JustPaste.it

بسم الله الرحمن الرحيم


مجموعة نخبة الفكر تقدم

(الإبانة في أحوال الفصائل في باب الاستعانة)

بقلم/ د. عبد الله المحيسني

تقديم: الشيخ أبو قتادة عمر بن محمود

/files/justpaste/d241/a9690168/upload5257273c5b.jpg

 

 

WV8P68.gif

تقديم الشيخ أبو قتادة:

بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين.

الحمد لله رب العالمين حمدًا يليق بجلال عظمته وكرمه، وبحكمة أقداره وشرعه وأحكامه، والصلاة والسلام على خير الخلق وسيد المرسلين وإمام المتقين محمد بن عبد الله الصادق الأمين، وعلى آله الطيبين، وعلى صحبه الغر الميامين أجمعين، وعلى من تبعهم بإحسان وهدى إلى يوم الدين، جعلنا الله منهم آمين.

أما بعد؛

فالله تعالى له الحكمة البالغة في الأقدار، يراها الناس على وجه في إقبالها، فيكرهون، ثم تبين بعد عن خير عظيم، وكما قال ربنا تعالى عن خروج الحبيب المصطفى إلى بدر: {وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُون}، وفي علم الله وقدره أن يكون هذا الخروج فتحًا عظيما سماه الله {يَوْمَ الْفُرْقَانِ}، وجعل أهله خير جماعة في الأرض في أزمانهم وغير أزمانهم، فهذا خير -سيقوا إليه على كراهة- كان فيه أعظم ما يحب المؤمن ويرضاه.

وهكذا لربنا الأقدار الحكيمة، وهي كلها تجري لأمر واحد تجتمع فيه، وهو رفعة الحق والدين وخسار الكفر والضلال والفساد. ومما يدخل في هذا المعنى كشف ربنا للحق والهدى -رجالًا وطوائف وعقائد-، لم يكن لهذا كله أن يقوم لولا المحن والفتن والابتلاءات؛ فهذا قدر لازم لهذا السبيل، به تمتحن معاني الوجود، ومن خلال ذلك يبقى الحق ويدوم، ويخسر الباطل ويزول، ومن سنة الله أن تكون هذه المعركة وهذا البلاء جارية على قدوم الباطل عاليًا قويًّا، ثم يؤول إلى خسار، وأما الحق فيبدأ ضعيفا لكنه ثابت يدوم، فيبدأ بالنمو والارتقاء، حتى يستوي على سوقه، فيعلم الخلق بهذه السنة ما جهلوه من قبل. وما من سوق قام للإيمان إلا وكان فيه البلاء على نحو ما، وفي داخله، وذلك خلاف البلاء من أعدائه، بل هو بلاء في داخله ليصفو الصف، وتمتحن الإرادات، ويجلو العلم، وهذا هو سبيل الجهاد في هذا الزمان.

يجب علينا أن نعترف أننا نمشي في طريق قد درست، وعطلت معالمها، وغلب على التصورات ذاتية التأمل عندما كان الجهاد مجرد كلمة يتغنى بها شعرًا وعلى المنابر، هذا مع أن سبيل الجهاد لم يتوقف، لكنه كان على وجوه متعددة؛ فتارةً يقوم على معنى طرد المحتل -وهذا فيه قسمة مشتركة مع قتال الآخرين للمحتلين لبلادهم من غير المسلمين-، ومرة يكون لطائفة حملت الهمّ وتصدت للواجب دون بقية الناس، فاتهمت وقيل فيها، ولكن كان فقهها يقوم على حالة من الاختيار المبني على التقوى والفداء والانطلاق نحو الشهادة؛ ولكن ها نحن أمام جهاد له ضروراته، وانتشاره، ومعوقاته، تأتيه فتن لم تكن غائبة عن الجهاد فيما سبق، لكن تميزها اليوم بسبب انزلاق الجموع وراءها، وارتفاع صوتها، ومنافستها لجهاد السنة والتقوى والصلاح، حتى كادت لولا لطف الله تعالى أن تجتثه وتزيله، وهذا اللطف جاء بصور متعددة أهم ما فيه وقوف رجال صدق أمامه، يتحدون شره وفساده وتهديده، وكان من هؤلاء هو الشيخ الشاب الدكتور عبد الله المحيسني، وهو وإن أصابه الثلمات من قراع الكتائب؛ إلا أنه أصابه كذلك نصيب من قول الله لحبيبه: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ}، وهذا أمر وإن أورث فرحًا؛ لكنه في نفس التقي يجب أن يورث خوفًا شديدًا مخافة الزوال والانقلاب، ذاك بأن الارتفاع يزيد العاقل خوف السقوط وشدة الامتحان.

