الجزء الأول
قبل البدء أنبه على أمرين هامين:
أ - ينبغي على القارئ أن يفهم جيداً أن الهدف الأكبر من هذه المذكرات ليس تقييم الدولة بل إثراء التاريخ الجهادي والوقوف على الدروس والعبر المستفادة من التجربة السورية عموماً وتجربة الدولة خصوصاً حتى تنتفع بها أجيال جديدة.
ب - قراءة المقدمة http://goo.gl/8klxGl
1- منذ البداية ..
------------------
التحقت بالثورة السورية مبكراً – منذ سنتين - على يد أخي وحبيبي المجاهد الداعية الخلوق الشهيد - نحسبه - أبو معاذ همام رحمه الله وكان جلّ عمله مع حركة أحرار الشام.. وبما أني ضيف على همام فقد وجدت نفسي محاطاً بالأحرار - جزاهم الله خيراً - وبعد 40 يوماً قدمت فيها بعض خدماتي للأحرار قررت الاستقلال التام وعدم الانتماء لأي فصيل .. قررت أن أظل صديقاً وفياً للجميع ولازال هذا حالي للآن ..
وبمناسبة ذكر أحرار الشام فهذه شهادتي عليهم:
دخلت مقراتهم وشاركت في أكثر من معركة معهم ضد النظام ولثقتهم بي (رغم أني لا أنتمي لهم أكرر) رأيت مقراتهم من الداخل وما رأيته يسمح لي أن أقول أنهم : من خير الناس .. أهل رباط وبأس .. آخر من يبدأ بالشر وأكثر من مد يده بالسلام .. لهم منزلة ومحبة بين الناس .. عشرات المشروعات الخدمية والدعوية .. يهتمون بالعلم الشرعي حتى كانوا يُحسدون على اكتظاظ مكتبهم الشرعي الذي خسر 4 من أبرز الشرعيين بالشام في واقعة مقتل قادة الأحرار الشهيرة (لازلت أؤكد أن سبب مقتلهم غير معلوم وراجع http://goo.gl/ZsNuVd) ..
أما في الجبهات فهم من أكثر الفصائل خوضاً للمعارك وتقديماً للشهداء .. ومما أستحسن ذكره هنا أني رأيت غير واحد من شرعيي الأحرار يعلم شبابهم الكفر بالديموقراطية ويحذر من الانخراط في المسالك السياسية الانبطاحية ويؤكد على أهمية الشريعة وعقيدة الولاء والبراء .. ولا أعلم تزكية لهم أكبر من انضمام أبي خالد السوري لصفوفهم .. أبو خالد (رحمه الله) ربيب الجهاد ورفيق ابن لادن وبقية جيل الصفوة .. هؤلاء الأحرار عند الدولة (مرتدون) كما سنبين !!
ملحوظة: رغم كل احترامي للأحرار إلا أني لا أتفق معهم اتفاق تطابق وينبغي أن يوثق التاريخ أمراً هاماً هو : حدوث تغير فكري رهيب لأغلب شرعيي الأحرار وقادتها في الفترة الأخيرة وتحديداً قبل أشهر قليلة من حادثة استشهاد القادة رحمهم الله .. ولا زلت أبحث هذا التطور الذي حدث لهم بعناية للحكم عليه إيجاباً أو سلباً ولكن بوجه عام أستطيع أن أقول بل أجزم أن ثورة فكرية كبيرة حدثت (لعدد كبير) من قادة الأحرار وشرعييها على أفكار التيار الجهادي ورسالة أبو أيمن الحموي (نحو منهج رشيد) خير دليل على ذلك .. ثورة تنقيح لمناهج المدارس السلفية والجهادية تبدأ من المدرسة السلفية النجدية وتنتهي بتجربة الدولة مروراً بفكر القاعدة ..
2 - ما بعد أول 40 يوم ..
----------------------
بعد هذه الفترة التي قضيتها ضيفاً على الأحرار قررت أن أنطلق لأشاهد وأخدم الجهاد مع فصائل أخرى ومن زوايا أخرى .. وبسبب السمعة الطيبة وحرصي على خدمة تلك الكيانات التي استضافتني تكرر نفس المشهد مع عدة كتائب إسلامية ومعسكرات تدريب ومدارس ومعاهد شرعية ففتح الجميع لي صدورهم وكنت أخدم الجميع أخوةً ومحبةً دون انتماء ..
