بسم الله الرحمن الرحمن
غيرة النساء
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
وعلى اله وصحبه أجمعين
وبعد
جاءت شريعة الإسلام وقيدت الانفلات في أمر الزواج
فالإسلام جاء وقيد ما كان عند من سبقنا
من الأمم واليهود والنصارى
https://m.youtube.com/watch?v=QKljK_mKPVo
وضبط وقيد ومنع ما كان في الجاهلية من بيوت الدعارة التي تهين المرأة وأبناءها
وتزوج الرجل على المرأة زوجة أخرى لا يقتضي ولا يعني ولا يستلزم نقصا في زوجته السابقة
كما هي الاعتقادات الجاهلية وكما تروج له التمثيليات والقنوات الفاسدة
وقد تزوج رسول الله صلى بعد زواجه بخديجة وبعد زواجه من عائشة رضي الله عنهما
وقد كان لبعض الصحابة زوجتان أو أكثر وهن من الصحابيات
ليس نقصا في الصحابيات
أما كراهية المرأة لزواج زوجها بامرأة أخرى فليس مخالفا للفطرة
ولا تأثم المرأة بكراهية تزوج زوجها بزوجة أخرى
فهذا شعور وكراهية جبلية فطرية
وكذلك كراهية الموت
وكذلك كراهية الخسارة في التجارة
بل وكراهية القتال عندما يطلب مع أنه مطلوب شرعا ليس اعتراضا على الشرع
فكراهة الإنسان الشيء وإن كان مشروعاً لا يضره ما دام لم يكره مشروعيته ،
قال الله تعالى :
( كتب عليكم القتال وهو كره لكم
وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم )
لكن إذا وقع ذلك فلا بد من الرضا بقضاء الله وقدره
العاقل يفعل في أول يوم من المصيبة ما يفعله الجاهل بعد أيام،
ومن لم يصبر صبر الكرام سلا سلو البهائم،
و"الصبر عند الصدمة الأولى" كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله
:
وأما غيرة النساء بعضهن من بعض فتلك ليس مأمورا بها
لكنها من أمور الطباع كالحزن على المصائب
وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه
قال : كلوا غارت امكم
لما كسرت القصعة
وقالت عائشة أو لا يغار مثلى على مثلك
وقالت ما غرت على امرأة ما غرت على خديجة ..."
الاستقامة ج: 2 ص: 7
عن أنس قال كان النبي صلى الله عليه وسلم عند بعض نسائه فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين بصحفة فيها طعام فضربت التي النبي صلى الله عليه وسلم في بيتها يد الخادم فسقطت الصحفة فانفلقت فجمع النبي صلى الله عليه وسلم فلق الصحفة ثم جعل يجمع فيها الطعام الذي كان في الصحفة ويقول غارت أمكم ثم حبس الخادم حتى أتى بصحفة من عند التي هو في بيتها فدفع الصحفة الصحيحة إلى التي كسرت صحفتها وأمسك المكسورة في بيت التي كسرت . رواه البخاري ج: 5 ص: 2003 ح 4927
• ونقل الذهبي في السير عن عائشة أنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذكر خديجة لم يكد يسأم من ثناء عليها واستغفار لها فذكرها يوماً فحملتني الغيرة فقلت : لقد عوضك الله من كبيرة السن . قالت : فرأيته غضب غضباً أسقطت في خلدي وقلت في نفسي اللهم إن أذهبت غضب رسولك عني لم أعد أذكرها بسوء فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم ما لقيت قال :كيف قلت والله لقد آمنت بي إذ كذبني الناس وآوتني إذ رفضني الناس ورزقت منها الولد وحرمتموه مني . قالت : فغدا وراح علي بها شهراً .
وقالت عائشة : ما غرت على امرأة ما غرت على خديجة من كثرة ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرها.
قلت [ والقائل الذهبي ]: وهذا من أعجب شيء أن تغار رضي الله عنها من امرأة عجوز توفيت قبل تزوج النبي صلى الله عليه وسلم بعائشة بمديدة ثم يحميها الله من الغيرة من عدة نسوة يشاركنها في النبي صلى الله عليه وسلم فهذا من ألطاف الله بها وبالنبي صلى الله عليه وسلم لئلا يتكدر عيشهما ولعله إنما خفف أمر الغيرة عليها حب النبي صلى الله عليه وسلم لها وميله إليها فرضي الله عنها وأرضاها . سير أعلام النبلاء ج: 2 ص: 112 و ج: 2 ص: 165
•
بل وأعظم من هذا أن تعمي الغيرة المرأة فترى الأمور على غير حقيقتها .
فعن عائشة قالت : لما تزوج النبي صلى الله عليه وسلم أم سلمة حزنت حزناً شديداً لما ذكروا لنا من جمالها فتلطفت حتى رأيتها فرأيتها والله أضعاف ما وصفت لي في الحسن ، فذكرت ذلك لحفصة - وكانتا يداً واحدة - فقالت : لا والله إن هذه إلا الغيرة ما هي كما تقولين وإنها لجميلة . فرأيتها بعد فكانت كما قالت حفصة ولكني كنت غيرى . سير أعلام النبلاء ج: 2 ص: 209
وإذا استعانت المرأة المؤمنة بالله تعالى فإنه بلطفه ورحمته يخفف عنها ما تجد من آثار الغيرة فلا تتجاوز حدود الطبيعة البشرية .
