JustPaste.it

 

http://s04.justpaste.it/files/justpaste/d245/a9807582/0027-small2.gif

logo-small_small.gif

الثورات العربية
وموســــــــــــــــــــم الحصــــــــــــــــــــــــاد

للشيخ
عطية الله الليبي
رحمه الله


1432هـ | 2011م

تحميل المادة

بسم الله الرحمن الرحيم

مع اقتراب ربيع الشعوب العربية كما يحلو لأهل الصحافة أن يسموه من الانتهاء في بعض الجهات، رغم أنه لا يزال جاريا في بعضها، وذلك بحسب اختلافِ الأجواء حرارة وبرودة وجرْياً على سَنن السِّراية الطبيعية الاجتماعية، وغير ذلك من عوامل، شرع الكثيرون في عملية حصاد وجرد للأرباح أو للخسائر، فمن ربح شيئاً فهو يسعى لتطوير أرباحه وإنتاجه وتوسيع مجالات كسبه والاحتياط لشأنه وللمفاجآت، والمستفيدون بطبيعة الحال درجات. والخاسرون أصناف منهم من خرج بالكلية من الحلبة وانتهى إلى غير رجعة: منهم جماعات ومنهم أفراد، كالأنظمة المخلوعة ورجالاتها وعوائلها وأحزابها الفاشلة الخبيثة الذاهبين إلى مزبلة التاريخ يلعنُهُمُ العالَمون، ومنهم من يضمّد جراحه ويداوي كلومه ويحصي أخطاءه ويراجع نفسه، يتلمّس أسباب الكرة بعد الفرّة، ويعيد صناعة أنواعٍ من الكيد والمكر، كما هو حال الغرب الكافر وعلى رأسه أم الخبائث الدولة الفاجرة أمريكا، نسأل الله أن يكفينا شرهم.
والكل متيقّظٌ والجميعُ يسعى، و{إن سعيكم لشتى}، والأطراف على تفاوتٍ كبير، لا يحصيها إلا الله.
ولكن الذي لا أشك فيه قِيد أنملة أن أمة الإسلام هي أكبرُ المستفيدين إن شاء الله من هذه الانتفاضات الشعبية والحركات الاجتماعية، وأهلُ الصدق والإخلاص من المجاهدين والدعاة إلى الله هم في طليعتها وأوّل الداخلين في جملة أبنائها المستفيدين، وأهل الجهادِ أخصّ بذلك وأدخل فيه ولله الحمد. والكلام في ذلك يحتاجُ إلى تطويلٍ في المقال، وعليّ أن أخلُصَ إلى بعض ما هدفتُ إليه.
مَسْلاة البساط :
كان من اللافت للنظر منذ وقتٍ مبكّر من عمُر الثورات العربية وبالتحديد مباشرة بعد نجاح الانتفاضة الشعبية المصرية في الإطاحة بالطاغية حسني الـ"لا مبارك" تلك الأحدوثة التي تقول إن هذه الثورات سحبتِ البساط من تحت أقدام القاعدة، وكان من أهم مطلقي هذه الفكرة وممن تولى كبرَها العجوزُ النصراني روبرت فيسك الذي أفنى عمرَهُ يجوب أقاصي الأرض ويدوّن لحروب البشر وجمع من الأخبار وحكايات الناس وأوعى وتخصص في شأن الشرق الأوسط، ولكنه للأسف لم يهتدِ إلى أهم شيءٍ وأشرفه وأغلاه وأعزه في الشرق الأوسط وهو دينُ الله ورسالته الخاتمة وشريعة الله الناسخة للشرائع السماوية التي سبقتها، دين الله الذي هو التوحيد الذي لا يقبل الله تعالى دينا سواه، ومن لم يدخله ويأتِ به يومَ القيامة فهو هالِكٌ معذّبٌ خاسرٌ الخسرانَ العظيم الدائم؛ دين الله الذي هو عبادةُ الله وحده لا شريك له واتباعُ رسوله محمدٍ خاتم الرسل صلى الله عليه وسلم، وبه ينتظم الإيمان برسل الله الكرام أجمعين.