هذا أمر رأيت من الواجب أن أقوله للشيخ الشاب عبد الله المحيسني، فأهنئه وأخوفه، ذلك لأنه من واجب النصح الذي أمرنا به رسولنا -صلى الله عليه وسلم- لأئمتنا، والشيخ اليوم من هؤلاء، زاده الله رفعة وطاعة، وجنبه المزالق والفتن.

لعل الشيخ عندي -وأرجو أن يكون هو في نفس الأمر كذلك- أصدق من أستفتيه عن أمور الوقائع التي يشهدها، ووالله ما سألته عن أمر إلا وكان صادقًا فيما أخبر وقدر وروى؛ يعدل في التقدير، ويتحرى في الرواية والخبر، فجزاه الله خيرا، والشيخ شاب، فهو بين أمرين في باب ما هو فيه من الجهاد؛ إما الشهادة وإما أن يعمر، وكلاهما يوجبان عليه التحري والتقوى والخوف، ولست أخاف عليه إن رحل لمولاه شهيدًا، لكني أخاف عليه إن عمر وعاش طويلا؛ فلهذا الظرف من الضرائب ما لا أستطيع أن أفصل فيه، لأني إن فعلت فسأكون كمن يشكو حاله للناس، ولكن أقول للشيخ -حفظه الله-: التقوى ثم التقوى ثم التقوى، ولا عليك بعد ذلك ما يصيبك ولا ما يأتيك بإذن الله تعالى.

لقد قدر الله لهذا الشاب أن يعيش جهادًا فيه من البلاء والمحن، وفيه من التقادير العجيبة، فإن روى عن آلامه فكأنه يبث اليأس لمن جهل، وإن روى عن الشهداء والنصر والمجاهدين أطرب وبعث النفوس إلى آمالها بأن يكون هذا الجهاد هو من سيزيل الغربة عن المسلمين ويعيد الجدة لهذا الدين، رغم أنف البعض الذين يريدون له مقاصد النجاة فقط، فجزاه الله خيرا وحفظه بحفظه.

وكان مما استفاق الناس عليه في هذا الجهاد مسائل مغيبة، مع ضعف الناس وتصوراتهم في العلم؛ فعالم المتدينين قد اعتاد الحرب في المساجد على وضع اليد في الصلاة أن يكون، وعلى صدقة الفطر أتخرج طعامًا أم مالًا، والآن يخوض الناس في قضايا الدماء والنفوس، بل ووراثة الأرض، في وقت أحب فيه الكثيرون أن يبقى حال الخلاف والمقارعة في عالم الفكر والمسائل الأخرى: كيفية بناء البنك الإسلامي، والحفاظ على البيئة، والحض على السواك، وما شابه ذلك.

لقد قفز الشباب بالأمة رغم أنف الكثيرين إلى الذرى، حيث الشهادة والدماء والجهاد، والدخول كعظماء في تاريخ الأمم وحياة الشعوب، هناك حيث يصغي العالم لهم، وحيث هم من يفرض إيقاع المعركة مع طواغيت الوجود كلها، وكان لا بد لمثل هذا الجهاد أن يفرض مقالاته، وهي لعظمها كان ما فيها من انحراف كذلك يعادل عظمتها، فجاءت أسئلة كبيرة، وحيث الأماني والقضايا العظيمة تكون الفتن كذلك، لكنها فتن لا تستقر ولا تدوم، ومن أراد الله له إزالة الغربة عن الدين؛ فإن الله سيقدر القضاء على الفتن في هذا السبيل، ليس لقوته، ولا لارتفاع صوته؛ لكنه حيث جعله الله حديث الوجود مع ضعفه، سيقدر الله تعالى له من المقادير التي ترفع له شأن الرد على الانحرافات والأخطاء والبدع.

هكذا يجب أن تفهم هذه الكلمات، وهذه هي ظروفها، ولذلك لم يجعل الله لغير حجارة هذه الطريق قوارع ترد على ضلالات أهل البدع، ولم بجعل الله هذه الفضيلة تسير إلى غير من هو على سبيل هذا الجهاد ومن أهله.

أعتذر أن أطلت في كلماتي في تقديم هذا الجزء العلمي الذي كتبه الشيخ عبد الله المحيسني، وهو جزء مهم، يعيد مسائل العلم إلى أجوائها من الخلاف، وهي أجواء الحق والخطأ، لا أجواء التكفير التي لا يتداولها إلا من لم يشم رائحة الفقه، لا إبعادًا لحكم التكفير في ديننا، فهو حكم رباني؛ فالردة حكم لا ينسخه جهالة الزنادقة، ولا تهديدات الجهلة العلمانيين، ولا من تنشق نشوقهم من أصحاب العمائم وأسماء الدكترة من خريجي كلية الشريعة؛ لكن هذا المجال هو مجال أهل السنة، يضعون كل خلاف في مسائل العمل في دائرته التي هي من دين الله تعال، وهذا ما أراده الشيخ وقد أصاب وأجاد، وغفر الله لي وله.

