JustPaste.it

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدلله،

فقد بوّب الإمام البخاري في صحيحه (٦٧/٢)

[باب يفكر الرجل الشيء في الصلاة]

وعلّق أثرا عن عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنّه قال: «إِنِّي لَأُجَهِّزُ جَيْشِي وَأَنَا فِي الصَّلاَةِ» .

وقد وصله ابن أبي شيبة في مصنفه (٨٠٣٤) بإسناد حسن تحت باب :

[فِي حَدِيثِ النَّفْسِ فِي الصَّلَاةِ]

فقال: حَدَّثَنَا حَفْصٌ ، عَنْ عَاصِمٍ ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ ، قَالَ :

قَالَ عُمَرُ : إنِّي لأُجَهِّزُ جُيُوشِي وَأَنَا فِي الصَّلاَةِ.

وصححه ابن حجر في الفتح (٩٠/٣).

قال الحافظ ابن رجب في الفتح (٤٤٩/٦) عَقِب إيراده لأثر عمر:

"وليس فكر عمر في تجهيز الجيوش في الصلاة من حديث النفس المذموم، بل هو من نوع الجهاد في سبيل الله؛ فإنه كانَ عظيم الاهتمام بذلك، فكان يغلب عليهِ الفكر فيهِ في الصَّلاة وغيرها.

ومن شدة اهتمامه بذلك غلب عليه الفكر في جيش سارية بن زنيم بأرض العراق، وهو يخطب يوم الجمعة على المنبر، فألهمه الله، فناداه، فاسمعه الله صوته، ففعل سارية ما أمره به عمر، فكان سبب الفتح والنصر.

وقال سفيان الثوري: بلغني أن عمر قال: إني لأحسب جزية البحرين وأنا في الصلاة. ورواه وكيع، عن هشام بن عروة، عن أبيه، أن عمر قاله.

وهذا كله من شدة اهتمام عمر بأمر الرعية، وما فيه صلاحهم، فكان يغلب عليه ذلك في صلاته، فتجتمع له صلاة وقيام بأمور الأمة وسياسته لهم في حالة واحدة".

وجاء في طرح التثريب (٣٧٣/٢) لأبي الفضل الحافظ العراقي (ت: ٨٠٦):

[فَائِدَة الْخَوَاطِرِ الْعَارِضَةِ فِي الصَّلَاةِ]

إنْ قِيلَ مَا وَجْهُ مَا رَوَاهُ أَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ إنِّي لَأُجَهِّزُ جَيْشِي وَأَنَا فِي الصَّلَاةِ،

وَرَوَى عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ عَنْ عُمَرَ قَالَ: إنِّي لَأَحْسِبُ جِزْيَةَ الْبَحْرَيْنِ وَأَنَا فِي الصَّلَاةِ.

فَكَيْفَ يَجْتَمِعُ الْخُشُوعُ مَعَ هَذَا؟

وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُصَلِّيَ لَا يُمْكِنُهُ دَفْعُ الْخَوَاطِرِ الْعَارِضَةِ فِي الصَّلَاةِ،

وَلَمْ يَقُلْ فِي حَدِيثِ عُثْمَانَ لَا تُحَدِّثُهُ نَفْسُهُ فِيهِمَا وَإِنَّمَا قَالَ لَا يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ،

وَالْغَالِبُ عَلَى الْإِنْسَانِ الْفِكْرَةُ فِيمَا يُهِمُّهُ وَكَانَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إذَا عَرَضَ لَهُ تَجْهِيزُ جَيْشٍ وَنَحْوُهُ مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ أَهَمَّهُ ذَلِكَ فَرُبَّمَا عَرَضَ لَهُ ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ وَاسْتَرْسَلَ فِيهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقْصِدَ ذَلِكَ،

وَقَدْ وَرَدَ فِي كَوْنِهِ لَا يُحَدِّثُ نَفْسَهُ فِي الصَّلَاةِ تَقْيِيدُهُ بِأُمُورِ الدُّنْيَا، رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي الْمُصَنَّفِ فِي حَدِيثٍ مُرْسَلٍ قَالَ فِيهِ:

«لَا يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ بِشَيْءٍ مِنْ الدُّنْيَا»،

وَلَيْسَ مَا كَانَ يَعْرِضُ لِعُمَرَ فِي الصَّلَاةِ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا بَلْ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ الَّذِي يُهِمُّهُ ذَلِكَ.

قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَإِنَّ الْخُشُوعَ فَرْضٌ فِي الصَّلَاةِ قِيلَ لَهُ بِحَسْبِ الْإِنْسَانِ أَنْ يُقْبِلَ عَلَى صَلَاتِهِ بِقَلْبِهِ وَنِيَّتِهِ وَيُرِيدُ بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَا طَاقَةَ لَهُ بِمَا اعْتَرَضَهُ مِنْ الْخَوَاطِرِ.

