JustPaste.it
User avatar
@anonymous · Dec 31, 2014

الجزء الثالث

الشام تشتعل (أحداث الأتارب وما بعدها)
1 - تذكير
-----------

ذكرنا في الحلقة السابقة متى وكيف وأين اشتعلت الأحداث تحديداً ووضحنا كيف كانت الدولة فصيلاً مرحباً به كباقي الفصائل قبل الأحداث الثلاثة (أبو عبيدة البنشي – محمد فارس – مسكنة) ووضحنا كيف اعتقل حاجز الدولة أبو عبيدة البنشي قبل أن يطلق عليه النار ، ثم وضحنا أن المجاهدين غفروا لها هذه الزلة إلى أن قام بعض أفراد الدولة بقتل محمد فارس ، ومرة أخرى غفر المجاهدون هذه الزلة ، ولكن بعد أحداث مدينة مسكنة بدا واضحاً لباقي الفصائل أن الأمر أكبر من أن يكون أخطاء فردية وأن شيئاً آخر خلف تلك التجاوزات وأن سياسة العفو هذه لا يمكن أن تستمر ضد فصيل صار واضحاً أنه يزرع في عقول شبابه أفكاراً تسببت في إراقة هذه الدماء حتى وإن لم يأمرهم بها مباشرة ..

وقلنا كلمتنا الشهيرة : هذه الأخطاء فردية في ظاهرها منهجية فكرية في باطنها .. وبدأت الشام تسمع لهجة تكفيرية غريبة على الآذان خاصة بعد أحداث مسكنة التي تعرضنا في الحلقة السابقة لأسباب اشتعالها (فقط) دون الخوض في تفاصيلها ..


2 - أصعب أيام عاشتها المناطق المحررة
---------------------------------------------

ثم أتت أحداث الأتارب وكانت أول مواجهة مسلحة مفتوحة بين الدولة وعدة كتائب سواء إسلامية أو غير إسلامية ..

هذه المرحلة كانت من أصعب المراحل على المستوى النفسي والأمني فقد عاش أهل المناطق المحررة أياماً صعبة ، فتجمد الزحف ضد العدو النصيري وتحولت فوهات السلاح للداخل ودب الذعر بين الناس ، وكنا ننام ونصحو فنجد قتلى بالطرقات لا نعرف من القاتل ومن المقتول وفيمَ قُتل ، وانتشر الهلع واختلطت الأوراق والتزم الناس بيوتهم ، و وجد الذعار واللصوص ضالتهم في هذا المناخ الهوليودي ، و (بدأت) الدولة في استخدام وسائل غريبة جداً لتأديب خصومها كإرسالها انتحاريين داخل سيارات مفخخة ، ولم تستمع الدولة لأي ناصح أو داعٍ للتهدئة (ورغم ذلك كنت ألمس للدولة منزلة في قلوب البعض ، وكان الناس يستوقفوننا ويسألوننا السؤال الشهير:

يا شيخ ما رأيك في الدولة؟)

وسواء كنت من محبي الأخ عبد الله المحيسني أو تتحفظ عليه تبقى شهادة الرجل الشهيرة معبرة جداً عن تلك الحقبة الزمنية ، وكان لشهادته أصداء واسعة (وإن كنت لا أوافقه على قليل مما جاء فيها) ، وسأقتبس من شهادته بتصرف يسير بعض العبارات التي وصفت حال تلك الأيام بسلاسة أغبطه عليها فقد أغنتني عن كتابة الكثير:

جاء ذلك اليوم، يومَ الخميس يومَ بدايةِ الأحداثِ (يقصد أحداث الأتارب) ومن قَدَر اللهِ أن كنتُ حاضراً لأول طلقةٍ أُطلقتْ في هذه الأحداثِ في الأتارب، فدخلتُ حينها فإذا بأهلِ الأتارب في شدةِ الغضبِ، وأُطلقَ النارُ باتجاهنا ظناً منهم أننا من الدولةِ ، فدخلتُ فسألتُ: ما الأمرُ؟ عسى اللهُ أن يَحقنَ بي الدماءَ.. فقالوا لي:

دخلتْ الدولةُ على الأتارب وأرادتْ اعتقالَ أحدِنا فقلنا لا يُمكنُ أن يُؤخذَ إلا عن طريقِ محكمةٍ شرعيةٍ ، فذهب من جاء من الدولة، فلما كان من الغد خُطفَ الأخُ المطلوبِ ووجدنا جثتَه، يقولُ أهلُ الأتارب قتلَهُ خطابُ الليبي (من الدولة) ، فقلتُ لهم ألا تنتظرون لعلي أن أتفاوضَ مع الدولةِ ؟ قالوا كيف تتفاوضُ معهم وهم في كلِ مرةٍ يرفضون مبادراتك ويرفضون المحاكمَ الشرعية ؟!