والشيخ قد عرف أهل البدع من الغلاة، وقدم شهادته فيهم صادقًا مباهلًا إياهم في دعواه الصدق لنفسه، فكان لكلماته أثرها بإذن الله تعالى، وها هو يواصل الطريق، ويجلو أمرًا من أبواب العلم والخير، والأمر ليس أمر ترجيح لاختيار، مع أني أظن أن هذا الخلاف في المسألة التي تكلم فيها الشيخ على غير مورد النزاع، وأقصد أن جميع أهل العلم على اتفاق أن اختيارات أمراء الجهاد مبناها على مصلحة الجهاد، فهي التي يصدر عنها الحكم لا غيرها، وحيث الأمر كذلك؛ فما قالوه فتوى وليس تقرير فقه أصلي، وطالب العلم يعرف الفرق بين الفقه والفتوى، والخلاف بينهم كالخلاف بين اختيارات أحمد بن حنبل كما قال ابن تيمية، وأن أكثرها خلاف في الفتوى بحسب الحالة والنازلة، لا أن الأصل عنده متعدد، فجزى الله الشيخ على هذا الجزء العلمي، ووفقني الله وإياه لما يحب ويرضى، وأشكر للشيخ إحسانه الظن بهذا الفقير فيأمره بتقديمه للناس، فجزاكم الله خير الجزاء، والحمد لله رب العالمين.

أخوكم: أبو قتادة عمر بن محمد أبو عمر

 

الإبانة في أحوال الفصائل في باب الاستعانة

 

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.. أما بعد:

سبب كتابة هذه الورقات هو الواقع المعاصر الذي تعيشه أمتنا الإسلامية، لا سيما في هذا الباب الخطير، ألا وهو: (التكفير)، فلا يخفى أن الناس فيه طرفان ووسط، طرف غلا في التكفير، وأعمل سيف التكفير في رقاب الناس بغير حق، فوقع في قول النبي صلى الله عليه وسلم: "من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما".

وطرف آخر ألغى حكم التكفير من كتاب الله سبحانه وتعالى، ومن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فلم يكد يطلق حكم التكفير إلا على اليهودي والنصراني، وألغى حكم الردة ونواقض الإسلام من دين الله سبحانه وتعالى.

ودين الله وسط بين الغلو والإرجاء، ولن نتكلم عن جملة هذا الباب - أعني باب التكفير -، ولكن عن مدخلٍ ومزلق خطير، رأينا أن كثيراً من إخواننا في أرض الشام قد انزلقوا فيه.

وقبل الحديث عن خصوص هذا المزلق، لا بد لنا من التنبيه على مسألة التكفير بغير حق بشكل عام، وخطورة هذا الباب، فما زال العلماء - رحمهم الله - يحذرون من الانزلاق في هذا الباب، ومن تقحمه بغير علم شرعي.

وإنني أقول:

إن من البلايا والرزايا: ما بلي به المسلمون من تقحم أغرارٍ لم يأخذوا من العلم شبراً في هذا الأمر العظيم - التكفير بغير حق -، بينما رأينا ونرى أن أهل العلم الذين رسخت أقدامهم فيه يكونون أشد تورعاً في هذا الشأن، وذلك لعظيم خطره ..ووالله إن مما يندى له الجبين؛ أن نرى بعض المجاهدين يسأل ويستفتي في مسائل من أدق مسائل الفروع، كمسائل المسح على الخفين، ومسائل الجورب الفوقاني والجورب التحتاني، وغير ذلك من المسائل، ثم إذا جاءت مسألة التكفير؛ تصدر لها، بل وعقد الولاء والبراء على الأشخاص عليها، فمن لم يكفر فلاناً فهو مرجئ، ومن كفره فهو على المنهج، وجعل المنهج الحق هو في تكفير فلانٍ أو فلان، وليس ذلك من دين الله في شيء، بل ما زال العلماء رحمهم الله يختلفون في تكفير كثيرٍ من أهل الضلال، فهذا الإمام الشافعي رحمه الله تعالى كفّر حفص الفرد، ولم يتفق أهل زمانه على ذلك، ومن ذلك اختلاف السلف الصالح في تكفير الحجاج كما نقل ابن أبي شيبة في كتاب الإيمان، فابن جبير ومن معه لما كفروا الحجاج لم يلزموا الحسن وغيره التبرؤ منه ولا حكموا على الحسن ببدعة ولا غيرها، وكفّر الحجاجَ بعضُ التابعين؛ كطاووس والشعبي ومجاهد وسعيد بن جبير، ولم يكفّره ابن عمر ولم يقل أحد بكفر ابن عمر بحجة أنه (مَن لم يكفّر الكافر)، فما زال العلماء يختلفون في حكمهم على الرجال من غير أن يخون بعضهم بعضا ويتهم بعضهم بعضا، بالغلو أو الإرجاء ولن ندخل في هذا الباب طويلا ..

