JustPaste.it
سيرة الهداة مع من لم يبايعهم ليست سيرة الطغاة والغلاة

 

بسم الله الرحمن الرحيم.
السؤال : الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
قال تعالى: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) النحل، من الآية: 43.
من مجاهد في سبيل الله تعالى إلى فضيلة الشيخ أبي محمد المقدسي حفظه الله تعالى ورعاه
فضيلة الشيخ ما رأيكم في هذا الكلام الخطير الملقى على عواهنه من قبل المسمى:
[أبو الخباب العراقي] هداه الله تعالى.
يقول في فاقرة جديدة من الفواقر التي توالت على أمة الإسلام ما يلي:
‏[لعل الله أن ييسر إخراج بحث في وجوب قتال الطوائف الممتنعة عن النزول تحت راية الخلافة، وفق ضوابط السياسة الشرعية.
فأمر صحة الخلافة قد حسم] انتهى كلامه.
وقد أصدر شريكه في العار ـ الجهل ـ أبو عبد الرحمان رائد الليبي بحثا يقرر فيه تلك المسألة، وهو بعنوان: (قتال الممتنع عن بيعة الخليفة) وهذا رابطه.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
حرر السؤال بتاريخ: 06 رجب 1436 هجرية

الجواب :
                                                                                                   سيرة الهداة مع من لم يبايعهم
                                                                                                    ليست سيرة الطغاة والغلاة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
وبعد فقد قرأت السؤال المذكور أعلاه وكونه وجه لي بالاسم كما وجه إلى غيري من المشايخ الأفاضل ؛ فقد أحببت أن أدلي بدلوي باختصار لعلمي أن من المشايخ وطلبة العلم من قد ذكر أو أعلن ووعد من قبل أن له في المسألة ردا مفصلا .. فكفانا مؤونة الرد المفصل ..
فأقول : قد كثر الحديث عن كون جماعة الدولة تقتل أو تعتقل من لم يبايعها سواء امتنع بطائفة أو كان فردا مقدورا عليه ونقل لي إخوة من الأنصار ذلك وأن طائفة منهم خيّرت بين البيعة والقتل وأن منهم من قتلوا بالفعل لأجل عدم بيعتهم ، وكان هذا في وقت مبكر من تحرير جماعة الدولة للموصل من أيدي النظام الرافضي في العراق وإعلانهم للخلافة ، الإعلان الذي رتبوا عليه كل ما للإمام القوام على أهل الاسلام فيمن هم تحت سلطانهم ومن هم خارجها من حقوق الإمامة لا واجباتها ..
وفي المقابل أنكر أنصار الدولة الذين تواصلت معهم سابقا ذلك وادعوا أنهم لا يجبرون أحدا على البيعة ولا يقتلونه لامتناعه عنها ..
وقد أوردت دعوى الطائفتين هنا ولم أكتم ذلك ..
إلى أن خرج المدعو أبو خباب العراقي فوعد بإخراج بحث له في قتال من سماهم بالطوائف الممتنعة عن النزول تحت راية الخلافة وها أنا أرى أيضا شخصا آخر مذكورا في السؤال قد شاركه في هذه الفتنة ..
ومعلوم أن السفاهة والسطحية في فهم النصوص والنقول والفتاوى تغلب على كثير من أتباع الدولة الذين نراهم في المرئيات يحزون الرؤوس بقرارات ميدانية تحكم على الناس أمام الكاميرات بالردة والقتل ؛ وأن هؤلاء الحريصين على التصوير في تلك المرئيات لن يفهموا من أمثال هذه الفتاوى إلا قتل من لم يبايع دولتهم وسفك دم من يخالف خليفتهم إذ هم يفعلونه قبل صدور هذه الفتاوى وبدونها فلن تزيد أمثالهم إلا عتوا وإجراما وسفكا لدماء المخالفين ..