لم يهتدِ روبرت لهذه القيمة العظيمة ولا رفعَ بها رأساً، ولا يزال متخلّفاً سادراً في متابعة دين قومه وجارياً مع تيّارهم الخاطئ الجامح في ضلالته، ولم يملك –للأسف- الشجاعةَ -التي قد يبدو لبعض من يقرأ له أنه يتصف بها- لكي يتخذ قرارَ تحقيق غاية وجوده وإنجاءِ نفسه وتحديد مصيره الأخرويّ بنجاح!! وإن لم تدركه رحمة الله ويهدِهِ الله ليندمنّ ندامةً لا فسحةَ بعدها ولا مردّ، وليكونن مصيرُه بعد هذا التطواف في العالَم وبعد تلك الكتابات الرائقة والمقالات الشائقة والتصويرات البديعة والتشبيهات البليغة أن يرد النارَ الحامية والعذابَ الأبديّ مع الكافرين المكذبين لله ورسله.!
وتلقف تلك الأحدوثة بعده صحفيّون ومتحدثون آخرون ممن يسمّون بـ"المحللين" وتلقّاها منهم بألسنتهم بعضُ الصحفيين والمذيعين في قنواتٍ فضائية وغيرها ممن هم أقربُ إلى السطحية وأبعدُ عن التحقيق، وممن يتلقّون الفكرة المزوّقة ويفرحون بها ويظلّون يرددونها، بالإضافة إلى أناسٍ آخرين ممن يسمّون بـ"الإسلاميين" كأنّ الأحدوثة وقعتْ منهم موقعاً مستلذّاً!
وعقد الإعلامي محمد كريشان في قناة الجزيرة حلقة خاصة للترويج للفكرة، واستضاف ثلاثةً ممن أيدوا الفكرة تحصيلَ حاصلٍ، منهم النصراني خاوي الوفاض جهاد الخازن، فبالله عليكم ما دخلُ النصرانيّ المثلِّثِ في أن يفتي في شأن التغيير الإسلاميّ والجهادِ ويحكم هل سُحِبَ البساط من تحت القاعدة أو لم يسحب؟! وقد ظهر في الحلقة تهافته وسخافة تصوره وسطحية نظره وضحالة إلمامه وتخبّطه وضعفُ معلوماته!
وثانيهم ولعله أمثلُهم طريقة في المسألة الأستاذ الكاتب فهمي هويدي، فإنه أنصف بعض الإنصاف واعترف بدورٍ للقاعدة والمجاهدين في المشاركة في التأسيس لهذه الثورات من خلال إحياء روح التحدي والجهاد والمقاومة للطغيان.
وثالثهم الأستاذ محمد الأحمري، الذي وافق على ما سمّوه "موت فكر القاعدة" ودعاة السّلم والسلمية واللاعنف من "المفكّرين الإسلاميين" وممجدو مذهب غاندي وفلسفات مالك بن نبي ومذهب ابن آدم الأول وخزعبلات جودت سعيد والمخذول خالص جلبي وغيرهم، معروفون معروفة أفكارُهم وهي قديمة ونقدهم والرد عليهم قد أخذ مجاله وتجاوزتهم الحركة الجهادية وراءها منذ مراحل، إنما قد يتجدد للفكر المتأثرِ بهم بهذه الثورات نبتٌ غيرَ أنه لا يلبثُ أن يذبلُ إن شاء الله لأن مصادمته للشرع والقدر مصادمة كلية. وبالمناسبة وللحق فالأستاذ الأحمري له نقدٌ في السابق لبعض هذه الفلسفات من دعاة الخيال المسمى اللاعنف أجاد فيه، وليس هو من دعاة هذا المذهب بإطلاقٍ، إنما قد يوافقهم بعض الموافقة، ووافق قولُهُ –على خجلٍ- رأيَ التيار فيه هذه الأحدوثة المطروحة، وحريٌّ به أن يتأمل المقام وينصف.