- أيها المجاهد في سبيل الله، ويا طالب الحق، سواء كنت في ساحات الجهاد أو غيرها، يقول الإمام الشوكاني رحمه الله محذراً من التسرع في التكفير: (اعلم أن الحكم على الرجل المسلم بخروجه من دين الإسلام، ودخوله في الكفر لا ينبغي لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقدم عليه إلا ببرهان أوضح من شمس النهار، فإنه قد ثبت في الأحاديث الصحيحة المروية عن جماعة من الصحابة أن من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما، ففي هذه الأحاديث وما ورد موردها أعظم زاجر، وأكبر واعظ عن التسرع في التكفير).

ويقول أبو حامد الغزالي: (ولا يسارع إلى التكفير إلا الجهلة، فينبغي الاحتراز من التكفير ما وجد الإنسان إلى ذلك سبيلا، فإن استباحة الدماء والأموال من المصلين إلى القبلة خطأ. والخطأ في ترك ألف كافر أهون من الخطأ في سفك محجمة من دم مسلم).

- فاعلم - رحمك الله -، أنه يجب عليك قبل الحكم على المسلم بكفر أن يتحقق تطابق معايير الكفر على الفعل والفاعل لذلك الذي يراه كفراً، وذلك بأن ينظر في أمور:

1 - تحقق وقوع الفعل المكفر من الفاعل ببينة لا إشاعة وقيل وقال .

2 -دلالة الكتاب أو السنة على أن هذا القول أو الفعل موجب للكفر.

3 - انطباق هذا الحكم على القائل المعين أو الفاعل المعين، بحيث تتم شروط التكفير في حقه، وتنتفي الموانع.

يقول الإمام العلامة العلوان فك الله أسره في التبيان: (ليس كلُّ مَن فعل مُكَفِّرًا حُكِمَ بِكُفْره؛ إذِ القول أوِ الفعل قد يكون كفرًا؛ لكن لا يُطْلَق الكفر على القائل أو الفاعل إلاَّ بشرطه).

وقال ابن تيمية في الفتاوى (12/ 487): (التكفير له شروط وموانع قد تنتفي في حق المعين، وأن تكفير المطلق لا يستلزم تكفير المعين، إلا إذا وجدت الشروط، وانتفت الموانع، ييين هذا أن الإمام أحمد وعامة الأئمة الذين أطلقوا هذه العمومات لم يكفروا أكثر من تكلم بهذا الكلام بعينه).

أما المدخل الذي قد أنزلق فيه كثير من المجاهدين ألا وهو مسألة الاستعانة ونعني بالاستعانة هو استعانة المسلم المجاهد في سبيل الله بالكافر ولها صورٌ لا يستطيع طالب الحق إدراك كنه هذا الباب إلا بالإحاطة بها فصور الاستعانة كما يلي:

الصورة الأولى: الاستعانة بالكافر على قتال الكافر، ولتتضح هذه الصورة من صور الاستعانة؛ نضرب لها مثالا واقعا في الشام، فهي كأن يأتي فصيل من الفصائل المقاتلة في الشام، ويأخذ شحنة من الأسلحة من جهة داعمة - وهذه الجهة كافرة بالله -، فيؤخذ الدعم منهم لقتال بشار من دون أن يكون ممثلاً أو معترفاً بتلك الجهة الداعمة، فهذه المسألة بهذه الصورة هي من مسائل الاستعانة.

تنبيهـــان:

1 - إن اعترف الفصيل بتلك الجهة الكافرة، وصار ممثلاً لها، معترفاً ببنودها ومشروعها، فهو جندي لها، وحكمه حكمها، وهو غير داخل في مسألة الاستعانة حينئذٍ.

2 - فرقٌ بين الاستعانة والعمالة ..

أ- فالاستعانة التي يدور حولها حديث أهل العلم هي أن يكون الفصيل المجاهد قائم بجهاده بذاته، ويتقبل الدعم من الجهة الخارجية دون قيد أو اعتراف أو شرط ..

ب - أما العمالة : بأن يكون الفصيل قائم بالداعم معتمد عليه فكفالات جنوده يتلقاها من الخارج وسياراته من الخارج بل وطعام جنوده من الخارج ، لا يفتح معركة إلا بإذن داعمه، فهذا ليس من باب الاستعانة بل العمالة ولو لم يكن ثمة شروط في بداية الأمر إلا أن من هذا حاله فإنه في أي لحظه يقطع دعمه ينهار فهو يخير بين ما يريد داعمه أو الانهيار .. فليست هذه الصورة محل حديثنا ..