فخرجتُ حينها هائماً حزيناً أشكو إلى الله بثي وهمي، فاندلَعَتِ الاشتباكاتُ بالثقيل في الأتارب فانسحبتْ الدولة، وبجوار الأتارب (موقع الفوج٤٦) وفيه عددٌ من الكتائبِ منها شهداءُ الأتاربِ ومنها جبهةُ النصرةِ ومنها جبهةُ ثوارِ سوريا ، فاقتحمتْ الدولةُ على الفوجِ فَقُتِلَ من النصرةِ ١٠ وعددٌ من غيرهِم وعلى إِثْرِ ذلك اتسعتْ رقعةُ المعاركِ ضد الدولةِ لتصلَ جبل الزاويةِ والرقةَ وحماةَ، وكلُ فصيلٍ له في الفوج ٤٦ حقٌ اشتبك مع الدولةِ في مناطقَ أخرى (غضباً لمن قتلتهمُ الدولةُ في الفوج 46) ، وهنا جاءت مساندةٌ من الدولةِ للأتارب، وطريقُها يمرُ بكتائبِ نورِ الدين زنكي فرفضَ جنودُ زنكي مرورَ المساندةِ (قائلين): لا يُمكن أن نسمحَ لكم ولا للجيش الحر بالمرور، فلن نكون جسراً للفتنة ، فأرادتْ الدولةُ الدخولَ بالقوةِ فرفضَ زنكي، وتم الاشتباكُ فاشتعلتْ مناطقُ حلبِ الغربية، بالرغم من كون زنكي له علاقةٌ طيبةٌ بالدولةِ (سابقاً) ، وعلى الرغم من أن كتائبَ زنكي كانت معروفةً ببلائها الحسنِ في الجهادِ ضد النظام.

ثم مع ما كان عندَ الكتائبِ من مظالمَ سابقةٍ مع الدولةِ حاولتْ كلُ كتيبةٍ أن تَستَرِدَّ مظلمَتَها، وقام كلُ من له مظلمةٌ سابقةٌ مع الدولة باستردادِ مظلمتِه ، فاشتعلت الشام ، ثم تسلقَ بعد ذلك السُراقُ والخونةُ وطَفِقَ النظامُ يُشعلُ هنا وهناك فاختلطَ الأمرُ .. فليس الأمرُ كما يُصورُ البعضُ (أنها) حربٌ على الإسلام أو على إقامةِ دولةِ الإسلامِ ، وإلا فلو كان كذلك فَلِم لم تَحدثْ تلك الأحداث ، ولِمَ لم تنفتحْ تلك الجبهاتُ على جبهةِ النصرةِ تنظيمِ القاعدةِ الذي عُرف عداءُ أنظمةِ العالمِ كلِّها له ، ذلك التنظيمُ الذي بدأه شيخُ المجاهدين أسامةُ تقبله الله ثم تلاه حكيمُ الأمةِ الشيخُ الظواهري حفظه الله ، وليس عداءَ الناسِ دليلٌ على صدقِ منهجِك ..
فمن التغريرِ بالناسِ زعمُ أن كثرةَ الخصومِ دليلٌ على صحةِ المنهجِ ، بل قد يكون دليلاً على كثرةِ المظالمِ والشدةِ على الناس ، وهو والذي نفسي بيده رأيتُه ، وسَأُسْأَلُ عنه أمامَ الله، ولن أنسى ذلك اليوم حينما خطبتُ في جامعِ الأتارب قبلَ الأحداث ، فاحتشد الناسُ حولي يشكونَ لي مظالمَ كبيرةً وقعتْ عليهم من الدولةِ ، ولا أَملِكُ لهم حولاً ولا قوة، وإني لأقسمُ بالله لقد رأيتُ مظالمَ يشيبُ لها الولدانُ ، ارتُكبتْ مِن قِبَلِ الدولةِ في الشامِ ، وكانت سبباً لما وصلنا له اليوم، والله المستعان..

