JustPaste.it

 

شبهة اقول بأن علماء أهل السنّة يدافعون عن ابن ملجم (لعنه الله) بقولهم أنه متأوّل

 

أولاً: لاشكّ أنّ ابن ملجم لعنه الله كان متأوّلاً –شأنه شأن كل الخوارج-بمعنى أنه كان يرى نفسه  على حق وهدى  ولاشكّ في أنّ تأويله كان من النوع الفاسد المردود على صاحبه .

 وقد دل على كونهم(الخوارج) متأولين يرون أنفسهم على حق وهدى أدلة كثيرة منها: ‏

 

‏1- ما جاء في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم ‏قال في حق ذي الخويصرة اليماني: " دعه، فإن له أصحاباً يحقر أحدكم صلاته مع ‏صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الإسلام ‏كما يمرق السهم من الرمية... آيتهم رجل أسود، إحدى عضديه مثل ثدي المرأة أو ‏مثل البَضعة تدردر، يخرجون حين فرقة من الناس".‏

 

قال أبو سعيد: فأشهد أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأشهد أن علي بن ‏أبي طالب قاتلهم وأنا معه، فأمر بذلك الرجل فالتُمس، فوُجد، فأُُتي به حتى نظرت إليه ‏على نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي نعت.‏

 

‏2- ما جاء تفسير قوله تعالى: (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً *الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ ‏فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً) [الكهف:103، 104] .

 

قال ابن كثير رحمه الله: ( وقال علي بن أبي طالب والضحاك وغير واحد: هم ‏الحرورية، ومعنى هذا عن علي رضي الله عنه أن هذا الآية الكريمة تشمل الحرورية، ‏كما تشمل اليهود والنصارى وغيرهم، لا أنها نزلت في هؤلاء على الخصوص، ولا ‏هؤلاء ، بل هي أعم من هذا، فإن هذه الآية مكية قبل خطاب اليهود والنصارى، ‏وقبل وجود الخوارج بالكلية، وإنما هي عامة في كل من عبد الله على غير طريقة ‏مرضية يحسب أنه مصيب فيها، وأن عمله مقبول وهو مخطئ، وعمله مردود، كما قال ‏تعالى: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ* عاملة ناصبة* تصلى ناراً حامية) [الغاشية:2]…(وهم ‏يحسبون أنهم يحسنون صنعاً)

أي يعتقدون أنهم على شيء، وأنهم مقبولون محبوبون) ‏ انتهى.

 

‏3- تصريح الخوارج بأن قتل علي رضي الله عنه قربة إلى الله، وقد نقل ابن حزم عقب ‏كلامه الوارد في السؤال شعر عمران بن حطان في ذلك.‏

قال ابن حزم: ( وفي ذلك يقول عمران بن حطان شاعر الصفرية: ‏

يا ضربة من تقي ما أراد بها إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا ‏

إني لأذكره حيناً فأحسبه       أوفى البرية عند الله ميزانا)‏

 

فابن ملجم وغيره من الخوارج يحسبون أنهم على هدى، وهم في الحقيقة ضالون ‏مارقون من الدين،

كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك.

 

ثانيا : من ظنّ  بأنّ في قول الإمام الشافعي رحمه الله تبريرا لفعل بن ملجم فهو واهم ,

قال  أبو الحسن الماوردي رحمه الله وهو من أعلام الشافعية، في كتابه الحاوي في فقه الشافعي :