وقد يقول قائل هنا: يستحيل أن تعطي تلك الجهة الداعمة الدعم من دون اعترافٍ بها، نقول: ليس الأمر كذلك، فالواقع أنّ أخذ الدعم قد يكون لأجل تقاطع مصالح، أو لقتال عدو مشترك أو غير ذلك.

ولكن لا يعني قولنا ذلك فتح الباب لتلقي الدعم من أي جهةٍ كانت، فلا يخفى خطر تلك الجهة الداعمة، ومآربها التي تريدها، ومكرها التي تريد أن تمكره بدين الله، ولكن حديثنا عن مسألةٍ خطيرة، ألا وهي الحكم بالكفر والردة لمن وقع في ذلك.

الصورة الثانية: الاستعانة بالكافر على قتال مسلم عادل .

الصورة الثالثة: الاستعانة بالكافر على قتال مسلم باغٍ وسنتكلم على كل صورة من هذه الصور بإجمال، ونسهب القول في هذه الصورة الثالثة؛ لأنها الألصق بواقعنا، والأكثر التباساً على كثير من الأخوة.

المسألة الأولى: الاستعانة بالكافر على الكافر:

جاء في أحكام المجاهد بالنفس (1 / 304):

- اتفق الفقهاء أنه يجوز الاستعانة بالكفار في قتال العدو عند الضرورة إلى ذلك لمقتضى القاعدة الفقهية المشهورة (الضرورات تبيح المحظورات).

- واختلفوا في الاستعانة بهم لغير ضرورة إلى قولين:

القول الأول: يحرم الاستعانة بهم لغير ضرورة، وبهذا قال: المالكية، والصحيح من مذهب الحنابلة، وابن حزم.

واستدلوا بما يلي:

1- قوله تعالى: { لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ } (آل عمران: 28).

جاء في سبب نزول هذه الآية: أن عبادة بن الصامت رضي الله عنه كان له حلفاء من اليهود، فلما خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم الأحزاب قال عبادة: يا نبي الله إن معي خمسمائة رجل من اليهود وقد رأيت أن يخرجوا معي فاستظهر بهم على العدو، فنزلت هذه الآية، وهذا دليل على عدم جواز الاستعانة بهم في القتال.

2- قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } (المائدة: 57).

وجه الدلالة: أن هذه الآية وغيرها من الآيات التي تنهي عن مولاة الكفار تضمنت المنع من التأييد والانتصار بالمشركين.

3- عن عائشة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج إلى بدر فتبعه رجل من المشركين فقال: (أتؤمن بالله ورسوله)، قال: لا، قال: (فارجع فلن استعين بمشرك) رواه مسلم.

وجه الدلالة: أن الحديث جاء عام في كل مشرك، فلا يجوز الاستعانة بهم في قتال العدو.

4- أن الكافر لا يؤمن مكره وغائلته لخبث طويته فلا يستعان به.

ونوقش الاستدلال بهذه الأدلة بما يلي:

1- أن أدلة المنع من الاستعانة بالكفار كانت في بدر، ثم رخص في الاستعانة بهم بعد ذلك.

ويمكن الجواب عن هذا: بأن الأصل المنع، وهو باق لعدم الدليل على الرخصة.

2- أما حديث عائشة رضي الله عنها فإن الذي رده النبي - صلى الله عليه وسلم – يوم بدر تفرس فيه الرغبة في الدخول في الإسلام، فرده رجاء أن يسلم، وقد صدق ظنه وأسلم.

والجواب عن هذا: بأن الحديث قوي وعام فلا دليل يمانعه، ولا مخصص يخصصه، وإن وجد حالات استعانة بالكفار فهي محمولة على الضرورة.

القول الثاني: يجوز الاستعانة بالكفار في قتال العدو، وبهذا قال الحنفية، وشرطوا: أن يكون حكم الإسلام هو الغالب، والشافعية، وشرطوا: أن يعرف الإمام حسن رأيهم في المسلمين، ويأمن خيانتهم، وهو رواية عند الحنابلة.

واستدلوا بما يلي:

1- عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (استعان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيهود قينقاع فرضخ لهم، ولم يسهم لهم).

ونوقش هذا: بأن الحديث ضعيف، ولو صح فهو محمول على الاستعانة بهم للضرورة.

2- ما روي (أن صفوان بن أمية شهد حنينا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو مشرك) أخرجه الترمذي والبيهقي في السنن الكبرى وضعفه.

ونوقش هذا: بأن صفوان خرج دون أن يطلب أحد منه الخروج.