فكم رأينا من معتقلين في السجونِ بلا ذنبٍ أو تُهمة.. وكم رأينا قتلاً بالشُّبهة وتصفياتٍ لمعتقَلين ، ولعل آخرَها في هذه الأحداث حينما كنت أتفاوضُ لإطلاقِ سراحِ إخوتي أسرى الدولة ومبادلتِهم ، ففوجئتُ بقاضيْ الدولةِ يقولُ: قد اجتهدنا فصفّيناهم.. فَصُعِقْتُ من هذا الكلام، وقلتُ: هل ترونهم مرتدين؟ قال: لا، ولكن اجتهدنا في ذلك، قلت: وإخوانُنا الأسرى الذين نريدُ أن نبادلَ بهم ما حالهم؟ فقال هذا اجتهادُنا !!

وليست أحداثُ قصفِ مدينةِ عويجل بقذائفِ الهاونِ وقتلِ النساءِ والأطفال منا ببعيد، وقد وقفت على ذلك بنفسي ، وحين قلتُ لقادةِ الدولةِ: كيف تضربون الناسَ بالمفخخاتِ والله يقول ((وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا))؟!

فقال: مفخخةٌ واحدةٌ تقتلُ عشرين يعصمُ اللهُ بها المئات!!

فحسبنا الله ونعم الوكيل..

ولسنا ننكرُ وجودَ مظالمَ بل فظائعَ من جماعاتٍ في الجيشِ الحُرّ وغيرها، ولكننا نتكلمُ عن مشروعٍ إسلاميٍّ يُرادُ له أن يكون أنموذجاً لتحكيمِ شرعِ اللهِ والاهتداءِ بهدي رسولِه ..
... ثم بعد أن استعرَ الأمرُ واختلطَ على الناسِ .. قلتُ لا حلَ لهذا الخلافِ إلا بشرعِ الله .. وقلتُ إن في إطلاق مبادرةٍ تدعو لتحكيمِ شرعِ الله في ظل هذا النزاعِ قطعٌ للطريق على الصحواتِ وغيرِهم فأطلقنا (مبادرة الأمة)،واشترطنا فيها أن يكونَ القضاةُ ممن عُرف منهجُهم لاسيما في مسألةِ تحكيمِ شرعِ اللهِ تعالى والكفرِ بالطاغوتِ ونبذِ كل ما يخالفُ المشروعَ الإسلاميَّ ، وعرضنا مدةً لقبولِ هذه المبادرةِ فإذا بالأمةِ وعلمائِها يؤيدونها وعلى رأسهِم علماءٌ كبارٌ ابتُلوا في ذات الله بلاءً عظيماً (بل بعضُهم لا يزالُ في السجون) فمن المؤيدين: الشيخ المجاهدُ أبو قتادةَ الفلسطيني وأبو محمدِ المقدسي و د. إياد قنيبي و د.يوسف الأحمد و د. أكرم حجازي والشيخ حسين محمود وغيرُهم، ثم أعلنتِ الجماعاتُ المختلفةُ بصالحِها وطالحِها القبولَ بشرعِ الله حكماً بينها ؛ لينتهي الخلاف في الشام ولنعود لقتال النظام النصيري الذي بغى وطغى على المستضعفين ، فوافقت كلُ الكتائبِ على التحاكمِ لشرعِ الله ، أما إخوانُنا في الدولةِ هداهم اللهُ فقد أصدروا بياناً مفادُه عدمُ القبولِ بالتحاكم لشرعِ الله إلا بشروط فرضوها على خصومهم ليست في كتاب الله ولا في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ..

فاتّسعَت رقعةُ القتالُ وبدأتِ الأخبارُ تُشاعُ، والأكاذيبُ تُذاعُ، وأن هناك أخواتٌ يُغتصَبن، ويعلمُ اللهُ لقد ذهبت في أكثرَ من موقفٍ فوجدتُ الأمرَ مجردَ إشاعةٍ لا وجود لها ، وربما وقعت بعضُ الأمورِ والأحداثُ، ولكن الحديثَ عنها يتمُّ بطريقة يُرادُ منها تجييشُ الشبابِ للانخراطِ في اقتتالِ المسلمين فيما بينهم..

