JustPaste.it

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

حوار مع الشيخ أبي بصير الطرطوسي (1)

 

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد؛

يؤلمني أن صاحب "الانتصار لأهل التوحيد" بالأمس يفتي اليوم ناصحًا "بعدم جواز الانضمام لبعض أهل التوحيد" في جهادهم ضد الطاغوت النصيري، ولقد كنا في كل مرة نصبر على طعن الشيخ فينا رغم أن طعنه بلغ حد وصفنا بأننا صنيعة المخابرات، ونحن مسامحون في حقوقنا الشخصية، أما أن ينقلب الأمر إلى إصدار الفتاوى بعدم جواز الانضمام لجبهة النصرة، فإن هذا الأمر لا يمكن السكوت عليه، حتى لا يمثل شبهة للبعض، ولو لم يضطرنا الشيخ للرد لما رددنا، وليته إذ أراد النصح أسرّ ولم ينصح على النت فماذا بقي من النصح بعد أن جاءت النصيحة على الشبكة العنكبوتية، وطارت بها المعرفات! فما هكذا تكون النصيحة، وعهدنا أن النصح يكون في السر لا على الملأ، وليست بنصيحة تلك التي تأخذ شكل الفتوى بعدم جواز الانضمام لجبهة النصرة لكونها قاعدة، وليتسع صدر الشيخ لمناقشتنا إياه في ما ذهب إليه.

آملين منه أن لا يعود إلى الإعلام، وإن أراد نصحًا فليبذله لنا في السر مشكورًا، وسيجدنا آذانًا صاغيةً له، على أنَّا لن نأخذ منه ما نرى أنه خطأ، مع كامل احترامنا له ولمنزلته وعلمه، وليست مخالفتنا لما يترجح لديه من آراء نظرًا لما ترجح لنا، هو من مخالفة الشريعة، بل هي في واقعها مخالفة لرأي الشيخ، وإنَّ رأي الشيخ قد يكون صوابًا وقد يكون خطأ، ورأيُنا كذلك، قال صلى الله عليه وسلم: "وإن أرادوك أن ينزلوا على حكم الله فلا تُنزلهم على حكم الله، ولكن أنزلهم على حكمك، فإنك لا تدري أتصيب فيهم حكم الله أم لا" رواه ابن ماجة، وإن مسألة تبعيتنا لتنظيم قاعدة الجهاد -وهي بيعة مؤكدة في أعناقنا- ليست من المسائل التي جاء بها نص إيجابًا أو تحريمًا ابتداءً، بل هي من مسائل الاجتهاد والنظر، النظر في المصالح والمفاسد، فأحرى بمن توصل بعد استفراغ الوسع في الاجتهاد بعيدًا عن حظوظ النفس والعلائق، أحرى به أن يقول: هذا ما ترجح لديّ بحسب نظري مع عذري لمن لا يرى رأيي، ومع إحسان الظن بمن خالفني الرأي خصوصًا إذا كان يبنيه على نظر واجتهاد، لا على العصبية للحزب والجماعة كما رميتنا به -سامحك الله-.

ومعروف أن منهج أهل السنة في مسائل الخلاف الاجتهادي السائغ، أن يعذر بعضهم بعضًا ويسع بعضهم بعضًا ويتأول بعضهم لبعض الأعذار، ويحمل كلامه وفعله على أحسن محملٍ ممكن وهذا إنما تعلمناه من كتب أهل السنة في فقه الخلاف ومنها كتابك "فقه الاختلاف عند أهل السنة وأهل البدع"، وقبل أن أبدأ في نقض الأسباب التي بنيت فتواك عليها لابد أولاً من إطلالة على استراتيجية تنظيم قاعدة الجهاد ورؤيته في التغيير، ثم نثني بذكر الأفكار نقطة فأخرى ونناقشها علّ الشيخ ينتبه لخطئه، أو على الأقل يعذر مخالفيه.