3- إن الاستعانة بالكفار على الكفار زيادة كبت وغيظ لهم، والاستعانة بهم كالاستعانة بالكلاب على الكفار.

ويمكن مناقشة هذا: بأن الكافر لا يؤمن مكره وخداعة وفي هذا ضرر على المجاهدين وكشف لأسرارهم.

الخلاصة:

المسألة خلافية كما سبق بيانه، وقد اتفق الفقهاء أنه يجوز الاستعانة بالكفار في قتال العدو عند الضرورة إلى ذلك لمقتضى القاعدة الفقهية المشهورة (الضرورات تبيح المحظورات)، واختلفوا في الاستعانة بهم لغير ضرورة على قولين، فقيل يحرم، وقيل: يجوز بشروط معينة، وهي:

  1. إذا كان حكم الإسلام هو الظاهر بعد غلبة المسلمين على الكفار.
  2. أن تدعو الحاجة إلى الاستعانة بهم.
  3. أن يأمن المسلمون هؤلاء الكفار من حيث حسن النيّة وعدم الخيانة.

مع التنبيه على أن المالكية القائلين بالمنع أجازوا الاستعانة في صور، ومنها:

1- إذا كان خروجهم لخدمة المسلمين، فقد نص المالكية على جواز ذلك، وذلك كأن يستخدموا لهدم، أو حفر، أو نصب شيء، ونحو ذلك.

2- إذا خرج المشركون من تلقاء أنفسهم، فإن المعتمد من مذهب المالكية أنهم لا يُمنعون؛ لأنه لم يكن هنا طلب استعانة بهم، بل هم خرجوا من تلقاء أنفسهم.

وقال ابن القيم في زاد المعاد (3/ 301): (الاستعانة بالمشرك المأمون في الجهاد جائزة عند الحاجة؛ لأن عَيْنه الخزاعي كان كافراً إذ ذاك [إذ أن النبي صلى الله عليه وسلم لما كان بذي الحليفة أرسل عيناً له مشركاً من خزاعة يأتيه بخبر قريش]، وفيه من المصلحة أنه أقرب إلى اختلاطه بالعدو وأخذه أخبارهم).

المسألة الثانية: الاستعانة بالكافر على المسلم العادل، وهذه محل الكلام، ومربط الفرس، وذلك كمن يعين الكافرين على المسلمين، أو يستعين بهم ويدخل تحت مظلة الصليبيين، فهذه ردة عن دين الله، فالاستعانة بالكافر على المسلم حيث تكون الراية للكافر تحرم بالإجماع، بل هو ناقض من نواقض الإسلام، وردة صريحة، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}، قال ابن حزم في المحلي (11/138): ({وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}: إنما هو على ظاهره بأنه كافر من جملة الكفار، وهذا حق لا يختلف فيه اثنان من المسلمين). قول ابن باز رحمه الله تعالى أجمع علماء الإسلام أن من ظاهر الكفار على المسلمين وساعدهم بأي نوع من المساعدة فهو كافر مثلهم.

وقال الشيخ أحمد شاكر (كلمة حق ص 126 ) عن حكم تعاون المسلم مع الإنجليز والفرنسيين أثناء عدوانهم على المسلمين في مصر: ( أما التعاون بأي نوع من أنواع التعاون قل أو كثر فهو الردة الجامحة والكفر الصراح لا يقبل فيه اعتذار ولا ينفع معه تأول سواء كان من أفراد أو جماعات أو حكومات أو زعماء كلهم في الكفر والردة إلا من جهل وأخطأ ثم استدرك فتاب).

وهذا - أي الاستعانة بالكافر على المسلم وإعانة الكفار على المسلمين - هو الناقض الثامن من نواقض الاسلام والذي غيب للأسف عن مناهج الشعوب المسلمة في بلاد المسلمين وحذف من كثير من الكتب وقد نص عليه الشيخ محمد بن عبد الوهاب في نواقض الاسلام

المسألة الثالثة: الاستعانة بالكافر على المسلم الباغي.

وهذه هي المسألة الأدق وهي المزلق الذي بسبب الجهل به هوى كثير من شباب المسلمين في مهاوي تكفير المسلمين بغير حق فاستبيحت به الدماء، واستبيحت أموال المسلمين ممن منهجه التكفير بأدنى الأسباب، مع أن الواجب المعلوم من الدين بالضرورة هو عدم جواز التكفير إلا بدليل أوضح من الشمس كما سبق بيانه، ولكن تجرأ على هذا الأمر من قلّ علمه وخف ورعة، وضعفت تقواه وخوفه من السؤال بين يدي الله تعالى.