فأصبح كلُّ من أراد التورُّعَ وأحجم عن القتالِ يقالُ له: كيف تخذلُ إخوانَك وكيف تتركُ أخواتِك يُغتصبن؟! فيا سبحان ربي، إن كنا حقاً نريدُ نصرةَ أخواتِنا وصيانةَ أعراضِهنَّ فلنرضَ بشرعِ اللهِ تعالى حكماً بيننا لتتوقفَ الفوضى ويستمرَّ الجهادُ فلا تُراقُ حينئذٍ الدماءُ ولا تُنتهكُ يومئذ الأعراض.. ولما دعونا الناسَ لاعتزالِ الفتنةِ فإذا بالمفخخاتِ تضربُ في أماكنَ عامةٍ ، ووالذي نفسي بيده لقد وقفتُ بنفسي على كثير منها، على مفخخةٍ في دركوش انفجرتْ في مكانٍ عامٍ فسألتُ واليَ الدولةِ قلت: من استهدفتم؟
قال: قتلتْ ثلاثين من خصومِنا..

فذهبت رغم المخاطرة ووقفتُ بنفسي عليها فإذا بها لم تَقتلْ سوى من فجَّر نفسَه ورجلاً من عامةِ الناسِ وجرحتْ أربعةَ أطفالٍ، ومثلُها وقفتُ عليها في كفرناها قُتلَ فيها طفلٌ ومن فجر نفسَه ، وأخرى في كفرجوم قُتل فيها من فجر نفسَه فقط !!

وقفتُ على كل هذه بنفسي، يعلمُ اللهُ أنها شهادةٌ سأشهدُ بها بين يديْ ربِّ العالمين، فأستحلفكم بالله إخوتي ،،أمِن أجلِ هذا خرجنا من بيوتِنا؟

أهذه نصرةُ المستضعفين الذين قال الله فيهم: ((وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ))

يا سبحان ربي هل أرواحُ شبابِنا رخيصةً إلى هذا الحدّ؛ فيُزَجُّ بها في المفخخاتِ لتقتلَ أطفالاً ورجالاً عصم الله دماءهم..

ثم بأيِّ حقٍّ تُفجّرُ المفخخاتُ في مقرّاتِ إخوانِكم من الأحرارِ والتوحيدِ وغيرِهم فتقتلَ إخوانًا لكم يجاهدون ولم يثبتْ على أعيانِهم دمٌ ولا رِدّةٌ؟
ثم على فرضِ أنّ بينَكم وبين فصائلِهم مظالمُ؛ أفيكونُ القصاصُ بهذا الشكلِ؟

ألم يقُلِ اللهُ: ((وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنصُورًا))؟!

يا الله !! ماذا سيفعلُ من فخَّخَ ومن فجّرَ ومن أرسلَ ومن أيّد.. ماذا سيفعلون بـ “لا إله إلا الله” إذا جاءتهم يوم القيامة؟!

ماذا سيقولون لذلك الطفلِ الصغير، ولذلك الشيخِ الكبير، ماذا سيقولون للنفوسِ الزكيةِ المعصومةِ التي ضربتها تلك المفخخةُ بلا ذنب!!

حاولوا إسقاطَ جميعِ العلماءِ حتى علماءَ الجهادِ الذين ابتُلوا في دينِ الله كشيخِنا الأسيرِ سليمانَ العلوان فك اللهُ أسرَهُ وشيخِ المجاهدين المقدسيِّ وأبي قتادةَ الفلسطينيِّ ود. إياد قنيبي والشيخ المحدث عبدالعزيز الطريفي والشيخ يوسف الأحمد.. بل وحتى حكيمِ الأمة (يقصد الظواهري) الذي أفنى عمرَه في الجهادِ وكتب اللهُ على يديه إحياءَ روحِ الجهادِ في الأمةِ بدأ بعضُهم يهمزُ به ويلمز..!

أسألك بالله.. ألم تتساءل: لماذا كلما خالفَ أحدُ العلماءِ والمصلحين الدولةَ في تصرفاتِها ومظالمِها انطلقوا في إسقاطه واتهموه ليصرفوا الناس عن الحقِّ الذي يقولُه؟ فهذا عالمٌ يقالُ عنه: بعيدٌ لا يعرفُ الواقعَ! وآخرُ أسيرٌ لم تُنقل له الحقيقةُ كما هي! وثالثٌ: متحاملٌ! ورابعٌ: جديدٌ لا يعرفُ الساحةَ!! وفي الأخيرِ لا يسلمُ أحدٌ من مثلِ هذا النقدِ إلا من وافقَ الدولة..!