وقد تجنّى المذيعُ محمد كريشان وأجحف وما أنصف، وخلعَ عن نفسه ثيابَ الموضوعية حين زعم زوراً وبهتاناً أن القاعدة لم تدعُ يوماً إلى إزالة هذه الحكومات والإطاحة بها ولا تحدثت عن فسادها، غافلاً في زيغةِ حاله وانبهاره بما حصل عن حقيقة دعوة المجاهدين وأدبياتهم المتكاثرة؛ بل ومحاولاتهم المتضافرة في محاربة هذه الأنظمة الطاغوتية وكشف فسادها وظلمها وتجبرها وتبيين خروجها عن دين الله وخيانتها وعمالتها وإجرامها، ودعوة الأمة إلى الخروج عليها ونبذها ومنابذتها وتغييرها بالطرق المشروعة؛ غفل كريشان وغيرُه كثير عن أن هذا هو بمثابة الركن في فكر القاعدة وعموم المجاهدين، كيف وهم أعداء هذه الأنظمة "رقم واحد"، وهم الثوّار الأوائل والأواخر عليها؟! فسبحان الله ما أصعب توضيح الواضحات.!
هل سبب كلام هؤلاء هو ظن ظنّوه ورأي ارتأوه مبنيّ على أساسٍ من التفكير صحيح؟ أو هو قولٌ وفكرةٌ انقدحتْ لهم للطعن في منهج القاعدة منهج الجهاد غذّاها هوىً قديم وميلٌ متعدد الاتجاهات؟ الله أعلم، ولا نريد أن يقولوا –وما أسرع أن يقولوا- إننا ندخل في النيّات، ولو فقهوا لعلموا أن النوايا إذا كان عليها علامات وأمارات ظاهرة أمكن التكلم فيها بحسب ما يظهر من الأمارة والدلالة، وأحوال المتحدثين بهذا الكلام لا تخفى، وما الظن بكافرٍ نصرانيّ يتحدث عن المجاهدين وعن القاعدة؟! والأهواء مسيطرة فيما دون ذلك، وانظر إلى الحلقة كيف أنه لم يذكَرِ اللهُ عز وجل فيها ولا اليوم الآخر إلا قليلاً!
وغالبُ ظني أن كثيراً من المتحدثين بهذه الفكرة وجدوا فيها مَسْلاةً لهم ولضمائرهم عمّا غمّهم زمناً طويلاً من حجج منهج الجهاد وقوة منطقه ووضوح رايته ونصاعة مطلبه وغايته، فهي أقربُ إلى أن تكون حركة نفسية تمظهرت في فكرة وتحليلٍ -زعموا-.
رجمُ الفكرة الغاوية :
وهذه الفكرة خاطئة بشكل قطعيّ لعدّة أسبابٍ، وأهمّ ذلك أنها مبنية على مقدمات خاطئة فكانت النتيجة خاطئة بالضرورة، فالفكرة مبنية على مقدمتين أساسيتين: المقدمة الأولى المغالِطة أن هذه الثورات هي ثورات سلمية محضة. والمقدمة الثانية الخاطئة أن هدف هذه الثورات هو نفسه ما كانت تسعى إليه القاعدة ولم تستطع تحقيقه، أي فجاءت هذه الثورات بسِلميّتها ونعومتها وحققته بكل سهولة وسلامٍ!!
فأما الكلام على المقدمة الأولى، فنحن لا نسلّم أن هذه الثورات كانت ثوراتٍ سلمية بالمعنى الكامل، وإن كانت ترفع شعار "السلمية" وعدم استخدام العنف، فذلك أشبه بالتكتيك، ولكن العبرة بالواقع وحقيقة الحال، فهذه الثورات -على تفاوتٍ بين نماذجها- استخدمت في مراحل منها العنف بشكل واضح، من اقتحامٍ وحرقٍ لمقرات الشرطة والأمن وضربٍ وتحطيم وتدميرٍ بل ونسفٍ في بعض الأحوال، واستعمال لقنابل المولوتوف الحارقة، واشتبك المتظاهرون في حالات كثيرة مع رجال الأمن واستعملوا الحجارة والعصي والأسلحة البيضاء، ووقع قتل لبعض رجال الأمن في بعض الحالات، فالعنف ثابتٌ، وليس لأحدٍ أن يدفع ذلك.
