JustPaste.it

الفتنة الكبرى الثانية ( 61 : 73 هجرية ) : ( الكتاب كاملا )


آحمد صبحي منصور في الخميس 14 ابريل 2016

الفتنة الكبرى الثانية ( 61 : 73 هجرية ) : ( الكتاب كاملا )

تأليف د. أحمد صبحى منصور

هذا الكتاب

يؤرخ لفترة مسكوت عنها إمتلأت بالفظائع من مقتل الحسين الى مقتل عبد الله بن الزبير ويحلل آثارها الدينية التى لا تزال باقية حتى اليوم .

 الفهرس

  مقدمة الكتاب

الباب الأول : الفتنة الكبرى الثانية : وقائع وشخصيات

الفصل الأول : الوقائع :

 (ولاية العهد وتداول السلطة فى الفتنة الكبرى الثانية ( 61 : 73 )( يا حسرة على هذه الرءوس المقطوعة ) (موقعة الحرة وانتهاك حُرمة المدينة  ) ( حصار الحرم وحرق الكعبة  ـ صفحة من التاريخ الأسود للسلف الصالح ) (عندما كان ابن الزبير على وشك أن يحرق بنى هاشم لرفضهم بيعته بالخلافة ) ( عن قتل الأطفال فى تاريخ السلف ( الصالح) .!!)

الفصل الثانى : أهم الشخصيات الفاعلة فى الفتنة الكبرى الثانية :

( عبد الله بن الزبير:شيطان موقعة الجمل ، وشيطان الفتنة الكبرى الثانية  )  ( من هو الأسوأ : دونالد ترامب أم عبد الله بن الزبير ؟ الهجاء السياسى بين ابن الزبير وابن عباس  ) (  مصعب بنالزبير: فتى قريش المتوحش ) (  مروان بن الحكم : سبب الفتنة الكبرى الأولى وأساس فى الفتنة الكبرى الثانية )  ( عبد الملك بن مروان ) ( عبيد الله بن زياد : مجرم كربلاء ) (المختار بن عبيد الثقفى : المغامر الأفّاق  )( شبث بن ربعى : ( داعش لم تأت من فراغ ).!!

الفصل الثالث : الخوارج  :

(  بداية الخوارج وإنهاؤهم الفتنة الكبرى الأولى بقتلهم (على )  ) ( ثورات الخوارج فى خلافة معاوية ) ( وقائع الخوارج فى الفتنة الكبرى الثانية ( 61 : 73  ).

الباب الثانى : آثار الفتنة الكبرى الثانية :

الفصل الأول : من سفك الدماء الى العشق والفحشاء:

 (الحبُّ وقت الفتنة والحرب : خالد وأم خالد وحبيبة خالد : خالد بن يزيد بن معاوية )   (عائشة بنت طلحة  : فاتنة عصر الفتنة  ) (الشاعر العرجى  : نتاج عصر الفتنة / فتنة الدماء والفحشاء ) (فسق بعض الخلفاء الأمويين  )                                                              

 

الفصل الثانى : الفتنة الكبرى الثانية : من سفك الدماء الى تأسيس أديان أرضية :

( لمحة عامة  ) (تأثير المختار الثقفى فى الدين الشيعى : محمد بن على ( ابن الحنفية )) (خزعبلات المختار الثقفى ) (  ابن الحنفية المفترى عليه : التضارب فى الأقوال المنسوبة لابن الحنفية ) (الكيسانية وتوابعها الالحادية  ) (  عبد الملك بن مروان أنشأ المسجد الأقصى بديلا عن الكعبة ) (صلاتهم التى تأمر بالفحشاء والمنكر والبغى   )  

الخاتمة                        

  

 

     

 

 

 

 

 

 

 

 

مقدمة الكتاب

1 ـ صدر لنا كتاب ( المسكوت عنه من تاريخ الخلفاء الراشدين ) وفيه عرض لدور قريش فى تدمير الاسلام بالفتوحات وبالفتنة الكبرى . ثم أعقبه كتاب عن مذبحة كربلاء ، وهى التى نتج عنها الفتنة الكبرى الثانية من مقتل الحسين الى مقتل ابن الزبير ، وتخللها مقتل مروان بن الحكم .

2 ـ مروان بن الحكم وعبد الله بن الزبير كانا معا من أعمدة الفتنة الكبرى الأولى التى بدأت بمقتل عثمان عام 35 وانتهت بمقتل (على ) عام 40 . وليس غريبا أن تنتهى حياة أعمدة الفتوحات والفتنة الكبرى بالقتل ، مات ابوبكر بالسُّم ، واُغتيل (عمر ) ثم (عثمان )، ثم (على ) وقُتل الزبير و طلحة . هؤلاء الأفراد مسئولون عن قتل مئات الألوف من البشر الأبرياء من أبناء الأمم المفتوحة بالاضافة الى العرب.

3 ـ الفتنة الكبرى الثانية كان من الممكن تفاديها لولا عبد الله بن الزبير ـ الذى زجّ نفسه فى الصراع ، وهو بأسرته القرشية من بنى أسد ليس بشىء مقارنة بفرعى بنى عبد مناف من الهاشميين والأمويين ، علاوة على صفاته الشخصية التى لا تؤهله للزعامة ، فقد كان بخيلا حسودا جبانا ، بينما تمتع الأمويون بتراث فى القيادة والسياسة وبموهبة الكرم وشراء الضمائر بالأموال ، وبه فازوا فى صراعاتهم ضد بنى عمهم الهاشميين ، والذين كانوا أحق منهم بالخلافة طبقا لمفهوم العصر . إستغل ابن الزبير الظروف السياسية ، من الفراغ الذى حدث بمصرع الحسين، وساعده فى الظهور إعتزال معاوية بن يزيد بن معاوية ، والشقاق بين الامويين  والنزاع بين قبائل قيس وكلب ، وانضمام  قبائل قيس لابن الزبير، وتوسع نفوذه سريعا ، ولكن سرعان ما عادت الأمور الى نصابها فخسر أمام الأمويين ولقى حتفه ، بعد أن كلّف طموحه قتل عشرات الألوف من أنصاره وأعدائه ، ، مع انتهاك حُرمة الكعبة ، وبعد أن ارتكب أخوه مصعب مجازر بقتل مئات الأسرى بلا مبرر.

4 ــ نتذكر هنا الشاعر (عبدالله بن مسلم الهذلي القرشى : ( أبو صخر ) الذى كان  موالياً لبني امية ، وكان يعيش فى مكة وقت سيطرة ابن الزبير عليها . ولو كان ابن الزبير يعرف أصول السياسة لاجتذب هذا الشاعر الى جانبه ببعض الأموال ، والشعراء وقتها كانوا أجهزة إعلام تسعى على قدمين . ولكن ابن الزبير لم يبذل جهدا فى إجتذاب هذا الشاعر ، بل عاقبه ابن الزبير بمنع عطائه ( والعطاء هو المرتب المقرر لكل فرد عربى من خيرات الفتوحات ) . ذهب الشاعر يسأل ابن الزبير عن السبب : ( فقال له : علام تمنعني حقاً لي ؟ وأنا أمرؤ  مسلم  ما احدثت في الاسلام حدثاً ولا اخرجت من طاعة يداً ؟ فقال : عليك ببني أمية فاطلب عطاءك عندهم ! ) ورد الشاعر بكلمات بليغة فى مدح بنى أمية وتفضيلهم على آل الزبير : ( فقال :  إذ أجدهم سبطاً أكفهم ، سمحة أنفسهم  ، بذلاً لأموالهم ، وهابين لمجتديهم ،  كريمة اعراقهم ، شريفة اصولهم ، زاكية فروعهم ،  قريباً من رسول الله صلى الله عليه وسلم نسبهم وسببهم ) ثم دخل فى التعريض بآل الزبير فقال : (  ليسوا بأذناب ولا شائط ولا اتباع ،  ولا هم في قريش كفقعة القاع ،  لهم السؤدد في الجاهلية ،  والملك في الاسلام ، لا كمن لا يعد في عيرها ولا نفيرها ،  ولا حكم اباؤه في نقيرها ولا قطميرها . ليس من احلافها المطيبين ولا من سادتها المُطعمين . ولا جوادها الوهابين , من هاشمها المنتخبين , ولا عبد شمسها المسودين , كيف نقابل الرؤس بالأذناب ؟ أين النصل من الجفن . والسنان من الزج . والذنابي من القدامي ؟ ) ثم هاجم عبد الله بن الزبير وبُخله فقال : ( كيف يُفضل الشحيح على الجواد ؟  والسوقة على الملك ؟ والمُجيع بخلاً على المطعم فضلاً ؟ ) . تقول الرواية : ( فغضب ابن الزبير حتى ارتعدت فرائضه . وعرق جبينه واهتز من قرته الى إلى قدمه وامتقع لونه ثم قال : يا ابن البوالة على عقبيها , يا جاف يا جاهل . أما والله لولا الحرمات الثلاث : حرمة الاسلام وحرمة  الحرم , وحرمة الشهر الحرام لأخذت ما فيه عيناك . ثم أمر به الى سجن عارم فحبس فيه مدة . ثم استوهبته قريش وهذيل و(من ) له في قريش خوولة في هذيل . فأطلقة بعد سنة . وأقسم ألا يعطيه عطاءً مع المسلمين أبدا فلما كان عام الجماعة وولي عبدالملك وحج فلقيه ابوصخر . فلما رآه عبدالملك قربه وأدناه وقال : " لم يخف علي خبرك مع الملحد ولا ضاع لك عندي هواك ولا موالاتك "  فقال : "  اذا شفى الله نفسي ورأيته قتيل سيفك . وصريع أوليائك . مصلوباً مهتوك الستر مفرق الجمع فما ابالي ما فاتني من الدنيا." ) .كان لقب عبد الله بن الزبير هو ( الملحد ) بسبب إنتهاكه حُرمة البيت ، وتحويله الى ساحة صراع ما لبث أن تحول الصراع السياسى الى صراع حربى أسفر عن تدمير الكعبة .

5 ـ هذه الفتنة الكبرى الثانية من المسكوت عنه ، مع أن آثارها لا تزال سائدة سارية . ولهذا عُنى الباب الأول من هذا الكتاب بتجلية هذه الفتنة بأحداثها ووقائعها وأبطالها ، ثم توقف الباب الثانى مع آثارها السيئة أخلاقيا ودينيا .

6 ــ ونزعم أن هذا الكتاب يسدُّ نقصا فى المكتبة العربية ــ  أُسوةّ بكل ما نكتبه فى تاريخ المسلمين ـ وهذا الكتاب بالذات يبرز المسكوت عنه من أحداث مجهولة وآثار دينية مجهولة  ــ مع خطورتها ـ ثم إنه يسير مع شخصيات تاريخية مجهولة كانت فاعلة وقتها .

7 ـ وأهلا بكم مع هذه الصفحة السوداء المجهولة من تاريخ السلف الصالح ، الذى لا يزال حيا فى عصرنا بما تفعله منظمات الوهابية ، وأبرزها داعش .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الباب الأول : الفتنة الكبرى الثانية : وقائع وشخصيات

الفصل الأول : الوقائع

ولاية العهد وتداول السلطة فى الفتنة الكبرى الثانية ( 61 : 73 )

 مقدمة

1 ـ   يقول جل وعلا (اسْتِكْبَاراً فِي الأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ سُنَّةَ الأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلاً (43) فاطر ). هذا حُكم الاهى ينطبق فى كل زمان ومكان على المستكبرين فى أى أرض، يتآمرون فيحيق بهم مكرهم السيء . ومن أبشع مظاهر المكر السىء الوصول للسلطة وتوارثها . أراد الأمويون الوصول للسلطة فأسهموا فى إدخال الصحابة فى الفتنة الكبرى الأولى ، ثم إبتدع معاوية توريث المُلك لابنه يزيد فأشعل الفتنة الكبرى الثانية ، وكان من ضحاياها مئات الألوف من الصحابة والتابعين من مختلف التيارات السياسية ، من الهاشميين والشيعة والزبيريين والخوارج ،ودفع الثمن الأمويون أنفسهم ، وكانت ذرية معاوية نفسه فى مقدمة الضحايا .

2 ـ قُتل الحسين سنة 61، ثم فجأة هلك يزيد بن معاوية فى 14 ربيع الأول سنة 64،وهو فى أوج شبابه وفروسيته ، قيل إن عمره 38 عاما أو 35 عاما ، بعد خلافة استمرت حوالى ثلاث سنوات فقط . وموته الفجائى يرفع علامة استفهام ، وتتراقص علامات الاستفهام كثيرا فى الموت الغامض والمفاجىء للخلفاء الأمويين ( وغيرهم ) بعضهم كانت الدلائل واضحة فى الاغتيال مثل الشاب معاوية الثانى الذى عهد اليه أبوه يزيد بالخلافة فإعتزل وسرعان ما مات وهو في العشرين من عمره بعد أن ظل خليفة أربعين يوما فقط .أكثر من هذا فقد إنتقل الحكم من ذرية معاوية بن أبى سفيان بن حرب بن أمية الى ابن عمه مروان بن الحكم ابن أبي العاص بن أمية . اى دفع ابناء معاوية الثمن ، مات ابنه يزيد وحفيده معاوية بن يزيد ، ولا يحيق المكر السىء إلا بأهله

وتولى مروان الخلافة عام 64 ، وسار على سُنّة معاوية فى المكر فدفع الثمن سريعا إذ مات فجأة فى هلال شهر رمضان عام 56 بمؤامرة مكشوفة نجا فيها القاتل من العقاب . وحكم ستة أشهر أو ثمانية أشهر ، وكان عمره 64 عاما . أى دفع جزاء مكره السىء ، وتولى ابنه عبد الملك فقتل ابن عمه عمرو بن سعيد بن العاص ، وسار الخلفاء الأمويون من ابناء عبد الملك على سُنة ابيهم فدفعوا الثمن أيضا . ونعطى بعض التفصيلات .

أولا : لمحة عامة عن المكر السىء ( الأموى ) فى تداول السلطة :

1 ـ بإعتزال الشاب معاوية بن يزيد بن معاوية الخلافة وموته وإعلان ابن الزبير نفسه خليفة في مكة ،انضمت إليه العراق ومصر ومعظم الشام ، وذلك بتحالف قبائل قيس معه لحقدها على قبائل "كلب" المتحالفة مع الأمويين ،ولكن الأمويين عقدوا مؤتمر الجابية سنة 64هـ وفيه اتفقوا على اتحاد كلمتهم، وان يتولى الخلافة مروان بن الحكم ، ثم يتولاها بعده خالد بن يزيد بن معاوية ، ثم عمرو بن سعيد بن العاص ( الأشدق )، وكذلك أرضى ذلك المؤتمر كل المتطلعين للخلافة ، ولكنه سنّ سنة سيئة ، وهى العهد لأكثر من واحد بالخلافة ، وكان لهذا أكبر الأثر في حدوث انشقاقات لاحقة في البيت الأموي الحاكم . ذلك أن مروان بن الحكم بعد أن تولى الخلافة تحلل من قرارات مؤتمر "الجابية" ومات سنة 65هـ بعد أن عهد بالخلافة لابنيه عبد الملك بن مروان ثم عبد العزيز بن مروان .

2 ــ وتولى عبد الملك بن مروان (65ـ 86هـ) فتخوف من أطماع عمرو بن سعيد ابن العاص( الأشدق ).وفعلا ثار ( الأشدق ) على ابن عمه ( عبد الملك ) لاعتقاده أنه صاحب الحق فى الخلافة وفقاً لقرارات مؤتمر "الجابية".  وبعد ان أعطاه عبد الملك الأمان والعهود والمواثيق غدر به وقتله . ثم عزم عبد الملك على خلع أخيه عبد العزيز وتولية ابنه الوليد بن عبد الملك. وحاول استرضاء أخيه عبد العزيز ليتنازل عن ولاية العهد فلم يقبل ، وتدخل القضاء والقدر فمات عبد العزيز ، وصفا الجو لعبد الملك فعهد بالخلافة من بعده لولديه الوليد بن عبد الملك ثم سليمان بن عبد الملك.

3 ــ وتولى الوليد بن عبد الملك (86 ـ 96هـ) وكان عصره عصر توطيد ورخاء وفتوحات وصلت إلى مشارف الهند والصين شرقاً وإلى حدود فرنسا غرباً ، وعزم الوليد قبيل موته على خلع أخيه سليمان وتولية ابنه عبد العزيز بن الوليد ، واستشار كبار الدولة فوافقه الحجاج ومحمد بن القاسم وقتيبة بن مسلم ، وعارضه ابن عمه عمر بن عبد العزيز بن مروان الذي قال له: " إن لك ولأخيك سليمان بيعة واحدة في أعناقنا فإما تبقى وإما أن تسقط ولكنها لا تتجزأ."،  وغضب الخليفة الوليد على ابن عمه عمر بن عبد العزيزبن مروان ، فعزله عن ولاية المدينة وحبسه ، ومات الوليد ( فجأة ) قبل أن يعزل أخاه سليمان ولى عهده .

4 ـ وتولى سليمان بن عبد الملك (96 ـ 99هـ)فحفظ الجميل لابن عمه عمر بن عبد العزيز وجعله كالوزير ، وانتقم من قادة الفتوح الذين أيدوا الوليد بن عبد الملك حين أراد عزله عن ولاية العهد. ومن حسن حظ الحجاج أنه مات قبل تولي سليمان الخلافة ، ولكن سليمان انتقم من آل الحجاج وبقية القادة مثل محمد بن القاسم وقتيبة بن مسلم وعبد العزيز بن موسى بن نصير. وكان سليمان يريد أن يعهد بعده لابنه أيوب بدلاً من أخيه يزيد بن عبد الملك ، ثم قبل أن يعزل أخاه يزيد بن عبد الملك مات سليمان فجأة فى تمام صحته وشبابه ، وقد حققنا فى مقتله المفاجى ببحث منشور هنا عنوانه :  (التحقيق فى جريمة قتل غامضة حدثت عام 99 هجرية ) ، ومات ابنه الصبى أيوب ، وفي النهاية استخلف عمر بن عبد العزيزبن مروان بن الحكم ، على أن يكون بعده ( يزيد بن عبد الملك ) حتى لا ينقطع الحكم في نسل عبد الملك بن مروان.

5 ــ وتولى عمر بن عبد العزيز الذي أرجع العدل والأمن ، وقد ناقشه الخوارج في مسئوليته عن تولية العهد من بعده ليزيد بن عبد الملك ، وتأثر عمر بأقوالهم ، وخاف بنو أمية أن تصل إصلاحات عمر بن عبد العزيز إلى ولاية العهد فبادروا بقتله بالسم فمات في 25رجب 101هـ .

6 ــ وتولى يزيد بن عبد الملك (101 ـ 105) المشهور بالمجون. وكانت ولاية العهد لأخيه هشام ، ثم بدا له أن يعزل أخاه ليولي ابنه الوليد بن يزيد ، وأرسل لهشام مبعوثاً يحسّن له خلع نفسه من ولاية العهد في نظير أن تكون له ولاية الجزيرة ملكاً خاصاً له ، وكان ذلك المبعوث خالد القسري ، واستجاب هشام ، ولكن خالد القسري نصحه بالرفض ورجع إلى الخليفة يخبره بتصميم هشام على الرفض وتمسكه بولاية العهد. ونصح خالد القسرى الخليفة بأن يظل هشام والياً على أن يتولى بعده الوليد بن يزيد بن عبد الملك. ووافق الخليفة.

7 ــ وتولى هشام بن عبد الملك (105 ـ125هـ) فكافأ خالداً القسري بأن ولاَّه العراق والشرق فأصبح مركز قوة كبرى ومعه قبائل اليمن القحطانية . وكان هشام كالعادة قد حاول عزل ابن أخيه الوليد بن يزيد عن ولاية العهد وتولية ابنه مسلمه ابن هشام ، ولكن عارضه كبار الأمويين ، فصب هشام سخطه على الوليد بن يزيد مما ملأه حقداً على هشام وأسرته.

8 ــ وحين تولى الوليد بن يزيد الخلافة(125ـ 126هـ) انتقم من أولاد عمه هشام وممن مالأ هشاماً في محاولة عزله عن ولاية العهد ، وأشتهر الوليد بالمجون مما أثار عليه الكثيرين فتجمعوا تحت قيادة  (يزيد بن الوليد بن عبد الملك ) المعروف بيزيد الناقص ، الذي نجح في ثورته وقتل الخليفة الوليد بن يزيد سنة 126هـ وتولى مكانه الخلافة وظلّ فيها خمسة أشهر، وكان صالحاً  إلا أن الدولة الأموية دخلت في دور الانهيار السريع بسبب صراع القبائل وانشقاق البيت الأموي وتكاثر خصومها من الشيعة والخوارج والموالي .

9 ــ ولذلك جاء مروان بن محمد بن مروان ثائراً بحجة الحرص على أبناء الوليد المقتول، واستطاع أن يتولى الخلافة . ومروان بن محمد هو آخر خلفاء بني أمية (127 ـ 132هـ) وكان صاحب دهاء ومكر وفروسية ، ولكنه جاء في أواخر الدولة المنهارة المنقسمة على نفسها ، فانغمس في حرب القبائل الثائرة عليه في الشام ، وفى حرب الشيعة في العراق ، وحرب الخوارج بين العراق والحجاز واليمن ، وانشغل عن الخطر القادم إليه عبر خراسان حيث ظهر أبو مسلم الخراساني بالدعوة لبني العباس . وبعد أن انتصر مروان بن محمد على خصومه في العراق والشام والجزيرة العربية فوجئ بالمارد الآتي من الشرق الأوسط يحمل اللواء الأسود ، وقد استولى على خراسان ثم استولى على العراق . وبويع أول خليفة عباسي وهو عبد الله السفاح في الكوفة في ربيع الأول 132هـ . وأرسل الخليفة الجديد جيشاً هزم مروان في موقعة "الزاب" في 11 جمادي الآخرة سنة132هـ ،فهرب مروان إلى مصر ، وقتله العباسيون فيها في آخر ذي الحجة 132هـ ..

وبدأ حكم جديد هو الخلافة العباسية. إلا أنه استعمل نفس طريقة العهد لأكثر من واحد وعزل الأخ لصالح الابن.

ثانيا :   مروان بن الحكم ينقض إتفاق الجابية

1 ـ قرر مؤتمر الجابية سنة 64هـ تولى الخلافة مروان بن الحكم ، ثم بعده خالد بن يزيد بن معاوية ، ثم عمرو بن سعيد بن العاص ( الأشدق ). بعد عدة أشهر وفى عام 65 نقض الخليفة مروان بن الحكم قرارات مؤتمر الجابية وجعل العهد لابنيه عبد الملك ثم عبد العزيز على التوالى . ولأن قبيلة كلب هى الرقم الصعب فى المعادلة الأموية ( المتحالفة مع الأمويين والمسيطرة على جنوب الشام ) فقد اتفق معها مروان على أن تؤيد خلع عمرو بن سعيد بن العاص لصالح ابنى مروان .  كان عمرو بن سعيد قد هزم مصعب بن الزبير فى فلسطين ، فأحسّ عمرو بالفخر ، وعزّز هذا أحقيته فى ولاية العهد ، وخاف مروان منه ، فاتفق مروان مع حسان بن مالك بن بحدل زعيم قبيلة كلب على خلع عمرو . تقول الرواية ( في هذه السنة أمرمروان بن الحكم بالبيعة لابنيه عبد الملك وعبد العزيز.وكان السبب في ذلك أنعمرو بن سعيد بن العاص لما هزم مصعب بن الزبير حين وجهه أخوه عبد الله إلى فلسطينرجع إلى مروان وهو بدمشق قد غلب على الشام ومصر، فبلغ مروان أن عمراً يقول: إنالأمر لي بعد مروان، فدعا مروان حسان بن مالك بن بحدل فأخبره أنه يريد أن يبايعلابنيه عبد الملك وعبد العزيز وأخبره بما بلغه عن عمرو، فقال: أنا أكفيك عمراً،فلما اجتمع الناس عند مروان عشياً قام حسان فقال: إنه قد بلغنا أن رجالاً يتمنونأماني، قوموا فبايعوا لعبد الملك وعبد العزيز من بعده، فبايعوا عن آخرهم.).

 ثالثا : عبد الملك بن مروان يقتل عمرو بن سعيد ( الأشدق ) عام 69

1 ـ .  عبد الملك وعمرو يلتقيان في النسب في العاص بنأمية، هذا عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية، وذاك عمرو بن سعيد بنالعاص بن أمية، وكانت أم عمرو أم البنين بنت الحكم عمة عبد الملك.وكان عمرو بن سعيد أحد مؤسسى المُلك الأموى ، ولم ينس حقه فى الخلافة . وواتته الفرصة للوثوب على الخليفة عبد الملك بن مروان عام 69 ، وفشل ، ودفع حياته ثمنا لفشله .

 2 ـ كان عمرو بن سعيد مع عبد الملك فى حملة عسكرية لحرب زفر بن الحارث فى قرقيسيا . وأقنع عمر بن سعيد إثنين من زعماء قبيلة كلب وهما (حميد بن حريث الكلبي وزهير بن الأبرد الكلبي ) فانسحبا معه من الجيش الأموى بقواتهما ، ورجعوا الى دمشق حيث إستخلف عبد الملك عليها عبد الرحمن ابن أم الحكم الثقفى ، الذى هرب سريعا ، ودخل عمرو بن سعيد دمشق واستولى على خزائن الأموال ، تقول الرواية :  (  ودخلها عمرو فغلب عليها وعلى خزائنه وهدم دار ابن أمالحكم، واجتمع الناس إليه فخطبهم ومناهم ووعدهم.) . ورجع عبد الملك سريعا بما تبقى من جيشه وحاصر ابن عمه عمرا فى دمشق ، وصارت قبيلة كلب قسمين ، أحدهما مع عبد الملك والآخر مع عمرو بن سعيد الأشدق . وخوفا من أن يهلك الأمويون بعضهم بعضا وتهلك معهم قبيلة كلب تم الاتفاق على الصلح بين عبد الملك وابن عمه عمرو الأشدق ، وكتب عبد الملك كتاب أمان للأشدق . تقول الرواية : ( ثم أن عبد الملك وعمراًاصلحا ، وكتبا بينهما كتاباً ، وآمنه عبد الملك، فخرج عمرو في الخيل إلى عبد الملك،  فأقبل حتى أوطأ فرسه أطناب عبد الملك ، فانقطعت وسقط السرادق، ثم دخل على عبد الملكفاجتمعا.، ودخل عبد الملك دمشق يوم الخميس، فلما كان بعد دخول عبد الملك بأربعةأيام أرسل إلى عمرو أن ائتني . )

3 ــ ثم أرسل عبد الملك الى عمرو يستدعيه ، وحذّر ( عبد الله بن يزيد بن معاوية ) عمرا من الذهاب ، ولكن عمرا كان معتدا بنفسه مغرورا بقوته فقال : (والله لو كنت نائماً ما انتهبني ابن الزرقاء ( يقصد عبد الملك ) ولااجترأ عليّ. ! ) . قال عمرو لرسول عبد الملك (أنا رائح العشية.). تقول الرواية : (  فلما كان العشاء لبسعمرو درعاً ولبس عليها القباء وتقلد سيفه ... ومضى في مائة من مواليه.).

4 ــ وكان عبد الملك قد أعدّ العدة لقتله ، إذ جمع حوله زعيمى كلب وخزاعة ( حسان بن بحدل الكلبي وقبيصة بن ذؤيب الخزاعي ) وأخوته أولاد مروان بن الحكم.  ودخل عمرو ومعه مواليه ، وكلما دخل بابا تم حبس بعض مواليه ، حتى لم يبق إلا وصيف واحد معه لا يعرف العربية ، واذن عبد الملك لزعيمى كلب وخزاعة بالخروج . وأغلقوا كل الأبواب . تقول الرواية : (  ودخل عمرو، فرحب به عبدالملك ، وقال: هاهنا هاهنا يا أبا أمية! ، فأجلسه معه على السرير، وجعل يحادثه طويلاً،ثم قال: " يا غلام خذ السيف عنه" . فقال عمرو: " إنا لله يا أمير المؤمنين " . فقال عبدالملك: " أتطمع أن تجلس معي متقلداً سيفك ؟"  فأخذ السيف عنه، ثم تحدثا، ثم قال له عبدالملك:  " يا أبا أمية إنك حيث خلعتني آليت بيمين إن أنا ملأت عيني منك وأنا مالك لكأن أجعلك في جامعة ". ( أى يقيده ويوثقه )  وبالاتفاق بين عبد الملك وأخوته على السيناريو والحوار ، فقد قال بنو مروان لأخيهم الخليفة : ( ثم تطلقه يا أمير المؤمنين؟ قال: نعم، وماعسيت أن أصنع بأبي أمية؟ فقال بنوا مروان لعمرو :( أبر قسم أمير المؤمنين. فقال عمرو : قدأبر الله قسمك يا أمير المؤمنين.) أى أراد عبد الملك أن يوثق عمرا بلا مقاومة من عمرو . ورضى عمرو . ( فأخرج ( عبد الملك ) من تحت فراشه جامعة وقال: يا غلام قمفاجمعه فيها. فقام الغلام فجمعه فيها. ) وخاف عمرو أن يراه الناس موثقا مقيدا : ( فقال عمرو: أذكرك الله يا أمير المؤمنين أنتخرجني فيها على رؤوس الناس. ) وبعد أن تمكن منه عبد الملك قال له : ( أمكراً يا أبا أمية عند الموت؟ لاوالله ما كنا لنخرجك في جامعة على رؤوس الناس. ثم جذبه جذبة أصاب فمه السرير فكسرثنيتيه. فقال عمرو: " أذكرك اللهيا أمير المؤمنين كسر عظم مني فلا تركب ما هو أعظم من ذلك ". فقال له عبد الملك:  " والله لو أعلم أنك تبقي عليّ إن أنا أبقيت عليك وتصلح قريش لأطلقتك، ولكن ما اجتمعرجلان في بلدة قط على ما نحن عليه إلا أخرج أحدهما صاحبه" . فلما رأى عمرو أنه يريدقتله قال: أغدرا  يا ابن الزرقاء! ) ( وقيل: إن عمراً لما سقطت ثنيتاه جعل يمسهنا، فقالعبد الملك: يا عمرو أرى ثنيتيك قد وقعتا منك موقعاً لا تطيب نفسك بعدها.) أى لا بد من قتله .

5 ـ ( وأذنالمؤذن العصر فخرج عبد الملك يصلي بالناس ، وأمر أخاه عبد العزيز أن يقتله، فقام إليهعبد العزيز بالسيف، فقال عمرو: " أذكرك الله والرحم أن تلي قتلي، ليقتلني من هو أبعدرحماً منك.! " فألقى السيف وجلس، وصلى عبد الملك صلاة خفيفة ودخل وغلقت الأبواب. )

6 ــ وكان يحيى بن سعيد أخ عمرو بن سعيد الأشدق قلقا على أخيه ، فلما رأى عبد الملك يخرج لصلاة العصر وليس معه عمرو جمع أتباعه فوقفوا بباب عبد الملك ينادون على عمرو الأشدق أن يجيبهم ليطمئنوا على حياته . ولمّا لم تأتهم إجابة هجموا على القصر، ( وكسروا بابالمقصورة وضربوا الناس بالسيوف، وضربوا الوليد بن عبد الملك على رأسه، واحتملهإبراهيم بن عربي صاحب الديوان فأدخله بيت القراطيس... ودخل عبد الملك حين صلى فرأىعمراً بالحياة، فقال لعبد العزيز: ما منعك أن تقتله؟ فقال: " إنه ناشدني الله والرحمفرققت له. " فقال له: " اخزى الله أمك البوّالة على عقبيها، فإنك لم تشبه غيرها! " ، ثم أخذعبد الملك الحربة فطعن بها عمراً ، فلم تجز، ثم ثنّى فلم تجز، فضرب بيده على عضده فرأىالدرع فقال: ودرع أيضاً؟ إن كنت لمعداً! فأخذ الصمصامة وأمر بعمرو فصرع، وجلس علىصدره فذبحه وهو يقول:

يا عمرو إن لا تدع شتمي ومنقصتي **

أضربك حيث تقولالهامة اسقوني ).

7 ـ وحدث قتال بين ( يحيى بن سعيد بن العاص ) وأبناء عمه ( مروان بن الحكم بن العاص ) ، وتم حسم الأمر سريعا ، إذ ألقوا رأس عمرو الى الناس ، وقام عبد العزيز بن مروان بإلقاء الأموال للناس ، تقول الرواية : ( وجاء عبدالرحمن ابن أم الحكم الثقفي فدفع إليه الرأس، فألقاه إلى الناس، وقام عبد العزيز بنمروان وأخذ المال في البدر فجعل يلقيها إلى الناس، فلما رأى الناس الرأس والأموالانتهبوا الأموال . ) وفيما بعد إسترجع عبد الملك تلك الأموال من الناس ، تقول الرواية : ( ثم أمر عبد الملك بتلك الأموال فجُبيت حتى عادت إلى بيتالمال.)

8 ــ وأمر عبد الملك بقتل يحيى بن سعيد، ( فقام إليه عبد العزيز بنمروان فقال: " جعلت فداك يا أمير المؤمنين! أتراك قاتلاً بني أمية في يوم واحد! " فأمربيحيى فحبس. وأراد قتل عنبسة بن سعيد، فشفع فيه عبد العزيز أيضاً، وأراد قتل عامربن الأسود الكلبي، فشفع فيه عبد العزيز، وأمر ببني عمرو بن سعيد فحبسوا.) ( ثم بعث عبد الملك إلى امرأة عمروالكلبية: " ابعثي إلي كتاب الصلح الذي كتبته لعمرو . " ، فقالت لرسوله: " ارجع فأعلمه أن ذلكالصلح معه في أكفانه ليخاصمك عند ربه" . ) 

الخاتمة

الديمقراطية ثقيلة ومُتعبة ولكنها تعطى أسلوبا سلميا لتداول السلطة . أما الاستبداد وتوارث السلطة فهو طريق مفروش بالدماء ، وفى مقدمتها دماء المتصارعين على السُّلطة .

هذه هى حكمة التاريخ ، وقبل ذلك هى قاعدة قرآنية . يقول جل وعلا (اسْتِكْبَاراً فِي الأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ سُنَّةَ الأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلاً (43) فاطر ).  

ولكن المستبدين لا يعقلون ، وهم أيضا لا يؤمنون .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

يا حسرة على هذه الرءوس المقطوعة

   الروايات التاريخية فيها تداخل وتقاطع واختلاف وتوافق ، وليس هذا بحثا تاريخيا ، هو مقالات تاريخية تظهر أحداثا تاريخية تعطى لمحات من الفتنة الكبرى الثانية المسكوت عنها والتى قام بها من يعرف بالسلف الصالح . لو كان هذا بحثا تاريخيا لاستلزم كتابة منهجية تتبع الأحداث بالتفصيل ، مع مناقشة الروايات وإختيار الأقرب منها الى الصحة . لكننا هنا نختار أحداثا معينة نراها مهمة فى إبراز المسكوت عنه من تاريخ هذه الشخصيات ، تاركين مهمة التجلية البحثية الكاملة لشباب الباحثين ، ويكفينا هنا فى لمحة سريعة وفى مقالات متتابعة أن أثرنا الانتباه الى أحداث مؤسفة يجب الانتباه اليها .  .

نفوذ ابن الزبير بدأ و تزايد وتعاظم ، وبالتوازى فإن نفوذ بنى هاشم تناقص كلما تزايد نفوذ ابن الزبير. والجدل الذى حدث هنا وكان يصحبه تهديد من ابن الحنفية وابن عباس لابن الزبير وآله كان فى وقت لم تتم فيه السيطرة لابن الزبير . وحين تمت له السيطرة حبسهم وكاد أن يحرقهم. والتداخل بين الروايات مسئول عن ذلك الخلط بين حبس بنى هاشم وطلب ابن الحنفية الانتقال الى الكوفة . ويلاحظ أن موضوع الحرق جاءت الاشارة اليه فى مقال سابق ، ثم جاء تفصيله فى مقال خاص ، وهكذا فى أحداث أخرى جاءت الاشارة اليها فى أسطر ثم سيأتى تفصيلها فى مقالات قادمة  عن تحليل للشخصيات الأساس فى هذا الوقت . وهذا منهج هذا الكتاب الذى يتكون من مقالات منفصلة متصلة على نسق الحلقات الدرامية المنفصلة المتصلة . وقد إخترت هذه الطريق لكسر رتابة وغلظة البحث التاريخى ، ونحن مضطرون لهذا لجذب القارىء الذى يقرأ للتسلية . ولا مانع أن نجمع له بين التسلية والعلم ما إستطعنا.  

مقدمة :

1 ـ  خلال عشر سنوات ( 61 : 71 )  فقط شهد  قصر الامارة بالكوفة أربع رءوس مقطوعة لمشاهير الناس وقتها : رأس الحسين ، ثم رأس عبيد الله بن زياد ، ثم رأس المختار الثقفى ، ثم رأس مصعب بن الزبير . شهد هذا كله شخص إسمه  عبد الملك بن عمير الليثي . قال ‏:‏ ( رأيت في قصر الإمارة بالكوفة رأسالحسين رضي الله عنه بين يدي عبيد الله بن زياد ، ثم رأيت رأس ابن زياد بين يديالمختار ،  ثم رأيت رأس المختار بين يدي مصعب بن الزبير،  ثم رأيت رأس مصعب بين يدي عبدالملك بن مروان‏ .)

2 ـ نتخيل ما سبق فى هذه المشاهد الدرامية :

م1 : عبيد الله بن زياد على كرسى الإمارة فى قصر الامارة فى الكوفة عام 61 : وأمامه رأس الحسين .

م 2 : المختار بن عبيد الثقفى على كرسى الإمارة فى قصر الامارة فى الكوفة عام 64 : وامامه رأس عبيد الله بن زياد .

م 3 : مصعب بن الزبير على كرسى الإمارة فى قصر الامارة فى الكوفة عام 67 : وأمامه رأس المختار بن عبيد الثقفى .

م 4 : عبد الملك بن مروان على كرسى الإمارة فى قصر الامارة فى الكوفة عام 71 : وأمامه رأس مصعب بن الزبير .

هذه ( رءوس ) موضوعات فى الفتنة الكبرى الثانية التى تفجرت بسبب وراثة يزيد بن معاوية الحكم وما تسبب عنها من قتل الحسين .  نعطى لمحة عن الفتنة الكبرى الأولى ، ثم بعض  لمحات تاريخية عن هذه الفتنة الكبرى الثانية .  

أولا:  عرض سريع للفتنة الكبرى الأولى فى عصر الصحابة

1 ـ بعد موت خاتم المرسلين ـ عليهم جميعا السلام ـ عايش الصحابة الفتنة الكبرى التى ترتبت على الفتوحات العربية ـ لا الاسلامية لأنها حملت اسم الاسلام زورا وبهتانا ـ وفيها نهب العرب كنوز فارس ومصر وما بينهما وما بعدهما شرقا وغربا. ثم اختلفوا فى توزيع المال المنهوب والأراضى الزراعية، إذ فازت قريش ـ والأمويون بالذات ـ بالنصيب الأكبر ، على حساب جند الفتوحات من قبائل نجد وغيرهم ، فاحتج زعماء الأعراب ـ الذين كانوا مرتدين من قبل ، وواجه عثمان احتجاجهم بالاضطهاد ( عام 33 هجرية ) فتحول الاحتجاج الى ثورة احتل فيها الثوار المدينة وقتلوا عثمان عام 35، وعينوا ( عليا ) خليفة فى المدينة فأعطوا الفرصة لمعاوية للمطالبة بالثأر، محملا  (عليا ) المسئولية. بينما ثار صحابة آخرون وتزعموا ثورة ضد (على ) وقادهم الزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله والسيدة عائشة، وهزمهم (على) فى موقعة الجمل، وهى أول حرب طاحنة بين الصحابة (عام 36). ثم اضطر (على) لحرب معاوية، وكاد أن ينتصر عليه فى (صفين) (عام 37) لولا لجوء عمرو بن العاص الى خدعة التحكيم، أى الاحتكام الى كتاب الله، وأرغم أعراب (نجد) وغيرهم  ، من شيعة وجند (على) (عليا) على قبول التحكيم، رغم تحذيره لهم بأنها خدعة، فأضاعوا الانتصار فى صفين، ثم أرغموا (عليا) على أن يعين مندوبا عنه فى مفاوضات التحكيم، وهو (أبوموسى الأشعرى) ليتفاوض مع مندوب معاوية وهو عمرو بن العاص، فأعطوا بذلك اعترافا صريحا بشرعية معاوية وكونه ندا (لعلى). وانتهى التحكيم بمهزلة خداع عمرو لأبى موسى الأشعرى، فثار نفس الأعراب على (على) تحت شعار ( لا حكم الا لله)، وطلبوا من (على) أن يعترف بكفره ويتوب لأنه وافق على التحكيم، كما اعترفوا هم بكفرهم وتوبتهم حين أرغموه على قبول التحكيم. ورفض (على) فخرجوا عليه وحاربوه فهزمهم فى النهروان، فقتله أحدهم (ابن ملجم) عام 40. واكتسبوا آخر ألقابهم وهو (الخوارج ).

2 ـ الخوارج أهم مظاهر ونتائج الفتنة الكبرى الأولى . هؤلاء الصحابة كانوا فى البداية كفارا فأسلموا كيدا لقريش ، ثم ارتدوا حين عادت السيطرة لقريش بعد موت النبى محمد ، ولما هزمهم أبوبكر عادوا للاسلام، ثم بعدها مباشرة أصبحوا عماد الفتوحات ، ثم أصبحوا الثوار على عثمان، ثم شيعة على، وفى النهاية خرجوا عليه فأصبحوا (الخوارج). ترتب على الفتنة الكبرى الأولى أيضا تأسيس معاوية للدولة الأموية. فبعد قتل (على) بايع ابنه الحسن معاوية فيما سمى بعام الجماعة (40هجرية) ، وخرج على هذا الاجماع الخوارج فظلوا فى حرب مع معاوية وبقية خلفاء الدولة الأموية الى سقوطها عام 132 هجرية.

وبعد استتاب الأمر لمعاوية خطط لتوريث ابنه يزيد الخلافة ، فتولاها يزيد فى شهر رجب عام 60 بقوة السلاح ، فنشبت الفتنة الكبرى الثانية . كانت الفتنة الكبرى الأولى فى عصر الصحابة ، وكانت الفتنة الكبرى الثانية فى عصر أبنائهم، أى  فى عصر ( التابعين ).

ثانيا : ملامح الفتنة الكبرى الثانية فى عصر التابعين

1 ـ  كان تولي يزيد بن معاوية الحكم بالوراثة سابقة خطيرة في تاريخ المسلمين ، ولم تمر بسهولة ، إذ ترتب عليها أحداث خطيرة لا تزال تؤرق الضمير المسلم حتى الآن ، فى فترة حكمه القصير كان قتل الحسين وآله في "كربلاء" ، ثم اقتحام المدينة وقتل أهلها ، ثم انتهاك البيت الحرام وضرب الكعبة بالمنجنيق .  

2 ـ بدأت الفتنة الكبرى الثانية بثورة الحسين وقتل الحسين ومعظم اهله فى كربلاء عام 61 هجرية . وقد عرضنا لذلك بالتفصيل فى كتاب منشور هنا . وتم عرض رأس الحسين على والى الكوفة عبيد الله بن زياد فى قصر الامارة بالكوفة فى هذا العام 61 .

3 ــ من دمشق عادت زينب بنت على ( أخت الحسين ) الى المدينة تحمل رأس الحسين  ومعها ابن اخيها الصبى على زين العابدين ابن الحسين وبنات الحسين وغيرهن ممن صحبنه  فى هذه الحملة المشئومة . كان يزيد بن معاوية قد حاول إستمالة أهل المدينة ، ولكن ما حدث للحسين فى كربلاء فجّر ثورة المدينة ، فأرسل يزيد حملة عسكرية يقودها مسلم بن عقبة ، استطاعت هزيمة أهل المدينة واستحلالها وقتل معظم اهلها وهتك أعراض نسائها فى موقعة الحرة فى شهر حرام هو ذو الحجة عام 63 .

4 ــ وكان عام 64 خطيرا :

4 / 1 : فقد إستغل عبد الله بن الزبير   مذبحة كربلاء فأعلن نفسه خليفة فى مكة وبايعه أهل مكة والحجاز . وأمر يزيد بن معاوية قائد جيشه مسلم بن عقبة بعد أن هزم أهل المدينة أن يتوجه لاخماد ثورة ابن الزبير فى مكة . وأطلقوا عليه لقب ( مسرف ) بدلا من ( مسلم ) . ومات ( مسلم ) بن عقبة أثناء توجهه بالجيش الأموى للقضاء على تمرد ابن الزبير فى مكة ، فتولى القيادة الحصين بن نمير الذى حاصر مكة والكعبة عام 64 ، وأثناء الحصار شبت النار فى أستار الكعبة بضربة من المنجنيق يوم السبت 3 ربيع الأول عام 64 ، فترك ابن الزبير الحريق يأتى على الكعبة نكاية فى الأمويين وتشنيعا عليهم . وجاءت الأنباء بعدها بموت يزيد بن معاوية فى 14 ربيع الأول عام 64 ، فعرض قائد الجيش الأموى الحصين بن نمير على عبد الله بن الزبير أن يعترف به خليفة مقابل أن يترك الحجاز ويأتى معه الى دمشق ، وكان رأيا صائبا ، ولكن رفضه ابن الزبير . وانفض حصار مكة ورجع الجيش الأموى خائبا .واعتزل الخليفة الجديد معاوية بن يزيد بن معاوية الحكم بعد حوالى شهر من ولايته متبرئا مما فعله أهله الأمويون فقتله أهله بالسم فمات وهو ابن 13 عاما . ودخل المسلمون فى فترة اضطراب كان أكثر المستفيدين منها عبد الله بن الزبير.

4 / 2 : أصبح موقف الأمويين عسيرا فى الشام ، إذ إختار العرب في مصر الانضمام الى ابن الزبير ، بل إن أنصار الأمويين فى الشام انفضوا عنهم وبايعوا ابن الزبيرمثلما فعل النعمان بن البشير فى حمص وزفر بن الحارث الكلابى فى قنسرين ، وجاءت الطامة الكبرى لبنى أمية بأن بايع الضحاك بن قيس الفهرى لابن الزبير. والضحاك بن قيس كان أبرز مؤيدى الأمويين من قبل ، وهو زعيم قبائل قيس المضرية فى الشام والمتولى أمر دمشق نفسها بعد انهيار الحكم الأموى فيها .

4 / 3 : وكان عام 64 خطيرا أيضا بالنسبة لعبيد الله بن زياد بالعراق . بلغه موت يزيد وإعتزال ابنه معاوية واختلاف بنى أمية ، فجمع أهل البصرة وخطب فيهم متحببا اليهم ، فبايعوه على الامارة الى أن ينجلى الأمر ، وبعد أن تركوه خلعوا بيعته ، وتابعهم أهل الكوفة ، وإنفض عنه أنصاره فلم يعد أمره نافذا فيهم . وجاء مبعوث من ابن الزبير يدعو لبيعته ، فهرب عبيد الله بن زياد ، ثم لحق بالأمويين فى الشام .

4 / 4 : واجتمع لابن الزبير أهل الكوفةوالبصرة ومن بالقبلة من العرب وأهل الجزيرة وأهل الشام إلا أهل الأردن حيث تتمركز قبيلة كلب ‏.‏هذا الوضع المتردى للأمويين جعل كبيرهم مروان بن الحكم يفكر فى البيعة لابن الزبير ، ولكن أثناه عن ذلك عبيد الله بن زياد والى العراق ـ بعد هروبه من العراق الى الشام ـ والحصين بن النمير العائد من حصار الكعبة وقتال ابن الزبير. ووقف الى جانب الأمويين فى محنتهم حسان بن بحدل الكلبى خال يزيد بن معاوية وزعيم قبائل كلب فى الشام . وكان ابن الزبير بغبائه قد طرد عائلات الأمويين فى الحجاز فأتاح لهم التجمع فى الشام . وعقدوا مع أنصارهم مؤتمر الجابية ، واتفقوا فيه فى 3 ذى القعدة 64 على تولى الخلافة مروان بن الحكم شيخ الأمويين وقتها ، ثم يليه خالد بن يزيد بن معاوية ثم عمرو بن سعيد بن العاص . بهذا أرضى مؤتمر الجابية كل المتطلعين للخلافة ، ولكنه سنّ سنة سيئة ، وهى العهد لأكثر من واحد بالخلافة ، وكان لهذا أكبر الأثر في حدوث انشقاقات في البيت الأموي الحاكم . ـ

 4 / 5 : وبدأ مروان بن الحكم باستخلاص الشام من أتباع ابن الزبير ، فهزم الضحاك بن قيس الفهرى وقتله فى موقعة مرج راهط ، عام 64 ، ويقال 65 ، وفيها فقدت قبائل قيس الكثير من أشرافها والآلاف من أبنائها على يد أنصار الأمويين من قبائل كلب ، فأحدث هذا ثأرا داميا بين قيس وكلب استمر يتفاعل طيلة الدولة الأموية مما أسهم فى القضاء عليها . وليحمى ظهره بعدها سار مروان بن الحكم لاسترداد مصر من والى ابن الزبير ، وهو عبد الرحمن بن جحدم الفهرى القرشى فقتله . ولكن ظل العراق شوكة فى ظهر مروان بن الحكم . وكان يتبع العراق خراسان وما حولها ، فأرسل مروان  جيشا يقوده عبيد الله بن زياد الى منطقة الجزيرة وقرقيساء حيث إنضم زفر بن الحارث لابن الزبير ، وهزم ابن زياد زفر بن الحارث ، واتجه للعراق ليعيده الى السيطورة الأموية .

 5 : وشهد عام 65 أحداثا هامة :

5 / 1 : نقض مروان بن الحكم لاتفاق الجابية ، إذ عزل من ولاية العهد كلا من خالد بن يزيد وعمرو بن سعيد ، وعهد لابنيه على التوالى عبد الملك ثم عبد العزيز. ومات مروان فتولى ابنه عبد الملك بن مروان عام 65 . وعبد الملك هو الذى أعاد تأسيس الدولة الأموية ، ووطّد أمورها . وبه انتهت الفتنة الكبرى الثانية ، التى شارك فيها الصحابة وأبناء كبار الصحابة مثل ابن الزبير وابن عباس والحسين والنعمان بن البشير،وغيرهم .

5 / 2 : وبعث عبد الملك بن مروان يأمر عبيد الله بن زياد بإسترداد العراق . وتحركت الشيعة فى العراق للثأر من قتلة الحسين تحت شعار ( التوابين )، وتزعمهم سليمان بن صرد ، وقد هزمهم عبيد الله بن زياد فى  موقعة عين الوردة في شهر ربيع الآخر‏.‏ 65  .

6 ـ فى عامى 66 :67

 ظهر فى العراق مغامر اسمه المختار الثقفى سيطر على معظم العراق فى هذا العام ، واستقر فى كرسى الامارة . كان يزعم تبعيته لآل البيت ودعوته لمحمد بن على بن أبى طالب ( ابن الحنفية ) أكبر أولاد (على ) والمقيم فى الحجاز تحت سيطرة ابن الزبير ، ومرة بزعمه التبعية لابن الزبير ، ولكن هواه كان أكثر مع الهاشميين . ولكن المختار كان حريصا على ألاّ يأتى محمد بن الحنفية الى العراق حتى يظل فى سلطته بالعراق ، وكان فى نفس الوقت يخادع ابن الزبير يوهمه أنه على بيعته . وظهر لابن الزبير نفاقه حين هدد ابن الزبير باحراق كل بنى هاشم إن لم يبايعوا له ، بل جمعهم وكاد أن يشعل فيهم النار ، فبعثوا يستغيثون بالمختار فى العراق فارسل المختار لهم فرقة من الجيش لانقاذهم ، وعندما رأى ابن الزبير جيش المختار هرب واستنجد بالكعبة ، وتم انقاذ محمد بن الحنفية وسائر بنى هاشم وقد أعد ابن الزبير الحطب ليحرقهم، فكسروا الباب ودخلوا على ابن الحنفية فقالوا: خل بيننا وبينعدو الله ابن الزبير! فقال لهم: إني لا أستحل القتال في الحرم. . وأصبح العداء علنيا بين المختار الثقفى وابن الزبير .

والمختار الثقفى هو الذى تتبع بالقتل كل من شارك فى مذبحة كربلاء ،وقد انضم اليه ابراهيم بن الأشتر النخعى بمن معه من الشيعة فأرسله المختار ليقاتل عبيد الله بن زياد . وكان ابن زياد قد سار في عسكر عظيم من الشام، فبلغالموصل وملكها،  ، فسار إبراهيم بن الأشتر الى الموصل ، وجرت موقعة هائلة انتصر فيها العراقيون الشيعة على جنود اهل الشام الأمويين ، وقتل ابراهيم بن الأشتر عبيد الله بن زياد فى المعركة دون ان يعرفه . وتم التعرف عليه فاحتزوا رأسه وأرسلوها الى المختار فى الكوفة بينما أحرقوا جسده ، وكان هذا عام 67 .

وفى نفس العام  67 كانت هزيمة المختار وقتله على يد مصعب بن الزبير . إذ أرسل ابن الزبير أخاه مصعب ـ وكان فارسا شجاعا شهما الى العراق ـ فهزم المختار وقتله عام 67 وضم العراق لأخيه . وتم عرض رأس المختار على مصعب بن الزبير .

وجاء مصعب لأخيه عبد الله بن الزبير بالبشرى فما كان من ابن الزبير إلا أن عزل أخاه وحبسه وولّى العراق ابنه حمزة بن عبد الله بن الزبير واليا على العراق، وكان شابا قليل الخبرة خفيف العقل فاستخف به أهل العراق فاضطر ابن الزبير لعزل ابنه واعادة أخيه مصعب للعراق.

7 ـ  وهناك فى الشام مكث عبد الملك بن مروان يعد جيشه ويستعد للمواجهة الكبرى فى العراق تاركا مصعب بن الزبير يستنفذ قواه فى معارك متتالية مع المختار الثقفى ثم مع الخوارج الأزارقة وغيرهم ، وفى عام 71 كان جيش مصعب منهكا فزحف اليه عبد الملك بجيشه فهزم مصعب وقتله .

وتم عرض رأس مصعب بن الزبير على عبد الملك بن مروان

8 ـ وبهذا حوصر عبد الله بن الزبير فى الحجاز حيث لا زرع ولا ضرع . وفى عام 72 بعث عبد الملك بجيش يقوده الحجاج بن يوسف فأعاد حصار مكة والحرم فى هلال ذى القعدة الشهر الحرام عام 72 ، واستمر الحصار ستة أشهر وسبع عشرة ليلة وقيل ثمانية أشهر ، فتفرق عن ابن الزبير معظم أتباعه وأهله ومنهم ابناه حمزة وخبيب ، إذ تسللا الى الحجاج وأخذا منه أمانا .وظل ابن الزبير يقاتل يأسا الى أن سقط صريعا ، فاحتزّ الحجاج رأسه وبعث بها الى عبد الملك فى دمشق .وعُرضت رأس عبد الله بن الزبير على عبد الملك فى قصر الخلافة فى دمشق .

أخيرا :

1 ـ هذا السلف (الصالح ) الذى سار على سُنّة ( الخلفاء الراشدين المهديّين )   : كم رأسا قطع ؟

2 ـ تقطيع الرءوس كان سُنّة محمودة مرعية ، ومهما تباعد المكان كانت الرأس المقطوعة تُحملُ الى حيث المنتصر فيتسلى بالعبث بالرأس .

3 ـ  وقتها لم يحظ مئات الألوف من القتلى بشرف تقطيع رءوسهم . تقطيع الرءوس كان فقط ( للرءوس الكبيرة ) ليست كبيرة الحجم ولكن كبيرة المقام . الزعيم القائد المقتول هو الذى يحظى بشرف قطع رأسه وحملها من مكة الى دمشق ، أو من كربلاء الى الكوفة ، أو من الموصل الى الكوفة . وتتعفن الرأس فى الطريق ولكن هذا لا يمنع من حتمية وصولها الى من يهمه الأمر ليشفى غليله .

4 ـ هناك بضع عشرات من الرءوس تم قطفها ـ أو تم قطعها ــ للزعماء فى هذه الفتنة الكبرى الثانية . ولكن تم التوسع فى قطع المئات من الرءوس بعدها ، خصوصا من الحجاج صاحب العبارة الشهيرة :( إنى لأرى أرؤسا قد أينعت وحان قطافها ، وإنى لصاحبها ) هل هناك غرام بقطع الرءوس أكثر من هذا ؟

5 ـ هل نلوم داعش ..وحدها ؟ 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

موقعة الحرة وانتهاك حُرمة المدينة  

  

موقعة الحرة وانتهاك حُرمة المدينة : صفحة سوداء من تاريخ السلف الصالح

أولا : عام 63

 1 ـ بعد مأساة كربلاء عيّن يزيد بن معاوية ( عاملا ) أى واليا على المدينة هو  ( عثمان بن محمد بن أبي سفيان ) الذى ارسل  إلى يزيد وفدا من أهل المدينة فيهم عبدالله بن حنظلة الأنصاري وعبدالله بن أبي عمرو بن حفص بن المغيرة المخزومي والمنذر بن الزبير ورجالا كثيرا من أشراف أهل المدينة . فقدموا على يزيد بن معاوية فأكرمهم وأحسن إليهم وأعظم جوائزهم ، واعطى المنذر بن الزبير مائة ألف درهم .

2 ـ ثم رجعوا الى المدينة حيث أعلنوا شتم يزيد وخلع بيعته ، وقالوا : ( إنا قدمنا من عند رجل ليس له دين يشرب الخمر ويعزف بالطنابير ويضرب عنده القيان ويلعب بالكلاب ويسامر الفتيان وإنا نشهدكم أنا قد خلعناه )، فاجابهم الناس يقولون عن يزيد ( خلعناه كما نخلع  نعالنا ) . وبايعوا عبدالله بن حنظلة الانصارى أميرا عليهم . وكان المنذر بن الزبير  ممن يحرض على يزيد  ، وكان من قوله : ( إن يزيد والله لقد أجازني بمائة الف درهم وإنه لا يمنعني ما صنع إلي أن أخبركم خبره وأصدقكم عنه ، والله إنه ليشرب الخمر وإنه ليسكر حتى يدع الصلاة . ) . وبلغ يزيد بن معاوية قول المنذر بن الزبير فيه فقال : ( اللهم إني آثرته وأكرمته ففعل ما قد رأيت فاذكره بالكذب والقطيعة . ) .

3 ــ وبعث  يزيد بن معاوية (النعمان بن بشير الأنصاري ) ليقنع أهل المدينة بالرجوع عن خلع بيعته ، وقال له: ( ائت الناس وقومك فافثأهم عما يريدون فإنهم إن لم ينهضوا في هذا الأمر لم يجترئ الناس على خلافي ، وبها من عشيرتي من لا أحب أن ينهض في هذه الفتنة فيهلك . ) فأقبل النعمان بن بشير فأتى قومه ودعا الناس إليه عامة وأمرهم بالطاعة ولزوم الجماعة وخوفهم الفتنة وقال لهم : ( إنه لا طاقة لكم بأهل الشأم ) فرفضوا .

ثانيا :  وفى مطلع عام 64 :

1 ـ هاجم أهل المدينة الوالى الأموى ( عثمان بن محمد بن أبي سفيان )  ومن معه من بنى أمية ومواليهم ومؤيديهم ، وكانوا نحو ألف رجل ، فهربوا الى بيت مروان بن الحكم فحاصروهم فيه. فارسلوا رسالة يستغيثون فيها بيزيد بن معاوية فى دمشق ، حملها اليه حبيب بن كرّة ، فدخل على يزيد وسلمه الرسالة ، وفيها : ( بسم الله الرحمن الرحيم . أما بعد فإنه قد حصرنا في دار مروان بن الحكم ومنعنا العذب ورمينا بالجبوب ، فياغوثاه يا غوثاه  ) . وقرأ يزيد الرسالة ، فأرسل الى عمرو بن سعيد بن العاص ليجعله قائدا على الجيش الذى يتوجه للمدينة ، فرفض عمرو بن سعيد بن العاص وقال : (إنما هي دماء قريش تهراق بالصعيد فلا أحب أن أكون أنا أتولى ذلك ، يتولاها من هو أبعد منهم مني ) ، وعيّن الخليفة يزيد ( مسلم ابن عقبة المري ) قائدا للجيش ، وكان شيخا كبيرا ضعيفا مريضا. وجمع مسلم بن عقبة اثنا عشر الف رجل، واعطى كل فرد  مائة دينار مع العطاء السنوى.  وتحرك الجيش وأوصى يزيد بن معاوية قائد الجيش ( مسلم بن عقبة ) فقال : (إن حدث بك حادث فاستخلف في الجيش حصين بن نمير السكوني ). وقال له  ( ادع القوم ثلاثا ، فإن هم أجابوك وإلا فقاتلهم، فإذا أظهرت عليهم فأبحها ثلاثا ، فما فيها من مال أو رقة أو سلاح أو طعام فهو للجند ، فإذا مضت الثلاث فاكفف عن الناس . وانظر علي بن الحسين فاكفف عنه واستوص به خيرا وأدن مجلسه ، فإنه لم يدخل في شيء مما دخلوا فيه .) .

2 ــ وعرف أهل المدينة بإقتراب الجيش الأموى فشددوا الحصار على الأمويين المحاصرين فى بيت مروان بن الحكم ،  وقالوا : ( والله لا نكف عنكم حتى نستنزلكم ونضرب أعناقكم او تعطونا عهد الله وميثاقه لا تبغونا غائلة ولا تدلوا لنا على عورة ولا تظاهروا علينا عدوا فنكف عنكم ونخرجكم عنا ) ، فأعطوهم عهد الله وميثاقه ( لا نبغيكم غائلة ولا ندل لكم على عورة ) . فأخرجوهم من المدينة

3 ـ وخرجت بنو أمية بأثقالهم . فقابلوا مسلم بن عقبة بوادي القرى . ودعا مسلم بن عقبة بعمرو بن عثمان بن عفان ، فقال له : ( أخبرني خبر ما وراءك ، وأشر علي ) قال : ( لا أستطيع أن أخبرك . أخذ علينا العهود والمواثيق ألا ندل على عوره ولا نظاهر عدوا ).  فانتهره ، ثم قال : ( والله لولا أنك ابن عثمان لضربت عنقك ، وايم الله لا أقيلها قرشيا بعدك.)( أى لا أقبلها  )  فخرج فأخبر بنى أمية فارتعبوا من مسلم بن عقبة ، فقال مروان بن الحكم لابنه عبدالملك : ( ادخل قبلي لعله يجتريء بك عني . ) فدخل عليه عبدالملك ،  فقال له مسلم بن عقبة : ( هات ما عندك أخبرني خبر الناس وكيف ترى ) فقال له : ( نعم.  أرى أن تسير بمن معك فتنكب هذا الطريق إلى المدينة حتى إذا انتهيت إلى ادنى نخل بها نزلت فاستظل الناس في ظله وأكلوا من صقره ، حتى إذا كان الليل أذكيت الحرس الليل كله عقبا بين أهل العسكر ، حتى إذا أصبحت صليت بالناس الغداة  ، ثم مضيت بهم وتركت المدينة ذات اليسار،  ثم أدرت بالمدينة حتى تأتيهم من قبل الحرة مشرقا  ، ثم تستقبل القوم فإذا استقبلتهم وقد أشرقت عليهم وطلعت الشمس طلعت بين أكتاف أصحابك فلا تؤذيهم ، وتقع في وجوههم فيؤذيهم حرها ويصيبهم أذاها ، ويرون ما دمتم مشرقين من ائتلاق بيضكم وحرابكم وأسنة رماحكم وسيوفكم ودروعكم وسواعدكم ما لا ترونه أنتم لشيء من سلاحهم ما داموا مغربين . ثم قاتلهم واستعن بالله عليهم فإن الله ناصرك إذ خالفوا الإمام وخرجوا من الجماعة. ) فقال له مسلم : ( لله أبوك أي امرئ ولد إذ ولدك.!  لقد رأى بك خلفا . ) .