أمّا الحافظ ابن حجر فقد قال في الفتح (٩٠/٣): 

قَالَ الْمُهَلَّبُ التَّفَكُّرُ أَمْرٌ غَالِبٌ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ فِي الصَّلَاةِ وَلَا فِي غَيْرِهَا لِمَا جَعَلَ اللَّهُ لِلشَّيْطَانِ مِنَ السَّبِيلِ عَلَى الْإِنْسَانِ،

وَلَكِنْ يَفْتَرِقُ الْحَالُ فِي ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ فِي أَمْرِ الْآخِرَةِ وَالدِّينِ كَانَ أَخَفَّ مِمَّا يَكُونُ فِي أَمْرِ الدُّنْيَا.

قَوْلُهُ: ((وَقَالَ عُمَرُ إِنِّي لِأُجَهِّزُ جَيْشِي وَأَنَا فِي الصَّلَاةِ))

وَصله بن أَبِي شَيْبَةَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيّ عَنهُ بِهَذَا سَوَاء.

قَالَ بن التِّينِ: إِنَّمَا هَذَا فِيمَا يَقِلُّ فِيهِ التَّفَكُّرُ كَأَنْ يَقُولَ أُجَهِّزُ فُلَانًا أُقَدِّمُ فُلَانًا أُخْرِجُ مِنَ الْعِدَدِ كَذَا وَكَذَا فَيَأْتِي عَلَى مَا يُرِيدُ فِي أَقَلِّ شَيْءٍ مِنَ الْفِكْرَةِ،

فَأَمَّا أَنْ يُتَابِعَ التَّفَكُّرَ وَيُكْثِرَ حَتَّى لَا يَدْرِيَ كَمْ صَلَّى فهَذَا اللَّاهِي فِي صَلَاتِهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ.انْتَهَى

وَلَيْسَ هَذَا الْإِطْلَاقُ عَلَى وَجْهِهِ وَقَدْ جَاءَ عَنْ عُمَرَ مَا يَأْبَاهُ،

فروى بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ قَالَ عُمَرُ: إِنِّي لَأَحْسِبُ جِزْيَةَ الْبَحْرَيْنِ وَأَنَا فِي الصَّلَاةِ.

وَرَوَى صَالِحُ بْنُ أَحْمَدَ حَنْبَلَ فِي كِتَابِ الْمَسَائِلِ عَنْ أَبِيهِ مِنْ طَرِيقِ هَمَّامِ بْنِ الْحَارِثِ أَنَّ عُمَرَ صَلَّى الْمَغْرِبَ فَلَمْ يَقْرَأْ فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالُوا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّكَ لَمْ تَقْرَأْ فَقَالَ:

إِنِّي حَدَّثْتُ نَفْسِي وَأَنَا فِي الصَّلَاةِ بِعِيرٍ جَهَّزْتُهَا مِنَ الْمَدِينَةِ حَتَّى دَخَلَتِ الشَّامَ،

ثُمَّ أَعَادَ وَأَعَادَ الْقِرَاءَةَ.

وَمِنْ طَرِيقِ عِيَاضٍ الْأَشْعَرِيِّ قَالَ صَلَّى عُمَرُ الْمَغْرِبَ فَلَمْ يَقْرَأْ فَقَالَ لَهُ أَبُو مُوسَى:

إِنَّكَ لَمْ تَقْرَأْ فَأَقْبَلَ عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فَقَالَ صَدَقَ فَأَعَادَ فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ:

لَا صَلَاةَ لَيْسَتْ فِيهَا قِرَاءَةٌ إِنَّمَا شَغَلَنِي عِيرٌ جَهَّزْتُهَا إِلَى الشَّامِ فَجَعَلْتُ أَتَفَكَّرُ فِيهَا.

وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إِنَّمَا أَعَادَ لِتَرْكِ الْقِرَاءَةِ لَا لِكَوْنِهِ كَانَ مُسْتَغْرِقًا فِي الْفِكْرَةِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَى الطَّحَاوِيُّ مِنْ طَرِيقِ ضَمْضَمِ بْنِ جَوْسٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَن بْنِ حَنْظَلَةَ بْنِ الرَّاهِبِ إِنَّ عُمَرَ صَلَّى الْمَغْرِبَ فَلَمْ يَقْرَأْ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى فَلَمَّا كَانَتِ الثَّانِيَةُ قَرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ مَرَّتَيْنِ،

فَلَمَّا فَرَغَ وَسَلَّمَ سَجَدَ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ.

وَرِجَالُ هَذِهِ الْآثَارِ ثِقَاتٌ وَهِيَ مَحْمُولَةٌ عَلَى أَحْوَالٍ مُخْتَلِفَةٍ وَالْأَخِيرُ كَأَنَّهُ مَذْهَبٌ لِعُمَرَ وَلِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْتِفَاتٌ إِلَى مَسْأَلَةِ الْخُشُوعِ فِي الصَّلَاةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْبَحْثُ فِيهِ فِي مَكَانِهِ.

د. عرفات بن حسن المحمدي