ لأنها خلقت لمصالح العباد ومنافعهم والعلماء هم الذين يبينون ما يحل منها وما يحرم ويوصون بالإحسان إليها ونفى الضرر عنها.

 

الصفات المهمة لقيادة الأمة

 جمعهُ ورتبه

الشيخ/ إسماعيل بن عبد الرحيم حميد
"أبو حفص المقدسي " حفظه الله