4 ـ ونفّذ مسلم بن عقبة نصيحة عبد الملك بن مروان بن الحكم . وأتى مسلم بن عقبة المدينة من المشرق ، ودعا أهلها  فقال : ( يا أهل المدينة إن أمير المؤمنين يزيد بن معاوية يزعم أنكم الأصل وإني أكره هراقة دمائكم ، وإني أؤجلكم ثلاثا ، فمن ارعوى وراجع الحق قبلنا منه ، وانصرفت عنكم ، وسرت إلى هذا الملحد الذي بمكة ( يعنى عبد الله بن الزبير ) وإن أبيتم كنا قد أعذرنا إليكم ) . ولما مضت الأيام الثلاثة قال : ( يا أهل المدينة قد مضت الأيام الثلاثة فما تصنعون ؟ أتسالمون أم تحاربون ؟  فقالوا : بل نحارب . فقال لهم : لا تفعلوا بل ادخلوا في الطاعة ونجعل حدنا وشوكتنا على هذا الملحد  ) يقصد عبد الله بن الزبير فى مكة . فرفضوا .  

5 ــ وحفر أهل المدينة خندقا ، ووزعوا انفسهم فى الدفاع عن المدينة ، وكان القائد العام هو الأمير عبدالله بن حنظلة الأنصاري . واشتد أهل المدينة فى الهجوم حتى وصلوا فسطاط مسلم بن عقبة ، وكان مسلم فى مرضه قد أمر أن يوضع سريره ظاهرا وأمر أتباعه بالدفاع عنه وإلا حرمهم من العطاء ، وتلاحم المقاتلون وانتهت المعركة بهزيمة اهل المدينة وقتل زعمائهم .

6 ــ  وأباح مسلم لجيشه المدينة ثلاثة ايام ، يقتلون الناس ويأخذون الأموال ويغتصبون النساء . ثم دخل   المدينة فدعا الناس للبيعة على أنهم ممتلكات  ليزيد بن معاوية، يحكم في دمائهم وأموالهم وأهليهم ما شاء. وقتل من لم يبايع بهذه الصيغة ،  قال يزيد بن عبد الله بن ربيعة‏:‏( نبايع على كتاب الله ) ، فأمر به فضربت عنقه. وجىء له بسعيد بن المسيب إلى مسلم فقالوا‏:‏ بايع فقال‏:‏ أبايع على سيرة أبي بكر وعمر، فأمر بضرب عنقه ، فشهد له رجل أنه مجنون فخلى عنه‏.وطلب بعضهم الأمان فقتلهم مسلم بن عقبة. ونفّذ وصية يزيد فى إكرام على زين العابدين .

7 ـ ورووا فظائع عما جرى فى المدينة . قالت إحداهن : (  رأيت امرأة من قريش تطوف فعرض لها ( شخص ) أسود فعانقته وقبلته، فقلت‏:‏ يا أمة الله أتفعلين هذا بهذا الأسود؟ قالت‏:‏ هو ابني وقع عليّ أبوه يوم الحرة فولدت هذا‏.‏)، وعن اغتصاب بنات المدينة العذارى روى المدائني  ‏:‏ ( ولدت ألف امرأة بعد الحرة من غير زوج ).  

ثالثا : 

1 ـ وكان مسلم بن عقيل يؤمن بأن ما يفعله هو عمل صالح ، فقد قال : ( ليس شيء أحب إلي من الموت على طهارتي، فإني لا أشك أن الله قد طهرني من ذنوبي بقتلي هؤلاء الأرجاس‏.)

2 ـ وردا على إذلال أهل المدينة وإنتهاك حُرمتها صيغت أحاديث تعطى المدينة قُدسية وتهدد من يهاجمها  ، وشاعت هذه الأحاديث حتى تم تسجيلها فى العصر العباسى الثانى  ، ومنها حديث  البخاري  :‏‏(‏لا يكيد أهل المدينة أحد إلا انماع كما ينماع الملح في الماء‏)‏‏)‏‏.و حديث ( مسلم  )  ‏:‏ ‏(‏‏ ‏لا يريد أحد المدينة بسوء إلا أذابه الله في النار ذوب الرصاص - أو ذوب الملح في الماء -‏)‏‏)‏‏.،‏ ‏(‏‏ ‏من أراد أهل المدينة بسوء أذابه الله كما يذوب الملح في الماء‏)‏‏)‏‏.‏وحديث أحمد بن حنبل ‏:‏  (‏من أخاف أهل المدينة ظلماً أخافه الله وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفاً ولا عدلاً‏)‏‏)‏‏.‏ ، ‏‏(‏من أخاف أهل المدينة أخافه الله، وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين‏)‏‏)‏‏.‏و الدار قطني عن أحدهم ‏:‏ (  خرجنا مع أبينا يوم الحرة وقد كف بصره فقال‏:‏ تعس من أخاف رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ فقلنا‏:‏ يا أبة وهل أحد يخيف رسول الله صلى الله عليه وسلم‏؟‏  فقال‏:‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏(‏‏(‏من أخاف أهل هذا الحي من الأنصار فقد أخاف ما بين هذين‏)‏‏)‏ - ووضع يده على جبينه .

3-‏.‏وفى العصر المملوكى شاع تقديس السلف الصالح وتبرير خطاياهم، وقد روى ابن كثير فى تاريخه ( البداية والنهاية ) هذه الأحاديث فى تعليقه على موقعة الحرة . وقال : ( قد استدل بهذا الحديث وأمثاله من ذهب إلى الترخيص في لعنة يزيد بن معاوية ...‏ومنع من ذلك آخرون وصنفوا فيه أيضاً لئلا يجعل لعنة وسيلة إلى أبيه أو أحد من الصحابة، وحملوا ما صدر عنه من سوء التصرفات على أنه تأول وأخطأ‏.‏ وقالوا‏:‏ إنه كان مع ذلك إماماً فاسقاً، والإمام إذا فسق لا يعزل بمجرد فسقه على أصح قولي العلماء ، بل ولا يجوز الخروج عليه لما في ذلك من إثارة الفتنة، ووقوع الهرج وسفك الدماء الحرام، ونهب الأموال، وفعل الفواحش مع النساء وغيرهن، وغير ذلك مما كل واحدة فيها من الفساد أضعاف فسقه كما جرى مما تقدم إلى يومنا هذا‏.‏.) ودافع ابن كثير عن يزيد بن معاوية فقال : ( .وأما ما يذكره بعض الناس من أن يزيد لما بلغه خبر أهل المدينة وما جرى عليهم عند الحرة من مسلم بن عقبة وجيشه، فرح بذلك فرحاً شديداً، فإنه كان يرى أنه الإمام وقد خرجوا عن طاعته، وأمروا عليهم غيره، فله قتالهم حتى يرجعوا إلى الطاعة ولزوم الجماعة‏.‏كما أنذرهم بذلك على لسان النعمان بن بشير ومسلم بن عقبة كما تقدم، وقد جاء في ‏(‏الصحيح‏)‏‏:‏ ‏(‏‏(‏من جاءكم وأمركم جميع يريد أن يفرق بينكم فاقتلوه كائناً من كان‏)‏‏)‏‏.

4 ـ هذا رأى الامام السلفى ابن كثير متناقضا فى دفاعه عن ( السلف الصالح ) . 

 

 

 

 

 

 

 

حصار الحرم وحرق الكعبة  ـ صفحة من التاريخ الأسود للسلف الصالح

أولا : الحصار الأول لابن الزبير فى مكة

1 ـ كان معاوية عند وفاته قد حذر ابنه يزيد من عبد الله بن الزبير بالذات ، وأوصى ابنه أن يأخذ ابن الزبير بالشدة . كما حذره من عصيان اهل المدينة ، وأوصاه إن فعلوا فليبعث لهم بمسلم بن عقبة لأنه يثق فى إخلاصه . وفعلا فقد اعلن عبد الله بن الزبير نفسه خليفة ، وتحصّن بالبيت الحرام رافضا ان يذهب الى العراق فينتهى قتيلا مثل ( على ) وابنه ( الحسين ). يبدو أن ابن الزبير قد ظن أن حُرمة البيت ستجعل الأمويين يتحرجون من بعث جيش اليه فينتهك حُرمة البيت الحرام . والواقع أن الأمويين بعد قتل الحسين قد وصلوا الى نهاية الشوط ، فلم يعوددوا يتحرجون من شىء ولا يتوقفون عن شىء ، ولا تأخذهم فى إحتفاظهم بمُلكلهم لومة لائم . وفعلا فإن الأمويين أرسلوا جيشهم فى الشهر ( الحرام  ) ليهاجم ابن الزبير الثائر المستجير بالبيت ( الحرام  ). مسئولية ابن الزبير تعادل ـ إن لم تتفوق على ــ مسئولية الأمويين ، لأنه هو الذى وضع البيت الحرام فى هذا الموضع ، إختار أن يجعله مركزه الحربى وحصنه الذى يتحصّن به. فإذا كان حراما حمل السلاح فى الحرم فكيف بتحويل الحرم الى ثكنة عسكرية ، تقول لأعدائها تعالوا حاربونى . ؟ .

2 ـ ويذكر الطبرى أن ابن الزبير عندما أعلن ثورته فى مكة بعث يزيد بن معاوية الى الوالى عبيد الله بن زياد فى العراق يأمره بغزو ابن الزبير فى الحرم ، فرفض ابن زياد وقال : ( لا أجمعهما للفاسق أبدا ، أقتل ابن بنت رسول الله وأغزو البيت )؟!.. برفض ابن زياد أمر يزيد بن معاوية ( مسلم بن عقبة ) أن يغزو ابن الزبير بعد أن يفرغ من المدينة . وانتصر مسلم بن عقبة على المدينة ، وتركها وإستخلف عليها ( روح بن زنباغ الجذامى )، وتحرك بالجيش قاصدا ابن الزبير فى مكة . وحضره الموت فى الطريق فى آخر المحرم عام 64 ، وعلى فراش الاحتضار دعا الحصين بن نمير السكونى وقال له :( يا برذعة الحمار ، أما لو كان لى هذا الأمر ما وليتك هذا الجند ، ولكن أمير المؤمنين ولاك .وليس لأمره مترك .) ثم أوصاه فقال : (  أسرع المسير ،وعجل الوقاع ( أى الاشتباك الحربى ) ، وعم الأخبار ( يعنى انشر عيونك وجواسيسك يأتوك بالأخبار ) ، ولا تمكّن قرشيا من أذنك ،ولا تؤخر ابن الزبير ثلاثا حتى تناجزه ( أى تقاتله ) ، وقال له : (  إنك تقدم بمكة ولا منعة لهم ولا سلاح . ولهم جبال تشرف عليهم ، فانصب عليهم المنجنيق ، فإنهم بين جبلين ، فإن تعوذوا بالبيت فارمه واتجّه على بنيانه‏.)‏ أى أمره برمى الكعبة بالمنجنيق لو إستجار ابن الزبير به . ثم قال :( اللهم إني لم أعمل عملًا قط بعد شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله ، أحب إلي من قتل أهل المدينة ولا أرجى عندي في الآخرة‏. ) ‏واوصى لأهله بضيعته فى حوران ، واوصى الى جاريته بداره ومافيها. ومات فدفن بالمشلل‏.‏ 

2 ـ  ووقع حصار البيت (الحرام ) فى شهر محرم ( الحرام ) عام 64 .

وجاء الخوارج بقيادة نجدة بن عامر الحنفى للدفاع عن البيت الحرام ، وخرجت من المدينة جموع اتجهوا الى مكة لمساعدة ابن الزبير إنتقاما لما حدث لهم فى موقعة الحرة . وجاء معهم المنذر بن الزبير مناصرة لأخيه عبد الله بن الزبير وصل الجيش الأموى الى مكة وباشر حصارها ، وأرسل عبد الله بن الزبير أخاه المنذر بمجموعة إشتبكت مع جيش الأمويين ، واستمر القتال ساعة ، ثم إن رجلا من أهل الشام دعا المنذر إلى المبارزة  ، فخرج إليه المنذر فضرب كل واحد منهما صاحبه ضربة خر صاحبه لها ميتا ، فجثا عبدالله ابن الزبير على ركبتيه يدعو على الذي بارز أخاه.  ثم إن أهل الشام شدوا على ابن الزبير شدة منكرة وهرب أصحابه ، وعثرت بغلته،  فقال " تعسا " ثم نزل وصاح بأصحابه إلي نجدته ، فأقبل إليه جماعة منهم المسور بن مخرمة بن نوفل بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة ومصعب بن عبدالرحمن بن عوف الزهري ، فقاتلوا حتى قتلوا جميعا ، واستمر القتال حتى الليل ،ثم يستأنفونه فى الصباح . وهكذا من شهر المحرم وصفر حتى الأيام الأولى من شهر ربيع الأول .  

3 ـ ثم بدأ الجيش الأموى يقذف البيت الحرام بالمنجنيق يوم السبت الثالث من شهر ربيع الأول سنة أربع وستين. وفى هذا اليوم إشتعلت النيران فى الكعبة . وظلوا يقذفون البيت بالصخور المحماة ،وهم ينشدون شعرا يقولون :       

خطارة مثل الفنيق المزبد     نرمي بها أعواد هذا المسجد

وكانوا يقولون :

 كيف ترى صنيع أم فروه   تأخذهم بين الصفا والمروه ؟

وأم فروة يعني المنجنيق.

4 ـ وهناك من يروى أن شرارة نار من أتباع ابن الزبير كانت السبب ، تقول الرواية للواقدى : ( كانوا يوقدون حول الكعبة ، فاقبلت شررة هبت بها الريح فاحترقت ثياب الكعبة واحترق خشب البيت يوم السبت لثلاث ليال خلون من ربيع الأول ) ( حدثني عروة بن أذينة قال قدمت مكة مع أمي يوم احترقت الكعبة قد خلصت إليها النار ، ورأيتها مجردة من الحرير ورأيت الركن قد اسود وانصدع إلى ثلاثة أمكنة ، فقلت ما اصاب الكعبة ؟ فأشاروا إلى رجل من اصحاب عبدالله بن الزبير،  قالوا : "هذا احترقت بسببه ، أخذ قبسا في رأس رمح له ، فطيرت الريح به ، فضربت أستار الكعبة ما بين الركن اليماني و الحجر الأسود  "). إذا كان هذا صحيحا وأن الحريق بسبب إهمال شائن من واحد من اتباع ابن الزبير لم يتعمد إحراق البيت ، ، فلماذا لم يبادروا بإطفاء الحريق ؟ ولماذا سكتوا عليه الى أن أحرق الكعبة ؟ . هذه مسئولية ابن الزبير الذى إحتمى بالكعبة خوفا من مصير الحسين ، ومع ذلك أهمل فى حراستها ، وحين إشتعلت فيها النار لم يبادر بإطفائها . وهناك رواية تقول أنابن الزبير ترك النار تحرق الكعبة ليحرض الناس على الأمويين ويشنع عليهم .  وقال الواقدي  : ( احترقت الكعبة يوم السبت لثلاث ليال خلون من شهر ربيع الأول سنة أربع وستين قبل أن يأتي نعي يزيد بن معاوية بتسعة وعشرين يوما . وجاء نعيه لهلال ربيع الآخر ليلة الثلاثاء ) أى مات يزيد بن معاوية فى دمشق أثناء قصف جيشه للكعبة بالمنجنيق .

4 ـ  ولما هلك يزيد بن معاوية مكث الحصين بن نمير وأهل الشام يقاتلون ابن الزبير وأصحابه بمكة أربعين يوما قد حصروهم حصارا شديدا وضيقوا عليهم ، ثم بلغ ابن الزبير وأصحابه موت يزيد بن معاوية قبل أن يعرف به  الحصين بن نمير قائد الجيش الأموى . وعندما علم ابن الزبير بموت يزيد صاح بالجيش الأموى : ( إن طاغيتكم قد هلك فمن شاء منكم أن يدخل فيما دخل فيه الناس فليفعل فمن كره فليلحق بشأمه ) . فلم يصدقوه ، واستمروا فى قتاله ، فظل يناديهم هو وأهل مكة : ( علام تقاتلون قد هلك طاغيتكم ) وهم لا يصدقونه ( إذ مات يزيد فى عنفوان شبابه ) . ثم قدم ثابت بن قيس النخعي من أهل الكوفة في رؤوس أهل العراق ، فمر بالحصين بن نمير ، وكان له صديقا وكان بينهما صهر، فسأل عن الخبر فأخبره بهلاك يزيد. ! .. فبعث الحصين بن نمير إلى عبدالله بن الزبير فقال : ( موعد ما بيينا وبينك الليلة بالأبطح  ) فالتقيا . فقال له الحصين : ( إن يك هذا الرجل قد هلك فأنت أحق الناس بهذا الأمر ، هلم فلنبايعك ، ثم اخرج معي إلى الشام ، فإن هذا الجند الذين معي هم وجوه أهل الشام وفرسانهم ، فوالله لا يختلف عليك اثنان، وتؤمن الناس وتهدر هذه الدماء التي كانت بيننا وبينك والتي كانت بيننا وبين أهل الحرة. ) فقال ابن الزبير :  ( أنا أهدر تلك الدماء ؟ أما والله لا أرضى أن أقتل بكل رجل منهم عشرة . ) وأخذ الحصين يكلمه سرا وهو يجهر جهرا ، وأخذ يقول : لا والله لا أفعل . فقال له الحصين بن نمير : ( قبح الله من يعدك بعد هذه داهيا قط أو أديبا . قد كنت أظن أن لك رأيا .  أكلمك سرا وتكلمني جهرا، وأدعوك إلى الخلافة وتعدني القتل والهلكة . ) ثم قام فخرج وصاح في الناس فأقبل فيهم نحو المدينة . فكان سعيد بن عمرو يقول عن ابن الزبير وحمقه وجبنه : (والله لو سار معهم حتى يدخل الشام ما اختلف عليه منهم اثنان ) .

5 ــ وندم ابن الزيير ،  فأرسل إلي الحصين بن النمير يقول : ( أما أن أسير إلى الشام فلست فاعلا وأكره الخروج من مكة . ولكن بايعوا لي هنالك فإني مؤمنكم وعادل فيكم ) يعنى لا يزال محتفظا بجبنه ، يريدهم أن يحاربوا من أجله وهو متعلق بأستار الكعبة محتميا بها . وردّ عليه  الحصين : ( أرايت إن لم تقدم بنفسك ووجدت هنالك ( فى الشام ) أناسا كثيرا من أهل هذا البيت يطلبونها ويجيبهم الناس ، فما أنا صانع ؟ ) .

ثانيا : الحصار الثانى ومقتل ابن الزبير عام 73

1 ـ لما احترقت الكعبة حين غزا أهل الشام عبد الله بن الزبير أيام يزيدتركها ابن الزبير حتى إحترقت ليشنع بذلك على أهل الشام . ، كانت قد مالت حيطانها من حجارةالمنجنيق.  فلما مات يزيد واستقر الأمر لابن الزبيرهدمها حتى سواها بالأرض ، ثم أعا بناءها . و‏ كانت عمارتها سنة أربع وستين.

2 ـ وفى عام 73 : قتل عبد الملك بن مروان (مصعبا بن الزبير ) ً والى الكوفة لأخيه عبد الله بن الزبير . وبذلك أصبح ابن الزبير محصورا فى الحجاز. ولم يبق أمام عبد الملك إلا القضاء عليه . فأرسل اليه الحجاج بن يوسف فى بضعة آلاف . وبعث عبد الملك مع الحجاج كتاب أمان لابن الزبير ومن معه إن أطاعوا . ووصل جيش الحجاج الى الطائف ، ولم يعرض للمدينة ، وجرت مناوشات بين الجيش الأموى وجيش ابن الزبير كان النصر فيها للأمويين .   ثم كتب الحجاج إلى عبد الملك يستأذنه في دخول الحرم وحصر ابن الزبيرويخبره بضعف ابن الزبير وتفرق أصحابه عنه ، ويطلب المزيد من الجنود ، فأرسل اليه عبد الملك مددا ، وضم المدينة ، واتجه الحجاج بجيشه الى مكة ، بعد أن أذن له عبد الملك بن مروان بانتهاك الحرم . وحاصر الحجاج مكة ، ونصب المنجنيق على أبيقبيس ورمى به الكعبة. والطريف أن عبد الملك إحتج على يزيد عندما ضرب جيشه الكعبة بالمنجنيق ، فلما ولى الخلافة فعل نفس المنكر . وحج ابن عمر تلك السنة فأرسل إلى الحجاج: أن اتقالله واكفف هذه الحجارة عن الناس فإنك في شهر حرام وبلد حرام وقد قدمت وفود الله منأقطار الأرض ليؤدوا فريضة الله ويزدادوا خيراً، وإن المنجنيق قد منعهم عن الطواف،فاكفف عن الرمي حتى يقضوا ما يجب عليهم بمكة. فبطل الرمي حتى عاد الناس من عرفاتوطافوا وسعوا، ولم يمنع ابن الزبير الحاج من الطواف والسعي، فلما فرغوا من طوافالزيارة نادى منادي الحجاج: ( انصرفوا إلى بلادكم فإنا نعود بالحجارة على ابن الزبيرالملحد.).

3 ـ واستمر القتال مع حصار مكة ، فغلت الأسعار عند ابن الزبير، وأصاب الناس مجاعة شديدة حتى ذبح فرسه وقسملحمها في أصحابه، وبيعت الدجاجة بعشرة دراهم ، وكانت بيوت الزبير مملوءة قمحاً وشعيراً وذرة وتمراً، وكان يحفظ ذلك ولا ينفق منه إلا ما يمسك الرمق، ويقول: أنفس أصحابي قوية مالم يفن.فلما كان قبيل مقتله تفرق الناس عنه وخرجوا إلى الحجاج بالأمان، خرج منعنده نحو عشرة آلاف، وكان ممن فارقه ابناه حمزة وخبيب، وأخذا لأنفسهما أماناً من الحجاج .  ولما تفرق أصحابه عنه دخل ابن الزبير لأمه أسماء بنت أبى بكر فقال: ( يا أماهقد خذلني الناس حتى ولدي وأهلي ولم يبق معي إلا اليسير ومن ليس عنده أكثر من صبرساعة، والقوم يعطونني ما أردت من الدنيا، فما رأيك؟ ) فقالت: ( أنت أعلم بنفسك، إن كنتتعلم أنك على حق وإليه تدعو فامض له فقد قتل عليه أصحابك ولا تمكن من رقبتك يتلعببها غلمان بني أمية، وإن كنت إنما أردت الدنيا فبئس العبد أنت أهلكت نفسك ومن قتلمعك، وإن قلت كنت على حق فلما وهن أصحابي ضعفت فهذا ليس فعل الأحرار ولا أهل الدين،كم خلودك في الدنيا! القتل أحسن! ) فقال: ( يا أماه أخاف إن قتلني أهل الشام أن يمثلوابي ويصلبوني. ) قالت: ( يا بني إن الشاة لا تتألم بالسلخ إذا ذبحت، فامض على بصيرتكواستعن بالله.). وخرج ابن الزبير فقاتل حتى قُتل فى يوم الثلاثاء من جمادى الآخرة وله ثلاث وسبعون سنة، وتولى قتله رجل من مراد، وحملرأسه إلى الحجاج فسجد شكرا.

4 ـ وبعث الحجاج برأسه ورأسعبد الله بن صفوان ورأس عمارة بن عمرو بن حزم إلى المدينة أولا ،  ثم الى دمشق إلى عبد الملكبن مروان.  وأخذ الحجاج جثته فصلبها على الثنية اليمنى بالحجون.

 

 

 

 

 

 

 

عندما كان ابن الزبير على وشك أن يحرق بنى هاشم لرفضهم بيعته بالخلافة

 مقدمة :

لما جاء الى المدينة  خبر موت معاوية بن ابي سفيان  وتولى يزيد الخلافة كان بها يومئذ الحسين بن علي وأخوه غير الشقيق ( محمد بن على )المشهور بابنالحنفيةنسبة لأمه ، وكان فى المدينة أيضا عبد الله بنالزبير ، بينما كان ابن عباس بمكة . فخرج الحسين وابنالزبير الى مكة، وظل ابنالحنفيةبالمدينة ، وجرت الأحداث متتالية من خروج الحسين من مكة الى العراق ومأساة كربلاء ، كل ذلك وابن الحنفية معتزل بالمدينة . فلما  سمع بدنو جيش مسلم الى المدينة رحل الى مكة.  وجرت موقعة الحرة وابن الحنفية بمكة مع ابن عباس وابن الزبير .  فلما جاء نعي يزيد بنمعاوية وبايع بن الزبير لنفسه ودعا الناس اليه دعا ابن عباس ومحمد بنالحنفيةالى البيعةله فأبيا أن يبايعا له ، وقالا : " حتى يجتمع لك البلاد ويتسق لك الناس " . فاقاما على ذلك مااقاما ، وبدأ إضطهاد  ابن الزبير لهما ثم تطور الى أن وصل الى أن جمعهم ومعهم ذريتهم ، وحصرهم فى شعب أبى طالب ، وكان على وشك أن يحرقهم لولا أن أنقذهم المختار فى آخر لحظة ، كما يحدث فى أفلام السينما .  نعطى بعض التفصيلات التاريخية ، مما ذكره ابن سعد فى الطبقات والطبرى فى تاريخه ، وابن الأثير .

أولا :  ابن الزبير يتطرف فى إضطهاده للهاشميين :

1 ـ وشهد عام 66 أحداثا هامة ، منها : ( إستيلاء المختار على الكوفة فى 14 ربيع الأول ، وهروب ابن مطيع والى ابن الزبير . ) ( تمكن المختار من قتل كل من شارك فى قتل الحسين وآله فى كربلاء ومنهم شمر بن ذى الجوشن  وعمر بن سعد وابنه . )  .

2 ــ وفى نفس هذا العام 66 هجرية ، دعا ابن الزبير( محمد بن الحنفية ) ومن معه من أهل بيته وشيعته وسبعة عشر رجلاً من وجوه أهل الكوفة، ليبايعوه، فامتنعوا ، وقالوا: ( لا نبايع حتىتجتمع الأمة )؛ فأكثر  فى شتم ابن الحنفية فرد عليه عبد الله بن هانىءالكندي. فطردهم ابن الزبير ، وأمر ابن الحنفية من معه بالصبر .  

3 ـ فلما استولىالمختار على الكوفة وصارت الشيعة تدعو لابن الحنفية، خاف ابن الزبير أن يتداعىالناس إلى بيعة ابن الحنفية مع علمه بأن ابن الحنفية معتزل للفتنة ولا يريد إعلان إنضمامه للمختار . لم يشفع هذا لابن الزبير فأمر بإحضار ابن الحنفية وأهله وذراريهم من بنى هاشم وأمرهم بالبيعة له فرفضوا حتى يجتمع الناس على بيعته ، فحبسهم بزمزم وتوعدهمبالقتل والإحراق ، وأقسم عهداً إن لم يبايعوا أن ينفذ فيهم ما توعدهم به، وضربلهم في ذلك أجلاً.

4 ـ وتقول رواية : أن ابن الزبير : (  قصد لمحمد بنالحنفيةفاظهر شتمهوعيبه ، وامره وبني هاشم ان يلزموا شعبهم بمكة ، وجعل عليهم الرقباء وقال لهم:" والله لتبايعن او لاحرقنكم بالنار" ، فخافوا على انفسهم. ). وتمضلى الرواية : ( قال سليم ابو عامر:" فرايت محمدبنالحنفيةمحبوسا فيزمزم والناس يٌمنعون من الدخول عليه ، فقلت والله لادخلن عليه فدخلت، فقلت : ما بالك وهذاالرجل؟  فقال : " دعاني الى البيعة فقلت : انما انا من المسلمين فاذا اجتمعوا عليك فاناكاحدهم ، فلم يرض بهذا مني.  فاذهب الى ابن عباس ، فاقرئه مني السلام ، وقل يقول لك ابن عمكما ترى ؟ " )  ( قال سليم :  فدخلت على بن عباس وهو ذاهب البصر ( أى أصيب بالعمى ) فقال : من انت ؟ فقلت : انصاري .فقال : "ربانصاري هو اشد علينا من عدونا ". فقلت : " لاتخف فانا ممن لك كله ." قال : " هات" .  فاخبرته بقول ابنالحنفيةفقال:  " قل لهلا تطعه ولا نعمة عين الا ما قلت ولا تزده عليه" . فرجعت الى ابنالحنفيةفابلغته ماقال ابن عباس . )

5 ـ وتقول رواية أن ابن الحنفية حين إشتد به الخوف من ابن الزبير أرسل للمختار أن يأتى عنده الى الكوفة ، وخشى المختار أن يفقد نفوذه إذا حلّ ابن الحنفية بالكوفة ، وكان المختار بالكوفة يسمى ابن الحنفية المهدى.  وهداه ذكاؤه الى حيلة تجعل ابن الحنفية يخاف من القدوم الى الكوفة ،  فأذاع أن ( المهدى ) اى ابن الحنفية سيأتى الى الكوفة ، وأن علامته أنه إذا ضربه رجل بالسيف فإن السيف لا يؤثر فيه . أى يشجع الناس على قتله لاختبار إن كان هو المهدى ام لا . وبلغ ابن الحنفية مقالة المختار فطرد الفكرة من رأسه . تقول الرواية : ( فهمّ إبنالحنفيةان يقدم الىالكوفة.  وبلغ ذلك الى المختار ، فثقل عليه قدومه ، فقال : " ان المهدي علامة يقدم بلدكم هذافيضربه رجل في السوق بالسيف لا تضره ولا تحيك فيه . " فبلغ ذلك بنالحنفيةفاقام . )

6 ـ وكان الحل الآخر هو أن يبعث المختار بجيش ينقذ ابن الحنفية وأهله من الحريق ، تقول الرواية : ( فقيلله لو بعثت الى شيعتك بالكوفة فاعلمتهم ما انتم فيه . فبعث ابا طفيل عامر ابن واثلةالى شيعتهم بالكوفة،  فقدم عليهم فقال : انا لا نأمن ابن الزبير على هؤلاء القوم . )   أى أشار بعض من كان مع ابن الحنفية عليه أن يبعث إلى المختاريعلمه حالهم، فكتب إلى المختار بذلك وطلب منه النجدة. وفرح المختار بكتاب ابن الحنفية وإستغاثته به فخطب فى شيعة الكوفة وقال: ( إن هذا مهديكم وصريح أهل بيت نبيكم وقد تُركوا محظوراً عليهم كما يُحظرعلى الغنم ( أى محبوسون كالغنم ) ، ينتظرون القتل والتحريق في الليل والنهار، لست أبا إسحاق إن لم أنصرهمنصراً مؤزراً، وإن لم أسرب في أثر الخيل كالسيل يتلوه السيل حتى يحل بابن الكاهليةالويل! ) . يعني ابن الزبير. فبكى الناس وقالوا: ( سرّحنا إليه وعجّل ) .

7 ـ فأرسل المختار فصائل متتابعة من جيشه لانقاذ ابن الحنفية ، وبعث معهم لابن الحنفية أربعمائة ألف درهم .  ووصلوا الى المسجد الحرام ، ومعهم الرايات، وهم ينادون: يالثارات الحسين! حتى انتهوا إلى زمزم، وقد أعد ابن الزبير الحطب ليحرقهم، وكان قدبقي من الأجل يومان، فكسروا الباب ودخلوا على ابن الحنفية فأنقذوه ، وقالوا لابن الحنفية : ( خل بيننا وبينعدو الله ابن الزبير! ) فقال لهم: ( إني لا أستحل القتال في الحرم.) . وقيل عن هؤلاء ( الخشبية ) لأنهم دخلوا مكة وبأيديهم الخشب كراهة إشهارالسيوف في الحرم، وقيل: لأنهم أخذوا الحطب الذي أعده ابن الزبير لحرق الهاشميين .

8 ـ( وتقول رواية أن حديثا جرى بينهم وبين الزبير ، وأن ابنالزبير قال لهم : ( أتحسبون أني أخلي سبيلهم دون أن يبايع ويبايعوا؟ ) فقال الجدلي أحد قواد الحملة : ( إي ورب الركنوالمقام لتخلين سبيله أو لنجادلنك بأسيافنا جدالاً يرتاب منه المبطلون! )  فكف ابنالحنفية أصحابه وحذرهم الفتنة.
  ـ وتقول رواية أخرى : إنه قدم باقي الجند ومعهم المال حتى دخلوا المسجدالحرام فكبروا وقالوا: يا لثارات الحسين! فخافهم ابن الزبير، وخرج محمد بن الحنفيةومن معه إلى شعب علي. ) ( وصار الجند يسبون ابن الزبير ويستأذنون محمداً فيه، فأبى عليهم. فاجتمع مع محمد في الشعب أربعة آلاف رجل، فقسم بينهم المال وعزوا وامتنعوا.).

9 ـ وتقول رواية أخرى : (.... فقطع ( أى أرسل ) المختار بعثا ( أى جيشا )  الى مكة ، فانتدب منهم ( أى إختار منهم ) اربعة الاف ، فعقد لابيعبد الله الجدلي عليهم.  وقال له : " سر فان وجدت بني هاشم في الحياة فكن لهم انت ومن معكعضدا، وانفذ لما امروك به ( أى أطع أوامرهم ). وان وجدت ابن الزبير قد قتلهم ، فاعترض اهل مكة حتى تصل الىبن الزبير ، ثم لا تدع من ال الزبير شفرا ولا ظفرا . " وقال :  " يا شرطة الله لقد اكرمكم اللهبهذا المسير ولكم بهذا الوجه عشر حجج وعشر عُمر " . ) .

10 ــ وجاء فى هذه الرواية أن ابن الزبير كان على وشك إحراقهم ، وقد أعدّ إشعال النار ، فإستعجل أهل مكة مقدمة الجيش أن يسرعوا فى إنقاذ بنى هاشم ، فأرسل قادة الجيش فرقة خاصة من 800 رجل من الجيش لانقاذهم قبل فوات الأوان ، فأسرعت هذه القوة فدخلت مكة ، ودخلت الحرم تكبّر ، فلما سمع بهم ابن الزبير هرب وتعلق بأستار الكعبة وقال : (أنا عائذ بالله ) ، وبسرعة وصلوا الى إنقاذهم . تقول الرواية : ( فسار القوم ومعهم السلاح حتى اشرفواعلى مكة ، فجاء المستغيث  : " اعجلوا فما اراكم تدركونهم  " فقال الناس : " لو ان اهل القوة عجلوا" ، فانتدب منهم ثمانمائة ، رأسهم عطية بن سعد بن جنادة العوفي ، حتى دخلوا مكة فكبرواتكبيرة سمعها بن الزبير ، فانطلق هاربا حتى دخل دار الندوة ،  ويقال بل تعلق باستارالكعبة،  وقال : " انا عائذ بالله"  قال عطية : " ثم ملنا الى ابن عباس وابنالحنفيةواصحابهما فيدور، قد جمع لهم الحطب فاحيط بهم حتى بلغ رؤوس الجُدر ، لو ان نارا تقع فيه ما رئي منهماحد حتى تقوم الساعة. " .وتمضى الرواية فتقول عن ( على بن عبد الله بن عباس ) وهو جد الخلفاء العباسيين ـ وكان شابا وقتها أنه اسرع بالهرب قبل إزالى الخشب والحطب فسالت الدماء من قدميه : ( وعجّل علي بن عبد الله بن عباس وهو يومئذ رجلفاسرع في الحطب يريد الخروج فادمى ساقيه .) وتمضى الرواية فتقول : ( واقبل اصحاب ابن الزبير فكنا صفين نحن وهمفي المسجد نهارنا ونهاره لا ننصرف الا الى صلاة حتى اصبحنا . ووصلت بقية الجيش : ( وقدم ابو عبد اللهالجدلي في الناس فقلنا لابنعباس وابنالحنفية: (  ذرونا نريحالناس من ابن الزبير ) فقالا  : ( هذا بلد حرمه الله ما احله لاحد الا للنبي عليه السلامساعة ما احله لاحد قبله ولا يحله لاحد بعده فامنعونا واجيرونا ) قال فتحملوا ، وانمناديا لينادي في الجبل : ( ما غنمت سرية بعد نبيها ما غنمت هذه السرية ان السرايا تغنمالذهب والفضة وانما غنمتم دماءنا ) ، فخرجوا بهم حتى انزلوهم منى ، فاقاموا بها ما شاءالله ان يقيموا ، ثم خرجوا الى الطائف ، فاقاموا ما اقاموا . وتوفي عبد الله بن عباسبالطائف سنة ثمان وستين وصلى عليه محمد بنالحنفية.  وبقينا مع ابنالحنفية.) . 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

عن قتل الأطفال فى تاريخ السلف ( الصالح) .!!

فى سطور تاريخ ( السلف الصالح ) فى الفتنة الكبرى الثانية ورد ذكر قتل للأطفال والنساء ، ومنه :

أولا :   فى مذبحة كربلاء :

1 ـ  حيث كان الحسين بأهله ومنهم شباب صغير ونساء وأطفال رأوا القتال يدور حولهم ، والمهاجمين يقتربون منهم ، ووقف مع الحسين ـ عندما إقترب أعداؤه منه ـ شباب صغير من أبنائه وابناء أخيه فلقوا حتفهم سريعا .

2 ـ  تقول الرواية عن الشباب المقاتلين من آل الحسين : (وكان أول من قتل من آل بني أبي طالب يومئذٍ علي الأكبر ابن الحسين، وأمه ليلى بنتأبي مرة بن عروة بن مسعود الثقفية، وذلك أنه حمل عليهم وهو يقول " :أنا علي بن الحسين بن علي     نحن ورب البيت أولى بالنبي     تالله لا يحكم فينا ابنالدعي " ، ففعل ذلك مراراً، فحمل عليه مرة بن منقذ العبدي فطعنهفصرع وقطّعه الناس بسيوفهم .! ).

(  ثمحمل القاسم بن الحسن بن علي،  وبيده السيف، فحمل عليه عمرو بن سعد بن نفيل الأزدي،  فضرب رأسه بالسيف فسقط القاسم إلى الأرض لوجهه، وقال: يا عماه! فانقض الحسين إليهكالصقر ثم شد شدة ليث أغضب فضرب عمراً بالسيف فاتقاه بيده فقطع يده من المرفق فصاح،وحملت خيل الكوفة ليستنقذوا عمراً فاستقبلته بصدورها وجالت عليه فوطئته حتى مات،وانجلت الغبرة والحسين واقف على رأس القاسم وهو يفحص برجليه والحسين يقول: بعداًلقوم قتلوك،..! ثم قال: عز والله على عمّك أن تدعوه فلايجيبك أو يجيبك ثم لا ينفعك صوته، والله هذا يوم كثر واتره وقل ناصره! ثم احتملهعلى صدره حتى ألقاه مع ابنه علي ومن قتل معه من أهل بيته .)

 ( ورمى عبد الله بن عقبة الغنوي أبا بكر بن الحسين بنعلي بسهم فقتله، وقال العباس بن علي لإخوته من أمه عبد الله وجعفر وعثمان: تقدمواحتى أرثكم فإنه لا ولد لكم. ففعلوا فقتلوا، وحمل هانىء بن ثبيت الحضرمي على عبدالله بن علي فقتله، ثم حمل على جعفر بن علي فقتله، ورمى خولي بن يزيد الأصبحي عثمانبن علي، ثم حمل عليه رجل من بني أبان بن دارم فقتله وجاء برأسه، ورمى رجل من بنيأبان أيضاً محمد بن علي بن أبي طالب فقتله وجاء برأسه... واشتد عطش الحسين فدنا من الفرات ليشرب فرماه حصين بن نميربسهم فوقع في فمه فجعل يتلقى الدم بيده ورمى به إلى السماء، ثم حم الله وأثنى عليهثم قال: اللهم إني أشكو إليك ما يصنع بابن بنت نبيك! ).

(وخرج غلام من خباء من تلكالأخبية فأخذ بعود من عيدانه وهو ينظر كأنه مذعور، فحمل عليه رجل قيل إنه هانىء بنثبيت الحضرمي فقتله.)

3 ـ وعن القتلى من الأطفال من آل الحسين ، تقول الرواية : (ودعا الحسين بابنهعبد الله وهو صغير فأجلسه في حجره، فرماه رجل من بني أسد فذبحه، فأخذ الحسين دمهفصبه في الأرض ثم قال: ربي إن تكن حبست عنا النصر من السماء فاجعل ذلك لما هو خيروانتقم من هؤلاء الظالمين.)

( وجعل شمر يحرضهم على الحسين وهو يحمل عليهم فينكشفون عنه، ثم إنهمأحاطوا به. وأقبل إلى الحسين غلام من أهله فقام إلى جنبه وقد أهوى بحر بن كعب بنتيم الله بن ثعلبة إلى الحسين بالسيف، فقال الغلام: يا ابن الخبيثة أتقتل عمي!؟فضربه بالسيف، فاتقاه الغلام بيده فأطنها إلى الجلدة، فنادى الغلام: يا أمتاه! فاعتنقه الحسين وقال له: يا ابن أخي اصبر على ما نزل بك ..) .

وجاول شمر بن ذى الجوشن حرق فسطاط الحسين الذى يحتمى فيه أطفال الحسين ونساؤه ، تقول الرواية : ( وحمل شمر حتى بلغ فسطاط الحسين ونادى: " عليّ بالنار حتى أحرق هذا البيتعلى أهله." ،  فصاح النساء وخرجن، وصاح به الحسين: " أنت تحرق بيتي على أهلي؟ حرقك اللهبالنار!"  فقال حميد بن مسلم لشمر: " إن هذا لا يصلح لك، تعذب بعذاب الله وتقتل الولدانوالنساء، والله إن في قتل الرجال لما يرضى به أميرك! " . فلم يقبل منه، فجاءه شبث بنربعي فنهاه فانتهى . ) .

وفى مشهد آخر من مشاهد المذبحة تقول الرواية : (  وجعل شمر يحرضهم على الحسين وهو يحمل عليهم فينكشفون عنه، ثم إنهمأحاطوا به. وأقبل إلى الحسين غلام من أهله فقام إلى جنبه وقد أهوى بحر بن كعب بنتيم الله بن ثعلبة إلى الحسين بالسيف، فقال الغلام: يا ابن الخبيثة أتقتل عمي! فضربه بالسيف، فاتقاه الغلام بيده فأطنها إلى الجلدة، فنادى الغلام: يا أمتاه! فاعتنقه الحسين وقال له: يا ابن أخي اصبر على ما نزل بك .! ) (وخرجت امرأة الكلبي تمشي إلى زوجها فجلست عند رأسه تمسح التراب عن وجههوتقول: هنيئاً لك الجنة! فأمر شمر غلاماً اسمه رستم فضرب رأسها بالعمود فماتتمكانها..!  )

ثانيا : فى دين الخوارج :

1 ـ إستباح الخوارج فى العصر الأموى قتل المسلمين ، دون اهل الكتاب . وقالوا ب ( الاستعراض ) أى القتل العشوائى . وبعض الخوارج نصّ  ــ علنيا ـ  على قتل النساء والأطفال من المسلمين ، مثل نافع بن الأزرق ، تقول الرواية عن نافع بن الأزرق : ( ونظرنافع فرأى أن ولاية من تخلف عن الجهاد من الذين قعدوا من الخوارج لا تحل له، وأن منتخلف عنه لا نجاة له، فقال لأصحابه ذلك ودعاهم إلى البراءة منهم وأنهم لا يحل لهممناكحتهم ولا أكل ذبائحهم، ولا يجوز قبول شهادتهم وأخذ علم الدين عنهم، ولا يحلميراثهم، ورأى قتل الأطفال والاستعراض، وأن جميع المسلمين كفار مثل كفار العرب لايقبل منهم إلا الإسلام أو القتل.).

2 ـ وظل أثر الخوارج حتى العصر العباسى .ويقول الملطى الفقيه السُنّى فى القرن الرابع الهجرى عن الخوارج فى كتابه ( التنبيه والرد ) وهم يقتلون الناس عشوائيا بلا تمييز بين طفل وامرأة وشيخ عجوز  : ( فأما الفرقة  ﺍﻷﻭﻟﻰ ﻣﻦ ﺍﻟﺨﻮﺍﺭﺝ ﻓﻬﻢ ﺍﻟﻤﺤﻜﻤﺔ ، الذين كانوا يخرجون بسيوفهم فى الأسواق ، فيجتمع الناس على غفلة ، فينادون :( لا حكم إلا لله ) ، ويضعون سيوفهم فيمن يلحقون من الناس ، فلا يزالون يقنلون حتى يُقتلوا . وكان الواحد منهم إذا خرج للتحكيم لا يرجع حتى يُقتل، فكان الناس منهم على وجل   وفتنة ، ولم يبق منهم أحد على وجه الأرض بحمد الله )  .

3 ـ . ونقول : والحمد لله الذى لا يُحمد على مكروه سواه ـ أن الوهابية أحيت هذا الارث الدموى البغيض فى الانتحاريين الذين يقتلون الناس عشوائيا فى الأسواق والشوارع ووسائل المواصلات والمحطات  والمطارات . يقتلون الأبرياء ويعتبرونه جهادا ، ويهتفون ( الله أكبر) . لا جديد فى الشرق الأوسط ، سوى نوعية الأسلحة ( كانت السيف ) فأصبح الحزام الناسف والديناميت، كانوا يهتفون ( لا حكم إلا الله ) فأصبحوا يهتفون ( الله أكبر ) .

4 ـ ويقول الملطى عن الاباضية فى عهده : ( والفرقة الخامسة من الخوارج هم الاباضية ، اصحاب إباض بن عمرو ، خرجوا من سواد الكوفة (أى من ريف الكوفة ) ، فقتلوا الناس ، وسبوا الذرية ، وقتلوا الأطفال وكفّروا الأمّة ، وأفسدوا فى العباد والبلاد ، فمنهم اليوم بقايا بسواد الكوفة . ) 

ثالثا : بسر بن أبى أرطاه وقتل الأطفال :

1 ـ فى عام 40 هجرية وفى الصراع بين (على ) و ( معاوية ) وحيث كانت ( المدينة ) تتبع سلطة (على بن أبى طالب ). تقول الرواية : ( بعث معاوية ( بسر بن أبي أرطاة) ، وهو من عامر بن لؤي، في ثلاثة آلاف، فسار حتى قدم المدينة، وبها ( أبو أيوب الأنصاري)  عامل (عليّ ) عليها، فهرب ( أبو أيوب ) فأتى ( علياً ) بالكوفة، ودخل ( بسر)  إلى المدينة ولم يقاتله أحد، فصعد منبرها فنادى عليه: " يا دينار، يا نجار ، يا زريق! ــ وهذه بطون من الأنصار ــ  شيخي شيخي ، عهدته ها هنا بالأمس.  فأين هو؟ ــ يعني عثمان ــ  ثم قال: " والله لولا ما عهد إلي معاوية ما تركت بها محتلماً إلا قتلته " . فأرسل إلى بني سلمة فقال: " والله ما لكم عندي أمان حتى تأتوني بجابر بن عبد الله! " فانطلق جابر إلى أم سلمة زوج النبي، صلى الله عليه وسلم، فقال لها: " ماذا ترين؟ إن هذه بيعة ضلالة وقد خشيت أن أقتل ". قالت: " أرى أن تبايع فإني قد أمرت ابني عمر وختني ابن زمعة أن يبايعا. " ، وكانت ابنتها زينب تحت ابن زمعة، فأتاه جابر فبايعه.(أى  بايع معاوية ) ، وهدم ( بسر ) بالمدينة دوراً . ثم سار إلى مكة، فخاف ( أبو موسى الأشعري ) أن يقتله فهرب منه، وأكره ( بسر ) الناس على البيعة .  ثم سار إلى اليمن، وكان عليها ( عبيد الله ابن عباس ) عاملاً ل( علي )، فهرب منه إلى (علي) بالكوفة، واستخلف (علي ) على اليمن ( عبد الله بن عبد المدان الحارثي. ) ، فأتاه ( بسر ) فقتله وقتل ابنه . وأخذ ابنين ل ( عبيد الله بن عباس ) صغيرين هما: ( عبد الرحمن )  و ( قثم  ) فقتلهما، وكانا عند رجل من كنانة بالبادية، فلما أراد قتلهما قال له الكناني: " لم تقتل هذين ولا ذنب لهما؟ فإن كنت قاتلهما فاقتلني معهما! " ، فقتله  وقتلهما بعده.... فخرج نسوة من بني كنانة فقالت امرأة منهن: "  يا هذا! قتلت الرجال فعلام تقتل هذين؟ والله ما كانوا يقتلون في الجاهلية والإسلام! والله يا ابن أبي أرطاة إن سلطاناً لا يقوم إلا بقتل الصبي الصغير والشيخ الكبير ونزع الرحمة وعقوق الأرحام لسلطان سوء! . " . وقتل بسر في ميسره ذلك جماعةً من شيعة علي باليمن.  وبلغ ( علياً ) الخبر فأرسل ( جارية بن قدامة السعدي ) في ألفين، و ( وهب بن مسعود ) في ألفين، فسار ( جارية ) حتى أتى نجران فقتل بها ناساً من شيعة عثمان، وهرب ( بسر)  وأصحابه منه ، واتبعه جارية حتى أتى مكة . فقال: " بايعوا أمير المؤمنين. " فقالوا: " قد هلك فمن نبايع؟ " قال:"  لمن بايع له أصحاب علي."  فبايعوا خوفاً منه.  ثم سار حتى أتى المدينة و" أبو هريرة"  يصلي بالناس، فهرب منه، فقال جارية: " لو وجدت أبا سنور لقتلته" ( السنور هو القط  أو الهرّ ، وكان أبو هريرة مع الأمويين ضد (على )). ثم قال لأهل المدينة:" بايعوا الحسن بن علي، " فبايعوه، وأقام يومه، ثم عاد إلى الكوفة ورجع أبو هريرة يصلي بهم.وكانت أم ابني عبيد الله أم الحكم جويرية بنت خويلد بن قارظ، وقيل: عائشة بنت عبد الله بن عبد المدان. فلما قتل ولداها ولهت عليهما، فكانت لا تعقل ولا تصفي ولا تزال تنشدهما في المواسم .. فلما سمع أمير المؤمنين بقتلهما جزع جزعاً شديداً ودعا على  ( بسر ) فقال: اللهم اسلبه دينه وعقله! ... ولما استقر الأمر لمعاوية دخل عليه ( عبيد الله بن عباس ) وعنده بسر فقال لبسر: " وددت أن الأرض أنبتتني عندك حين قتلت ولديّ ". . فقال بسر: " هاك سيفي. "  فأهوى ( عبيد الله ) ليتناوله فأخذه معاوية وقال لبسر: " أخزاك الله شيخاً قد خرفت! والله لو تمكن منه لبدأ بي! " قال عبيد الله: " أجل، ثم ثنيت به." .. وقيل: إن مسير ( بسر)  إلى الحجاز كان سنة اثنتين وأربعين، فأقام بالمدينة شهراً يستعرض الناس لا يقال له عن أحد إنه شرك في دم عثمان إلا قتله.)

2 ـ وفى عام 41، ولّى معاوية (بسر بن أبي أرطأة البصرة ) ، تقول الرواية : ( في هذه السنة ولي ( بسر بن أبي أرطأة ) البصرة.وكان السبب في ذلك أن الحسن لما صالح معاوية أول سنة إحدى وأربعين وثب حمران بن أبان على البصرة فأخذها وغلب عليها، فبعث إليه معاوية ( بسر ابن أبي أرطأة ) وأمره بقتل بني ( زياد بن أبيه) ، وكان ( زياد)  على فارس ، قد أرسله إليها ( علي بن أبي طالب ) ، فلما قدم ( بسر) البصرة خطب على منبرها وشتم علياً ثم قال: " نشدت الله رجلاً يعلم أني صادق إلا صدقني أو كاذب إلا كذبني."  فقال أبو بكرة:" اللهم إنا لا نعلمك إلا كاذباً.! " قال: فأمر به فخُنق...وأرسل معاوية إلى زياد: " إن في يدك مالاً من مال الله فأدّ ما عندك منه " . فكتب إليه زياد: " إنه لم يبق عندي شيء، ولقد صرفت ما كان عندي في وجهه، واستودعت بعضه لنازلة إن نزلت، وحملت ما فضل إلى أمير المؤمنين رحمة الله عليه. " . فكتب إليه معاوية: " أن أقبل ننظر فيما وليت فإن استقام بيننا أمر وإلا رجعت إلى مأمنك. " ، فامتنع، فأخذ ( بسر )  أولاد ( زياد ) الأكابر، منهم: عبد الرحمن وعبيد الله وعباد، وكتب إلى زياد: " لتقدمنّ على أمير المؤمنين أو لأقتلن بنيك."  فكتب إليه زياد: " لست بارحاً من مكاني حتى يحكم الله بيني وبين صاحبك، وإن قتلت ولدي فالمصير إلى الله ومن ورائنا الحساب، (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلبٍ ينقلبون ). فأراد ( بسر )  قتلهم ، فأتاه أبو بكرة فقال: " قد أخذت ولد أخي بلا ذنب، وقد صالح الحسن معاوية على ما أصاب أصحاب (علي ) حيث كانوا، فليس لك عليهم ولا على أبيهم سبيل." .  وأجّله أياماً حتى يأتيه بكتاب معاوية.  فركب أبو بكرة إلى معاوية، وهو بالكوفة، فلما أتاه قال له:"  يا معاوية إن الناس لم يعطوك بيعتهم على قتل الأطفال! " قال: " وما ذاك يا أبا بكرة؟ " قال:  " بسر يريد قتل بني أخي زياد. ".! فكتب له بتخليتهم. فأخذ كتابه إلى ( بسر ) بالكفّ عن أولاد ( زياد )، وعاد فوصل البصرة يوم الميعاد، وقد أخرج ( بسر ) أولاد ( زياد)  مع طلوع الشمس ينتظر بهم الغروب ليقتلهم، واجتمع الناس لذلك وهم ينتظرو أبا بكرة، إذ رفع لهم على نجيب أو برذون يكده، فوقف عليه ونزل عنه وألاح بثوبه وكبّر وكبّر الناس معه، فأقبل يسعى على رجليه فأدرك ( بسراً ) قبل أن يقتلهم، فدفع إليه كتاب معاوية، فأطلقهم.).

أخيرا : الوهابية تستعيد هذا الإرث الدموى.
1 ـ أسس عبد العزيز آل سعود الدولة السعودية الراهنة ، وهذا بسواعد شباب الأعراب النجديين ، وقد أعدهم جنودا سمّاهم ( الاخوان ) تشربوا الوهابية على أنها الاسلام ، وكرروا مسيرة الخوارج فى القتل بلا تمييز ، وهؤلاء الاخوان إشتهروا بالوحشية المفرطة وقتل الأطفال والنساء . وقد تعرضنا لهم بالتفصيل فى مقالات كتابنا ( المعارضة الوهابية فى الدولة السعودية فى القرن العشرين ). وهى منشورة هنا.

2 ـ كانوا يهجمون علي الهدف بشكل خليط همجي من الرجال والخيول والابل والمشاة، يدمرون معسكر العدو ، ويقتلون كل من يجدونه من البشر دون رحمة ،فاذا كان الهدف مدينة او قرية اضيف الاطفال والنساء والشيوخ الي قائمة الضحايا .ففي هجومهم علي الكويت في معركة الجهرة قتلوا النساء سنة 1920 ،ونفس الحال في هجومهم علي ثريب في شرق الاردن سنة 1924 ،وقتلوا النساء والاطفال والشيوخ عندما افتتحوا الطائف في 7/9/1921 وسجل المراقبون الاجانب ان الاخوان لايحتفظون بالاسري وانما يذبحون كل من يقع في ايديهم.

3 ـ وكانت الدعوات للانضمام الي الوهابية او الاسلام تحمل التهديد لمن لا يستجيب بالاعدام .وتقول احداها (ان من ينضم الينا يأمن علي ممتلكاته واسرته )، أى يأمن على نسائه وأطفاله من الذبح .! وقيل عنهم انهم ظلوا لعدة سنوات لا يخيفون الاطفال وحدهم وانما الكبار ايضا ..وقد قتلوا جميع الرجال والنساء والاطفال في المنطقة ما بين المويلة وشرق الاردن،

4 ـ وعندما تمردوا على سيدهم ( عبد العزيز ) وهاجموا اخوانهم الوهاببين من اتباع عبد العزيز، فأنهم قتلوا الشيوخ والنساء والاطفال، كما ذكر حافظ وهبة القائل تحت عنوان( الاخوان ) (اذ ذكر الاخوان علي حدود العراق او شرق الاردن او الكويت استولي الرعب علي قلوب السكان ،وهب البدو يطوون الصحراء لائذين بالبلاد القريبة منهم يحتمون بجدرانها وابراجها، فهم رسل الذعر والرعب في بلاد العرب )

وعندما منع عبد العزيز ذلك في مؤتمر العلماء سنة 1919 اصبح عبد العزيز نفسه مرشحا ليكون الاخر في معارضتهم السياسية له ،ثم جعلوه خصما لهم تمردوا عليه ،وقتلوا النساء والاطفال والشيوخ من الوهابيين المسالمين في تمردهم الثاني .

5 ـ وجماعات الوهابية اليوم من القاعدة الى النُّصرة الى داعش تقتل الناس عشوائيا . والأطفال والنساء من أبرز ضحاياهم .

6 ــ الوهابية تتمسك بسيرة السلف ( الصالح ).. عليهم جميعا لعنة الله والملائكة والناس أجمعين .!

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الفصل الثانى : أهم الشخصيات الفاعلة فى الفتنة الكبرى الثانية :

عبد الله بن الزبير:شيطان موقعة الجمل ، وشيطان الفتنة الكبرى الثانية

نشأته :

أبوه الزبير، وأمه أسماء، وجده أبو بكر، وعمته خديجة، وجدته صفية بنت عبد المطلب،وخالته عائشة. وولد سنة 2 من الهجرة . واستبشر المسلمون بمولده إذ كان أول مولود للمهاجرين فى المدينة . ومات النبى وكان لابن الزبير 8 سنين واربعة اشهر . بعدها عايش الفتوحات ( أفظع جريمة للصحابة ) بل وشارك فيها ، فى اليرموك وفى غزو القسطنطينية والمغرب . ثم كان شيطان الفتنة الكبرى فى موقعة الجمل .

موقعة الجمل  عام 36 :عرضنا لها من قبل ، ونلتقط بعض ملامحها :

1 ـ كان التنافس واضحا بين القائدين ( الزبير وطلحة ) تقول الرواية : ( فكان معاذ بن عبيد الله يقول : والله لو ظفرنا لافتتنا ما خلى الزبير بين طلحة والأمر ولا خلى طلحة بين الزبيرو والأمر ) يعنى لو إنتصر الزبير وطلحة فى موقعة الجمل لتحاربا بعدها .

2 ـ كان المال هو سبب نكث الزبير وطلحة بيعتهما لعلى بن أبى طالب وخروجهما عليه . تقول الرواية : ( جاء رجل إلى طلحة والزبير وهما في المسجد بالبصرة فقال:" نشدتكما بالله في مسيركما : أعهد إليكما فيه رسول الله ؟ فقام طلحة ولم يجبه،فناشد الزبير، فقال: " لا ولكن بلغنا أن عندكم دراهم فجئنا نشارككم فيها ").

3 ـ كان الزبير و ( طلحة ) فى عماء وعدم وضوح . تقول الرواية : ( لما بايع أهل البصرة الزبير وطلحة ، قال الزبير: " ألا ألف فارس أسير بهم إلى (علي ) فإما بيتّه ( أى هجمت عليه ليلا ) وإما صبحته ( أى هجمت عليه صباحا ) لعلّي أقتله قبل أن يصل إلينا. ".!.  فلم يجبه أحد .  فقال : " إن هذه لهي الفتنة التي كنا نحدث عنها.! ".  فقال له مولاه : " أتسميها فتنة وتقاتل فيها ؟ ! قال : ( ويحك إنا نبصر ولا نبصر . ما كان أمر قط إلا علمت موضع قدمي فيه غير هذا الأمر. فإن لا أدري أمقبل أنا فيه أم مدبر.! )

4 ـ قبل الاشتباك الحربى قال (على ) للزبير : ( أتطلب مني دم عثمان وأنت قتلته ؟ سلط الله على أشدنا عليه اليوم ما يكره " ) وقال (علي ) لطلحة : ( يا طلحة جئت بعُرس ( أى زوجة ) رسول الله ( أى عائشة ) تقاتل بها وخبأت عرسك في البيت؟ أما بايعتني ؟  قال بايعتك وعلى عنقي اللج . )

5 ـ وقبيل الاشتبك الحربى أراد ( على ) أن يعظهم بالقرآن ، فأخرج لهم فتى شابا بالمصحف فقتلوه شر قتلة . تقول الرواية : فقال (علي ) لأصحابه : " أيكم يعرض عليهم هذا المصحف وما فيه فإن قطعت يده أخذه بيده الأخرى وإن قطعت أخذه بأسنانه ؟ " . قال فتى شاب : "أنا . " ، فقال له (علي ) : "اعرض عليهم هذا وقل هو بيننا وبينكم من أوله إلى آخره، والله في دمائنا ودمائكم . "،  فحُمل على الفتى  ( أى هوجم الفتى ) وفي يده المصحف فقطعت يداه ، فأخذه بأسنانه حتى قُتل . عندها أمر (على ) بقتالهم : ( فقال علي : " قد طاب لكم الضراب فقاتلوهم . " وانهزموا ، ولكن إستماتوا فى الدفاع عن ( جمل عائشة ) ، تقول الروايات : ( فقتل يومئذ سبعون رجلا كلهم يأخذ بخطام الجمل. )  ( أخذ الخطام يوم الجمل سبعون رجلا من قريش كلهم يُقتل وهو آخذ بالخطام )( وكان الرجل إذا حمل على الجمل ثم نجا لم يعد ).وقتل مروان بن الحكم ( طلحة ) إنتقاما لعثمان ، أما الزبير فهرب من المعركة راجلا نحو المدينة فأدركه ابن جرموز فقتله .

6 ـ أما عائشة ، فبعد قتل الجمل ومن يدافع عنه ، أرسل اليها (على ) أخاها محمد بن أبى بكرــ وكان من أعوانه ـ فضرب عليها فسطاطا ليحميها. وذهب لها (على ) وقال لها : ( "استفززت الناس وقد فزوا فألبت بينهم حتى قتل بعضهم بعضا.! ..فقالت عائشة :  يابن أبي طالب ملكت فأسجح .".فسرحها (أى أطلق سراحها ) ..وأرسل معها جماعة من رجال ونساء ، وجهزها ، وأمر لها باثني عشر ألفا من المال. )

ابن الزبير شيطان موقعة الجمل

1 ـ كانت الصداقة قوية بين (على) و (الزبير)، يدل عليها وقوف الزبير مع (على ) ضد صهره أبى أبو بكر عندما بويع أبو بكر بالخلافة . تغيرت الأحوال بعد الفتوحات وتكالب الصحابة على أموالها فى خلافة عثمان . وقتها كان عبد الله بن الزبير ـ وهو أكبر أبناء الزبير ـ صاحب نفوذ على أبيه ، ونجح فى إفساد الصداقة بين أبيه و (على ). وقد قال (على ) : ( ما زال الزبير يُعدُّ منا أهل البيت حتى نشأ عبد الله . ). ، وفى حوار سبق الاشتباك الحربى ، تقول الرواية : ( خرج (علي ) على فرسه، فدعا الزبير فتواقفا فقال (علي ) للزبير : " ما جاء بك؟ "  قال : " أنت، ولا أراك لهذا الأمر أهلا ولا أولى به منا . " فقال (علي ) : " لستُ له أهلا بعد عثمان؟ ) أى يشير الى أنه كان الأحق بالأمر من أبى بكر نفسه، ثم قال للزبير يذكره بموقفه السابق ضد بيعة ابى بكر : " قد كنا نعدك من بني عبدالمطلب حتى بلغ ابنك ابن السوء ففرّق بيننا وبينك ).أى إن عبد الله بن الزبير هو الذى فرّق بين ( على ) والزبير  .

2 ـ وبات معروفا أن عبد الله بن الزبير هو المحرض الخفى على الخروج على (على بن أبى طالب ). وقد قيل للأشتر النخعى أبرز قواد ( على ) :" قد كنت كارها لقتل عثمان، فما أخرجك بالبصرة ؟  قال إن هؤلاء بايعوه ثم نكثوا، وكان ابن الزبير هو الذي أكره عائشة على الخروج .! ) .

3 ـ وصحا ضمير الزبير بعد أن وعظه ( على ) ، فأقسم على الانسحاب ، ولكن إبنه ( عبد الله ) رماه بالجُبن والخوف من جيش (على ) وجعله ينكث يمينه . تقول الرواية : ( فانصرف عنه الزبير ، وقال : "  فإني لا أقاتلك. "  فرجع إلى ابنه عبدالله،  فقال : "  مالي في هذه الحرب بصيرة . " فقال له ابنه : "إنك قد خرجت على بصيرة ولكنك رأيت رايات ابن أبي طالب وعرفت أن تحتها الموت فجبنت.! " فأحفظه ( أى أغضبه ) حتى أرعد وغضب وقال : "ويحك إني قد حلفت له ألا أقاتله ." فقال له ابنه : "  كفّر عن يمينك بعتق غلامك سرجس "،  فأعتقه ، وقام في الصف معهم. )

4 ـ وكان ابن الزبير مرتبطا بخالته عائشة ومشاركا لها فى كراهيتها لبنى هاشم ، ولذا جعلته يصلى بالجيش الى أن قدم البصرة . وبعد الهزيمة إختبا ابن الزبير فى دار رجل من قبيلة الأزد وأرسله الى عائشة يعرفها بمكانه حتى تنقذه من (على بن أبى طالب ). وكان لا بد لعائشة من إستدعاء أخيها محمد بن أبى بكر ( وهو خال ابن الزبير ) لينقذ ابن الزبير . وهذا بالضبط ما كان يخشاه ابن الزبير لعلمه بإخلاص خاله محمد بن أبى بكر لعلى بن أبى طالب .  تقول الرواية : (  وأوى عبدالله بن الزبير إلى دار رجل من الأزد يدعى وزيرا ، وقال :" ائت أم المؤمنين فأعلمها بمكاني وإياك أن يطلع على هذا محمد بن أبي بكر."،  فأتى عائشة .. فأخبرها، فقالت : " عليّ بمحمد "  فقال : " يا أم المؤمنين إنه قد نهاني أن يعلم به محمد .! " فأرسلت إليه، فقالت ( لأخيها محمد ابن أبى بكر ): " اذهب مع هذا الرجل حتى تجيئني بابن أختك . " فانطلق ( محمد بن أبى بكر ) معه، فدخل بالأزدي على ابن الزبير قال ( الأزدى لابن الزبير ) : "جئتك والله بما كرهت وأبت أم المؤمنين إلا ذلك ". فخرج عبدالله( ابن الزبير ) ومحمد ( ابن أبى بكر ) وهما يتشاتمان . ).

ابن الزبير فى خلافة معاوية

1 ـ كان يتلقى فيها عطايا معاوية ويتسولها ، تقول الرواية عن الأصمعى : (‏ وفد الحسن وعبد الله بن الزبير على معاوية ، فقال للحسن‏:‏ مرحباً وأهلاً بابن رسول الله، وأمر له بثلاثمائة ألف‏.‏ وقال لابن الزبير‏:‏ مرحباً وأهلاً بابن عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمر له بمائة ألف‏.‏ ).

وفى رواية أخرى أن معاوية أعطى ابن الزبير ثلثمائة ألف لأنه قال له ثلاثة أبيات شعر من أجمع ما قاله العرب . وتنتهى الرواية بقول الراوى : ( فدعا معاوية بثلاثين عبداً على عنق كل واحد منهم بدرة، وهيعشرة آلاف درهم، فمروا بين يدي ابن الزبير حتى انتهوا إلى داره‏.‏).

وكان ابن الزبير لا يدع فرصة إلا وينتهزها لأخذ المال من معاوية ، تقول الرواية أنه قال لمعاوية : ( لا والله لا أدعك حتى تعطيني مائة ألف‏.‏فأعطاه، فجاء مروان فقال‏:‏ والله يا أمير المؤمنين ما رأيت مثلك،جاءك رجل قد سمى بيت مال الديوان وبيت الخلافة، وبيت كذا، وبيت كذا، فأعطيته مائةألف‏.‏فقال له‏:‏ ويلك كيف أصنع بابن الزبير‏؟‏ ).!!

وكان يبتزّ معاوية ، تقول الرواية :( سأل ابن الزبير معاوية شيئاً فمنعه، فقال‏:‏ والله ما أجهل أن ألزم هذهالبنية فلا أشتم لك عرضاً ولا أقصم لك حسباً، ولكني أسدل عمامتي من بين يدي ذراعاً،ومن خلفي ذراعاً في طريق أهل الشام، وأذكر سيرة أبي بكر الصديق وعمر فيقول الناس‏:‏من هذا‏؟‏فيقولون‏:‏ ابن حوارّي رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن بنتالصديق‏.‏فقال معاوية‏:‏ حسبك بهذا شرفاً‏.‏ثم قال‏:‏ هات حوائجك‏.‏).

2 ـ وقبيل موته عام 60 هجرية، أوصى معاوية ابنه يزيد بأن يأخذ ابن الزبير بالشدة . ولدينا روايتان تختلفان فى بعض التفاصيل ، وتتفقان فيما يخص ابن الزبير ، تقول الأولى : ( أن معاوية لما مرض مرضته التي هلك فيها، دعا ابنه يزيد فقال‏:‏ يا بني إني قد كفيتك الرحلة والرجال‏.‏ ووطأت لك الأشياء، ودللت لك الأعزاء، وأخضعت لك أعناق العرب، وإني لا أتخوف أن ينازعك هذا الأمر الذي أسسته إلا أربعة نفر‏:‏ الحسين بن علي، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، وعبد الرحمن بن أبي بكر‏...فأما ابن عمر فهو رجل ثقة قد وقدته العبادة، وإذا لم يبق أحد غيره بايعك‏.‏ وأما الحسين فإن أهل العراق خلفه لا يدعونه حتى يخرجونه عليك، فإن خرج فظفرت به فاصفح عنه، فإن له رحماً ماسة، وحقاً عظيماً‏.‏ وأما ابن أبي بكر فهو رجل إن رأى أصحابه صنعوا شيئاً صنع مثله، ليست له همة إلا في النساء واللهو‏.‏ وأما الذي يجثم لك جثوم الأسد، ويراوغك روغان الثعلب، وإذا أمكنته فرصة وثب، فذاك ابن الزبير، فإن هو فعلها بك فقدرت عليه فقطعه إرباً إرباً‏.‏ ) وفى رواية أخرى (..ولست أخاف عليه من قريش سوى ثلاثة‏:‏ الحسين، وابن عمر، وابن الزبير‏.‏.. فأما ابن عمر فقد وقدته العبادة، وأما الحسين فرجل ضعيف، وأرجو أن يكفيكه الله تعالى بمن قتل أباه وخذل أخاه، وإن له رحماً ماسة، وحقاً عظيماً‏.‏  وقرابة من محمد صلى الله عليه وسلم، ولا أظن أهل العراق تاركيه حتى يخرجوه، فإن قدرت عليه فافصح عنه فإني لو صاحبته عفوت عنه‏.‏ وأما ابن الزبير‏:‏ فإنه خب ضب فإن شخص لك فانبذ إليه إلا أن يلتمس منك صلحاً، فإن فعل فاقبل منه، واصفح عن دماء قومك ما استطعت‏.‏  )

ابن الزبير فى خلافة يزيد بن معاوية

1 ـ كتب يزيد الى واليه على المدينة ( الوليد بن عتبة ) يأمره بإرغام الحسين وابن الزبير على البيعة ، وماطل ابن الزبير فى الذهاب للوالى برغم الالحاح عليه ، ثم تسلل هاربا من المدينة ليلا الى مكة ،. تقول الروايات : ( لما خرج الحسين من المدينة إلى مكة  .. فأقبل حتى نزل مكة وأهلها مختلفون إليه ويأتونه ومن بها منالمعتمرين وأهل الآفاق ، وابن الزبير بها قد لزم جانب الكعبة فهو قائم يصلي عندهاعامة النهار ويطوف ، ويأتي الحسين فيمن يأتيه ولا يزال يشير عليه بالرأي ، وهو أثقل خلقالله على ابن الزبير لأن أهل الحجاز لا يبايعونه ما دام الحسين باقيًا بالبلد‏.‏)

2 ـ بعد مقتل الحسين أعلن ابن الزبير نفسه خليفة وشعاره :(أنا عائذ بالبيت )   وبويع من أهل مكة ، ومنع ابن الزبير عامل يزيد فى مكة من الصلاة بالناس ، فأمر يزيد واليه على مكة (عمرو بن سعيد الأشدق ) أن يرسل جيشا الى مكة ليعتقل ابن الزبير ويوثقه مقيدا . وبدأ عمرو بن سعيد الأشدق بضرب أنصار ابن الزبير بالمدينة ، وأرسل جيشا يقوده عمرو بن الزبير لاعتقال عبد الله بن الزبير ، وكان عمرو بن الزبير يكره اخاه عبد الله بن الزبير وقد قال للأشدق : (لا توجه إليه رجلا أبدا أنكأ له مني ). وتصدى أهل مكة للجيش الأموى فهزموه ، واستجار عمرو بن الزبير بأخيه عبيدة بن الزبير فأجاره ، وذهب به الى عبد الله بن الزبير فأمر عبد الله بن الزبير بضربه بالسياط حتى مات .

3 ـ وباختصار فقد بويع ابن الزبير بالخلافة أياميزيد بن معاوية.  ولما مات معاوية بن يزيد، إنضمت اليه الحجاز، واليمن، والعراق،ومصر، وخراسان، وسائر بلاد الشام إلا دمشق، . ثم تمكن مروان بن الحكم من استرجاع الشام ومصر من نواب ابن الزبير‏.‏ثم جهز السرايا إلى العراق، ومات . وتولى بعده عبد الملك بن مروانفقتل مصعب بن الزبير بالعراق وأخذها‏.‏ثم بعث إلى الحجاج فحاصر ابن الزبير بمكة قريباً من سبعة أشهر حتىظفر به في يوم الثلاثاء سابع عشر جمادى الأولى سنة ثلاث وسبعين‏.‏

صفات ابن الزبير الشخصية

 قال على بن زيد الجدعانى عن ابن الزبير : ( إنه كانت فيه خلال لا تصلح معها الخلافة ، لأنه كان بخيلا ضيق العطاء ، سىء الخلق ، حسودا ، كثير الخلاف . ).

بخل ابن الزبير

1 ـ والبخل أبرز صفات ابن الزبير ، ومن أساب فشله ، فقد كان بنو أمية يشترون الأنصار بالأموال ، وهم أنداد وأكفاء للهاشميين ، وكان الزبير وآله اقل مكانة ، وبالتالى كان على ( ابن الزبير ) أن يعالج هذه الفجوة بين نسبه ونسب الأمويين بأن يكون أكثر كرما منهم فى العطاء يكتسب به الأنصار ، ولكنه لم يفعل ، مع ثرائه الفاحش .

2 ـوكان ابن الزبير يبخل بالأموال التى يحصل عليها من معاوية بينما يتنافس غيره فى إنفاقها . تقول الرواية ‏:‏ ( بعث معاوية إلى الحسن بن علي بمائة ألف فقسمها على جلسائه، وكانوا عشرة، فأصاب كل واحد عشرة آلاف‏.‏ وبعث إلى عبد الله بن جعفر بمائة ألف فاستوهبتها منه امرأته فاطمة فأطلقها لها، وبعث إلى مروان بن الحكم بمائة ألف فقسم منها خمسين ألفاً وحبس خمسين ألفاً، وبعث إلى ابن عمر بمائة ألف ففرق منها تسعين واستبقى عشرة آلاف‏.‏ وبعث إلى عبد الله بن الزبير بمائة ألف فقال للرسول‏:‏ لم جئت بها بالنهار‏؟‏ هلا جئت بها بالليل‏؟‏ ثم حبسها عنده ولم يعط منها أحداً شيئاً‏.‏ فقال معاوية‏:‏ إنه لخب ضبّ، كأنك به قد رفع ذنبه وقطع حبله‏.‏ ) .

3 ـ  وبالاضافة الى ما حصل عليه ابن الزبير من معاوية فقد ورث من أبيه حظّا من الثروة . وكان الزبير ( بليونيرا ) بمقياس عصرنا . ونقل ابن سعد فى الطبقات روايات عن تركة الزبير ، ونعرف منها أن الزبير اشترى بستانا كبيرا (الغابة ) بسبعين ومائة ألف فباعها عبد الله بن الزبير بألف ألف وستمائة ألف. وكان للزبير أربع نسوة فأصاب كل امرأة ألف ألف ومائة ألف. ( فجميع ماله خمسة وثلاثون ألف ألف ومائتا ألف ) ،( اقتسم ميراث الزبير على أربعين ألف ألف ) ( كانت قيمة ما ترك الزبير أحدا وخمسين أو اثنين وخمسين ألف ألف  ) ( كان للزبير بمصر خطط وبالإسكندرية خطط وبالكوفة خطط وبالبصرة دور وكانت له غلات تقدم عليه من أعراض المدينة ‏.‏ )

4 ـ وبخل ابن الزبير كان يصحبه فى حياته ومواقفه ، قبيل موقعة الجمل دخلوا البصرة وأسروا واليها عثمان بن حنيف ، واهانوه وعذبوه بلا جريمة إرتكبها ، وكاوا يقتلونه لولا مخافة أهله من الأنصار . نرى لابن الزبير موقفين يعبران عن بخله : فقد جاء حكيم بن جبلة لانقاذ عثمان بن حنيف واسترجاع المؤن الغذائية المخصصة لقومه وقد استولى عليها أصحاب الجمل ، فرفض ابن الزبير وقال له : (" لا نرزقكم من هذا الطعام ولا نخلي سبيل عثمان بن حنيف حتى يخلع عليا. " قال حكيم : "اللهم إنك حكم عدل فاشهد. "  وقال لأصحابه : " إني لست في شك من قتال هؤلاء فمن كان في شك فلينصرف . " وقاتلهم فاقتتلوا قتالا شديدا. ).  وأكثر من هذا ، تقول الرواية : ( وأراد الزبير أن يعطي الناس أرزاقهم ويقسم ما في بيت المال، فقال عبدالله ابنه : إن ارتزق الناس تفرقوا ).

5 ـ وعيّن عبد الله بن الزبير أخاه مصعب بن الزبير للكوفة وكان فارسا كريما من فتيان قريش ، وهو الذى قتل المختار وسيطر على العراق و ملك البصرة   ووجه المهلب على الموصل والجزيرة وأذربيجان وأرمينية . وارسل مصعب وفدا من أهل العراق لأخيه عبد الله ليعطيهم ويستميلهم فمنعهم ابن الزبير العطاء وأهانهم  . ولم يلبث ابن الزبير أن عزل أخاه مصعب عن العراق وولى مكانه أبنه حمزة حتى لا يأكل مصعب خير العراق وخراسان وحده . وظهر من الوالى الجديد حمق فطلب الأحنف بن قيس زعيم بنى تميم من ابن الزبير عزل ابنه فعزله ، وأعاد مصعب لولاية العراق، وكان ذلك عام 68  .

6 ـ ولم يفارق البخل ابن الزبير وهو تحت الحصار قبيل مقتله . تقول الرواية ( وقدم عليهقوم من الأعراب فقالوا: قدمنا للقتال معك، فنظر فإذا مع كل امرئ منهم سيف كأنه شفرةوقد خرج من غمده، فقال: يا معشر الأعراب لا قربكم الله! فوالله إن سلاحكم لرث، وإنحديثكم لغث؛ وإنكم لقتال في الجدب، أعداء في لخصب. فتفرقوا .) أى طردهم لأنهم جاءوا يقاتلون معه مرتزقة طامعين فى عطائه ، وهو يريد أن يقاتل الناس من أجله بلا أجر !.

7 ـ أكثر من هذا أنه وقت الحصار إشتد الغلاء فى مكة ، ولدى ابن الزبير مخازن الطعام ويبخل بها عن عسكره ، تقول الرواية : ( ولم يزل القتال بينهمدائماً، فغلت الأسعار عند ابن الزبير وأصاب الناس مجاعة شديدة حتى ذبح فرسه وقسملحمها في أصحابه، وبيعت الدجاجة بعشرة دراهم، والمد الذرة بعشرين درهماً، وإن بيوتابن الزبير لمملوءة قمحاً وشعيراً وذرة وتمراً، وكان أهل الشام ينتظرون فناء ماعنده، وكان يحفظ ذلك ولا ينفق منه إلا ما يمسك الرمق، ويقول: أنفس أصحابي قوية مالم يفن.) . لذا تفرق عنه أصحابه مللا منه ، تستمر الرواية تقول : ( فلما كان قبيل مقتله تفرق الناس عنه وخرجوا إلى الحجاج بالأمان، خرج منعنده نحو عشرة آلاف، وكان ممن فارقه ابناه حمزة وخبيب، وأخذا لأنفسهما أماناً. )   

جُبن ابن الزبير

1 ـ يتجلى جبنه أكثر فى خوفه من الخروج للعراق أو للشام للتصدى للأمويين والخوارج . أرسل قادته يحاربون عنه ، وهو متعلق بالبيت الحرام ليأمن على حياته ، وليضع الأمويين فى مأزق : إما أن يتركوه خوفا على حُرمة البيت الحرام ، وإما أن يهاجموه فيقعوا فى جريمة إنتهاك الحرم . ونؤكد مجددا على أن ابن الزبير هو الذى بدأ بانتهاك البيت الحرام حين جعله مركزه الحربى ، ولا بد للمركز الحربى من أن يكون ميدانا للحرب والقصف . إن رب العزة هو الذى أمر أن يكون البيت الحرام مثابة للناس وأمنا ( البقرة 125 ) فعصى الزبير أمر الرحمن وجعل بيت الرحمن قلعة حربية تتعرض للحصار والضرب بالمنجنيق مما سبب حرق الكعبة . ولم يعرف ابن الزبير للكعبة إحتراما ، فحين إنهزم فى مكة إنسحب الى ساحة البيت الحرام ثم الى الكعبة نفسها تقول الرواية  : ( حضرت قتل ابن الزبير ، جعلت الجيوش تدخل عليه من أبواب المسجد فكلما دخل قوم من باب حمل عليهم حتى يخرجهم فبينما هو على تلك الحال إذ جاءته شرفة من شرفات المسجد فوقعت على رأسه فصرعته.)، وإستعمل سقف الكعبة فى الدفاع عن حياته ، تقول الرواية : ( كان على ظهر المسجد جماعة من أعوانه يرمونأعداءه بالآجر فأصابته آجرة من أعوانه من غير قصد من مفرق رأسه ففلقت رأسه ) . أى قُتل من حجر أصابه خطأ من أحد جنوده الذين إعتلوا سطح الكعبة  وانتهك ابن الزبير جوف الكعبة ، تقول الرواية عن عدد القتلى : ( وقتل معه مائتان واربعون رجلا ، منهم من سال دمه فى جوف الكعبة . ).

2 ـ جُبن ابن الزبير يتجلى قبل هذا فى موقعة الجمل التى كان شيطانها . حين أصابته جراحة خفيفة ألقى بين نفسه بين الجرحى وهو يعرف أن جنود ( على ) لا يقتلون الجرحى ، تقول إحدى الروايات عنه  : (.. فجُرح فألقى نفسه في الجرحى فاستُخرج ، فبرأ من جراحته ).

3 ـ وحين إنفض عنه أبناؤه وأخوته ولم يبق سواه ذهب لأمّه يستشيرها ، هل يسلّم نفسه أم يقاتل ويعرض نفسه للقتل . كان وقتها قد تعدى السبعين وليس طفلا مراهقا ، وكان وقتها قد إرتكب كل الشنائع فى سبيل السلطان ، وبسببه ضاعت حياة عشرات الألوف ، ولعله الوحيد ـ فيما نعرف ـ الذى بعد هذا كله وفى هذا العُمر يقف أمام أمه لتحميه من جُبنه . يكفى أن نتعقل هذه الرواية المشهورة عنه ، ونضعها فى سياقها فى تاريخ ابن الزبير وختام طموحه وحياته : ( فدخل على أمه فقال: يا أماهقد خذلني الناس حتى ولدي وأهلي ولم يبق معي إلا اليسير ومن ليس عنده أكثر من صبرساعة، والقوم يعطونني ما أردت من الدنيا، فما رأيك؟ فقالت: أنت أعلم بنفسك، إن كنتتعلم أنك على حق وإليه تدعو فامض له فقد قتل عليه أصحابك ولا تمكن من رقبتك يتلعببها غلمان بني أمية، وإن كنت إنما أردت الدنيا فبئس العبد أنت أهلكت نفسك ومن قتلمعك، وإن قلت كنت على حق فلما وهن أصحابي ضعفت فهذا ليس فعل الأحرار ولا أهل الدين،كم خلودك في الدنيا! القتل أحسن! فقال: يا أماه أخاف إن قتلني أهل الشام أن يمثلوابي ويصلبوني. قالت: يا بني إن الشاة لا تتألم بالسلخ إذا ذبحت، فامض على بصيرتكواستعن بالله.).

4 ـ وقبل أن يتفرق عنه أبناؤه وأتباعه كان يرفض كل محاولات التسوية ، والتى كان مبعثها الحرص على حُرمة البيت الحرام . ( وقد أرسل عبد الملك رسالة الى الحجاج يقول له فيه : إعط ابن الزبير الأمان على هدر هذه الدماء وحكمه فى الولاية ، فعرضوا ذلك عليه فشاور أصحابه فأشاروا عليه بأن يفعل فقال : لا أخلعها إلا بالموت . ).  

5 ـ ومع هذا فقد وضع السنيون السلفيون أكاذيب فى تمجيد هذا المخلوق الحقير !.


 

 

 

 

 

 

 

من هو الأسوأ : دونالد ترامب أم عبد الله بن الزبير ؟

الهجاء السياسى بين ابن الزبير وابن عباس  / صفحة من التاريخ الأسود للسلف الصالح

مقدمة

1 ـ ( الرعاع ) مصطلح ثقافى وليس مصطلحا طبقيا . هو يدل على فساد خلقى وفُحش لفظى .  ليس شرطا أن يكون صاحبه فقيرا ،  فهناك فقراء مهذبون ، وهناك مترفون أثرياء من الرعاع . فى دولة المستبد الشرقى يتصدر المشهد الفاسدون والرعاع ، وتطغى أخبارهم وبذاءاتهم على أجهزة الاعلام . ونشهد فى أمريكا الان ( 2016 ) ظاهرة غريبة تحدث لأول مرة فى تاريخ التنافس على الرئاسة ، وهى ظاهرة دونالد ترامب ، الذى يسعى الى ترشيح الحزب الجمهورى ( المحافظ ) . هو بيليونير ورجل أعمال ناجح ، ولكنه بكلامه وتصرفاته ينتمى الى طائفة الرعاع . فارق هائل بينه وبين السياسيين الأمريكيين والغربيين ، الذين قد يتخذون قرارات إجرامية ولكن يتكلمون بتهذيب وأدب راق رائع ، يسمونه ( الدبلوماسية ).!.

ما علينا ..!!

2 ـ بل علينا ..!!

3 ــ لأن عبد الله بن الزبير ينتمى الى نفس فصيلة الرعاع ( ثقافيا ) . لم يكن فقيرا بل ورث عن أبيه ملايين الأموال وجمع مثلها من عطايا الأمويين الذين ثار عليهم فيما بعد ، وهو أقل شأنا منهم حسبا ونسبا . وبمقياس عصرنا فهو أكثر ثراءا من دونالد ترامب ، إلا إن ترامب أكثر كرما بينما كان ابن الزبير أبخل الناس فى عصره . ولقد طمع ابن الزبير فى الخلافة وأوقع عصره فى فتنة عقيم قتل فيها عشرات الآلاف ، وهو لم يكن صالحا للخلافة بمقياس عصره لأنه لا ينتمى الى أشرف عنصرى قريش ( الهاشميين والأمويين ) ثم بسبب طبيعته الشخصية المذمومة عربيا ، وقد كان بخيلا جبانا . وبمقارنة أخرى بينه وبين دونالد ترامب ، فإن ترامب مهما بلغ حمقه وبذاءته إلا إنه يتنافس فى الانتخابات فى تداول سلمى للسلطة ، ولا يقتل خصومه الذين لا يؤيدونه فى الرأى ، بينما أشعل ابن الزبير المنطقة حروبا ليغير المعادلة السياسية ويصبح خليفة رغم أنف الأمويين والهاشميين ، ثم إنه لم يتورع عن قتل المعارضين السلميين له ، بل كاد أن يحرق الهاشميين لأنهم رفضوا البيعة له بالخلافة .! وهذه سابقة تاريخية على مستوى العالم ـ حسب علمنا ، وهى أيضا لم تتكرر ـ حسب علمنا . ولا نعتقد أن هذه الفكرة المجنونة يمكن أن تزور عقل دونالد ترامب ـ ولو على إستحياء .! .

4 ــ وعلى هامش الحرب التى أشعلها ابن الزبير ، وعلى هامش إضطهاده للهاشميين  ، فإن طبيعة الرعاع فيه أنتجت أيضا نوعا من الهجاء السياسى للهاشميين ، فقام ابن الحنفية بالرد عليه ، بينما نبغ فى الرد عليه ابن عباس. وابن عباس كان يمتلىء إحتقارا لابن الزبير . ومشهور أن ابن عباس فشل فى إقناع الحسين بالبقاء فى مكة وعدم الذهاب الى العراق حتى لا يخلو المجال لابن الزبير وطموحه المدمر للخلافة . وبعد فشله فى إقناع الحسين قابل ابن عباس إبن الزبير فقال له : (قرّت عينك يا ابن الزبير .! . هذا الحسين يخرج الى العراق ويخلّيك والحجاز . وأنشد :

 يالك من قنبرة بمعمر   

خلا لك الجوُّ فبيضى وصفرى  

ونقّرى ما شئت أن تنقرى .) . هنا إحتقار هائل لابن الزبير الذى صار خليفة لبعض الوقت ثم انتهى أمره مصلوبا مقطوع الرأس .  

نعطى لمحة عن الهجاء السياسى بين ابن الزبير ، وخصميه ابن الحنفية وابن عباس .

أولا :

1 ـ  بلغ ابن الحنفية ( محمد بن على بن أبى طالب )  أن ابن الزبير نال من ( على بن أبى طالب ) وأنتقص منه ، فأُتى له برحل فوضعه فى المسجد الحرام ، وقام خطيبا ، فحمد الله وأثنى عليه ، وصلى على محمد ثم قال : ( شاهت الوجوه ، يا معشر قريش . أيقال هذا بين ظهرانيكم وأنتم تسمعون ؟ ويُذكر ( علىُّ ) فلا تغضبون ؟ . ألآ إن عليا كان سهما صائبا من مرامى الله أعداءه ، يضرب ووجوههم ويهوّعهم ( أى يجعلهم يتقيأون ) مأكلهم ، ويأخذ بحناجرهم . ألا وإنّا على سنن ومنهج حاله ، وليس علينا فى مقادير الأمور حيلة ، وسيعلم الذين ظلموا أى منقلب ينقلبون ) . هذه خطبة تعكس شخصية محمد بن الحنفية المُسالمة ، برغم ما فيها من غضب . ونلاحظ أنه لم يذكر إسم ابن الزبير ، وركّز عن الدفاع عن والده (على بن أبى طالب ) .

ولكن ابن الزبير لم يتحمل مقالة ابن الحنفية فى الدفاع عن أبيه ( على بن أبى طالب ) فأصدر تصريحا يقول فيه ( هذه عذرة بنى الفواطم ، فما بال ابن أمة بنى حنيفة  ). يعنى التعريض بمحمد بن على بن أبى طالب ، لأن أمه ليست فاطمة بنت النبى ، كأنه عيب فيه يكون مؤاخذا به أنه ليس ابنا لفاطمة بينت محمد .! ثم قال عن محمد ( إبن أمة بنى حنيفة ) أى وصف أمّه أنها (أمة ) أى جارية مملوكة . ولم تكن كذلك .

وبلغ محمد ابن الحنفية قوله ، فقال : ( يامعشر قريش ..وما ميزنى عن بنى الفواطم ؟ اليست فاطمة بينت رسول الله حليلة  ( زوجة ) أبى ؟ وام أخوتى ؟ أو ليست فاطمة بنت اسد بن هاشم جدتى ؟ وأم ابى ؟ أليست فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم جدة أبى وام جدتى ؟ أما والله لولا خديجة بنت خويلد لما تركت من بنى أسد عظما إلا هشمته ، فإنى بتلك التى فيها المعاب صبير )(أى هو كفيل بالرد على تلك الاتهامات ) السيدة خديجة هى اخت العوام والد الزبير . ( اليعقوبى فى تاريخه 261 : 261  ). وابن الحنفية هنا إقتصر على الدفاع دون أن يهاجم ابن الزبير المعتدى .

ثانيا :

1 ـ حين رفض بنوهاشم مبايعة ابن الزبير فقطع ابن الزبير ذكر رسول الله فى خطبه ، وهاجم بنى هاشم ، وزعم انه ليست لهم سابقة فى قريش . وبلغ الخبر ابن عباس ،وكان قد أصابه العمى ،  فخرج غاضبا ، فأتى المسجد الحرام فصعد المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه وصلى على رسوله ، ثم قال : ( إن ابن الزبير يزعم أن لا أول لرسول الله  ولا آخر . ( أى ليست لهم سابقة ولا مفاخر ) فياعجبا كل العجب لافترائه وكذبه . والله إن أول من أخذ الايلاف وحمى عيرات  ( قوافل ) قريش لهاشم ( أى هاشم بن عبد مناف جد الهاشميين )، وأن أول من سقى بمكة عذبا ( أى ماءا عذبا ) وجعل باب الكعبة ذهبا لعبد المطلب ( أى عبد المطلب بن هاشم جد النبى عليه السلام ). والله لقد نشأت نشأتنا مع ناشئة قريش ( أى عاش ونشأ فى قريش فى مكة )، وإن كنا لقالتهم إذا قالوا ( أى المتكلمون والزعماء ) ، وخطباءهم إذا خطبوا . وما عن مجد كمجد أولنا ( أى لا يوجد مجد مثل مجد آبائنا )  . وما كان فى قريش مجد لغيرنا  لأنها فى كفر ماحق ، ودين فاسق وضلالة فى عشواء عمياء ، ( يعنى أن بنى أمية ــ وهم أكفاء لبنى أعمامهم الهاشميين ـ  ليس لهم مجد لانهم تزعموا الكفر فى قريش ) حتى إختار الله تعالى لها نورا ، وبعث لها سراجا ، فأنتجه طيبا من طيبين ، لا يسبه بمسبة ( أى لا مجال لأحد ان ينتقص منه أو أن يسُبّه ) ولا يبغى عليه غائلة . فكان ( النبى محمد ) أحدنا وولدنا وعمنا وابن عمنا . ثم إن أسبق السابقين اليه منا وابن عمنا  ( أى كان الهاشميون الأسبق فى الايمان برسالته ) ، ثم تلاه فى السبق اهلنا ولُحمتنا واحدا بعد واحد . ثم إنا لخير الناس بعده وأكرمهم ادبا وأشرفهم حسبا ، وأقربهم منه رُحما . و اعجبا لابن الزبير .!! يعيب بنى هاشم . وإنما شرُف هو وأبوه وجدُّه بمصاهرتهم . أما والله إنه لمسلوب قريش . ومتى كان العوّام بن خويلد يطمع فى صفية بنت عبد المطلب . قيل للبغل : من خالك ؟ فقال : خالى الفرس ) . يقصد ابن عباس أن العوام والد الزبير قد تشرف بزواجه من صفية بنت عبد المطلب ولم يكن لها كفؤا . وختم ابن الزبير خطبته بهذا المثل المؤلم : (قيل للبغل : من خالك ؟ فقال : خالى الفرس ) . يعنى أن الحمار نزا على مهرة فأنجب منها بغلا ، فقيل للبغل من أبوك فتحرج أن يقول أن أباه الحمار خجلا من أبيه الحمار فقال ( خالى الفرس ) فخرا بالفرس .!!

2 ـ وهاجم ابن الزبير وهو على المنبر ابن عباس ، وكان ابن عباس جالسا مع الناس ، فقال ابن الزبير يشير اليه : ( إن هاهنا رجل قد أعمى الله قلبه كما أعمى بصره . يزعم أن متعة النساء حلال من الله ورسوله . ويفتى فى القملة والنملة . وقد إحتمل بيت مال البصرة بالأمس وترك المسلمين بها يرتضحون  النوى ( يصحنون ويكسرون النوى )، وكيف ألومه فى ذلك ، وقد قاتل أم المؤمنين وحوارى رسول الله ومن وقاه بيده . ) كانت لابن عباس نقطة سوداء فى حياته ، كان أميرا للبصرة فى خلافة ابن عمه (على بن أبى طالب ) ، وحين تهاوى مُلك ( على ) تخلى عنه ابن عباس ، وهرب من البصرة ومعه بيت المال ، وإحتمى بأخواله فى الصحراء . هذا ما أراده ابن الزبير بقوله عنه (. وقد إحتمل بيت مال البصرة بالأمس وترك المسلمين بها يرتضحون  النوى  )

3 ـ رد ابن عباس : فقال ابن عباس لقائده : إستقبل بى وجه ابن الزبير وارفع من صدرى ، ففعل ، فقال ابن عباس : يا ابن الزبير .

قد انصف القارة من راماها

أنا إذا ما فئة نلقاها

نرد أولاها على أخراها

حتى تصير حرضا دعواها

( القارة قبيلة عربية مشهورة بالمهارة فى رمى السهام ، ويريد ابن عباس أنه قادر على رد السهام التى وجهها له ابن الزبير ، ثم أكمل خطابه  فقال : )

 ( يا ابن الزبير : أما العمى فإن الله تعالى يقول : ( فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التى فى الصدور ) . وأما فُتياى فى القملة والنملة فإن فيهما حكمين لا تعلمهما أنت ولا اصحابك . وأما حملى المال فإنه كان مالا جبيناه فأعطينا كل ذى حق حقه ، وبقىت بقية هى دون حقنا فى كتاب الله فأخذناها بحقنا ، وأما المتعة فسل أمك اسماء إذ أنزلت عن عوسجة . وأما قتالنا أم المؤمنين فبنا سميت أم المؤمنين ، لا بك ولا بأبيك . فانطلق أبوك وخالك الى حجاب مدّه الله عليها فهتكاه عنها . ثم إتخذاها فتنة يقاتلان دونها ، وصانا حلائلهما فى بيوتهما . فما انصفا الله ولا محمدا من أنفسهما ، أن أبرزا زوجة نبيه وصانا حلائلهما . واما قتالنا اياكم ، فإنا لقيناكم زحفا ، فإن كنا كفارا فقد كفرتم بفراركم منا ، وإن كنا مؤمنين فقد كفرتم بقتالكم أيانا . وايم الله لولا مكانة صفية فيكم ومكانة خديجة فينا لما تركت بنى أسد بن عبد العزى عظما إلا كسرته . ) (شرح نهج البلاغة لابن أبى الحديد ج 5 / 821 : 823 ) .

كان ابن عباس مؤلما فى رده . إذ قال  فى مواجهة ابن الزبير إن  أٌمّه أسماء بنت أبى بكر قد تزوجها الزبير زواج متعة ، وأن عائشة صارت ( أم المؤمنين ) بسبب زواجها بالنبى الهاشمى ، وأنه كان مفروضا عليها الحجاب وألا تغادر بيتها ، ولكن الزبير وطلحة هتكا الحجاب الأمر المفروض عليها بالقرآن ، وبينما تركا زوجاتهما فى الحفظ والصون أدخلا زوجة النبى فى معركة . ثم حُجته الرائعة عن حرب الجمل ، إن كان الهاشميون كفارا وطلحة والزبير وعائشة وابن الزبير مؤمنين فقد كفر أصحاب الجمل بفرارهم ، وإن كان الهاشميون مؤمنين وعلى حق فإن الزبير وطلحة كفروا بقتالهم . وعليه فإن طلحة والزبير وابن الزبير وعائشة هم كفرة فى كل الأحوال طبقا لاستنتاج ابن عباس .

أخيرا

1 ـ فى النهاية حبسهم ابن الزبير ، وخطب  فقال : ( قد بايعنى الناس ولم يتخلف عن بيعتى إلا هذا الغلام : محمد بن الحنفية ، والموعد بينى وبينهم أن تغرب الشمس ثم أضرم عليهم داره نارا ) ، ولكن ذلك لم يتم لأن خيل المختار وردت قبل غروب الشمس ، وإستنقذت ابن الحنفية وأصحابه )  (  المسعودى فى مروج الذهب : ج 2 / 86 . ).

2 ــ دونالد ترامب يصف خصمه الجمهورى ( مارك روبيو ) بالصغير إحتقارا لشأنه . وهنا نرى ابن الزبير يخاطب ابن الحنفية بنفس الاحتقار : (هذا الغلام : محمد بن الحنفية  ). ثقافة الرعاع تجمع ابن الزبير بدونالد ترامب ، ولكن يبقى السؤال :  من هو الأسوأ : دونالد ترامب أم عبد الله ابن الزبير ؟

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

   مصعب بنالزبير: فتى قريش المتوحش

 أولا : قيل عنه :

1 ـ ( كان فارسا شجاعا جميلا وسيما سفاكا للدماء ) ( كان من أحسن الناس وجهًا وأشجعهم قلبًا وأجودهم كفًا‏.‏) ( قال إسماعيل بن أبي خالد : ما رأيت أميرا قط أحسن من مصعب )   وقال الشعبى : ( ما رأيت أميرا قط على منبر أحسن من مصعب  ) وعنه قال المدائني ( كان يُحسدُ على الجمال  ) .

2 ـ  ( قال عبد الله بنعمر لمصعب :‏ "أنت القاتل سبعة آلاف من أهل القبلة في غداة واحدة.! ".  فقالمصعب‏:‏ "إنهم كانوا كفرة سحرة."  فقال ابن عمر‏:‏ "والله لو قتلت عدتهم غنمًا من تراثأبيك لكان ذلك سرفًا‏.‏".! )

3 ـ وقال عبد الملك بن مروان عن مصعب بعد أن قتل مصعب : ( أشجع العرب من ولي العراقين خمس سنين فأصاب ثلاثة آلاف ألف، وتزوج بنت الحسين وبنت طلحة وبنت عبد الله بن عامر ، وأمه رباب بنت أنيف الكلبي سيد ضاحية العرب ،وأُعطي الأمان فأبى ، ومشى بسيفه حتى قتل.) 

4 ـ ( أسر مصعب بن الزبير رجلًا فأمر بضرب عنقه.  فقال‏:‏ " أصلح اللهالأمير ما أقبح بمثلي أن يقوم يوم القيامة فأتعلق بأطرافك الحسنة وبوجهك الذييُستضاءُ به فأقول‏:‏ يا رب سل مصعبًا فيم قتلني" ؟ فقال‏:‏ " يا غلام أعف عنه."  فقال‏:‏"  أصلح الله الأمير إن رأيت أن تجعل ما وهبت لي من حياتي في عيش رخيّ .! " قال‏:‏ " يا غلامأعطه مائة ألفا .!"  فقال‏:‏ " أيها الأمير فإني أشهد الله وأشهدك أني قد جعلت لابن قيسالرقيات منها خمسين ألفًا . " فقال‏‏ له‏:‏ "ولم ؟ " قال‏:‏ لقوله فيك‏:‏ إنما مصعب شهاب منالله تجلت عن وجهه الظلماء".) . 

ثانيا : مصعب واليا للعراق لأخيه عبد الله بن الزبير 

1 ـ ( عزل عبد الله بن الزبير أخاه عبيدةبن الزبير عن المدينة واستعمل أخاه مصعباً.
وسبب ذلك أن عبيدة خطب الناس فقاللهم:" قد ترون ما صنع الله بقوم في ناقة قيمتها خمسة دراهم،؟! " ) يعنى هلاك قوم ثمود لأنهم عقروا الناقة  . فسخر منه أهل المدينة ،(  فسمي مقوّم الناقة، فبلغذلك أخاه عبد الله فعزله واستعمل مصعباً.)

2 ـ ثم أرسل عبد الله بن الزبير أخاه مصعب واليا على العراق بعد أن إستفحل أمر المختار . تقول الرواية : (  وولّى عبد الله بنالزبيراخاه مصعب بنالزبيرالعراق، فبدأبالبصرة فنزلها ، ثم خرج في جيش كثير الى المختار بن ابي عبيد وهو بالكوفة فقاتله حتىقتله ، وبعث برأسه الى اخيه عبد الله بنالزبير. وفرّق عماله فيالكور والسواد  ) أى أرسل ولاة عنه فى توابع العراق ( ايران الآن وما بعدها فى اواسط آسيا ).

3 ـ كان ابراهيم بن الأشتر أشهر قواد المختار ، وبعد أن قتل مصعب المختار استمال ابن الأشتر اليه ، فصار من قواده . وكان الخوارج يعيثون فسادا فى  الموصل والجزيرة وأذربيجان وأرمينية فأرسل اليهم مصعب بالمهلب بن أبى صفرة فاستمر المهلب فى حربهم الى أن قُتل مصعب ، ثم إنضم المهلب لعبد الملك بن مروان ، وصار من أشهر قواده فى المشرق .

4 ـ وبعد قتل المختار جبى مصعب خراج العراق ( ملايين ) فحسده أخوه عبد الله بن الزبير ، فاستقدمه اليه وحبسه عند فى مكة وعزله ، وولى على العراق ابنه حمزة بن عبد الله بن الزبير .  وظهرت سفاهة ابنه، وإحتج الناس عليه ، فاضطر عبد الله بن الزبير الى عزل ابنه وإرجاع مصعب الى العراق  .

 ثالثا : موجز الحرب بين عبد الملك بن مروان و(صديقه السابق ) مصعب بن الزبير

1 ـ  تقول الرواية : ( لما أجمع عبد الملك المسير إلى مصعب تهيأ لذلك ، وخرج في جند كثير من أهل الشام،  وسار عبد الملك وسار مصعب حتى التقيا بمسكن. ثم خرجوا للقتال واصطف القوم بعضهم لبعض.  فخذلت ربيعة وغيرها مصعبا . فقال ( مصعب ): " المرء ميت على كل حال فوالله لأن أموت كريما أحسن منأن يضرع إلى من قد وتره لا أستعين بهم أبدا ولا بأحد من الناس . " ثم قال لابنه عيسى :"تقدم فقاتل " . فدنا ابنه فقاتل حتى قُتل . وتقدم إبراهيم ابن الأشتر فقاتل قتالا شديدا.  وكثره القوم ( أى تكاثروا عليه )  فقُتل ، ثم صاروا إلى مصعب وهو على سرير له، فقاتلهم قتالا شديدا وهو علىالسرير ، حتى قُتل . وجاء عبيد الله بن زياد بن ظبيان فاحتز رأسه، فأتى به عبد الملك، فأعطاه ألف دينار، فأبى أن يأخذها . ). 

2 ــ وتقول رواية أخرى : ( وسار عبد الملك حتىنزل بمسكن وكتب إلى شيعته من أهل العراق ، ثم جاء مصعب . فلما تراءى العسكران تقاعسبمصعب أصحابه . فقال لابنه عثمان‏:‏ يا بني اركب إلى عمك أنت ومن معك فأخبره بما صنعأهل العراق ودعني فإني مقتول فقال ابنه‏:‏ الحق بالبصرة أو بأمير المؤمنين فقال‏:‏" والله لا تتحدث قريش أني فررت ، ولكن أقاتل فإن قتلت فلعمري ما السيف بعار ، وما الفرارلي بعادة‏.‏" )

رابعا : اسباب هزيمة مصعب

1 ـ كان عبد الملك أكفأ سياسيا من مصعب ، ولم تُغن عن مصعب شجاعته . وبينما كان أهل الشام مخلصين لعبد الملك فقد كان أهل العراق لا يعرفون الاخلاص لأحد . مقصود بأهل العراق القبائل العربية التى إستوطنته بعد الفتح ، وليس أهل البلاد الأصليين ، والذين كان يُطلق عليهم الموالى . وقد قال عبد الملك:يقارن بينه وبين مصعب : ( إني يصيربالحرب شجاع بالسيف إن احتجت إليه، ومصعب شجاع ..ولكنه لا علم له بالحرب..ومعه من يخالفه ومعي من ينصح لي. ). وقال عبد الملك (وقد كتب كثير من أشراف العراق يدعونني إليهم )

2 ـ  : نجاح عبد الملك فى إستمالة معظم قواد مصعب ، واستجاب لعبد الملك كثير من القادة سوى ابراهيم بن الأشتر الذى جاء بكتاب عبد الملك لمصعب ، وأخبره أن عبد الملك أغوى القادة الآخرين ونصحه بأن يضرب أعناقهم فرفض مصعب حتى لا يُغضب عشائرهم . وأحسّ بعضهم بإنكشاف أمره فخاف من مصعب وهرب الى جيش عبد الملك .

3 ـ من سوء سياسة مصعب أنه لم يعزز جيشه بأكفأ قواده المخلصين له، تركهم فى ولاياتهم وهو فى أمسّ الحاجة اليهم ؛ وهم عبد الله بن خازم السلمي أمير خراسان و عمر بن عبيد الله التيمي  أمير فارس و المهلب بن أبي صفرة أمير الموصل وعباد بن حصين  أمير البصرة . لم يكن معه سوى ابراهيم بن الأشتر .

4 ـ فى داخل جيش مصعب كان له أعداء من أتباع المختار ومن غيرهم . وكان الذى طعن مصعب من أتباع المختار الثقفى ، وهو زائدة الثقفى وكان من جنود مصعب . تقول الرواية : ( ثم طعنه زائدة الثقفي وكان من جنده وقال يا لثارات المختار  )  ( فأثخن مصعب بالرمي ، ثم شد عليه زائدة بن قدامة فطعنه وقال‏:‏ يالثارات المختار . ) . وكان الذى إحتزّ رأس مصعب هو عبيد الله بن زياد بن ظبيان ، وقد حملها الى عبد الملك بن مروان ، ورفض أن يأخذ مكافأة منه . تقول الرواية : ( ونزل إليه عبيد الله بن زياد بن ظبيان فاحتز رأسه وقال‏:‏ إنه قتلأخي ، فأتى به عبد الملك ، فأثابه ألف دينار ، فأبى أن يأخذها، وقال‏:‏ إنما قتلته على وترصنعه بي فلا آخذ في حمل رأس مالًا‏.‏) ( وجاء عبيد الله بن زياد بن ظبيان فاحتز رأسه فأتى به عبد الملكفأعطاه ألف دينار فأبى أن يأخذها. )   

خامسا : تخاذل وتفرق أتباع مصعب عنه فى المعركة

1 ـ تقول الرواية : (   فلما التقى الجمعان لحقوا بعبد الملك وهرب عتاب بن ورقاء وخذلوا مصعبا .  وجعل مصعب كما قال لمقدم من جيشه : "تقدم " ، لا يطيعه )

2 ـ وعن إنفضاض أتباعه خصوصا من قبائل ربيعة تقول الرواية : ( واصطف القوم بعضهم لبعضفخذلت ربيعة وغيرها مصعبا  )

3 ـ وأرسل مصعب مددا لابراهيم بن الأشتر يقوده عتاب بن ورقاء. تقول الرواية : ( فساء ذلك إبراهيم وقال: قد قلت له لا تمدنيبعتاب وضربائه، وإنا لله وإنا إليه راجعون! فانهزم عتاب بالناس، وكان قد كاتب عبدالملك وبايعه . ) .

4 ـ وأثناء إحتدام القتال رفض قواد مصعب أوامره ، تقول الرواية : (  وتقدم أهل الشام فقاتلهم مصعب ، وقال لقطن بن عبد اللهالحارثي: قدم خليلك أبا عثمان. فقال: أكره أن تقتل مذحج في غير شيء. فقال لحجار ابنأبجر: يا أبا أسيد قدم خيلك. قال: إلى هؤلاء الأنتان! قال: ما تتأخر إليه أنتن! فقال لمحمد بن عبد الرحمن بن سعيد مثل ذلك، فقال: ما فعل أحد هذا فأفعله. ).

سادسا :  مصعب يرفض الأمان ويرفض الفرار

1 ـ ووضح أنه مهزوم ، فعرض عليه عبد الملك الأمان فرفض ، وعرض عليه ابنه الانسحاب الى البصرة فرفض .

2 ـ  تقول الروايات : ( وبعث إليه عبد الملك مع أخيه محمد : " إني ياابن العم أمنتك " قال مثلي : "لاينصرف عن هذا المقام إلا غالبا أو مغلوبا   ) ( ثم دنامحمد بن مروان من مصعب وناداه: أنا ابن عمك محمد بن مروان فاقبل أمان أميرالمؤمنين. فقال: أمير المؤمنين بمكة، يعني أخاه عبد الله بن الزبير. قال: فإن القومخاذلوك.فأبى ما عرض عليه.  ) ( فنادى محمد ( ابن مروان ) عيسى بن مصعب بن الزبير له، فقال له مصعب: انظر ما يريد منك. فدنا منه، فقال له: إني لك ولأبيك ناصح ولكما الأمان. فرجع إلىأبيه فأخبره، فقال ( عيسى لآبيه مصعب ) : إني أظن القوم يوفون لك ، فإن أحببت أن تأتيهم فافعل. فقال: لاتتحدث نساء قريش أني خذلتك ورغبت بنفسي عنك. قال ( مصعب لابنه عيسى ) : فاذهب أنت ومن معك إلى عمك ( عبد الله بن الزبير )  بمكةفأخبره بما صنع أهل العراق ودعني فإني مقتول. فقال ( عيسى لآبيه ): لا أخبر عنك قريشاً أبداً، ولكنيا أبت الحق بالبصرة فإنهم على الطاعة أو الحق بأمير المؤمنين. فقال مصعب: لا تتحدثقريش أني فررت.وقال لابنه عيسى: تقدم إذن أحتسبك، فتقدم ومعه ناس فقتل وقتلوا؛وجاء رجل من أهل الشام ليحتز رأس عيسى، فحمل عليه مصعب فقتله وشد على الناسفانفرجوا له، وعاد ثم حمل ثانية فانفرجوا له )،( وبذل له عبد الملك الأمان وقال: إنهيعز علي أن تقتل فاقبل أماني ولك حكمك في المال والعمل. فأبى وجعل يضارب. )

سابعا : قتل مصعب

1 ـ مصعب وزوجته سكينة بنت الحسين :  قبيل قتله ودّع زوجته سكينة بنت الحسين . تقول الرواية : ( دخل مصعب على سكينةيوم القتل ، فنزع ثيابه، وليس غلالة وتوشح بثوب وأخذ سيفه، فعلمت سكينة أنه لا يريد أنيرجع ، فصاحت‏:‏ واحزناه عليك يا مصعب. فالتفت إليها ، وقد كانت تخفي ما في قلبها عنهفقال‏:‏" أوكل هذا لي في قلبك؟ ! " قالت‏:‏ " وما أخفي أكثر " .! فقال‏:‏ " لو كنت أعلم هذا كانتلي ولك حال".  ثم خرج فلم يرجع‏.‏)

(  لما قتل مصعب بن الزبير خرجت سكينة ( بنت الحسين ) تطلبه في القتلى فعرفته بشامةفي خده فأكبت عليه وقالت‏:‏ يرحمك الله نعم والله خليل المسلمة كنت )

2 ـ إختلاف الروايات فيمن قتل مصعب :

( وتركالناس مصعباً وخذلوه حتى بقى في سبعة أنفس، وأثخن مصعب بالرمي وكثرت الجارحات فيه،فعاد إلى عبيد الله بن زياد بن ظبيان، فضربه مصعب فلم يصنع شيئاً لضعفه بكثرةالجراحات، وضربه ابن ظبيان فقتله.وقيل: بل نظر إليه زائدة بن قدامة الثقفي فحملعليه فطعنه وقال: يا لثارات المختار! فصرعه. ) ( وكان الذي تولى قتله عبيد الله بن زياد بن ظبيان على دجيل عند نهرالجاثليق واحتز رأسه وحمله إلى عبد الملك فسجد عبد الملك وقال‏:‏ واروه فلقد كان منأحب الناس إلي وأشدهم لي لقاء ومودة ولكن الملك عقيم )

3 ـ بعد قتله خطب الملك فقال عن ابن الزبير وجُبنه :( إن عبد الله بن الزبير لو كان خليفة كما يزعم لخرج فآسى بنفسه ولميغرز بذنبه في الحرم . ) 

ثامنا : إختلاف الروايات فى يوم مقتله وفى عمره :

( قتل يوم الثلاثاء لثلاث عشرة خلت من جمادى الأولىأو الآخرة سنة إحدى وسبعين وهو ابن خمس وأربعين ) ( وقيل‏:‏ خمس وثلاثين‏.‏ ) ( قتل يوم الخميس للنصف من جمادي الاولى سنة اثنتين وسبعين ) وقيل ( قتل مصعب يوم نصف جمادى الأولى سنة اثنتين وسبعين وله أربعون سنة). ( وكان عمر مصعب حين قتل ستاً وثلاثين سنة.)

تاسعا : رأس مصعب :

( ولما قتل مصعب بعث عبد الملك رأسه إلى الكوفة، أوحمله معه إليها، ثم بعث به إلى أخيه عبد العزيز بن مروان بمصر، فلما رآه وقد قطعالسيف أنفه قال: رحمك الله! أما والله لقد كنت من أحسنهم خلقاً وأشدهم بأساًوأسخاهم نفساً. ثم سيره إلى الشام فنصب بدمشق، وأرادوا أن يطوفوا به في نواحيالشام، فأخذته عاتكة بنت يزيد بن معاوية زوجة عبد الملك بن مروان، وهي أم يزيد بنعبد الملك، فغسلته ودفنته وقالت: أما رضييتم بما صنعتم حتى تطرفوا به في المدن؟ هذابغي.! )

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

  مروان بن الحكم : سبب الفتنة الكبرى الأولى وأساس فى الفتنة الكبرى الثانية

مقدمة : سيطر مروان بن الحكم بن أبى العاص بن أمية على ابن عمه عثمان بن عفان بن أبى العاص بن أمية ، وتسبب فى الثورة عليه ، ومقتله وإندلاع الفتنة الكبرى، وقد فصلناها فى مقالات كتاب (المسكوت عنه من تاريخ الخلفاء الراشدين)، وهى منشورة هنا . إستغل الأمويون حقد ( الزبير وطلحة وعائشة ) على ( على بن أبى طالب ) فدفعوهم للثورة عليه لإجهاده وتعطيله عن حرب معاوية .  وشارك مروان بن الحكم فى موقعة الجمل ضد ( على بن أبى طالب )، وفى ضجيج المعركة صوّب سهما فقتل به ( طلحة ) إنتقاما لعثمان .  وعيّنه معاوية واليا له على المدينة عدة مرات . وفى الفتنة الكبرى الثانية التى بدأت بمقتل الحسين أصبح مروان بن الحكم أحد أعمدتها ضد ابن الزبير ، وصار أول خليفة  لفرع الحكم بن أبى العاص بن أمية ، ومن نسله جاء الخلفاء الأمويون اللاحقون . ونعطى بعض التفصيلات .

أولا : نشأة مروان بن الحكم 

1 ـ  كان مولده سنة اثنتين منالهجرة، وكان أبوه الحكم بن أبى العاص قد أسلم عام الفتح، وهاجر للمدينة. وعوقب الحكم بن أبى العاص ــ فى العصر العباسى ــ بروايات كثيرة تلعنه وتلعن ذريته كراهية فى مروان ابن الحكم وخلفائه من بنى أمية . وأشهرها قولهم أن النبى عليه السلام  نفى الحكم بن العاص إلىالطائف لأنه يتجسس عليه، وأنه ظل منفيا فيها الى أن أعاده عثمان الى المدينة فى خلافته . وكان يقال لآل مروان ( بنو الزرقاء ) ذما وعيبا ، لأن ( الزرقاء بنت موهب جدة مروان بن الحكم لأبيه) كانت من ذوات الرايات التي يستدل بها على بيوت البغاء فى الجاهلية. وقد توفى الحكم بن العاص فى خلافة ابن أخيه عثمان بن عفان بن العاص. وقد صلّى عليه عثمان .

2 ـ  عند موت النبى عليه السلام كان مروان بن الحكمفى الثامنة من عمره ، وعاش مروان بالمدينة مع أبيه الى أن مات ، ثم عاش ملازما لابن عمه عثمان بن عفان .

 ثانيا : فى خلافة عثمان

1 ـ كان مروان ( سكرتير ) أو ( كاتم سر) عثمان فى خلافته ، وقد نقم الناس فى المدينة وخارجها على ( عثمان ) أنه وقع تحت سيطرة ابن عمه مروان ، وأن عثمان أعطاه الكثير من الأموال . وفى نفس الوقت كان مروان يحرض عثمان ضد زعماء المعارضة (على بن أبى طالب) والزبير و طلحة   وعائشة . وانتهى الأمر بحصار عثمان فى داره وقتله فى ( يوم الدار) .

2 ـ وفى وقت الحصار تعللت عائشة بالحج  حتى لا تتحمل مسئولية ما سيحدث لعثمان ، وهى التى كانت تحرض على قتله، وتقول ( أُقتلوا نعثلا فإن نعثلا قد كفر). و( نعثل ) هو لقب عثمان فى الجاهلية. تقول الرواية: ( فأتاها مروان وزيد بن ثابت وعبد الرحمن بن عتاب بن أسيد بن أبي العاص فقالوا: "  يا أم المؤمنين لو أقمت فإن أمير المؤمنين على ما ترين محصور ومقامك مما يدفع اللهبه عنه . !" فقالت : " قد حلبت ظهري وعريت غرائزي ولست أقدر على المقام ." فأعادوا عليها الكلامفأعادت عليهم مثل ما قالت لهم ، فقام مروان وهو يقول‏:‏

 وحرّق قيس علي البلاد      حتى إذااستعرت أجذما ) يريد أنها سبّبت الثورة على عثمان ثم تتركه . وتمضى الرواية : ( فقالت عائشة : " أيها المتمثل عليّ بالأشعار وددت والله أنك وصاحبك هذاالذي يعنيك أمره في رجل كل واحد منكما رحا وأنكما في البحر . " وخرجت إلى مكة . )

3 ـ وحين إقتحم الثوار بيت عثمان كان مروان يقاتل بضرواة دفاعا عن ابن عمه . تقول الرواية : ( خرج مروان بن الحكم يومئذ يرتجز ويقول : " من يبارز؟ "  فبرز إليه عروة بن شييمبن البياع الليثي فضربه على قفاه بالسيف ، فخر لوجهه ، فقام إليه عبيد بن رفاعة بن رافعالزرقي بسكين معه ليقطع رأسه ، فقامت إليه أمه التي أرضعته ، وهي فاطمة الثقفية وهي جدةإبراهيم بن العربي صاحب اليمامة، فقالت: " إن كنت تريد قتله فقد قتلته فما تصنع بلحمهأن تبضعه ؟ ! " فاستحيا عبيد بن رفاعة منها فتركه ). وبهذا نجا مروان إذ كان لا يزال فيه رمق ، وعاش بعدها ليصنع التاريخ .

 ثالثا : فى موقعة الجمل عام 36

1 ـ عادت عائشة لتجد عليا قد تولى الخلافة ، فانقلبت تتهم عليا بقتل عثمان ، وتطالب هى بدم عثمان ، وكان معها فى التحريض ضد (على ) ابن أُختها عبد الله بن الزبير . وانضم اليها الزبير وطلحة بعد بيعتهما ( لعلىّ ) . وارتحلوا الى البصرة ، ولحق بهم مروان بن الحكم . 

2 ـ مروان يريد الايقاع بين الزبير وطلحة
تقول الرواية : ( خرج أصحاب الجمل في ستمائة معهم عبد الرحمن بن أبي بكرة وعبد الله بن صفوان الجمحي ..) ولحقهم مروان ، تمضى الرواية عن مروان : ( وأذن مروان حين فصل من مكة ثم جاء حتى وقف عليهما فقال أيكما أسلم بالإمرة وأؤذن بالصلاة فقال عبد الله بن الزبير على أبي عبد الله وقال محمد بن طلحة على أبي محمد ، فأرسلت عائشة رضي الله عنها إلى مروان فقالت : " مالك أتريد أن تفرق أمرنا ليُصلّ ابن أختي " ، فكان يصلي بهم عبدالله بن الزبير حتى قدم البصرة . ). أى إن مروان أراد الايقاع بينهما مبكرا ، فسأل من هو الأمير ؟ هل هو الزبير أو طلحة ؟ ومن الذى سيؤم الناس فى الصلاة ، وفهمت عائشة قصده ، فجعلت عبد الله بن الزبير هو الذى يؤم الصلاة .

3 ـ مروان يقتل طلحة وقت هزيمة أصحاب الجمل

( قالوا: فلما قتل عثمان وسار طلحةوالزبير وعائشة إلى البصرة يطلبون بدم عثمان خرج معهم مروان بن الحكم فقاتل يومئذأيضا قتالا شديدا ، فلما رأى انكشاف الناس ( أى هزيمة أصحابه ) نظر إلى طلحة ابن عبيد الله واقفا فقال: " والله إن دم عثمان إلا عند هذا ،هو كان أشد الناس عليه وما أطلب أثرا بعد عين."  ففوّقله بسهم فرماه به فقتله . ) وتقول رواية أخرى : (  فقاتلوهم، فقتل يومئذ سبعون رجلا كلهم يأخذ بخطام الجمل ،  فلما عقر الجمل وهزم الناس. وأصابت طلحة رمية فقتلته ،  فيزعمون أن مروان بن الحكم رماه ).

4 ــ جُرح مروان وإنقاذه وأخذه الأمان من ( على بن أبى طالب )

تقول الروايات :( وقاتل مروان أيضا حتى ارتث فحمل إلى بيت امرأة من عنزة،  فداووه وقاموا عليه ، فما زال آل مروان يشكرون ذلك لهم )،(  وانهزم أصحاب الجمل ، وتوارىمروان حتى أُخذ له الأمان من علي بن أبي طالب ، فأمّنه. فقال مروان : " ما تقرني نفسي حتىآتيه فأبايعه . " فأتاه فبايعه ،  ثم انصرف مروان إلى المدينة ، فلم يزل بها حتى ولي معاويةبن أبي سفيان الخلافة. ) أى لم يشارك معاوية فى القتال ضد (على ) فى صفين .