فعن حبيب بن أبي ثابت قال : قالت أم سلمة : أتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمني وبيننا حجاب فخطبني . فقلت : وما تريد إلي ، ما أقول هذا إلا رغبة لك عن نفسي إني امرأة قد أدبر من سني ، وإني أم أيتام وأنا شديدة الغيرة وأنت يا رسول الله تجمع النساء . قال : أما الغيرة فيذهبها الله وأما السن فأنا أكبر منك وأما أيتامك فعلى الله وعلى رسوله ، فأذنت فتزوجني . سير أعلام النبلاء ج: 2 ص: 204 ـ205
وجاء في الطبقات الكبرى لابن سعد برقم ٩٩٠٠ :
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ
قَالَ : " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ
وَمَعَهُ فِي ذَلِكَ السَّفَرِ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ ، وَأُمُّ سَلَمَةَ
فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى هَوْدَجِ صَفِيَّةَ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ هَوْدَجُ أُمِّ سَلَمَةَ ،
وَكَانَ ذَلِكَ الْيَوْمُ يَوْمَ أُمِّ سَلَمَةَ ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ يَتَحَدَّثُ مَعَ صَفِيَّةَ
فَغَارَتْ أُمُّ سَلَمَةَ وَعَلِمَ رَسُولُ اللَّهِ بَعْدُ أَنَّهَا صَفِيَّةُ ،
فَجَاءَ إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ ، فَقَالَتْ : تَتَحَدَّثُ مَعَ ابْنَةِ الْيَهُودِيِّ فِي يَوْمِي وَأَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ ،
قَالَتْ : ثُمَّ نَدِمَتْ عَلَى تِلْكَ الْمَقَالَةِ ، فَكَانَتْ تَسْتَغْفِرُ مِنْهَا ،
قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، اسْتَغْفِرْ لِي فَإِنَّمَا حَمَلَنِي عَلَى هَذَا الْغَيْرَةُ " .
وعندما كره رسول الله صلى الله عليه وسلم زواج علي بن أبي طالب بابنة أبي جهل الكافر
بين ووضح صلى الله عليه وسلم أن ذلك ليس كراهية لتعدد الزوجات بل هو حلال
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
:
( وَإِنِّي لَسْتُ أُحَرِّمُ حَلَالًا ، وَلَا أُحِلُّ حَرَامًا ) . رواه البخاري (3110) ، ومسلم (2449).
وبين أن الإشكال في كون علي بن أبي طالب خطب ابنة رجل رأس من رؤوس الكفر
فقال رسول الله ( وإِنَّمَا فَاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّي يُؤْذِينِي مَا آذَاهَا ،
وَإِنَّهَا وَاللَّهِ لَا تَجْتَمِعُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ وَبِنْتُ عَدُوِّ اللَّهِ عِنْدَ رَجُلٍ وَاحِدٍ أَبَدًا ) .
فَتَرَكَ عَلِيٌّ الْخِطْبَةَ . رواه البخاري (3110) ، ومسلم (2449) .
قال الحافظ العلامة الإمام ابن القيم رحمه الله في كتاب روضة المحبين
:
"وملاك الغيرة وأعلاها ثلاثة أنواع
غيرة العبد لربه أن تنتهك محارمه وتضيع حدوده
وغيرته على قلبه أن يسكن إلى غيره وأن يأنس بسواه
وغيرته على حرمته أن يتطلع إليها غيره
فالغيرة التي يحبها الله ورسوله دارت على هذه الأنواع الثلاثة
وما عداها فإما من خدع الشيطان وإما بلوى من الله
كغيرة المرأة على زوجها أن يتزوج عليها
فإن قيل فمن أي الأنواع تعدون غيرة فاطمة رضي الله عنها ابنة رسول الله على علي بن أبي طالب رضي الله عنه لما عزم على نكاح ابنة أبي جهل وغيرة رسول الله لها
قيل من الغيرة التي يحبها الله ورسوله
وقد أشار إليها النبي بأنها بضعة منه وأنه يؤذيه ما آذاها ويريبه ما أرابها ولم يكن يحسن ذلك الاجتماع البتة فإن بنت رسول الله لا يحسن أن تجتمع مع بنت عدوه عند رجل فإن هذا في غاية المنافرة..."
تتمنى البنت الزواج فإذا تزوجت عارضت تعدد الزوجات
لا نلومها في كراهية تزوج زوجها بسبب الغيرة لكن لا يجوز كراهية هذا الشرع
سيما ونحن نرى عددا كبيرا من نساء غير متزوجات وهذا خلاف الفطرة والأصل
فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ
ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65)
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله
:
وقوله : ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ) يقسم تعالى بنفسه الكريمة المقدسة : أنه لا يؤمن أحد حتى يحكم الرسول صلى الله عليه وسلم في جميع الأمور ، فما حكم به فهو الحق الذي يجب الانقياد له باطنا وظاهرا ; ولهذا قال : ( ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما ) أي : إذا حكموك يطيعونك في بواطنهم فلا يجدون في أنفسهم حرجا مما حكمت به ، وينقادون له في الظاهر والباطن فيسلمون لذلك تسليما كليا من غير ممانعة ولا مدافعة ولا منازعة ، كما ورد في الحديث : " والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به " .
أبو حمزة
حاتم الفرائضي
رمضان ١٤٣٦
من هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم