JustPaste.it

http://s02.justpaste.it/files/justpaste/d248/a9924465/0027-small.gif

bi1hv2_small.jpg

 

مقدمة

الحمد لله رب العالمين ناصر المستضعفين، معز الموحدين، وقاهر الكفار والمنافقين، والصلاة والسلام على إمام الموحدين وقائد المجاهدين وعلى اله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
إن اصدق الكلام كتاب الله وخير الهدي هدي النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم.
أما بعد ..
فإن الله تعالى قد بعث الأنبياء والرسل لإخراج أقوامهم من الظلمات إلى النور، ظلمات الباطل والظلم والجور إلى نور العدل والإحسان ومكارم الأخلاق والقيم المجتمعية الحسنة، وكما قال ربعي بن عامر (﴿رضي الله عنه): نحن قوم قد ابتعثنا الله لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة (ذكره ابن كثير في البداية والنهاية، وقد تُكُلِّمَ في سنده)، إنها كلمات قليلة لكن معانيها عظيمة؛ فقد ذكر (رضي الله عنه) الوظيفة التي قلَّدَ الله تعالى بها الأمة الخاتمة، والطريق الذي رسمه لها "إخراج الناس من الظلمات إلى النور"، فما بالنا نرى أقوامًا من أمتنا خرجوا عن ذلك الطريق فزاغوا وأزاغوا، وغشوا وظلموا وبطشوا.


لقد ابتعث الله نبيه محمدا (صلى الله عليه وسلم) في حقبةٍ شهدت ظلمًا وزيغًا وشركًا لم يشهد العالم مثله، ولن يشهد، فجاء (عليه الصلاة والسلام) برسالة الإسلام ونور التوحيد والهداية ليرسي قواعد المحبة الإيمانية، فعدل المفاهيم الخاطئة جميعها ونقل المجتمع من الضلال والغي والبغي والجاهلية إلى العدل والإحسان والمساواة، لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى، فأصبح ذاك هو الفضل الذي يتنافس عليه الخلق، التقوى والقرب من الله تعالى وتطبيق تعاليم دينه الحنيف .

لقد ربى النبي (صلى الله عليه وسلم) بذلك صحابته تربية لها من الكمال أتمه، من النواحي جميعها، ومنها الناحية القيادية، فلم يعهد التاريخ قادة ولا ساسة كمثلهم، كيف لا وقد تربوا على يدي أعظم الخلق سيد ولد آدم محمد صلى الله عليه وسلم ..

كانت سياسة النبي (صلى الله عليه وسلم) سياسة فريدة بمعنى الكلمة، ومن أنا لأشيد بسياسته! لقد استطاع (عليه الصلاة والسلام) بناء سياسة الدولة داخليًّا على نحوٍ يعجز البشر عن وصفه، فأنهى في فترة وجيزة جميع الخلافات الداخلية، وجعل مجتمعه مثاليًّا متحضرًا يتصف بأعلى درجات الكمال المجتمعي. وكذا كانت سياسته الخارجية؛ فقد عقد تحالفات مع بعض، وهادن بعضًا، بحسب ما يريه الله تعالى، وكان يختار رسله للملوك والقياصرة بعناية، فاختار عمرو بن العاص (رضي الله عنه) رسولًا لملك عمان، واختار حاطب بن أبي بلتعة (رضي الله عنه) رسولًا للمقوقس ملك مصر. واتخذ لنفسه خاتمًا ليساير ما كانت عليه ملوك عصره (صلى الله عليه وسلم)، وكان (عليه الصلاة والسلام) إذا خرج من المدينة ولى عليها احد أصحابه لإدارة شؤونها، فمرة اختار عليًّا، ومرة عثمان (رضي الله عنهما )، وكان صلى الله عليه وسلم يُؤمِّر على السرايا والجيوش القائد المناسب تبعًا لنسب القوم، والبلد المنوي فتحه، وتبعًا لعلمه بمواهب أصحابه، فمرة ولى أبا بكر وأخرى عليًّاـ وأخرى عمرًا بن العاص، وخالدًا بن الوليد، وأبا عبيدة بن الجراح، وأسامة بن زيد- مع صغر سنه-.

كان ينمي (عليه الصلاة والسلام) في أصحابه ما وُهِبوه من صفات ميزتهم عن غيرهم، ويلقب كلًّا منهم بحسب ذلك، ثم يكلفهم بمهمات ترسخ ثقتهم بتلك الميزات والقدرات!
نعم، إنها تربية لم يعهدها العالم من قبل ولن يعهدها من بعد، جعلت قرن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أفضل القرون على الإطلاق، فمهما امتدحت ذلك القرن ووصفته وبينت فضائله فلن أوفيه.

إن التربية القيادية للمسلمين على نحو تربية رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لأصحابه اليوم لأمر ضروريّ جدا، ولا سيما بعد أن فقدنا القائد القدوة في زمنٍ أصبحت الفتن فيه تتلاطم كتلاطم الأمواج؛ إن الأمة بحاجة لمن ينتشلها من ذلك التفرق، والتشرذم، والتباغض، والتناحر، والإضلال، والغزو الفكري، والظلم، الذي طال أبناءها بعد سقوط الخلافة وتقسيم البلاد إلى دويلات على يد سايكس وبيكو (بريطانيا_فرنسا)، هي أحوج ما تكون إلى قيادة حكيمة، عالمة بالقرآن والسنة، تعي تمامًا الواقع الذي وصلت إليه أمتها، تأخذ بحسبانها تداعي الأمم عليها كما بين النبي صلى الله عليه وسلم، قال (عليه الصلاة والسلام): "يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها ” ، فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ ؟ قال: ” بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن في قلوبكم الوهن” ، فقال قائل: يا رسول الله وما الوهن؟ قال: حب الدنيا، وكراهية الموت". (رواه أحمد وأبو داود، وصححه الألباني).