 رابعا : فى خلافة معاوية

1 ـ تقول الرواية ( ثم انصرف مروان إلى المدينة فلم يزل بها حتى ولي معاويةبن أبي سفيان الخلافة، فولى مروان بن الحكم المدينة سنة اثنتين وأربعين ،  ثم عزله وولىسعيد بن العاص ، ثم عزله وأعاد مروان ، ثم عزله وأعاد سعيد بن العاص،  فعزله وولى الوليدبن عتبة بن أبي سفيان فلم يزل على المدينة حتى مات معاوية ومروان يومئذ معزول عنالمدينة .) كان معاوية حريصا على الايقاع بين مروان بن الحكم بن أبى العاص وسعيد بن أبى العاص ، فكان يعزل هذا عن المدينة ثم يولى ذاك ، وهما معا أبناء عمومة له وأقرب لبعضهما فهما من فرع العاص بن أمية . وتقول الرواية عن أحداث عام 49 هجرية : (  وفيها عزل معاوية مروان بن الحكم عن المدينة في شهر ربيع الأول وأمر فيها سعيد بن العاص على المدينة في شهر ربيع الآخر وقيل في شهر ربيع الأول ، وكانت ولاية مروان كلها بالمدينة لمعاوية ثمان سنين وشهرين )

2 ـ أى تولى مروان المدينة لمعاوية عدة مرات ، تقول الروايات عن مروان : ( وولي المدينة لمعاوية مرات،فكان إذا ولي يبالغ في سب علي، وإذا عزل وولي سعيد بن العاص كف عنه، فسئل عنه محمدبن علي الباقر وعن سعيد، فقال: كان مروان خيراً لنا في السر، وسعيد خيراً لنا فيالعلانية.وكان الحسن والحسين يصليان خلفه ولايعيدان الصلاة. وهو أول من قدم الخطبة في صلاة العيد وقبل الصلاة.) ( وكان مروان في ولايته على المدينة يجمع أصحاب رسول الله يستشيرهم ويعمل بمايجمعون له عليه . ) 

خامسا : مروان  فى خلافة يزيد بن معاوية 

1 ـ  تولي يزيد بن معاوية سنة ستين.  وبدأ يزيد خلافته بأمر ابن عمه والى المدينة  الوليد بن عتبة بن أبي سفيان بأن يأخذ البيعة له من الحسين وابن عمر وابن الزبير ، كتب يقول له : (أما بعد فخذ حسينا وعبدالله بن عمر وعبدالله بن الزبير بالبيعة أخذا شديدا ليست فيه رخصة حتى يبايعوا والسلام ) . واستشار الوليد ( مروان بن الحكم ) فقال له مروان : ( أرى أن تبعث الساعة إلى هؤلاء النفر فتدعوهم إلى البيعة والدخول في الطاعة فإن فعلوا قبلت منهم وكففت عنهم ، وإن أبوا قدمتهم فضربت أعناقهم قبل أن يعلموا بموت معاوية ، فإنهم إن علموا بموت معاوية وثب كل امرئ منهم في جانب واظهر الخلاف والمنابذة ودعا إلى نفسه..)  

2 ـ وأرسل الوالى الوليد بن عتبة يستدعى الحسين وابن الزبير ، وكانا فى المسجد ، ففهما أن معاوية قد مات ، وأن الوالى يريد منهما البيعة . فجمع الحسين فتيانه وذهب بهم الى لقاء الوالى ، وأوصى فتيانه أنه إذا سمعوا صوته عاليا فليقتحموا بيت الأمير . وقابل الحسين الوالى الوليد وكان مروان حاضرا ، فأخبره الوليد بموت معاوية وطلب منه البيعة ليزيد ، فقال الحسين : ( إنا لله وإنا إليه راجعون، ورحم الله معاوية ، وعظم لك الأجر. أما ما سألتني من البيعة فإن مثلي لا يعطي بيعته سرا ولا أراك تجتزئ بها مني سرا دون أن نظهرها على رءوس الناس علانية . ) قال : "  أجل " . فقال الحسين للوالى : ( فإذا خرجت إلى الناس فدعوتهم إلى البيعة دعوتنا مع الناس فكان أمرا واحدا . ) ووافق الوليد ،فقال مروان للوليد : ( والله لئن فارقك الساعة ولم يبايع لا قدرت منه على مثلها أبدا حتى تكثر القتلى بينكم وبينه . احبس الرجل ولا يخرج من عندك حتى يبايع أو تضرب عنقه)  فوثب عند ذلك الحسين فقال : ( يابن الزرقاء أنت تقتلني أم هو ؟ كذبت والله وأثمت )،  ثم خرج ...  فقال مروان للوليد : (عصيتني.!. لا والله لا يمكنك من مثلها من نفسه أبدا ) قال الوليد  : (..والله ما أحب أن لي ما طلعت عليه الشمس وغربت عنه من مال الدنيا وملكها وأني قتلت حسينا . سبحان الله .! أقتل حسينا أن قال لا أبايع ؟! . والله إني لا أظن إمرأ يحاسب بدم حسين لخفيف الميزان عند الله يوم القيامة . ) .

3 ـ وعن ابن الزبير تقول الروايات : ( وأما ابن الزبير فقال الآن آتيكم ثم أتى داره فكمن فيها . فبعث الوليد إليه فوجده مجتمعا في أصحابه متحرزا ، فألح عليه بكثرة الرسل والرجال في إثر الرجال ) ( وأما ابن الزبير فقال لا تعجلوني فإني آتيكم أمهلوني فألحوا عليهما عشيتهما تلك كلها وأول ليلهما ) وانتهى الأمر بهرب الحسين وابن الزبير الى مكة دون أن يبايعا يزيد .

4 ـ وترتب على هذا أن عزل ( يزيد بن معاوية ) ابن عمه ( الوليد بن عتبة )، وعيّن مكانه على المدينة  عمرو بن سعيد بن العاص (الأشدق ) ، وهو ابن عم لمروان بن الحكم بن العاص. وأمر يزيد بن معاويه واليه الجديد على المدينة أن يرسل جيشا الى مكة ليعتقل ابن الزبير . وكان عمرو بن الزبير أخ عبد الله بن الزبير متوليا الشرطة للوالى عمرو بن سعيد ، وكان يكره أخاه عبد الله بن الزبير ، فطلب من الوالى أن يرسله لحرب أخيه عبد الله بن الزبير ، وقال للوالى (لا توجه إليه رجلا أبدا أنكأ له مني )، فأرسله بجيش من 700 رجل ليهاجم ابن الزبير فى مكة حيث أعلن ابن الزبير أنه ( عائذ بالحرم ) .وتذكر الروايات موقفا إيجابيا لمرون بن الحكم ، تقول : ( فجاء مروان بن الحكم إلى عمرو بن سعيد فقال: " لا تغز مكة واتق الله ولا تحل حرمة البيت ، وخلُّوا ابن الزبير فقد كبر هذا له بضع وستون سنة وهو رجل لجوج والله لئن لم تقتلوه ليموتن . "  فقال عمرو بن الزبير : " والله لنقاتلنه ولنغزونه في جوف الكعبة على رغم أنف من رغم .! " فقال مروان : " والله إن ذلك ليسوءني .! " ). وفشلت حملة عمرو بن الزبير وهزمه أخوه عبد الله بن الزبير وقتله .

4 ـ مروان وموقعة الحرة  : وقد عرضنا من قبل لموقعة الحرة وموقف مروان ضد أهل المدينة ، وتقول الرواية إن مروان سار الى يزيد فى دمشق ، فأصبح مقربا منه الى ان مات يزيد بن معاوية .  

5 ـ وبأعتزال معاوية الثانى وموته وصفه مروان بن الحكم بأنه ( أبو ليلى ) يتندر على ضعفه ، تقول الرواية : ( فلما دفن معاوية بن يزيد قام مروان بنالحكم على قبره فقال :" أتدرون من دفنتم ؟ قالوا " " معاوية بن يزيد " فقال : "هذا أبو ليلى " )   

مؤتمر الجابية وتولية مروان الخلافة :

1 ـ بمقتل الحسين وموت معاوية الثانى تفرق بنو أمية وعلا أمر ابن الزبير فبايعه الضحاك بن قيس وزفر بن الحارث ، وكاد مروان أن يبايع ابن الزبير . تقول الرواية : (فلما رأى ذلك مروان خرج يريد بن الزبير بمكة ليبايع لهويأخذ منه أمانا لبني أمية وخرج معه عمرو بن سعيد بن العاص ، فلما كانوا بأذرعات ...لقيهم عبيد الله بن زياد مقبلا من العراق فقال لمروان : " أين تريد؟  فأخبره ، فقال : " سبحان الله أرضيت لنفسك بهذا؟ تبايع لأبي خبيب وأنت سيد بني عبد منافوالله لأنت أولى بها منه . " فقال له مروان : " فما الرأي ؟ " قال : " أن ترجع وتدعو إلى نفسك وأناأكفيك قريشا ومواليها ولا يخالفك منهم أحد . "  فقال عمرو بن سعيد  : " صدق عبيد الله ، إنكلجذم قريش وشيخها وسيدها وما ينظر الناس إلا إلى هذا الغلام خالد بن يزيد بن معاويةفتزوج أمه فيكون في حجرك وادع إلى نفسك، فأنا أكفيك اليمانية ،فإنهم لا يخالفوني ــ وكانمطاعا عندهم  ــ على أن تبايع لي من بعدك " قال ( مروان ) : " نعم " فرجع مروان وعمرو بن سعيد ومن معهما).

2 ـ وكان  حسان بن مالك بن بحدل الكلبى متمسكا بحق خالد بن يزيد فى الخلافة ، وتم الاتفاق فى مؤتمر الجابية على البيعة لمروان ثم بعده خالد بن يزيد بن معاوية ثم بعده عمرو بن سعيد الأشدق . فكانت بيعة مروان بالجابيةيوم الإثنين للنصف من ذي القعدة سنة أربع وستين وبايع عبيد الله بن زياد لمروان بنالحكم أهل دمشق وكتب بذلك إلى مروان .

مرج راهط

1 ـ ودخل عبيد الله بن زياد الى دمشق ، وكسب ثقة الضحاك بن قيس الذى إنشق عن الأمويين وبايع لابن الزبيروولاه ابن الزبير الشام ، وأخذ العهد لابن الزبير من أهل الشام . وخدع ابن زياد ( الضحاك بن قيس ) فجعله يدعو الناس الى نفسه بدلا من بيعتهم لابن الزبير ، فإحتجوا عليه فعاد يدعو لابن الزبير ففقد مكانته فى أعينهم . فنصحه ابن زياد بالخروج عن دمشق خوفا على حياته وأن يجمع جموعه فى المرج حيث قبيلته من قيس ، فوافقه وأخلى دمشق لابن زياد .

2 ــ وسار مروان من الجابية في ستة آلافحتى نزل مرج راهط ثم لحق به من أصحابه من أهل دمشق وغيرهم من الأجناد سبعة آلاففكان في ثلاثة عشر ألفا أكثرهم رجالة )( وكان على ميمنة مروان عبيد الله بنزياد وعلى ميسرته عمرو بن سعيد . ) ( وكتب الضحاك بن قيس إلى أمراء الأجناد فتوافوا عندهبالمرج فكان في ثلاثين ألفا وأقاموا عشرين يوما يلتقون في كل يوم فيقتتلون حتى قتلالضحاك بن قيس وقتل معه من قيس بشر كثير، فلما قتل الضحاك بن قيس وانهزم الناس رجعمروان ومن معه إلى دمشق، وبعث عماله على الأجناد وبايع له أهل الشام جميعا )

موت مروان وتولى ابنه عبد الملك

( مات فجأة وذلك في هلال شهر رمضان سنة خمس وستين ، وكان مروان يومئذ بنأربع وستين سنة وكانت ولايته على الشام ومصر لم يعد ذلك ثمانية أشهر ويقال ستة أشهر). ( ولما مات بويعلولده عبد الملك بن مروان في اليوم الذي مات فيه . ) 

 

 

 

عبد الملك بن مروان

ولا : فكرة سريعة عن خلافة عبد الملك :

1 ـ مكتوب الكثير عن عبد الملك بن مروان ، فهو المؤسس الثانى للدولة الأموية ، ومن ذريته جاء الخلفاء الأمويون اللاحقون ما عدا عمر بن عبد العزيز ، وآخر الخلفاء الأمويين مروان بن محمد بن مروان . وقد بويع  لأبيه ( مروان بن الحكم )  بالخلافة بالجابية يومالأربعاء 3 من ذي القعدة سنة 64 ... ثم عهد مروان بالخلافة لإبنيه عبد الملك ثم عبد العزيز    ، ومات مروان بن الحكم بدمشقلهلال شهر رمضان سنة خمس وستين، فتولى عبد الملك الخلافة فى نفس اليوم. )

2 ـ كانت المشاكل تحيط بعبد الملك من أول يوم فى خلافته ، بالاضافة الى الخوارج كان عبد الله بن الزبير يمتلك العراق وما يتبعه من ايران وما بعدها مع الحجاز . ثم كان ينافسه أقوى إثنين فى البيت الأموى . طبقا لقرارات مؤتمر الجابية كانت ولاية العهد لمروان ثم لخالد بن يزيد بن  معاوية ثم عمرو بن سعيد بن أبى العاص ( الأشدق )، ونقضها مروان بالعهد لابنيه عبد الملك وعبد العزيز. كان وجودهما  (عمرو الأشدق وخالد بن يزيد بن معاوية) ضمن متاعب عبد الملك . عمرو بن سعيد بن أبى العاص ( الأشدق ) كان يرى نفسه الأحق من عبد الملك بالخلافة ، وهذا ( الأشدق ) صاحب تاريخ فى تأسيس الدولة الأموية وصاحب نفوذ فى قبيلة كلب الراعى الأكبر للأمويين ، ثم هو ابن عم والده مروان . كما إن خالد بن يزيد بن معاوية لا يزال يطمع فى حقه فى الخلافة. ولم يكن عبد الملك يأمنهما على مُلكه ، لذا إصطحبهما وهو يقود الجيش ليقاتل مصعب بن الزبير . وفى جلسته معهما قال لهما عن صداقته القديمة فى المدينة لمصعب بن الزبير : ( والله إن في أمر هذه الدنيا لعجبا ، لقد رأيتني ومصعب بن الزبيرأفقده الليلة الواحدة من الموضع الذي نجتمع فيه فكأني واله ، ويفقدني فيفعل مثل ذلك، ولقد كنت أوتى باللطف فما أراه يجوز لي أكله حتى أبعث به إلى مصعب أو ببعضه ، ثم صرناإلى السيف.! ولكن هذا الملك عقيم ليس أحد يريده من ولد ولا والد إلا كان السيف . ). وهو تهديد مبطن من عبد الملك لأكبر رأسين فى دولته ، أى إن صداقة عبد الملك القديمة لمصعب بن الزبير لا تمنعه من السير اليه ليقاتله ، لأن ( المُلك ) لا مكان فيه للصداقة والعواطف مهما بلغت ، حتى الولد والوالد ، فكيف بأبناء العم ( عمرو الأشدق وخالد ).  تقول الرواية : (وإنمايقول هذا القول عبد الملك لأن خالد بن يزيد بن معاوية وعمرو بن سعيد بن العاص جالسان معه ، فأرادهما به ، وهو يومئذ يخافهما . قد عرف أن عمرو بن سعيد أطوع الناس عندأهل الشام ، وخالد بن يزيد بن معاوية قد كان مروان أطمعه في العقد له بعده ، فعقد مروانلعبد الملك ولعبدالعزيز بعد عبد الملك ، فأيس خالد وهو مع عبد الملك على الطمع والخوف ).

ولم ينفع هذا التهديد غير المباشر مع عمرو الأشدق . فمالبث أن رجع ليلا بفرقة من الجيش واستولى على دمشق ، فلحق به عبد الملك وحاربه وهزمه وذبحه بيده .!. رجع عبد الملك عن غزو مصعب ليتخلص من منافسه عمرو الأشدق ، وفى العام التالى غزا ( صديقه القديم ) مصعب بن الزبير ، وهزمه وقتله . !3 ـ بعد قتل مصعب وضم العراق وايران وما يتبعهما لم يبق إلا عبد الله بن الزبير فى مكة، فأرسل اليه عبد الملك جيشا يقوده الحجاج بن يوسف فحاصره ، وهزمه وقتله وصلبه . واستمر حصار ابن الزبير ستة اشهر بينها الأشهر الحُرُم الأربعة ، تقول الرواية  (وحصرا بن الزبير ليلة هلال ذيالقعدة سنة اثنتين وسبعين ستة أشهر وسبعة عشر يوما وقتل يوم الثلاثاء لسبع عشرة خلتمن جمادي الأولى سنة ثلاث وسبعين وبعث برأسه إلى عبد الملك بن مروان بالشام ). وبهذا صفا ( المُلك ) ل ( عبد الملك ).!

.4 ــ وأراد عبد الملك بن مروان  أن يخلع أخاه عبد العزيز بن مروان من ولاية العهد  ويعقد لابنيه الوليد وسليمان بعده بالخلافة ، فنهاه عنذلك قبيصة بن ذؤيب وقال له : " لا تفعل هذا فإنك تبعث به عليك صوتا نعارا ولعل الموتيأتيه فتستريح منه. " فكف عبد الملك عن ذلك ونفسه تنازعه أن يخلعه . ثم فى شهر جمادي الأولى سنة 85   جاءه الخبر بوفاة أخيه عبد العزيز فى مصر وكان واليا عليها . فجعل عبد الملك ابنه عبد الله بن عبد الملك واليا على مصر وعقد البيعة بالخلافة لابنيه الوليد وسليمانبعده.   وتقول الرواية : ( مات عبد الملك بن مروان بدمشق يوم الخميس للنصف من شوال سنة ست وثمانين وله ستون سنة ،  فكانت ولايته من يوم بويع إلى يوم توفي إحدى وعشرين سنة وشهرا ونصفا ، وكان تسع سنين منها يقاتل فيهاعبد الله بن الزبير، ويُسلّم عليه بالخلافة بالشام ثم العراق بعد مقتل مصعب. ,  وبقي بعد مقتل عبد الله بن الزبير واجتماع الناس عليه ثلاث عشرة سنة وأربعة أشهر إلا سبعليال .).

 

ثانيا : عبد الملك  والمدينة  قبل خلافته :

1 ـ  عبد الملك ينتمى لبنى أمية ( فرع أبى العاص ) من ناحية أبيه وأمه . أبوه مروان ابن الحكم بن أبي العاص بن أمية ، وأمه (عائشة بنتمعاوية بن المغيرة بن أبي العاص بن أمية ).  فهو ( أُموى ) إنتماؤه لأهله . ومن هنا تأتى نظرته للمدينة وعلاقته بها التى نشأ فيها  .  هو مولود بالمدينة عام 26 هجرية فى خلافة ابن عمه عثمان بن عفان ، وشهد سطوة أبيه مروان فى خلافة معاوية ، كما شهد نقمة أهل المدينة على أبيه وعلى الخليفة عثمان . بل وشهد حصار الثوار لدار عثمان وهو ابن عشر سنوات . وظل حياته فى المدينة متفرغا للعلم حتى أصبح من أئمة العلم بها ، هذه مع حقده على أهل المدينة .

2 ـ على أنه إستغل أول فرصة واتته فى الانتقام من أهل المدينة. قبيل معركة الحرة  أخرج أهل المدينة الأمويين منها ، وكان يتزعمهم مروان بن الحكم والوالى من قبل يزيد بن معاوية وهو ( عثمان بن محمد بن أبى سفيان ) . ولقد نصح عبد الملك بن مروان قائد الجيش الأموى ( مسلم بن عقبة ) بكيفية الهجوم على المدينة ومواطن الضعف فى دفاعاتها .  تقول الرواية  ( كان أهل المدينة قد أخذوا على بني أميةحين أخرجوهم العهود والمواثيق أن لا يدلوا على عورة لهم ولا يظاهروا عليهم عدوافلما لقيهم مسلم بن عقبة بوادي القرى قال مروان لابنه عبد الملك ادخل عليه قبليلعله يجتزيء بك مني فدخل عليه عبد الملك فقال له مسلم هات ما عندك أخبرني خبر الناسوكيف ترى فقال نعم ثم أخبره بخبر أهل المدينة ودله على عوراتهم وكيف يؤتون ومن أينيدخل عليهم وأين ينزل . ). وكان عبد الملك بن مروان  ينتظر نتيجة المعركة فى قصر أبيه فى منطقة ( ذى خشب )،  وظل عبد الملك كما تقول الرواية ينتظر أخبار المعركة  (وهو يخاف أن تكون الدولة لأهل المدينة ، فبينما عبد الملك جالس في قصر مروان بذي خشبيترقب ، إذا رسوله قد جاء يلوح بثوبه ، فقال عبد الملك : " إن هذا لبشير " ، فأتاه رسوله الذيكان بمخيض يخبره أن أهل المدينة قد قُتلوا ودخلها أهل الشام ، فسجد عبد الملك . ودخلالمدينة بعد أن برأ ).

3 ــ ثم ما لبث أن لحق بأبيه فى دمشق بعد أن تولى أبوه الخلافة . ولم يُسمع عنه مشاركات سياسية أو حربية مع أبيه ، إذا يبدو أنه ظل على حاله التى كان فيها فى المدينة فقيها قارئا للقرآن الكريم ، فلما تولى الخلافة إنقطع عهده بالقرآن الكريم .  تقول الرواية : ( لما سلم على عبد الملك بالخلافة كان في حجره مصحف فأطبقه وقال‏:‏ هذا فراق بيني وبينك‏.‏) (  وقيل أنه لما وضع المصحف من حجره قال‏:‏ هذا آخر العهد منك‏.)

عبد الملك والمدينة فى خلافته

1 ـ ظن بعض شيوخ أهل المدينة أن عبد الملك فى خلافته سيترفق بهم ، ولكنه خيّب ظنهم . ذهب اليه الصحابى ( جابر بن عبد الله ) فرحب به عبد الملك وقرّبه، فقال جابر: (  يا أمير المؤمنين إن المدينة حيث ترى ...وأهلهامحصورون فإن رأى أمير المؤمنين أن يصل أرحامهم ويعرف حقهم فعل ) تقول الرواية:( فكره ذلك عبدالملك ، وأعرض عنه ) وأخذ جابر يلحُّ على عبد الملك دون جدوى ، وكان جابر قد أصابه العمى ، ويقوده ابن قبيصة ، فأخذ ابن قبيصة يغمز جابر ليسكت. وخرجا . وقال قبيصة لجابر : ( يا أبا عبد الله إن هؤلاء القوم صاروا ملوكا) ، وبعث عبد الملك خمسة آلاف درهم لجابر، وقيل له (  قد أمر لك أمير المؤمنين بخمسة آلاف درهم فاستعن بها على زمانك.  فقبضها جابر.!)

2 ـ وبعد قتل ابن الزبير بعامين، وفى سنة 75 حجّ عبد الملك بن مروان ثم ذهب الى المدينة ، وخطب فيها خطبته الشهيرة التى يتوعد فيها أهلها، تقول الرواية: ( حجّ علينا عبد الملك سنة خمس وسبعين بعد مقتل ابن الزبير بعامين، فخطبنا فقال‏:‏ " أما بعد فإنه كان من قبلي من الخلفاء يأكلون من المال ويوكلون، وإني والله لا أداوي أدواء هذه الأمة إلا بالسيف، ( أى لا علاج عنده إلا السيف ) ، ولست بالخليفة المستضعف - يعني عثمان - ولا الخليفة المداهن - يعني معاوية - ولا الخليفة المأفون - يعني يزيد بن معاوية -   أيها الناس إنا نحتمل منكم كل الغرمة ما لم يكن عقد راية أو وثوب على منبر‏:‏ هذا عمرو ابن سعيد حقه حقه،وقرابته قرابته ، قال برأسه هكذا فقلنا بسيفنا هكذا، وإن الجامعة التي خلعها من عنقه عندي، وقد أعطيت الله عهداً أن لا أضعها في رأس أحد إلا أخرجها الصعداء، فليبلغ الشاهد الغائب‏.)‏. أى يذكرهم بأنه لم يتوان عن قتل ابن عمه عمرو بن سعيد بن العاص ( الأشدق ) ، وأنه لا يزال يحتفظ لديه بالجامعة ـ أى بالقيد  الذى يقيد الرأس الجسد جميعا ـ وأنه عاهد الله إن أوثق بها أحدا فلن يخلعها عنه إلا بموته .

 عبد الملك الفقيه   

 1 ـ قالوا: ( وكان عبد الملك قد جالس الفقهاء والعلماء وحفظ عنهموكان قليل الحديث ). هذه العبارة ( وكان قليل الحديث ) تُقال فيمن لا يروى الأحاديث . وفى عصر عبد الملك انتشرت الروايات الشفهية عن النبى بعد ستين عاما من موته . ومن العجب أن يكون أبرز زعماء الفتنة الكبرى الأولى والثانية من أهل المدينة ( عائشة ، الزبير ، طلحة ، مروان بن الحكم وابن الزبير ) ثم ( ابن الزبير ومروان بن الحكم  وعبد الملك بن مروان ومصعب بن الزبير ) . ثم تُصاحب هذه الفتنة العسكرية إزدهار فى صناعة الأحاديث ، أى أن الصراع العسكرى صاحبه صراع ايدولوجى فكرى تخصّص فى صناعة الأحاديث وإختلاقها . وبينما إنتصر أهل الشام والأمويون فى ميدان السياسة والحرب فقد تفوق عليهم أهل المدينة فى الحرب ( الفكرية ) بصناعة الأحاديث ، التى جعلت المدينة حرما ثانيا ، وجعلت لقبر البنى قدسية وفرضت له الحج ، وجعلتها ( المدينة المنورة ) أى ( المقدسة ) التى تهوى اليها أفذئدة الناس لزيارة ( قبر الحبيب ). وهكذا دخل إنتصار الأمويين على المدينة الى متحف التاريخ ( كأى إنتصار حربى ) بينما لا يزال إنتصار أهل المدينة ( الفكرى الأيدلوجى ) حيا ، بل وأصبح جزءا اصيلا فى أديان المحمديين الأرضية . ومستحيل أن يقوم أحد المحمديين بالحج للبيت الحرام دون أن يحج الى ذلك الرجس المسمى بقبر النبى . كل هذه صنعه إنتصار أهل المدينة على أهل الشام والأمويين فى تلك الحرب الفكرية .

2 ـ وكما خطب عبد الملك يهدد بسيفه أهل المدينة فإنه ايضا خطب فيهم يستنكر إختلاقهم للأحاديث . تقول الرواية عن أحدهم  (  قال سمعت عبد الملك بن مروانيقول : يا أهل المدينة ، إن أحق الناس أن يلزم الأمر الأول لأنتم . ( أى أنتم أحق بالتمسك بالقرآن الكريم ) ، وقد سالت علينا أحاديثمن قبل هذا المشرق لا نعرفها ولا نعرف منها إلا قراءة القرآن ، فلازموا ما في مصحفكمالذي جمعكم عليه الإمام المظلوم رحمه الله) ( يقصد عثمان ).

كان عبد الملك هنا يتكلم بوصفه فقيها واعظا وليس خليفة مستبدا . فلقد عرفه أهل المدينة من قبل ناسكا عابدا .روى الواقدى ( محمد بن عمر ) عن رجالة من أهل المدينة قالوا عن عبد الملك أنه : (  كان عابدا ناسكا قبل الخلافة ) وتواترت الروايات تؤكد أنه ( كان عبد الملك عاقلاً حازماً أديباً لبيباً عالماً.) ويقول نافع مولى ابن عمر :( رأيت عبد الملك بن مروان وما بالمدينة شاب أشدتشميرا ولا أطلب للعلم منه ولا أفقه ولا أقرأ لكتاب الله من عبد الملك بن مروان. ) ( وقال الأعمش، عن أبي الزناد‏:‏ كان فقهاء المدينة أربعة سعيد بن المسيب، وعروة، وقبيصة بن ذويب، وعبد الملك بن مروان قبل أن يدخل في الإمارة‏.‏ )وقال الشعبي:  ( ما ذاكرت أحداً إلا وجدت لي الفضل عليه إلا عبد الملك، فإني ما ذاكرته حديثاً إلا زادني فيه، ولا شعراً إلا زادني فيه. ) .

 3 ـ فى خلافة عبد الملك ظهر ابن شهاب الزهرى شابا طموحا يعرض خدماته على الخليفة عبد الملك ، أى يسير فى الاتجاه المعاكس لأهل المدينة الكارهين للأمويين ، خصوصا وأن جراح موقعة الحرة لم تندمل بعد .ولقد ذكرابن الجوزى فى ( تاريخ المنتظم ج 7 وفيات 124 ) فى ترجمة ابن شهاب الزهرى  إنه غادر المدينة وهو شاب والتحق ببلاط الخليفة عبد الملك بن مروان  ، فأمره عبد الملك بالرجوع ليستفيد من علم التابعين من الأنصار فرجع الى المدينة طالبا ليستزيد علما ، أى ربما إختبره فلم يجده على المستوى اللائق فأمره بالرجوع ليستزيد علما . وكان المقصود بالعلم وقتها أيام العرب والأنساب والروايات الشفهية التى تروج فى المدينة من الحكم والأخلاق والشعر وما يقال من إجتهادات فى القرآن وقصص السابقين ، والتى ما لبث فيما بعد أن صيغت فى أحاديث منسوبة للنبى عليه السلام  . فرجع الى المدينة ليستزيد علما ، ثم عاد الى دمشق يخدم الأمويين الى أن مات . وهذا ما حكاه الزهرى عن نفسه ، إذ يقول فى بداية حديثه عن الفرصة التى لاحت له للالتحاق بخدمة الأمويين (نشأت وأنا غلام لا مال لي من الديوان ، وكنت أتعلم نسب قومي من عبد الله بنثعلبة بن صعير ، وكان عالمًا بنسب قومي ) وفى نهاية القصة التحق بخدمة الأمويين وقابل الخليفة عبد الملك. يقول الزهرى عن ذلك اللقاء ( وجعل عبد الملك يقول‏:‏ من لقيت فجعلت أسمي له وأخبره بمن لقيتمن قريش لا أعدوهم قال‏:‏ فأين أنت عن الأنصار فإنك واجد عندهم علمًا ؟ أين أنت عنخارجة بن زيد بن ثابت ؟ أين أنت عن عبد الرحمن بن يزيد؟  فسمى رجالًا . فقدمت المدينةفسألتهم وسمعت منهم‏. ‏وتوفي عبد الملك فلزمت الوليد حتى توفي ثم سليمان ثم عمر ثميزيد‏.‏ ) (  وحج هشام ( الخليفة هشام بن عبد الملك سنة ست ومائة وحج معه الزهري فصيره هشام مع ولدهيعلمهم ويفقههم) . وبالتالى فان الزهرى لم يعش فى المدينة سوى فترة طفولته ومراهقتها حين كان يأخذ العلم عن العلماء التابعين من القرشيين والأنصار، أما فترة تألقه كعالم فلم تكن فى المدينة ولكن فى دمشق ـ ولم تكن بين عوام الناس ومجالس العلم المتاحة للجميع ـ ولكن فى قصور الخلافة الأموية مستشارا ومعلما لأولاد الخلفاء، بعيدا عن عوام الناس ومجالس العلم . ولنتذكر أن الزهرى : مولود عام 58 . وقد رحل لدمشق فى حدود عام 80 . وظل بها فى قصور الخلفاء الأمويين الى أن مات عام 124.

ولكن مصانع تأليف الأحاديث فى المدينة فى الجيل التالى برز فيها ابن اسحاق الذى كتب السيرة النبوية زاعما أنه سمع رواياتها من الزهرى ، وبرز فيها مالك صاحب ( الموطأ ) والذى ينسب روايته الى الزهرى . ابن اسحاق : مولود عام 85 ومات عام 152 ـ ومالك : مولود عام 93 .ومات عام 179 . كلاهما ( ابن اسحاق ومالك ) وُلدا فى المدينة بعد رحيل الزهرى عن المدينة  نهائيا، ولم يريا الزهرى . ولكنها عبقرية الكذب ، والتى حذر منها سابقا عبد الملك بن مروان . وإذا كان عبد الملك قد انتصر على أهل المدينة عسكريا فقد انتصروا عليه ايدلوجيا . انتهى إنتصاره وبقى إنتصارهم جزءا فى أديان المحمديين الأرضية .

 

 

عبيد الله بن زياد : مجرم كربلاء

  أولا : موجز عنه :

أبوه زياد ابن أبيه . مولود عام 39 . وأمه كانت مجوسية واسمها ( مرجانة ) وكان يُنسب اليها تحقيرا . وقد أرسله أبوه الى معاوية ، تقول الرواية عن ابن عساكر‏:‏ ( أن معاوية كتب إلى زياد‏:‏ أن أوفد إليَّابنك، فلما قدم عليه لم يسأله معاوية عن شيء إلا نفذ منه، حتى سأله عن الشعر فلميعرف منه شيئاً، فقال له‏:‏ ما منعك من تعلم الشعر‏؟‏، فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين إني كرهت أن أجمع في صدري مع كلام الرحمنكلام الشيطان‏.‏)

ولاه معاوية على البصرة عام 55 . فلما تولى يزيد الخلافة جمع له بين البصرة والكوفة. وقد تزوج (  هند بنت أسماء بن خارجة ) وبعد مقتله تزوجها من حكم العراق بعده ، فقيل لها :  من أعز أزواجك عندك وأكرمهم عليك‏؟‏، فقالت‏:‏ ما أكرم النساء أحد إكرام بشير بن مروان، ولا هاب النساءهيبة الحجاج بن يوسف، ووددت أن القيامة قد قامت فأرى عبيد الله بن زياد واشتفي منحديثه والنظر إليه .

 وقالوا : ( وقد كانت في ابن زياد جرأة وإقدام ومبادرة إلى ما لا يجوز، وما لاحاجة له به ... ومن جرأته إقدامه على الأمربإحضار الحسين إلى بين يديه وإن قتل دون ذلك، وكان الواجب عليه أن يجيبه إلى سؤالهالذي سأله فيما طلب من ذهابه إلى يزيد أو إلى مكة أو إلى أحد الثغور‏.‏فلما أشار عليه شمر بن ذي الجوشن بأن الحزم أن يحضر عندك وأنت تسيرهبعد ذلك إلى حيث شئت من هذه الخصال أو غيرها، فوافق شمراً على ما أشار به من إحضارهبين يديه فأبى الحسين أن يحضر عنده ليقضي فيه بما يراه ابن مرجانة‏.‏وقد تعس وخاب وخسر، فليس لابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أنيحضر بين يدي ابن مرجانة الخبيث‏.‏ ).

وقالوا إنه بموت يزيد بن معاوية (  بايع الناس  فى المصرين ( الكوفة والبصرة ) لعبيدالله حتى يجتمع الناس على إمام، ثم خرجوا عليه فأخرجوه من بين أظهرهم، فسار إلىالشام فاجتمع بمروان، وحَسُنَ لمروان أن يتولى الخلافة ويدعو إلى نفسه ففعل ذلك، ثم انطلق عبيد الله إلى الضحاك بن قيس فما زال به حتى أخرجه من دمشقإلى مرج راهط‏.‏ثم خدع ابن زياد ( الضحاك بن قيس ) وحَسّنَ له أن دعا إلى بيعة نفسه وخلع ابن الزبير ففعل، فانحلنظامه ووقع ما وقع بمرج راهط، من قتل الضحاك وخلق معه هنالك. وأرسل مروان ( ابن زياد ) إلى العراق في جيش فالتقى هو جيش التوابين مع سليمان بن صرد فكسرهم،واستمر قاصداً الكوفة في ذلك الجيش، فتعوق في الطريق بسبب من كان يمانعه من أهلالجزيرة من الأعداء الذين هم من جهة ابن الزبير‏.‏ ثم اتفق خروج ابن الأشتر إليه في سبعة آلاف، وكان مع ابن زياد أضعافذلك، ولكن ظفر به ابن الأشتر فقتله شر قتلة على شاطئ نهر الخازر قريباً من الموصلبخمس مراحل‏.‏) .هذا موجز حياة ابن زياد . ويقول ابن سعد عن يوم مقتل ابن زياد

 ( وكان ذلك يوم عاشوراء‏.‏ وهو اليوم الذي قتل فيه الحسين، ثم بعث ابن الأشتر برأسه إلىالمختار ومعه رأس الحصين بن نمير، وشرحبيل بن ذي الكلاع وجماعة من رؤساء أصحابهم،فسر بذلك المختار)

ثانيا : ابن زياد ورأس الحسين ونساء الحسين
1 ـ تقول الرواية : ( ولما قتل الحسين أرسلرأسه ورؤوس أصحابه إلى ابن زياد مع خولي بن يزيد وحميد بن مسلم الأزدي . ) وفى رواية أخرى : ( وقيل: بل الذي حمل الرؤوس كان شمر وقيس بن الأشعثوعمرو بن الحجاج وعروة بن قيس، فجلس ابن زياد وأذن للناس فأحضرت الرؤوس بين يديهوهو ينكت بقضيب بين ثنيته ساعة، فلما رآه زيد بن الأرقم لا يرفع قضيبه قال: أعل هذاالقضيب عن هاتين الثنيتين، فوالذي لا إله غره لقد رأيت شفتي رسول الله، صلى اللهعليه وسلم، على هاتين الشفتين يقبلهما! ثم بكى، فقال له ابن زياد: أبكى الله عينيك! فوالله لولا أنك شيخ قد خرفت وذهب عقلك لضربت عنقك. فخرج وهو يقول: أنتم يا معشرالعرب العبيد بعد اليوم، قتلتم ابن فاطمة، وأمرتم ابن مرجانة، فهو يقتل خياركمويستعبد شراركم، فرضيتم بالذل، فبعداً لمن يرضى بالذل!  ) .

2 ـ بعدها بيومين سار عمر بن سعد بن أبى وقاص إلى الكوفة وحمل معه بنات الحسين وأخواته ومن كان معه من الصبيان، وعلي بنالحسين مريض، فاجتازوا بهم على الحسين وأصحابه صرعى، فصاح النساء ولطمن خدودهن،وصاحت زينب أخته: يا محمداه صلى عليك ملائكة السماء! هذا الحسين بالعراء، مرملبالدماء، مقطع الأعضاء، وبناتك سبايا، وذريتك مقتلة تسفي عليها الصبا! فأبكت كل عدووصديق.فلما أدخلوهم على ابن زياد لبست زينب أرذل ثيابها وتنكرت وحفت بهاإماؤها، فقال عبيد الله: من هذه الجالسة؟ فلم تكلمه، فقال ذلك ثلاثاً وهي لا تكلمه،فقال بعض إمائها: هذه زينب بنت فاطمة. فقال لها ابن زياد: الحمد لله الذي فضحكموقتلكم وأكذب أحدوثتكم! فقالت زينب: الحمد لله الذي أكرمنا بمحمد وطهرنا تطهيراً،لا كما تقول أنت، وإنما يفتضح الفاسق ويكذب الفاجر. فقال: فكيف رأيت صنع الله بأهلبيتك؟ قالت: كتب عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم، وسيجمع الله بينك وبينهم فتختصمونعنده. فغضب ابن زياد وقال: قد شفى الله غيظي من طاغيتك والعصاة المردة من أهل بيتك. فبكت وقال : لعمري لقد كان أبوك شجاعاً! فقالت: ما للمرأة والشجاعة! ولما نظر ابنزياد إلى علي بن الحسين قال: ما اسمك؟؛ قال: علي بن الحسين. قال: أولم يقتل اللهعلي بن الحسين؟ فسكت. فقال: ما لك لا تتكلم؟ فقال: كان لي أخ يقال له أيضاً عليٌّفقتله الناس. فقال: إن الله قتله. فسكت عليٌّ. فقال: ما لك لا تتكلم؟ فقال: {الله يتوفى الأنفس حينموتها}الزمر: 42،{وما كان لنفسٍ أن تموت إلا بإذنالله} آل عمران: 145. قال: أنت والله منهم. ثم قال لرجل: ويحك! انظر هذا هلأدرك؟ إني لأحسبه رجلاً. قال: فكشف عنه مري بن معاذ الأحمري فقال: نعم قد أدرك. قال: اقتله. فقال علي: من توكل بهذه النسوة؟ وتعلقت به زينب فقالت: يا ابن زيادحسبك منا، أما رويت من دمائنا، وهل أبقيت منا أحداً! واعتنقته وقالت: أسألك باللهإن كنت مؤمناً إن قتلته لما قتلتني معه! وقال له علي: يا ابن زياد إن كانت بينكوبينهن قرابة فابعث معهن رجلاً تقياً يصحبهن بصحبة الإسلام. فنظر إليها ساعة ثمقال: عجباً للرحم! والله إني لأظنها ودت لو أني قتلته أني قتلتها معه، دعوا الغلامينطلق مع نسائه.
ثم نادى: الصلاة جامعة، فاجتمع الناس، فصعد المنبر فخطبهم وقال: الحمد لله الذي أظهر الحق وأهله، ونصر أمير المؤمنين يزيد وحزبه، وقتل الكذاب ابنالكذاب الحسين بن علي وشيعته.فوثب إليه عبد الله بن عفيف الأزدي ثم الوالبي،وكان ضريراً قد ذهب إحدى عينيه يوم الجمل مع علي والأخرى بصفين معه أيضاً، وكان لايفارق المسجد يصلي فيه إلى الليل ثم ينصرف، فلما سمع مقالة ابن زياد قال: يا ابنمرجانة! إن الكذاب ابن الكذاب أنت وأبوك والذي ولاك وأبوه! يا ابن مرجانة أتقتلونأبناء النبيين وتتكلمون بكلام الصديقين؟ فقال: علي به. فأخذوه، فنادى بشعار الأزد: يا مبرور! فوثب إليه فتية من الأزد فانتزعوه، فأرسل إليه من أتاه به فقتله وأمربصلبه في المسجد، فصلب، رحمه الله.وأمر ابن زياد برأس الحسين فطيف به فيالكوفة، وكان رأسه أول رأس حمل في الإسلام على خشبة في قول، والصحيح أن أول راس حملفي الإسلام رأس عمرو بن الحمق.  ثم أرسل ابن زياد رأس الحسين ورؤوس أصحابه مع زحربن قيس إلى الشام إلى يزيد ومعه جماعة، وقيل: مع شمر وجماعة معه، وارسل معه النساءوالصبيان، وفيهم علي بن الحسين، قد جعل ابن زياد الغل في يديه ورقبته، وحملهم علىالأقتاب، فلم يكلمهم علي بن الحسين في الطريق حتى بلغوا الشام، فدخل زحر بن قيس علىيزيد، فقال: ما وراءك؟ فقال: أبشر يا أمير المؤمنين بفتح الله وبنصره، ورد عليناالحسين بن علي في ثمانية عشر من أهل بيته، وستين من شيعته، فسرنا إليهم فسألناهم أنينزلوا على حكم الأمير عبيد الله أو القتال فاختاروا القتال فعدونا عليهم مع شروقالشمس فأحطنا بهم من كل ناحية حتى إذا أخذت السيوف مآخذها من هام القوم جعلوايهربون إلى غير وزر، ويلوذون بالإكام والحفر، كما لاذ الحمائم من صقر، فوالله ماكان إلا جزر جزور، أو نومة قائل، حتى أتينا على آخرهم! فهاتيك أجسادهم مجردة،وثيابهم مرملة، وخدودهم معفرة، تصهرهم الشمس، وتسفي عليهم الريح، زوارهم العقبانوالرخم  . فدمعت عينا يزيد وقال: كنت أرضى من طاغيتكم بدون قتلالحسين، لعن الله ابن سمية! أما والله لو أني صاحبه لعفوت عنه، فرحم الله الحسين! ولم يصله بشيءٍ.) .

 تدمع العينان عند قراءة هذا . ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم .!!

ثالثا : مقتل ابن زياد سنة سبعوستين:

1 ـ استولى المختار بن عبيدة الثقفى على العراق ، وقد إنضم اليه ابراهيم بن الأشتر النخعى بآلاف من الشيعة ، وقد بعث المختار بابن الأشتر فتحارب مع ابن زياد الذى كان على رأس جيش يريد إستعادة العراق للأمويين .

2 ـ  تقول الرواية : ( ولما سار إبراهيم بن الأشتر من الكوفة أسرع السير ليلقوا بنزياد قبل أن يدخل أرض العراق، وكان ابن زياد قد سار في عسكر عظيم من الشام، فبلغالموصل وملكها،.. فسار إبراهيم وخلف أرض العراق وأوغل في أرضالموصل..  فنزل بقرية بارشيا. وأقبل ابن زياد إليه حتى نزل قريباًمنهم على شاطئ الخازر. ) .

3 ــ وكان عمير بن الحباب السلمي من قادة جيش ابن زياد ، ومن أقرب أعوانه . ولكنه كان حاقدا على الأمويين بسبب قتلهم الضحاك بن قيس ( زعيم قبائل مُضر ) فى موقعة مرج راهط . وكان معظم جنود الأمويين من قبائل كلب . وإلتقى عمير بن الحباب سرا مع ابراهيم بن الأشتر ( وكلاهما من قبائل مُضر ) ، واتفقا على أن ينهزم عمير بقومه تاركا جيش ابن زياد ، ونصح عمير ( ابن الأشتر ) بالطريقة المثلى لهزيمة ابن زياد .

4 ــ وبعد صلاة الفجر عبّأ ابن الأشتر قواته وحمّس جنوده بتذكيرهم بمقتل الحسين وآله ، بينما عبّأ ابن زياد جيشه ،  ( وقد جعل ابن زياد على ميمنته الحصين بن نمير السكوني، وعلى ميسرته عمير بنالحباب السلمي، وعلى الخيل شر حيل بن ذي الكلاع الحميري.  ) واصطدم الجيشان ، ولكن عمير بن الحباب  خجل من الفرار ، وكان ابن الأشتر ينتظر فرار عمير ، تقول الرواية : ( وحملتميمنة إبراهيم على ميسرة ابن زياد وهم يرجون أن ينهزم عمير بن الحباب، كما زعم،فقاتلهم عمير قتالاً شديداً وأنف من الفرار. ) وإختدم القتال حتى صاروا يقتتلون بالسيوف والعُمُد ، وانتهى الأمر بفرار عمير فعلا ، حتى قيل إن قتاله فى الأول كان تعذيرا . تقول الرواية : ( فتطاعنوا ثم صاروا إلى السيوف والعمد فاضطربوا بهاملياً، وكان صوت الضرب بالحديد كصوت القصارين ... واشتد القتال فانهزم أصحاب ابن زياد وقتل من الفريقين قتلىكثيرة.وقيل: إن عمير بن الحباب أول من انهزم، وإنما كان قتاله أولاًتعذيراً.  ).

5 ــ  وقتل ابراهيم بن الأشتر ( عبيد الله بن زياد ) دون أن يعرفه . تقول الرواية : ( فلما انهزموا قال إبراهيم: إني قد قتلت رجلا تحت راية منفردة على شاطئنهر الخازر فالتمسوه فإني شممت منه رائحة المسك .. فالتمسوهفإذا هو ابن زياد قتيلاً بضربة إبراهيم فقد قدّته بنصفين وسقط، كما ذكر إبراهيم،فاخذ رأسه وأحرقت جثته.) ( وحمل شريك بن جدير التغلبي على الحصين بن نمير السكونيوهو يظنه عبيد الله بن زياد، فاعتنق كل واحد منهما صاحبه، فنادى التغلبي: اقتلونيوابن الزاني فقتلوا الحصين . )

6 ــ وفى رواية أخرى ( وقيل: إن الذي قتل ابن زياد شريك بن جدير، وكان هذا شريكشهد صفين مع علي وأصيبت عينه، فلما انقضت أيام علي لحق شريك ببيت المقدس فأقام به،فلما قتل الحسين عاهد الله تعالى إن ظهر من يطلب بدمه ليقتلن ابن زياد أو ليموتندونه. فلما ظهر المختار للطلب بثأر الحسين أقبل إليه وسار مع إبراهيم بن الأشتر،فلما التقوا حمل على خيل الشام يهتكها صفاً صفاً مع أصحابه من ربيعة حتى وصلوا إلىابن زياد وثار الرهج فلا يسمع إلا وقع الحديد، فانفرجت عن الناس وهما قتيلان شريكوابن زياد. والأول أصح.  )

 7 ــ (  ولما انهزم أصحاب ابن زياد تبعهم أصحاب إبراهيم،فكان من غرق أكثر ممن قتل، وأصابوا عسكرهم وفيه من كل شيء.وأرسل إبراهيمالبشارة إلى المختار وهو بالمدائن ..  وأقام إبراهيمبالموصل، وأنفذ رأس عبيد الله بن زياد إلى المختار ومعه رؤوس قواده، فألقيت فيالقصر. ) .   

 

  المختار بن عبيد الثقفى : المغامر الأفّاق

 1 ـ ( قريش ) ..وآه  من قريش ..!! .

2 ـ تنقسم قبائل العرب الى : عرب الشمال ( العرب المستعربة ) ومنها ( مُضر ) و ( ربيعة ) ومن ( مضر ) قبائل قيس ، وينتهى الأمر بقريش . ثم عرب اليمن ( اليعاربة ) القحطانيون ، ومنهم قبائل حمير وكندة وكلب و..وو  . وينتهى الأمر بالأوس والخزرج . لا نقصد باليمن المكان ولكن النسب لبنى قحطان وأصلهم من اليمن .  كل أولئك وكل هؤلاء تبع لقريش . هذه حقيقة تتضح فى سطور القرن الأول الهجرى . فى داخل قريش فكل ( العائلات ) تبع لعائلة ( عبد مناف ) الذى إنجب التوأم ( هاشم ) و ( عبد شمس ) ثم أنجب (عبد شمس ) أمية . وإنحصر التنافس بين بنى امية وبنى هاشم ، وبقية قريش تبع لهما . وعندما حاول ابن الزبير تغيير هذه المعادلة فشل وقُتل وقُتل معه آلاف مؤلفة .

3  ـ زعماء القبائل اليمنية والشمالية من ربيعة أو مضر كان لابد لهم من التعامل مع قريش ،إما بالرفض لهيمنتها كما فعل الخوارج من كل القبائل ، أو بالتقاتل مع فريق قرشى ضد فريق قرشى آخر ، وخصوصا مع بنى هاشم أو بنى أمية . يبذلون دماءهم فى خدمة هذا الهاشمى أو ذاك الأموى . لا فارق هنا بين الأشعث بن قيس وذريته من قبيلة ( كندة ) اليمنية ، أو ذى الكلاع الحميرى ( اليمنى ) أو ابن بحدل الكلبى  (اليمنى )، أو المهلب بن أبى صفرة الأزدى (اليمنى ) أو خالد القسرى البجلى ( اليمنى ) . ينطبق هذا أيضا على قبائل مضر وربيعة ، ومن اشهرهم قبيلة ( ثقيف ) .

4 ـ من قبيلة ثقيف برز إثنان فى هذه الفتنة الكبرى الثانية ،وكانا على طرفى نقيض : الحجاج ابن يوسف الثقفى المشهور، المخلص لبنى أمية  ، والذى هزم وقتل ابن الزبير عام 73 ، أما الآخر فهو المختار بن عبيد الثقفى المقتول عام 67  ، الذى بحث عن دور لنفسه متقلبا بولائه بين الأمويين والهاشميين والزبيريين ( القرشيين )  .  نتعرف على هذا المختار الثقفى :  

أولا : المختار الثقفى فى لمحة سريعة :

1 ـ أبوه هو( هو أبو عبيد بن مسعود بن عمرو بن عمير بن عوف بن عفرة بنعميرة بن عوف بن ثقيف الثقفي‏.) (‏أسلم أبوه في حياة النبي  ولم يره. وقد كان عمر بعثه في جيش كثيف في قتال الفرسسنة ثلاث عشرة، فقتليومئذ ، وقتل معه نحو من أربعة آلاف من المسلمين ، وكان له من الولد صفية بنت أبي عبيد،  وهي زوجة عبد الله بن عمر بن الخطاب ، وماتت في حياته )‏.‏.

2 ـ كان المختار ( وصوليا ) يطمح للوصول الى الثروة والسلطة بأى طريق . ولم يكن له من طريق سوى التعلق بقريش ، أى إما أن يكون مع بنى أمية أو بنى هاشم ، أو حتى مع ابن الزبير. وقد جرّب الانتماءات الثلاث .

3 ـ بعد مقتل (على بن أبى طالب ) ‏جمع ( الحسن بن على ) جيشا ليقاتل معاوية ، ولما أحسّ ( الحسن ) بغدر أهل العراق هرب منهم الى المدائن فى جيش قليل . وكان المختار فى المدائن مع واليها وهو ( عم ) المختار، فقال المختار لعمه‏:‏ ( لو أخذت الحسن فبعثته إلى معاوية لاتخذت عنده اليدالبيضاء أبداً‏.‏) فقال له عمه‏:‏ ( بئس ما تأمرني به يا ابن أخي. ) وانتشر هذا بين الشيعة فكانوا يبغضون المختار وقتها ، خصوصا مع ولائه للأمويين حتى صار من أعمدة أهل الكوفة فى ولاية ابن زياد .

4 ـ وسرعان ما حوّل المختار موقفه حين توقع أن يكون الملك للحسين . وكان أهل الكوفة ينتظرون مجىء الحسين اليهم . وقد أرسل الحسين  ابن عمه ( مسلم بن عقيل) الى الكوفة، فاعلن المختار أنه سينصر مسلم بن عقيل فإعتقله ابن زياد  وضربه مائة جلدة، فإستغاث المختار بصهره عبد الله بن عمر ، فأرسل ابن عمر إلىيزيد بن معاوية يتشفع فيه، فأمر يزيد ( ابن زياد ) فأطلق سراح المختار، ونفاه إلى الحجاز فيعباءة. وحين حوصر ابن الزبير فى مكة فى الحصار الأول فى خلافة يزيد بن معاوية قاتل المختار مع ابن الزبير قتالا شديدا فإكتسب ثقته .

5 ـ وبعد موت يزيد وشيوع الفوضى فى العراق وجد المختار فرصته فى العراق ، فعمل على أن يلعب على الحبلين معا ( ابن الزبير ) و ( محمد بن الحنفية ) وكان يميل الى العمل باسم ابن الحنفية أكثر لأن ابن الحنفية لا يريد الانغماس فى الفتنة ، وبالتالى يمكن للمختار أن يستغل إسمه ليحكم ويتحكم كما يريد ، أما ابن الزبير فهو مستبد حسود حقود بخيل ولا يسمح لرأس أن تبرز فى دولته ، أى لا مكان لأن يتحقق طموح المختار فى تبعيته لابن الزبير . لذا رسم سياسته على اللعب بابن الزبير وأن يتخذه موطأ قدم، ثم يصل بإسم ابن الحنفية  الى السلطة والثروة . ولم يكن ابن الحنفية ممن يسعى الى المشاكل ، ولم يكن يثق فى المختار . وطلب المختار إذنا من ابن الحنفية ليذهب باسمه الى العراق داعية له، فأذن له وأرسل معه عبد الله الهمذانى وأوصاه أن يأخذ حذره من المختار. وجاء المختار الى ابن الزبير فحصل على إذن منه أيضا أن يدعو اليه فى العراق.  

6 ـ  ولما قدم المختار الى العراق صار صديقا لابن مطيع وهو والي الكوفة يومئذ لعبد الله بن الزبير، بينما كان يدعو سرأ لابن الحنفية . وتكاثر أتباع المختار فانقلب على ابن مطيع ، وهزمه فهرب ابن مطيع  الى ابن الزبير . واستولى المختار على الكوفة وما يتبعها من ولايات ، فاشتعل العداء بين ابن الزبير والمختار. وبدأ إضطهاد ابن الزبير لابن الحنفية وبنى هاشم  لارغامهم على البيعة له ، وكاد أن يشعل فيهم النار لولا أن أنقذهم المختار .

7 ـ  وبعض الشيعة كان قد تملكهم الشك فى زعم المختار بأنه داعية ابن الحنفية فجاء وفد منهم الى المدينة  الى ابن الحنفية يسأل عن حقيقة المختار فقال لهم ابن الحنفية : ( نحن حيث ترون محتسبون ، وما احب ان لي سلطان الدنيابقتل مؤمن بغير حق ، ولوددت ان الله انتصر لنا بمن شاء من خلقه، فاحذروا الكذابينوانظروا لانفسكم ودينكم .). وهى إجابة تحتمل أكثر من تفسير . وإختلق المختار كتابا زعم أنه من ابن الحنفية الى ابراهيم بن الأشتر النخعى كبير الشيعة فى العراق ، وقد كان أبوه الأشتر النخعى القائد الأكبر لعلى بن أبى طالب. وإقتنع ابراهيم بن الأشتر بالمختار وصار قائد جيشه ، وبهذا علا شأن المختار . وشهد عام 66 أحداثا هامة : ( إستيلاء المختار على الكوفة فى 14 ربيع الأول ، وهروب ابن مطيع والى ابن الزبير . وفيها تمكن المختار من قتل كل من شارك فى قتل الحسين وآله فى كربلاء ومنهم شمر بن ذى الجوشن  وعمر بن سعد وابنه . تقول الرواية : ( ثم شرع في تتبع قتلة الحسين ومن شهد الوقعة بكربلاء من ناحية ابنزياد‏.‏  فقتل منهم خلقاً كثيراً، وظفر برؤوس كبار منهم كعمر بن سعد بن أبيوقاص أمير الجيش الذين قتلوا الحسين، وشمر بن ذي الجوشن أمير الألف الذين ولوا قتلالحسين، وسنان بن أبي أنس، وخولي بن يزيد الأصبحي، وخلق غير هؤلاء‏.‏)

8 ـ  وحاول المختار التلاعب بابن الزبير ولم يثق به ابن الزبير . وقد بعث المختار الى ابن الزبير يطلب منه ألف ألف درهم وأن يعترف به واليا على الكوفة مقابل أن يقاتل عبد الملك بن مروان ، فرفض ابن الزبير ، وبعث يقول له : ( إلى متى أماكر كذاب ثقيف ويماكرني؟  ) .! وكتب المختار إلىابن الحنفية يعرض عليه أن يرسل جيشا الى المدينة على أن يرسل ابن الحنيفة رجلا من عنده يؤكد أن المختار تابع له وفى طاعته ،فكتب إليه ابن الحنفية: ( أما بعد فقد قرأتكتابك وعرفت تعظيمك لحقي وما تنويه من سروري، وإن أحب الأمور كلها إلي ما أطيع اللهفيه، فأطع الله ما استطعت، وإني لو أردت القتال لوجدت الناس إلي سراعاً والأعوان ليكثيراً، ولكن أعتزلكم وأصبر حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين. ) وأمره بالكف عنالدماء.وفى كل ما سبق كان المختار يحكم العراق فى فترة الاضطراب هذه باسم محمد بن الحنفية. لمدة  ستة عشر شهرا.

 9 ـ ثم بعث ابن الزبير أخاه مصعب فاستولى على البصرة ، وصار المختار فى الكوفة يواجه ابن الزبير والأمويين معا . وكان من دهاء عبد الملك بن مروان أن ترك مصعب بن الزبير يصارع المختار  ثم يقتل المختار ، بعدها إنقض عبد الملك على ( مصعب بن الزبير ) وهزمه وقتله واستولى على العراق وما يتبعه ، ثم إلتفت بعدها لابن الزبير فى مكة فارسل اليه الحجاج فهزمه وقتله وصلبه .

10 ـ يوجز ابن الأثير تاريخ المختار فيقول :( وكان المختار قد خرج يطلب بثأر الحسين فاجتمع عليه بشر كثير منالشيعة بالكوفة ، فغلب عليها ، وتطلب قتلة الحسين فقتلهم . قتل شمر بن ذي الجوشن الذيباشر قتل الحسين ، وخولي بن يزيد الذي سار برأسه إلى الكوفة، وعمر بن سعد بن أبي وقاصأمير الجيش الذي حاربوا الحسين حتى قتلوه ، وقتل معه ولده حفصا . وأرسل إبراهيم بنالأشتر في عسكر كثيف فلقي عبيد الله بن زياد الذي كان جهز الجيش إلى الحسين فحاربوه،  فقتل عبيد الله بن زياد في تلك الواقعة . ..فلذلك أحب المختار كثير منالمسلمين فإنه أبلى في ذلك بلاء حسنًا . ..وكان يرسل المال إلى عبد الله بن عمر وهو صهره زوجأخته صفية بنت أبي عبيد ، وإلى ابن عباس وإلى بن الحنفية فيقبلونه .  ثم سار إليه مصعب منالبصرة فقتل المختار ) .  

11 ـ وعن مقتل المختار تقول الرواية إن المختار هزم الخوارج وزعيمهم ( شبث بن ربعي )    فلحقوا بمصعب بن الزبير بالبصرة وانضموا اليه ، ثم إنضم اليهم  (محمد بن الأشعث بن قيس ) ، وكان المختار قد هدم داره بالكوفة . وكتب مصعب الى ( المهلب بن أبى صفرة ) عامله فى فارس أن يأتى اليه بالجنود والأموال ليهاجموا المختار فى الكوفة ، فأقبل المهلب بجموع كثيرة وأموال عظيمة . كما إنضم لمصعب زعيم قبائل تميم ( الأحنف بن قيس ). وأرسل مصعب الى عبد الله بن مخنف الى الكوفة ليخذل أهلها عن المختار . وانهزمت طليعة للمختار يقودها احمد بن شميط ، وقُتل ابن شميط ، ثم إلتقى المختار مع جيش مصعب . وفى البداية إنهزم جيش مصعب ولكنه ثبت ولم يهرب فرجع اليه أصحابه وثبتوا معه ، وحمل المهلب بن أبى صفرة بجنده فهزم المختار وهرب اصحابه ، ولجأ المختار الى قصر الامارة بالكوفة وتحصّن به بمن بقى من جيشه ، وحوصروا فى القصر  ومنعوا عنهم الطعام والشراب ، وكان إذا خرج جماعة من جيشه تناولتها السهام والحجارة من البيوت والمياه القذرة . وإقترب جيش مصعب من القصر فأمر المختار من بقى معه بالقصر ليواجهوه  وقال ‏:‏ ( ويحكم إن الحصار لا يزيدكم إلا ضعفًا فانزلوا بنا نقاتل ، لنقتل كرامًا، والله ما أنا بآيس إن صدقتموهم أن ينصركم الله‏.‏) فتوقفوا عن قبول قوله ، فقال‏:‏ ( أما أنا فوالله لا أعطي بيدي‏.‏) . ثم أرسل إلى امرأته أم ثابت بنت سمرة بن جندب ، فأرسلت إليه بطيب كثير،فاغتسل وتحنط ووضع ذلك الطيب على رأسه ولحيته ، ثم خرج في تسعة عشر رجلًا . فقال لهم‏:‏( أتؤمنونني وأخرج إليكم ) فقالوا‏:‏ ( لا . إلا على الحكم ) فقال‏:‏ ( لا أحكمكم في نفسي أبدًا) . فضارب بسيفه حتى قُتل . ونزل أصحابه على الحكم ، فقُتلوا). وقُتل المختار لأربع عشرة ليلة خلت من رمضان سنة سبع وستين وهو ابنسبع وستين سنة‏.‏

12 ـ (  وأمر مصعب بكفّ المختار فقُطعت، ثمسُمّرت بمسمار حديد إلى جنب حائط المسجد ، ولم يزل على ذلك حتى قدم الحجاج بن يوسف فنظرإليها فقال‏:‏ ما هذه فقالوا‏:‏ كف المختار فأمر بنزعها‏.‏)

13 ـ  وبعث مصعب برأس المختار مع رسول خاص إلى أخيه عبدالله بن الزبير فى مكة ، فوصل مكة بعد العشاء .، ولم يسمح ابن الزبير للرسول بالدخول عليه بزعم أنه يقوم الليل يصلى ، ثم أذن له فى الفجر فدخل عليه بكتاب مصعب وبرأس المختار . تقول الرواية : ( فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين معي الرأس‏.‏فقال‏:‏ ألقه على باب المسجد‏.‏فألقاه ، ثم جاء فقال‏:‏ جائزتي يا أمير المؤمنين‏.‏فقال‏:‏ جائزتك الرأس الذي جئت به تأخذه معك إلى العراق‏.‏).!!

أخيرا

هذا هو المختار المغامر (الأفّاق ).  ولنا وقفة أخرى مع المختار ( الأفّاك ) ، فهو صاحب تأثير كبير فى الدين الشيعى والدولة العباسية اللاحقة. 

 

 

 

شبث بن ربعى : ( داعش لم تأت من فراغ ).!!

مقدمة :

1 ـ هو : (شبث بن ربعي بن حصين بن عثيم بن ربيعة بن زيد بن رِياح بن يربوع بن حنظلة  التميمى ) .

2 ـ هو جندى من جنود الفتنة ، تاريخه يعبّر عن عشرات الألوف من الأعراب الصحابة المنافقين الذين وصفهم رب العزة بقوله (كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا ) النساء 91  ). كانوا كفارا ، فأسلموا ، ثم إرتدوا ، ثم عادوا الى الاسلام ، ثم صاروا من جنود الفتح ، ثم ثاروا على الخليفة عثمان ، ثم صاروا شيعة ل ( على ) ثم إنقلبوا عليه وصاروا خوارج . هذه قصة ( شبث بن ربعى ) ولكنه تميز بأنه غيّر موقفه بعدها ورجع الى (على ) ثم صار مع الأمويين ، وممّن خدع الحسين ودعاه الى القدوم الى الكوفة ثم صار من قادة جيش ابن زياد الذى قتل الحسين ، ثم تقلبت حياته مع المختار الثقفى ،  واسهم فى القضاء على المختار ، وختم حياته تابعا لمصعب بن الزبير. حياة دموية حافلة بالتقلبات ، كان فيها يحمل سيفه يقاتل مع هذا أو ذاك لا يتأخر عن أى فتنة قريبة منه،  حتى بلغ أرذل العمر ، ومات عام 70 فى ولاية مصعب بن الزبير على العراق  .

3 ـ ولأنه شخصية وسط آلاف الشخصيات ( من عصر الصحابة الى التابعين ) فإن البحث عنه كمن يبحث عن إبرة فى كومة قش . إستلزم هذا مراجعة مئات الصفحات من تاريخ الطبرى وتاريخ ابن الأثير وابن كثير، ولم يذكره ابن الأثير ضمن الصحابة فى كتابه ( أُسد الغابة ). ونتعرض للأحداث التى ورد فيها ذكر ( شبث بن ربعى ) ،أوبالتعبير الدرامى : نتعرض للمشاهد التى ظهر فيها . 

أولا : شبث بن ربعى يعمل مؤذنا لسجاح التى إدّعت النبوة

1 ـ كان فتيا مراهقا وقت أن زعمت سجاح النبوة وتزعمت قومها بنى تميم فى خلافة أبى بكر ، وجعلت شبث بن ربعى مؤذنا لها . وتحالفت سجاح مع مسيلمة الكذاب وتزوجته .

2 ـ  ننقل هذا النّص من تاريخ الطبرى ، مع الاعتذار عما جاء في ثناياه : ( أن مسيلمة لما نزلت به سجاح أغلق الحصن دونها . فقالت له سجاح :  "انزل ". قال: " فنحي عنك أصحابك " . ففعلت . فقال مسيلمة : " اضربوا لها قبة وجمروها لعلها تذكر الباه " ( الشهوة الجنسية ) ، ففعلوا فلما دخلت القبة نزل مسيلمة فقال : " ليقف هاهنا عشرة وهاهنا عشرة. "  ثم دارسها ، فقال : " ما أوحي إليك ؟ " فقالت : " هل تكون النساء يبتدئن ولكن أنت ، قل ما أوحي إليك. "  قال : " ألم تر إلى ربك كيف فعل بالحبلى ، أخرج منها نسمة تسعى ، من بين صفاق وحشى . " قالت : " وماذا أيضا ؟ " قال : " أوحي إلي أن الله خلق النساء أفراجا وجعل الرجال لهن أزواجا فنولج فيهن قعسا إيلاجا ثم نخرجها إذا نشاء إخراجا فينتجن لنا سخالا إنتاجا . " . قالت : " أشهد أنك نبي " .  قال : " هل لك أن أتزوجك فآكل بقومي وقومك العرب ؟ "  قالت : "  نعم . " قال : " ألا قومي إلى النيك فقد هيي لك المضجع ..  وإن شئت ففي البيت وإن شئت ففي المخدع  ...وإن شئت سلقناك وإن شئت على أربع .. وإن شئت بثلثيه وإن شئت به أجمع.."  قالت:  " بل به أجمع " .قال  : " بذلك أوحي إلي ". فأقامت عنده ثلاثا ثم انصرفت إلى قومها ، فقالوا : " ما عندك "؟  قالت : " كان على الحق فاتبعته فتزوجته" .  قالوا : " فهل أصدقك شيئا ؟ قالت : " لا "  قالوا : " ارجعي إليه فقبيح بمثلك أن ترجع بغير صداق. "  فرجعت،  فلما رآها مسيلمة أغلق الحصن وقال: " مالك ؟ " قالت : " أصدقني صداقا " قال : " من مؤذنك ؟ "  قالت : "  شبث بن ربعي الرياحي " . قال : " عليّ به . " فجاء ، فقال : "  ناد في أصحابك أن مسيلمة بن حبيب رسول الله قد وضع عنكم صلاتين مما أتاكم به محمد صلاة العشاء الآخرة وصلاة الفجر . " .

ثانيا : شبث بن ربعى فى الفتوحات فى خلافة عمر بن الخطاب :

1 ــ بعد إخماد حركات الردة دعا أبو بكر ثم عمر الأعراب العائدين لسيطرة قريش الى الفتوحات ، فتوافد الأعراب الى المدينة فكان يبعثهم أبو بكر ثم عمر الى الفتوحات . وورد إسم شبث بن ربعى مع أبيه ( ربعى بن حصين ) ضمن هذه الوفود .يروى الطبرى عن قدوم بنى كنانة والأزد : ( وقدما على عمر غزاة بني كنانة والأزد في سبعمائة جميعا . فقال " أي الوجوه أحب إليكم ؟  قالوا : " الشأم أسلافنا أسلافنا ." فقال : "  ذلك قد كفيتموه.  العراق العراق ذروا بلدة قد قلل الله شوكتها وعددها واستقبلوا جهاد قوم قد حووا فنون العيش لعل الله أن يورثكم بقسطكم من ذلك فتعيشوا مع من عاش من الناس. ) أرادوا أن يبعث بهم عمر الى غزو الشام ، فأرسلهم عملر الى العراق فهو ( قليل الشوكة ) وأهله قد ( حووا فنون العيش ) على أمل أن يتعيشوا بما فى العراق من ثراء .

2 ــ ضمن هذه الوفود جاء ربعى ومعه ابنه شبث الى عمر فأرسله بمن معه الى العراق مددا الى المثنى بن حارثة . يقول الطبرى ( وجاء ربعي في أناس من بني حنظلة فأمّره عليهم ، وسرحهم وخرجوا حتى قدم بهم على المثنى ، فرأس بعده ابنه شبث بن ربعي. ) . هذا أول ذكر لشبث فى الفتوحات .

ثالثا : شبث فى الفتنة الكبرى ( الأولى ) بين ( على ومعاوية )  . 

1 ـ كان من أوائل الثائرين على فساد عثمان بن عفان ، ومن الطبيعى أن ينضم الى ( على ) فظهر إسمه واضحا وقتها . وننقل الروايات التى ورد فيها إسمه .

2 ــ فى اواخر ذى الحجة ( الشهر الحرام ) عام 36 ، فى موقعة (صفين ) فى ( مشهد ) منها تقول الرواية :  ( وجاء الناس حتى أتوا عسكرهم .  فمكث ( علي ) يومين لا يرسل إلى معاوية أحدا ولا يرسل إليه معاوية.  ثم إن (عليا ) دعا بشير بن عمرو بن محصن الأنصاري وسعيد بن قيس الهمداني وشبث بن ربعي التميمي،  فقال : "  ائتوا هذا الرجل فادعوه إلى الله وإلى الطاعة والجماعة . " فقال له شبث بن ربعي : "  يا أمير المؤمنين ألا تطمعه في سلطان توليه إياه ومنزلة يكون له بها أثرة عندك إن هو بايعك ؟ " فقال علي : " ائتوه فالقوه واحتجوا عليه وانظروا ما رأيه . " ).

أرسل (على ) وفدا للتفاوض مع معاوية ، يريد ( على ) أن يستجيب له معاوية بلا قيد ولا شرط بمجرد الوعظ . وكان شبث بن ربعى له رأى سياسى أفضل من رأى (على ) ، فنصح  (عليا ) أن يعطى معاوية ولاية مقابل أن يبايع لعلى . ورفض ( على ) بعقليته التى تريد الاستحواذ على الكعكة كلها دون أن يعطى الآخرين مقابلا ، حتى لو كان هذا الغير منافسا له ومعه جيش وقوة عسكرية .

3 ـ وتمضى الرواية فتقول :  ( فأتوه ودخلوا عليه فحمد الله وأثنى عليه أبو عمرة بشير بن عمرو وقال يا معاوية إن الدنيا عنك زائلة وإنك راجع إلى الآخرة وإن الله عز وجل محاسبك بعملك وجازيك بما قدمت يداك وإني أنشدك الله عز وجل أن تفرق جماعة هذه الأمة وأن تسفك دماءها بينها فقطع عليه الكلام وقال هلا أوصيت بذلك صاحبك فقال أبو عمرة إن صاحبي ليس مثلك صاحبي أحق البرية كلها بهذا الأمر في الفضل والدين والسابقة في الإسلام والقرابة من الرسول قال فيقول ماذا قال يأمرك بتقوى الله عز وجل وإجابة ابن عمك إلى ما يدعوك إليه من الحق فإنه أسلم لك في دنياك وخير لك في عاقبة أمرك قال معاوية ونطل دم عثمان رضي الله عنه لا والله لا أفعل ذلك أبدا فذهب سعيد بن قيس يتكلم فبادره شبث بن ربعي فتكلم فحمد الله وأثنى عليه وقال يا معاوية إني قد فهمت ما رددت على ابن محصن إنه والله لا يخفى علينا ما تغزو وما تطلب إنك لم تجد شيئا تستغوي به على الناس وتستميل به أهواءهم وتستخلص به طاعتهم إلا قولك قتل إمامكم مظلوما فنحن نطلب بدمه فاستجاب له سفهاء طغام وقد علمنا أن قد أبطأت عنه بالنصر وأحببت له بالقتل لهذه المنزلة التي أصبحت تطلب ورب متمني أمر وطالبه الله عز وجل يحول دونه بقدرته وربما أوتي المتمني أمنيته وفوق أمنيته ووالله مالك في واحدة منهما خير لئن أخطأت ما ترجو إنك لشر العرب حالا في ذلك ولئن أصبت ما تمنى لا تصيبه حتى تستحق من ربك صلي النار فاتق الله يا معاوية ودع ما أنت عليه ولا تنازع الأمر أهله فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد فإن أول ما عرفت فيه سفهك وخفة حلمك قطعك على هذا الحسيب الشريف سيد قومه منطقه ثم عنيت بعد فيما لا علم لك به فقد كذبت ولؤمت أيها الأعرابي الحلف الجافي في كل ما ذكرت ووصفت انصرفوا من عندي فإنه ليس بيني وبينكم إلا السيف وغضب وخرج القوم وشبث يقول أفعلينا تهول بالسيف أقسم بالله ليعجلن بها إليك فأتوا عليا وأخبروه بالذي كان من قوله وذلك في ذي الحجة . ) .

 دخل وفد (على ) لكى يعظ معاوية ، فنصحهم معاوية أن يعظوا (عليا ) . ورد الواعظ على معاوية بأحقية (على ) وأن الأولى لمعاوية فى دينه أن يستجيب ل ( على ). وتعلل معاوية بطلب الثأر لعثمان . وجاء رد شبث بن ربعى رائعا ، فأكد لمعاوية أن معاوية يطلب السلطان وليس ثأر عثمان ، وهو ــ أى معاوية ـ الذى أبطأ عن نُصرة عثمان وتركه للقتل . وغضب معاوية من منطق شبث وطردهم وهو يهددهم بالسيف ، وردّ عليه شبث التهديد بمثله . وهذا المشهد أروع موقف لشبث بن ربعى . تفوق به على ( على ) و ( معاوية ) معا .

4 ـ  وتمضى الرواية : ( فأخذ علي يأمر الرجل ذا الشرف فيخرج معه جماعة ويخرج إليه من أصحاب معاوية آخر معه جماعة فيقتتلان في خيلهما ورجالهما ثم ينصرفان وأخذوا يكرهون أن يلقوا بجمع أهل العراق أهل الشام لما يتخوفون أن يكون في ذلك من الاستئصال والهلاك فكان علي يخرج مرة الأشتر ومرة حجر بن عدي الكندي ومرة شبث بن ربعي ومرة خالد بن المعمر ومرة زياد بن النضر الحارث ومرة زياد بن خصفة التيمي ومرة سعيد بن قيس ومرة معقل بن قيس الرياحي ومرة قيس بن سعد وكان أكثر القوم خروجا إليهم الأشتر وكان معاوية يخرج إليهم عبدالرحمن بن خالد المخزومي وأبا الأعور السلمي ومرة حبيب بن مسلمة الفهري ومرة ابن ذي الكلاع الحميري ومرة عبيدالله بن عمر بن الخطاب ومرة شرحبيل بن السمط الكندي ومرة حمزة بن مالك الهمداني فاقتتلوا من ذي الحجة كلها وربما اقتتلوا في اليوم الواحد مرتين أوله وآخره  ). 

هذا عن وقائع القتال فى صفين فى الشهر الحرام  . كانوا يتقاتلون جماعة جماعة تفاديا لقتال عام يستأصلهم جميعا . وكان كل فريق له قائد . وكان شبث بن ربعى أحد قواد (على ).

5 ـ وعن محاولات الصلح فى هدنة للحرب بين (على ) ومعاوية ، تقول الرواية : (  .. لما توادع علي ومعاوية يوم صفين اختلف فيما بينهما الرسل رجاء الصلح . فبعث (علي ) عدي بن حاتم ويزيد بن قيس الأرحبي وشبث بن ربعي وزياد بن خصفة إلى معاوية.  فلما دخلوا حمد الله عدي بن حاتم ثم قال : " أما بعد فإنا أتينا ندعوك إلى أمر يجمع الله عز وجل به كلمتنا وأمتنا ويحقن به الدماء ويؤمن به السبل ويصلح به ذات البين إن ابن عمك سيد المسلمين أفضلها سابقة وأحسنها في الإسلام أثرا وقد استجمع له الناس وقد أرشدهم الله عز وجل بالذي رأوا فلم يبق أحد غيرك وغير من معك فانته يا معاوية لا يصبك الله وأصحابك بيوم مثل يوم الجمل . " فقال معاوية : " كأنك إنما جئت متهدددا لم تأت مصلحا .! هيهات يا عدي . كلا والله إني لابن حرب ، ما يقعقع لي بالشنان ، أما والله إنك لمن المُجلبين على ابن عفان رضي الله عنه ، وإنك لمن قتلته، وإني لأرجو أن تكون ممن يقتل الله عز وجل به . هيهات يا عدي بن حاتم . قد حلبت بالساعد الأشد. " فقال له شبث بن ربعي ...: " أتيناك فيما يصلحنا وإياك فأقبلت تضرب لنا الأمثال. دع ما لا ينتفع به من القول والفعل وأجبنا فيما يعمنا وإياك نفعه. " ..) وتكلم معاوية فطلب منهم تسليم قتلة عثمان ، وهو يعلم إستحالة هذا الطلب لأنه سيفرّق جيش (على ) . ورد عليه شبث : ( أيسرك يا معاوية أنك أمكنت من عمار تقتله ؟ فقال معاوية : " وما يمنعني من ذلك والله لو أمكنت من ابن سمية ما قتلته بعثمان ولكن كنت قاتله بناتل مولى عثمان . "  فقال له شبث : " وإله الأرض وإله السماء ما عدلت معتدلا ، لا والذي لا إله إلا هو لا تصل إلى عمار حتى تندر الهام عن كواهل الأقدام وتضيق الأرض الفضاء عليك برحبها . " فقال له معاوية : " إنه لو قد كان ذلك كانت الأرض عليك أضيق.! )

 هذه جولة أخرى من المفاوضات العقيمة ، يطلب فيها وفد ( على ) أن يبايع معاوية ل (على ) بلا قيد ولا شرط . وتنتهى الى الفشل ، ونرى شبث بن ربعى أحد رجال الوفد المتحدث باسم (على ) وهو الذى يهدد معاوية ، ويعامله رأسا برأس . وايضا : فقد كان شبث من أبرز قواد (على ) وقتها .

رابعا : شبث بن ربعى : يخرج على (على ) ثم يترك الخوارج ويعود الى (على )

1 ـ بعد فشل التحكيم وخدعة عمرو بن العاص لأبى موسى الأشعرى ، خرج بعض أصحاب (على ) عليه ،فأصبحوا ( الخوارج ) الذين كفّروا عليا لأنه رضى بالتحكيم ، وطلبوا منه أن يعلن كفره وتوبته من التحكيم ، ورفض (على )، فأصبح يواجه عدوا جديدا . وكان ( شبث بن ربعى ) هو القائد الحربى للخوارج ، وقد انسحبوا الى حروراء ، فكان إسمهم (الحرورية ).  . تقول الرواية : ( خرجوا مع (علي ) إلى صفين وهم متوادون أحباء ، فرجعوا متباغضين أعداء ما برحوا من عسكرهم بصفين حتى فشا فيهم التحكيم ولقد أقبلوا يتدافعون الطريق كله ويتشاتمون ويضطربون بالسياط . يقول الخوارج يا أعداء الله أدهنتم في أمر الله عز وجل وحكمتم وقال الآخرون فارقتم إمامنا وفرقتم جماعتنا . فلما دخل علي الكوفة لم يدخلوا معه حتى أتوا حروراء فنزل بها منهم اثنا عشر ألفا ونادى مناديهم إن أمير القتال شبث بن ربعي التميمي وأمير الصلاة عبدالله بن الكواء اليشكري والأمر شورى بعد الفتح والبيعة لله عز وجل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر )

 2 ـ وعن موقعة ( النهروان ) بين (على ) والخوارج ، يأتى الطبرى بروايات مختلفة ، ويرجح أن تكون الواقعة عام 38 ، وتقول الرواية عما حدث قبل المعركة  : ( أن شبث بن ربعي وابن الكواء خرجا من الكوفة إلى حروراء فأمر  (علي  ) الناس أن يخرجوا بسلاحهم ، فخرجوا إلى المسجد حتى امتلأ بهم ، فأرسل إليهم بئس ما صنعتم حين تدخلون المسجد بسلاحكم اذهبوا إلى جبانة مراد حتى يأتيكم أمري.  قال أبو مريم فانطلقنا إلى جبانة مراد فكنا بها ساعة من نهار ثم بلغنا أن القوم قد رجعوا وهم زاحفون قال فقلت أنطلق أنا حتى أنظر إليهم فانطلقت حتى أتخلل صفوفهم حتى انتهيت إلى شبث بن ربعي وابن الكواء، وهما واقفان متوركان على دابتيهما وعندهما رسل (علي ) وهم يناشدونهما الله لما رجعا بالناس.). أى كان شبث وابن الكواء زعيما الخوارج الحرورية وقتها . ولا تقول الرواية هل إستجاب شبث لرجاء (على ) وترك الخوارج أم لا .

3 ــ ولكن رواية أخرى تجعل (شبث ) من قادة (على ) فى موقعة  النهروان ضد الخوارج ، أى إنه تركهم وعاد الى (على ) . تقول الرواية عن بدء معركة النهروان : (فخرج ( علي )  فعبأ الناس فجعل على ميمنته حجر بن عدي وعلى ميسرته شبث بن ربعي أو معقل بن قيس الرياحي وعلى الخيل أبا أيوب الأنصاري وعلى الرجالة أبا قتادة الأنصاري وعلى أهل المدينة وهم سبعمائة أو ثمانمائة رجل قيس بن سعد بن عبادة...وعبأت الخوارج فجعلوا على ميمنتهم زيد بن حصين الطائي وعلى الميسرة شريح بن أوفى العبسي وعلى خيلهم حمزة بن سنان الأسدي وعلى الرجالة حرقوص بن زهير السعدي ).

4 ــ ولا نملك إلا تصديق هذه الرواية لسببين : الأول : إن شبث كان فى هذه الموقعة من قادة (على ) ، ولم يكن من قادة الخوارج فى تلك المعركة ، و (شبث ) كان شخصية قيادية وقتها . والثانى : أن معركة النهروان إنتهت بمقتل جميع الخوارج وقتها ، وهذا أمر معروف . عن جولات المعركة تقول الرواية  عن ( على )  ( نهض إليهم فقاتلهم حتى فرغ منهم  )ويقول أحد جنود (على ) :( فما لبثناهم فكأنما قيل لهم موتوا فماتوا  ). وعاش شبث بن ربعى بعدها .

خامسا : شبث فى خلافة معاوية يشهد زورا على رفيقه ( حُجر بن عدى )

1 ـ بايع شبث بن ربعى ( معاوية ) ضمن شيعة (على ) . وعاد ربعى الى الكوفة . وصار معروفا أنه من كبار الشيعة فيها ، والذين كانوا يعارضون الوالى المغيرة بن أبى شعبة حين كان يأخذ فى لعن (على ) فى خطبة الجمعة ، وهى بدعة إبتدعها معاوية . وكان معاوية يسكت عنهم . وإختلفت سياسته عندما بدأ التخطيط لتوريث إبنه يزيد ، فعمل على التخلص من رؤساء الشيعة فى البداية وكان منهم شبث بن ربعى  . فكان الايقاع بحُجر بن عدى الكندى وقتله مع أصحابه . وقد تعرضنا لهذا بالتفصيل فى كتابنا ومقالاته المنشورة هنا عن ( وعظ السلاطين ) . يهمنا من هذه الوقائع ما يرد فيها عن شبث بن ربعى .

2 ـ فى البداية كتب معاوية الى واليه بالكوفة المغيرة  يقول له :( خذ زيادا وسليمان بن صرد وحجر بن عدي وشبث بن ربعي وابن الكواء وعمرو بن الحمق بالصلاة في الجماعة . فكانوا يحضرون معه في الصلاة . ) . أى سعى معاوية الى إكراههم على حضور صلاة الجمعة مع الوالى حتى يسمعوا لعن (على ) ، وكان منهم شبث بن ربعى . كان معاوية يتحرش بهم لإثارتهم . فكانوا يحضرون ، ويرفعون صوتهم بالاحتجاج على المغيرة عندما يبدا بلعن (على ) . ويثور الشغب. ويسكت عنهم المغيرة .

3 ـ وبعد موت المغيرة تولى الكوفة ابن زياد وحكمها بالحديد والنار، وإعتقل حجر بن عدى وصحبه ، واشهد عليهم أنهم خلعوا الطاعة ورفعوا السلاح . وشهد بهذه الشهادة الزور جماعة من كبار أهل الكوفة كان منهم  القاضى أبو بردة بن أبى موسى الأشعرى وآخرون من أشياع بنى أمية . تقول الرواية : ( ثم بعث زياد إلى أصحاب حجر حتى جمع اثني عشر رجلا في السجن ، ثم إنه دعا رؤوس الأرباع فقال اشهدوا على حجر بما رأيتم منه . وكان رؤوس الأرباع يومئذ : عمرو بن حريث على ربع أهل المدينة ، وخالد بن عرفطة على ربع تميم وهمدان، وقيس بن الوليد بن عبد شمس بن المغيرة على ربع ربيعة وكندة ، وأبو بردة بن أبي موسى على مذحج وأسد.  فشهد هؤلاء الأربعة أن حجرا جمع إليه الجموع وأظهر شتم الخليفة ودعا إلى حرب أمير المؤمنين وزعم أن هذا الأمر لا يصلح إلا في آل أبي طالب ووثب بالمصر وأخرج عامل أمير المؤمنين . ) وأراد زياد شهادات أكثر وشهودا أكثر ، وتذكر الرواية شبث بن ربعى ضمن أولئك عن الشهود الجُدُد : ( .. فشهد إسحاق بن طلحة بن عبيدالله...  والسائب بن الأقرع الثقفي وشبث بن ربعي... )، وتهرب من الشهادة المختار بن عبيدة الثقفى ، تقول الرواية : (ودعا المختار بن أبي عبيد وعروة بن المغيرة بن شعبة ليشهدوا عليه فراغا  ). وبهذه الشهادة الزور تم قتل حُجر بن عدى وأصحابه . فى هذا المشهد نرى تقلب شبث بن ربعى ، كان من الشيعة فلما رأى حزم ابن زياد غيّر موقفه الى النقيض وصار من أتباع معاوية . ولكن التحول الأبشع له كان فى ماساة كربلاء .

سادسا : السقوط الأكبر : شبث والحسين وكربلاء

1 ـ كان شبث ممّن دعا الحسين ليأتى الى الكوفة . تقول رواية الطبرى : ( وكتب شبث بن ربعي وحجار بن أبجر ويزيد بن الحارث بن يزيد بن رويم وعزرة بن قيس وعمرو بن الحجاج الزبيدي ومحمد بن عمير التميمي : "  أما بعد فقد اخضر الجناب وأينعت الثمار وطمت الجمام فإذا شئت فاقدم على جند لك مجند والسلام عليك . ). وفوجىء الحسين فى كربلاء بأولئك الذين دعوه للمجىء هم الذين ينتظرونه بالسلاح لقتاله . تقول الرواية عن الحسين أنه نادى : (  فنادى: يا شبث بن ربعي! ويا حجار بن أبجر! ويا قيس بنالأشعث! ويا زيد بن الحارث! ألم تكتبوا إلي في القدوم عليكم؟ قالوا: لم نفعل. ثمقال: بلى فعلتم. ثم قال: أيها الناس إذ كرهتموني فدعوني أنصرف إلى مأمني منالأرض.قال: فقال له قيس بن الأشعث: أولا تنزل على حكم ابن عمك، يعني ابن زياد،فإنك لن ترى إلا ما تحب. فقال له الحسين: أنت أخو أخيك، أتريد أن يطلبك بنو هاشمبأكثر من دم مسلم بن عقيل؟ لا والله ولا أعطيهم بيدي عطاء الذليل، ولا أقر إقرارالعبد. عباد الله إني عذت بربي وربكم أن ترجمون، أعوذ بربي وربكم من كل متكبر لايؤمنبيوم الحساب ثم أناخ راحلته ونزل عنها.)

2 ـ وقبل أن يأتى الحسين الى الكوفة أرسل ابن عمه مسلم بن عقيل ، وتكاثرت الشيعة حول ابن عقيل ، ولكن تحرك عبيد الله بن زياد بسرعة ، فالتقى برؤساء العشائر فى الكوفة يخوفهم ويمنيهم حتى إنضموا اليه وضغطوا على أهاليهم فإنفضوا من حول مسلم بن عقيل . وكان شبث بن ربعى ممّن إستجاب لعبيد الله بن زياد . تقول الرواية : ( ودعا عبيدالله كثير بن شهاب بن الحصين الحارثي فأمره أن يخرج فيمن أطاعه من مذحج فيسير بالكوفة ويخذل الناس عن ابن عقيل ويخوفهم الحرب ويحذرهم عقوبة السلطان وأمر محمد بن الأشعث أن يخرج فيمن أطاعه من كندة وحضرموت فيرفع راية أمان لمن جاءه من الناس وقال مثل ذلك للقعقاع بن شور الذهلي وشبث بن ربعي التميمي  ) . أكثر من ذلك ، صار شبث أحد قواد ابن زياد ، تقول الرواية : ( وعقد لشبث بن ربعي لواء فأخرجه ). وأخلص شبث بن ربعى فى قتال مسلم بن عقيل ، بينما حاول المختار بن أبى عبيدة نُصرة مسلم بن عقيل ، تقول الرواية  : ( أن المختار بن أبي عبيد وعبدالله بن الحارث بن نوفل كانا خرجا مع مسلم ، خرج المختار براية خضراء وخرج عبدالله براية حمراء وعليه ثياب حمر.... وإن ابن الأشعث والقعقاع بن شور وشبث بن ربعي قاتلوا مسلما وأصحابه عشية سار مسلم إلى قصر ابن زياد قتالا شديدا، وأن شبثا جعل يقول انتظروا بهم الليل يتفرقوا . ) .

3 ـ وأخرج ابن زياد جيشا لمواجهة الحسين ، يقوده عمر بن سعد بن الوقاص ، وكان شبث بن ربعى قائد على الرجّالة ، تقول الرواية عن قادة الجيش : ( وعلى الرجال شبث بن ربعي الرياحي وأعطى الراية ذويدا مولاه ).

4 ـ ويبرز إسم شبث بن ربعى فى قتال الحسين فى كربلاء . ونأخذ من روايات المعركة مشاهد متتابعة : ( وقاتلهم أصحاب الحسين قتالا شديدا وأخذت خيلهم تحمل وإنما هم اثنان وثلاثون فارسا وأخذت لا تحمل على جانب من خيل أهل الكوفة إلا كشفته .) وامر قائد الجيش عمر بن سعد بن الوقاص ( شبث ) أن يهاجم الحسين برجالته بالنبل ، فرفض شبث وقال :  ( سبحان الله أتعمد إلى شيخ مضر وأهل المصر عامة تبعثه في الرماة ؟ لم تجد من تندب لهذا ويجزئ عنك غيري ؟ ).

5 ـ وكان واضحا أن شبث كان كارها لمشاركته فى قتال الحسين مع مشاركته الفعلية فى القتال  . تقول الرواية :  ( وما زالوا يرون من شبث الكراهة لقتاله . ) ووضح هذا فى مواقف أخرى له فى المعركة . أراد شمر بن ذى الجوشن أن يحرق فسطاط الحسين ومن فيه من نساء الحسين ، تقول الرواية : ( وحمل شمر بن ذي الجوشن حتى طعن فسطاط الحسين برمحه ونادى علي بالنار حتى أحرق هذا البيت على أهله قال فصاح النساء وخرجن من الفسطاط قال وصاح به الحسين يابن ذي الجوشن أنت تدعو بالنار لتحرق بيتي على أهلي حرقك الله بالنار)   وتدخل شبث بن ربعى فقال لابن ذى الجوشن : (ما رأيت مقالا أسوأ من قولك ولا موقفا أقبح من موقفك أمرعبا للنساء صرت ؟ .! ). 

6 ـ وظل ضمير شبث يعذبه على جريمته فى كربلاء . تقول الرواية : ( وقال أبو زهير العبسي فأنا سمعته في إمارة مصعب يقول :" لا يعطي الله أهل هذا المصر خيرا أبدا ولا يسددهم لرشد . ألا تعجبون إنا قاتلنا مع علي بن أبي طالب ومع ابنه من بعده آل أبي سفيان خمس سنين ، ثم عدونا على ابنه ، وهو خير أهل الأرض نقاتله مع آل معاوية وابن سمية الزانية. ضلال يا لك من ضلال . !!)  

 سابعا : شبث بن ربعى مع ابن الزبير ضد المختار :

1 ـ إنضم شبث الى ابن مطيع والى ابن الزبير ضد المختار بن أبى عبيدة الثقفى . والتفصيلات هنا كثيرة ومُملة ، وتنتهى بهزيمة ابن مطيع وهروبه من الكوفة . وانضم شبث الى المختار ليحمى نفسه ، وحين تتبع المختار قتلة الحسين تحارب معه شبث ، واسهم شبث فى هزيمة المختار بفضح مخاريق ومزاعم المختار عن التابوت الذى كان المختار يزعم أنه يستنصر به ، ثم وجد شبث بُغيته مع مصعب بن الزبير، فعمل على جذب خصوم المختار الى معسكر مصعب . 

ثامنا : شبث بن ربعى والخوارج الأزارقة

1 ـ عيّن مصعب واليا على الكوفة هو القباع ( الحارث بن ربيعة )   . وكانت الخوارج الأزارقة يعيثون فسادا فى الشرق ثم زحفوا غربا نحو الكوفة فى عام 68 ، فإستغاث أهل الكوفة بالوالى (القباع ) خوفا من الأزارقة ، فتحرك القباع بطيئا بجيشه ، فقال له ابراهيم بن الأشتر (  سار إلينا عدو ليست له تقية ، يقتل الرجل والمرأة والمولود ، ويخيف السبيل ويخرب البلاد فانهض بنا إليه ) و ايضا تحرك الوالى ببطء ، فتدخل شبث : ( دخل إليه شبث بن ربعي فكلمه بنحو مما كلمه به ابن الأشتر فارتحل ولم يكد فلما رأى الناس بطء سيره رجزوا به  ) ، وجاءت الأنباء أن الخوارج دخلوا قرية سماك بن يزيد ،  ( فأتت الخوارج قريته ، فأخذوه وأخذوا ابنته فقدموا ابنته فقتلوها . ..واسم ابنته أم يزيد ، وأنها كانت تقول لهم : " يا أهل الإسلام إن أبي مصاب فلا تقتلوه وأما أنا فإنما أنا جارية والله ما أتيت فاحشة قط ولا آذيت جارة لي قط ولا تطلعت ولا تشرفت قط . " فقدموها ليقتلوها ، فأخذت :  تنادي : " ما ذنبي .! ما ذنبي .! " ، ثم سقطت مغشيا عليها أو ميتة ،  ثم قطعوها بأسيافهم . )   وقال ابراهيم بن الأشتر للوالى الأقبع : ( اندب معي الناس حتى أعبر إلى هؤلاء الأكلب فأجيئك برؤوسهم الساعة ) وتدخل شبث بن ربعى وآخرون فأقنعوا الوالى أن يترك الخوارج يرحلون ( فقال شبث بن ربعي وأسماء بن خارجة ويزيد بن الحارث ومحمد بن الحارث ومحمد بن عمير أصلح الله الأمير دعهم فليذهبوا لا تبدأهم . ..وكأنهم حسدوا إبراهيم بن الأشتر ‏).

2 ـ  ولقد دخل الخوارج المدائن ، تقول الرواية : (  فلما سمع مصعب بقدومهم ركب في الناس وجعل يلوم عمر بن عبيد الله بتركه هؤلاء يجتازون ببلاده، وقد ركب عمر بن عبيد الله في آثارهم، فبلغ الخوارج أن مصعباً أمامهم، وعمر بن عبيد الله وراءهم، فعدلوا إلى المدائن فجعلوا يقتلون النساء والولدان، ويبقرون بطون الحبالى، ويفعلون أفعالاً لم يفعلها غيرهم‏.‏ ) .

أخيرا

بل فعلها غيرهم .. فإن داعش لم تأت من فراغ .!!

 

 

 

 

 

الفصل الثالث : الخوارج فى الفتنة الكبرى الثانية ( 61 : 73 )

الخوارج فى الفتنة الكبرى الثانية: بداية الخوارج وإنهاؤهم الفتنة الكبرى الأولى بقتلهم (على ) 

مقدمة :

1 ـ كان الخوارج من القوى الفعّالة فى الفتنة الكبرى ، لم يؤثروا فى إلصراع على السلطة بين أطراف قريش وصراع الأجنحة القرشية ( أمويون ـ هاشميون ـ زبيريون ) ، ولكنهم ـ فى الأغلب ـ حاربوا الجميع فى هذه الفتنة الكبرى الثانية ، من مقتل الحسين الى مقتل ابن الزبير ، ثم إستمروا فى حرب الأمويين ، واستمروا فى فسادهم فى العصر العباسى الأول . هذا عن الفتنة الكبرى الثانية .

2 ـ  أما فى الفتنة الكبرى الأولى فالغريب أن ظهور الخوارج ــ  إثر الخلاف بين اصحاب (على ) بسبب التحكيم ــ إنتهى بإغتيالهم عليا ، وإنهاء الفتنة الكبرى الأولى ، وإنفراد معاوية بالحكم . والغريب أيضا أن ( عليا ) قضى على جميع الخوارج الذين ثاروا عليه ـ قتلهم جميعا . ولكنه قضى على الأشخاص ولم يقض على الفكرة نفسها ، لذا إستمرت الفكرة وأنجبت خوارج قاتلوا عليا ثم قتلوه ، وأنجبت ( الفكرة ) آلافا مؤلفة فيما بعد قتلوا آلافا مؤلفة .

3 ـ  وهذا يؤكد  ــ لمن يهمه الأمر ــ أن مواجهة داعش وغيرها من بنات الوهابية ليس بالعسكر ، ولكن بعلاج المرض الذى أنتج داعش ، وأنتج من قبله الخوارج . وقد دفع (على بن أبى طالب ) الثمن بحياته لأنه فشل فى التعامل مع الخوارج ـ ضمن سلاسل فشل أخرى . ولا يزال الفشل نصيب كل من يتصدى لحرب ما يسمى بالارهاب بقوة الجيش واسلحة الأمن ، مع الابقاء على الفساد والظلم الذى تنبت فيه وتترعرع الحركات الارهابية من الخوارج الى حركة الزنج الى القرامطة الى الوهابية وبناتها . وسيظل الشرق الأتعس يعايش حركات الارهاب طالما يرتع فيه الاستبداد مصاحبا الفساد ، وطالما يرفض الاصلاح والعدل. وسنتوقف مع هذا فيما بعد . أمّا هنا فنتوقف مع نشأة الخوارج وحربهم وقتلهم ( عليا) بن أبى طالب .

أولا : الخلاف بين أتباع (على ) بعد التحكيم

1 ـ تقول الرواية : ( ثم رجع الناس عن صفين، فلما رجع علي خالفت ( الخوارج ) الحرورية وخرجت، كان ذلك أول ما ظهرت وأنكرت تحكيم الرجال، ورجعوا على غير الطريق الذي أقبلوا فيه، أخذوا على طريق البر، وعادوا وهم أعداء متباغضون وقد فشا فيهم التحكيم يقطعون الطريق بالتشاتم والتضارب بالسياط، يقول الخوارج ( الخارجون على (على ) : يا أعداء الله أدهنتم في أمر الله، ويقول الآخرون ( الذين بقوا على الولاء لعلى ) : فارقتم إمامنا وفرقتم جماعتنا.)

2 ـ وفارق الخوارج عليا ، تقول الرواية عن (على ) : (  ثم مضى فلم يزل يذكر الله حتى دخل القصر. فلما دخل الكوفة لم يدخل الخوراج معه فأتوا حروراء فنزلوا بها. ) ( ولما رجع علي من صفين فارقة الخوارج وأتوا حروراء، فنزل بها منهم اثنا عشر ألفاً، ونادى مناديهم: إن أمير القتال شبث بن ربعي التميمي، وأمير الصلاة عبد الله بن الكوا اليشكري، والأمر شورى بعد الفتح، والبيعة لله، عز وجل، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر. ) .
3 ـ وبعث علي عبد الله بن عباس إلى الخوارج ليناقشهم ، وانتهى النقاش الى طلبهم من (على ) إعلان كفره لأنه وافق على التحكيم ، كما فعلوا هم حين إعترفوا بكفرهم حين وافقوا على التحكيم ثم تابوا . قالوا  : (  صدقت قد كنا كما ذكرت وكان ذلك كفراً منا وقد تبنا إلى الله فتب كما تبنا نبايعك وإلا فنحن مخالفون.)

4 : ظهور شعار التحكيم : وانتشر فى معسكر صيحة الخوارج ( لا حكم إلا لله ) ، تقول الرواية ( لما أراد علي أن يبعث أبا موسى للحكومة أتاه رجلان من الخوارج: زرعة ابن البرج الطائي وحرقوص بن زهير السعدي فقالا له: لا حكم إلا لله! فقال علي: لا حكم إلا لله. وقال حرقوص بن زهير: تب من خطيئتك وارجع عن قضيتك واخرج بنا إلى عدونا نقاتلهم حتى نلقى ربنا. فقال علي: قد أردتكم على ذلك فعصيتموني وقد كتبنا بيننا وبين القوم كتاباً وشرطنا شروطاً وأعطينا عليها عهوداً، وقد قال الله تعالى{وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم} النحل: 91. ) فقال حرقوص: ذلك ذنب ينبغي أن تتوب عنه. فقال علي: ما هو ذنب ولكنه عجزٌ عن الرأي وقد نهيتكم. فقال زرعة: يا علي لئن لم تدع تحكيم الرجال لأقاتلنك. .. فخرجا من عنده يحكمان.) أى خرجا يهتفان ( لا حكم إلا الله ).

وصار هذا شعارا ودينا للخوارج . واصبح تعبيرا وقتها أن يقال ( حكّم ) و ( المُحكّمة ) ، تقول الرواية : ( وخطب علي ذات يوم، فحكمت المحكمة في جوانب المسجد، فقال علي: الله أكبر، كلمة حق أريد بها باطل! . ) (  ثم خطب علي يوماً آخر فقام رجل فقال: لا حكم إلا لله! ثم توالى عدة رجال يحكمون. فقال علي: الله أكبر، كلمة حق أريد بها باطل! أما إن لكم عندنا ثلاثاً ما صحبتمونا: لا نمنعكم مساجد الله أن تذكروا فيها اسمه، ولا نمنعكم الفيء ما دامت أيديكم مع أيدينا، ولا نقاتلكم حتى تبدأونا، وإنما فيكم أمر الله. ثم رجع إلى مكانه من الخطبة.).

5 ـ واتفق الخوارج على أن يقودهم  ( عبد الله بن وهب ) وتسللوا يريدون المدائن ، ولحق بهم خوارج من الكوفة والبصرة ، وحدثت إشتباكات بينهم وبين من بقى على الولاء ل (على ). وكتب اليهم (على ) يريدهم الرجوع فكتبوا له : (  أما بعد فإنك لم تغضب لربك وإنما غضبت لنفسك، فإن شهدت على نفسك بالكفر واستقبلت التوبة نظرنا فيما بيننا وبينك وإلا فقد نبذناك على سواء، إن الله لا يحب الخائنين.). ويأس منهم (على ) واخذ فى تجميع قواته ، وبعض أتباعه كانوا فى قلق ــ إذا سار بهم (على ) لقتال معاوية وتركو أهاليهم ــ من إحتمال هجوم الخوارج على أهاليهم . وتحققت مخاوفهم بما حدث لعبد الله بن خباب .

6 ـ تقول الرواية : ( لما أقبلت الخارجة من البصرة حتى دنت من النهروان رأى عصابةٌ منهم رجلاً يسوق بامرأة على حمار، فدعوه فانتهروه فأفزعوه وقالوا له: من أنت؟ قال: أنا عبد الله بن خباب صاحب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقالوا له: أفزعناك؟ قال: نعم. قالوا: لا روع عليك.. ) وناقشوه فى التحكيم وفى (على )  ولمّا لم يعجبهم رأيه قتلوه وقتلوا زوجته  : (  فقالوا: إنك تتبع الهوى وتوالي الرجال على أسمائها لا على أفعالها، والله لنقتلنك قتلةً ما قتلناها أحداً.فأخذوه وكتفوه ثم أقبلوا به وبامرأته، وهي حبلى متم ... فأضجعوه فذبحوه، فسال دمه في الماء، وأقبلوا إلى المرأة فقالت: أنا امرأة ألا تتقون الله! فبقروا بطنها، وقتلوا ثلاث نسوة من طيء، وقتلوا أم سنان الصيداوية.)

7 ـ فزع اصحاب (على ) وقالوا له : ( علام ندع هؤلاء وراءنا يخلفوننا في عيالنا وأموالنا؟ سر بنا إلى القوم فإذا فرغنا منهم سرنا إلى عدونا من أهل الشام.). وأرسل (على ) الى الخوارج يطلب تسليم القتلة ، فقالوا : ( كلنا قتلهم وكلنا مستحل لدمائكم ودمائهم. ) . وبعد مناوشات كلامية تحتمت الحرب بينهما .

8 ـ معركة النهروان عام 37 : تجهز الفريقان ، ونصب (على ) راية الأمان أمامهم وناداهم أبو أيوب الأنصارى : ( من جاء تحت هذه الراية فهو آمن، ومن لم يقتل ولم يستعرض، ومن انصرف منكم إلى الكوفة أو إلى المدائن وخرج من هذه الجماعة فهو آمن، لا حاجة لنا بعد أن نصيب قتلة إخواننا منكم في سفك دمائكم.) ، وانصرف جماعة من الخوارج ، منهم فروة بن نوفل الأشجعي  في خمسمائة فارس، وخرجت طائفة أخرى متفرقين فنزلوا الكوفة،) وانضم ل (على ) منهم نحو مائة. ( وكانوا أربعة آلاف، فبقي مع عبد الله بن وهب ألف وثمانمائة، فزحفوا إلى (علي )، وكان علي قد قال لأصحابه: كفوا عنهم حتى يبدأوكم. فتنادوا: الرواح إلى الجنة! وحملوا على الناس. ) وانتهت المعركة بقتل جميع الخوارج . ( فلم يقتل من أصحاب علي إلا سبعة.). قتلهم فى هذه المعركة ولكن ظلت الفكرة قائمة :   

9 ـ خروج ( الخرّيت بن راشد الناجى  وبنى ناجية ) على (على ) عام 38 : كانوا مع (على ) فى الجمل وصفين ، ثم خرجوا عليه بعد معركة النهروان . وبعث (على ) لهم (زياد بن خصفة البكري ) فقاتلهم ،   وارسل له (على ) مددا يقود (معقل بن قيس ) ، بينما إنضم الى ( الخريت الناجي ) كثيرون من الفرس والعرب الناقمين على دفع الخراج من أهل الأهواز فارسل (على ) مددا لمعقل بن قيس من البصرة . وجرت معركة إنهزم فيها الخريت ، وهرب الى أسياف وظل يحرض على (على ) فإتبعه آخرون من قبائل عبد القيس وسائر العرب . وفى النهاية لحق معقل بن قيس بالخريت فهزمه وقتله.  

 10 ـ وتتابعت ثورات الخوارج : تقول الرواية : ( لما قتل أهل النهروان خرج أشرس بن عوف الشيباني على ( علي ) بالدسكرة في مائتين ثم سار إلى الأنبار، فوجه إليه ( علي ) الأبرش بن حسان في ثلاثمائة فواقعه، فقتل أشرس في ربيع الآخر سنة ثمان وثلاثين.ثم خرج هلال بن علفة من تيم الرباب ومعه أخوه مجالد فأتى ماسبذان، فوجه إليه ( علي ) معقل بن قيس الرياحي فقتله وقتل أصحابه، وهم أكثر من مائتين، وكان قتلهم في جمادى الأولى سنة ثمان وثلاثين.ثم خرج الأشهب بن بشر، وقيل الأشعث، وهو من بجيلة، في مائة وثمانين رجلاًن فأتى المعركة التي أصيب فيها هلال وأصحابه فصلى عليهم ودفن من قدر عليه منهم، فوجه إليهم  ( علي  ) جارية بن قدامة السعدي، وقيل حجر ابن عدي، فأقبل إليهم الأشهب، فاقتتلا بجرجرايا من أرض جوخى، فقتل الأشهب وأصحابه في جمادى الآخرة سنة ثمان وثلاثين.ثم خرج سعيد بن قفل التيمي من تيم الله بن ثعلبة في رجب بالبندنيجين ومعه مائتا رجل فأتى درزنجان، وهي من المدائن على فرسخين، فخرج إليهم سعد بن مسعود فقتلهم في رجب سنة ثمان وثلاثين ) .( ثم خرج أبو مريم السعدي التميمي فأتى شهرزور، وأكثر من معه من الموالي، وقيل لم يكن معه من العرب غير ستة نفر هو أحدهم، واجتمع معه مائتا رجل، وقيل أربعمائة، وعاد حتى نزل على خمسة فراسخ من الكوفة، فأرسل إليه ( علي  ) يدعوه إلى بيعته ودخول الكوفة، فلم يفعل وقال: ليس بيننا غير الحرب. فبعث إليه علي شريح بن هانىء في سبعمائة، فحمل الخوارج على شريح وأصحابه فانكشفوا وبقي شريح في مائتين، فانحاز إلى قرية، فتراجع إليه بعض أصحابه ودخل الباقون الكوفة، فخرج  (علي ) بنفسه وقدم بين يديه جارية بن قدامة السعدي، فدعاهم جارية إلى طاعة ( علي ) وحذرهم القتل فلم يجيبوا، ولحقهم ( علي ) أيضاً فدعاهم فأبوا عليه وعلى أصحابه، فقتلهم أصحاب ( علي ) ولم يسلم منهم غير خمسين رجلاً استأمنوا فآمنهم. وكان في الخوارج أربعون رجلاً جرحى، فأمر علي بإدخالهم الكوفة ومداواتهم حتى برأوا. وكان قتلهم في شهر رمضان سنة ثمان وثلاثين، وكانوا من أشجع من قائل من الخوارج، ولجرأتهم قاربوا الكوفة.).

 أخيرا :  مقتل ( علي بن أبي طالب ) ( 17 رمضان عام 40 )

1 ـ تقول الرواية : ( وكان سبب قتله أن عبد الرحمن بن ملجم المرادي والبرك بن عبد الله التميمي الصريمي، ..، وعمرو بن بكر التميمي السعدي، وهم من الخوارج، اجتمعوا ، فتذاكروا أمر الناس وعابوا عمل ولاتهم ثم ذكروا أهل النهر فترحموا عليهم، وقالوا: " ما نصنع بالبقاء بعدهم؟ فلو شرينا أنفسنا وقتلنا أئمة الضلالة وأرحنا منهم البلاد " ! . فقال ابن ملجم: " أنا أكفيكم علياً " ،  وكان من أهل مصر. وقال البرك بن عبد الله: " أنا أكفيكم معاوية ". وقال عمرو بن بكر: " أنا أكفيكم عمرو بن العاص" . .فتعاهدوا أن لا ينكص أحدهم عن صاحبه الذي توجه إليه حتى يقتله أو يموت دونه، وأخذوا سيوفهم فسمُّوها ( أى جعلوها مُسمّمة ) واتعدوا لسبع عشرة من رمضان، وقصد كل رجل منهم الجهة التي يريد؛ فأتى ابن ملجم الكوفة، فلقي أصحابه بالكوفة وكتمهم أمره، ورأى يوماً أصحاباً له من تيم الرباب، وكان ( علي ) قد قتل منهم يوم النهر عدة، فتذاكروا قتلى النهر، ولقي معهم امرأة من تيم الرباب اسمها ( قطام ) . وقد قتل أبوها وأخوها يوم النهر، وكانت فائقة الجمال. فلما رآها أخذت قلبه فخطبها. فقالت: " لا أتزوجك حتى تشتفي لي ". فقال: " وما تريدين؟ " قالت:  " ثلاثة آلاف وعبداً وقينةً وقتل ( علي )".!. فقال:" أما قتل (علي ) فما أراك ذكرته وأنت تريدينني. " ، قالت:  " بلى، التمس غرته فإن أصبته شفيت نفسك ونفسي ونفعك العيش معي، وإن قتلت فما عند الله خير من الدنيا وما فيها ". قال: " والله ما جاء بي إلا قتل ( علي )، فلك ما سألت." . قالت: " سأطلب لك من يشد ظهرك ويساعدك." . وبعثت إلى رجل من قومها اسمه ( وردان ) وكلمته، فأجابها، وأتى ابن ملجم رجلاً من أشجع اسمه شبيب بن بجرة فقال له: " هل لك في شرف الدنيا والآخرة؟ "  قال: " وماذا؟ " قال: " قتل علي."  قال شبيب: " ثكلتك أمك! لقد جئت شيئاً إداً! كيف تقدر على قتله؟ " قال: " أكمن له في المسجد فإذا خرج إلى صلاة الغداة شددنا عليه فقتلناه، فإن نجونا فقد شفينا أنفسنا، وإن قتلنا فما عند الله خير من الدنيا وما فيها. " قال:  " ويحك! لو كان غير ( علي )  كان أهون، قد عرفت سابقته وفضله وبلاءه في الإسلام، وما أجدني أنشرح لقتله."  قال: " أما تعلمه قتل أهل النهر العباد الصالحين؟ " قال: " بلى " . قال:" فنقتله بمن قتل من أصحابنا ". فأجابه.)

2 ـ وتمضى الرواية : ( فلما كان ليلة الجمعة، وهي الليلة التي واعد ابن ملجم أصحابه على قتل علي ومعاوية وعمرو، أخذ سيفه ومعه شبيب ووردان ، وجلسوا مقابل السدة التي يخرج منها ( علي ) للصلاة، فلما خرج ( علي ) نادى: " أيها الناس الصلاة الصلاة ". فضربه شبيب بالسيف فوقع سيفه بعضادة الباب، وضربه ابن ملجم على قرنه بالسيف، وقال: " الحكم لله لا لك يا علي ولا لأصحابك! " ، وهرب وردان فدخل منزله، فأتاه رجل من أهله، فأخبره وردان بما كان، فانصرف عنه وجاء بسيفه فضرب به وردان حتى قتله، وهرب شبيب في الغلس، وصاح الناس، فلحقه رجل من حضرموت يقال له عويمر، وفي يد شبيب السيف، فأخذه وجلس عليه، فلما رأى الحضرمي الناس قد أقبلوا في طلبه وسيف شبيب في يده خشي على نفسه فتركه ونجا، وهرب شبيب في غمار الناس.)
3 ـ ( ولما ضرب ابن ملجم ( علياً ) قال: "لا يفوتنكم الرجل ". فشد الناس عليه فأخذوه، وتأخر (علي ) وقدّم جعدة بن هبيرة، وهو ابن أخته أم هانىء، يصلي بالناس الغداة، وقال ( علي ): " أحضروا الرجل عندي. " فأدخل عليه. فقال: " أي عدو الله! ألم أحسن إليك؟  "قال: " بلى ". قال: "فما حملك على هذا؟ " قال: " شحذته أربعين صباحاً وسألت الله أن يقتل به شر خلقه." ، فقال علي: " لا أراك مقتولاً به ولا أراك إلا من شر خلق الله."  ثم قال: " النفس بالنفس، إن هلكت فاقتلوه كما قتلني، وإن بقيت رأيت فيه رأيي، يا بني عبد المطلب لا ألفينكم تخوضون دماء المسلمين تقولون قد قتل أمير المؤمنين، ألا لا يقتلن إلا قاتلي، انظر يا حسن إن أنا مت من ضربتي هذه فاضربه ضربةً بضربة ولا تمثلن بالرجل.." .. هذا كله وابن ملجم مكتوف. فقالت له أم كلثوم ابنة علي:  " أي عدو الله! لا بأس على أبي، والله مخزيك! "  قال:"  فعلى من تبكين؟ والله إن سيفي اشتريته بألف، وسممته بألف، ولو كانت هذه الضربة بأهل مصر ما بقي منهم أحد" .!.
4 ـ ( فلما قُبض بعث ( الحسن  ) إلى ابن ملجم فأحضره، فقال للحسن: هل لك في خصلة؟ إني والله قد أعطيت الله عهداً أن لا أعاهد عهداً إلا وفيت به، وإني عاهدت الله عند الحطيم أن اقتل علياً ومعاوية أو أموت دونهما، فإن شئت خليت بيني وبينه فلك الله علي إن لم أقتله أو قتلته ثم بقيت أن آتيك حتى أضع يدي في يدك ". فقال له الحسن: " لا والله حتى تعاين النار.". ثم قدمه فقتله، وأخذه الناس فأدرجوه في بواري ،وأحرقوه بالنار.)


 

 

 

ثورات الخوارج فى خلافة معاوية

تعددت ثورات الخوارج فى خلافة معاوية قبل الفتنة الكبرى الثانية ، ومنها:

أولا : ثورات متفرقة فى عامى 41 : 42

1 ـ :  ( فروة بن نوفل الأشجعي ) : إعتزل (فروة بن نوفل الأشجعي ) في خمسمائة من الخوارج قتال (على )  فلما تولى معاوية قرروا حرب معاوية ، فتحركوا نحو الكوفة بقيادة (  فروة بن نوفل ) وإقتربوا من النخيلة عند الكوفة، فأرسل معاوية الى (الحسن ابن علي ) يدعوه إلى قتال الخوارج ، فكتب الحسن إلى معاوية: ( لو آثرت أن أقاتل أحداً من أهل القبلة لبدأت بقتالك، فإني تركتك لصلاح الأمة وحقن دمائها.) . فأرسل اليهم معاوية جيشا فهزمه الخوارج . فأمر معاوية أهل الكوفة بقتال الخوارج ، وهددهم إن لم يفعلوا ، فخرج الكوفيون لقتال الخوارج ،  فقالت لهم الخوارج:( أليس معاوية عدونا وعدوكم؟ دعونا حتى نقاتله، فإن أصبنا كنا قد كفيناكم عدوكم، وإن أصابنا كنتم قد كفيتمونا.) فقالوا: ( لابد لنا من قتالكم. ). فأخذت قبيلة (أشجع ) ابنهم ( فروة بن نوفل الأشجعى ) فحادثوه ووعظوه فلم يرجع، فأخذوه قهراً وحبسوه فى ( الكوفة) ، فجعل الخوارج قائدا عليهم هو ( عبد الله بن أبي الحوساءالطائى ) ، وقاتلهم أهل الكوفة وهزموهم ، وقتلوا ابن أبي الحوساء.  

2 ـ : ( حوثرة بن وداع ) : قادهم حوثرة بن وداع الأسدى ، وتحرك بهم الى (النخيلة ) قرب الكوفة ، ومعه مائة وخمسون ولحق به آخرون . فأرسل معاوية والد حوثرة ليعظه ، ولم يتعظ حوثرة بوعظ أبيه، فقال له أبوه : ( ألا أجيئك بابنك فلعلك إذا رأيته كرهت فراقه؟)  فقال حوثرة لأبيه : ( أنا إلى طعنة من يد كافر برمح أتقلب فيه ساعة أشوق مني إلى ابني.!). فرجع أبوه فأخبر معاوية بقول حوثرة ، فأرسل معاوية إليهم عبد الله بن عوف الأحمر في ألفين، وخرج أبو حوثرة فيمن خرج، فدعا ابنه إلى البراز، فقال: ( يا أبه لك في غيري سعة.! ). وإنهزم الخوارج، وقُتل حوثرة بيد عبد الله بن عوف قائد جيش معاوية. ورأى ابن عوف بوجه حوثرة أثر السجود، وكان صاحب عبادة، فندم على قتله.   

3 ــ ثورة فروة بن نوفل الثانية ومقتله : عاد ( فروة بن نوفل الأشجعي ) للثورة فى ولاية (المغيرة بن شعبة ) على الكوفة ، فأرسل إليه المغيرة خيلاً عليها شبث بن ربعي، ويقال: معقل بن قيس، فلقيه بشهرزور فقتله.

4 ـ ثورة شبيب بن بجرة:خرج شبيب على (المغيرة ) فى الكوفة ، فبعث إليه المغيرة خيلاً عليها خالد بن عرفطة، وقيل: معقل ابن قيس، فاقتتلوا فقتل شبيب وأصحابه.

5 ـ قتل معين الخارجي:كان للمغيرة بن أبى شعبه جواسيسه فى الكوفة ، فأبلغوه أن (معين بن عبد الله ) يريد الخروج، فحبسه المغيرة ، وبعث  إلى معاوية يخبره أمره، فكتب إليه معاوية: ( إن شهد أني خليفة فخل سبيله ). فأحضره المغيرة وقال له: ( أتشهد أن معاوية خليفة وأنه أمير المؤمنين؟) فقال معين : ( أشهد أن الله، عز وجل، حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور. )، فأمر به فقتل، قتله قبيصة الهلالي. ثم فيما بعد قام رجل من الخوارج بإغتيال قبيصة .

6 ـ ثورة أبى مريم :خرج أبو مريم مولى بني الحارث بن كعب، ومعه امرأتان: قطام وكحيلة، وكان أول من أخرج معه النساء، فوجه إليه المغيرة جابراً البجلي، فقاتله فقتل أبو مريم وأصحابه .

7 ـ   ثورة سهم بن غالب عام 42:  خرج سهم بن غالب الهجيمي  في سبعين رجلاً منهم الخطيم ، فنزلوا بين الجسرين والبصرة، وقتلوا فى طريقهم رجلا وابن أخيه، فخرج إليهم والى البصرة ابن عامر بنفسه وقاتلهم وهزمهم ، وهرب بقيتهم إلى غابة وفيهم سهم والخطيم، فعرض عليهم ابن عامر الأمان فقبلوه، فآمنهم، فرجعوا، فكتب إليه معاوية يأمر بقتلهم، فكتب إليه ابن عامر: إني قد جعلت لهم ذمتك .فلما أتى زياد البصرة سنة 45 هرب سهم والخطيم خوفا منه فخرجا إلى الأهواز، فاجتمع إلى سهم جماعة ، فأقبل بهم إلى البصرة، فتفرق عنه أصحابه، فاختفى سهم،وطلب الأمان فلم يؤمنه زياد، وبحث عنه، فدُلّ عليه، فأخذه وقتله وصلبه في داره عام 45 .

ثانيا : ثورة الخوارج بزعامة المستورد بن علفة فى عامى 42 : 43
1 ـ كان (على ) قد عفا عن بعض الخوارج ، فارتحلوا شرقا الى منطقة ( الرى ) ، وكانوا بضعة عشر ، وتزعمهم  ( حيان بن ظبيان السلمي ) ، ولما علموا بمقتل (على ) دعاهم ( حيان ) إلى الخروج ومقاتلة أهل القبلة، فأقبلوا إلى الكوفة فأقاموا بها حتى قدمها معاوية، واستعمل على الكوفة المغيرة بن شعبة، وكان المغيرة يتسامح مع من يرى رأى الخوارج طالما لا يتأهب للثورة ، وكانت عيونه تأتيه بأخبارهم ( فيقال له: إن فلاناً يرى رأي الشيعة وفلاناً يرى رأي الخوارج، فيقول: قضى الله أن لا يزالوا مختلفين وسيحكم الله بين عباده. فأمنه الناس.) وأسفرت إجتماعات الخوارج  عام 42عن تكوينهم جماعة من 400 شخص ، بقيادة ( المستورد بن علفة التيمي ) وقد جعلوه ( أمير المؤمنين ). وتواعدوا على الخروج فى شعبان 43 .

2 ـ ووصلت أخبارهم الى المغيرة  فأرسل صاحب شرطته، فإعتقلهم ولم يكن معهم المستورد وقتها ، وحقق معهم المغيرة فلم يعترفوا بشيء، وذكروا أنهم اجتمعوا لقراءة القرآن، وظلوا في السجن نحو سنة. وسمع إخوانهم فحذروا، وخرج صاحبهم المستورد فنزل الحيرة، واجتمعت به الخوارج إليه،  وبلغ المغيرة خبرهم وأنهم عازمون على الخروج تلك الأيام، فجمع رءوس القبائل وحذرهم ، وأيده معقل بن قيس الرياحي ، وكان من شيعة (على ) وكارها للخوارج ، فقال : ( أنا أكفيك قومي فليكفك كل رئيس قومه. ) فقال المغيرة : ( ليكفني كل رجل منكم قومه وإلا فوالله لا تحولن عما تعرفون إلى ما تنكرون، وعما تحبون إلى ما تكرهون.) ، فرجعوا إلى قومهم فناشدوهم الله والإسلام إلا دلوهم على كل من يريد أن يهيج الفتنة. )  وجاء أصحاب المستورد إليه فأعلموه بما قام به المغيرة في الناس وبما قام به رؤوسهم فيهم ، فتحرك بثلثمائة من أصحابه وساروا إلى الصراة، فسمع المغيرة بن شعبة خبرهم فدعا رؤساء الناس فاستشارهم فيمن يرسله إليهم،وانتهى الأمر بإرسال ( معقل بن قيس) ومعه ثلاثة آلاف فارس معظمهم من شيعة (على ) .وتحرك المستورد بالخوارج  إلى بهر سير ، وأرادوا العبور إلى المدينة العتيقة التي فيها منازل كسرى، فمنعهم سماك بن عبيد الأزدي العبسي، وكان عاملاً عليها . وأقام المستورد بالمدائن ثلاثة أيام، ثم بلغه مسير معقل إليهم ، فتحرك المستورد الى المذار. وبلغ ابن عامر والى البصرة خبرهم فأرسل اليهم (شريك بن الأعور الحارثي )، وكان من شيعة علي، ومعه ثلاثة آلاف فارس من الشيعة، وكان أكثرهم من ربيعة، وسار بهم إلى المذار.وأما معقل بن قيس فسار إلى المدائن حتى بلغها، فبلغه رحيلهم. فأرسل معقل فرقة إستطلاع من 300 فارس  يقودهم أبو الرواغ الشاكري ، فتبعهم أبو الرواغ حتى لحقهم بالمذار، وتقاتل معهم ، ثم لحق معقل بأبى الرواغ وقاتل معه المستورد وجماعته ، وجاءت الأخبار بوصول مدد من البصرة لمعقل يقوده (شريك بن الأعور) ومعه ثلاثة آلاف. فانسحب المستورد بأصحابه ، فارسل معقل خلفهم أبا الرواغ يطاردهم ومعه 600 فارس ، وأدركهم أبو الرواغ ونازلهم ، وخاف المستورد أن يأتى معقل بجيشه فمضى هو وأصحابه فعبروا دجلة ووقفوا في أرض بهرسير وتبعهم أبو الرواغ حتى نزل بهم بساباط، فانسحب المستود ليلقى معقل ، فوجد أصحاب معقل على وشك الرحيل ففاجأهم وتقاتل معهم وكادوا يهزمونهم لولا لحق ابو الرواغ ونشب قتال مرير ، وتبارز معقل والمستورد وقتل كل منهما صاحبه . وتولى القيادة بعد معقل نائبه عمرو بن محرز فأكمل هزيمة الخوارج ولم ينج منهم غير خمسة أو ستة.
ثالثا : الخوارج وزياد ابن أبيه 

1 ـ إشتد زياد فى مطاردة الخوارج فى ولايته على الكوفة ثم بعد ضم البصرة اليه، فقتل منهم كثيرين ، وأمر نائبه سمرة بذلك فقتل منهم بشراً كثيراً. وخطب زياد على المنبر فقال: ( يا أهل البصرة والله لتكفنني هؤلاء أو لأبدأن بكم! والله لئن أفلت منهم رجل لا تأخذون العام من عطائكم درهماً!) فثار الناس بهم فقتلوهم.

2 ـ وفى عام 52  خرج زياد بن خراش العجلي في ثلاثمائة فارس فأتى أرض مسكن من السواد، فسير إليه زياد خيلاً عليها سعد بن حذيفة أو غيره، فقتلوهم وقد صاروا إلى ماه

3 ـ وخرج  معاذ الطائي:فى نفس السنة في ثلاثين رجلاً هذه السنة، فبعث إليه زياد من قتله وأصحابه.

رابعا : الخوارج وعبيد الله بن زياد

1 ـ تولى بعد أبيه زياد، وقد إتبع سياسة أبيه فى أخذ الخوارج بالشدة وتتبع من له ميول للثورة ، ومن يؤمن بدين الخوارج .

2 ـ  وفى عام 58 : ( كان قوم من الخوارج بالبصرة يجتمعون إلى رجل اسمه جدار، فيتحدثون عنده ويعيبون السلطان، فأخذهم ابن زياد فحبسهم ثم دعا بهم وعرض عليهم أن يقتل بعضهم بعضاً ويخلي سبيل القاتلين، ففعلوا، فأطلقهم. ) وندم القتلة بعد إطلاق سراحهم ، وكان منهم ( طواف ) وأصحابه ، وتعرضوا الى اللوم ، فعرضوا على أهل القتلى دفع الدية فرفضوا أخذها ، فعرضوا أن يقتلوهم قصاصا فأبوا .فلم يجدوا سبيلا للتوبة إلا بالثورة وقتل ابن زياد . وبويع طواف عام 58 ، وتبعه 70 رجلاً من بني عبد القيس بالبصرة، وعلم بهم ابن زياد، فأرسل ابن زياد الشرطة ، فتحرك طواف قبل مجىء الشرطة وهرب ، ولحقتهم الشرطة ، ولكن انهزمت الشرطة ، ودخل طواف البصرة ، وطاردتهم من بقى من الشرطة ،    وذلك يوم عيد الفطر، وإنضم أهل البصرة للشرطة فقتلوا الخوارج ، وبقي مع طواف ستة فقط، وعطش فرسه فأقحمه الماء، فرمته الشرطة بالنشاب وقتلوه ثم صلبوه.    

3 ـ وتابع عبيد الله بن زياد سياسته المتشددة مع الخوارج ، فقتل منهم جماعةً كثيرة، بمجرد الاشتباه . ومنهم: عروة بن أدية. أحد الوُعّاظ  . وكان سبب قتله أن ابن زياد كان قد خرج في رهان له، فلما جلس ينتظر الخيل اجتمع إليه الناس وفيهم عروة، فأقبل عروة على ابن زياد يعظه، وكان مما قال له( أتبنون بكل ريعٍ آيةً تعبثون وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون وإذا بطشتم بطشتم جبارينالشعراء: 128- 130.)، فغضب ابن زياد ، فقام وركب وترك رهانه. فقيل لعروة: ليقتلنك! ، فاختفى عروة، فطلبه ابن زياد ، فهرب وأتى الكوفة، فأُخذ ، وجىء به لابن زياد، فقطع يديه ورجليه وقتله، وقتل ابنته.
4 ـ ( وأما أخوه أبو بلال مرداس فكان عابداً مجتهداً عظيم القدر في الخوارج، وشهد صفين مع علي فأنكر التحكيم، وشهد النهروان مع الخوارج، وكانت الخوارج كلها تتولاه،  وكان يقول: ( لا نقاتل إلا من قاتلنا ولا نجبي إلا من حمينا.)
5 ـ ( وكانت البثجاء، امرأة من بني يربوع، تحرض على ابن زياد وتذكر تجبره وسوء سيرته، وكانت من المجتهدات، فذكرها ابن زياد، فقال لها أبو بلال مرداس : ( إن التقية لا بأس بها فتغيبي فإن هذا الجبار قد ذكرك.) قالت: ( أخشى أن يلقى أحدٌ بسبي مكروهاً. ) فأخذها ابن زياد فقطع يديها ورجليها، فمر بها أبو بلال في السوق فعض على لحيته وقال: أهذه أطيب نفساً بالموت منك يا مرداس؟ ما ميتةٌ أموتها أحب إلي من ميتة البثجاء! .

6 ــ   وبسبب تطرف ابن زياد فى الايقاع بمن يعتنق فكر الخوارج أحسّ مرداس بالخطر (  فخرج في أربعين رجلاً إلى الأهواز، فكان إذا اجتاز به مالٌ لبيت المال أخذ منه عطاءه وعطاء أصحابه ثم يرد الباقي، فلما سمع ابن زياد بهم بعث إليهم جيشاً عليهم أسلم بن زرعة الكلابي سنة ستين .. وكان الجيش ألفي رجل، فلما وصلوا إلى أبي بلال ، ناشدهم الله أن يقاتلوه فلم يفعلوا، ودعاهم أسلم إلى معاودة الجماعة، فقالوا: أتردوننا إلى ابن زياد الفاسق؟.  فرمى أصحاب أسلم رجلاً من أصحاب أبي بلال فقتلوه، فقال أبو بلال: قد بدؤوكم بالقتال. فشدّ الخوارج على أسلم وأصحابه شدة رجل واحد ، فهزموهم . فقدموا البصرة، فلام ابن زياد أسلم وقال: هزمك أربعون وأنت في ألفين، لا خير فيك! فقال: ( لأن تلومني وأنا حي خير من أن تثني علي وأنا ميتٌ ). فكان الصبيان إذا رأوا أسلم صاحوا به: أما أبو بلال وراءك! فشكا ذلك إلى ابن زياد، فنهاهم فانتهوا.وقال رجل من الخوارج:
أألفا مؤمنٍ منكم زعمتم ** ويقتلهم بآسك أربعونا

كذبتم ليس ذاك كما زعمتم ** ولكن الخوارج مؤمنونا ).


 

 

 

 

 

 

 

 

 

وقائع الخوارج فى الفتنة الكبرى الثانية ( 61 : 73 هجرية )

أولا :  الخوارج وعبيد الله بن زياد :

1 ـ فى ( آسك )هزم أبو بلال مرداس وأربعون معه من الخوارج جيش ابن زياد الذى بلغ تعداده ألفين . وإنتقم زياد بأن أرسل جيشا آخر بلغ تعداده ثلاثة آلاف يقوده عباد بن الأخضر. ولحق هذا الجيش الخوارج فى منطقة ( توج ) ، وثبت الخوارج لجيش ابن زياد . وحلّ وقت صلاة الجمعة ، فطلب أبو بلال هدنة للصلاة ، فاستجاب له ابن الأخضر . وتوقف القتال . تقول الرواية (فعجل ابن الأخضر الصلاة، وقيل قطعها، والخوارج يصلون، فشدعليهم هو وأصحابه  وهم ما بين قائم وراكع وساجد لم يتغير منهم أحد من حاله، فقتلوامن آخرهم وأخذ رأس أبي بلال.). رأى الخوارج الجيش الأموى يهجم عليهم غدرا وهم فى الصلاة ، فلم يقطعوا صلاتهم، وأتاحوا للجبناء قتلهم بلا مقاومة.!

2 ـ وانتقم الخوارج بإغتيال قائد هذا الجيش ( عباد بن الأخضر ) .تقول الرواية (  ورجع عباد إلى البصرة فرصده بها عبيدة بن هلال ومعهثلاثة نفر، فأقبل عباد يريد قصر الإمارة وهو مردف ابناً صغيراً له، فقالوا له: قفحتى نستفتيك. فوقف، فقالوا: نحن إخوة أربعة قتل أخونا فما ترى؟ قال: استعدواالأمير. قالوا: قد استعديناه فلم يعدنا. قال: فاقتلوه قتله الله! فوثبوا عليهوحكّموا به ) ( حكّموا به ) أى صاحوا ( لا حكم إلا لله ) وهى صيحتهم عندما يبدأون فى القتل . تقول الرواية إن عباد بن الأخضر ألقى إبنه وثبت هو لهم فقتلوه ، ونجا إبنه . ثم إجتمع أهل البصرة على الخوارج الأربعة فقتلوا منهم ثلاثة ، وأفلت عبيدة بن هلال .

3 ـ وصمم ابن زياد على الانتقام . وكان نائبه على البصرة  ( عبيد الله بن أبيبكرة )، فكتب إليه يأمره أن يتتبع الخوارج، ففعل ذلك) وحبس ابن أبى بكرة كثيرا من الخوارج ، وكان من يشفع فى بعض الخوارج يطلق ابن أبى بكره سراحه على أن يكون الشافع فيه كفيلا أى مسئولا عن هذا الخارجى. وحضر ابن زياد الى البصرة ، وقتل كل المحبوسين من الخوارج . وطلب من كل كفيل أن يحضر اليه بمن يكفله من الخوارج ، فإذا عجز الكفيل قتله ابن زياد ، فإذا أحضر الخارجى أطلق ابن زياد الكفيل وقتل الخارجى .  

ثانيا : الخوارج وعبد الله بن الزبير

1 ـ  فى عام  64 ، وبعد أن هزم الجيش الأموى أهل المدينة فى موقعة الحرة ، تحرك الجيش نحو مكة ليقاتل ابن الزبير ، وإنضم الخوارج بزعامة نجدة بن عامر الى ابن الزبير دفاعا عن البيت الحرام . وانسحب الجيش الأموى من حصار مكة والحرم بعد أن بلغهم موت يزيد بن معاوية .

 2 ـ بعدها كان منتظرا أن يفارق الخوارج ابن الزبير. إنفجرت الخلافات القديمة بينهم ، سألوا ابن الزبير عن رأيه فى (عثمان ) ، وخاف منهم ابن الزبير ــ وكان جبانا ـ فأمهلهم الى العشية ، وعندما جاءوا وجدوا حوله أتباعه مسلحين . وأعلن ابن الزبير براءته من الخوارج ، فتركوه .

ثالثا : تفرق الخوارج

1 ـ بعد تركهم ابن الزبير تفرق الخوارج . منهم من ذهب الى البصرة وكلهم من بنى تميم وتزعمهم نافع بن الأزرق  ومعه ابن الصفار وابن اباض ، وإتجه آخرون الى اليمامة تزعمهم أبو طالوت وأبو فديك.

2 ــ فى البصرة إنتهز نافع بن الأزرق فرصة ثورة الناس على (ابن زياد ) والصراع بين بين قبيلتى الأزد وربيعة ـ فجمع معه ثلثمائة فاقتحم بهم سجن ابن زياد وأطلق من فيه .

وإتفق اهل البصرة على تولية عبد الله بن الحارث ، وواجهوا الخوارج ، فهرب نافع ببعض أصحابه الى الأهواز فى شوال 64 ، وتخلف عنه إبن الصفار وابن إباض .

وتبرأ نافع بن الأزرق من صاحبيه إبن الصفار وابن إباض ، وحرّم مناكحتهم وأكل ذبائحهم وقبول شهادتهم ,اخذ الدين عنهم . وأعلن نافع بن الأزرق أن جهاده يشمل ( قتل الأطفال والاستعراض،) أى القتل العشوائى لمن خالفه ، (  وأن جميع المسلمين كفار مثل كفار العرب لايقبل منهم إلا الإسلام أو القتل.) . وهذا هو دين الأزارقة . وبهذا بدأ تقسيم هؤلاء الى الخوارج  الى : الأزارقة ( نافع بن الأزرق ) والاباضية ( ابن إباض ) القائل باستحلال الدماء دون الأموال ، والصفرية ( ابن الصفار ) الذى إعتبر ابن الأزرق متطرفا. وتبرأ الزعماء الثلاث من بعضهم .  وقد خالف (نجدة بن عامر الحنفى ) نافع بن الأزرق ، وإنفصل عنه وسار إلى اليمامة، فأطاعه الخوارج الذين بها وتركوا أبا طالوت.

3 ـ تقول الرواية : ( واشتدت شوكة ابنالأزرق ،وكثرت جموعه ، وأقام بالأهواز يجبي الخراج ويتقوى به. )، ثم أقبل نحو البصرة حتىدنا من الجسر، فبعث إليه واليها (عبد الله بن الحارث ) جيشا عام 65 ، وإقتتلوا ، فقُتل نافع بن الأزرق ، وتولى بعده ابن الماحوز التميمى ، واستمر القتال ، حتى ملّ الجيشان القتال ، وركن الفريقان الى الراحة ، ولكن أقبلت للخوارج كتيبة مددا لهم فتقوى بهم الخوارج وهزموا جيش أهل البصرة ، وتقدم الخوارج بعدها نحو البصرة .

رابعا : تولية المهلب بن أبى صفرة حرب الخوارج وإنقاذه البصرة

1 ــ المهلب أشهر من حارب الخوارج ، حاربهم باسم ابن الزبير ثم باسم الأمويين .

2 ـ وبدأ الأمر عندما فزع أهل البصرة من تقدم الخوارج نحوهم ، فلجأوا الى الأحنف بن قيس زعيم بنى تميم ليقودهم ضد الخوارج ، فإعتذر وأشار عليهم بالمهلب بن ابى صفرة . ورفض المهلب أولا ثم إشترط عليهم أن يكون له ما يغلب عليه وأن يتقوى بالأموال من بيت المال ، فوافقوا ، ووافق ابن الزبير على أن يقاتل الخوارج باسمه .

3 ــ وقام المهلب بتكوين جيش قوى من اهل البصرة قوامه 12 ألفا ، وسار بهم الى الخوارج فإنسحبوا الى الأهواز ، فطاردهم المهلب ، وأرسل مقدمة جيشه يقودها ابنه المغيرة ، فاقتتل معهم ، ثم اسحب الخوارج من الأهواز الى مناذر ، ثم التحم بهم المهلب بجيشه ، وفى البداية إنتصر الخوارج ولكن ثبت المهلب وابنه المغيرة ، فعاد اليه اربعة آلاف فارس من أصحابه المنهزمين ، وتم  صدُّ الخوارج . واستراح المهلب بجيشه ، ثم إنسحب الى العاقول ، وتحرك فى أثر الخوارج وعسكر قريبا منهم ، وهجم الخوارج ليلا على معسكر المهلب فوجدوه مستعدا لهم ، ودار قتال شديد ، تقول الرواية : ( وصبرالفريقان عامة النهار، ثم إن الخوارج شدت على الناس شدةً منكرةً، فأجفلوا وانهزموالا يلوي أحد على أحدٍ، حتى بلغت الهزيمة البصرة، وخاف أهلها السباء.) ، أى خافوا أن يسبى الخوارج نساءهم وذرياتهم . ولم ييأس المهلب فظل يصرخ فى جيشه المهزوم حتى تجمع حوله ، وفاجأ بهم الخوارج من حيث لا يشعرون وقد إنفصلت عنهم فرقة لتقتحم البصرة . وإقتتل المهلب مع مؤخرة الخوارج ، واستمر القتال ساعة ، وأسفر عن قتل قائد الخوارج ابن الماحوز وكثيرٌ من أصحابه، وغنم المهلبعسكرهم. وتراجعت مقدمة الخوارج التى كانت تتقدم لاحتلال البصرة فوقعوا فريسة لجيش المهلب ، تقول الرواية : ( وأقبل من كان في طلب أهل البصرة راجعاً، وقد وضع المهلب لهم خيلاً ورجالاًتختطفهم وتقتلهم، وانكفأوا راجعين مذلولين مغلوبين، فارتفعوا إلى كرمان وجانبأصبهان...فلما قتل عبد الله بن الماحوز استخلف الخوارج الزبيربن الماحوز.)، (ولما فرغ المهلب منهم أقام مكانه حتى قدم مصعب بنالزبير على البصرة أميراً. )

 

 خامسا : نجدة بن عامر الحنفى الخارجى  فى الجزيرة العربية

1 ـ كان ( نجدة ) مع نافع ابن الأزرق،ثم خالفه وفارقه وسار إلى اليمامة حيث كان فيها  خوارج آخرون بزعامة أبى طالوت فأصبح نجدة من كبار أتباع أبى طالوت . وكانت منطقة حضرموت من قبل تابعة لبنى حنيفة قوم نجدة بن عامر الحنفى. فإستولى عليها  معاوية من بنى حنيفة ،وقد أسكن فيها معاوية أربعة آلاف من الرقيق وعائلاتهم يعملون فى الأرض . وسار نجدة الى حضرموت فإستردها ، وغنم ما فيها   وقسمه بين أصحابه، عام 65 ، فكثر جمعه.ثم نهب نجدة قافلة كانت تحمل أموالا لابن الزبير ، وجاء بها لأبى طالوت  ( فقسمها بين أصحابه، وقال:  "اقتسموا هذا المال وردوا هؤلاء العبيد واجعلوهم يعملون الأرض لكم فإن ذلك أنفع" ، فاقتسموا المال وقالوا: نجدة خير لنا من أبي طالوت؛ فخلعوا أبا طالوت وبايعوا نجدةوبايعه أبو طالوت، وذلك في سنة ست وستين، ونجدة يومئذٍ ابن ثلاثين سنة.)
2 ـ ثم حارب نجدة قبيلة بني كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، فى منطقة ( ذي المجاز ) ( فهزمهم وقتلهمقتلاً ذريعاً ). ( ورجع نجدة إلى اليمامة فكثر أصحابه فصاروا ثلاثة آلاف، ثم سار نجدة إلىالبحرين سنة 67، . وانضمت اليه هناك الأزد من قبائل اليمن ، ووقفت ضده قبائل عبد القيس من ربيعة . ودارت معركة بين الفريقين فى القطيف ، وانتصر عليهم نجدة ، تقول الرواية : ( فالتقوابالقطيف فانهزمت عبد القيس ، وقتل منهم جمعٌ كثير ، وسبى نجدة من قدر عليه من أهلالقطيف . )  ( وأقام نجدة بالقطيف ووجه ابنه المطرح في جمع إلىالمنهزمين من عبد القيس، فقاتلوه بالثوير، فقتل المطرح بن نجدة وجماعة منأصحابه.
وأرسل نجدة سريةً إلى الخط فظفر بأهله. )

3 ـ  وأقام نجدة بالبحرين. فلما قدممصعب بن الزبير إلى البصرة سنة69 ، بعث إليه ( عبد الله بن عمير الليثي الأعور) في أربعة عشر ألفاً . ولكن نجدة فاجأه وهو غافل، وهزمه وهرب ابن عمير . وسبى نجدة جارية لابن عمير   فعرض عليها أن يرسلها إلى مولاهافقالت:" لا حاجة بي إلى من فرعني وتركني.". ( فرع ) كناية عن إفتضاض البكارة .
وبعث نجدة أيضاً بعد هزيمة ابن عميرجيشاً إلى عُمان واستعمل عليهم عطية بن الأسود الحنفي، وقد غلب عليها عباد بن عبدالله، وهو شيخ كبير، وابناه سعيد وسليمان يعشران السفن ( أى يفرضان العُشر ) ويجيبان البلاد ). وانتصر عطية وقتل عباد . واستولى عطية على البلاد فأقام بها أشهراً ثم خرج منها،  واستخلف رجلاً يكنى أبا القاسم، فقتله سعيد وسليمان ابنا عباد وأهل عمان.) ( ثمخالف عطية نجدة،  فعاد إلى عمان ، فلم يقدر عليها ، فركب فيالبحر وأتى كرمان  ،وضرب بها دراهم سماها العطوية. وأقام بكرمان. فأرسل إليه المهلبجيشاً، فهرب إلى سجستان ثم إلى السند، فلقيه خيل المهلب بقندابيل فقتله. ).

4 ـ ( ثم بعث نجدة إلى البوادي بعد هزيمة ابن عمير  من يأخذ من أهلهاالصدقة، فقاتل أصحابه بني تميم بكاظمة، وأعان أهل طويلع بني تميم، فقتلوا منالخوارج رجلاً، فأرسل نجدة إلى أهل طويلع من أغار عليهم وقتل منهم نيفاً وثلاثينرجلاً وسبى. ثم إنه دعاهم بعد ذلك فأجابوه، فأخذ منهم الصدقة. )

5 ـ ( ثم سار نجدة إلىصنعاء في خف من الجيش، فبايعه أهلها ، وظنوا أن وراءه جيشاً كثيراً، فلما لم يروامدداً يأتيه ندموا على بيعته، وبلغه ذلك فقال: إن شئتم أقلتكم بيعتكم وجعلتكم في حلمنها وقاتلتكم. فقالوا: لا نستقيل بيعتنا. فبعث إلى مخالفيها فأخذ منهم الصدقة،وبعث نجدة أبا فديك إلى حضرموت فجبى صدقات أهلها.)
6 ــ وحج نجدة سنة 68 ، وقيلسنة 69، وهو في ثمانمائة وستين رجلاً، وقيل في ألفي رجل وستمائة رجل، وصالحابن الزبير على أن يصلي كل واحد بأصحابه ويقف بهم ويكف بعضهم عن بعض.فلما صدرنجدة عن الحج سار إلى المدينة، فتأهب أهلها لقتاله، وتقلد عبد الله بن عمر سيفاً،فلما كان نجدة بنخل أخبر بلبس ابن عمر السلاح، فرجع إلى الطائف . )

7 ـ وسبى نجدة بنتا هى حفيدة عثمان بن عفان ، (بنت عبد الله بن عمرو بن عثمان )  ( فسأله بعضهم بيعها منه، فقال: قد أعتقت نصيبي منهافهي حرة. قال: فزوجني إياها. قال: هي بالغ وهي أملك بنفسها فأنا استأمرها؛ فقام منمجلسه ثم عاد، قال: قد استأمرتها وكرهت الزواج.).
 8 ـ واتسع مُلك نجدة من الطائف الى البحرين وحضرموت واليمن وتبالة والسراة . 

9 ـ  ثم إن أصحاب نجدة اختلفواعليه لأسباب نقموها منه ... فانحازوا عنه وولواأمرهم أبا فديك عبد الله بن ثور.. واستخفى نجدة، فأرسل أبوفديك في طلبه جماعةً من أصحابه وقال: إن ظفرتم به فجيئوني به. ) وعثروا عليه فقتلوه .

سادسا : مصعب بن الزبير والخوارج فى فارس والعراق :

1 ـ فى عام 68 عزل مصعب بن الزبير ( المهلب بن أبى صفرة ) وولى مكانه فى حرب الأزارقة (عمر بن عبيد الله بن معمر ) .  وكان الخوارج قد ولوا عليهم الزبير بنالماحوز عام 65 . ودارت معركة عند اصطخر بين الخوارج و (عمر بن عبيد الله )، فقتل الخوارج ابنه   ولكن انهزموا . وكاد عمر بهلك في هذهالوقعة، فدافع عنه مجاعة، فوهب له عمر تسعمائة ألف درهم.  وانسحب الخوارج وساروا غربا نحو العراق ، فطاردهم عمر بن عبيد الله ، وجهز مصعب جيشا آخر ، ووقع الخوارج بين جيشى مصعب و عمر بن عبيد الله ، فانطلقوا نحو المدائن فاقتحموها وهرب قائدها ( كردم بن مرشد القرادي ) ، تقول الرواية عما فعله الخوارج بأهل المدائن : ( شنوا الغارة على أهل المدائنيقتلون الرجال والنساء والوالدان ويشقون أجواف الحبالى. .. ) ثم ساروا الى ساباط : ( وأقبلوا إلىساباط ووضعوا السيف في الناس يقتلون .. وأفسد الخوارج فيالأرض.). وارتعب أهل الكوفة من مجىء الخوارج فحثوا واليهم ( القباع ) فخرج متثاقلا برغم الالحاح عليه . وقال فيه شاعر :
 سار بنا القباع سيراً نكرا ** يسير يوماً ويقيمشهرا

2 ـ وطورد الخوارج حتى اصبهان وحاصروها ، وكان والى اصبهان (عتاب بن ورقاء )، فصبر لهم، وكان يقاتلهم على باب المدينةويرمون من السور بالنبال والحجارة. واستمر حصار الخوارج لاصبهان فاضطر مقاتلوها للخروج لمقاتلة الخوارج ـ وكانوا لا يتوقعون الهجوم ، ففاجأهم الهجوم فانهزموا ، وقُتل أميرهم الزبير بن الماحوز .

3 ـ وولى الخوارج عليهم  قطري بن الفجاء ، فانسحب بهم الى كرمان وأقام بها  حتىاجتمعت إليه جموع كثيرة وجبى المال وقوي. ثم أقبل إلى أصبهان ثم أتى إلى أرضالأهواز فأقام بها. واضطر مصعب الى إعادة المهلب لقتال الخوارج . وجاء المهلب إلى البصرة وأعد جيشا وسار به نحو الخوارج، ثم أقبلوا إليه حتى التقوا بسولاف فاقتتلوا بها ثمانيةأشهر أشد قتال رآه الناس.

4 ـ وحين قتل مصعب عام 71 ، كان المهلب يحارب الأزارقةبسولاف، بلد بفارس على شاطئ البحر، ثمانية أشهر. وعرف الخوارج الأزارقة بقتل مصعب قبل أن يعرف به المهلب ، تقول الرواية : (فصاحوا بأصحاب المهلب: ما قولكم في مصعب؟ قالوا: أمير هدى، وهو ولينا في الدنياوالآخرة، ونحن أولياؤه. قالوا: فما قولكم في عبد الملك؟ قالوا: ذاك ابن اللعين، نحننبرأ إلى الله منه وهو أحل دماً منكم. قالوا: فإن عبد الملك قتل مصعباً وستجعلونغداً عبد الملك إمامكم. فلما كان الغد سمع المهلب وأصحابه قتل مصعب فبايع المهلبالناس لعبد الملك بن مروان، فصاح بهم الخوارج: يا أعداء الله! ما تقولون في مصعب؟قالوا: يا أعداء الله لا نخبركم. وكرهوا أن يكذبوا أنفسهم. قالوا: وما قولكم في عبدالملك؟ قالوا: خليفتنا. ولم يجدوا بداً إذ بايعوه أن يقولوا ذلك. قالوا: يا أعداءالله! أنتم بالأمس تبرأون منه في الدنيا والآخرة وهو اليوم إمامكم وقد قتل أميركمالذي كنتم تولونه! فأيهما المهتدي وأيهما المبطل؟ قالوا: يا أعداء الله رضينا بذلكإذ كان يتولى أمرنا ونرتضي بهذا. قالوا: لا والله ولكنكم إخوان الشياطين وعبيدالدنيا.)

سابعا : عبد الملك بن مروان والخوارج

1 ـ فى عام 72 ، ولّى عبد الملك (خالد بن عبد اللهعلى البصرة، فلما قدمها خالد كان المهلب يحارب الأزارقة، فعزله وسيّر أخاه عبد العزيز بن عبد الله إلى قتل الخوارج. ). وهزم  قطرى بن الفجاءة الجيش الأموى ، وسبى إمرأة القائد عبد العزيز بن عبد الله . وهى ابنة المنذر بن الجارود ، وعرضها الخوارج للبيع فى مزاد  ، تقول الرواية : (وانهزم عبد العزيز، وأخذت امرأته ابنة المنذر بن الجارود فأقيمت فيمنيزيد، فبلغت قيمتها مائة ألف، فجاء رجل من قومها من رؤوس الخوارج فقال: تنحوا هكذا،ما أرى هذه المشركة إلا قد فتنتكم! وضرب عنقها، ولحق بالبصرة، فرآه آل المنذرفقالوا: والله ما ندري أنحمدك أم نذمك! فكان يقول: ما فعلته إلا غيرهوحمية.). وأرسل عبد الملك يؤنب الوالى خالد بن عبد الله لعزله المهلب ، وأمره أن يُعيد المهلب ، وأمر عبد الملك أخاه بشر بن مروان والى الكوفة أن يرسل مددا من خمسة آلاف لحرب الخوارج ، فأرسل المدد بقيادة عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث . واجتمع جيش البصرة وفيه أميرها خالد بن عبد الله وجيش الكوفة يقوده ابن الأشعث ، معهم المهلب مستشارا. وانهزم الخوارج . وكتب عبد الملك لأخيه بشر بن مروان بأن يطارد الخوارج .

واستمرت الحروب بين الخوارج وبنى أمية حتى سقوط دولة الأمويين .
 

 

 

 

 

 

 

 

 

الباب الثانى الباب الثانى : آثار الفتنة الكبرى الثانية :

الفصل الأول :

من سفك الدماء الى العشق والفحشاء (الحبُّ وقت الفتنة والحرب : خالد وأم خالد وحبيبة خالد : ( خالد بن يزيد بن معاوية )

 

  الحبُّ وقت الفتنة والحرب : خالد وأم خالد وحبيبة خالد :

 

( خالد بن يزيد بن معاوية)

 

أولا :  خالد و( السّت ) أم خالد

1ـ بطلتنا ( أم خالد ) : كنيتها الأولى ( أم هاشم ) مع إنها من بنى أمية ، فهي فاختة بنت هاشم إبن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن أمية . تزوجت ابن عمها يزيد بن معاوية بن أبي سفيان بن حرب بن عبد شمس بن أمية ، وأنجبت من زوجها يزيد ثلاثة من الأبناء : معاوية وخالد وأبا سفيان.

وبطلتنا ( أم هاشم : فاختة ) تزوجت خليفتين من بني أمية ، هما يزيد بن معاوية ، ثم تزوجت بعده مروان بن الحكم ، والأخير ( مروان بن الحكم ) مات على يديها الكريمتين ، قتلته انتقاماً لاهانته لابنها خالد ، لذلك توارت كنيتها الأولى (أم هاشم)  وأصبحت كنيتها في التاريخ ( أم خالد ). وما فعلته فاختة من قتل زوجها الخليفة مروان بن الحكم يدخل في نطاق الجرائم السياسية ، ولكي تعرف دوافعها وراء قتل زوجها ـ  الذي هو ابن عمها ـ علينا أن نسترجع تاريخ الدولة الأموية في مرحلة بالغة التعقيد من تاريخ العرب والمسلمين .

2 ـ وتبدأ القصة بمعاوية وهو يعهد لابنه يزيد بالخلافة ويفتتح في تاريخ المسلمين وراثة الملك .

وكان معاوية قد أعـدَّ ابنه يزيد لتولى العهد، فزوّجه بنت عمه فاختة ليجتمع شمل بني أمية مع ابنه يزيد في خلافته ، وفعلا توحّد بنو أمية حول يزيد ، ولكن ثار عليه الحسين بن علي وآله من بني هاشم ، وانتهى الأمر بمأساة كربلاء ، فكان أن ثارت المدينة المنورة على يزيد وخلعت بيعته بمجرد أن عادت السيدة زينب بنت على أخت الحسين إلى المدينة ومعها رأس الحسين وما بقي من أطفال أسرتها ، فبعث يزيد بجيش اقتحم المدينة واستباحها قتلا واغتصابا ونهبا. وانتهز الفرصة عبد الله بن الزبير فأعلن نفسه خليفة في مكة ، وأثناء حصار الأمويين له جاء الخبر بوفاة يزيد بن معاوية، وتولي بعده ابنه الأكبر معاوية بن يزيد ، أو معاوية الثاني ، وبذلك تحولت بطلة قصتنا من زوجة للخليفة يزيد إلى أم للخليفة الجديد معاوية بن يزيد .

3 ـ وكان الخليفة الجديد شابا تقيا ورعا مختلفاً عن أبيه وجده ، وذلك يشى بأن لأمه أثراً كبيراً في تنشئته ، إذ أن الثابت تاريخيا أن يزيد بن معاوية كان ماجناً سكيراً عربيدا ، ولكن الثابت أيضاً من التاريخ أن أبناءه الثلاثة معاوية وخالد وأبا سفيان كانوا مشهورين بالصلاح والاتزان ، أي أن فاختة ـ التي فجعت في مجون زوجها يزيد وجرأته على المحرمات والخمرـ قد تفرغت لرعاية أبنائها فأصبحوا على نقيض أبيهم، والدليل على ذلك سيرة معاوية الثاني ابنها الذي تولى الخلافة ثم تنازل عنها قائلاً فى خطبة اعتزاله : "والله إن كانت الدنيا عزاً فقد نلنا حظنا منها،  وإنا كانت شراً فكفى ما أصابنا منها" وذكر ما فعله أبوه فبكى ، وطلبوا منه أن يرشح خليفة بعده فقال: ما أصبت حلاوتها فلماذا أتحمل مرارتها؟ واعتزل الناس، فقتله أهله بالسم..! واحتقارا له فقد سمّاه أهله الأمويون أبا ليلى . ودفنت فاختة أحزانها وهي ترى أهلها يقتلون ابنها الصالح ويهزءون به ويطلقون عليه لقب "أبي ليلى" لأنه في نظرهم جبن وخاف واعتزل .. وانصرفت همة فاختة لرعاية ابنيها خالد وأبي سفيان ، وقد كانا على نفس القدر من الصلاح تقريباً. ولكن الأحوال ساءت بالنسبة للأمويين بعد تنازل معاوية الثاني عن الخلافة ، إذ وقع التنافس بين كبار المرشحين منهم للخلافة ، في الوقت الذي ازداد فيه نفوذ عبد الله بن الزبير ، ودخلت في طاعته مصر والعراق وأجزاء من الشام ، وأصبح سقوط الأمويين سريعاً لولا أنهم عقدوا مؤتمراً في الجابية واتفقوا على تولية مروان بن الحكم الخلافة ثم يتولى بعده خالد بن يزيد بن معاوية أو ابن بطلة قصتنا.

4 ـ وكان مروان بن الحكم شيخ بني أمية في ذلك الوقت، وقد رضي على مضض أن يكون ولي عهده الشاب خالد ابن يزيد بن معاوية ، وذلك حتى تجتمع معه كلمة الأمويين ، ولكنه كان يريد أن يعهد بولاية العهد لابنه عبد الملك بن مروان ، لذا خطط للأمر بحنكة ، لكى يزيح خالد بن يزيد من ولاية العهد ، فتزوج فاختة أم خالد ليكون خالد تحت سيطرته وليحط من شأنه ومن كرامته..  

5 ـ إلا أن فاختة حين رضيت به زوجاً كانت تطمع في أن تحفظ لابنها حقه في ولاية العهد ، فهي كانت زوجة خليفة من قبل ، وزوّجها معاوية بن أبى سفيان إبنه ( يزيد ) لكي تجتمع حول ( يزيد ) بنو أمية ، واعتقدت أن مروان تزوجها لنفس الغرض ، واعتقدت أنها في وضعها الجديد ستكون أقدر على حفظ حق ابنها الثانى فى الخلافة بعد أن تنازل عنها ابنها الأول..

6 ـ ولكن أحلامها ضاعت هباء ، فقد فوجئت بزوجها يعمل على نقض الاتفاق بعد أن نجح في ضم مصر إليه وطرد والي عبد الله بن الزبير عنها ، أي أنه شعر بالأمن بعد ضم مصر إليه ، فعمل على تعيين ابنيه عبد الملك ، ثم عبد العزيز في ولاية العهد على الترتيب مكان خالد ، وقد جعل ابنه عبد العزيز والياً على مصر وهو والد الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز.

أى إن السيدة فاختة تجاوزتها الأحداث هي وأحلامها فقنع ابنها خالد بتعلم الكيمياء ، ولكن مروان لم يتركه في حاله ، إذ خشي من قوة شخصيته وحب الناس له فعمل على تحقيره والحط من شأنه امام رجال الدولة ، وما كان لخالد أن يسكت ، فتوالت شكواه لأمه ، وأخذت هي تهديء من روعه وهي تـَحـس بالندم على قبولها الزواج وكيف انقلب هذا الزواج ضد مصلحة ابنها وحقوقه في الخلافة ثم يصل الأمر الى قيام زوجها بتحقير إبنها على الملأ . وتحملت أم خالد إلى أن حدثت الإهانة الأخيرة لها ولابنها خالد ، فكانت القشة الى قصمت ظهر البعير كما يقال..

7 ـ إذ  قال مروان لخالد أمام الناس كلمة جارحة نابية في حق أمه،قال له ( يا ابن رطبة الإست )، فدخل خالد على أمه غاضباً ، يقول لها : قد فضحتني وقصّرت بي ونكست برأسي ، والله لأقتلنك أو لأقتلن نفسي ، فقد قال لي مروان كذا وكذا على رءوس الأشهاد فقالت: له والله لن يقولها لك ثانية ، وأوصته بألا يعلم مروان أنها علمت بشيء وأن يكتم الموضوع. وأحس مروان بأنه أهان خالداً وأم خالد ، وخشي مغبة ذلك فدخل على زوجته أم خالد وقال: ما قال لك خالد اليوم؟ فقالت : ما حدثني بشيء ولا قال لي شيئاً ، فقال : ألم يشكني إليك ويشكو تقصيري به كما كان يفعل ؟ فقالت له : يا أمير المؤمنين لقد أفهمت خالداً من قبل أنك له بمنزلة الوالد ، وأنت أعظم في عيني من أن أسمح لخالد بأن يقول عنك شيئاً . فاطمأن مروان بن الحكم قليلا ، ولكن مازالت به حتى ازداد اطمئناناً لها ، ونام عندها ، فوثبت هي وجواريها فغلقن الأبواب ، ثم عمدت إلى وسادة فوضعتها على وجه مروان وجلست فوقها ومعها جواريها حتى مات تحتهن مخنوقاً ..ثم قامت فشقت جيبها وأمرت جواريها فشققن ملابسهن وعلا الصراخ ليعلن موت الخليفة وكان ذلك في غرة رمضان سنة 65هـ وكان مروان في الرابعة والستين من عمره.

ومن ضمن الروايات التى ذكرت نفس الموضوع ننقل منها ما ذكره المؤرخ محمد إبن سعد فى الطبقات الكبرى فى ترجمة مروان بن الحكم ، وقد وصل الى سبب وفاته فقال : (وكانمروان قد أطمع خالد بن يزيد بن معاوية في بعض الأمر ،  ثم بدا له فعقد لابنيه عبدالملك وعبد العزيز ابني مروان بالخلافة بعده ، فأراد أن يضع من خالد بن يزيد ويقصر بهويزهد الناس فيه.  وكان إذا دخل عليه أجلسه معه على سريره ، فدخل عليه يوما فذهب ليجلسمجلسه الذي كان يجلسه فقال له مروان وزبره  : " تنح يا ابن رطبة الاست والله ما وجدت لكعقلا " . فانصرف خالد وقتئذ مغضبا حتى دخل على أمه ، فقال : "  فضحتني وقصرت بى ونكست برأسيووضعت أمري .! " ، قالت : " وما ذاك ؟ " . قال : " تزوجت هذا الرجل فصنع بي كذا وكذا ،  ثم أخبرها بما قال.  فقالت له : " لا يسمع هذا منك أحد ، ولا يعلم مروان أنك أعلمتني بشيء من ذلك ، وادخل عليّكما كنت تدخل ، واطو هذا الأمر حتى ترى عاقبته، فإني سأكفيكه وانتصر لك منه. " .  فسكت خالدوخرج إلى منزله. وأقبل مروان فدخل على أم خالد بنت أبي هاشم بن عتبة بن ربيعة،  وهيامرأته.  فقال لها : " ما قال لك خالد ما قلت له اليوم وما حدثك به عني ؟ " فقالت : " ما حدثنيبشيء ولا قال لي . " فقال : " ألم يشكني إليك ويذكر تقصيري به وما كلمته به ؟ " فقالت  : " يا أميرالمؤمنين أنت أجلُّ  في عين خالد وهو أشد لك تعظيما من أن يحكي عنك شيئا أو يجد من شيءتقوله. وإنما أنت بمنزلة الوالد له . " .  فانكسر مروان وظن أن الأمر على ما حكت له وأنهاقد صدقت ، ومكث حتى إذا كان بعد ذلك وحانت القائلة فنام عندها ، فوثبت هي وجواريها،  فغلقن الأبواب على مروان  ، ثم عمدت إلى وسادة فوضعتها على وجهه . فلم تزل هي وجواريهايغممنه حتى مات . ثم قامت فشقت عليه جيبها وأمرت جواريها وخدمها فشققن، وصحن عليه،  وقلن : "مات أمير المؤمنين فجأة . " وذلك في هلال شهر رمضان سنة خمس وستين . وكان مروان يومئذ ابنأربع وستين سنة ، وكانت ولايته على الشام ومصر لم يعد ذلك ثمانية أشهر ويقال ستة أشهر ). وقد نقل المؤرخ ابن الجوزى نفس الرواية نقلا عن ابن سعد . ثم نقلها ـ مع بعض تغييرـ  المؤرخ ابن كثير فى ترجمة مروان بن الحكم .

8 ـ وتولى عبد الملك بن مروان بعد أبيه ، وحقق في وفاة أبيه المفاجئة فعلم أن أم خالد قد قتلته فأراد أن يقتلها ، فقالوا له إنه عار عليك أن يعلم الناس أن أباك قد قتلته امرأة. فكف عنها ونجت أم خالد من القتل..

وتمتع عبد الملك بن مروان بالخلافة ، وأرد خالد أن يمحو من نفس عبد الملك بن مروان الجريمة التي اقترفتها أمه فاشترك مع جيش الأمويين في حرب ضد أهل الحجاز الذين انضموا لعبد الله بن الزبير..

وكانت أصداء ما حدث لمروان ومقتله قد وصلت للحجاز ، وتعجب أهل الحجاز لاشتراك خالد في الحرب مع عبد الملك ضدهم ، وأثناء الحرب أبلي خالد بلاء حسناً في جيش الأمويين ضد الحجازيين ، فما كان من أهل الحجاز إلا أن هتفوا في المعركة يسخرون منه شعراً بلفظ هابط بذىء ، و سمع خالد الشعر فانسحب من المعركة.

 يذكر الصفدى فى موسوعته ( الوافى بالوفيات ) تلك القصة بتفاصيل مختلفة ، ونعتذر مقدما عن ايراد النصّ كما هو : (  جرى بين خالد وبين مروان بن الحكم كلام فقال لمروان : أين أنت مني ؟ قال : بين رجلي أمك الرطبة . فدخل على أمه فاختة بنت ابي هاشم بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس فقال : هذا عملك بي والله لأقتلنك أو لأقتلن نفسي . قال لي مروان كذا . قالت : أما والله لا يقولها لك ثانية . فلما نام مروان ألقت على وجهه وسادة وجلست عليها حتى مات . وعلم عبد الملك خبرها فهم بقتلها فقيل له : أما إنه شر عليك أن يعلم الناس أن أباك قتلته امرأة .! فكفّ عنها . وحضر خالد مع مروان فأبلى بلاء حسنا حتى أن أنكى في أهل الحجاز فقال رجل منهم :  

ها إن همّ خالد ما همّه ... أن سلب الملك ونيكت أمّه
فجعل فتيان منهم يرتجزون بها ، فلم يخرج خالد للقتال بعد ذلك )( الوافى بالوفيات 13 / 273 )

وعاد خالد إلى أمه يدفن أحزانه في علم الكيمياء ، فأطلقوا عليه خالد الكيماوي..

ثانيا :  خالد و( حبيبة خالد  ) :

1 ــ تقول الرواية : ( حج عبد الملك بن مروان وحج معه خالد بن يزيد بن معاوية...فبينا هو يطوف بالبيت إذ بصُر برملة بنت الزبير بن العوام فعشقها عشقًا شديدًا ، ووقعت بقلبه وقوعًا متمكنًا‏.‏ فلما أراد عبد الملك القفول همّ خالد بالتخلف عنه ، فوقع بقلب عبد الملك تهمة ، فبعث إليه يسأله عن أمره فقال‏:‏  " يا أمير المؤمنين رملة بنت الزبير رأيتها تطوف بالبيت قد أذهبت عقلي والله ما أبديت لك ما بي حتى عيل صبري فلقد عرضت النوم على عيني فلم تقبله والسلو على قلبي فامتنع منه.! " .  فأطال عبد الملك التعجب من ذلك وقال‏:‏ " ما كنت أقول إن الهوى يستأسر مثلك .! "  فقال‏:‏"  وإني لأشد تعجبًا من تعجبك مني ، ولقد كنت أقول إن الهوى لا يتمكن إلا من صنفين من الناس‏:‏ الشعراء والأعراب‏.‏ فأما الشعراء فإنهم ألزموا قلوبهم الفكر في النساء والغزل ، فمال طمعهم إلى النساء فضعفت قلوبهم عن دفع الهوى فاستسلموا له منقادين‏.‏ وأما الأعراب فإن أحدهم يخلو بامرأته فلا يكون الغالب عليه غير حبه لها ولا يشغله شيء عنه فضعفوا عن دفع الهوى فتمكن منهم‏.‏ وجملة أمري ما رأيت نظرة حالت بيني وبين الحرم وحسنت عندي ركوب الإثم مثل نظرتي هذه‏.‏.! ".  فتبسم عبد الملك وقال‏:‏ " أو كل هذا قد بلغ بك ؟ " فقال‏:‏ " والله ما عرفتني هذه البلية قبل وقتي هذا . " .فوجّه عبد الملك إلى آل الزبير يخطب رملة على خالد،  فذكروا لها ذلك فقالت‏:‏ " لا والله أو يطلق نساءه." .! فطلق امرأتين كانتا عنده إحداهما من قريش والأخرى من الأزد وظعن بها إلى الشام‏.‏)  ..

2 ـ وكان الحجاج بن يوسف هو الذى أنهى فتنة ابن الزبير ، وتولى العراق فأخضعه للأمويين ، وزاد نفوذه عند عبد الملك . ( وقد بعث الحجاج إلى خالد  يقول له ‏:‏ " ما كنت أراك تخطب إلى آل الزبير حتى تشاورني . فكيف خطبت إلى قوم ليسوا بأكفائك وهم الذين نازعوا أباك على الخلافة ورموه بكل قبيحة.! " ‏.‏ فقال لرسوله‏:‏ " ارجع فقل له‏:‏  " ما كنت أرى أن الأمور بلغت بك إلى أن أؤامرك في خطبة النساء.!! وأما قولك‏:‏ نازعوا أباك وشهدوا عليه بالقبيح فإنها قريش تتقارع فإذا أقر الله الحق مقره تعاطفوا وتراحموا‏.‏ وأما قولك‏:‏ ليسوا لك بأكفاء‏.‏ فقبحك الله يا حجاج ما أقل علمك بأنساب قريش.! أيكون العوام كفوءًا لعبد المطلب بن هاشم حتى يتزوج صفية ويتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم خديجة ولا تراهم أكفاء لأبي سفيان‏.‏؟ .. ولما قدم الحجاج على عبد الخليفة عبد الملك مرّ بخالد بن يزيد فسأل رجل‏ خالد :‏ " من هذا ؟ " فقال خالد كالمستهزئ بالحجاج ‏:‏" هذا عمرو بن العاص . " فرجع الحجاج إلي خالد وقال له ل‏:‏ " ما أنا بعمرو بن العاص ولكني ابن الغطاريف من ثقيف والعقائل من قريش ، ولقد ضربت بسيفي هذا أكثر من مائة ألف كلهم يشهد أن أباك وأنت وجدك من أهل النار، ثم لم آخذ لذلك عندك شكرًا‏.‏ )

3 ــ نلاحظ أن هذه الرواية تدور حول شيئين متلازمين: عشق خالد بن يزيد بن معاوية لرملة بنت الزبير أخت عبد الله بن الزبير. وزواجه منها برغم الخصومة الدائمة بين الأسرتين ، ومعارضة الحجاج لتلك العلاقة والعداء الكامن بين الحجاج وخالد . يلفت النظر شيئان فى الحوار بين خالد والحجاج. فالحجاج يتصرف كأنه ولى أمر خالد يحتج لماذا لم يشاوره فى خطبته لرملة بنت الزبير، و أن آل الزبير ليسوا أكفاء لبنى أمية ، وهم أعداء لهم . ويرد خالد باحتقار ضمنى للحجاج مستغربا أن يضع نفسه فوق خالد ، وأن الهاشميين قد أصهروا لبنى العوام ومنهم النبى محمد عليه السلام ، ثم أنهم جميعا قرشيون ـ أعلى العرب مكانة ، والقرشيون يتقاتلون سياسيا ولكن يتعاطفون اجتماعيا. والعرب أتباع لهم.  وفى موقف آخر رد الحجاج على سخرية خالد به قائلا : (ولقد ضربت بسيفي هذا أكثر من مائة ألف كلهم يشهد أن أباك وأنت وجدك من أهل النار ثم لم آخذ لذلك عندك شكرًا) الحجاج هنا لم يهاجم كل الأمويين ، اقتصر هجومه على الفرع السفيانى فقط. وهذه من أصول الدهاء.

 

 

 

 

 

الفصل الثانى :

عائشة بنت طلحة  : فاتنة عصر الفتنة 

أولا : مقدمة سريعة عنها :

1 ـ  فى عصر الفتنة : كان تعدد الزوجات شائعا ، وقد إستهلك الصراع الحربى أعمار الرجال ، فكانت المرأة تتزوج أكثر من مرة ، كلما مات قتيلا عنها زوج تزوجت بعده ، خصوصا إذا كانت من قريش وظالمة الجمال ، مثل عائشة بنت طلحة .

2 ـ هى فاتنة عصر الفتنة ، فهى مولودة فى بيت أسّس الفتنة الكبرى الأولى والثانية ، فأبوها الصحابى المشهور ( طلحة بن عبيد الله ) أحد الستة المرشحين للخلافة بعد عمر ، وأحد أعمدة الفتنة الكبرى ، وأحد قواد معركة الجمل ضد (على بن أبى طالب ) . وأمها  أم كلثوم ابنة أبى بكر ، وخالتها عائشة . وشيطان الفتنة الكبرى الأولى والثانية ( عبد الله بن الزبير ) هو ابن خالتها .

3 ـ عنها ( فتنة عصرها ) قالوا عن جمالها :  (وكانت أجمل اهل زمانها وأحسنهن وارأسهن ) ـ ( وكانت بارعة الحسن .) . ( ووصفتها المغنية ( عزة الميلاء ) لمصعب بن الزبير  لما خطبها فقالت : اما عائشة فلا والله ما غن رأيت مثلها مقبلة مدبرة محطوطة المتنين ، عظيمة العجيزة ، ممتلئة الترائب  ، نقية الثغر وصفحة الوجه ، غراء فرعاء الشعر ، لفاء الفخذين ممتلئة الصدر ، حميسة البطن ، ذات عكن ضخمة السرة ، مسرولة الساق ، يرتج ما بين اعلاها إلى قدميها ، وفيها عيبان : اما احدهما فيواريه الخمار ، واما الآخر فيواريه الخف : عظم الأذن والقدم ،) . هذا هو مقياس الجمال يومئذ ، ان تكون المرأة مثل كتلة ضخمة  من ال ( جيلى ) تسير على قدمين .!!.

4 ـ تكاثرت حولها الروايات بسبب شهرتها فى الحُسن والجمال ، وبعضها كاذب مثل قولهم : ( وكانت لا تستر وجهها من احد ، فعاتبها مُصعب في ذلك فقالت : إن الله عز وجل وسمني بميسم جمال أحببت ان يراه الناس ويعرفوا فضلي عليهم ، وما كنت لأستره ، ووالله ما في وصمة يقدر ان يذكرني بها احد ،). وهذه رواية نرفضها لأن وجه المرأة وقتها كان سافرا ، ولم يكن النقاب معروفا حينئذ . وكان الخمار يغطى الصدر فقط .

3 ـ ، وكانت شرسة الأخلاق وكذلك نساء بني تيم . وظهر هذا فى معاملتها لزوجها الأول وزوجها الثانى .

ثانيا : أزواجها :

1 ــ   تزوجها  (عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر ) ومات عنها ، فتزوجها ( مصعب بن الزبير بنالعوام ، وهو أمير العراق لأخيه عبد الله بن الزبير ، فقُتل عنها ، فتزوجها ( عمر بن عبيد الله بن معمر بن عثمان التيمي  ) ولم تتزوج بعده .

2 ــ الزوج الأول : ابن خالها  (عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر ) تزوجها بكرا ، تقول الرواية ( وهو أبو عُذرها ) . وقد عانى منها الويلات . خاصمته مرة وتركت له البيت غاضبة الى بيت خالتها السيدة عائشة ، تقول الرواية :  ( .. وخرجت من دارها غضبى ، فمرت في المسجد ، وعليها ملحفة ، تريد عائشة ام المؤمنين ، فرآها ابو هريرة فسبّح ، وقال : سبحان الله كانها من الحور العين . فمكثت عند  ( خالتها ) عائشة أربعة أشهر. ).  وكان زوجها  عبد الله  يحبها ويتحمل شراسة أخلاقها ، قال عنها : ( والله لربما حملت ووضعت وهي مصارمة لي ( أى مخاصمة ) لا تكلمني . ) . ووصل به الغضب مرة الى أن هجرها وآلى منها ، فنصحته عمته السيدة عائشة أن يراجعها حتى لا يقع فى ( الايلاء ) فأعادها . وقيل له : (   طلقها  ، فقال شعرا :

يقولون طلقها لأُصبح ثاويا ....... مقيما علي الهمّ أحلامُ نائم

وإن فراقي اهل بيت أُحبهم ........لهم زلفة عندي لإحدى العظائم ).

وعندما توفى زوجها الأول ( عبدالله ) لم يظهر عليها حُزن فى جنازته ، تقول الرواية : (  فما فتحت فاها عليه ، وكانت عائشة ام المؤنين تُعدد عليها هذا من ذنوبها .)

3 ـ زوجها الثانى : ( مصعب بن الزبير ) ، دفع لها مهرا مائة ألف دينار ، وفى رواية (ثم تزوجها بعده مصعب بنالزبير وأمهرها خمسمائة ألف درهم. وأهدى لها مثل ذلك.   )

وكان لمصعب زوجتان أيضا (سكينة  بنت الحسين وبنت عبد الله بن عامر .. ).

مصعب بن الزبير ــ الذى كان جريئا فى سفك الدماء الى درجة أنه قتل خمسمتئة أسير مرة واحدة من أتباع المختار الثقفى ـ كان يعانى من شراسة خُلق زوجته عائشة بنت طلحة . بلغ من شرائة خلقها أنها كانت تتصرف كالزوج الرجل ، ( تهجره فى المضاجع ) أو تُقسم عليه بالظهار تحرمه على نفسها ، فقالت له : " أنت علي كظهر أُمي،"  واعتزلته  فى غرفة ، ورفضت أن تكلمه ، تقول الرواية : (  فجهد مصعب أن تكلمه فأبت ، فبعث إليها  ابن قيس الرقيات ( الشاعر ) فسألها كلامه، ( أى أن تكلمه )  فقالت : كيف بيميني ؟ فقال : هاهنا الشعبي فقيه اهل العراق فاستفتيه ،  فدخل عليها  ( الشعبى  ) ، فأخبرته فقال : ليس هذا بشيء ، فقالت : اتحلني وتخرج خائبا ، فأمرت له باربعة آلاف درهم . ) .

وهجرته مرة، ورفضت أن ينال منها فى الفراش ، فكان يغتصبها ، وفإستعان عليها بكاتبه فإحتال عليها بالتخويف حتى لانت لمصعب . تقول الرواية :( وكان مصعب لا يقدر عليها إلا بتلاح ( أى بالعراك ) وينالها منه ويضربها ، فشكى ذلك إلى ابن أبي فروة كاتبه ، فقال له : " أنا اكفيك هذا إن اذنت لي " ، قال :  " نعم ، افعل ما شئت ، فإنها افضل شيء نلته في الدنيا .! " ، فأتاهل ليلا ومعه  أسودان ( أى إثنان من العبيد السود ) ، فاستاذن عليها ، فقالت له : " أفي مثل هذه الساعة ؟ " قال : " نعم  " ، فأدخلته ، فقال للأسودان : "  احفرا ها هنا بئرا " ، فقالت له جاريتها : " وما تصنع بالبئر ؟ " قال : " شؤم مولاتك ، امرني هذا الفاجر ( أى مصعب ) ان ادفنها حية ، وهو أسفك خلق الله لدم حرام ." ، فقالت عائشة : " فانظرني اذهب إليه."  ، قال : " لا سبيل إلى ذلك. " ، وقال للأسودين : " احفرا " . فلما رات الجّد منه بكت وقالت :"  يا ابن ابي فروة . إنّك لقاتلي ما منه بد ؟ " قال :"  نعم  ، وإني لأعلم أن الله سيجزيه بعدك ، ولكنه  قد غضب وهو كافر الغضب.! " ، قالت : " وفي أي شيء غضبه ؟ " قال : "  في امتناعك عليه ، وقد ظن انك تبغضينه وتتطلعين إلى غيره ، وقد جُنّ ! . " فقالت : " أُنشدك الله إلا عاودته .!" ، قال : " أخاف ان يقتلني ،.! "  فبكت،  وبكى جواريها . فقال : " قد رققت لك "، وحلف أنه يغرر بنفسه ، ثم قال لها : " ماذا أقول ؟"  قالت : " تضمن عني الا اعود أبدا.! " قال : " فمالي عندك ؟ " قالت : " قيام بحقك ما عشت " ، قال :" فأعطني المواثيق " ، فأعطته ، فقال للأسودين : " مكانكما ."، واتى مصعبا فأخبره فقال له : " استوثق منها بالأيمان. " ، ففعلت ، وصلحت بعد ذلك.).

وكانت لا تأبه بهداياه لها مهما بلغت قيمتها ، تقول الرواية  : ( ودخل مصعب يوما عليها وهي نائمة مثضمقة  ومعه ثماني لؤلؤات قيمتها عشرون ألف دينار ، فأنبهها ونثر الؤلؤ في حجرها ، وقالت له : نومتي كانت احب إلي من هذا الؤلؤ.!! )  . هذا اللؤلؤ من عرق أهل البلاد المفتوحة .

4 ـ زوجها الأخير : ابن عمها : عمر بن عبيد الله التيمي . تزوجها بعد قتل مصعب ، وقدم لها صداقا قدره ألف الف درهم ، تقول الرواية :  ( وفي ذلك يقول الشاعر:بُضع الفتاة بألف ألف كامل * وتبيت سادات الجيوش جياعا ). ( بُضع فتاة ) أى ( عضوها الجنسى ).

وهناك روايتان عن زواجها من ابن عمها عمر بن عبيد الله التيمى ، تقول الأولى إن بشر بن مروان بن الحكم  ــ بعد أن قتل بنوأمية زوجها مصعبا ـ أراد أن يتزوج عائشة ، فارسل اليها ابن عمها عمر بن عبيد الله يخطبها له . فقالت لعمر : (‏:‏"  أما وجد بشر رسولًا إلى ابنة عمك غيرك ؟  فأين بك عن نفسك ؟ " ( يعنى تخطبه لنفسها ) قال‏:‏ "  أوتفعلين ؟ "  قالت‏: " ‏ نعمفتزوجها .).

والرواية الأخرى تقول إن عمر بن عبيد الله جاء من الشام الى الكوفة ، فبلغه أن بشر بن مروان بعث يخطب عائشة بنت عمه ، فأرسل الى عائشة جارية تقول لها : ( ابن عمك يقرئك السلام،  ويقول لك : أنا خير لك من هذا الميسور والمطحول وإن تزوجت بي ملأت بيتك خيرًا‏.‏ فتزوجته فبنىبها بالحيرة‏.‏ ) . فى الروايتين نرى كراهية بنى أمية الذين قتلوا مصعبا وأخاه عبد الله .  وتقول الرواية إن العريس الثالث  حمل اليها الف الف درهم مهرا. ( ألف ألف درهم ، خمسمائة ألف مهرًا ، وخمسمائة ألف هدية . وقاللمولاتها‏:‏ لك علي ألف دينار إندخلت بها الليلة فحمل المال فألقي في الدار وغُطّي بالثياب .  وخرجتعائشة فقالت لمولاتها‏:‏" ما هذا أفرش أم ثياب  ؟ قالت‏:‏ " انظري " ،  فنظرت فإذا به مال ، فتبسمت ، فقالتلها‏ ( مولاتها ) :‏ " أجزاء من حمل هذا أن يبيت عندنا . ؟ " قالت‏ ( عائشة ) :‏ " لا والله ، ولكن لا يجوز دخوله إلا بعدأن أتزين له وأستعد ."  .  قالت‏ ( الجارية ) :‏ " وبماذا ؟ فوالله لوجهك أحسن من كل زينة ، وما تمدين يديكإلى طيب وثوب أو فرش إلاوهو عندك ، وقد عزمت عليك أن تأذني له . "  قالت‏:‏ " افعلي " .  فذهبتإليه فقالت‏:‏ " بت ببيتناالليلة . " فجاءهم عند العشاء الآخرة. ) .

وهناك رواية أخرى ( فاحشة ) نعتذر عن ذكرها ، ونضطر لذلك لنعايش ثقافة عصر ( السلف الصالح ) الدموية الفاحشة . تقول الرواية : ( وتزوجها عمر بن عبيد الله ، وحمل غيها الف الف درهم ، وقال لرسولها : " انا أملأ بيتها خيرا  وحرها أيرا " ( الحر : عضو المرأة الجنسى ) ( الاير : عضو الذكر الجنسى ) ، وتمضى الرواية فتقول : ( ودخل بها من ليلته ، واكل الطعام الذي عُمل له على الخوان كله ، وصلى صلاة طويلة ، وخلا بها ، ودخل المتوضى سبع عشرة مرة ، فلما اصبح  قالت له جاريتها :"  والله ما رأيت مثلك ، أكلت أكل سبعة ، وصليت صلاة سبعة  ، ونكت نيك سبعة .! " ،  فضحك وضرب بيده على منكب عائشة ، وقال :" كيف رأيت ابن عمك ؟ " ، فضحكت وغطت وجهها . . ).

