JustPaste.it

حكم الأسير إذا أسلم

ذكر الفقهاء أن الأسير إذا أسلم فإنه يسترق ، فما هو حكم الأسير إذا أسلم في زماننا ؟

السائل: توحيد
المجيب: اللجنة الشرعية في المنبر


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين
وصلى الله على نبيه الكريم
وعلى آله وصحبه أجمعين
وبعد :
فقد اتفق أهل العلم أن الأسير إذا أسلم لا يجوز قتله ولكنهم اختلفوا :
هل يتعين استرقاقه أم يبقى الإمام مخيرا في بقية الخصال من المن والفداء
وفي ذالك قولان لأهل العلم :
الأول :
قول للشافعية ورواية عند الحنابلة أن الأسير إذا أسلم يتعين استرقاقه لأن سبب الاسترقاق قد انعقد بالأسر قبل إسلامه فصار كالنساء والذراري فيتعين استرقاقه فقط فلا من ولا فداء .
وهذا القول هو الذي يرد عليه استشكال الأخ السائل الكريم.

القول الثاني :
وهو للشافعية ورواية للحنابلة أن الإمام مخير فيما عدا القتل من المن والفداء لأنه لما سقط القتل بإسلامه بقيت باقي الخصال
قال الشربيني في الإقناع :
(إذا أسلم الأسير وهو رجل حر مكلف قبل أن يختار الإمام فيه شيئاً عصم دمه وهل يصير رقيقاً بنفس الإسلام فيه طريقان أصحهما على قولين أحدهما نعم لأنه أسير محرم القتل فأشبه الصبي وأظهرهما لا يرق بل للإمام أن يسترقه أو يمن أو يفادي والطريق الثاني القطع بالتخيير لأنه كان ثابتاً فلا يزول ).
والقول ببقاء التخيير هو الصحيح وقد ورد في السنة ما يدل عليه .
من ذلك :
- الدليل على مشروعية مفاداة الأسير بعد إسلامه :
عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال : كانت ثقيف حلفاء لبني عقيل ، فأسرت ثقيف رجلين من أصحاب رسول الله وأسر أصحاب رسول الله رجلاً من بني عقيل ، وأصابوا معه العضباء ، فأتى عليه رسول الله وهو في الوثاق ، فقال : يا محمد ، فأتاه فقال : ( ما شأنك ) فقال : بما أخذتني وأخذت سابقة الحاج ؟ يعني العضباء ، فقال : ( أخذتك بجريرة حلفائك ثقيف ) ثم انصرف عنه فناداه فقال يا محمد يا محمد قال وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم رحيما رفيقا فرجع إليه فقال ما شأنك فقال إني مسلم قال لو قلتها وأنت تملك أمرك أفلحت كل الفلاح ثم انصرف عنه فناداه يا محمد يا محمد فأتاه فقال ما شأنك فقال إني جائع فأطعمني وظمآن فاسقني قال هذه حاجتك قال ففدي بالرجلين رواه مسلم في الصحيح عن علي بن حجر وغيره .
- الدليل على مشروعية المن على الأسير بعد إسلامه :
روى أحمد في المسند :
عن الحسن عن الأسود بن سريع أن النبي صلى الله عليه و سلم : أتى بأسير فقال اللهم إني أتوب إليك ولا أتوب إلى محمد فقال النبي صلى الله عليه و سلم عرف الحق لأهله .
وفي لفظ أبي عبيد في كتاب الأموال زيادة : دعوه .
ففي الحديث دليل على المن على الأسير بعد إسلامه .
وإسناده ضعيف لانقطاعه الحسن وهو البصري لم يسمع من الأسود بن سريع فيما ذكره علي ابن المديني في "العلل" ص59، فقد سئل عن هذا الحديث فقال: إسناده منقطع... والحسن عندنا لم يسمع من الأسود لأن الأسود خرج من البصرة أيام علي، وكان الحسن بالمدينة .