لكنِ الحقُّ أن الأغلب عليها هو الطابع السلمي المعتمد في قوته على كثرة العدد أي على الجمهور والقوة البشرية التي عوّضت قوة السلاح والعنف، مع عدم اعتمادها ابتداءً على السلاح والقوة، ولأجل ذلك فلها من وصفِ السلمية نصيبٌ لا ننكره أيضاً، إنما المقصود أنها احتاجت للعنف واستعملته ولو بشكل محدود في حالات كثيرة من مراحل تفاعلها. فهذا وجهٌ ، ثم إن الثورة في ليبيا قسمتْ ظهر فكرة سلمية الثورة و"اللاعنف"، فإنها منذ أيامها الأولى تقريباً -إذا ما صحّ أن نستثني يوماً أو يومين- كانت عنيفة وتحوّلتْ إلى السلاح، إذ هاجمت الجماهير في شرق ليبيا (بنغازي، درنة، البيضاء، طبرق، واجدابيا، وغيرها) مقرات الشرطة والأمن وكتائب القذافي وأخذت الأسلحة والذخائر وانطلقت بها، والسبب واضحٌ أنه لا مجالَ للتظاهر والاحتجاج السلمي مع نظام الطاغوت القذافي، والشعب في ليبيا يدرك هذا جيداً ولا يمكن أن يخدعه عن هذا خادِعٌ مهما زوّق، يدركون أنه لا يمكن الثورة على القذافي إلا بالسلاح والقوة، وهو الذي حصل، ومع كل ذلك قد كاد القذافي أن يغلبهم ويستأصلهم، حتى احتاجوا واضطروا إلى طلب مساعدة الغرب الكافر وحلف الناتو وحصلتِ الورطة التي نرجو من الله أن يخرجوا منها قريبا. فالشاهد أن ليبيا دليلٌ دامغٌ ومثال لا يمكن تجاوزه لإبطال فكرة السلمية الدائمة واللاعنف أبداً!! وهكذا الحالُ في اليمن سواءً.
والحق أن القاعدة والمجاهدين لا يمنعون العمل السلميَّ بإطلاق، ولن يجدَ أحدٌ في كلامهم ودعوتهم هذا أبداً. بل يدعون إلى مقاومة الكفر والطغيان والظلم والأنظمة المتصفة بها بجميع الوسائل المشروعة بحسب القدرة، وعلى رأسها وأساسها الجهاد، وإنما الذي ينكره المجاهدون هو أن يُجعَلَ المنهج السلميّ بديلا بإطلاقٍ عن منهج الجهاد الذي هو إعدادُ العُدّة والقتالُ في سبيل الله بالسلاح والضربِ والقتل والتفجير. أما حيث يكون التحرك السلميّ متاحاً ومحققا للمطلوب أو بعضه مرحلياً، ولم يخرج في كيفيته عن حدود الشرع، فلم يمنع المجاهدون ذلك، بل هم يؤيدونه ويدعون إليه، وكم دعا قادة القاعدة الشعوب إلى التحرك الشعبي والتظاهر والاعتصام في مناسباته.
وأما الكلام على المقدمة الخاطئة الثانية : فإن القاعدة لا تسعى لأي تغيير مهما كان، اللهم إلا أن يكون جزئياً مرحلياً تكتيكياً، وهي تعلم أنه جزئ مرحليّ، حيث لا يتسنَّى التغيير الكامل المنشود، إنما تسعى القاعدة إلى تغيير جذريّ وثوريّ حقيقيّ تكون نتيجتُهُ وضعاً تكون فيه كلمة الله هي العليا وشريعة الله هي الحاكمة الوحيدة المهيمنة، وتتحقق فيه حريةُ الأمة وعزُّها وكرامتها تحت حكم الرب الجليل وحده عز وجل، وهو معنى أن يكون الدين كله لله، والحكم لله، وهو معنى الدولة الإسلامية التي تنشدها القاعدة وجميع المجاهدين. أما الأوضاع التي آلت إليها هذه الثورات في تونس ومصر وحتى ليبيا فليست هي غاية القاعدة، إذ ليست غاية القاعدة تحقيق نظام "ديمقراطي" ولا غاية