فنقول وبالله التوفيق:

لقد خطط الكفر العالمي ودبر لقرون حتى أضعف الخلافة وقام بسلسلة من المؤامرات والحروب وبذل جهدًا مضنيًا حتى نجح في إسقاطها، ولم يتوقف الكفر عند هذا الحد فراح يضع بعض صمامات الأمان ليضمن عدم عودتها؛ فقسم العالم الإسلامي لأكثر من 50 دولة وخصوصًا قلب العالم العربي و الإسلامي (بلاد الشام) عبر "سايكس بيكو" وزرع الكيان المسخ دويلة يهود في قلب العالم الإسلامي (فلسطين)، وهذان القيدان -سايكس بيكو ومثيلاتها- ووعد بلفور -بإعطاء فلسطين لليهود- هما أعظم قيدين كبل بهما الكفر العالمي أمة الإسلام، وقد بذلت الأمة جهودًا كبيرة حتى تعرفت على حقيقة العدو ومكره ومخططاته، واستفاقت على داعي الجهاد يدعوها لجهاد هذا الكفر، فاستجاب من استجاب ولله الحمد والمنة، وقد جربت الأمة الجهاد على الأساس القطري وفشلت كل التجارب القطرية نظرًا لأنها كانت قاصرة عن رؤية العدو الحقيقي ومخططاته.

هذا الجهاد القطري الذي يسمونه مقاومة بحسب مواثيقهم مسموح به لأنه يقع ضمن قواعد العدو أي ضمن ما رسمه العدو بعد إقامة المنظومات الدولية كالأمم المتحدة ومجلس الأمن وغيرهما، فراح العدو يلهينا بمقاتلة من نصبهم علينا حتى لا ننتبه للعدو الحقيقي وهو مَنْ وضع هؤلاء وجعلهم يجثمون على صدر الأمة، كما رسم لنا العدو ساحة للصراع لا يسمح لنا بتجاوزها وهي ساحة القطر بحسب منطق "سايكس بيكو"، وحين منّ الله على الأمة بالاستفاقة من هذه الدوامة، عرفت أن الجهاد يجب أن يتوجه بالأساس للنظام العالمي وللكفر العالمي الذي أرسى قواعد القطرية وحدودها وشرع لنا المقاومة الوطنية بحسب سايكس بيكو.

وحين أفاقت الأمة ووجهت بنادقها لهذا الكفر، جن جنون الكفر العالمي ممثلاً بأمريكا وحلفائها لأن لعبتهم قد انكشفت وما عاد ينطلي على الأمة باطلهم وراح يضع على قوائم الإرهاب كل من يخرج على تلك القواعد، وقد كان لتنظيم قاعدة الجهاد الفضل الكبير في كشف هذه الحقيقة عبر ضرب رأس الكفر العالمي أمريكا، كما كان له الفضل الكبير في إعادة بث روح الجهاد في هذه الأمة.

إن طبيعة معركتنا بهذا الشكل، وبهذا الحجم، وبهذه الحقيقة، وإن عدونا الحقيقي الذي لا يقبل بالتحييد هو منظومة الكفر العالمي بمجلس أمنه وأممه المتحدة وغيرها من المنظومات العالمية.

وليس أمر هذا العدو كما كان الحال زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقاتل قريشًا دون الروم والفرس، إذ لم تكن قريش مدعومةً من الروم أو الفرس، ولا تنسيق بينهم، ولم يكن هؤلاء ليتدخلوا بما كان يجري في الجزيرة بين المسلمين وقريش، ولو كان حالنا نحن المجاهدين مع حكام بلادنا ومع الكفر العالمي كما كان حال رسول الله صلى الله عليه وسلم مع قريشٍ ومع الروم والفرس لكان من الحمق والطيش فعلاً أن نترك حكامنا ونشتغل بالكفر العالمي، ولكن المعادلة مختلفة تمامًا.

