JustPaste.it

السلام فى الصلاة / الصلاة والبرزخ


آحمد صبحي منصور في الجمعة 15 ابريل 2016

السلام فى الصلاة / الصلاة والبرزخ

1 ـ جاءتنى هذه الرسالة : ( عزيزي الدكتور أحمد : كنت قرأت في تعليق لك أنك تريد تفاعل أكثر في نشر محتوي الموقع, وأطمئنك أنني أنشر المحتوي لكل من أعرفه ، و أحس فيه بالتفتح و البحث المخلص عن الاجابات من ساعة ما اكتشفت الموقع من يومين, و أن مجهود حضرتك مقدر جدا , وكله بثوابه بإذن الله ,و عندي سؤال يمكن فرعي شوية ، بس بقيت بحاسب في كل حاجة بعملها دلوقتي ، و بحاول أن تكون كل حاجة خالصة لله, : التسليم اللي في اخر الصلاة اللي البعض بيقول مفروض للملائكة (و طبعا الصلاة مفروض خالصة لله) و البعض الاخر بيقول لختم الصلاة . و أنا مش مقتنع اني مفروض بقول لربنا السلام عليكم, مش تجليل و احترام لربنا اني القي السلام .  ايه رأي حضرتك؟ أنا من الاسكندرية,و عايش فيها مواليد 4/3/1992 )

2 ـ شكرا ابنى العزيز ، وجزاك الله جل وعلا خيرا ، وهدانا وإياك الى الصراط المستقيم . ويسعدنى الرد عليك بهذا المقال :

أولا : القرآن الكريم هو الحكم فى تواتر الصلاة

1 ــ عرفنا الصلاة ومارسناها بالتواتر . والتواتر قد يدخله خطأ . وهنا يكون الاحتكام الى القرآن الكريم ، فالقرآن الكريم حكم على ما نتوارثه من عبادات ومن عقائد ، فيها الصحيح وفيها الزائف ، وكتاب الله جل وعلا هو الميزان وهو الحكم (اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ  )(17) الشورى ) وهو الحكم (أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمْ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً ) (114)  الانعام )  . ونزل القرآن الكريم ليحتكم الناس اليه فيما يتوارثون من ( ثوابت ) ، ورفضت قريش هذا الاحتكام  لما أنزل الله جل وعلا تمسكا بما وجدوا عليه أسلافهم ( أى عبادة السلف الصالح ) : (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ (21) لقمان   ) .

2 ـ  قريش توارثت ملة ابراهيم وما فيها من عبادات الصلاة والصوم والحج والصدقات . كانت (تؤدى ) نفس الصلاة بالتواتر من عهد أبيهم اسماعيل الذى كان يأمر أهله بالصلاة والزكاة وكان عند ربه مرضيا ( مريم 55 ) ، ولكنهم كانوا يؤدون الصلاة بمواقيتها وحركاتها مجرد تأدية حركية من قيام وركوع وسجود بلا خشوع مع قيامهم بالصدّ عن سبيل الله وتقديس البشر والحجر وارتكابهم الفواحش زاعمين ان الله جل وعلا أمرهم بها : (وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ (28) الاعراف  ) . أى إبتدعوا دينا إجراميا مع تأديتهم لهذه الصلوات الخمس اليومية بصورة روتينية . لذا وصفها رب العزة بأنها ( مُكاء وتصدية ) : ( وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمْ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (34) وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ (35) الانفال ) . لابد من الخشوع فى الصلاة ولابد من المحافظة عليها بالتقوى بإخلاص الدين لرب العزة جل وعلا ، وبحُسن التعامل مع الناس ، بالخشوع والتقوى تكون ثمرة الصلاة . بدونهما يكون ضياع ثمرة الصلاة . وهذا ما وقع فيه الضالون الذين أضاعوا الصلاة لأنهم إتبعوا الشهوات وماتوا بها دون توبة ، يقول جل وعلا عن صلاتهم الضائعة ثمرتها (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً (59)  إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً (60) مريم )

3 ــ حاربت قريش الاسلام والقرآن والرسول عليه السلام حرصا على نفوذها ثم اضطرت للدخول فى الاسلام حرصا أيضا على نفوذها ، وبعد موت النبى إستغلت الاسلام فى إقامة امبراطورية عالمية خلال عهد الخلفاء الراشدين ، وفيها كان حرصها على ( تأدية ) الصلاة وإقامة المساجد ، بنفس الصورة النمطية من استغلال الدين فى سبيل الحُطام الدنيوى . ونشرت قريش المساجد فى امبراطوريتها ونشرت تعليم الصلاة ، وتوارثنا نفس الصلاة ، مع رتوش من التحريف شأن أى متوارث ، والحلُّ هو الاحتكام الى القرآن الكريم فيما وجدنا عليه آباءنا .إن عارض القرآن تركناه وإن وافقه فعلناه .

4 ـ وبالاحتكام للقرآن الكريم عرفنا أن التحيات تخالف القرآن الكريم ، التشهد هو الآية 18 من سورة آل عمران .( شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18) ) فهى شهادة الاسلام والتى يشهد بها الله جل وعلا ويشهد بها الملائكة ويشهد بها المؤمنون أولو العلم .  ثم ان هذه التحيات مُسيئة لرب العزة مخالفة للقرآن الكريم ، ثم هى منسوبة للصحابة وليس للنبى وانها مُخترعة فى عصر عمر بن الخطاب ولها صيغ مختلفة. وق أوضحنا هذا فى كتابنا المنشور هنا عن الصلاة فى القرآن الكريم .

5 ــ  وبالاحتكام للقرآن عرفنا أن قصر الصلاة هو فى الخوف فقط ، إما خوف ضياع وقتها  (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ (238) فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (239) البقرة    ) أو عند الحرب (   وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنْ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوّاً مُبِيناً (101). النساء ) . ومنهج القرآن الكريم فى تشريع العبادات ـ وهى متوارثة ـ أن يأتى بتفصيل التشريع الجديد فيها فقط . وهذا ما حدث فى تشريع قصر الصلاة والطهارة قبل الصلاة ، وفى أعذار الافطار فى الصوم وتفصيلات الحج . أما المتوارث الذى لم يلحقه تغيير عند نزول القرآن فلم يتعرض له القرآن الكريم . وإذا طرأ تغيير جديد فى هذا المتوارث فالاحتكام يكون بشأنه للقرآن الكريم ، فنحن علينا أن نعرض عقائدنا وعباداتنا على ميزان القرآن ، فهو الحكم وهو الميزان ، حتى لا تضيع ثمرة عباداتنا ونفاجأ بها يوم القيامة وقد ضاعت وأُحبطت وصارت مثل السراب : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (39) النور  )

ثانيا : بالنسبة لختم الصلاة بالسلام عليكم ، فلا يوجد تعارض مع القرآن الكريم .

1 ـ  فالسلام إسم الرحمن جل وعلا ، وهو جل وعلا مصدر الرحمة ، وكل منا مُحاط بملائكة تسجل عليه أعماله وأقواله وهناك ملائكة الرحمن تدعو للمؤمنين .الصلاة تبدأ بالتكبير ( الله أكبر ) ويتخللها التسبيح والتحميد والدعاء وكل هذا بالخشوع . ثم التشهد ، ثم حتم الصلاة بالسلام على الملائكة وملكى تسجيل الأعمال . هذا لا يتعارض مع كتاب الله جل وعلا .

2 ـ  المؤمنون الملتزمون بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة يكون مصيرهم الجنة هم ومن صلح من آبائهم وذرياتهم وأزواجهم ، وعليهم تدخل الملائكة من كل باب يسلمون عليهم : (  جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ  وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (23) سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (24) الرعد  )أى نحن نسلم عليهم فى الدنيا فى صلاتنا دون أن نراهم ، ولو أفلحنا ودخلنا الجنة سنراهم يدخلون علينا يردون السلام .

3 ـ نحن نسلم عليهم فى ختم الصلاة وهم يستغفرون للذين آمنوا ويدعون ربهم أن يدخلهم الجنة وهم من صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم ، وأن يقيهم عذاب الجحيم وأن يقيهم السيئات . يقول جل وعلا : (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (7) رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُم وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (8) وَقِهِمْ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9)  غافر    )

4 ـ على العكس يكون موقف الملائكة من الكافرين . ليس بالسلام والتحية ولكن بالتأنيب والتقريع . يبدأ هذا بدخولهم ابواب النار : ( وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ (71) قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (72) الزمر )  والعكس مع أصحاب الجنة : ( وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (73) الزمر  ) يقولون لهم : سلام عليكم .!!

5 ـ وبينما تدخل الملائكة تسلم على المؤمنين فى الجنة فإن ملائكة النار يتولون تعذيب أصحاب النار وتقريعهم : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ (10) قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ (11) ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ (12 ) غافر ) ، أى يقولون لهم : مقت عليكم .

أخيرا : ما الذى لا نعرفه عن الصلاة وعن الملائكة

1 ـ فى إيجاز رائع فى وصف الخاسر يوم القيامة يقول جل وعلا عنه :( فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى (31) القيامة ). التصديق هو الايمان الخالص برب العزة جل وعلا وحده الاها وبكتابه القرآن الكريم وحه حديثا ، ومع الايمان العبادة التى هى الصلة برب العزة جل وعلا ، وهى تتركز وتتمحور حول إقامة الصلاة ، إقامتها فى القلب خشوعا عند تأديتها تكبيرا وقياما وركوعا وسجودا وسلاما ، وإقامتها فى السلوك والجوارح تقوى وإبتعادا عن الفحشاء والمنكر لأن الصلاة الحقيقية المقبولة هى التى تنهى عن الفحشاء والمنكر ( وَأَقِمْ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ  )(45) العنكبوت  ) .  الخاسر هذا يوم القيامة ربما كان فى حياته يُصلّى ، بل ربما كان متشددا متزمتا يطيل القيام والسجود وسيماء السجود على جبهته سوادا . ولكن صلاته كانت ( مٌكاءا وتصدية ) ، كانت هى صلته بالناس ـ وليس برب الناس . كان يرائيهم ليكتسب بصلاته لقبا وجاها ونفوذا وسيطرة وحُطاما دنيويا . وسرعان ما ينفضح إذا ووجه بالحق القرآنى وبالدعوة الى الاحتكام الى القرآن الكريم فيما يرتكب من خطايا وفيما يؤمن به من هجص . عندها يظهر على حقيقته عابدا للشيطان ووحيه الضال .

2 ـ الذى لا نعرفه أن الصلوات الخمس كنز رائع للمؤمن لكى يخاطب ربه جل وعلا ، يدعوه ويرجوه ويسبحه ويحمده قائما وراكعا وساجدا يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه .

3 ـ الذى لا نعرفه أننا وكل المحلوقات المادية وهذه الأرض المادية وما توجد فيها من مجموعة شمسية ونجوم ومجرات هى مجرد مستوى مادى ضعيف ، تتحللها الأرض الثانية ، وهى المستوى البرزخى الأول . فى هذا المستوى البرزخى الأول توجد ملائكة تسجيل الأعمال لكل فرد حى وتوجد فيها شياطين الغواية ، وتوجد فيها أنفس البشر التى تتخلل الجسد وتتتحكم فيه ، ثم عند النوم ترجع الى هذا المستوى البرزخى الأول تستريح لتعود الى جسدها باليقظة . هذا المستوى البرزخى الأول الذى يتخلل أجسادنا وعالمنا المادى ـ هو نفسه يتخلله المستوى البرزخى الثانى للأرض الثالثة ، وهذه الأرض الثالثة تتخللها الأرض الرابعة ، والأرض الرابعة تتخللها الأرض الخامسة والأرض الخامسة تتتخللها الأرض السادسة ، كل مستوى برزخى أعلى يتخلل ما دونه ، ويتخلله ما هو أعلى منه . ونحن وأرضنا المادية فى الدرجة ( الدنيا ) فى هذه ( الدنيا )، ثم تتخلل السماء  الدنيا ببرزخها الأرضين السبع ، ولا تستطيع الشياطين والجن إختراق برزخ السماء الدنيا . وبنفس الحال تتخلل السماء الثانية ما دونها ، وتتخلل السماء الثالثة ما دونها وهكذا الى السماء السابعة . وهذه السماوات السبع التى تتخلل الأرضين السبع هى عرش الرحمن ، والذى يحمله أى يقوم عليه الملأ الأعلى من الملائكة . ويوم القيامة سيتم تدمير كل هذا النظام ويخلق رب العزة نظاما جديدا خالدا بجنته وناره ، حيث يأتى رب العزة والملائكة صفا وصفا ، ويؤتى يومئذ بجهنم : (كَلاَّ إِذَا دُكَّتْ الأَرْضُ دَكّاً دَكّاً (21) وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً (22) وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ  )(23)  الفجر ) ، وفيه تشرق الأرض الجديدة بنور ربها (   وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِوَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ (68) وَأَشْرَقَتْ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (69) وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ (70)  الزمر )