ومسألة الاستعانة بالكافر على المسلم الباغي، كمن يستعين بدعم خارجي للقتال الحاصل اليوم في الشام فيما بين الفصائل، فهو ينظر إلى الفصيل الآخر على أنه فصيل بغى عليه وظلمه، ثم من خلال هذا الأمر استعان بالكافر فأخذ مالاً للقتال، فما حكم هذا الفعل؟

نقول: اعلم - رحمني الله وإياك - أن العلماء قد اختلفوا في هذه المسألة اختلافاً عريضاً بين محرم ومجَرِمٍ وبين مبيح في حالات ضيقة، ولكن الأمر الذي لابد أن يدركه كل طالب حق أنه لم يقل أحد من العلماء بكفر من وقع في ذلك الذنب العظيم، فمدار الخلاف بين مؤثم ومجرم ومبيح في حالات ضيقة؛ فتأمل.

وقد قسم العلماء الاستعانة بالكافر على المسلم الباغي إلى قسمين:

  • القسم الأول: أن يعين الكفار على قتال البغاة والراية والتمكين والغلبة والمعركة للكفار فذلك ردة عن دين الله سبحانه وتعالى لأنه تمكين للكفار على بلاد المسلمين واعانة لهم على قتال المسلمين ومظاهرة لهم.
  • القسم الثاني: أن يستعين بالكفار والراية للمسلمين وفي هذا القسم كفر جماعة البغدادي جميع الفصائل المقاتلة حينما قاتلتها إلا ما ندر وكذلك وقع بعض المجاهدين من غير جماعة البغدادي في التكفير في هذا القسم وألتبس عليهم الأمر، نقول القسم الثاني أن يستعين المسلم بالكفار والراية للمسلمين والغلبة لهم.

مسألة: معني قولنا : الراية، أي : الغلبة، والتمكن في حكم الأرض بعد الانتصار في المعركة...

- القول الأول في مسألة الاستعانة بالكفار على قتال البغاة: هو التحريم الشديد والتغليظ، وهو قول جمهور العلماء المالكية والشافعية والحنابلة.

قال النووي في روضة الطالبين وعمدة المفتين 10/60: (لا يجوز أن يستعان عليهم بكفار لأنه لا يجوز تسليط كافر على مسلم).

وقال ابن قدامة رحمه الله في المغني (8/529) : (ولا يستعين على قتالهم بالكفار بحال ولا بمن يرى قتلهم مدبرين وبهذا قال الشافعي).

قال الشافعي في الأم: (ولا يجوز لأهل العدل عندي أن يستعينوا على أهل البغي بأحد من المشركين ذمي ولا حربي ولو كان حكم المسلمين هو الظاهر ولا أجعل لمن خالف دين الله - عز وجل - الذريعة إلى قتل أهل دين الله).

قال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ رحمه الله: (أما استنصار المسلم بالمشرك على الباغي فلم يقل بهذا إلا من شذ واعتمدها القياس ولم ينظر إلى مناط الحكم والجامع بين الأصل وفروعه).

القول الثاني في المسألة: الإباحة بشرط أن تكون الراية لمسلم.

قال ابن حزم رحمه الله :(اختلف الناس في هذا فقالت طائفة لا يجوز أن يستعان عليهم بحربي ولا بذمي ولا بمن يستحل قتالهم مدبرين وهذا قول الشافعي رضي الله عنه وقال أصحاب أبي حنيفة لا بأس بأن يستعان عليهم بأهل الحرب وبأهل الذمة وبأمثالهم من أهل البغي وقد ذكرنا في كتاب الجهاد).

قال السرخسي في المبسوط: (ولا بأس بأن يستعين أهل العدل بقوم من أهل البغي وأهل الذمة على الخوارج إذا كان حكم أهل العدل ظاهراً لأنهم يقاتلون لإعزاز الدين).

فتأمل رحمني الله وإياك أن أحداً من أهل العلم لم يقل بتكفير المخالف في هذه المسألة بل ابن قدامة علل المنع من الاستعانة بالكفار بقوله ولا بمن يرى قتلهم مدبرين أي ولا يجوز الاستعانة على البغاة بمن يرى قتل البغاة مدبرين لأن الفقهاء تكلموا في قتل البغاة أنه لا يقتل مدبرهم فمحل الخلاف هو في مسألة أن الكافر يخشى أن يقتل البغاة مدبرين فلم يذكره في باب مظاهرة الكفار ونحو ذلك وأنظر الى كلام الغزالي رحمه الله حينما سأله ابن العربي عن ملوك الأندلس الذين استعانوا بالكفار على المسلمين..

قال أبو حامد الغزالي: (....فيجب على الأمير وأشياعه قتال هؤلاء المتمردة (ولم يسمهم المرتدين) عن طاعته، ولا سيما وقد استنجدوا بالنصارى المشركين وأوليائهم، ........ إلى أن قال رحمه الله: وإذا قاتلوا، لم يجز أن يتتبع مدبرهم، ولا أن يذفف [لا يجهز] على جريحهم. بل متى سقطت شوكتهم وانهزموا، وجب الكف عنهم، أعني المسلمين منهم دون النصارى).