فقريش لم تكن مرتبطةً مع الروم والفرس بالمعاهدات والاتفاقيات، كما لم يكن الروم والفرس هم من نصَّب الطاغوت القرشي ليحكم الجزيرة ويكونوا هم من ورائه يحركونه، ولم يكونوا يشعرون أن معركة قريش هي معركتهم المباشرة، بل لم تكن تلك المعركة تعنيهم أصلاً.

وحالنا الآن على العكس من ذلك، وبناءً عليه جاءت استراتيجية تنظيم قاعدة الجهاد بتوجيه الضربات لرأس الكفر العالمي حتى تتضح حقيقة المعركة في عين أبناء الأمة، وحتى تتقوض مملكته ويضعف سلطانه، ويكف بأسه عنا ويتخلى عن دعم الحكام، وعندها نصفي حسابنا معهم.

فنحن لا نرى فرقًا أبدًا بين الكفر العالمي الخارجي، والكفر المحلي الوطني القطري لأن الجميع حلف واحد يرتبط ارتباطًا مباشرًا ووثيقًا وعبر منظومات متعددة، وضرب أي مكون فيه -أي المحلي- هو ضرب له -أي للدولي- هكذا ينظر الكفر العالمي للمعركة، وإن الكفر العالمي يعتبر جهادنا للكافر القطري الذي نصبه جهادًا له، وعليه فنحن لا نستعديه بل هو عدو مباشر يسعى بكل طاقته وبشتى أنواع القوة ليستأصل شأفة أهل الجهاد.

ولو أن هناك دولةً كافرةً محايدةً لا تشترك في هذا الحلف ضد أهل الإسلام فلن نتعجل استعداءها، ولئن فعلنا فنكون فعلاً طائشين لا سياسة شرعية عندنا، أما والحالة كما ذكرنا، فلا يمكن لنا بحكم الحلف القائم بين الطاغوت المحلي القطري الداخلي والطاغوت الخارجي العالمي، لا يمكن أن نفصل بين العدوين، وهذا ليس باختيارنا بل فرضته علينا طبيعة العدو والمعركة رغمًا عنا، ولو أمكننا أن نفصل بين العدوين لما قصرنا، ولو أمكننا أن نحيِّد أحدًا لفعلنا، ولكنهما وجهان لعملة واحدة.

إن فهمنا هذا لمعادلة الصراع السابقة والتي على أساسها نبني قواعد المواجهة واستراتيجيتها مختلف كما هو واضح بيننا وبينك.

وبعد هذه اللفتة -وعلى أساسها- نناقش مقالك في النقاط التالية:

النقطة الأولى: لقد جاء السؤال مصدرًا بذكر جماعة الدولة وكان الأحرى بالشيخ أن يبدأ جوابه بالتفريق بين منهج جماعة الدولة ومنهج جماعة جبهة النصرة (فرع قاعدة الجهاد في الشام) حتى لا يخيَّل لمن يقرأ الجواب أن جماعة الدولة هي والجبهة في خانةٍ واحدة.

النقطة الثانية: لا أنصح ولا أجيز لأسباب؛ هلّا وجدنا مثل هذا التأصيل في حق أمثال حزم ومعروف حيث لا تخفى ارتباطاتهم بالأجندة الغربية الأمريكية، أين تأصيلاتك في فصائل موك، والفصائل ذات الارتباطات الخارجية؟ أين فتاواك شيخنا في عدم جواز الانضمام لمثل هذه الفصائل، أو للفصائل التي تسعى للمصالحة مع النظام النصيري؟ أم أين فتاواك في فصائل الفساد الموجودة في الساحة؟ وإن قلت يسعنا السكوت على المفسد في هذه الفترة لمصلحة مقاتلة النظام أي أن مصلحة مقاتلته للنظام أكبر بكثير من مفسدة إفساده قلنا: أفلا يسعنا هذا الميزان -على قواعدك-، أي أن تقول: نسكت على الضرر والمفسدة المترتبة على تبعية جبهة النصرة للقاعدة مقابل مصلحة مقاتلتها للنظام، وهذا نقوله تنزلاً على قاعدتك في اعتبار التبعية للقاعدة ضررًا، وإلا فنحن لا نرى ذلك.

النقطة الثالثة: لا تنصح ولا تجيز لأن مسمى القاعدة والانتماء إليه يجلب الضرر ويزعر العالم عسكريًا على الشام وأهله؛ فنقول: المسألة ليست كذلك حسبما أوضحنا في المقدمة، بل الجهاد هو ما يزعر العالم عسكريًا، خصوصًا وأن الجهاد قد اقترب من الأرض المقدسة، سواء كان هذا باسم القاعدة أم بغيره، ألا ترى تكالب العالم على حماس رغم أنها ليست قاعدة ولا على منهج القاعدة حتى.

ثم إن هذه النتائج التي رتبتها على التسمي بالقاعدة حاصلٌ نفسها في أي جهاد، فهل يا ترى نترك الجهاد لو ترتب عليه نفس النتائج! نقول هذا حتى يُعلم أن العبرة ليست بالتسمي بالقاعدة بل بالجهاد على الطريقة التي لا تناسب هوى العدو حسبما أوضحنا سابقًا مما يؤدي إلى هبته ليدافع عن نفسه، وهذا أمرٌ بدهي في صراع الحق والباطل.

وإذا كان أي جهاد سيحصل في الشام سيكون له نفس المصير -أي إذا كان هذا الجهاد غير قابل للاحتواء من طرف الغرب، وكان جهادًا لا يؤمن بالقطرية ولذلك لا يرى فرقًا بين المهاجرين والأنصار- فبات التسمي بالقاعدة وعدمه سواء وغدا هذا وصفًا غير مؤثر ومناطًا لا يصلح للاعتبار، وبحسب قواعد الأصول في تنقيح المناط وبالنظر في العلل التي تصلح ليناط بها الحكم والتي لا تصلح، نرى أن العلة التي جعلت الكفر يقف مع بشار ليس كوننا قاعدة، بل كوننا نجاهد بشكل لا يروق الغرب ولا يتماشى مع القواعد التي أرساها الكفر وسار عليها العالم عشرات العقود في القرن الماضي، نجاهد وفق أصولٍ وثوابت لا يرضى عنها الكفار. فهذا هو المناط الذي يصلح للاحتجاج وليس التسمي بالقاعدة، وأيما جماعةٍ تقاتل بتلك الثوابت سيرميها الكفر عن قوسٍ واحدة ولو لم تسمِّ نفسها بالقاعدة. وبهذا تبطل العلة والسبب الأول ومثله الثاني: فإن مجازر بشار ما تمت ابتداءً إلا بمباركة الكفر العالمي، ولولا الضوء الأخضر من النظام العالمي لبشار لما تجرأ على ارتكاب المجازر ابتداءً ولا ننسى أن المجازر بدأت منذ الأسبوع الأول لانطلاق الثورة المباركة، ولك أن تتذكر مجزرة درعا أول الثورة، وكذا مجزرة الساعة في حمص والبيضا في بانياس، كما لك أن تتذكر بعد ذلك مجزرة اللطامنة والحولة وغيرها الكثير، وكل هذا قبل أن نعلن أننا قاعدة.

ألا تذكر المبعوث العربي ثم الدولي، والممثل تلو الممثل، والهدن تلو الهدن التي أعطاها النظام العالمي المنافق لبشار عله يستطيع سحق الثورة التي تتحول إلى جهاد يكبر يومًا بعد يوم، ثم لنفرض أننا لم نعلن عن بيعتنا للقاعدة فهل سيسمح الكفر العالمي لنا نحن المجاهدين بإزاحة حكم بشار وإقامة حكم إسلامي بدلاً عنه على تخوم يهود، وفي هذا الكفر عرق ينبض أو عين تطرف!!؟

النقطة الرابعة: القول بأن قعدنة الثورة الشامية يحمّل الشام جميع أعمال القاعدة سابقًا وحالاً ومستقبلاً وفي جميع الأمصار؛ هو قول غير صحيح ولا سديد، وكنا نتمنى أن لا تستخدم مثل هذه المصطلحات "قعدنة الثورة"، ومن يقرأ كلامك يخيل إليه وكأن القاعدة شر محض، ولسنا بصدد التكلم عن القاعدة في الساحات الأخرى ولكن ألا ترى شيخنا الفاضل أن فرع القاعدة في الشام (جبهة النصرة) يحمل على عاتقه -دون التقليل من عمل أحد- إزالة ما نزل بأهل الشام من العسر والشدة -قدر المستطاع-.

هل رأيت جبهة النصرة أعنتت أهل الشام أم دافعت عنهم وحمتهم، وبذلت ما تستطيعه فداءً لهم، ولم تأل جهدًا في الجانب العسكري والخدمي والطبي وغيره، ولكن نحن في حرب ضروس، ولكل هذا فقد أحب أهل الشام جبهة النصرة، وإن أهل الشام لا تعني لهم الأسماء شيئًا إنما يهمهم من يدافع عنهم وعن دينهم وعرضهم وكرامتهم ويبذل دمه دون منٍّ في سبيلهم. فهل ترى جبهة النصرة قصرت في هذا؟!

إن أهل الشام لا مشكلة لهم مع القاعدة (جبهة النصرة) التي أحبوها ورفعوا راياتها، إن المشكلة مع القاعدة ليست عند أهل الشام وإنما المشكلة هي عند البعض الذي يتترس بأهل الشام، وهذا البعض أصناف: صنف يدعي أن أهل الشام لا يريدون القاعدة والحقيقة أن أسياده الداعمين هم الذين لا يريدون القاعدة وليس أهل الشام، وقسم منهم إنما يأخذ الدعم بشرط الوقوف في وجه القاعدة، وهناك أصناف أخرى دون ذلك وفوقه.
بمعنى أن بعض الفصائل تجعل الطعن بالقاعدة والجبهة قربانًا تقدمه بين يدي أخذها للدعم، وصداقًا لخطب ود من تقيم معه علاقة غير شرعية من دول الردة وأنظمة الكفر.

أما أهل الشام المساكين فلهم الله كم لبس عباءتهم وتكلم باسمهم من لا يمثلهم وأرجو أن تعلم أني لا أقصدك بهذا، لكن أرجو أن لا تضع نفسك في مثل هذه المواضع، أو أن لا يخدم كلامك مثل هؤلاء. ولولا حسد من يحسد وغيرته وتجييش آخرين، فضلاً عن إعلام العدو، مضافًا إليه فتاوى من مثل فتواك لما رأيت أحدًا من أهل الشام يهمه أمر "اسم القاعدة" أو ارتباط جبهة النصرة بها.

النقطة الخامسة: إذا كان انتماؤنا للقاعدة (جبهة النصرة) يضيِّق علينا واسعًا كما ذكرت شيخنا الفاضل، فهذا هو طريق الجهاد الذي نفهمه من قول الصحابة رضي الله عنهم أثناء بيعتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن إخراجه اليوم مفارقة العرب كافة، وقتل خياركم، وأن تعضكم السيوف" أخرجه أحمد وغيره. ونحن نعلم أن الجهاد قد يترتب عليه كل الذي ذكرتَ، ولكن هذا قدَر المجاهد، وحالنا مع هذا سؤالنا لله أن يجعلنا في مرتبة الصابرين، و أن يجعلنا ممن يشملهم بقوله: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ}﴿السجدة: ٢٤﴾، وما ذكرته من نتائج هي مترتبة على الجهاد على أي حال باسم القاعدة أو بغيره.

وأما أن أُصبح مطلوبًا مطاردًا أُضطر للتخفي والعمل السري فلا عليَّ في ذلك فقد فعلها من هم خير مني وهذا هو طريق الأنبياء، فهذا موسى عليه السلام كما قال الله عنه: {فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ}﴿القصص: ٢١﴾، وأما رسولنا صلى الله عليه وسلم فهجرته مع صاحبه سرًا وتخفيهما في الغار ثلاثًا معلومة لكل أحد.

وكل ما ذكرته من نتائج سيترتب علينا بمجرد كوننا مجاهدين ولو لم نكن قاعدة ولك حتى تعلم صدق ما نقول أن تنظر في أساليب مجاهدي القسام وسيرتهم وتخفيهم والنتائج المترتبة على جهادهم وهم ليسوا قاعدة.

ولا بد أن نذكر بأن النظام الدولي الذي زرع اليهود في فلسطين هو نفسه النظام الدولي الذي مكن النصيرية من الشام، فكما أنه لا يسمح أن يمس اليهود بأذى ليحافظ على مملكته عبر استقرار الوتد اليهودي في فلسطين، فكذلك لا يسمح أن يسقط النظام النصيري في الشام لأن اهتزاز الوتد النصيري يهدد استقرار النظام الدولي ومملكته الجاهلية، وهذا يعلمه الكفار ويقاتلوننا على أساسه، وما وضعونا على قوائم الإرهاب إلا لأنا نقاتلهم على هذا الأساس، ويا ليت قومي يعلمون.

النقطة السادسة: قولك أن القاعدة مشروع مواجهة ولا تملك مشروع دولة؛ أرجو ألا يكون كلامك هذا من البهتان، ولست أقصد بهذا اتهامك بالبهتان بشكل مبطن أو غير مباشر وإنما كما قلت تمامًا، وإعمالاً لقاعدة حسن الظن أقول: إن هذا القول نابع من عدم فهمك أو عدم اقتناعك -غفر الله لك- باستراتيجية القاعدة في المواجهة، ومراحل بناء الدولة، ثم إن القاعدة لم تبن دولة بعد حتى تحكم عليها بالفشل.

وإن استراتيجية القاعدة كما وضحها الشيخ الشهيد كما نحسبه أسامة بن لادن -رحمه الله- تقوم على عدم إقامة الدولة في هذه المرحلة حيث إن هناك مراحل ثلاث: النكاية ثم التوازن ثم التمكين، وقد وضح الشيخ رحمه الله في رسائله لكلٍ من اليمن والصومال: أننا لا نقيم الدولة حتى نصل في مستوى جهادنا واستنزافنا للعدو إلى درجة من التوازن معه بحيث نستطيع إقامتها أولاً، والمحافظة عليها من السقوط ثانيًا، وأما قبل ذلك فلا، وإن شئت التوسع فارجع راشدًا إلى رسائل الشيخ المسربة لكل من اليمن والصومال أو ما يعرف بوثائق "أبوت أباد".

ثم إن تجربة القاعدة ليست حدثًا تاريخيًا مرَّ وانقضى حتى تحكم عليها بالفشل في إقامة الدولة بل هي حدث يحدث، وإقامة الدولة بحسب برنامج القاعدة لمَّا يحن بعد، وعليه فلا يصلح وصف تجربتها بالفشل في إقامة الدولة.

وإذا كان: ما لا يدرك كله لا يترك جله، فقد سعت القاعدة في الشام (جبهة النصرة) قدر المستطاع إلى جانب العمل العسكري، سعت عبر الهيئات الشرعية في المناطق المحررة كما في حلب ودرعا والدير في فترة سابقة للقيام مع بعض الفصائل بإدارة المناطق المحررة حتى غدت الهيئات في مرحلة ما وكأنها حكومة قائمة لكن دخلت عوامل أخرى حالت دون استمرار المشروع، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