((وَأَمَّا تَفَرُّدُ الْحَسَنِ بِقَتْلِ ابْنِ مُلْجِمٍ لَعَنَهُ اللَّهُ فَعَنْهُ جَوَابَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ قَدْ كَانَ فِي شُرَكَائِهِ مِنَ البَالِغِينَ مَنْ لَمْ يَسْتَأْذِنْهُ ، لِأَنَّ عَلِيًّا خَلَّفَ حِينَ قُتِلَ عَلَى مَا حَكَاهُ بَعْضُ أَهْلِ النَّقْلِ سِتَّةَ عَشَرَ ذَكَرًا وَسِتَّ عَشْرَةَ أُنْثَى فَيَكُونُ جَوَابُهُمْ عَنْ تَرْكِ اسْتِئْذَانِهِ لِلْأَكَابِرِ جَوَابَنَا فِي تَرْكِ وُقُوفِهِ عَلَى بُلُوغِ الْأَصَاغِرِ . وَالْجَوَابُ الثَّانِي : أَنَّ ابْنَ مُلْجِمٍ انْحَتَمَ قَتْلُهُ لِسَعْيِهِ بِالْفَسَادِ ، لِأَنَّ مَنْ قَتَلَ إِمَامَ عَدْلٍ فَقَدْ سَعَى فِي الْأَرْضِ فَسَادًا فَصَارَ مَحْتُومَ الْقَتْلِ ، لَا يَجُوزُ الْعَفْوُ عَنْهُ فَلَا يَلْزَمُ اسْتِئْذَانُ الْوَرَثَةِ فِيهِ . وَالْجَوَابُ الثَّالِثُ : أَنَّ ابْنَ مُلْجِمٍ اسْتَحَلَّ قَتْلَ عَلِيٍّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَصَارَ بِاسْتِحْلَالِهِ قَتْلَهُ كَافِرًا ، لِأَنَّ مَنِ اسْتَحَلَّ قَتْلَ إِمَامِ عَدْلٍ كَانَ كَافِرًا فَقَتَلَهُ الْحَسَنُ لِكُفْرِهِ وَلَمْ يَقْتُلْهُ قَوَدًا))(12/103)

 

هذا هو فقه الشافعية لمن زعم بأن الإمام الشافعي يدافع عن رأس الخوارج ابن ملجم لعنه الله,

 وكذلك ابن حزم رحمه الله لعن ابن ملجم في كتابه(الفصل جزء 4 صفحة 188)وهذا يوضح بأنّ قوله عن ابن ملجم (متأول) ليس دفاعاً عنهوإنما كان في معرض مناقشة الحنفية ‏والمالكية في قولهم بأن المقتول إذا كان في أوليائه صغير وكبير، أن للكبير أن يطلب ‏القود، ولا ينتظر بلوغ الصغير

 في كتابه الفصل جزء 4 صفحة 188 , 

 

ثالثا : من ظنّ بأنّ كل متأول مأجور فهو  واهم إلى أبعد الحدود ...

قال  أبو زكريا النووي رحمه الله تعالى :

(أما الاحكام فإنه إذا بغت على الامام طائفة من المسلمين وأرادت خلعه أو منعت حقا عليها تعلقت بهم أحكام يختصون بها دون قطاع الطريق، ولا تثبت هذه الاحكام في حقهم إلا بشروط توجد فيهم (أحدها) أن يكونوا طائفة فيهم منعة يحتاج الامام في كفهم إلى عسكر، فإن لم تكن فيهم منعة، وانما كانوا عددا قليلا لم تتعلق بهم أحكام البغاة، وإنما هم قطاع الطريق، لما روى أن عبد الرحمن ابن ملجم لعنه الله قتل على بن أبى طالب وكان متأولا في قتله فأقيد به، ولم ينتفع بتأويله لانه لم يكن في طائفة ممتنعة، وإنما كانوا ثلاثة رجال تبايعوا على أن يقتلوا عليا ومعاوية وعمرو بن العاص في يوم واحد))

المجموع شرح المهذب (19/179)

 

  

وقال ابن الوزير - رحمه الله - : " وكذلك لا خلاف في كفر من جحد ذلك المعلوم بالضرورة للجميع ، وتستر باسم التأويل فيما لا يمكن تأويله ، كالملاحدة في تأويل جميع الأسماء الحسنى ، بل جميع القرآن والشرائع والمعاد الأخروي من البعث والقيامة والجنة والنار " .

