JustPaste.it

هَلْ تُكَفِّرُونَ النُّوَّابَ الْمُنْتَسِبِينَ إلى جَمَاعَاتٍ إِسْلَامِيَّةٍ

وَلَا تَعْذُرُونَهُمْ بِالتَّأْوِيلِ؟

لفضيلة الشيخ أبي محمد المقدسي حفظه الله

رمضان 1434 هـ - 8/ 2013 م

 

 

س. نعرف أنكم ترون أن الديمقراطية بمعنى حاكمية الجماهير شركٌ وكذلك التحاكم إلى الطاغوت، وأنكم ترون أن مجالس التشريع أو البرلمانات معاقلُ للوثنية المعاصرة، وقد ذكرتم في رسائلكم التي تتكلم عن هذه المواضيع تكفيركم للنواب لوقوعهم في عدد من المكفرات. لكن السؤال تحديدًا: هل تكفرون النواب المنتسبين إلى جماعاتٍ إسلامية ولا تعذرونهم بالتأويل؟

 

ج. الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله. من يعرف واقع البرلمانات الشركية يعلم أن النائب يرتكب فيها عددًا من المكفرات، ذكرتُ منها في مواضع في كتاباتي: القَسَم على احترام الدستور الشركي، والقَسم على الولاء للرئيس أو الملك أو الأمير الذي يحكم بغير ما أنزل الله، ومعلوم أن الله قد أمرنا بالكفر بالطاغوت والبراء منه سواء كان قانونًا وضعيًّا أو حاكمًا يحكم به أو مشرعًا يشرِّعه، وبناءً على هذا يقبل النائب الوظيفة التشريعية وفقًا لنصوص الدستور، وقبوله بهذه الوظيفة التشريعية المطلقة والمقيدة فقط بنصوص الدستور ولا قيد لها من الدين، القبول بهذا كفر بواح معلومة الأدلة عليه وقد بيَّناها في مواضعها بل هو ممارسة للمكفر الرئيس الذي نكفِّر به الطاغوت. فالنوابُ في الحقيقة عند من يقبل بتشريعهم المناقض لشرع الله أربابٌ متفرقون شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله. ومن أعمال النائب أيضًا: الاحتكام إلى الدستور وقوانين الدولة الوضعية في كل أعماله وأقواله، حتى في محاسبته للحكومة إنما يحاسبها وفقًا لنصوص الدستور ويحاسبها على مخالفتها له، وهذا تحاكم إلى الطاغوت، إلى غير ذلك من المكفرات الواضحة.

وهذه المكفرات واحدٌ منها يكفينا كي نحكم دون تردد على هذه الوظيفة والعمل بأنه عمل كفري لما بيَّناه في مواضع أخر من أن التشريع مع الله مالم يأذن به الله هو كفر بواح، وقبوله ممن يشرعه شرك صراح، والتحاكم إلى الطواغيت مثل ذلك، وكذلك موالاة الكفار والطواغيت والمشركين، هذا حكمنا على العمل نفسه، وهو أيسر من الحكم على العامل كما هو معلوم حيث يحتاج فيه غالبًا النظر في الشروط والموانع كما فصَّلناه في رسالتنا الثلاثينية، لكن يجب التنبيه إلى أن من النواب من هم من أولياء الطواغيت سواء كانوا من الوزراء السابقين والضباط المتقاعدين أو غيرهم ممن يظهرون النصرة والمتابعة المطلقة للطاغوت، ومثلهم أيضًا من يتبعون الحزب الحاكم في الدول التي يحكم فيها الحزب الفائز بالانتخابات حيث يهيمن فيها الحزب الذي صنعه الطاغوت وأعضاؤه وأولياؤه وأنصاره فيصيرون كالفئة والطائفة الممتنعة بشوكة يفرضون بقوة السلاح مدعومة بقوة قوانينهم وكفرياتهم على البلاد والعباد، فهذا الصنف من النواب يكفرون بالأعيان دون النظر في الشروط والموانع لأن الطائفة المحاربة الممتنعة بشوكة لا يستتاب أفرادها.