القاعدة مجرد استبدال نظام كفري بآخر مثله لا يلتزم بدين الله ولا يحكم بشريعته، معاذَ الله. وإذا أيّدتِ القاعدة ثورات الشعوب هذه فإنها تؤيدها مقيدةً بشكل واضحٍ معبَّرٍ عنه بأبين تعبير، لا لبسَ فيه ولا غموض، إنها خيرٌ مقيّد محدودٌ من جهة كونها: كسراً من شعوبنا المسكينة المقهورة لحاجز الخوف من تلك الأنظمة اللعينة الطاغية التي سيطرت على الناس بالمخيال والتخويف والإرهاب والقهر، وأنها مرقاة إلى تغييرات أخرى، وإتاحةٌ للفرصة للدعوة إلى الله وإلى انطلاق الأمة في اختياراتها التي نرجو ونسعى لأن تكون صحيحة مسددة، ولما فيها من التخفيف على الناس بزوال الأنظمة البوليسية القمعية المتجبّرة الظالمة، وما فيها من رفع للظلم عنهم، وإطلاق سراح المسجونين، وزوال الخوف والرعب من قلوب الناس من أنظمة الحكم، وتحقق قدر كبير من الحرية، وغير ذلك من الخيرِ ولكنه نسبيّ، فبإزائه شرٌّ أيضاً.
الثورات في مصر وفي تونس وليبيا لم تحقق حتى ما يريده الثوّار وشباب الثورة، فهي وإن أسقطت النظام، أو بتعبير أدق رأس النظام، وهو الطاغية الذي أُرعِبَ وخاف وانهار تحت ضغط كل الشعب وتبعاً لضغط الشعب ضغوط كل القوى الداخلية والخارجية.. إلا أن فلول تلك الأنظمة البائدة مازالت لها اليدُ الطولى في حكم البلد وإدارة شئونه، ومازالت تمارس الثورة المضادة وتعوق تحقيق أهداف الثوار، ومازال الثوار يعانون ويكافحون ويجددون التظاهر حتى كاد يملّهم الناسُ، وذلك مقصِدٌ للفلول المهزومة من النظام البائد.!
فهذا حال الثورات في تونس ومصر؛ لم تحقق ما تريده هي إن صحّت لها إرادة فضلا عن أن تحقق ما تصبو إليه القاعدة، بل غاية ما هنالك أن تكون ساعدت في تحقيقه إن شاء الله، وساهمتْ في وضع لبنة في الطريق وسهّلتْ، كما أن القاعدة ساهمتْ وساعدت على التأسيس لهذه الثورات وتهيئة الأرضية لها بالعمل على تكسير حاجز الخوف لدى جماهير وأجيال الأمة، ومن خلال بث روح التحدي والمحافظة على قوة الرفض والإباء للظلم وللظالمين لا تموت، ومن خلال معانٍ ووسائل كثيرة لو أردنا الحديث عنها، ثم من خلال عامِلٍ مهمّ جداً وهو : تحييد أمريكا وإخراجها من دائرة التأثير المباشر والتسلّط الإمبراطوريّ، فلولا ما منّ الله به على الأمة من هذه الفئة المجاهدة (المجاهدين) ولولا بلاؤهم الحسن -جزاهم الله خيراً ونصرَهم وأعزّهم- في النكاية في أمريكا وحلفائها في العراق وأفغانستان وسائر أنحاء العالم إلى أن جعلوها تستكين وتركع وتذلّ وتتطامنُ وتهابُ وتخشى أن تدخل في مشاكل أخرى وحروبٍ وصراعات ونفقاتٍ إضافية لما وقفت أمريكا موقف المتفرج من أول يوم ولتدخلتْ بالقوة العسكرية في تونس أو مصر.
لقد جعل المجاهدون –بفضل الله- أمريكا لأول مرةٍ بعد أن عرفتِ الغطرسة والتفرعن والنزعة الإمبراطورية تقول بلسان حالها : "العين بصيرة واليد قصيرة"، كما كانت أمتنا تقولها أزماناً، فلله الحمد. وهذا فضلٌ وإنجازٌ للمجاهدين عظيمٌ لمن أنصف واعترف بالحق.