فهل هذه المسميات أو المعرفات ( أبو خباب ورائد ) تعترف بهم الدولة وتعتبرهم من شرعييها حتى تحسب عليها طوامهم هذه وتحسب دعواتهم وتسعيراتهم للفتن على جماعة الدولة ؟؟ أم أنها منهم براء فلا نأخذهم بجريرة تخبطاتهم ودعواتهم الدموية الخبيثة هذه ؟
هذا يجب أن تقرره جماعة الدولة بذراعها الإعلامية الطويلة فهي قادرة على ذلك لو شاءت ، فيجب عليها البيان عاجلا غير آجل لأن هذه دعوة خبيثة لتسعير الفتنة وزيادة سفك الدماء ستتحمل بسكوتها مسؤوليتها ، فكم سفك أتباعها دماءا زكية قبل هذه الدعوة وبدونها ؛ فلا يجوز لها أن تهمل إنكار هذه الدعوة الخبيثة ، ولا يسعها السكوت عنها وقد نسب أصحابها أنفسهم وفتاويهم إليها وجادلوا بها عنها .. فتفتح بسكوتها مزيدا من أبواب سفك الدماء على أيدي سفهائها ، فلا عذر لها في السكوت ؛ خصوصا وقد حاسبت مشايخ وكفرّهم بعض أنصارها لترخصهم بسكوت لم ينسب فيه إليهم باطل ولا تلفظوا به ولا وافقوا عليه !!
لقد خسرت جماعة الدولة أكثر وأبرز العلماء وطلبة العلم المتقدمين بالإصرار على أخطائها وعدم قبولها النصح والتوجيه ممن كانت تعدهم مشايخها ، فلما رأوا إصرارها على أخطائها ومكابرتها عن قبول النصح ؛ نأوا بأنفسهم عن تأييدها لما رأوه من تعنتها وإصرارها على كثير من الانحرافات العقدية والمنهجية التي ناصحوها بها ؛ حتى جاء أمثال هؤلاء المجاهيل الحدثاء أبو خباب ورائد الليبي ينظّرون لها ويؤزّونها إلى الباطل ويحرضون أتباعها على سفك الدماء ، ولولا أن أنصار الدولة على مواقع التواصل يصدّرون هؤلاء الجهلاء وينشرون خربشاتهم وتخبطاتهم ، ويلمعونهم ويبجّلونهم لما اشتغلت شخصيا في جواب على هذا السؤال حتى ولو بهذا الاختصار، فمطلوب من جماعة الدولة أن تحدد موقفها منهم .. وقد حسبوا بتصفيق الأتباع عليها ..
وهؤلاء المسؤول عنهم سواء منهم من أخرج سفههم هذا تسعيرا للفتن وتحريضا على سفك الدماء المعصومة بغير حق أو لم يخرجوه ؛ فالواجب على عقلاء الدولة ومن يغار منهم على الدين والشريعة وحرمات المسلمين وتهمّه دماءهم ؛ أن يوقفهم عند حدهم وينكر عليهم باطلهم؛ وليتذكروا أنهم قد رمونا كذبا وزورا بأننا ممن تورط بدماء أتباع دولتهم وحرض على قتلهم زعموا تطبيقا للمثل القائل ( رمتني بدائها وانسلت) والله خصيمهم في هذه الفرية التي سأحاججهم عليها بين يدي الله ..
وأنا هنا أكتفي بأنني أؤكد ما عنونت به هذا الجواب : من أن هذا الذي دعوا إليه من قتل من امتنع من بيعة خليفتهم فردا كان أو طائفة هو هدي الظلمة أمثال قتلة الحسين رضي الله عنه وطريقة الطغاة أمثال الحجاج ومن سار على دربه من الظلمة والطغاة إلى يومنا هذا ؛ يقتلون ويعدمون ويحبسون ويعاقبون كل مخالف لسلطتهم ، ويأطرون على الدخول في طاعتهم أطرا بقوة السلاح والقانون ..