وأما استشهادك بقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين) فنقول فيه: الحديث صحيح، ولكن احتجاجك به في غير محله، ولتبيان ذلك نقول: لقد جرب المسلمون الجهاد القطري في القرن الماضي في العديد من البلاد كسوريا ومصر وليبيا وغيرها، وقد لُدغ المؤمنون من جحر القطرية مرات وليس مرتين ثم هداهم الله لتدارك هذا الخلل، وعليه فحتى لا يلدغ المؤمنون من نفس الجحر للمرة العاشرة خرجت قاعدة الجهاد -ثبتها الله وسددها- على القواعد التي خطها الكفر العالمي للصراع، وقالت بعالمية المعركة وهذا ليس اختيارًا منها بل هي حقيقة المعركة، ولكن القاعدة بيَّنت ذلك ووضَّحته للأمة، فالمعركة في طبيعتها عالمية سواء عولمناها أم اقتصرنا فيها على حدود القطر الواحد، فالقاعدة أفهمت الأمة حقيقة المعركة وحجمها وأبعادها واتساعها وعالميتها وحقيقة العدو، ولهذا كانت الشراسة ضدها والوضع على قوائم الإرهاب والملاحقة والتضييق وتجفيف المنابع وغير ذلك.

وقبل ختام هذه النقطة نشير إلى أن ما ذُكر آنفًا هي رؤية القاعدة، أما جبهة النصرة (فرع القاعدة بالشام) فلم تبن مشروعها بالأساس عالميًا بل قد جاءتها الأوامر من الشيخ الحكيم (د. أيمن الظواهري حفظه الله) بتركيز جهدها على دفع الصائل النصيري وجهاده حتى إسقاطه وإقامة حكم إسلامي في الشام بدلاً عنه عبر نظام الشورى (أهل الحل والعقد).

النقطة السابعة: لقد نصح الشيخ بالالتحاق بالجماعات المجاهدة العاملة في الشام؛ ثم حددها بقوله: جميع الجماعات المجاهدة العاملة على أرض الشام على اختلاف مسمياتها وعلى ما بينها من تفاوت نسبي ثم وصفها بأنها كلها جماعات مجاهدة صادقة ثم أضاف: فبأيها التحقت وانضممت فلك ذلك، ولك أجر المجاهد إن شاء الله.

وإذا ربطنا هذا مع كلامه السابق نخرج بنتيجة واضحة: اعمل مع أي جماعة أو فصيل قائم على أرض الشام باستثناء جبهة النصرة، فكل الفصائل هي جماعات مجاهدة.

نقول: سبحان الله!! هذا والله العجب الذي لا ينقضي!!

شيخنا؛ هل الفصائل التي تسعى لمصالحة النظام النصيري هي فصائل مجاهدة صادقة وبالتالي فبأيها التحقت وانضممت فلك ذلك ولك أجر المجاهد؟

وهل الفصائل التي دخلت في ركاب أمريكا وحلفها -وإن لم تصدِّق ذلك فهو من الأمور الثابتة لدينا بل ولدى العديد غيرنا- هي فصائل مجاهدة صادقة وبأيها التحقت فلك ذلك ولك أجر المجاهد؟

وأما الجبهة فلا يجوز الانضمام لها نظرًا للضرر المترتب -وهو ضرر مظنون لا متيقن- وإذا كنت قد عللت عدم جواز الانضمام للجبهة بوجود الضرر، ألا ترى أن علة الضرر المظنونة في حالة جبهة النصرة هي متحققة ويقينية في حالة حزم مثلاً؟!! فما بالك تخالف قواعدك وأصولك؟! إن الضرر الذي سيحصل من تسلط أذرع أمريكا على الساحة أكبر ألف مرة من الضرر المترتب على اسم القاعدة، هذا إن كان هناك ضرر أصلاً. فما بالك تعتبر تلك الفصائل المشبوهة مجاهدة صادقة ثم لا تجيز الانضمام للجبهة؟!!