فالراجح من القولين السابقين أن الأسير إذا أسلم لا يتعين استرقاقه وإنما يبقى الإمام مخيرا فيه فيما عدا القتل .
وعلى هذا القول فالإشكال الذي ذكر الأخ السائل غير مطروح .
إذا أسلم الأسير هل يسترق في كل حال ؟
لا يسترق الأسير الذي أسلم إلا إذا كان إسلامه بعد تقسيم الغنائم أما من كان إسلامه قبل التقسيم فلا يشرع استرقاقه ؛ يدل على ذلك ما رواه عبد الرزاق في المصنف قال :
أخبرنا بن عيينة عن بن أبي نجيح عن مجاهد :
(أيما مدينة فتحت عنوة فهم أرقاء وأموالهم للمساكين فإن أسلموا قبل أن يقسموا فهم أحرار وأموالهم للمساكين).
وروى سعيد ابن منصور في السنن وأبو عبيد في الأموال عن سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال : (أيما مدينة افتتحت عنوة فأسلم أهلها قبل أن يقسموا فهم أحرار وأموالهم فيء للمسلمين ).
قال أبو عبيد في "الأموال" : (وكان ابن عيينة يذهب في أمر أهل السواد إلى هذا ‘ يقول : إنما تركوا أحرارا لأنهم لم يكونوا قسموا) .
ثم قال أبو عبيد :
(وليس القول عندي إلا ما ذهب إليه ابن عيينة :
أن الإمام مخير فيهم ما لم يقسموا فإذا قسموا لم يكن عليهم سبيل إلا باستيهاب وطيب أنفس الذين صاروا لهم كفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بأهل حنين ، حين لم يرتجع من أحد منهم شيئا من السبي إلا باستيهاب وطيب من الأنفس لأنه قد كان قسمهم ولم يفعل ذلك بأهل خيبر ولكنه تركهم أحرارا ولم يستوهبهم من أحد لأنه لم يكن جرى عليهم القسم ).
وروى القاسم بن سلام في "الأموال" ويحيى ابن آدم في الخراج وابن زنجزويه في "الأموال" وأبي عبيد في "الأموال"
عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب قال : كتب عمر بن الخطاب إلى سعد بن أبي وقاص :
(إني قد كتبت إليك أن تدعو الناس إلى الإسلام ثلاثة أيام فمن استجاب لك قبل القتال فهو رجل من المسلمين : له ما للمسلمين وله سهمه في الإسلام ومن استجاب لك بعد القتال وبعد الهزيمة فماله فيء للمسلمين لأنهم قد كانوا أحرزوه قبل اسلامه فهذا أمري وكتابي) .
قال أبو عبيد : (فأرى عمر قد جعل ماله فيئا ، ولم يجعل رقبته فيئا ، وأطلقه لإسلامه ، إذ كان ذلك قبل أن يقع عليهم الحكم ببيع أو قسمة ، فأما إذا حكم عليهم بذلك ، حتى يجري عليهم خمس الله وسهام المسلمين فقد استحق عليهم الرق ، فلا يسقط الإسلام عنهم حينئذ رقا) .

أما بالنسبة للسؤال عن الاسترقاق في هذا العصر فينبغي أن يعلم أن من مقاصد الشرع الإسلامي تحرير الرقاب ما أمكن فقد رغبت الشريعة الإسلامية في ذلك وفتحت أمام إعتاق الرقاب عدة أبواب وربطته بالكثير من الأسباب .
وبما أن ترك الاسترقاق أصبح اليوم عرفا عالميا فينبغي أن يكون المسلمون أكثر الناس التزاما به من أجل تحقيق مقصد الشرع في هذه المسألة وإلا كانوا مناقضين له .
كما أن إبطال هذا العرف اليوم وإحياء عادة الاسترقاق قد يكون ضرره أكثر على المسلمين من نفعه لأنه يؤدي إلى تسليط الكفار عليهم بالاسترقاق .
والله اعلم
والحمد لله رب العالمين .

أجابه، عضو اللجنة الشرعية :
الشيخ أبو المنذر الشنقيطي
http://www.tawhed.ws/FAQ/display_question?qid=3252