هدأت شراسة عائشة مع زوجها الثالث ، كانت فقط تُغيظه بوصف وسامة مصعب ، تقول الرواية : ( ومكثت معه ثماني سنين ، وكانت تصف لهمصعبًا  ، فيكاديموت من الغيظ . ) ومات زوجها الثالث سنة (82 هـ) ، فرفضت الزواج بعده . تقول الرواية : ( فلما مات ندبته قائمة ،  وقالت‏:‏ " كان أكرمهم علي وأمسهمرحمًا بي فلا أتزوجبعده . ") ( وكانت المرأة إذا ندبت زوجها قائمة عُلم أنها لا تتزوج بعده . ).

ثالثا : عائشة ( الأرملة الطروب )

1 ـ عاشت حياتها كما يحلو لها وهى أرملة ثرية ، ( كانت تقيم بمكة سنة، وبالمدينة سنة ،  وتخرج إلى مال لها بالطائف تدير أمورها بنفسها  .  وتخرج إلى مال لها بالطائف وقصر لها ، فتتنزه‏. وقدمت على هشام بن عبدالملك ، فقال‏:‏ "  ماأقدمك ؟"  فقالت‏:‏ " حبست السماء قطرها ومنع السلطان الحق . "  فأمر لها بمائةألف درهم . ).

2 ـ واصبحت عائشة بنت طلحة جُزءا من الحياة المنفتحة  فى مكة والمدينة ، حيث المجون والغناء ومشاهير المغنيين والمغنيات ، وقصائد العشق والغرام والتشبيب بالنساء . إذ أن الأمويين بعد الفتنة الكبرى الثانية أغرقوا أهل مكة والمدينة بالأموال والحوارى ليشغلوا أهلها عن الثورة بعد إخماد حركة ابن الزبير  .

3 ـ فى هذه الفترة كان لعائشة بنت طلحة ندوة أدبية يحضرها الشعراء والمغنون وسادة القوم ، وكانت تتنافس مع ضرتها السابقة ( سكينة بنت الحسين ) التى شاركتها مصعب بن الزبير . يقول ابن اسحاق عن ابيه : ( دخلت على عائشة بنت طلحة بن عبيد الله ، وكانت تجلس ، وتأذن كما يأذن الرجل.) وبعضهم كان يأتى ليملأ عينيه من جمالها فقط ، تقول الرواية : ( وقال أنس بن مالك لعائشة بنت طلحة: " إن القوم يريدون أن يدخلوا اليك فينظروا إلى حسنك !"  قالت:  " أفلا قلت لي فألبس حسن ثيابي." )

4 ـ وفى هذا المناخ إشتهر عمر بن أبى ربيعة بالتشبيب أو التغزل بالنساء ، وتسابقت النساء الشهيرات ليحظين بشعره متغزلا فيهن . تقول الرواية : ( لقي عمر بن أبي ربيعة عائشة بنت طلحة بمكة،  وهي تسير على بغلة لها ، فقال لها :"  قفي حتى أسمعك ما قلت فيك " ، قالت : " أوقد قلت يا فاسق ؟ " قال: " نعم ،"  فوقفت فأنشدها:

ياربة البغلة الشهباء هل لك في * بأن تنشري ميتا لا ترهقي حرجا

قالت بدائك مت أو عش تعالجه *      فما نرى لك فيما عندنا فرجا

ومن مشاهير تغزل عمر بن أبى ربيعة فى عائشة بنت طلحة قصيدته التي أولها :

مـن لقـلب أمسـى رهـينا مُعنّى * مسـتكيـنا قـد شفـه مـا أجـنّا

إثر شخص نفسي فدت ذاك شخصا * نـازح الدار بـالمديـنة عـنا

3 ــ وكان لعائشة معجبون من مشاهير المغنيين ، ومنهم ابن محرز ، تقول الرواية : ( كان ابن محرز أحسن الناس غناء ، فمر بهند بنت كنانة بن عبدالرحمن .. فسألته أن يجلس لها ولصواحب لها ، ففعل وقال: " أغنيكن صوتا أمرني الحارث بن خالد بن العاص بن هشام أن أغنيه عائشة بنت طلحة بن عبيد الله، في شعر له قاله فيها ، وهو يومئذ أمير مكة قلن: نعم ، فغناهن:

فوددت إذ شحطوا وشطت دارهم * وعـدتهم عـنا عـواد تشـغل

 أنـا نطاع وأن تـنقل أرضـنا *         أو أن أرضهم إليـنا تـنقل

ومنهم المغنى ( العريض ) . تقول الرواية : ( حجت عائشة بنت طلحة بن عبيدالله ، فجاءتها الثريا ( الثريا عشيقة عمر بن أبى ربيعة ) وإخوتها ، ونساء مكة.  وكان المغني الغريض فيمن جاء ، فدخل النسوة عليها ، فأمرت لهن بكسوة وألطاف كانت قد أعدتها لمن يجيؤها، فجعلت تخرج كل واحدة ومعها جاريتها ومعها ما أمرت لها به عائشة .  والغريض بالباب حتى خرج مولياته مع جواريهن الخلع والألطاف ، فقال الغريض: فأين نصيبي من عائشة ؟ فقلن له: أغفلناك وذهبت عن قلوبنا ، فقال: ما أنا ببارح من بابها أو آخذ بحظي منها ، فإنها كريمة بنت كرام ، واندفع يغني بشعر جميل:

تذكرت ليلى فالفؤاد عميد * وشطت نواها فالمزار بعيد

فقالت: ويلكم هذا مولى العبلات بالباب يذكر بنفسه هاتوه ، فدخل ، فلما رأته ضحكت وقالت: لم أعلم بمكانك ، ثم دعت له بأشياء أمرت له بها ، ثم قالت له: إن أنت غنيتني صوتا في نفسي فلك كذا وكذا .. فغناها في شعر كثير:

ومازلت من ليلى لدن طر شاربي * إلى اليوم أخفي حبـها وأداجن )

4 ـ وكان والى مكة الحارث بن خالد بن العاص بن هشام من المتيمين بعائشة بنت طلحة . وكان ينظم فيها الشعر . تقول الرواية : ( قال الحارث بن خالد المخزومي متغزلا بعائشة بنت طلحة لما تزوجها مصعب بن الزبير ورحل بها إلى العراق :

ظـعن الأمـير بأحسـن الخـلق * وغـدا بـلبك مـطـلع الشـرق

 في البيت ذي الحسب الرفيع ومن * أهـل التـقى والبـر والصـدق

فـظـللت كـالمقهـور مـهجته * هـذا الجـنون وليــس بالغسق

أتـرجـة عـبق العـبير بـها * عـبق الدهـان بـجـانب الحـق

مـا صـبحت أحـدا بـرؤيتها * إلا غـدا بكـواكـب الـطـلق )

5 ــ قال أبوالفرج الأصفهانى : ( والحارث بن خالد أحد شعراء قريش المعدودين الغزليين ، وكان يذهب مذهب عمر بن أبي ربيعة لا يتجاوز الغزل إلى المديح ولا الهجاء ، وكان يهوى عائشة بنت طلحة بنت عبيدالله ويشبب بها.وحج الحارث بن خالد المخزومي بالناس ، وحجت عائشة بنت طلحة عامئذٍ ، وكان يهواها ، فأرسلت إليه :" أخّر الصلاة حتى أفرغ من طوافي  "، فأمر المؤذنين فأخّروا الصلاة حتى فرغت من طوافها ، ثم أقيمت الصلاة فصلى بالناس ، وأنكر أهل الموسم ذلك من فعله وأعظموه.ولما أن قدمت عائشة بنت طلحة أرسل إليها الحارث بن خالد ـ وهو أمير على مكة ـ : " أني أريد السلام عليك ، فإذا خف عليك أذنت ،"  وكان الرسول الغريض ، فقالت له: " أنا حرم ( أى فى الحرم فى الحج ) فإذا أحللنا إذناك ."  فلما أحلت سرت ( سارت ليلا ) على بغلاتها ، ولحقها الغريض بعسفان،  ومعه كتاب الحارث إليها:

" ما ضركم لو قلتم سددا ...". فلما قرأت الكتاب قالت: " ما يدع الحارث باطله " ، ثم قالت للغريض: "هل أحدثت شيئا ؟ " ( أى هل قال شعرا جديدا فيها ) قال: " نعم فاستمعي " ، ثم اندفع يغني في هذا الشعر ، فقالت عائشة: " والله ماقلنا إلاسددا ، ولاأردنا إلا أن نشتري لسانه " ، وأتى على الشعر كله ، فاستحسنته عائشة،  وأمرت له بخمسة آلاف درهم وأثواب ، وقالت: " زدني " ، فغناها في قول الحارث بن خالد أيضا.

6 ـ يضيق الصدر عن تحليل الروايات السابقة ، ونكتفى بالقول إنها كانت حياة ماجنة فى مكة والمدينة ، لا تختلف فى فسوقها عن سفك الدماء . أى إن السلف الصالح تقلب بين سفك الدماء والانغماس فى الفحشاء . وكانت عائشة بنت طلحة عنصرا فى هذا وذاك ، زوجها السفاح مصعب بن الزبير ، ثم هى بعده من أشهر النساء اللاتى تعلق بهن شعراء الفسق . وفى حالتى الفسق وسفك الدماء فقد حاز القرشيون الأموال بالملايين ، ليس من صحرائهم ولكن من عرق ومن دماء أهل البلاد المفتوحة ، من أواسط آسيا شرقا الى شمال أفريقيا غربا . .!!

 

 

 

 

الشاعر العرجى  : نتاج عصر الفتنة / فتنة الدماء والفحشاء

 

أولا : من هو العرجى ؟

هو عبد الله بن عمر بن عمرو بن عثمان بن عفان .وأم العرجى هى ابنة عم أبيه ( آمنة بنت عمر بن عثمان ) ،أى إن العرجى حفيد لعثمان من ناحية أبيه وأمه معا ، ولكنه اكتسب لقب العرجى وغلب عليه لأنه كان يملك بستانا فى منطقة ( عرج الطائف ) . كان العرجى وسيما أشقر .وربما ورث هذه الوسامة من جده عثمان .وورث منه أيضا صفة الكرم. كما كان فارسا شارك فى غزو الروم مع مسلمة بن عبد الملك . وما عدا كرمه وفروسيته فإن المشهور عنه فى عصره كان تشبيبه بالنساء مع مجونه وتعصبه القبلى لأهله بنى أميه وتعصبه الجنسى ضد غير العرب. وهنا يأتى تأثره بالعصر الأموى والسياسة الأموية .

ثانيا : العرجى : ملامح الشخص وملامح العصر:

1 ـ من الصعب الفصل بين العرجى كشاعر تخصص فى التشبيب بالنساء او التغزل فيهن وبين مجونه وتعصبه . فمع كثرة نسائه وجواريه فقد أدمن التعرض للنساء والتغزل فيهن متشبها بشاعر الغزل الأشهر عمر بن ربيعة . إلّا إن العرجى لم يكن مثل ابن ربيعة فى رقته وإحترامه للنساء إذا رفضن غزله بهن ومطاردته لهن ، على العكس من ذلك كان العرجى يلحّ فى مطاردتهن ولا يأبه باعتراضهن ، ثم كان يجعل من تشبيبه بالمرأة طريقا للهجاء وفضيحة من يبغضهم. كان متعصبا ضد والى مكة ( محمد بن هشام ) فتكلف أن يتغزّل فى أمه وزوجته ليفضحهما ، ودفع العرجى الثمن . كان ابن ربيعة اكثر تخصصا فى الغزل وتخصصا فى مطاردة النساء والولع بهن ومحادثتهن ، وكان النجم المحبب لنساء عصره من مختلف المستويات ، ومع هذا فقد  كان يؤكد عفّته . على العكس من ذلك نجد العرجى فخورا بانحلاله الخلقى مباهيا به . ونعطى بعض التفصيلات .

1/ 1 : عن انحلاله الخلقى يحكى العرجى أنه واعد إمرأة ، فجاءته المرأة تركب حمارة ، وكان معها خادمة لها . وجاء العرجى ومعه خادم له وهو يركب حمارا . فزنى العرجى بالمرأة ، وزنا خادمه بالخادمة ونزا حماره على حمارة المرأة ، فقال العرجى : هذا يوم غاب عذّاله !! لا ننسى أن العرجى كان متزوجا بعدة نساء وله عدة جوارى ملك اليمين على عادة الملأ من قريش وقتها. ومع هذا كان يهوى الزنا . ومن طريف ما يحكى عنه أن رجلا قال له : جئتك أخطب اليك مودتك ، فقال له العرجى : بل خذها زنا فأنها أحلى وألذّ .!!

1/ 2 : وكان ابن ربيعة ينبهر بالمرأة الجميلة فيطاردها بشعره ويحاول لقاءها ، فإن رأى منها إعراضا عفّ وكفّ ، ولكن كان العرجى معهن ثقيلا بغيضا معتديا لحوحا ميالا للإنتقام . فقد إعترضت إحداهن على العرجى وتشبيبه بالنساء ، واسمها ( كلابة)، وكانت تقول : لشدّ ما إجترأ العرجى على نساء قريش حين يذكرهنّ فى شعره.وعرف العرجى بقولها فجاء اليها فطردته فقال فيها شعرا يؤكّد فيه بأن لها علاقة محرمة به،وحتى يعمم فضيحتها فق أعطى هذا الشعر للمغنيين فتغنوا به ، ووصل الشعر الى زوجها فاتهمها بالعرجى ، وما زال بها حتى حلّفها فى الكعبة أنها لا علاقة لها بالعرجى .

1 / 3 : والعرجى كان يطارد المحصنات المحترمات من النساء مثل أم الأوقص وقد زعم أنه يهواها ، وكان يتحايل فى الوصول اليها ، وتحاول السيدة الفاضلة أن تنجو منه . وكانت هذه السيدة الفاضلة قد وهبت حياتها لرعاية ابنها محمد بن عبد الرحمن المخزومى ورفضت الزواج لتتفرّغ لرعايته، وكانت قد ولدته قزما دميما قصير الرقبة، فأطلقواعليه لقب الأوقص ، وعرضنا للأوقص فى مقال سابق . وبرعايتها صار الأوقص فى النهاية أشهر قاض فى مكة فى العصر العباسى الأول. وفى وقت رعايتها لابنها المعاق هذا كان العرجى يطاردها ويشبب بها زاعما أنه يهواها ، وهى تناضل حتى تفرّ منه .!

1 / 4 : وممّن فضحهن بشعره الغزلى السيدة ( جيداء ) وهى أم محمد بن هشام المخزومى والى مكة . وكانت من القواعد من النساء ، وربما تضارع ام العرجى فى العمر. ولم يكن العرجى مفتونا بها ولكنه كان يريد فضحها ليغيظ ابنها والى مكة ، بل إن العرجى شبب وتغزّل أيضا بزوجة هذا الوالى . ولأن العرجى حفيد لعثمان بن عفان ولأنه ينتمى للأسرة الأموية الحاكمة ورفيق مسلمة بن عبد الملك فى غزواته فلم يستطع والى مكة الانتقام منه. وظل الوالى محمد بن هشام يتحيّن فرصة الانتقام منه إلى أن أتاحها له العرجى بكل ما لدى العرجى من حمق وعتو وتكبّر .

1/ 5 : فى هذا العصر عاش الموالى مواطنين من الدرجة السفلى يعانون من تعصب الأمويين ضدهم . والموالى هم غير العرب ، من الفرس بالذات . وبعض الموالى كان يعيش فى الحجاز ؛ ومنهم من كان من ذرية السبى أو ذرية الرقيق المستجلب ، وكان بعضهم يكتسب الولاء أوالتبعية لقبيلة عربية أو أسرة عربية أو شخصية عربية ، فيقال له مولى فلان أو مولى بنى فلان من العرب . وفى العصر الأموى كان لأشراف قريش فى مكة والمدينة موالى كثيرون . وكان للعرجى بعض الموالى بالاضافة الى خدمه من الرقيق . وجرت ملاحاة ومناقشة بين العرجى وأحد مواليه ، وانطلق العرجى يسب المولى ويلعنه بأمّه . وفى النهاية ردّ عليه المولى السّب ، فجّنّ العرجى وكان أشعب ( الطامع ) حاضرا ، فقال له العرجى وهو لا يصدّق أن مولاه يرد عليه السّب : إشهد على ما سمعت . فقال اشعب : علام أشهد ؟ قد شتمته ألفا وشتمك واحدة ، والله لو أن أمّك أمّ الكتاب وأمّه حمالة الحطب ما زاد على هذا .! وسكت العرجى على مضض. وفى الليل جمع غلمانه وعبيده وهاجم ذلك المولى فى بيته وأخذه وقيّده ، واحضر زوجة المولى وأمر عبيده أن يغتصبوها أمامه ، ثم قتله وأحرقه بالنار .!. وتوجهت إمرأة المولى القتيل الى والى مكة محمد بن هشام تشكو له ما فعله العرجى . ورآها الوالى فرصة للانتقام من العرجى فقبض عليه، وأوقفه للناس يعذّبه ويصب الزيت المغلى على رأسه ، ويطاف به على تلك الحال يتفرّج عليه الناس والصبيان . وتلك كانت عقوبة مشهورة فى العصر الأموى . ثم أعاده الى الحبس وأقسم ألّا يخرج من الحبس طالما ظل واليا على مكة .

1/ 6 ـ وفى حبسه ظل العرجى يستنجد شعرا بالخليفة هشام بن عبد الملك ، ولكن بلا فائدة . ومن شعره وهو فى محنته :

سينصرنى الخليفة بعد ربى ويغضب حين يخبر عن مساقى

على عباءة بلقاء ليست مع البلوى تغيّب نصف ساقى

وحين يأس قال هذا الشعر الذى اشتهربعده :

أضاعونى وأى فتى أضاعوا ليوم كريهة وسداد ثغر

وصبر عند معترك المنايا وقد شرعت أسنّتها بنحرى

أجرّر فى الجوامع كل يوم فيا لله مظلمتى وصبرى

كأنى لم أكن فيهم وسيطا ولم تك نسبتى فى آل عمرو

وصار مثلا فى العصر العباسى أن يقال :

أضاعونى وأى فتى أضاعوا ليوم كريهة وسداد ثغر

ولم يستجب الخليفة الأموى هشام بن عبد الملك لصرخات العرجى فقد كانت هناك صلة صهر تجمع محمد بن هشام بعبد الملك والد الخلفاء المروانيين ، فظل العرجى فى السجن تسع سنوات الى أن مات سجينا .

2 ـ : وتولى الخلافة الوليد بن يزيد ، وكان مضطغنا على والى مكة محمد بن هشام المخزومى فعزله ، واستحضره معتقلا الى دمشق مع أخيه ابراهيم بن هشام . وأمر بضربه بالسياط بين يديه ، فاستعطفه محمد بن هشام قائلا : أسألك بالقرابة ؟ فقال له : وأى قرابة بينى وبينك ؟ وهل أنت إلّا من أشجع .! قال : فأسألك بصهر عبد الملك ، فقال له الوليد : لم تحفظه . فقال له : يا أمير المؤمنين قد نهى رسول الله أن يضرب قرشى بالسياط إلّا فى حدّ . فقال له الخليفة : ففى حدّ وقود أضربك،أنت أوّل من سنّ ذلك على العرجى وهو ابن عمّى وابن أمير المؤمنين عثمان، فما رعيت حق جدّه ولا نسبه بهشام ، وأنا ولى ثأره .! . وبعد ضربهما بعثهما الخليفة مثقلين بالقيود الحديدية الى والى العراق يوسف بن عمر ، فصادر أموالهما وظل يعذبهما الى ان لم يبق فى جسديهما موضع للعذاب ،ولم يعد بإمكانهما الحركة ، فكانوا إذا أرادوا أن يقيماهما يجذبانهما من لحاهما ، وأراد محمد بن هشام أن يرى وجه أخيه فتحامل على نفسه يحاول الوقوف فوقع ميتا على وجه أخيه فمات أخوه معه .. !

ثالثا : تأثير السياسة الأموية فى تكوين شخصية العرجى

1 ـ بعد ماساة كربلاء وبعد القضاء بصعوبة على حركة ابن الزبير إستنّ الأمويون سياسة محددة مع أبناء وأحفاد المهاجرين والأنصار المقيمين فى مكة والمدينة لتشغلهم عن السياسة ، هى إغراقهم فى المتع الحسّية ، فتكاثرت عليهم الأموال وجلبوا لهم الجوارى والقيان ، واصبحت المدينة بالذات مركزا لتعليم وتفريخ المغنيين والمغنيات من الرقيق و ذرية الرقيق ممن كان يطلق عليهن ( مولدات المدينة ) . تحولت المدينة ومكة الى ماخور لهو ومجون وغناء وخمر ، واشتهر فيهما أرباب الغناء من الذكور والاناث حتى أصبحت دمشق تستوردهم من مكة والمدينة . وانهمك أحفاد الصحابة فى حياة اللهو والمجون ، ليس فقط تمتعا بالعديد من الزوجات والجوارى ، بل بالزنا الذى شاع وانتشر . وفى المقابل كان هناك من تطرف فى العبادة الى درجة تحريم الحلال من الذهب والحرير وصاغ لتزمته الأحاديث إفتراءا على الله ورسوله . وتعايش الاتجاهان المتناقضان فى المدينة بالذات . ومن الطريف أن تجد محمد بن القاسم حفيد أبى بكر الصديق ناسكا راويا للأحاديث الكاذبة بينما تجد ابن أبى عتيق وهو حفيد آخر لأبى بكر ماجنا وصاحبا لعمر بن ربيعة. وهانحن مع العرجى حفيد عثمان . وفى النهاية أنتج جناح التزمت مالك بن أنس الذى ابتدع ( حد الرجم ) و(حد شرب الخمر) ليواجه إنحلال عصره ، بينما تكاثر الماجنون والزناة والمغنّون ومدمنو الخمر . هذا هو عصر (السلف الصالح ) من ( التابعين وتابعى التابعين) آلهة السلفيين فى عصرنا البائس الحزين .!!.

2 ـ ولم يكن المجون بالغناء والخمر هو السبيل الوحيد الذى نشره الأمويون لشغل الناس عن الثورة عليهم ، إذا شغلوا الناس بالشعر خصوصا شعر المدح للخليفة ، وشعر التهاجى بين الشعراء كما كان يحدث فى المربد من التهاجى بين الفرزدق وجرير والأخطل ، فظل هذا يشغل الناس حتى بعد زوال الدولة الأموية ، ثم شعر المجون والغزل والتشبيب بالنساء ، فاشتهر العصر الأموى بقصص العشّاق الشعراء المجانين بالعشق مثل مجنون ليلى وكثير عزّة وجميل بثينة وقيس ولبنى ..

3 ـ وأشعل شعر التهاجى نار العصبية القبلية التى شجعها الخلفاء الأمويون ، واستخدموها لصالحهم حين كان الخلفاء الأمويون أقوياء فلما ضعف الخلفاء الأمويون أصبحوا ضحايا لهذه العصبية وأسهمت فى القضاء عليهم ، وسننشر بحثا فى هذا . والواقع أن الأمويين تعاملوا بالعصبية على كل المستويات . تعصبوا جنسيا وعرقيا للعرب ضد غيرهم ، وداخل العرب استخدموا العصبية القبلية كما قلنا ، وتعصبوا لقريش ضد غيرها من قبائل مضر ، وداخل قريش تعصبوا إجتماعيا لذرية عبد مناف التى تجمعهم ببنى هاشم مع عدائهم لبنى هاشم بنى عمومتهم. ثم تعصبوا للأمويين ضد أبناء عمومتهم الهاشميين . وداخل الأسرة الحاكمة الأموية كان كل خليفة يتعصب لابنه ضد أخيه ولى العهد . وفى هذا الجو من التعصب نشأ وعاش وتأثر العرجى . فقد كان معاديا لمحمد بن هشام لأنه تولى مكة ، وهو ليس من الأمويين بل من بنى مخزوم القرشيين، وكل ميزته صلة مصاهرة تجمعه بعبد الملك بن مروان والد الخليفة هشام بن عبد الملك . وتفرّغ العرجى لهجاء محمد بن هشام والتشبيب بأمه وزوجته بلا سبب سوى تعصب العرجى لأسرته الأموية ورؤيته أنه الأحق من محمد بن هشام أو غيره من الأمويين فى ولاية مكة . بالاضافة الى تعصبه المحلّى هذا فقد كان العرجى متعصبا ضد غير العرب ، وقام بتطبيق هذا فيما فعله بمولاه المسكين .

4 ـ استعمل الأمويون كل الوسائل فى شغل الناس عن مشاكستهم سياسيا . ولم يتورعواعن استخدام الدين ، وسبق أن عرضنا لهذا فى مقال عن ( الجبرية ) فى السياسة الأموية ، أى كانوا يعتبرون ما يفعله الخليفة هو قدر الاهى لا يجوز الاعتراض عليه . وفى مبحث عن حرية الرأى والفكر أوضحنا سياسة الأمويين فى استخدام أبى هريرة فى صناعة الأحاديث واستخدامها سياسيا. ثم جعلوا لعن  (على ) من رسوم الخطبة فى صلاة الجمعة .

نرى تأثرا العرجى بهذه الثقافة الأموية ، فهو لم يستشعر ذنبا إقترفه حين قتل رجلا بريئا وحين جعل عبيده يغتصبون الزوجة المسكينة أمام زوجها الموثق ، ثم يحرقون زوجها أمامها. العرجى لا يرى فى ذلك إثما ، بل يرى نفسه مظلوما ، فظل ينتحب وهو فى محنته معتقدا ببراءته . كما نلمح هذا فى حوار محمد بن هشام مع الخليفة الوليد بن يزيد ، وقوله بأن الرسول منع ضرب القرشيين بالسياط .!!

أخيرا .. مثل معظم البشر، كان العرجى ابن عصره،إستمتع بعصره،وأصبح ضحية لعصره . وتبقى لعصرنا العبرة والعظة لو كان هناك من يعتبر ويتعظ ..!!

 

 

 

 

 

 

 فسق بعض الخلفاء الأمويين 

ليتجنب الأمويون ثورات أهل مكة والمدينة أغرقوهم بالأموال والخمور والقيان ( الجوارى المغنيات ) ووصلت اصداء ذلك الى دمشق وقصور الخلافة فاشتهر بعض الخلفاء الأمويين بالمجون ، وأشهرهم يزيد بن عبدالملك ، ثم ابنه الوليد بن يزيد .

أولا : يزيد بن عبد الملك : (101 ـ 105)  

1 ـ تولى بعد عمر بن عبد العزيز ، وفى البداية تأثر به فقال : سيروا بسيرة عمر بن عبد العزيز ، ولم تتحمل بنو أمية ذلك ، فجاءوا له بأربعين شيخا شهدوا له بأنه ما على الخلفاء حساب ولا عذاب .

وتطلع الخليفة الشاب حوله فجاءته أخبار المجون فى المدينة . ووصلت اليه أخبار أشهر مغنيتين فى المدينة وهما سلّامة وحبابة، وعشق الناسك عبد الرحمن ( القس ) لسلامة .

2 ـ كانت ســلامــة قد نشأت جارية بالمدينة وتعلمت الغناء على أعلام الغناء فيها وأشهرهم معبد وابن عائشة وجميلة ومالك بن أبي السمح. وحين استوى عودها واشتهرت بحسن الصوت نافستها جارية أخرى كانت دونها في حسن الصوت إلا أنها كانت أجمل منها وجهاً وهي "حبابة" ، إلا أن ســلامــة امتازت عن حبابة بميزة إضافية وهي قولها الشعر ، فكان ثمنها أعلى ومحـبـُّوها أكثر. ونالت سـلامـة إعجاب أحد المترفين في مكة فاشتراها وأحضرها إلى بلده مكة ، وهو سهيل بن عبد الرحمن بن عوف ، وأبوه الصحابي المشهور . وتحولت دار سهيل إلى ملتقى للماجنين محبي الغناء والسمر والجمال ، تظل نوافذه مضاءة ورواده إلى الفجر في سرور وحبور وأصواتهم تصل إلى جنبات الشارع. وذات يوم مر عبد الرحمن القــس على دار سهيل فسمع صوت سلامة وهي تغني فأعجبه صوتها فتوقف ، وكان منظراً غريباً أن يتوقف القس العابد ليسمع الغناء ، ووصل الخبر إلى الفتى الماجن سهيل فنزل يدعو القس للدخول فأبى وانصرف في خجل ، إلا أنه في اليوم التالي عاد في الوقت نفسه ووقف يسمع الغناء ، وتلاحقت الهمسات حول القـس كلما مر يوم وهو على عادته يسمع الغناء ويرفض الدخول ، وفي النهاية غلبه الشوق فاستجاب لرجاء سهيل ودخل داره وشاهد سـلامـة وجلس معها وشغف بها حباً وهامت به غراماً ، ولم يستطع كتمان مشاعره ففاض لسانه شعراً سارت به الركبان ، فاشتهرت سلامة وأصبح لقبها سلامة القس. على أن عبد الرحمن القس في حبه لسلامة ظل محافظاً على ورعه وتقواه ، تقول الرواية : ( وإنما قيل لسلامة سلامة القس لأن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عمار أحد بني جشم بن معاوية بن بكير ـ  كان فقيهاً عابداً مجتهداً في العبادة، وكان يسمى القس لعبادته، مر يوماً بمنزل مولاها فسمع غناءها فوقف يسمعه، فرآه مولاها فقال له: هل لك أن تنظر وتسمع فأبى، فقال: أنا أقعدها بمكان لا تراها وتسمع غناءها؛ فدخل معه فغنته، فأعجبه غناؤها، ثم أخرجها مولاها إليه، فشغف بها وأحبها وأحبته هي أيضاً، وكان شاباً جميلاً. فقالت له يوماً على خلوة: أنا والله أحبك! قال: وأنا والله أحبك! قالت: وأحب أن أقبلك! قال: وأنا والله! قالت: وأحب أن أضع بطني على بطنك! قال: وأنا والله! قالت: فما منعك؟ قال: قول الله تعالى( الأخلاء يومئذٍ بعضهم لبعضٍ عدو إلا المتقين )، وأن أكره أن تؤول خلتنا إلى عداوة؛ ثم قام وانصرف عنها وعاد إلى عبادته،  فقيل لها سلامة القس لذلك.)
3 ـ   وانتشرت قصة سلامة وغرام العابد الناسك بها ، ووصلت إلى دمشق مصحوبة بالأشعار التي قالها الناسك والأشعار الأخرى التي قيلت فيهما ، وكان الخليفة الأموي يزيد بن عبد الملك  يبحث عن الجديد والمشهور من ألوان المتع ، فبعث من اشترى له سلامة ، وسافرت سلامة إلى دمشق وحظيت مع حبابة لدى الخليفة الشاب.  وبينما ماتت حبابة في عهد الخليفة فإن سلامة عاشت بعده ، ويذكر المؤرخون أن الخليفة الأموي  اشترى سلامة من مولاها بعشرين ألف دينار.

4 ــ  ويروى الطبرى أن الخليفة يزيد بن عبد الملك : (  قال يوما :  وقد طرب ، وعنده حبابة وسلامة : " دعوني أطير .! " فقالت حبابة  : " إلى من تدع الأمة ؟ " )  وروى الطبرى أنه (  حجّ  يزيد بن عبد الملك في خلافة سليمان بن عبد الملك فاشترى حبابة ، وكان اسمها العالية بأربعة آلاف دينار من عثمان بن سهل بن حنيف ، فقال سليمان : " هممت أن أحجر على يزيد . " فرد يزيد حبابة ، فاشتراها رجل من أهل مصر.  فقالت سعدة ليزيد : : يا أمير المؤمنين هل بقي من الدنيا شيء تتمناه بعد ؟ " قال : " نعم.  حبابة . " فأرسلت سعدة رجلا فاشتراها بأربعة آلاف دينار،  وصنعتها حتى ذهب عنها كلال السفر ، فأتت بها يزيد فأجلستها من وراء الستر، فقالت : " يا أمير المؤمنين أبقي شيء من الدنيا تتمناه ؟  قال : "  ألم تسألييني عن هذا مرة فأعلمتك ؟ فرفعت الستر وقالت : " هذه حبابة . " قامت وخلتها عنده ، فحظيت سعدة عند يزيد  وأكرمها وحباها . وسعدة امرأة يزيد وهي من آل عثمان بن عفان . ) .

وتقول الرواية عن يزيد وحبابة وسلامة :  فقال يوماً وقد طرب وعنده حبابة وسلامة القس: دعوني أطير قالت حبابة: على من تدع الأمة؟ قال: عليك؛ قيل وغنته يوماً:

وبين الترافي واللهاة حرارة ** ما تطمئن وما تسوغ فتبردا
فأهوى ليطير، فقالت: يا أمير المؤمنين إن لنا فيك حاجة. فقال: والله لأطيرن! فقالت: على من تخلف الأمة والملك؟ قال: عليك والله! وقبل يدها؛ فخرج بعض خدمه وهو يقول: سخنت عينك فما أسخفك! )

5 ـ وماتت حبابة فمات الخليفة يزيد ( الثانى ) حزنا عليها.!!

وعن موتها تقول الرواية : ( وخرجت معه إلى ناحية الأردن يتنزهان، فرماها بحبة عنب فدخلت حلقها فشرقت ومرضت وماتت، فتركها ثلاثة أيام لم يدفنها حتى أنتنت وهو يشمها ويقبلها وينظر إليها ويبكي، فكُلّم في أمرها حتى أذن في دفنها، وعاد إلى قصره كئيباً حزيناً، وسمع جاريةً له تتمثل بعدها: كفى حزناً بالهائم الصب أن يرى ** منازل من يهوى معطلة قفرا

فبكى، وبقي يزيد بعد موتها سبعة أيام لا يظهر للناس، أشار عليه مسلمة بذلك وخاف أن يظهر منه ما سفهه عندهم.) .

وفى رواية (كان سبب موته أن حبابة لما ماتت وجد عليها وداً شديداً، على ما نذكره إن شاء الله تعالى، فخرج مشيعاً لجنازتها ومعه أخوه مسلمة بن عبد الملك ليسليه ويعزيه، فلم يحبه بكلمة، وقيل إن يزيد لم يطق الركوب من الجزع وعجز عن المشي فأمر مسلمة فصلى عليها، وقيل: منعه مسلمة عن ذلك لئلا يرى الناس منه ما يعيبونه به. فلما دفنت بقي بعدها خمسة عشر يوماً ، ومات ودفن إلى جانبها، وقيل: بقي بعدها أربعين يوماً لم يدخل عليه أحد إلا مرة واحدة . ) ( ومات فى شعبان عام 105 (وله أربعون سنة، وقيل خمس وثلاثون سنة، وقيل غير ذلك، وكانت ولايته أربع سنين وشهراً وأياماً ) . 

ثانيا : الوليد بن يزيد بن عبد الملك :

1 ــ بعد موت يزيد بن عبد الملك تولى أخوه هشام بن عبد الملك (105 ـ125هـ) . وكان ولى عهده الوليد بن يزيد بن عبد الملك ( أبن أخيه ) . وحاول هشام عزل ابن أخيه الوليد بن يزيد عن ولاية العهد وتولية ابنه مسلمه ابن هشام ، ولكن عارضه كبار الأمويين ، فصب هشام سخطه على الوليد بن يزيد مما ملأه حقداً على هشام وأسرته. وحين تولى الوليد بن يزيد الخلافة(125ـ 126هـ) انتقم من أولاد عمه هشام وممن مالأ هشاماً في محاولة عزله عن ولاية العهد . وأشتهر الوليد بالمجون أكثر من أبيه يزيد . وتسبب فسقه فى ثورة الناس عليه  فتجمعوا تحت قيادة  (يزيد بن الوليد بن عبد الملك ) المعروف بيزيد الناقص ، الذي نجح في ثورته وقتل الخليفة الوليد بن يزيد سنة 126هـ . 

2 ــ وقيل عن الوليد بن يزيد : ( كان فاسقا شريبا للخمر منتهكا حرمات الله ، أراد الحج ليشرب فوق ظهر الكعبة ، فمقته الناس لفسقه ، وخرجوا عليه ، وحين حوصر قال للناس : ألم أزد فى أُعطياتكم ..ألم أعط فقراءكم ؟ فقالوا : ما ننقم عليك فى أنفسنا ، ولكن ننقم عليك إنتهاك حُرُم الله وشرب الخمر ونكاح أمهات أولاد أبيك ، وإستخفافك بأمر الله ) ( ولما قُتل وقُطع رأسه قال أخوه سليمان : بُعدا له . أشهد أنه كان شروبا للخمر فاسقا ، ولقد راودنى على نفسى .! ) . ويذكر المؤرخ الصفدي أنهم اتهموه بأن له علاقة بسلامة جارية أبيه .

3 ــ ويقول الطبرى إن الذى أفسد الوليد هو معلمه عبد الصمد بن عبد الأعلى ، الذى أحاط الوليد بندماء السوء . وأرد الخليفة هشام إصلاح ابن أخيه الوليد ولى عهده:( فولاه الحج سنة تسع وعشرة ومائة ، فحمل معه كلابا في صناديق فسقط منها صندوق .. وفيه كلب ..وحمل معه قبة عملها على قدر الكعبة ليضعها على الكعبة وحمل معه خمرا ، وأراد أن ينصب القبة عل الكعبة ، ويجلس فيها ، فخوفه أصحابه ، وقالوا : " لا نأمن الناس عليك وعلينا معك . " فلم يحركها . وظهر للناس منه تهاون بالدين واستخفاف به . وبلغ هشاما فطمع في خلعه والبيعة لابنه مسلمة بن هشام ،  فأراده على أن يخلعها ويبايع لمسلمة فأبى ، فقال له اجعلها له من بعدك فأبى ، فتنكر له هشام ، وأضرّ  به وعمل سرا في البيعة لابنه فأجابه قوم . ) واشتدت العداوة بين الخليفة هشام وولى عهده ، ومع هذا فقد نصحه هشام ، يقول الطبرى : (  وتمادى الوليد في الشراب وطلب اللذات فأفرط ،  فقال له هشام : ويحك يا وليد والله ما أدري أعلى الإسلام أنت أم لا ؟ ما تدع شيئا من المنكر إلا أتيته غير متحاش ولا مستتر به ؟ فكتب إليه الوليد :

يا أيها السائل عن ديننا نحن على دين أبي شاكر

نشربها صرفا وممزوجة بالسخن أحيانا وبالفاتر )

وروى ابن عساكر فى تاريخه أن الوليد سمع بخمار صلف بالحيرة فقصده حتى شرب منه ثلاثة أرطال من الخمر، وهو راكب على فرسه، ومعه اثنان من أصحابه، فلما انصرف أمر للخمار بخمسمائة دينار‏.

4 ـ وقتلوه بعد أن حكم حوالى ستة أشهر . وكان عمره إذ ذاك أربعاً وثلاثين سنة‏.

  ويقول الطبرى فى التأريخ للعام التالى 126 عن أسباب مقتل الخليفة الوليد بن يزيد : ( ولما ولي الخلافة وأفضت إليه لم يزدد في الذي كان فيه من اللهو واللذة والركوب للصيد وشرب النبيذ ومنادمة الفساق إلا تماديا وحدا تركت الأخبار الواردة عنه بذلك كراهة إطالة الكتاب بذكرها فثقل ذلك من أمره على رعيته وجنده فكرهوا أمره وكان من أعظم ما جنى على نفسه حتى أورثه ذلك هلاكه إفساده على نفسه بني عميه بني هشام وولد الوليد ابني عبد الملك بن مروان مع إفساده على نفسه اليمانية وهم عظم جند أهل الشأم ) ( كان الوليد صاحب لهو وصيد ولذات فلما ولي الأمر جعل يكره المواضع التي فيها الناس حتى قتل ولم يزل ينتقل ويتصيد حتى ثقل على الناس وعلى جنده  ) ( فثقل الوليد على الناس ورماه بنو هشام وبنو الوليد بالكفر وغشيان أمهات أولاد أبيه. ) .

5 ــ ويذكر ابن الجوزى فى المنتظم عن الوليد  ( فظهر من الوليد لعب وشرب للشراب واتخذ ندماء ، فولاه هشام الحج سنة ستة عشرة ومائة ، فحمل معه كلابًا في الصناديق  ، وعمل قبة على قدر الكعبة ليضعها على الكعبة، وحمل معه خمرًا وأراد أن ينصب القبة على الكعبة ويجلس فيها فخوفه أصحابه فجمع المغنين بمكة وتشاغل باللهو ) (الوليد بن يزيد كان أمر بالقبة من حديد أن تعمل وتركب على أركان الكعبة ، ويخرج لها أجنحة لتظلله إذا حج وطاف فعملت ولم يبق إلا أن تركب . فقال الناس في ذلك – الفقهاء والعباد - وغضبوا في ذلك ، وتكلموا وقالوا‏:‏ لا يكون هذا قط . وكان أشدهم في ذلك كلامًا وقيامًا سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن . وكتب إلى الوليد بذلك فكتب‏:‏ اتركوها ‏.)‏ وقال ابن الجوزى عنه : (  قام على بركة مملوءة خمرًا ..فقذف نفسه في البركة فنهل منها ثم خرج فتلقي في الثياب والمجامر ..) ( :‏ كان الوليد بن يزيد زنديقًا وأنه فتح المصحف يومًا فرأى فيه ‏{‏واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد‏}‏ فألقاه ورماه بالسهام ، وقال‏:‏

تهددني بجبار عنيد **           فها أنا ذاك جبار عنيد

 إذا ما جئت ربك يوم حشر ** فقل يا رب حرقني الوليد ).

جدير بالذكر أنه حين حوصر فتح المصحف وقال : يوم كيوم عثمان ، وقتلوه والمصحف معه ، ولعله كان نفس نسخة المصحف الذى أطلق عليه السهام.

ويذكر المسعودى فى ( مروج الذهب ) شعرا للوليد بن يزيد يكفر فيه : يقول 

تلعب بالخلافة هاشمى         بلا وحى أتاه ولا كتاب 

فقل لله يمنعنى طعامى         وقل لله يمنعنى شرابى .

وقُتل بعدها. 

ويذكر المسعودى عن فسقه ، أنه حين إعتزل عمه الخليفة هشام ، وأقام فى الرصافة ، ثم جاءه نعى الخليفة وتوليه الخلافة قال شعرا عن بنات عمه هشام :

إنى سمعت خليلى          نحو الرصافة رنه 

اقبلت اسحب ذيلى           أقول ما حالهنّ

إذا بنات هشام                يندبن والدهنّ 

يدعون ويلا وعولا        والويل حلّ بهنّ 

أنا المُخنث حقا             إن لم   أُنيكهنّ

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الفصل الثانى :

الفتنة الكبرى الثانية : من سفك الدماء الى تأسيس أديان أرضية :

لمحة عامة 

أولا :

1 ـ أن تخاطب الله جل وعلا تستغفره وتسبحه وتحمده وتدعوه فهذه هى العبادة فى الصلاة والدعاء ، والمؤمن يخاطب ربه فى صلاته . والفاتحة التى يقولها 17 مرة يوميا هى خطاب المؤمن لربه جل وعلا ، ومفروض أن يخاطب ربه جل وعلا بخشوع وأن يدعوه بخشوع . وبذكره جل وعلا تطمئن القلوب . 

أمّا أن تزعم أن الله جل وعلا يخاطبك ويكلمك ويوحى اليك فهذا أفظع الكذب على الله جل وعلا . وإذا كنت البادىء بهذا فأنت تخترع دينا أرضيا . وكل مخترعى الأديان الأرضية بدأوا بهذا الكذب ، وكل الأديان الأرضية مؤسسة على وحى إلاهى مزعوم مفترى . ويتنوع هذا الوحى الكاذب بين المنامات الرؤى والهاتف ونسبة حديث لرب العزة فيما يزعمون أنه الحديث القدسى ونسبة حديث للنبى فيما يزعمون أنه الحديث النبوى ، ونسبة أحاديث للآلهة الأرضية ، وهناك من يزعم رؤية النبى فى المنام ، وبعضهم يزعم رؤية النبى يقظة كما كان يزعم السيوطى . وإشتهر الحنابلة والصوفية بمزاعم رؤية الله جل وعلا فى المنام والحديث معه، واشتهر الصوفية بخرافة العلم اللدنى الذى يزعمون أنهم يتلقونه مباشرة من الله ــ تعالى عن ذلك علوا كبيرا . والغزالى أشهر من زعم ذلك ، وقد ملأ كتابه ( إحياء علوم الدين ) بهذا الخبل العقلى . ولم يتخلف الشيعة عن ميدان الافتراء هذا ، فبالاضافة الى أحاديثهم التى ينسبونها للنبى ولعلى بن أبى طالب ، فهم ينسبون لأئمتهم أقوالا يعتبرونها دينا .

2 ـ وعموما ، فهناك وحى إلاهى صادق نزل على كل الأنبياء ، والقرآن الكريم هو الوحى الالهى النهائى باللسان العربى للبشر جميعا والى قيام الساعة، يقول جل وعلا :( وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنْ الْمُنذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195) الشعراء ) (وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ (210) وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ (211) إِنَّهُمْ عَنْ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ (212) الشعراء). وانتهى الوحى الالهى نزولا بإكتمال القرآن الكريم وموت خاتم النبيين ، ولكن الوحى الشيطانى مستمر لا يزال يتنزل على أتباع الشياطين من أئمة الأديان الأرضية ، يقول جل وعلا : (هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ (221) تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (222) الشعراء ). وكل أئمة الأديان الأرضية أصحاب وحى شيطانى  من سنة وتشيع وتصوف وكاثولوكية وارثوذكسية وبوذية..الخ ، وكل أئمة الأديان الأرضية أعداء للأنبياء لا فارق بين مالك والشافعى وابن حنبل والبخارى والغزالى وبولس والكلينى والكاشانى والشعرانى والجيلانى ..الخ  . يقول جل وعلا : ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (112) وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ (113) أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمْ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُونَنَّ مِنْ الْمُمْتَرِينَ (114) وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (115) وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ (116) الانعام ) (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً (30) وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنْ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً (31) الفرقان ).

ثانيا :

1 ـ بعد موت النبى ظهر مسيلمة الكذاب وطليحة وسجاح يزعمون الوحى الالهى . كانت حركة ردة إعرابية ساذجة تعبّر عن رد فعل للهيمنة القرشية .  وبعد إخماد قريش لحركة الردة هذه ، قامت قريش بزعامة الخلفاء الراشدين بردة أخطر تعبّر عن المكر القرشى الذى وصفه رب العزة بأنه مكر تزول منه الجبال ( ابراهيم 46 ) . هى الأخطر ، لأنها لم تعلن الانسلاخ عن الاسلام بل حملت إسمه وإستغلته فى الغزو والاحتلال وما يُعرف بالفتوحات.هو كُفر سلوكى بالاعتداء والظلم للبشر يثضاف اليه ظلم لرب العزة جل وعلا ، يستخدم إسم رب العزة ضد شرع رب العزة القائم على السلام والعدل وحرية الدين وعدم الاكراه فى الدين . وبينما لا يزال مسيلمة الكذاب يحمل لقب ( الكذاب ) فإن من كانوا يفوقونه فى الكذب وفى الاجرام لا يزالون يحملون لقب ( الخلفاء الراشدين ). !! هذا أكبر دليل على مكر قريش الذى تزول منه الجبال ، ولا يزال بلايين المسلمين خلال 14 قرنا أسرى لهذا المكر الذى تزول منه الجبال .!!

2 ـ شرع الله جل وعلا يجعل القتال محصورا فى الدفاع فقط (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190)  البقرة ) ، ويأمر بالبرّ والقسط مع الأمم المخالفة فى الدين التى لم تقاتل المؤمنين ولم تُخرجهم من ديارهم (لا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّمَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ (9) الممتحنة ) ، ويجعل الكافر فى مجال التعامل البشرى هو الذى يعتدى ظالما على المسالمين كما كانت قريش تفعل مع النبى والمؤمنين معه ، كما يجعل المسالم المأمون الجانب هو المسلم المؤمن بغض النظر عن عقيدته لأن مرجع الاختلاف فى الدين والعقائد هو لرب العزة جل وعلا يوم القيامة .

3 ـ قامت قريش بزعامة (الخلفاء الراشدين ) بتغيير ذلك . إتهموا الأمم الأخرى التى لم تعتد عليهم ولم تهاجمهم بأنهم كفرة ، وبتكفيرهم إستباحت قريش بزعامة الخلفاء الراشدين غزو تلك الأمم واحتلال أراضيهم وبلادهم وسلب ثرواتهم واستعباد ذراريهم وسبى وإغتصاب نسائهم . وإستغلت قريش ـ بمكرها الذى تزول منه الجبال ـ حيوية الأعراب الحربية ، وأقنعتهم بأن هذا هو الجهاد الاسلامى ، وأنهم به يكسبون الأموال والنساء فى الدنيا والجنة فى الآخرة . ورحّب الأعراب بهذا فتفانوا فى القتال تحت قيادة قريش ففتحت بهم الشام والعراق وايران ومصر وشمال افريقيا . ثم تبين لهم فى خلافة عثمان أن قريش إستحوذت على كل الغنائم وتركت لهم الفُتات ، فثاروا وقتلوا عثمان ، وإشتعلت الفتنة الكبرى فى حرب أهلية ضروس .

4 ـ هذه الفتنة الكبرى الأولى جعلت بعض الأعراب ( خوارج ) . هؤلاء الخوارج إستعملوا سلاح التكفير ضد قريش وكل من هو خارج عنهم . أى إنه إذا كانت قريش قد إستعملت التكفير للآخرين مسوغا لغزوهم واحتلالهم وسلبهم وسبيهم وإستعبادهم فإن الخوارج إستعملوا نفس سلاح التكفير ضد قريش وسائر ( المسلمين ) مسوغا لقتلهم وقتل أطفالهم . ومن العجيب أن الخوارج قصروا تكفيرهم للمسلمين فقط دون أهل الكتاب . وبهذا تأسس دين الخوارج ، كان تطرفا فى العبادة السطحية يستر تطرفا فى القتل العشوائى ، اى كان كفرا سلوكيا دمويا يصاحبه كفر عقيدى يسوّغه ويُشرّعه ، بنفس ما سوّغت قريش فتوحاتها .

5 ــ وعلى هامش الفتنة الكبرى ــ  التى بدأت بقتل عثمان عام 35 ، وانتهت بقتل (على ) عام 40 ــ  بدأ نوع آخر من الكفر العقيدى ، هو صناعة أحاديث منسوبة للنبى عليه السلام ، تناصر عليا وحزبه وتهاجم معاوية وحزبه والخوارج ، أو العكس . وبرز إسم أبى هريرة عميلا لبنى أمية فى هذه الحرب الفكرية التى بدأ بها الكفر ( العقيدى ) بالكذب على النبى ، مصاحبا للكفر السلوكى الذى تمثل فى حروب الجمل وصفين والنهروان .

وفى الفتنة الكبرى الأولى ظهر التشيع ، بالسبئية الأولى بعبد الله بن سبأ الذى أعلن تأليه (على بن أبى طالب ) ورجعته بعد موته ، كما ظهرت بوادر الدين السُّنّى من قبل بدور ( كعب الأحبار ) الذى كان معلما لأبى هريرة ، ومؤسسا لما أصبح فيما بعد بالدين السُّنّى . وكلاهما ( ابن سبأ وكعب الأحبار ) كانا من يهود اليمن وأسلما فى خلافة (عمر ) ، وإنضم ( كعب ) الى معاوية فى ولايته على الشام بعد أن حظى فى خلافة (عمر ) بينما إنضم ابن سبأ الى فريق (على ) وأدرك خلافة (على ) .

6 ــ بالفتوحات والفتنة الكبرى تأسّست جذور الأديان الأرضية للمسلمين ، وهى تشريع بتكفير الآخر لاستحلال دمه وثروته وذريته ، وبالكذب على النبى وإختراع وحى كاذب . ولا يزال هذا سائدا حتى اليوم . فالوهابية تستعمل سلاح التكفير لتُسوّغ به إستحلال دم المخالف لها وحقوقه ، بل إن الوهابيين يستخدمون التكفير لاستحلال دماء بعضهم ، والمعارضة الوهابية فى الدولة السعودية قامت بتكفير الأسرة السعودية ، وفقهاء الأسرة السعودية يكفّرون المعارضة لإتاحة الفرصة للأسرة السعودية كى تقتلهم .

ثالثا :

1 ـ وأنتجت الفتنة الكبرى الأولى الفتنة الكبرى الثانية . وممّن اشعل الفتنة الكبرى كان مروان بن الحكم وعبد الله بن الزبير ، وقد أصبحا أعمدة الفتنة الكبرى الثانية التى بدأت بقتل الحسين وآله فى كربلاء عام 61 وانتهت بقتل ابن الزبير عام 73، وتخللتها معارك ومآسى أكبر وأفظع من معارك الفتنة الكبرى الأولى . وكانت لهذه الفتنة الكبرى آثار إجتماعية وأخلاقية تمثلت فى الانحلال الخلقى ، الذى نشره الأمويون فى مكة والمدينة لشغل أهلها عن الطموح السياسى ، كما كان لهذه الفتنة الكبرى الثانية آثار فى تأسيس أديان أرضية ، أهمها التشيع . جاءت الفتنة الكبرى الثانية فأسست كفرا عقيديا إضافيا لدين التشيع بالذات ، وظهر هذا مبكرا فى الدولة الأموية ، وقد جاء على هامش الصراع السياسى والعسكرى بين حزب العلويين وحزب الأمويين .

2 ـ المدينة التى تزعمت المعارضة للأمويين ثم هزمها الأمويون دخلت فى طور جديد بعد موقعة الحرة .   توزعت المدينة بين تيارى ( المجون والفسق ) و ( التزمت الدينى ) الذى تخصّص فى صناعة الأحاديث ، ومن الطريف أن المدينة التى كانت ماخورا للمجون هى نفسها المدينة التى إخترعت تشريع الرجم للزانى المحصن ، ونسبه مالك الى سعيد بن المسيب ، يزعم أن سعيد بن المسيب سمعه من عمر بن الخطاب ، هذا مع أن سعيد بن المسيب لم ير عمر بن الخطاب .!

3 ـ وبالإفتراء جعلوا المدينة حرما يضاهى الحرم المكى وجعلوا قدسية للقبر المنسوب للنبى وأوجبوا الحج له ، وجعلوا ذلك من شعائر الحج فى الاسلام كما لو كان النبى يحج الى قبره فى حياته .!!.

4 ـ  هذا التكريم والتقديس للمدينة جاء رد فعل للإهانة الى حدثت للمدينة فى موقعة الحرة . لذا ظهر فيها ( مالك بن انس ) الذى قام تلامذته بكتابة كتابه ( الموطّأ ) فى نُسخ كثيرة ومتعددة تخلو من الاستشهاد بالقرآن الكريم ، وتمتلىْ بأحاديث منسوبة للنبى وللصحابة والتابعين ، يزعم مالك أنه سمعها من ابن شهاب الزهرى ، وهو لم يلق ولم ير إبن شهاب الزهرى كما حققنا هذا من قبل. الذى يهمنا أن مالك بن انس جعل (عمل أهل المدينة ) مصدرا للتشريع فى دينه الأرضى تعصبا منه للمدينة . أى شهدت المدينة بعد مأساة ( الحرة ) إنحلالا خُلُقيا وإنحلالا عقيديا تمثل فى تأسيس الدين الأرضى السّنّى ، كأثر من آثار الفتنة الكبرى الثانية ( 61 : 73 ) .

أخيرا :

ونعطى بعض التفصيلات فى هذا الفصل لأثر الفتنة الكبرى الثانية ( 61 : 73 ) فى تأسيس الأديان الأرضية للمسلمين .

 

 

 

 

 

 

 

 

تأثير المختار الثقفى فى الدين الشيعى : محمد بن على ( ابن الحنفية )

مقدمة :

1 ـ المختار بن عبيد الثقفى ـ ذلك المغامر الأفّاق الأفاك ـ قفز الى ذروة الأحداث فى الفتنة الكبرى الثانية ، وصار من أعمدتها بضع سنوات ، ولكن تأثيره إمتد سياسيا حتى العصر العباسى ، ودينيا ــ فى تشكيل التشيع ــ  حتى الآن .

2 ــ  لم يكن مسموحا للمختار بين عبيدة الثقفى بالظهور السياسى إلا بواحد من طريقين ، أن يكون ضد قريش ، يتزعم فرقة من الخوارج ، أو أن يكون تابعا لقريش ، أى لأحد الأجنحة المتصارعة من قريش ( الأمويين / العلويين الهاشميين / الزبيريين ) . إختار أن يكون تابعا للعلويين الهاشميين ، وإختار تبعيته لمحمد بن على بن أبى طالب المشهور بابن الحنفية نسبة لأمّه . الحقيقة أن الظروف فرضت عليه هذا ، وكان هذا مناسبا له ، فقد كان إنحصرت زعامة العلويين بعد مأساة كربلاء فى إثنين فقط : ( على زين العابدين بن الحسين ) الشاب الذى نجا من المذبحة وعاش يحمل ذكرياتها كوابيس تؤرق حياته وتجعله بعيدا عن الوقوع فى أى مغامرة سياسية ـ اى لا مجال لأن يعلق المختار الثقفى عليه آمالا ، والثانى هو محمد بن الحنفية ، الذى عاش مترددا ،  بين النشاط السياسى والاعتزال ، يتقدم خطوة ويتراجع أخرى . كان ابن الحنفية هو الأنسب للمختار فى أن يستغل إسمه ، ويصل له الى قيادة الشيعة فى العراق فى فترة الاضطراب هذه . على أن هذا لم يكن وحده كافيا . كان لا بد من ( رتوش ) أخرى يضفيها المختار على نفسه ودعوته وشيخه ابن الحنفية ، سواء رضى إبن الحنفيه ذلك أو كرهه ، وهو تلك المزاعم الدينية التى نشرها المختار ليجمع بها الأنصار . تلك المزاعم الدينية إستمرت لتصبح من معالم الدين الشيعى بعد مقتل المختار ، وبعضها لا يزال باقيا حتى اليوم ضمن معالم الدين الشيعى .

3 ـ وفى هذه اللمحة البحثية نبدأ بالتوقف مع شخصية محمد بن على بن أبى طالب ( محمد ابن الحنفية ) ثم نعرض لمزاعم المختار والكيسانية الدينية ، وتأثيراتها السياسية والدينية اللاحقة . 

 أولا : تحليل شخصية ابن الحنفية

1 ـ شارك ابن الحنفية مع ابيه فى معاركه فى الفتنة الكبرى الأولى ، وبعدها آثر الابتعاد عن الفتن مع الانتظار للوقت المناسب .

2 ـ  بدأ هذا فى نصيحته لأخيه الحسين بن على ألا يذهب الى الكوفة ، تقول الرواية عن خروج الحسين : ( أما الحسين فإنه خرج ببنيه وإخوته وبني أخيه وجل أهل بيته إلا محمد بن الحنفية، فإنه قال له : " يا أخي أنت أحب الناس إلي وأعزهم علي ولست أدخر النصيحة لأحد من الخلق أحق بها منك.  تنحّ بتبعتك عن يزيد بن معاوية وعن الأمصار ما استطعت ، ثم ابعث رسلك إلى الناس فادعهم إلى نفسك ، فإن بايعوا لك حمدت الله على ذلك وإن أجمع الناس على غيرك لم ينقص الله بذلك دينك ولا عقلك ولا يذهب به مروءتك ولا فضلك . إني أخاف أن تدخل مصرا من هذه الأمصار وتأتي جماعة من الناس فيختلفون بينهم ، فمنهم طائفة معك وأخرى عليك ، فيقتتلون فتكون لأول الأسنة..) ورفض الحسين نصيحته فقال له محمد : ( فانزل مكة فإن اطمأنت بك الدار فسبيل ذلك وإن نبت بك لحقت بالرمال وشعف الجبال وخرجت من بلد إلى بلد حتى تنظر إلى ما يصير أمر الناس وتعرف عند ذلك الرأي.. ) ورد عليه الحسين : ( يا أخي قد نصحت فأشفقت ... ) .

3 ـ نلاحظ أن ابن الحنفية يعبّر عن رأيه وموقفه الشخصى لو كان فى وضع الحسين ، أن يأتيه المُلك طوعا عن رغبة من الناس دون الدخول فى فتنة وحرب تكرر ما حدث فى الجمل وصفين . وبالتالى لم يكن يريد أن يبايع ابن الزبير أو عبد الملك الى أن تستقر لأحدهما الأمور ، فطالما ليس هو صاحب الأمر فلا يدخل فيه مأمورا وتابعا لهذا أو ذاك وهما يقتتلان .  وبالتالى أيضا كانت حيرته مع المختار فى الكوفة الذى يستغل إسمه فى هوجة الفتنة فى العراق . إحتار ابن الحنفية بين ( الـتأييد المعلن والمطلق للمختار وما يجرّه هذا عليه من نقمة ابن الزبير المسيطر على الحجاز ومكة حيث كان ابن الحنفية يعيش مع أهله من بنى هاشم بالاضافة الى دخولة فى فتنة المختار ، والتى قد تنجح أو تخسر ،) وبين ( رفض دعوة المختار وإعلان تبرأه منه ومن مزاعمه ) ولكنه فى نفس الوقت يحتاج الى سند وعون وهو تحت سُلطة ابن الزبير .

4 ـ لذا أخذ ابن الحنفية موقفا وسطا وحذرا من المختار ، تقول الرواية : ( وكان ابنالحنفيةيكره امرالمختار وما يبلغه عنه ولا يحب كثيرا مما ياتي به . ) . ولكن تطور الأحداث ألجأ ابن الحنفية لأن يستغيث بالمختار حين حصر ابن الزبير ابن الحنفية وبنى هاشم  فى شعب أبى طالب ، وهددهم بالحرق إن لم يبايعوا له ، فأنقذهم المختار  بفرقة مسلحة بأسلحة خشبية ( مراعاة لقدسية الحرم فى مكة ) وهى المعروفة بالخشبية . ولازمت هذه الفرقة ابن الحنفية فى تنقلاته ، وصارت له بها قوة تحميه ، وجماعة تلتف حوله الى أن مات ، فاستمرت بعده مع إبنه (أبى هاشم ) ، وصارت عماد ما يُعرف بالكيسانية . وبالكيسانية وبمزاعم المختار الدينية كان تشكيل التشيع ، كما أن هذه القوة الحربية التى كانت تصاحب ابن الحنفية جعلته مبعث خوف ابن الزبير وعبد الملك . كانوا يخشون أن يستغل هذه القوة فى الصراع للوصول الى السلطة . ونعطى بعض التفصيلات :

ثانيا : مجىء الخشبية لانقاذ الهاشميين من الحرق:

1 ـ قبيل مجىء مسلم بن عقبة وحدوث موقعة الحرة ترك ابن الحنفية المدينة ورحل الى مكة ومعه ابن عباس . وأعلن ابن الزبير فى مكة نفسه خليفة. وبينما لم يجد ابن الزبير بأسا من موقف عبد الله بن عمر الرافض لبيعة أى خليفة حتى تجتمع عليه الأمة ، فإن ابن الزبير لم يرض من بنى هاشم إلا التسليم له والبيعة له .