وإنني والله لم أرَ علماءَ الجهادِ في الأرضِ اتفقوا على نقدِ مشروعٍ (إسلاميٍّ) ومخالفتِه كما اتفقوا على نقدِ مشروعِ الدولةِ في الشامِ،

أخي الحبيب.. يعلمُ الله أنني لستُ معادياً لمشروعِ قيامِ الخلافةِ الإسلاميةِ، بل لأجلِها نبذلُ مُهجَنا ودماءَنا، لكن على نهجِ النبوةِ، لا بتنفيرِ الناسِ وظلمهمِ وشقِّ صفِّ الجهادِ ورفضِ مبادرات التحاكم لشرعِ الله تحتَ ذرائعَ واهيةٍ ما أنزل الله بها من سلطان لا يصلحُ أن تكونَ حُجةً لصاحبِها))

انتهى كلام المحيسني


3 - الرعونة والتصعيد المستمر
-----------------------------------

وللأمانة التوثيقية نقول: قد تكون الدولة ظُلمت في بداية أحداث الأتارب .. وأقول (قد) لأني لم أطمئن بنسبة 100% لشهادات الشهود الذين حققت معهم بنفسي في هذه الواقعة (عكس الوقائع السابقة والقادمة التي لا أشك في دقتها) ، ولكن الذي لا أشك فيه أن الدولة استفزت الناس قبل ذلك مراراً بإصرارها على سياسة التطهير المنفرد بنفسها دون اللجوء للمحاكم الشرعية ودون تنسيق مع الفصائل الأخرى وباقي الشوكات والعُصَب ، وياليت قراراتها كانت صحيحة حتى يرى الناس فيها "روبن هود" المخلص بل رافق قراراتها أخطاء كبيرة أزهقت معها أرواح أبرياء (راجع الجزء الثاني).

ورغم أني تركت احتمالاً بأن ظلماً ما قد يكون وقع على الدولة (في بداية) أحداث الأتارب إلا أن ردود فعل الدولة على أحداث ا"لأتارب" و "مسكنة" تحديداً أكدت لي أن الدولة تعاني من رعونة شديدة في أدائها فقد كان شعارها (التصعيد المستمر وقطع طريق العودة) كان واضحاً جداً عدم اهتمامها بمحاولات الصلح والتهدئة ، واتضح لي بجلاء نقطة ضعف رهيبة جداً عند هذا التنظيم الوليد هي : ضعف الجانب التفاوضي الدبلوماسي ، فلا أعرف مشكلة انتهت معهم بالتفاهم والتفاوض - إلا نادراً - وكان الوسطاء والصالحون يرجعون عادة محبطين خالين الوفاض (راجع مبادرات المحيسني والأحمد وغيرهم) ..

كانت الدولة تصنع خصوماً جدداً يومياً بطريقة دراماتيكية عجيبة جداً مثل تلك التي ذكرها المحيسني عندما قتلت الدولة 10 من جنود النصرة بالفوج 46 ( وهذه تقريباً أول دماء تقع بين هذين الفصيلين تحديداً عكس ما تروج الدولة) ومثل تلك الواقعة التي صنعت فيها الدولة عدواً عنيداً ك(كتائب نور الدين زنكي) ذلك الفصيل الذي كان له دور في طرد الدولة من المنطقة فيما بعد وهكذا كانت تفقد الدولة أرصدتها يومياً في قلوب أهل الشام وتستجلب عليها العداوات ودعوات أهالي خيرة المجاهدين الذين قتلوا على يدها ..

4 - متواليات القتل والتكفير
-------------------------------

أحد أشهر الملاحظات التي أفزعت أهل الشام من الدولة أيضاً هو القتل ب(الانتساب) وهذه نقطة شديدة الحساسية وتحتاج لتوثيق خاص فمثلاً:
أنت أخ من صقور الشام .. وصقور الشام كانت بجوار الجيش الحر في الأحداث .. الجيش الحر صحوات مرتد .. إذاً حكم الصقور مثل حكم الجيش الحر وبالتالي حكمك مثل حكم الصقور .. حتى لو لم تشارك في أي اقتتال ضد الدولة (راجع قصة قتلهم لأبي المقدام بالجزء الرابع حيث سنعلن عن أسرار جديدة إن شاء الله حول هذه الحادثة المريرة العجيبة)

وهو نفس الشئ الذي فعلوه بعد ذلك بأخ مصري اسمه أحمد عندما اقتحموا مقرات الأحرار بالمنطقة الشرقية ، وكان الأخ قد قدِمَ من مصر منذ أيام فقط ولا يعرف شيئاً عما يحدث ، وكان مُحفِّظاً للقرآن ومعلماً لا علاقة له بالقتال وقد وضَّح لهم ذلك ، ولكنهم قتلوه لمجرد انتمائه للأحرار المرتدين عندهم ..