أرجع وأقول نحن إذن نؤيد هذه الثورات لما فيها من الخير الذي أشرتُ إلى جُمِلٍ منه، ولما هي مرحلة نرجو أن يعقبَها خيرٌ أكثر. ولهذا السبب فإن القاعدة هي من أسعدِ الناس بهذه الثورات وأفيَدِها منها بحمد الله ومنّه وكرمه، فليمُتِ الشامتون بغيظهم! ولهذا أيّدتها من لحظاتها الأولى وسُرّت بها وشاركت الأمة في السرور بها على ما فيها من دخَنٍ ودخَل! لسنا غافلين عنه ولكن متغابين. لأن القاعدة تسعى لخيرِ الأمة ورحمتها وإزالة الضرّ والضير عنها ما استطاعت، لهذا قامت القاعدة، فأي خيرٍ يتحقق فالقاعدة معه وتفرح به ولا تعارِضه. إن القاعدة لا تشترِط أن يجري الخيرُ على يديها حتى يكون خيراً وحتى يُقبَل، وهذا دليلُ عمَلِها لله تعالى، فيما نحسبُ، ومعاذ الله أن نكون مثلَ اليهود الذين اشترطوا للإيمان بالرسول أن يكون منهم وإلا لم يؤمنوا به، ولا يُقرّون بالحق إلا أن يكون منهم ومن طائفتهم، مع معرفتهم أنه حقّ، وقال الله فيهم : {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ}، وذلك من فضل الله علينا وعلى الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون، بل مقصود القاعدة أن يتحقق الخيرُ والصلاح ويسود الحقُّ والعدل والرحمة والإحسان، وذلك لا يكون بشكله الكامل إلا في ظل تحكيم شريعة الله تعالى وفي ظل "دولةِ الإسلام" التي ننشدها في بلداننا جميعاً، وإن كرِهَ الكافرون.! وحيث لم يمكن في مرحلة من المراحل تحقيق أكثر الخيرِ المطلوبِ فنسعى لنحقق بعضه بحسب الإمكان. إن القاعدة وهي تسعى هذا السعي تمارسُ عبادة لله تعالى وتؤمنُ بأنها تؤدي واجباً وفرضاً فرضه الله على جميع الأمة، فازت القاعدة وغيرُها من المجاهدين بالقيام به، وربما سدّتْ المسدّ في بعض الأحيانِ وربما أسقطتِ الفرضَ عن سائر الأمة في أحيانٍ ومواقعَ، ونالتِ الفضل والأجر من المولى الكريم.
على أن من أهم الأهداف التي قامت القاعدة من أجلها كان وما زال هو طرد الغزاة الكفرة والاحتلال الأجنبي من بلاد المسلمين وفي مقدمة ذلك احتلال اليهود لفلسطين، وذلك مبررٌ مستمر لوجود القاعدة واستمرار عملها إلى أن يتحقق الهدف، والقاعدة تنظر إلى ثورات شعوبنا العربية، ولا سيما في مصر ثم ما ننتظره ونرجوه في الشام المباركةِ بإذن الله الواحد الأحد، على أنه تكميلٌ لجهودها ودعمٌ لها وتقوية وإسنادٌ، فما أسعد القاعدة بثورات شعوبنا العربية والإسلامية، والتي نرجو أن يكون منها قريباً بعون الله ومدده تحرك شعبنا المسلم في باكستان، وما ذلك على الله بعزيز. {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا}.
لنحذر مغالطات العدو ومكره :