انتهى من " إيثار الحق على الخلق " ( ص 377 ) 

 

 

قال أبو حامد الغزالي - رحمه الله - : " ولا بد من التنبه لقاعدة أخرى وهي : أن المخالف قد يخالف نصّاً متواتراً ويزعم أنه مؤول ، ولكن ذكر تأويله لا انقداح له أصلا في اللسان ، لا على بُعد ولا على قرب ، فذلك كفر وصاحبه مكذِّب ولو زعم أنه مؤول ، ومثاله : ما رأيته في كلام بعض الباطنية أن الله تعالى واحد بمعنى أنه يعطي الوحدة ويخلقها ، وعالِم بمعنى أنه يعطي العلم لغيره ويخلقه , وموجود بمعنى أنه يوجد غيره , وأما أن يكون واحدا في نفسه وموجوداً وعالماً على معنى اتصافه به : فلا , وهذا كفر صراح ؛ لأن حمل الوحدة على إيجاد الوحدة ليس من التأويل في شيء ، ولا تحتمله لغة العرب أصلا .... فأمثلة هذه المقالات تكذيبات عَبَّر عنها بالتأويلات " انتهى من " فيصل التفرقة " ( ص 66 ، 67 ) .

 

 يُمكن تلخيص الحكم الشرعي من الفرق المبتدعة بما قاله الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله في كلام علمي متين ، حيث قال : 

فمن جحد ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم أو جحد بعضه غير متأول من أهل البدع فهوكافر ؛لأنه كذَّب الله ورسوله واستكبر على الحق وعانده .

 

أ. فكل مبتدع من جهمي وقدري وخارجي ورافضي ونحوهم : عرف أن بدعته مناقضة لما جاء به الكتاب والسنة ، ثم أصر عليها ونصرها : فهو كافر بالله العظيم ، مشاق لله ورسوله من بعد ما تبين له الهدى .

 

ب. ومن كان من أهل البدع مؤمناً بالله ورسوله ظاهراً وباطناً ، معظماً لله ورسوله ملتزماً ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولكنه خالف الحق وأخطأ في بعض المقالات ، وأخطأ في تأويله من غير كفر وجحد للهدى الذي تبين له : لم يكن كافرا ً، ولكنه يكون فاسقاً مبتدعاً ، أو مبتدعاً ضالاًّ ، أو معفوّاً عنه لخفاء المقالة وقوة اجتهاده في طلب الحق الذي لم يظفر به.

 

ولهذا كان الخوارج والمعتزلة والقدرية ونحوهم من أهل البدع أقساماً متنوعة :

 

أ. منهم من هو كافر بلا ريب كغلاة الجهمية الذين نفوا الأسماء والصفات ، وقد عرفوا أن بدعتهم مخالفة لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ، فهؤلاء مكذبون للرسول عالمون بذلك .

 

ب. ومنهم من هو مبتدع ضال فاسق كالخوارج المتأولين والمعتزلة الذين ليس عندهم تكذيب للرسول ، ولكنهم ضلوا ببدعتهم ، وظنوا أن ما هم عليه هو الحق ، ولهذا اتفق الصحابة رضي الله عنهم في الحكم على بدعة الخوارج ومروقهم ، كما وردت بذلك الأحاديث الصحيحة فيهم ، واتفقوا - أيضاً - على عدم خروجهم من الإسلام مع أنهم استحلوا دماء المسلمين وأنكروا الشفاعة في أهل الكبائر وكثيراً من الأصول الدينية ، ولكن تأويلهم منع من تكفيرهم .

 

ج. ومن أهل البدع من هو دون هؤلاء ككثير من القدرية وكالكلابية والأشعرية ، فهؤلاء مبتدعة ضالون في الأصول التي خالفوا فيها الكتاب والسنة ، وهي معروفة مشهورة ، وهم في بدعهم مراتب بحسب بُعدهم عن الحق وقربهم ، وبحسب بغيهم على أهل الحق بالتكفير والتفسيق والتبديع ، وبحسب قدرتهم على الوصول إلى الحق واجتهادهم فيه وضد ذلك ، وتفصيل القول فيه يطول جدّاً " انتهى من " توضيح الكافية الشافية " ( 156 - 158 ) .