5 - خصوم الدولة ليسوا سواء
----------------------------------

ولا أنفي أن (بعض) خصوم الدولة (خاصة من الجيش الحر لا الكتائب الإسلامية) توسع في قتل عناصر الدولة بطريقة غير شرعية ، بل اشتهر أن بعض مجرمي الجيش الحر صار يقتل كل مهاجر ظناً منه أن المهاجرين كلهم في صف الدولة ، حتى كنت أتواصل مع بعض إخواني المهاجرين فيخبروني أنهم يختبئون في أماكن سرية كي لا يقتلهم أعداء الدولة رغم أن هؤلاء المهاجرين أنفسهم ضد الدولة

(لكم الله أيها المهاجرون)

وما أشهد به أن أعداداً هائلة من المهاجرين ضد الدولة لا كما يعتقد كثير من أهل الشام ولا حول ولا قوة إلا بالله.

ولا داعي أن نكرر أن "من" الجيش الحر (لا الكتائب الإسلامية) مجرمين يستحقون أن يصلبوا وتقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف ، ووسط هذه الأجواء ومع اشتعال أحداث الأتارب قررت على المستوى الشخصي التأني التام ، فاعتزلت كل هذه الأحداث وأمسكت لساني ولزمت بيتي إلى أن هدأت ، ولا والله ما تلطخت يدي بدم امرئ مسلم ولا حرضت بلساني على أحد الطرفين ، ولكني لا أنكر على من قاتل من يراهم الفئة الباغية ولا أعتبر نفسي أكثر منه ورعاً (باختصار رأي شخصي لم أدعُ إليه ولم أنهَ عن غيره).

كل مظاهر التعنت والرعونة السابقة أدت إلى اشتعال الأحداث ، وفي المقابل استبسل خصوم الدولة استبسالاً عجيباً حتى انتهت تلك الأحداث بطرد الدولة من المناطق الغربية المحررة كاملة واستقرت الدولة في المناطق الشرقية بعد أحداث أخرى دامية يطول شرحها.

6 - لماذا لا يتعاطف أهل الشام مع الدولة؟
------------------------------------------------

مهم جداً هنا أن نقول:
كل ما تعرضه الدولة من مقاطع وصور لضحاياها كان في هذه الفترة (أي بعد أحداث مسكنة) لذلك لا يتعاطف أغلب أهل الشام مع كل صور وفيديوهات ضحايا الدولة ، لأنها مقتطعة من الخط الزمني الكلي للأحداث ، ومقتطعة من التحليل الفكري لمنظري الدولة وثلاثية:


(التحكم والاستعلاء) راجع الجزء الأول http://goo.gl/kKR8uZ

(التحريض الغير مباشر والشحن العقدي والنفسي لأعضائها) راجع الجزء الثاني http://goo.gl/L6C3Mw

(التكفير) انتظر الجزء الرابع ..

وبما أن القتل والتكفير صديقان حميمان عبر التاريخ ، فقد قررت أن أُفرِدَ الجزء الرابع لكل مشاهداتي التكفيرية عند الدولة التي رأيت بعضها بعيني أو حكاها لي الثقات الذين وثقتُ شهادتهم بنفسي بسند متصل ، ومنهم من اعتقل داخل سجون الدولة فسمع من شرعييها بنفسه ورآها من داخل الداخل.

وقبل أن ننتقل إلى الجزء الرابع والذي أراه أخطر الأجزاء أستحسن أن أترككم مع جملة بليغة قالها المحيسني في شهادته ، أظنُّ أن أكثرنا بحاجة أن يذكر نفسه بها رغم بساطتها وشهرة محتواها :

((إن القضية ليست قضية عواطف وشعارات ولكنها قضية مشروع تفنى دونه أرواحنا ودماؤنا))