إن أجهزة المكر للعدوّ وخدمَهُ المندسّين في أمتنا، يحاولون أن يوجّهوا الثورة ويتحكموا في بوصلتها بكل ما أمكنهم من وسائل المكر الخفيّ والمكشوف الجليّ، ومن هذا أنهم يكررون عبر أبواقهم الإعلامية عباراتٍ ويطرحون أفكاراً ومسائل ويكبّرون ما يشاءون، ويصغّرون ويقللون من شأن ما يشاءون، ويمدحون ويذمون بأهوائهم {ويمكرون ويمكرُ الله واللهُ خيرُ الماكرين}، ومن ذلك على سبيل المثال تكرارهم لعبارة : "المظاهرات المطالبة بالديمقراطية" و"الاحتجاجات السلمية المطالبة بالديمقراطية"، فيموّهون ويخدعون بجعل مطلب الشعب هو الديمقراطية، في حين أن أغلب شعوبنا لا تعرف الديمقراطية ولا ترضاها لو عرفتها على حقيقتها، وإنما قد يستعمل أكثر الناس هذا اللفظ للتعبير عن معانٍ وصورٍ للحرية ومضادة الدكتاتورية والاستبداد، وحكم الشورى ومحاسبة الحكام وحرية ونزاهة القضاء وشفافية أجهزة الدولة ونحو ذلك. فعلى دعاة الإسلام أن يتنبّهوا لهذا ويبذلوا جهودهم المكافئة، والله المستعان.
كما على المجاهدين أن يحذروا من خُدعِ العدوّ ومكره باستدراجهم إلى ظهورٍ مبكرٍ غير مدروس أو الدخول في أعمال ومواجهات غير أصلية تكشفهم وتستنزف طاقتهم، كما قد سمعنا عن تصرفاتٍ لبعضِ الإخوة استعراضية في بعض النواحي لا تخدم هدفاً صحيحاً ومضرّتها أكثر لما تهيّج من الأعداء وتستفزّ وتنبّه، مع ما قد يكون فيها من تنفيرٍ للناس، بل الواجب أن نخدع العدو ونعمِّي عنه قوتنا وإمكاناتنا حتى نبغته بإذن الله في الوقت المناسب، وليكن عمل المجاهدين في هدوءٍ وصمتٍ وبُعدٍ عن الظهور ما أمكن. وكذلك في الثورات المستمرة القائمة فإن الجيّدَ هو فسحُ المجالِ للتحرك الشعبي، مع الإعداد والاستعداد بكل ممكن، ومع دعم الثورة الشعبية حيث كان الدعم الجهاديّ مناسباً كما فعل إخوة العريش حينما فجّروا خط أنبوب الغاز الذاهب إلى إسرائيل أثناء الثورة فكان دعماً للثورة كبيراً.
مقارنة :
ولننهِ المقال الذي طال بعقد مقارنة تقريبية بسيطة بين حال وموقف أمريكا من ثورات شعوبنا العربية وبين موقف المجاهدين منها.
المجاهدون : وقفوا من قبلُ (قبل هذه الثورات) ضد تلك الأنظمة الظالمة الغاشمة الفاسدة الكافرة وحاربوها وثاروا عليها وبذلوا دماءهم وأرواحهم وأموالهم في ذلك وضربوا الـمُثُل، ودعوا إلى الثورة عليها بكل الوسائل المشروعة وحرّضوا الأمة على منابذتها والسعي في انتزاع حريتها وحقوقها المسلوبة منها.
أمريكا والغرب : وقفت طوال عقودٍ مع هذه الأنظمة الفاسدة القمعية، بل في الحقيقة هي التي رعتْ وسندتْ وأقامتْ هذه الأنظمة على رغم إرادة الشعوب، أنانيةً منها (أمريكا والغرب) ومحافظةً على مصالحها غيرَ مباليةٍ بمصالح شعوبنا ولا باكية على فقرهم وجوعهم وما يصيبهم من الألم والاضطهاد والعذاب.!
المجاهدون : فرحوا بهذه الثورات وأيّدوها واعتبروها متكاملة مع عملهم ومساعيهم.
أمريكا والغرب : اغتمّت وارتبكت ووقعت في ورطة مُوحِلة، وكرهَت هذه الثورات وخشيت على مستقبل أذنابها وخدمها من الأنظمة الطاغوتية في بلادنا، ومن ثَمّ خافت على أمنها ومصالحها التي تضمنها وتحميها لها تلك الأنظمة، ولو أمكنها أن تسعى في إنهاء هذه الثورات وقمعها من البداية لفعلتْ، كما همّتْ فرنسا بذلك في تونس.