يقصد بذلك أولئك الذين استعانوا بملوك النصارى على قتال المسلمين في الأندلس.

- بل يقول الإمام حمود بن عقلاء الشعيبي رحمه الله في هذا الباب في كتابه في كتابه القول المختار في حكم الاستعانة بالكفار ص (84): (وقد ذهب بعض العلماء إلى أن من صور الاستعانة بالكفار على أهل البغي ما يكون كفراً).

فليس كل صور الاستعانة على أهل البغي كفراً، بل ان من صور الاستعانة أي بعض صور الاستعانة هي التي تكون كفراً.

ختــاماً:

أيها المبارك ها قد وضعت بين يديك أقوال أهل العلم في مسألة الاستعانة بالكافر على قتال المسلم الباغي.

وإنني في هذا المقام: أذكرك الله وعقوبته وعذابه، وأذكرك خطورة إعمال السيف التكفير في رقاب المسلمين فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: “من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما”، فحينما تطلق حكم الكفر على مسلم، فقد استبحت دمه وماله، فإن لم يكن كذلك، فإن هذا الأمر مكتوب عليك ككبيرة من كبائر الذنوب، وعظيمة من العظائم، فاتق الله .. وتكفيك هذه الكلمة إن كنت تدرك معناها.

وقبل أن تنزل حكم على جماعة من الجماعات - لأجل مسألة الاستعانة -؛ تأمل هذه الإيرادات أولاً:

1- هل المسألة مظاهرة المشركين أم أنها استعانة بكافر على مسلم باغي؟ فإن قلت: ولكن المسلم الذي استعين بالكفار عليه ليس بباغٍ عندي. أقول: هذا رأيك، وأما من استعان بالكافر على قتال هذا الباغي، فإنه يرى هذا المسلم باغياً، ولأجل ذلك استعان بالكافر عليه.

2- هل المستعان به أصلاً كافرٌ مقطوع بكفره أم لا؟ وهذه من الرزايا أن تحكم على مسلم بالكفر، ثم تكفر من استعان به؛ فاعلم - رحمك الله - أنه لو استعان مسلم بمن يراه مسلماً، وأنت تراه كافراً؛ فإنه لا يكفر بذلك قولاً واحداً.

3- ثم تأمل في المسألة التي حكمت فيها بالردة، هل هي مسألة استعانة بكافر، أم أنها مسألة توافقٌ في القتال؛ كأن يأتي الكفار، ويقاتلون هؤلاء البغاة من جهة، ويقاتلهم المسلمون من جهة أخرى.

4- مناط التكفير في المسألة مبني على تمكين الكفر، والكفار.

فعندما يعين المسلم الكافر ويناصره لتكون كلمة الكافر هي العليا فهنا يكون الكفر.

وأما عندما يستعين المسلم بالكافر ليدفع شر مسلم باغٍ، فهنا تعلو كلمة المسلم على مسلم، وتقوى شوكة المسلم على مسلم.

وهذا مقتضي كلام ابن حزم – رحمه الله - في المسألة.

قال – رحمه الله -: (وأما من حملته الحمية من أهل الثَّغر من المسلمين؛ فاستعان بالمشركين الحربيين، وأطلق أيديهم على قتل من خالفه من المسلمين، أو على أخذ أموالهم أو سبيهم.. فإن كانت يده هي الغالبة، وكان الكفار له كأتباع: فهو هالك في غاية الفسوق، ولا يكون بذلك كافراً؛ لأنه لم يأت شيئاً وجب به عليه كفرٌ قرآن أو إجماع. وإن كان حكم الكفار جارياً عليه: فهو بذلك كافر على ما ذكرنا. فإن كانا متساويين لا يجري حكم أحدهما على الآخر، فما نراه بذلك كافراً -والله أعلم-).

5- لم يقل أحد من المخالفين للحنفية بكفر من قال بذلك أو عمل به، فلم يقل أحد من العلماء أن الحنفية كفروا بقولهم بهذه المسألة، أو قالوا كفراً، أو قولهم يفضي إلى الكفر، ونحو ذلك.

تنبيه: لايفهم من قولنا هذا تجويز الاستعانة بالكافر على المسلم الباغي ولا تبرير ذلك ، بل مانراه حرمة ذلك وخطورته لكن ثمة فرق كبير وبون شاسع بين التحريم والتكفير ولايلغي ذلك الفرق إلا أرياب الغلو في التكفير، عافانا الله وإياك.

كتبها أخوك المحب لك/ د. عبدالله محمد المحيسني

 

ZXPt2b.gif