هل أصبحت كل الفصائل مجاهدة صادقة أما جبهة النصرة فلا يجوز الانضمام لها ولا الدخول معها؟

أَبَلغ بك الأمر أن لا تجيز الانضمام لجماعة بمجرد تبعيتها لجماعة قاعدة الجهاد التي كان لها الفضل بعد الله في إحياء روح الجهاد في الأمة، وحمل لواء الجهاد نيابة عن الأمة لعقود، وكان لها الفضل في إحياء العزة من جديد وفي تلقين أمريكا عدوة الله دروسًا لن تنساها حيث مرَّغت وجهها وعفرته بالتراب، ثم تجيز الانضمام لفصائل تفوح منها رائحة العمالة وتصفها بالصدق والجهاد، وما خبر حزم ومعروف عنا ببعيد.

ما قولك في فصائل موك؟!!

ماذا تقول في الفصائل التي حضرت جنيف 2 ووقعت على تسليم حمص للنصيرية؟!!

ماذا تقول فيمن يسعى لإنجاح خطة دي مستورا؟!!

ماذا تقول في بعض من يعمل بأوامر المخابرات الأردنية؟!!

إن شيخ الإسلام (ابن تيمية) وصف أهل الشام ومصر أثناء تصديهم لهجمة التتار بأنهم الطائفة المنصورة على ما فيهم من أشعرية وصوفية وعلى ما عندهم من الذنوب والظلم والفسق، أفلا يسعنا مثل هذا الوصف على الأقل؟! أليس حال جبهة النصرة في جهادها مع أهل الشام ضد النصيرية ومن ورائهم أمم الكفر كحال أهل الشام ومصر ومجاهديها ضد التتار زمن قطز وبيبرس والعز بن عبد السلام وشيخ الإسلام رحمهم الله.

النقطة الثامنة: لقد علق الشيخ فتواه بعدم جواز الانضمام لجبهة النصرة بمناطات لا تصلح للتعليل والاحتجاج، كما سبق وبيناه بشيء من التفصيل في النقاط السابقة.

وعليه؛ فإننا نرى أن هذه الفتوى خاطئة وإنما أُتي صاحبها من جهة نقص علمه بالواقع -مع حسن ظننا بالشيخ-؛ نقص في فهم واقع ومشروع جبهة النصرة، وكذلك قاعدة الجهاد، حيث تناول الموضوع من زاوية لا من كل الزوايا، ونقص في فهم واقع الشام، ونقص في فهم العدو، ونقص في فهم استراتيجية القاعدة في مواجهة هذا العدو، ومعلوم أن المفتي لا يفتي حتى يعرف حكم الله، ويعرف الواقع، ونحن لا نشك في علم الشيخ، لكن أُتي من نقص علم الواقع فجاءت فتواه ناقصة من هذا الباب وبالتالي خاطئة، وكان الأليق به ألا يفتي مثل هذه الفتوى، وفتواه لن تضرنا إن شاء الله، لاقتناعنا بخطئها ونربأ بالشيخ أن يسلك مثل هذا المسلك، وندعوه لمراجعتها فقد أصابت امرأة وأخطأ عمر، ولولا أن نصيحة الشيخ جاءت على شكل فتوى وعلى العلن لما كتبنا حرفًا واحدًا.

ونهيب بالشيخ أن لا يعود لمثلها، فيكفينا ما نتلقاه من أعدائنا، ونحب أن ننوه قبل الختام أن كل ما مضى ليس ردًا على شخص الشيخ وإنما على تيار فكري عام يمثل الشيخ واحدًا منه، وهو نفس السبب الذي دعا الشيخ أبا بصير ليرد على الشيخ الألباني رحمه الله كما ذكره الشيخ في بداية كتابه ( الانتصار لأهل التوحيد).

وفي الختام: نسأل الله أن يهدينا لما اختلف فيه من الحق بإذنه، كما نسأله أن يحشرنا إخوانًا على سرر متقابلين.

وللحوار مع الشيخ بقية...

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

وكتب

أبو عبد الله الشامي