وهؤلاء ينتحلون من أقاويل الفقهاء في الإمامة العظمى ما ينزلونه على جماعتهم بعد أن سموا أميرها بمسمى الخلافة وجعلوا له مقام الإمام القوام على أهل الاسلام عموما؛ ليرتبوا على مخالفهم آثار تلك النصوص وينزلوها ويفعلونها فيمن عارضهم ، كما ينزلها المرجئة أولياء الطواغيت في طواغيتهم الذين يدعون لهم الولاية والامامة أيضا فيغرون الطواغيت بكل مخالف ومعارض لأولياء أمورهم، أوكما ينزل الطغاة قوانينهم على كل مخالف ومعارض ..
وهكذا ضاع المستضعفون وابتلي المجاهدون بين طغيان الطغاة وظلم الغلاة .. فالغلاة يقتلون مخالفيهم بسيف خليفتهم ومسماه ، والمرجئة يقتلونهم بسيف الطغاة ..
وكلا الطائفتين يركبون مركب الشريعة ويستعملون أدلتها لنصرة قياداتهم ؛ ويسخرون لأنفسهم ولأمرائهم النصوص والمصطلحاة الفقهية ..
فلا يبرر سفك الدماء الزكية زج مسمى (الطائفة الممتنعة) عن البيعة في فتواهم ،لأن هذا فساد فرع مبني على فساد أصلهم ، كما هو شأن المرجئة من علماء السلاطين حين يصفون طواغيتهم بالامامة ثم يرتبون على وصف المعارض لهم بالخروج والمروق والحرابة والإفساد في الأرض ، أو قل هو نتيجة خاطئة مبنية على مقدمة خاطئة وهي دعواهم أن أميرهم بمجرد تسميتهم له بخليفة للمسلمين قد ترتبت له حقوق الإمامة العظمى على الأمة جمعاء دون أن تجب للأمة عليه واجباتها ؛ فقد أبطلوا بمجرد انتحال هذا الاسم بيعات الجماعات الجهادية الأخرى وهددوا بفلق هامات من خالفهم رسميا وأعلنوه ..
كما أن تطبيقاتهم على الواقع تدل على أن هذا يشمل عندهم من امتنع بطائفة وغيره، وكثير من سفهائهم لا يعرف ولا يميز معنى الامتناع ، ويخلط ولا يفرق بين الامتناع عن الشرع والامتناع عن طاعتهم وبيعتهم ، ويدخل كل ذلك في الحرابة المكفرة التي تبيح عندهم حز الرقاب والواقع أكبر شاهد وبرهان ..
وأما هدي الهداة من الصحابة والسلف الصالح فبخلاف ذلك تماما فقد مكث علي بن أبي طالب ستة أشهر لم يبايع أبا بكر الصديق الذي هو خير من البغدادي ودولته وجماعته وما آذاه أبو بكر ولا تعرض له بقول أو فعل ..
وكذلك سعد بن عبادة أحد نقباء بيعة العقبة ومن خيار الصحابة البدريين لم يبايع لا الصديق ولا الفاروق ومات ولم يبايع بحسب ما أورده الذهبي وأهل التواريخ ، وما تعرض له أو لقتله من نعليهما خير من الغلاة ودولتهم .. مع أن سعدا كان رأسا في عشيرته الخزرج وسيدها وله أعظم الأثر عليها ..
وما خالف في هذا إلا الروافض الذين ادعوا - كما يريد هاذان المجهولان المذكوران في السؤال اليوم الدعوة إليه – ادعى الروافض أنه قُتل لأنه لم يبايع ..
وكذلك عليا رضي الله عنه لم يقتل الممتنعين عن بيعته أمثال عبد الله بن عمر و سعد بن أبي وقاص وصهيب الرومي مع أن بعضهم كان يدعو الناس إلى عدم بيعته ..
فهكذا كان هدي الهداة فيما نقل لنا الرواة وحدثنا عنهم التاريخ حين حكموا الأمم وساسوا الشعوب ..
وهديهم المشرق هذا هو هدي خير الناس ، وهو بخلاف هدي الطغاة والغلاة الذين يقتلون أو يعذبون أو يسجنون من خالفهم أو لم يبايعهم ويدخل في طاعتهم..
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

أبو محمد المقدسي
رجب 1436هـ