أثناء دورتي هذه لاحظت أن الإخوة متباينون جداً في أفكارهم ولكن كان هناك نوع من الشباب له لهجة لا يخطئها عارف بالتيار الإسلامي .. لهجة ذات نبرة تكفيرية عالية .. تتكرر على ألسنتهم كلمة (مرتد) أكثر من غيرهم .. كنت أتجنب هؤلاء الإخوة ولا تستهويني حواراتهم فقد شبعت منها منذ أكثر من 15 سنة وقرأت أغلب أدبيات التيار الجهادي والحركي الإخواني والمنهجي السلفي وأصبح لا يستهويني إعادة المعاد وتكرار المكرر فكان تركيزي منصباً على الجهاد ضد النظام والدعوة والتربية والتطوير الإداري ..
وبالمناسبة : بعد تأسيس الدولة بقرابة سنة كنت كلما سألت على أحد أصحاب هذه النبرة العالية كان يأتيني الخبر أنه التحق بالدولة ..
3 - مفترق طرق تاريخي:
------------------------
بدأت مشاكل الدولة مع الكتائب الأخرى عقب الانفصال الشهير بين الدولة والنصرة (4 – 2013) أي حتى قبل زمن طويل من إعلانها الخلافة (6 - 2014) وعندما حدث هذا الانفصال ظهر جلياً أننا أمام مسارين في المناطق المحررة:
المسار الأول : يمكن تسميته ب(التطهير الداخلي الفوري) وهذا المسار اختارته الدولة ويقتضي القضاء العاجل على العملاء والجواسيس وبذور الصحوات والمفسدين المنتشرين بيننا والحق أن أغلب من اتهمتهم الدولة بهذه التهم (في البداية) كان ينطبق عليهم هذا الوصف ووضعت كلمة (في البداية) بين قوسين لأنها توسعت بعد ذلك في إلصاق هذه الأوصاف توسعاً عجيباً هيج الجميع ضدها ..
المسار الثاني : وهو مسار جميع المجموعات الأخرى تقريباً ويرى : أن التطهير الداخلي له فاتورة باهظة فالمفسدون كُثر وكذلك بذور الصحوات ورافضو الشريعة واستعداء هؤلاء الآن يفتح علينا جبهة مرهقة إضافة لأن أغلب هؤلاء لهم شوكات وعُصب سواء:
• عصب عشائرية ولاؤها للقبيلة والمساس بأحد أبنائها ربما أقام القبيلة كلها.
• أو عصابات مفسدة سارقة مسلحة تلبس لباس المجاهدين وتظهر بصورة الكتائب الثورية.
• أو شوكات وعُصب ثورية حقيقية مدعومة ومسلحةً غربياً ويجري إعدادها لاستلام البلاد بعد سقوط النظام وإقصاء المشروع الإسلامي وتأسيس دولة ليبرالية.
لكني أشهد أيضاً أن أصحاب المسار الثاني قاموا بمواجهة بعض المفسدين والمندسين ولكن كان هذا في حدود ضيقة ..
هنا أتت واحدة من اللحظات الفارقة .. لحظة تحول كبيرة في تاريخ الثورة السورية ومفترق طرق أدى لانفجار عدة أحداث .. فالدولة اختارت التخلص الفوري من (العدو القريب) بينما اختارت باقي الفصائل الفراغ من (العدو البعيد) أولاً فقد أدركوا أن مسار الدولة سيفتح معركة داخلية كبيرة غير معركة النظام وإضافة لمعركة قد بدأت ضد المشروع الكردي ..
ويلحق بهذه النقطة نقطة أخرى شديدة الالتصاق:
هل نبدأ (الآن) بتطبيق الشريعة والحدود أم نتمهل؟
ومرة أخرى رأت الدولة ضرورة استعجال هذه اللحظة بينما رأى الآخرون أن الوقت لم يحن بعد..
وهنا أذكر واقعتين:
• حدثني أحد الأصدقاء وهو قاض بأحد المحاكم الشرعية التي أسستها بعض الفصائل أنه اعتزل القضاء واعتذر عن استكمال العمل بالمحكمة فلما سألته عن السبب قال: نقضي ولا تنفذ أحكامنا (يقصد أنه لا توجد قوة أمنية شرطية حقيقية قادرة على تنفيذ الحكم).
• وأذكر أني كنت بجوار أحد المحاكم الشرعية وإذا صياح وتجمع كبير حول المحكمة عرفت بعدها أن المحكمة قضت بعقاب أحد السارقين فأتى أخوه ومعه قوة مسلحة ليس فقط لأخذ أخيه بل توعد بتصفية القاضي نفسه وأشهر مسدسه في الهواء مهدداً من يقترب منه (أو شيئاً نحو ذلك) ..
وبالتالي فإن المكون الفكري والشرعي لشباب الدولة في جزئية (استقرار وأمن المناطق المحررة) كان يدفعهم تجاه فكرة واحدة هي:
تأسيس دولة مستقلة والانفصال بها والسيطرة عليها ونزع السلاح من جميع التنظيمات بها عدا الحكومة ولا سبيل لاستتباب الأمن إلا بهذا وإلا سيعيش كل مفسد وجاسوس بيننا معتمداً على شوكته ..
أما أصحاب المدرسة الأخرى فكانت رؤيتهم كالتالي: لا داعي أن تنفصل ببقعة من الأرض وتؤسس عليها دولتك وتستعجل عداء رافضي الفكرة .. يمكنك أن تضم قوتك لقوة المحاكم الشرعية واللجان الأمنية بحيث يتفرق دم المجرم بين الفصائل دون اصطدام بالحاضنة الشعبية ونمر بسلام من مرحلة الحرب مع النظام وبعدها ستأتي مرحلة تأسيس الدولة بطريقة طبيعية .. وكان رد الدولة دائماً على هذا الطرح يتلخص في:
إذا لم نفعلها الآن فلن نفعلها أبداً ..
4 - نفسية ما وراء القتل:
----------------------------
عودة إلى الأحداث .. في البداية (أقصد في الفترة التي بين الانفصال الشهير وبين إعلان الخلافة) لاحظت من خلال تتبعي لنبرة وتصرفات شباب الدولة ثقة كبيرة لعل مصدرها:
• شعورهم بأنهم دولة .. دولة لها ماض بالعراق .. و ولي أمر له بيعة .. دولة لها سيطرة على مساحة كبيرة من الأرض يمكن الاحتجاج بها على الاعتراض الشهير الذي يقول : (أنتم فصيل عادي من ضمن الفصائل) ..
• الثقة بأن التيار الإسلامي الآن أصبح يميل لفكرة الأبيض والأسود بدلاً من الألوان الرمادية خاصة بعد فشل التجارب الإسلامية الديموقراطية التوافقية ..
• الاطمئنان لفكرة أن الناس ستفرح بالتخلص من بعض المفسدين المتواجدين بالمناطق المحررة (وفعلاً فرح أناس كثيرون بذلك) ، حكت لي امرأة أن أحد المجرمين بمنطقتها تحرش بها مراراً وهددها بتشويه سمعتها إذا لم تمكنه من نفسها وكان معروفاً بمجاهرته بشرب المخدرات وغيرها من ألوان الفساد إلى أن قتله شباب الدولة وخلصوا الناس من شروره وبارك الناس ذلك ، وكانت هذه المرأة تحكي لي هذا وتدعو لهم ..
أحد العصابات المشهورة بريف حلب (اسمه مشهور جدا) كان له حاجز معروف يأخذ الإتاوات من الناس وكان يحتجز من يحاول مقاومته وربما فتح النار على من لا يقف على حاجزه وحكى لي أحد أصدقائي كيف اعتقله هذا الحاجز مرة وحكى لي عن وسائل التعذيب داخل حاجز هذه العصابة وأيضاً أتت الدولة ونسفت هذا الحاجز وهذه العصابة نسفاً ولا يزال الناس يسيرون بأمان في هذا الطريق حتى كتابة هذه السطور.
• ثقتهم أن التيار الإسلامي سيتعاطف مع فكرة تأسيس دولة إسلامية تجمع شمله وتحميه من ذلك التشرذم ..
• أضف لكل هذا اجتماع الأسباب المادية أيضاً فقد ورثت الدولة من النصرة تركة كبيرة من السلاح والمستودعات ورؤوس الأموال.
كل هذه الأسباب كونت ثقة داخل صناع القرار بالدولة وجعلتهم يستبشرون بنجاح مهمتهم .. وبالفعل بدأت الدولة بنصب حواجز لها في أماكن كثيرة كي تشرف بنفسها على عملية استتباب الأمن والقبض على المفسدين،
وهنا بدأت الرياح تجري بما لا تشتهي سفن الدولة وحدثت أول واقعة قتل ..
تابع الجزء الثاني : http://goo.gl/L6C3Mw