ويجب أن تسعى هذه القيادة لجمع الأمة بكافة مكوناتها وأحزابها وبلدانها من خلال خطاب سياسي واضح، وبرامج تنموية يقوم عليها خبراء الأمة، ومن خلال إنشاء مراكز دراسات مختصة، وجمع ما أمكن من علماء، ومفكرين، وقيادات سياسية وجهادية، ومرجعيات صادقة أمينة تتخذ من كتاب الله وسنة رسوله دستورا ترجع إليه في كافة أمور الحياة وترجع إلى فهم سلف الأمة في الأمور التي قد تشكل على البعض، لوضع مشروع متكامل الأركان يهدف إلى إعادة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة وإعادة ( إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ ).

إن القيادة التربوية في الإسلام ليست وظيفة من الوظائف ولا ولاية من الولايات , بل هي أسلوب للحياة، ومنهج للتطبيق, هدفها في النهاية تحقيق الخلافة وإرضاء الله تعالى، وتنفيذ أوامره واجتناب نواهيه، وهذا يجعل الاختلاف واضحا بين هذا المفهوم وبين مفهوم القيادة في الغرب، لأن ثمة فرق بين من يعمل للدنيا والآخرة وبين من يعمل للدنيا فقط، ومن هنا تختلف التعريفات وفقا للفلسفة التي يؤمن بها صاحب التعريف، ووفقا لمجموعة من العوامل المتغيرة كالبيئة والعوامل السياسية والعسكرية والاجتماعية والفكرية والثقافية والأهداف المراد تحقيقها.

إن قيادة الأمة كالروح في الجسد فهي من تحرك الجسد وتشعره بالراحة والطمأنينة، والراحة فهي من تتألم أكثر من الأعضاء وهي من تشعر الأعضاء بالفرح والسرور, فقيادة الأمة هي الموجه الرئيس لجسدها فهي من تهديه للابتعاد عن المخاطر وتحافظ على الجسد إلى أكبر قدر ممكن لتستمر حياة الأمة إلى أفضل ما يكون يقول (صلى الله عليه) وسلم: "ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى عضوا تداعى له سائر جسده بالسهر والحمى". (رواه البخاري في صحيحه)

إن الأمة بحاجة إلى قيادة حكيمة في سياساتها الداخلية والخارجية تقدر الأمور وتضعها في مواضعها لتعيد لأبنائها الثقة بالمشروع الإسلامي الذي بات رعبًا لكثيرٍ منهم بفعل الجاهلين، هي تنتظر من يعيد لها مجدها المسلوب من قبل أعدائها ومن خانها من حكومات الطواغيت التي حكمتها لأكثر من قرن، بحاجة إلى من يصبر عليها، ويرفق بها، يعاملها باللين والمحبة، يكون رحيمًا بها، شديدًا على أعدائها: (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً). يحترم عقول المسلمين ويقدرها ولا يستخف بها {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} [آل عمران: 159].

إِن الرفق مع جميع الناس خلق إسلامي رفيع لا يتصف به إلا من خامر الإيمان بشاشة قلبه وتمكن من فكره وجوارحه ,وأيقن أن في الرفق سعادة وزيادة وسيادة، وكم هي الأمة اليوم تحتاج لمن يرفق بها ويساعدها للنهوض من جديد, عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: "مَنْ أُعْطِيَ حَظُّهُ مِنَ الرِّفْقِ فَقَدْ أُعْطِيَ حَظُّهُ مِنَ الْخَيْرِ، وَمَنْ حُرِمَ حَظًّهُ مِنَ الرِّفْقِ ، فَقَدْ حُرِمَ حَظُّهُ مِنَ الْخَيْرِ، أَثْقَلُ شَيْءٍ فِي مِيزَانِ الْمُؤْمِنِ، يَوْمَ الْقِيَامَةِ، حُسْنُ الْخُلُقِ) رواه أحمد في مسنده، والترمذي وقال الألباني صحيح، واللفظ لأحمد.
رغب الإسلام في الرفق وندبنا إليه وحثنا عليه, وبين لنا أن عطاءه ونتاجه يفرض علي الإنسان إذا كان- بالفعل - محباً للخير مقبلاً عليه, أن يتوخاه ويعكف علي تحريه في جميع أموره, وكافة شؤونه. فالرفق زينة الأعمال وبهاؤها, كما هو سر من أسرار جودتها, عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُغَفَّلٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ وَيَرْضَاهُ، وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَالاَ يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ". رواه مسلم
وقد كتبت من قبل كتابا عن صفات القائد المسلم وفي هذا الكتاب أزيد على هذه الصفات صفتين مهمتين : وهما ( الشجاعة والشورى ) وهذا ما رأى العبد الفقير أن كل ذلك يجتمع في تسع صفات لا بد من توفرها في ذلك القائد المنقذ -إن صحت التسمية-، وهي كالآتي: العلم _الحلم_ الحكمة _ الحزم _ الجود _ الخطابة _ الشجاعة _ الشورى _ والصدق.
وإن كانت هناك صفات أخرى كثيرة، ولكني أرى أن هذه هي أهمها. وسوف نستعرض في سياق هذا الكتاب إن شاء الله تعالى مزيدًا من التفصيل بخصوصها.

 

الصفات المهمة لقيادة الأمة

 جمعهُ ورتبه

الشيخ/ إسماعيل بن عبد الرحيم حميد
"أبو حفص المقدسي " حفظه الله