يبقي عموم النواب؛ فالنائب الذي يُظهر موالاة الطواغيت ولا يأبه بأي شيء شرع، ولا فرق عنده بين التشريع بكل أنواعه وبين شرب الماء!! فهذا كافر بعينه أيضًا، لأنه يقتحم مختارًا عامدًا أبوابًا من أبواب الشرك الصراح البيِّن الواضح دون إكراه أو تأويل. يبقى من يوصفون بالنواب الإسلاميين الذين قصدهم السائل تحديدًا؛ فإن كان النائب المنتسب إلى الجماعات الإسلامية من الصنف السابق الذي يتعاطى التشريع ويمارسه دون أدنى حرج ولا يأبه بممارسة التشريع مطلقًا وفقًا لنصوص الدستور وهم موجودون ويشرعون مالم يأذن به الله دون تحرُّز أو تحرُّج ويتحاكمون إلى الدستور ويمدحه كثير منهم بل يعده بعضهم من أعظم مكتسبات الشعب الذي يجب المحافظة عليها، ولذلك يحاسب الحكومة على مخالفته، وسعت طائفة من هؤلاء إلى تشريع ما أسموه بقوانين الخيانة العظمى، ونصَّ مشروعهم على حكم الإعدام لكل من يخالف الدستور، وعدوا ذلك حنكةً سياسيةً وسعيًا لحفظ مكتسبات الشعب وأمواله وحقوقه من تلاعب الوزراء إلى غير ذلك من سخافاتهم التي ينحرون بها التوحيد في معاقل الوثنية ويقدمون مصالح ثانوية دنيوية على أعظم مصلحة في الوجود خلق الله من أجلها الخلق وبعث الرسل وأنزل الكتب وهي التوحيد.

فهؤلاء يتبعون الصنف السابق ولا تشفع لهم لحاهم أو ثيابهم القصيرة أو انتسابهم إلى جماعات إسلامية، فهذا ليس من موانع التكفير المعتبرة في مثل هذه الأبواب الظاهرة البيِّنة من الكفر.

تبقى عندنا طائفة من المنتسبين للجماعات الإسلامية يحسبون ويوصفون عند الحكومات كمعارضة لها ويدخلون البرلمانات بتأويل فيعترف كثير منهم أن الديمقراطية شرك، وأن التشريع مع الله مالم يأذن به الله شرك، وتراهم عند القسم على احترام الدستور والولاء لرأس النظام يستثنون بقولهم (وذلك في طاعة الله) أو (فيما لا يخالف الشرع) أو نحوه، وهو استثناء وإن كان مضحكًا متناقضًا عند التأمُّل إذ حقيقته أن يقسم على أن يشرك بالله أو يكفر بالله في طاعة الله أو فيما لا يخالف الشرع!! ومع ذلك فهو يدل على أنهم لا يسلمون للدستور كله كالأولين بل يرون أن فيه وفي القوانين ما ينبغي التحرُّز منه والتحفظ من موالاته واحترامه مما يخالف أو يناقض شرع الله، فهؤلاء إذا كان أحدهم لا يشرع إلا ما يتأول أنه موافق للشرع، أو يرى أن الأمور الإدارية يجوز التشريع فيها، أو أنه يتأول بأنه يعمل على نقض ومعارضة كل تشريع كفري ويستغل منصبه لمعارضة الدولة وباطلها، أو يدعي أن مهمته الأساسية هي خدمة مواطني دائرته ومصالح منتخبيه ولا دخل له بممارسة التشريع الكفري، فهذا الصنف لا أكفِّرهم بأعيانهم حتى تقام عليهم الحجة ويزال تأويلهم الفاسد وينظر في حالهم.

وهناك صنف من المنتسبين للجماعات الإسلامية أيضًا قد يدخل بأغلبية قوية ويسانده الشعب لنظافته من السرقة والفساد وذلك في النظم الجمهورية التي تجيز للأغلبية في البرلمان تغيير الدستور والحكم بالسياسات والقوانين التي تختارها أغلبيتها، فهذا إن وُجد من بعض المنتسبين للجماعات الإسلامية ودخلوا بنية تغيير نظام الحكم بمغالبة الأغلبية التي يغلب على ظنهم الحصول عليها ليحكموا بشرع الله لا بنية المشاركة في الحكم بغير ما أنزل الله ولا المشاركة في التشريع وفقًا لنصوص الدستور الوضعي؛ فهؤلاء لا نكفرهم إن لم يرتكبوا عملاً مكفرًا ظاهرًا؛ لأن استخدام وسيلة الانتخابات للتغلب على الحكم لا للمشاركة في الحكم الطاغوتي ليست هي لب الديمقراطية وأصلها ومُكفرها الصريح الذي نكفر به وهو تشريع وحاكمية الجماهير، بل هذه آلية ووسيلة من وسائل الديمقراطية وليست غايتها وثمرتها، وبغض النظر عن قناعاتنا بأنها ليست الطريق التي اتبعها رسولنا -صلى الله عليه وسلم- لإقامة دين الله وحكمه في الأرض أو أنها وسيلة غير موصلة خصوصًا لأهل الإسلام، ولكنا هنا نتكلم في التكفير لأصناف النواب تحديدًا وليس في هذا الشأن، فهذا التفصيل بهذا الاختصار يعرفك بأننا لا نكفِّر نواب البرلمان جميعًا بالأعيان، بل على هذا التفصيل المذكور، فننظر بحال كل نائب ثم ننظر من أي الطوائف هو فنعامله بما يستحقه، وكلامي المجمل في كتاباتي الأخرى يحمل على هذا التفصيل والله أعلم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

وكتبه / أبو محمد المقدسي