4 ـ الذى لا تعرفه أن كل لحظة زمن تمر بك فى حياتك الدنيا يتم سكبها فى كتاب أعمالك مُحمّلة بالصوت والحركة والألوان وخطرات القلوب ومشاعرها . كلها تصعد من المستوى المادى الى المستوى الأعلى البرزخى فى البرزخ الأول حيث يلازمك ملكا تسجيل الأعمال رقيب وعتيد : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16) إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنْ الْيَمِينِ وَعَنْ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (17) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18) ق  ). وفى النهاية ـ وبعد أن يموت جسدك وتصعد نفسك الى برزخها يتم تسجيل وحفظ أرشيف حياتك فى كتاب أعمالك هذا ، وهو الذى ينتظرك عند البعث لتحمله الى موقف الحساب أمام الرحمن جل وعلا . عملك البدنى بحواسّك وجسدك لا يفنى ، مجرد أن تحرّك يدك فى الهواء ـ يتم تسجيلها ، أى حركة تقوم بها لا تفنى ولا تضيع ، بل ترتفع الى التسجيل فى كتاب أعمالك . ( تطير ) الى أعلى حيث البرزخ الأول ليتم تسجيلها . وهذا معنى قوله جل وعلا : (وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنشُوراً (13) اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً (14) الاسراء  ) تدبر كلمة ( طائره ) أى ما يطير وما يصعد من عمل . يطير الى أى إتجاه ؟ الى البرزخ الذى يعلوك . وتأمل ( ألزمناه ) يعنى حتما لا بد من تسجيل كل ما يطير عنك من عمل ليكون قيدا معلقا بعنقك . فالذى ( يطير ) لا يضيع ، وإنما هو معلق بعنقك لا فكاك منه . وستراه يوم القيامة كتاباه تلقاه منشورا أمامك لتقرأه بنفسك لتكون حسيبا على نفسك بنفسك .

5 ـ الذى لا نعرفه أن أوقات الصلاة بالذات ـ حيث تكون صلة المؤمن بربه ـ يكون فيها جسدك المادى مُخترقا ببرازخ الأرضين الست والسماوات السبع . إذا كانت صلاتك خاشعة خالصة لرب العزة جل وعلا وحده ، وتؤثر فى سلوكك طاعة وبرا وحُسنا فى التعامل وإبتعادا عن الظلم والفحشاء والمنكر ــ فيتم رفعها ليس فقط الى المستوى البرزخى الأول حيث ملائكة تسجيل الأعمال ، ولكن الى مستوى الذين يحملون العرش ويستغفرون للذين آمنوا . يقول جل وعلا عن العمل الصالح بالذات :( إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ) (10) فاطر )

 6 ـ الذى لا نعرفه أن المؤمن عند الصلاة يكون مُخترقا بعوالم البرزخ كلها ، من برازخ الأرضين الست الى برازخ السماوات السبع ، كل هذه البرازخ تتخللك وأنت لا تحسُّ بها ، تراك وأنت لا تراها ، تشعر بك وأنت لاه عنها . هناك ملائكة تسجل عليك كل همسة وكل حركة وكل رعشة وكل إحساس . وفوق ذلك كله فالله جل وعلا محيط بكل شىء (أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ (54) فصلت  )

لذا فإنك حين تختم صلاتك قائلا : ( السلام عليكم ورحمة الله ) فأنت تخاطب عوالم برزخية تحيط بك تسجل أعمالك ومنها الذين يحملون العرش ويستغفرون لك . وإذا كنا من أهل الجنة فستلقاهم يوم القيامة وسيردون لك التحية والسلام وانت فى ( دار السلام ) : (  لَهُمْ دَارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (127)  الانعام   )

ودائما : صدق الله العظيم .!!