وورطة أمريكا والغرب أنهم إن سمحوا بحكومات حرة مستقلة تختارها الشعوب وتستجيب هي لمطالب الشعوب وتحقق غايات الشعوب، فسوف تتضارب مصالح تلك الحكومات الجديدة "الشعبية" مع مصالح أمريكا والغرب، ثم تخرج الأمور عن سيطرة الغرب فيما بعد، وإن هم قمعوا الثورات ووقفوا مع الأنظمة الدكتاتورية القمعية الظالمة الفاشلة الفاسدة فقدوا ما تبقى لهم من مصداقيتهم المضمحلّة، هذا مع أنهم شعروا وأدركوا أنه لا مستقبل لتلك الأنظمة وأنها زائلة لا محالة وأن الشعوب قد ثارت حقاً وصممتْ، فكان دعمهم (الغرب) للثورة إجبارياً وهم كارهون، ثم يبدأ المكر الجديد. وكذا إن سمحوا مثلا بانقلابات عسكرية على هذه الثورات وحرّكوا العساكر الموالية لهم فإنهم يفقدون البقية الباقية من مصداقيتهم ويصطدمون بالشعوب اصطداماً كبيراً مباشراً، أو يؤدي تصرفهم إلى وقوع حروبٍ أهليةٍ ثم حروبِ عصاباتٍ وجهادٍ تعكّر بل تفسد عليهم مصالحهم، ولاسيما في المناطق الحساسة القريبة من مجالِ ما يُسمّى بأمنهم القومي مثل الشام ومصر. ولهذا فهم في ورطات متتابعة لا يدرون ما يفعلون!
المجاهدون : يدعون إلى استمرار هذه الثورات وانتشارها وعمومها لكل العالم العربي والإسلاميّ.
أمريكا والغرب : تحاول تحجيم وتضييق دائرة الثورة ومنع انتشارها وانتقالها، ودعم الثورات المضادة، وتسانِدُ ما يُسمّى بالإصلاحات وهي الترقيعات الخادعة التي يحاول على عجلٍ أن يقوم بها طواغيت آخرون يُنتظر أن تنتقل الثورة الشعبية إليهم وتنالهم أيدي الشعوب المقهورة، في مثل : الأردن والمغرب وغيرها، كما هللت فرنسا وغنتْ وطبّلت وزمّرت لما عُبّر عنه بإصلاحات ملِك المغرب.!
المجاهدون : يحاولون الالتحام بالجماهير والشعوب وترشيدها في مطالبها ومسيرتها لنيل حقوقها وتكميل حريتها وكرامتها وأن تنطلق على بركة الله متوكلة على الله ملتزمة بأحكامِ الله، تناضل وتجاهدُ لتصل إلى تحقيق أهدافها الدينية والدنيوية التي تضمن لها سعادة الدنيا والآخرة.
أمريكا والغرب : منهمِكون إلى أقصى الحدود في إيجاد حلول للخروج من ورطاتهم المشار إليها، والهيمنة على الحكومات الجديدة بعد الثورة وتخويفها وإرهابها وتقييدها وإخضاعها، بأساليب الترغيب والترهيب والدسائس والعملاء الخونة وغيرها.
والصراعُ بين الحق والباطل مستمرٌّ، والعاقبة للمتقين.

 

منبر التوحيد والجهاد
* * *
http://www.tawhed.ws
http://www.almaqdese.net
http://www.alsunnah.info
http://www.abu-qatada.com
http://www.mtj.tw

 

 تحميل المادة رابط PDF

tealscrollroses_small.gif

لاتنسونا من صالح دعائكم جزاكم الله خير الجزاء 

 جمع وتنسيق النخبة للإعلام الحساب الرئيسي (تويتر)

وهنا حسابنا الإحتياطي (تويتر )