2 ـ يقول ابن سعد فى الطبقات الكبرى فى ترجمة ابن الحنفية : (  فلما جاء نعي يزيد بنمعاوية وبايع بن الزبير لنفسه ودعا الناس اليه دعا ابن عباس ومحمد بنالحنفيةالى البيعةله ، فابيا يبايعان له ، وقالا  : " حتى يجتمع لك البلاد ويتسق لك الناس."  فاقاما على ذلك مااقاما ، فمرة يكاشرهما ، ومرة يلين لهما ، ومرة يباديهما ، ثم أغلظ عليهما ، فوقع بينهم كلاموشرُّ ،  فلم يزل الامر يغلظ حتى خافا منه خوفا شديدا ومعهما النساء والذرية ،  فاساءجوارهم ،  وحصرهم واذاهم.  وقصد لمحمد بنالحنفية،  فاظهر شتمهوعيبه، وأمره وبني هاشم ان يلزموا شعبهم بمكة،  وجعل عليهم الرقباء . وقال لهم فيما يقول: " والله لتبايعن او لاحرقنكم بالنار ." ، فخافوا على انفسهم . )

3 ـ وبلغ المختار  ــ وهو بالكوفة ــ ما يحدث لهم : ( .. فقطع المختار بعثا الى مكة ، فانتدب منهم اربعة الاف ، فعقد لابيعبد الله الجدلي عليهم وقال له : " سر فان وجدت بني هاشم في الحياة فكن لهم انت ومن معكعضدا وانفذ لما امروك به ، وان وجدت بن الزبير قد قتلهم فاعترض اهل مكة حتى تصل الىابن الزبير ثم لا تدع من ال الزبير شفرا ولا ظفرا " .  وقال : "  يا شرطة الله لقد اكرمكم اللهبهذا المسير ، ولكم بهذا الوجه عشر حجج وعشر عُمر.! "  فسار القوم ومعهم السلاح حتى اشرفواعلى مكة ، فجاء المستغيث  : " اعجلوا فما اراكم تدركونهم .! " فقال الناس : "  لو ان اهل القوة عجلوا؟! " فانتدب منهم ثمانمائة رأسهم عطية ابن سعد بن جنادة العوفي حتى دخلوا مكة ، فكبّرواتكبيرة سمعها ابن الزبير، فانطلق هاربا حتى دخل دار الندوة، ويقال بل تعلق باستارالكعبة ، وقال : " انا عائذ الله " .!

4 ـ وتم إنقاذ بنى هاشم : ( قال عطية : ثم ملنا الى بن عباس وابنالحنفيةواصحابهما فيدور قد جمع لهم الحطب فاحيط بهم حتى بلغ رؤوس الجدر ، لو ان نارا تقع فيه ما رئي منهماحد حتى تقوم الساعة. واخرناه عن الابواب، وعجل علي بن عبد الله بن عباس وهو يومئذ رجلفاسرع في الحطب يريد الخروج فادمى ساقيه . واقبل اصحاب بن الزبير فكنا صفين نحن وهمفي المسجد نهارنا ونهاره ، لا ننصرف الا الى صلاة حتى اصبحنا . وقدم ابو عبد اللهالجدلي في الناس فقلنا لابنعباس وابنالحنفية: " ذرونا نريحالناس من ابن الزبير"  فقالا : " هذا بلد حرمه الله ما احله لاحد الا للنبي عليه السلامساعة ما احله لاحد قبله ولا يحله لاحد بعده فامنعونا واجيرونا." ) .

ثالثا : بقاء جيش الخشبية وملازمتهم لابن الحنفية

1 ــ  واستمرت هذه القوة مع ابن الحنفية تحرسه ، تقول الرواي : ( وقال ابو العريان المجاشعي قال بعثنا المختار في الفيفارس الى محمد بنالحنفية..فكناعنده .. فكان ابن عباس يذكر المختار فيقول : " ادرك ثارنا وقضى ديوننا وانفق علينا " ..وكان محمد ابنالحنفيةلا يقول فيهخيرا ولا شرا . ) .

2 ـ وتقول رواية أخرى : ( ..وبقينا مع بنالحنفية،  فلما كانالحج ، وحج ابن الزبير من مكة فوافى عرفة في اصحابه ، ووافى محمد بنالحنفيةمن الطائف فياصحابه ، فوقف بعرفة ، ووافى نجدة بن عامر الحنفي تلك السنة في اصحابه من الخوارج فوقفناحية وحجت بنو امية على لواء فوقفوا بعرفة فيمن معهم . ).  وفى رواية أخرى عن موسم الحج فى هذا العام : (  اقام الحج تلك السنة ابن الزبير ، وحج عامئذ محمد بنالحنفيةفي الخشبيةمعه وهم اربعة الاف نزلوا في الشعب الايسر من منى ) أى اصبح لابن الحنفية جيش من ( الخشبية ) أدوا مناسك الحج معه فى هذا العام ، حيث كانت هناك وفود من بنى أمية والخوارج وابن الزبير  

3 ــ هذه المظاهرة العسكرية مع ابن الحنفية أخافت منه الخصمين المتصارعين : ابن الزبير وعبد الملك ابن مروان .يقول أحدهم : ( كنت في العصابة الذين انتدبوا الى محمد بن علي ..وكان ابن الزبير قد منعه انيدخل مكة حتى يبايعه فابى ان يبايعه.. فانتهينا اليه ، فاراد ( المسير الى ) اهل الشام فمنعه عبدالملك ان يدخلها حتى يبايعه ، فأبى عليه.. فسرنا معه ما سرنا ، ولو امرنا بالقتاللقاتلنا معه. ).   

رابعا  : ابن الحنفية بين ابن الزبير وعبد الملك :

1 ـ بعد قتل المختار كشّر ابن الزبير أنيابه لابن الحنفية ، وبعث اليه أخاه عروة  بن الزبير يخيره بين البيعة له أو أن يضعه فى الحبس . فقال ابن الحنفية لعروة ابن الزبير : ( مااسرع اخاك الى قطع الرحم والاستخفاف بالحق .. والله ما بعثت المختار داعيا ولاناصرا .. وما عندي خلاف ولو كان خلاف ما اقمت في جوارهولخرجت الى من يدعوني فابيت ذلك عليه .....واني لاحسب ان جوار عبد الملك خير لي من جوار اخيك، ولقد كتب الييعرض علي ما قبله ويدعوني اليه. "  قال عروة : " فما يمنعك من ذلك ؟  قال : " استخير الله وذلك احبالى صاحبك . " )

2 ـ كان عبد الملك قد بعث الى ابن الحنفية كتابا يقول له فيه : (  انهقد بلغني ان ابن الزبير قد ضيق عليك وقطع رحمك واستخف بحقك حتى تبايعه، فقد نظرتلنفسك ودينك ، وانت اعرف به حيث فعلت ما فعلت . وهذا الشام فانزل منه حيث شئت ، فنحنمكرموك وواصلوا رحمك وعارفوا حقك . )   

3 ـ ارتحل ابن الحنفية بأتباعه الى الشام فنزلوا فى منطقة إيلة . وإكتسب ابن الحنفية حب الناس وتعظيمهم فخشى منه عبد الملك ، وحتى يطمئن قلبه فقد طلب أن يبايعه ابن الحنفية ، مقابل مئات الألوف من الدنانير ومرتبات ( فرائض ) لأتباعه . ورفض ابن الحنفية العرض السّخى ، وغادر بأصحابه الشام . يقول الراوى : ( قال ابو الطفيل : فسرنا حتى نزلنا ايلة فجاوروناباحسن جوار وجاورناهم باحسن ذلك ، واحبوا ابا القاسم حبا شديدا وعظموه واصحابه ، وامرنابالمعروف ونهينا عن المنكر ولا يظلم احد من الناس قربنا ولا بحضرتنا . فبلغ ذلك عبدالملك بن مروان ، فشق ذلك عليه ..  فكتب اليه عبد الملك : " انك قدمت بلادي فنزلت في طرف منها وهذه الحرب بيني وبين بنالزبير كما تعلم وانت لك ذكر ومكان ، وقد رايت ان لا تقيم في سلطاني الا ان تبايع لي، فان بايعتني فخذ السفن التي قدمت علينا من القلزم وهي مائة مركب فهي لك وما فيهاولك الفا الف درهم اعجل لك منها خمسمائة الف والف الف وخمسمائة الف اتيتك مع مااردت من فريضة لك ولولدك ولقرابتك ومواليك ومن معك ، وان ابيت فتحول عن بلدي الى موضعلا يكون لي فيه سلطان . .. فكتب اليه محمد بن علي : " بسم الله الرحمن الرحيم . من محمد بنعلي الى عبد الملك بن مروان : سلام عليك . فاني احمد اليك الله الذي لا اله الا هو. امابعد ، فقد عرفت رأيي في هذا الامر قديما ،  واني لست اسفهه على احد . والله لو اجتمعت هذهالامة عليّ الا اهل الزرقاء ما قاتلتهم ابدا ولا اعتزلتهم حتى يجتمعوا.  نزلت مكةفرارا مما كان بالمدينة ، فجاورت ابن الزبير ، فاساء جواري واراد مني ان ابايعه فابيتذلك حتى يجتمع الناس عليك او عليه . ثم ادخل فيما دخل فيه الناس فاكون كرجل منهم . ثمكتبت الي تدعوني الى ما قبلك ، فاقبلت سائرا فنزلت في طرف من اطرافك ، والله ما عنديخلاف ومعي اصحابي، فقلنا بلاد رخيصة الاسعار وندنو من جوارك ، ونتعرض صلتك فكتبت بماكتبت به ونحن منصرفون عنك ان شاء الله." ).!

4 ــ وكان مع ابن الحنفية يومئذ سبعة آلاف رجل ، وتقول الرواية : (  بعث اليه عبد الملك:  اما ان تبايعني واما ان تخرج منارضي ، ونحن يومئذ معه سبعة الاف،  فبعث اليه محمد بن علي  : " على ان تؤمن اصحابي"  ففعل، ) وخيّرهم ابن الحنفية بين البقاء معه أو الرحيل ، (   .. فبقي معه تسعمائة رجل ) (قال ابو الطفيل فانصرفنا راجعين فاذن للموالي ولمنكان معه من اهل الكوفة والبصرة فرجعوا من مدين ، ومضينا الى مكة حتى نزلنا معه الشعببمنى ، فما مكثنا الا ليلتين او ثلاثا حتى ارسل اليه بن الزبير ان اشخص من هذا المنزلولا تجاورنا فيه ) وارتحل ابن الحنفية الى الطائف بمن معه : ( ثم خرج الى الطائف فلم يزل بها مقيما حتى قدم الحجاج لقتالبن الزبير لهلال ذي القعدة سنة اثنتين وسبعين فحاصر ابن الزبير حتى قتله يومالثلاثاء لسبع عشرة خلت من جمادي الاخرة   ).

خامسا : ابن الحنفية يبايع عبد الملك

1 ــ وأرسل الحجاج الى ابن الحنفية يأمره بالبيعة  لعبد الملك وإلا قتله ، ورفض ابن الحنفية حتى يبايع الناس ، ومنهم عبد الله بن عمر الذى بايع ثم قال لابن الحنفية :( ما بقي شيءفبايع ) ( فكتب ابنالحنفيةالى عبدالملك : بسم الله الرحمن الرحيم لعبد الله عبد الملك امير المؤمنين من محمد بن علياما بعد فاني لما رايت الامة قد اختلفت اعتزلتهم فلما افضى هذا الامر اليك وبايعكالناس كنت كرجل منهم ادخل في صالح ما دخلوا فيه فقد بايعتك وبايعت الحجاج لك وبعثتاليك بيعتي ورايت الناس قد اجتمعوا عليك ونحن نحب ان تؤمننا وتعطينا ميثاقا علىالوفاء فان الغدر لا خير فيه فان ابيت فان ارض الله واسعة . ) (فكتب اليه عبد الملك : " انك عندنا محمود ، انت احب واقرب بنا رحما من ابن الزبير، فلكالعهد والميثاق وذمة الله وذمة رسوله ان لا تُهاج ولا احد من اصحابك بشيء تكرهه .ارجعالى بلدك واذهب حيث شئت ، ولست ادع صلتك وعونك ما حييت . ) ( وكتب الى الحجاج يامره بحسنجواره واكرامه فرجع بنالحنفيةالى المدينة. ) .

2 ــ ووفد ابن الحنفية على عبد الملك فى دمشق عام 78 ، فأكرمه عبد الملك ، وسأل عبد الملك  ابن الحنفية (ان يرفع حوائجه،  فرفع محمد دينه وحوائجه وفرائض لولدهولغيرهم من حامته ومواليه ، فاجابه عبد الملك الى ذلك كله ، وتعسر عليه في الموالي لأنيفرض لهم ، والح عليه محمد ، ففرض لهم، فقصر بهم فكلمه ، فرفع في فرائضهم ، فلم يبق له حاجةالا قضاها واستاذنه في الانصراف فاذن له . ) . أى فرض عبد الملك فرائض ــ أى مرتبات وعطايا ـ لأتباع ابن الحنفية من العرب والموالى ، وصمّم ابن الحنفية على أن يأخذ الموالى نفس عطايا العرب .  

3 ـ ومات في المحرم في سنة احدىوثمانين وقد ترك جيشا من الأتباع يحيط بأولاده الذكور ، وهم  عبد الله وهوابو هاشم وحمزة وعليا وجعفرا الاكبر ، والحسن  ( وكان من ظرفاء بنيهاشم واهل العقل منهم وهو اول من تكلم في الارجاء ) وابراهيم والقاسم وعبدالرحمن وجعفرا الاصغر وعونا وعبد اللهالاصغر.

أخيرا

 جيش ابن الحنفية الذى لم يرفع السلاح بعده حمل الدعوة الشيعية المعروفة بالكيسانية ، واسهم فى تدمير الدولة الأموية .

 

  

 

خزعبلات المختار الثقفى

أولا : تذكير بالمختار بن عبيد الثقفى   

1 ـ هذا المختار كان داهية يبحث عن دور بطولى ، وقد وجده فى هذه الفترة المضطربة ( فى الفتنة الكبرى الثانية ) ، فأصبح من شخصياتها الأساس . وقد إنضم الى ابن الزبير حين حوصر أول مرة فى خلافة يزيد . وأبلى بلاء حسنا مع ابن الزبير . وبموت يزيد وعلو شأن ابن الزبير وإعلانه الخلافة تقرب المختار أكثر لابن الزبير ، هذا بينما كان هواه مع الهاشميين ورئيسهم وقتها محمد بن على بن أبى طالب ( ابن الحنفية ) .  ولم يكن ابن الحنفية ممن يسعى الى المشاكل ، ولم يكن يثق فى المختار ، بينما يخطط المختار لأن يلعب دورا تحت راية ابن الحنفية . وطلب المختار إذنا من ابن الحنفية ليذهب باسمه الى العراق داعية له ، فأذن له وأرسل معه عبد الله الهمذانى وأوصاه أن يأخذ حذره من المختار. وجاء المختار الى ابن الزبير فحصل على إذن منه أيضا أن يدعو اليه فى العراق.  ولما قدم المختار الى العراق صار صديقا لابن مطيع وهو والي الكوفة يومئذ لعبد الله بن الزبير، بينما كان يدعو سرأ لابن الحنفية . وتكاثر أتباع المختار فانقلب على ابن مطيع ، وهزمه . وشكّ بعض الشيعة فى زعم المختار بأنه داعية ابن الحنفية فجاء وفد منه الى ابن الحنفية يسأل عن حقيقة المختار فقال لهم ابن الحنفية : ( نحن حيث ترون محتسبون ، وما احب ان لي سلطان الدنيابقتل مؤمن بغير حق ، ولوددت ان الله انتصر لنا بمن شاء من خلقه، فاحذروا الكذابينوانظروا لانفسكم ودينكم .). وهى إجابة تحتمل أكثر من تفسير . وإنضم  للمختار ابراهيم بن الأشتر النخعى كبير الشيعة فى العراق وصار قائد جيشه ، واضطهد ابن الزبير الهاشميين وكاد أن يحرقهم لولا أنقذهم المختار بجيش بعثه لهم ، هو جيش الخشبية الذى بقى مع ابن الحنفية بعد موت المختار.

2 ـ  وقالوا عن المختار  (  وكان قد طلب الإمارة وغلب على الكوفة حتى قتله مصعب بن الزبير بالكوفة سنة سبعوستين ، وكان قبل ذلك معدودا في أهل الفضل والخير إلى أن فارق بن الزبير، وكان يتزينبطلب دم الحسين ويسر طلب الدنيا فيأتي بالكذب والجنون . وكانت إمارته ستة عشر شهرا...)

3 ـ إحتاج المختار فى تدعيم زعامته الى رتوش دينية لا إسلامية ، جعلت أعداءه يرمونه بالكفر وزعم النبوة . وهذه الخزعبلات تنقسم الى نوع إنقرض مع المختار ، ونوع إستمر بعده : ونعطى هنا بعض التفصيلات :

ثانيا : خزعبلات للمختار أندثرت مع المختار : ( كرسى المختار )

1 ـ وتتمثل فى ( كرسى ) كان المختار يستنصر به هو جنوده . وظهر هذا فى مسير إبراهيم بن الأشتر إلى  قتال عبيد الله بنزياد عام 66 ، وهى المعركة التى انتهت بقتل ابن زياد وهزيمة جيشه . تقول الرواية : عن خروج ابن الأشتر ( فخرج يوم السبت لثمان بقين من ذي الحجة سنة ست وستين، وخرج معهالمختار يودعه في وجوه أصحابه، وخرج معهم خاصة المختار، ومعهم كرسي المختار على بغلأشهب ليستنصروا به على الأعداء، وهم حافون به يدعون ويستصرخون ويستنصرونويتضرعون‏.‏.. واستمر أصحاب الكرسي سائرين مع ابن الأشتر..)

2 ــ وروى الطبرى أن طفيل بن جعدة بن هبيرة هو الذى أعطى هذا الكرسى للمختار على أنه فيه (أثرة من علم ) . فاشتراه منه باثني عشر ألفاً، ، تقول الرواية عن الطبرى : ( فخطب المختار الناس فقال‏:‏ إنه لم يكن في الأمم الخالية أمرإلا وهو كائن في هذه الأمة مثله، وأنه قد كان في بني إسرائيل تابوت يستنصرون به،وإن هذا مثله‏.‏ثم أمر فكشف عنه أثوابه وقامت السبابية فرفعوا أيديهم وكبرواثلاثاً ..‏فلما قيل‏:‏ هذا عبيد الله بن زياد قد أقبل، وبعث المختار ابنالأشتر، بعث معه بالكرسي يحمل على بغل أشهب قد غشي بأثواب الحرير، عن يمينه سبعةوعن يساره سبعة‏.‏فلما تواجهوا مع الشاميين كما سيأتي وغلبوا الشاميين وقتلوا ابنزياد، ازداد تعظيمهم لهذا الكرسي حتى بلغوا به الكفر‏.‏قال الطفيل بن جعدة فقلت‏:‏ إنا لله وإنا إليه راجعون، وندمت على ماصنعت، وتكلم الناس في هذا الكرسي وكثر عيب الناس له، فغُيّب حتى لا يُرى بعد ذلك‏.‏)

ثالثا  : خزعبلات للمختار إستمرت بعد المختار :

1 ـ   إطلاق لقب المهدى على ( ابن الحنفية ).

1 / 1  لم يزعم ابن الحنفية أنه ( المهدى ) ، ولم يُطلق أحد على أخيه الحسين ( ابن فاطمة ) لقب المهدى برغم أن الحسين أعلى مكانة من أخيه ابن الحنفية . المختار هو الذى أطلق لقب المهدى على ( ابن الحنفية ). ومبلغ علمنا أنه أول من أطلق هذا اللقب وذلك الوصف ، وبعدها أصبح ( المهدى ) جزءا من العقيدة الشيعية . وبهذه المهدية قالت بعض الدعوات السياسية الشيعية بعد المختار ، ولا تزال . 

1 / 2 : وقد قالوا عن المختار : (  أراد تأكيد أمره فادعى أن محمد بن الحنفية هوالمهدي الذي سيخرج في آخر الزمان ، وأنه أمره أن يدعو الناس إلى بيعته. ) . واستمال المختار الى جانبه ابراهيم بن الأشتر بزعم أن ( المهدى) ( أبن الحنفية ) بعث له بكتاب ، تقول الرواية  : (وكتب المختار كتابا على لسان محمد بنالحنفيةالى ابراهيمبن الاشتر وجاء فاستاذن عليه وقيل : " المختار امين ال محمد ورسوله . " . فاذن له وحياه ورحببه واجلسه معه على فراشه . فتكلم المختار وكان مفوها ..ثم قال انكم اهل بيت قد اكرمكم الله بنصرة ال محمد .. وقد كتب اليك المهديكتابا وهؤلاء الشهود عليه  )وعندما وصله كتاب إستغاثة الهاشميين وقد هددهم ابن الزبير بالحرق ، تقول الرواية  ( فقدموا على المختار فدفعوا إليه الكتاب ، فنادى في الناس وقرأ عليهمالكتاب وقال‏:‏ هذا كتاب مهديكم وصريح أهل بيت نبيكم وقد تُركوا ينتظرون التحريقبالنار .. ) .‏

  1 / 3 ــ يقول المختار فى رسالة لابن الحنفية : ( بسم الله الرحمن الرحيم، إلى محمد بن علي من المختار بن أبي عبيد،سلام عليك أيها المهدي، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد‏:‏فإن الله بعثني نقمة على أعدائكم فهم بين قتيل وأسير، وطريد وشريد،فالحمد لله الذي قتل قاتلكم، ونصر مؤازركم، وقد بعثت إليك برأس عمر بن سعد وابنه،وقد قتلنا ممن اشترك في دم الحسين وأهل بيته كل من قدرنا عليه، ولن يعجز الله منبقي، ولست بمنحجم عنهم حتى يبلغني أنه لم يبق وجه على الأرض منهم أحد، فاكتب إليأيها المهدي برأيك أتبعه وأكون عليه، والسلام عليك أيها المهدي ورحمه اللهوبركاته‏.‏ )

1 / 4 : وأراد ابن الحنفية أن يهرب الى الكوفة بسبب خوفه من ابن الزبير ، وخشى المختار من قدومه للكوفة ، تقول الرواية : ( فهم بنالحنفيةان يقدم الىالكوفة ، وبلغ ذلك الى المختار فثقل عليه قدومه ، فقال ان للمهدي علامة، يقدم بلدكم هذافيضربه رجل في السوق بالسيف لا تضره ولا تحيك فيه . فبلغ ذلك بنالحنفيةفاقام . ).

2 ـ  الزعم بأن جبريل والملائكة معه : وهو زعم ردّده أساطين الأديان الأرضية فى التصوف والسنة والتشيع .

2 / 1 :  يقول  رفاعة القتباني: ( دخلت علىالمختار فألقلى إلي وسادة وقال لولا أن أخي جبرائيل قام عن هذه ــ وأشار إلى أخرى عنده ــ  لألقيتها لك ).

2 / 2 : حكاية الشاعر (سراقة  بن مرداس الأزدى البارقى ) . كان اسيرا لدى المختار بعد هزيمة ابن زياد . وقد إستغل زعم المختار بأنه يعلم الغيب وأن الملائكة تقاتل معه ــ إستغل هذا فى أن ينجو من القتل  تقول الرواية : (كان قد قاتل المختار فأخذه أسيرا ، وأمر بقتله ، فقال : لا والله ، لا تقتلنى حتى تنقض دمشق حجرا حجرا . فقال المختار لأبى عمره : من يخرج أسرارنا ؟ ثم قال : من أسرك ؟ قال : قوم على خيل بلق ، عليهم ثياب بيض ، لا أراهم فى عسكرك ( يعنى الملائكة )  ، فأقبل المختار على أصحابه فقال : ( إن عدوكم يرى من هذا ما لا ترون . ) قال : إنى قاتلك.  قال : والله يا أمين آل محمد انك تعلم أن هذا ليس باليوم الذى تقتلنى فيه ، قال : ففى أى يوم اقتلك ؟ قال : تضع كرسيك على باب دمشق ، فتدعونى يومئذ فتضرب عنقى . فقال المختار لأصحابه : يا شرطة الله من يرفع حديثى . ثم خلّى عنه..).

وتقول رواية أخرى : ( ولما خرج المختار منجبانة السبيع، وأقبل إلى القصر.. ناداه سراقة بن مرداسبأعلا صوته ، وكان في الأسرى‏.‏

أمنن عليّ اليوم يا خير معد * وخير من حل بشحر والجند

وخير من لبى وصام وسجد

  فبعث إلى السجن فاعتقله ليلة، ثم أطلقه من الغد، فأقبل إلىالمختار وهو يقول‏:‏

ألا أخبر أبا إسحاق أنا * نزونا نزوةً كانت علينا

خرجنا لا نرى الضعفاء شيئاً * وكان خروجنا بطراً وشينا

 نراهم في مصافهم قليلاً * وهم مثل الربا حين التقينا

برزنا إذ رأيناهم فلما * رأينا القوم قد برزوا إلينا

رأينا منهم ضرباً وطحناً * وطعناً صائباً حتى انثنينا

نصرت على عدوك كل يومٍ * بكل كثيبةٍ تنعى حسيناً

كنصر محمدٍ في يوم بدرٍ * ويوم الشعب إذ لاقى حُنينا

فاسجح إذ ملكت فلو ملكنا * لجرنا في الحكومة واعتدينا

تقبل توبةً مني فإني * سأشكر إذ جعلت العفو دينا

وجعل سراقة بن مرداس يحلف أنه رأى الملائكة على الخيول البلق بينالسماء والأرض، وأنه لم يأسره إلا واحد من أولئك الملائكة، فأمره المختار أن يصعدالمنبر فيخبر الناس بذلك‏.‏فصعد المنبر فأخبر الناس بذلك، فلما نزل خلا به المختار، فقال له‏:‏إني قد عرفت أنك لم تر الملائكة، وإنما أردت بقولك هذا‏:‏ أني لا أقتلك، ولست أقتلكفاذهب حيث شئت لئلا تفسد على أصحابي‏.) 

3 ـ وضع الحديث :  واشتهر هذا البلاء وعمّ وطمّ بعد المختار . سبقهم المختار بوضع أحاديث منسوبة للنبى ، (قال المختار لرجل من أصحاب الحديث‏:‏ ضع لي حديثًا عن النبيصلى الله عليه وسلم أني كائن بعده خليفة وطالب له ثرة ولده وهذه عشرة آلاف درهموخلعة ومركوب وخادم فقال الرجل‏:‏ أما عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا ولكن اخترمن شئت من الصحابة واحطط من الثمن ما شئت قال‏:‏ عن النبي أأكد قال‏:‏ والعذاب عليهأشد‏.‏ ). ورفض ابن عمار بن ياسر أن يضع حديثا يرويه عن أبيه ، فقتله المختار ، تقول الرواية : ( وقتل المختار محمد بنعمار بن ياسر ظلما لأنه سأله أن يحدث عن أبيه بحديث كذب فلم يفعل فقتله )

4 ـ ( شرطة الله ): وهذا يشبه ما يقال فى عصرنا عن أحد الأحزاب الشيعية : ( حزب الله ).

حين أرسل جيش الخشبية لانقاذ بنى هاشم من الحريق قال لهم:   ( يا شرطة الله لقد اكرمكم اللهبهذا المسير ولكم بهذا الوجه عشر حجج وعشر عمر. ). أى أصدر المختار قراره بأن يكون ثواب كل جندى منهم عشر حجات وعشر عُمرات . وحين قال لهم هذا لم يبصق أحدهم فى جهه.!!..بل على العكس ، شاع تعبير ( يا شرطة الله ) فى وصف جيش المختار ، وفى معركة جيش المختار بقيادة ابراهيم بن الأشتر ضد عبيد الله بن زياد ، تقول الرواية : (فجعل الأشتر يناديهم‏:‏إلي يا شرطة الله، أنا ابن الأشتر، وقد كشف عن رأسه ليعرفوه،فالتاثوا به وانعطفوا عليه ..).

اخيرا : شهادة أعدائه عليه بالكفر

1 ـ تعرض كرسى المختار وقوله ( شرطة الله ) الى هجوم لاذع . يقول أعشى همدان‏:‏

شهدت عليكم أنكم سبائية * وأني بكم يا شرطة الشرك عارف

وأقسم ما كُرْسِيُّكُمْ بسكينةٍ *   وإن كان قد لفت عليه اللفائف

 وقال المتوكل الليثي‏:‏

أبلغ أبا إسحاق إن جئته * أني بِكُرْسِيُّكم كافر

 ( المختار كنيته أبو اسحاق ) .

 2 ـ وكما كان المختار يصنع أحاديث تؤيده فإن خصومه وضعوا أحاديث تجعله كذابا . ومنها زعمهم ان النبى قال : ‏‏(‏إن في ثقيف كذاباً ومبيراً‏)‏‏)، وقد جاء فى ( صحيح مسلم ) ، وفسروا المبير بأنه الحجاج بن يوسف الثقفى ، والكذاب هو المختار الثقفى.

‏ومعلوم انه عليه السلام لا يعلم الغيب وليس له أن يتكلم فيه.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ابن الحنفية المفترى عليه : التضارب فى الأقوال المنسوبة لابن الحنفية

مقدمة :

مأساة كربلاء جعلت ابن الحنفية يتأكد من سلامة موقفه ، ولقد نصح أخاه الحسين بألا يذهب الى الكوفة فرفض الحسين ، وبعد ما حدث آثر ابن الحنفية الابتعاد عن الفتن ما إستطاع. ثم ظهر المختار الثقفى يرفع إسم ابن الحنفية  فى خضم الصراع بين ابن الزبير وعبد الملك بن مروان فتعقد الموقف بالنسبة له ـ وقد اصبح كبير العلويين ـ وكل من ابن الزبير وابن مروان يريد منه البيعة . أصبح مرغما على التعامل مع هذه التعقيدات بما يحافظ على سلامته وسلامة أهله وما يتجنب به سفك الدماء .

ويذكر ابن الأثير والطبرى أن بعض الشيعة فى الكوفة شكُّوا فى زعم المختار التحدث باسم ابن الحنفية وارسلوا وفدا لابن الحنفية يستوثق من الأمر فقال لهم : ( وأما ما ذكرتم ممن دعاكم إلى الطلببدمائنا فوالله لوددت أن الله انتصر لنا من عدونا بمن شاء من خلقه .). وعرض المختار على ( ابن الحنفية ) أن يرسل اليه جيشا (  كثيفا ،ً وتبعثإليهم من قبلك رجلاً يعلموا أني في طاعتك فافعل. ) يعنى يريد منه إعترافا صريحا واضحا بأن المختار يتصرف باسمه وبإذنه ، ( فكتب إليه ابن الحنفية: " أما بعد فقد قرأتكتابك وعرفت تعظيمك لحقي وما تنويه من سروري، وإن أحب الأمور كلها إلي ما أطيع اللهفيه، فأطع الله ما استطعت، وإني لو أردت القتال لوجدت الناس إلي سراعاً والأعوان ليكثيراً، ولكن أعتزلكم وأصبر حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين. " وأمره بالكف عنالدماء.) . هذه هى شخصية ابن الحنفية وسط هذه الحروب المشتعلة والتى يُشعلها البعض باسمه . وحتى بعد أن صار لابن الحنفية جيش من الأتباع يسير ويقيم معه فإنه لم يلجأ للقتال ، بينما يطرده ابن الزبير ثم عبد الملك بن مروان . أكثر من هذا ، كان ابن الزبير على وشك أن يحرقهم ـ وأطفالهم ـ بالنار ، وجاء الجيش الذى أنقذهم ، وهرب ابن الزبير ، وكان الجيش متحفرا لقتل ابن الزبير لولا أن نهاهم ابن الحنفية .

2 ـ لم يكن محمد بن الحنفية يعلم أنه ستتكون بعد موته فرقة الكيسانية الشيعية بعقائد أرساها المختار بخزعبلاته . ولم يكن يعلم أنهم سيسندون له أقوالا ، وسيصنعون له شخصية إلاهية ، وأنه سيكون محل إختلاف بينهم .  كان يؤمن بأحقيتهم بالخلافة ، ولكن لا يريد أن يقاتل من أجل هذا الحق ، يريد أن يؤتى له بهذا الحق بتراض وإتفاق .

ولكن إختلف الحال بعد موته ، بوجود أولاده الكثيرين ، وأكبرهم ( ابو هاشم ) وبوجود الفرقة العسكرية التى لازمته فى حياته ، وظلت مع أولاده بعد مماته ، وحياتهم فى كنف الأمويين وقريبا منهم بعد أن أعطى لهم عبد الملك الأمان ، وأنفق عليهم الفرائض أى العطاء والمرتبات .

3 ـ بدأ الاختلاف على مستويين : ( الدعوى ) بالدعوة الكيسانية، و ( السياسى ) بتحرك الكيسانية سرا لاقامة المُلك الهاشمى لشخص مجهول من آل البيت أطلقوا عليه :( الرضى من آل محمد ) ،ولم يكن إلا من نسل محمد بن الحنفية . من هنا نشأ التضارب بين ابن الحنفية وسيرة أولاده ( ابوهاشم ) على المستوى الدعوى الذى تأثر بخزعبلات المختار الثقفى ، وعلى المستوى السياسى ، فبعد أن كان ابن الحنفية ينتظر أن تأتيه الخلافة على طبق من ذهب ، فإن أولاده سعوا الى الفوز بها بتكوين جماعة سرية عنقودية ، وجعلوا رأسها مجهول الاسم ليستقطبوا الجميع لها من ناحية وليحافظوا على حياة زعيم التنظيم من ناحية أخرى .

4 ـ  وكان لا بد لهم من الكذب على (ابن الحنفية ) بنسبة اقوال له تسوغ هذا التطور الدعوى العقيدى وهذا التحرك السياسى التآمرى . وبهذا نرى تضاربا فى الأقوال المنسوبة لابن الحنفية . فطبقا لما جاء فى سيرته فى الطبقات الكبرى لابن سعد فإن شخصية ابن الحنفية من خلال مواقفه تتناقض مع صورته التى رسمتها فرق وطوائف الكيسانية . ولكن نسب ابن سعد لابن الحنفية أقوالا متضاربة ، بعضها ينسجم مع شخصيته وعصره وبيته الهاشمى وقتها ، والبعض الآخر يتناقض معه ومع عصره ، واقرب ما يكون لخزعبلات المختار ، الذى لم يكن ابن الحنفية يستسيغه ويطمئن اليه . وهذا هو موضوعنا هنا :

أولا : ـ من الأقوال التى نرى أنها تنسجم مع شخصية ابن الحنفية ما يلى :

1 : رفض ابن الحنفية لمزاعم الأحاديث التى قيل انهم ورثوها عن النبى ، تقول الرواية : (  فبلغ محمدا انهم يقولون ان عندهم شيئا اي من العلم .. فقام فينافقال : " إنا والله ما ورثنا من رسول الله الا ما بين هذين اللوحين. " ثم قال : " اللهم حلاوهذه الصحيفة في ذؤابة سيفي." قال فسالت وما كان في الصحيفة ؟ قال : " من احدث حدثا او آوىمحدثا ) يعنى انه يحفظ عن النبى ورقة مكتوبا فيها حديثين فقط .. وهما لا يخلوان من التشويش والابهام .

2   قال  منذر الثوري : (  كنتعند محمد بنالحنفيةفسمعته يقول: "ما اشهد على احد بالنجاة ولا انه من اهل الجنة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلمولا على ابي الذي ولدني . " ). أى إنه لا يشهد لأبيه ( على بن أبى طالب ) بالجنة .!. يشهد للنبى محمد فقط . وهذا طبقا لما جاء فى القرآن الكريم ( التوبة 88 : 89 )

  3 : قوله عن بنى هاشم وبنى أمية ، وإنحياز الناس الى بنى هاشم أو بنى امية يتقاتلون بسببهما : (    اهلبيتين من العرب يتخذهما الناس اندادا من دون الله نحن وبنو عمنا هؤلاء .ــ يعني بنيامية  ــقال نحن اهلبيتين من قريش نُتّخذ من دون الله اندادا ، نحن وبنو امية . ) يعنى أنه يجعل هذا الاقتتال فى سبيل بنى هاشم أو بنى أمية قرين الشرك بالله جل وعلا ، أى إنه بدلا من القتال فى سبيل الله جل وعلا يقاتلون فى سبيل بنى هاشم أو بنى أمية . وهذا فكر صائب ورائع .!

  4: كان ابن الحنفية مُدركا لمكانة الهاشميين فى قريش ، ومدركا أيضا للظلم الذى يحيق به وبأهله ، تقول الرواية : ( جاء رجل الى بنالحنفيةفسلم عليه،  فرد عليه السلام . فقال : " كيف انت ؟ "  فحرك يده ، فقال : " كيف انتم ؟ أما  آن لكم ان تعرفوا كيف نحن ؟  انما مثلنا في هذه الامة مثل بني اسرائيل في ال فرعون، كان يذبحابناءهم ويستحيينساءهم ، وان هؤلاء يذبحونابناءنا وينكحوننساءنا بغير امرنا .  فزعمت العرب ان لها فضلا على العجم ، فقالت العجم وما ذاك ؟ قالواكان محمدا عربيا . قالوا صدقتم ... وزعمت قريش ان لها فضلا على العرب، فقالت العرب:  وبم ذا ؟ قالوا قد كان محمد قرشيا،  فان كان القوم صدقوا فلنا فضل على الناس . )

  5 : كان يؤمن أنه لهم حقا ، وان هذا الحق سيأتيهم بلا سفك دماء ، وما عليهم إلا الانتظار . نفهم هذا من هاتين الروايتين : قال محمد بنالحنفيةلأبى الطفيل : ( إلزم هذا المكان ، وكن حمامة من حمام الحرم حتى ياتي امرنا .  فان امرنا اذا جاء فليس بهخفاء كما ليس بالشمس اذا طلعت خفاء . وما يدريك ان قال لك الناس تاتي من المشرق وياتيالله بها من المغرب ، وما يدريك ان قال لك الناس تاتي من المغرب وياتي الله بها منالمشرق ، وما يدريك لعلنا سنؤتى بها كما يؤتى بالعروس ) ،  ( قال إبنالحنفية: "رحم اللهامرا اغنى نفسه وكف يده وامسك لسانه وجلس في بيته له ما احتسب وهو مع من احب .... الا ان لاهل الحق دولة ياتي بها اللهاذا شاء ، فمن ادرك ذلك منكم ومنا كان عندنا في السنام الاعلى ، ومن يمت فما عند اللهخير وابقى ).

  6 :  ثم هذه القصة الرائعة التى تُصوّر الشخصية الحقيقية لابن الحنفية فى رفضه للفتن وسفك الدماء برغم معاناته وأهله ، وفى رفضه للأحاديث التى بدأت تنتشر منسوبة للنبى تصاحب الصراعات السيايسة الحربية وقتئذ . ذهب الراوى لهذه القصة الى ابن الحنفية وهو يتكلم فى الناس ، فطلب من ابن الحنفية ان يختلى به .  يقول : (   قلت : " ان لي اليك حاجة . " قال : " أسرُّ هي ام علانية ؟ .. قلت : " بل سر " قال : " اجلس " . فجلست ، وحدث القومساعة،  ثم قام فقمت معه ،  فلما ان دخل دخلت معه بيته . قال :"  قل بحاجتك " ...  قلت : " اما بعدفوالله ما كنتم اقرب قريش الينا قرابة فنحبكم عن قرابتكم ولكن كنتم اقرب قريش الىنبينا قرابة فلذلك احببناكم على قرابتكم من نبينا ،  فما زال بنا الشين في حبكم حتىضربت عليه الاعناق وابطلت الشهادات وشردنا في البلاد واوذينا حتى لقد هممت ان اذهبفي الارض قفرا فاعبد الله حتى القاه ، لولا ان يخفى علي امر ال محمد ، وحتى هممت اناخرج مع اقوام شهادتنا وشهادتهم واحدة على امرائنا فيخرجون فيقاتلون.. وقد كانت تبلغنا عنك احاديث من وراء وراء فاحببت ان اشافهك للكلام فلااسال عنك احدا وكنت اوثق الناس في نفسي واحبه الي ان اقتدي به فارى برايك وكيف ترىالمخرج اقول هذا واستغفر الله لي ولكم . " ... فحمد الله .. ثم قال : " أما بعد فاياكم وهذه الاحاديث، فانها عيب عليكم . وعليكم بكتاب الله تبارك وتعالى ، فانه به هدي اولكم وبه يهدى اخركم.  ولعمري لئن اوذيتم لقد اوذي من كان خيرا منكم . اما قيلك لقد هممت ان اذهب في الارضقفرا  فاعبد الله حتى القاه واجتنب امور الناس لولا ان يخفى علي امور ال محمد ، فلاتفعل فانك تلك البدعة الرهبانية ولعمري لامر ال محمد ابين من طلوع الشمس . واما قيلكلقد هممت ان اخرج مع اقوام شهادتنا وشهادتهم واحدة على امرائنا فيخرجون فيقاتلونونقيم ، فلا تفعل لا تفارق الامة اتق هؤلاء القوم بتقيتهم .. ولاتقاتل معهم ".  قلت : " وما تقيتهم ؟  قال : " تحضرهم وجهك عند دعوتهم فيدفع الله بذلك عنك عندمك ودينك وتصيب من مال الله الذي انت احق به منهم . " .. قلت : أرايت ان اطاف بي قتالليس لي منه بد  ؟ قال : " تبايع باحدى يديك الاخرى لله وتقاتل لله ، فان الله سيدخل اقوامابسرائرهم الجنة وسيدخل اقواما بسرائرهم النار.  واني اذكرك الله ان تبلغ عني ما لمتسمع مني او تقول علي ما لم اقل اقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ." ). الواضح من أقوال ابن الحنفية هنا : رفضه الأحاديث تمسكا منه بكتاب الله جل وعلا ، ورفضه قتال الأمويين ، إلا القتال الدفاعى عند الاضطرار .

ثانيا :  من الأقوال التى تتناقض معه وتتفق مع الكيسانية وخزعبلات المختار ما يلى : 

  1 : قوله  أنه المهدى : يزعمون أنه ( كانوا يسلمون على محمد بن علي سلام عليك يا مهديفقال اجل انا مهدي اهدي الى الرشد والخير ، اسمي اسم نبي الله وكنيتي كنية نبي الله،  فاذا سلم احكم فليقل سلام عليك يا محمد السلام عليك يا ابا القاسم . ) وهى رواية تتناقض عباراتها ،

  2 :  قوله : (   من احبنانفعه الله وان كان في الديلم  ) . وهذا ممن الأحاديث السياسية المنسوبة اليه والتى أشاعتها الدعوة الكيسانية السرية فى المشرق .

3   : رواية مضحكة  تنسب العلم اللدنى الالهى لابن الحنفية ، تقول : ( لما بعث عبد الملك الحجاج الى مكة والمدينة قال له انه ليس لك على محمدبنالحنفيةسلطان قالفلما قدم الحجاج ارسل اليه الحجاج يتوعده ثم قال اني لارجو ان يمكن الله منك يومامن الدهر ويجعل لي عليك سلطانا فافعل وافعل قال كذبت يا عدو نفسه الاشعرت ان لله فيكل يوم ستون وثلاثمائة لحظة او نفخة فارجو ان يرزقني الله بعض لحظاته او نفحاته فلايجعل لك علي سلطانا قال فكتب بها الحجاج الى عبد الملك فكتب بها عبد الملك الى صاحبالروم فكتب اليه صاحب الروم ان هذه والله ما هي من كنزك ولا كنز اهل بيتك ولكنها منكنز اهل بيت نبوة. ). المضحك هنا أن الراوى يجعل نفسه حاضرا لما دار بين ابن الحنفية والحجاج ، وحاضرا لما دار بين الحجاج وعبد الملك بن مروان ، وحاضرا لما دار من تراسل بين ملك الروم وعبد الملك . كل هذه الأكاذيب المضحكة لينسب علما الاهيا لابن الحنفية .

أخيرا

  ـ هذه الخزعبلات نسبها أساطين الكيسانية لمحمد بن الحنفية . ونتوقف فى لمحة عن الكيسانية وتوابعها الالحادية  .

الكيسانية وتوابعها الالحادية  

أولا : خزعبلات الكيسانية :

1 ـ  ظهرت السبئية فى حياة (على بن أبى طالب ) تؤلهه ، ثم ظهرت الكيسانية بعد موت محمد بن على بن أبى طالب ، تؤلهه أيضا ، وتختلف فيما بينها ، بعضها يتطرف فيجعل ابن الحنفية أفضل من أخويه الحسن والحسين وبعضها يقدسه ولكن يعاقبه لأنه بايع عبد الملك بن مروان .

2 ـ لم يكن اسم الكيسانية موجودا فى حياة ابن الحنفية ، ظهر وشاع بعد موته ، ولذا كان مختلفا فى أصله يقول ابو الحسن الأشعرى فى كتابه ( مقالات الاسلاميين ): الكيسانية : (وإنّما سمّوا كيسانية لأنّ المختار الذي خرج وطلب بدم الحسين بن علي ودعا إلى محمد ابن الحنفية كان يقال له كيسان ، ويقال إنّه مولى لعلي بن أبي طالب ـ رضي اللّه عنه ـ) وبعضهم يطلق على ابن الحنفية ـ بعد موته ـ إسم كيسان . وهذا يعنى ان الاختلاف والاختلاق صاحبا الكيسانية من البداية حتى فى إسمها .

3 ـ . ويذكر الأشعرى الفرق المختلفة للكيسانية : ( وهي إحدى عشرة فرقة : الفرقة الأولى من الكيسانية :  يزعمون أنّ علي بن أبي طالب عليه‌ السلام نصّ على إمامة ابنه محمد ابن الحنفية. والفرقة الثانية : يزعمون أنّ علي بن أبي طالب نصّ على إمامة ابنه الحسن بن علي وأنّ الحسن بن علي نصّ على إمامة أخيه الحسين بن علي وأنّ الحسين بن علي نصّ على إمامة أخيه محمد بن علي وهو محمد ابن الحنفية. والفرقة الثالثة من الكيسانية ، هي الكربية أصحاب أبي كرب الضرير ، يزعمون أنّ محمد ابن الحنفية حيّ بجبال رضوى ، أسد عن يمينه ونمر عن شماله يحفظانه ، يأتيه رزقه غدوة وعشية إلى وقت خروجه. ومن القائلين بهذا القول كُثَيِّـر الشاعر وفي ذلك يقول :

ألاّ إنّ الأئمّة من قريش

 

ولاة الحقّ أربعة سواء

علي والثلاثة من بنيه

 

هم الأسباط ليس بهم خفاء

فسبط ، سبطُ إيمانٍ وبرّ

 

وسبطٌ غيّبته كربلاء

وسبط لا يذوق الموت حتى

 

يقود الخيل يَقْدُمها اللواء

تغيّب لا يُرى فيهم زمان

 

برضوى عنده عسل وماء

 

الفرقة الرابعة : يزعمون أنّ محمد ابن الحنفية إنّما جُعل بجبال رضوى عقوبة لركونه إلى عبد الملك ابن مروان وبيعته إيّاه. والفرقة الخامسة : يزعمون أنّ محمد ابن الحنفية مات وأنّ الاِمام بعده ابنه أبو هاشم : عبد اللّه بن محمد الحنفية  . والفرقة السابعة : قالت إنّ الاِمامة بعد موت أبي هاشم لابن أخيه الحسن بن علي بن محمد ابن الحنفية. والفرقة الثامنة : قالت إنّ أبا هاشم أوصى إلى أخيه علي بن محمد ، وعليّ أوصى إلى ابنه الحسن ، فالاِمامة عندهم في بني الحنفية لاتخرج إلى غيرهم . والفرقة التاسعة : يزعمون أنّ الاِمام بعد أبي هاشم محمد بن علي بن عبد اللّه ابن العباس قالوا : وذلك أنّ أبا هاشم مات بأرض الشراة  منصرفة من الشام فأوصى هناك إلى محمد بن علي بن عبد اللّه بن العباس وأوصى محمد بن علي إلى ابنه إبراهيم بن محمد ، ثم أوصى إبراهيم بن محمد إلى أبي العباس ، ثم أفضت الخلافة إلى أبي جعفر المنصور بوصية بعضهم إلى بعض ، ثم رجع بعض هوَلاء عن هذا القول وزعموا أنّ النبي صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله ‌وسلم نصّ على العباس بن عبد المطلب ونصبه إماماً ، ثمّ نصّ العباس على إمامة ابنه عبد اللّه ونصّ عبد اللّه على إمامة ابنه علي بن عبد اللّه ، ثم ساقوا الاِمامة إلى أن انتهوا بها إلى أبي جعفر المنصور. الفرقة العاشرة : يزعمون أنّ أبا هاشم أوصى إلى بيان بن سمعان التميمي وانّه لم يكن له أن يوصي بها إلى عقبه. الفرقة الحادية عشرة : يزعمون أنَّ الاِمام بعد أبي هاشم عبد اللّه بن محمد ابن الحنفية وعليّ بن الحسين بن علي بن أبي طالب  . )( وقالت فرقة من الكيسانية إنّ محمد بن الحنفية هو المهدي ، وهو وصيّ علي بن أبي طالب عليه‌السلام ليس لأحد من أهل بيته أن يخالفه ولا يخرج عن إمامته ولايُشهّر سيفه إلاّ بإذنه ، وإنّما خرج الحسن بن علي عليهما‌ السلام إلى معاوية محارباً له بإذن « محمّد » وأودعه وصالحه بإذنه ، وأنّ الحسين إنّما خرج لقتال يزيد بإذنه ، ولو خرجا بغير إذنه هلكا وضلاّ ، وأنّ من خالف محمد ابن الحنفية كافر مشرك. ) أى يفضلون ابن الحنفية على أخيه الحسين .   

 

4 ـ ونضع بعض ملاحظات :

4 / 1 : عاش الجيش الذى صحب ابن الحنفية معه ثم مع اولاده بعده ، متمتعين بكرم الأمويين ، ولم يمنعهم هذا من التآمر على الدولة الأموية بتكوين تنظيم سرى عنقودى للدعوة الى إقامة خلافة لشخص مجهول ( الرضى من آل محمد )  كان هو ابو هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية . وإكتشف الأمويون الأمر عام 99 ، ووضع الخليفة سليمان بن عبد الملك فى طريق أبى هاشم من سقاه السُّم ، وأحسّ ابو هاشم بالموت وهو فى الطريق ومعه أسرار الدعوة العنقودية ، وكان فى طريقه وقريبا منه ابن عمه ( محمد بن على بن عبد الله بن عباس ) فسار اليه وأفضى اليه بأسرار الدعوة ، وجعله ( الرضى من آل محمد ) صاحب الدعوة . وبهذا إنتقلت الدعوة السياسية من فرع الطالبيين الهاشميين الى فرع العباسيين الهاشميين . ولم يحس الأتباع بهذا التغيير على رأس الدعوة وصاحبها . وإختلفت الكيسانية عندما نجح العباسيون بالدعوة الكيسانية فى إسقاط الدولة الأموية واكتشفوا أن جهادهم ذهب الى بنى العباس وليس الى بنى (على بن ابى طالب ) . إختلفوا . منهم من عارض التحول الجديد تمسكا بحق اولاد (على ) ومنهم من وافق على الوضع الجديد ، ورضى بتحوّل الأمر الى بنى العباس .

وظهر هذا الاختلاف ضمن الفرق الجديدة للكيسانية ، ونسترجع ما قاله الأشعرى عنهم : (والفرقة التاسعة : يزعمون أنّ الاِمام بعد أبي هاشم محمد بن علي بن عبد اللّه ابن العباس قالوا : وذلك أنّ أبا هاشم مات بأرض الشراة  منصرفة من الشام فأوصى هناك إلى محمد بن علي بن عبد اللّه بن العباس وأوصى محمد بن علي إلى ابنه إبراهيم بن محمد ، ثم أوصى إبراهيم بن محمد إلى أبي العباس ، ثم أفضت الخلافة إلى أبي جعفر المنصور بوصية بعضهم إلى بعض ، ثم رجع بعض هوَلاء عن هذا القول وزعموا أنّ النبي صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله ‌وسلم نصّ على العباس بن عبد المطلب ونصبه إماماً ، ثمّ نصّ العباس على إمامة ابنه عبد اللّه ونصّ عبد اللّه على إمامة ابنه علي بن عبد اللّه ، ثم ساقوا الاِمامة إلى أن انتهوا بها إلى أبي جعفر المنصور.  ).

4 / 2 : وبعض الكيسانية أخرجت العلويين من الموضوع تماما ، وهى  : ( الفرقة العاشرة : يزعمون أنّ أبا هاشم أوصى إلى بيان بن سمعان التميمي ، وانّه لم يكن له أن يوصي بها إلى عقبه. ). أى إن تنازل أبى هاشم لابن عمه العباسى جعلهم يزعمون أنهم الأولى بوراثة الكيسانية . 

ثانيا : توابع الكيسانية :

1 ـ هذا المسمى ( بيان بن سمعان التميمى ) تحالف معه أفّاق آخر إسمه المغيرة بن سعيد . وقد قتلهم الوالى الأموى المشهور خالد بن عبد الله القسرى والى العراق عام 119. تقول الرواية : ( ذكر قتل المغيرة بن سعيد وبيان:في هذه السنة خرج المغيرة بن سعيد وبيان في ستة نفر، وكانوا يسمون الوصفاء، وكان المغيرة ساحراً، وكان يقول: لو أردت أن حيي عاداً وثموداً وقروناً بين ذلك كثيراً لفعلت.وبلغ خالد بن عبد الله القسري خروجهم بظهر الكوفة وهو يخطب فقال::( أطعموني ماء؛ ) فقال يحيى بن نوفل في ذلك:أخالد لا جزاك الله خيراً ** وأير في حر امك من أمير

وكنت لدى المغيرة عبد سوء ** تبول من المخافة للزئير

وقلت لما اصابك أطعموني ** شراباً ثم بُلت على السرير.

لأعلاج ثمانية وشيخٍ ** كبير السن ليس بذي نصير ). وواضح ان الشاعر من الكيسانية . وتقول الرواية أن خالد القسرى أحرقهم بالنار . ( فأرسل خالد فأخذهم وأمر بسريره فأخرج إلى المسجد الجامع وأمر بالقصب والنفط فأحضرا فأحرقهم. ) وتعرض الرواية لمعتقدات  المغيرة الكيسانية : ( وكان رأي المغيرة التجسيم، يقول: إن الله على صورة رجل على رأسه تاج، وإن أعضاءه على عدد حروف الهجاء، ويقول ما لا ينطق به لسان؛ تعالى الله عن ذلك، يقول: إن الله تعالى لما أراد أن يخلق تكلم باسمه الأعظم فطار فوقع على تاجه، ثم كتب بإصبعه على كفه أعمال عباده من المعاصي والطاعات، فلما رأى المعاصي ارفض عرقاً، فاجتمع من عرقه بحران أحدهما ملح مظلم والآخر عذب نير، ثم اطلع في البحر فرأى ظله فذهب ليأخذه فطار فأدركه فقلع عبيني ذلك الظل ومحقه فخلق من عينيه الشمس وسماء أخرى، وخلق من البحر الملح الكفار، ومن البحر العذب المؤمنين. وكان يقول بإلهية علي وتكفير أبي بكر وعمر وسائر الصحابة إلا من ثبت مع علي، وكان يقول: إن الأنبياء لم يختلفوا في شيء من الشرائع، وكان يقول بتحريم ماء الفرات وكل نهر أو عين أو بئر وقعت فيه نجاسة، ..وجاء المغيرة إلى محمد الباقر فقال له: أقرر أنك تعلم الغيب حتى أجبي لك العراق. فنهره وطرده. وجاء إلى ابنه جعفر بن محمد الصادق فقال له مثل ذلك، فقال: أعوذ بالله! ) وتقول الرواية عن بيان بن سمعان التميمى ( الكيسانى ) : ( وأما بيان فإنه يقول بإلهية علي وإن الحسن والحسين إلهان، ومحمد بن الحنفية بعدهم، ثم بعده ابنه أو هشام بن محمد بنوع من التناسخ، وكان يقول: إن الله تعالى بفنى جميعه إلا وجهه، ويحتج بقوله{ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام}. تعالى الله عما يقول الظالمون والجاحدون علواً كبيراً. وادعى النبوة، وزعم أنه المراد  بقوله الله جل وعلا : (هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (138) آل عمران  )

2 ـ المغيرة وبيان لم يكونا من قريش ، وكانت مفاجأة أن يأتى الالحاد من ذرية الطالبيين ، وهو (عبدالله ابن معاوية بن عبدالله بن جعفر بن ابي طالب  ) ظهر فى فترة الاضطراب التى صاحبت سقوط الدولة الأموية ، ثار بالكوفة وتبعه ناس ، وانتهى أمره الى المسير الى  اصفهان ، ( وغلب على تلك الديار , ثم ظفر به أبو مسلم الخرساني فقتله وقيل : سجنه إلى أن مات ) . وفى رواية تفصيلية : ( وكان قد خرج عبدالله هذا قبيل الدولة العباسية أوان اختلاف التزارية واليمينية  وقال : " إني اجد الذي يلي الخلافة من بني هاشم اسمه عبدالله وليس فيهم من اسمه عبدالله يستحق ذلك غيري . " . فقدم الكوفة وجمع وأظهرأمره في الجبانة . وعلى العراق عبدالله بن عمر بن عبد العزيز من قبل مروان بن محمد  ، فوجه اليه بخالد بن قطن الحارثي فهزمه عبدالله.  ثم انه خرج إلى المدائن وغلب على الماهيين وهمزان واصبهان والري . وخرج الىه العبيد وتلاحق به الشداد ، ودخل فارس وجبى الاموال في سنة ثمان وعشرين ومائة.  واتسع امره ،  واستعمل اخاه الحسن على الجبال واخاه يزيد على فارس . وقصده الناس من بني هاشم وغيرهم . وقدم يزيد بن عمر بن هبيرة الفزاري أميراً على العراق ، فوجه لحربه نباتة بن حنطلة الكلابي ، فهزمه . ثم وجه بابن ضبارة مع ابنه داوود بن يزيد ومعه معن بن زائدة فانهزم عبدالله بن معاوية من اصطخر،  وقتل منهم ابن ضبارة واسر منهم خلقا. ومضى  ابن معاوية الى سمنان ثم الى خرسان ثم وصل هراة هو واخوه الحسن ويزيد اخوه، فأخذهم مالك بن الهيثم ,وكان من قبل أبي مسلم فكتب اليهم يخبرهم فقال : " احبسهم إلى ان يأتيك أمري.". ووجه اليهم بعين ( جاسوس ) فحُبس معهم ، وكانوا يقولون ولا يدرون بمكان العين :" ابومسلم كذاب . ". فكتب العين إليه بذلك ، فجهز يطلبهم فحملوا اليه، فأطلق الحسن ويزيد ابني معاوية،  وقتل عبدالله بن معاوية اخاهم.  وقيل : بل مات سنة تسع وعشرين ومائة . ).

 وقد ذكره ابن حزم في " الملل والنحل " ،وقال :( كان ردئ الدين معطلا يصحب الدهرية وذهب بعض الكيسانية إلى  أن عبدالله حي لم يمت وانه بجبال أصفهان ولا بد أن يظهر . وكانت قتلته في حدود الثلاثين ومائة . , وهو مؤسس فرقة ( الجناحية ) الشيعية . ومنسوب لهم قولهم : ( أن الارواح تتناسخ ، وأن روح الله حلت في آدم ثم في الانبياء إلى محمد صلى الله عليه وسلم ثم في (علي ) ثم في أولاده الثلاثة من بعده , ثم صارت إلى عبدالله بن معاوية  . وأنه حي لم يمت ومقيم في جبال اصبهان . وذهبوا إلى القول بإلهية الانبياء والائمة وكفروا بالقيامة فأنكروها وأباحوا شرب الخمر وأكل الميتة فكفروا بجميع ذلك . ).

أخيرا : أسئلة بريئة :

هل قدّم الشيطان إستقالته بعد موت النبى عليه السلام أم إتسع له المجال ؟ هل مسيلمة الكذاب .. هو وحده الكذاب ؟ وهل انتهت حركات الردة بعد مقتل مسيلمة و توبة طليحة وسجاح ؟ وهؤلاء الأمويون والقرشيون الذين أمضوا معظم حياتهم حربا للنبى محمد عليه ..ثم دخلوا فى الاسلام قبيل موته ..هل إنصاعوا الى الاسلام أم إستخدموه لمصالحهم ؟  وأخيرا ..الى متى يظل معظم تاريخ ( المسلمين ) فى القرن الأول الهجرى مسكوتا عنه ؟ والى متى يظل التطبيل لتاريخ الخلفاء مناخا لأحلام عودة الخلافة بكل ما فيها من حمامات دم وفسق وإلحاد ..؟ وهل جاءت داعش وأخواتها من فراغ أم من مناهج التعليم وتزوير التاريخ ؟

 

عبد الملك بن مروان أنشأ المسجد الأقصى بديلا عن الكعبة

مقدمة

1 ـ من الحُمق الاعتقاد بأن حديث رب العزة عن مسجد الضرار الذى أقامه المنافقون فى المدينة ( التوبة  107 : 110 ) كان مجرد تاريخ انتهى ومضى ولم يتكرر . مسجد الضرار هو الذى يُستخدم فى الاضرار بالناس ، بالتناقض مع دور المسجد الذى يجب أن يكون مكانا آمنا للتقوى والاخلاص فى العبادة لرب العزة وحده لا شريك له . مسجد الضرار يجمع بين الكفر الاعتقادى بتقديس البشر والحجر ( كما كانت تفعل قريش بمساجدها : ( الجن 18 : 23 ) وفى الكفر السلوكى بالاعتداء والظلم ، وهذا أيضا كانت تفعله قريش فى إرهابها المؤمنين ومنعهم من دخول مساجد الله جل وعلا ( البقرة 114 ) . وجمعت قريش بين النوعين فى إستخدامها للبيت الحرام ( التوبة 17 : 18 ) .

2 ــ أعادت قريش فى خلافة الراشدين والأمويين مسيرة مساجد الضرار . لم يعد هناك وحى قرآنى يتنزل يفضحهم كما كان الحال فى حياة النبى محمد عليه السلام فى المدينة ،فإنطلقوا يفعلون ما يشاءون من غزو وأحتلال وسبى وسلب ، وقتال أهلى . كل ذلك مع وجود المساجد وإنتشار بنيانها ، والمحافظة على تأدية الصلاة ، حتى وقت المعارك ، سواء كانت غزوا للآخرين أو حربا أهلية . بل تحولت المساجد الى ساحات حرب .

3 ـ الصلاة كانت معروفة بمواقيتها وركعاتها ضمن شعائر ملة ابراهيم والتى تشمل الصيام والحج والتسبيح وإخلاص القلب لرب العزة جل وعلا ، بحيث تكون العبادات وسائل للتقوى . والتقوى تنعكس فى السلام والعدل والابتعاد عن الظلم فى التعامل مع الناس ، وعدم تقديس المخلوقات . قريش حافظت على شكل الصلاة وارتكبت فظائع فى إستغلال البيت الحرام مركزا لتقديس آلهة العرب ، وإضطهاد النبى والمؤمنين ، وبهذا أضاعوا ثمرة صلاتهم ( مريم 59 ).

4 ــ الانغماس فى الظلم مع ( تأدية ) الصلاة  تأدية سطحية يعنى أن تتحول الصلاة الى وسيلة تبرر الظلم وتؤكده وتساعد عليه، أى بدلا من أن تكون وسيلة للتقوى تصبح وسيلة للإثم والعدوان .  أسلمت قريش ، وما لبث أن سيطرت فى خلافة الراشدين فارتكبت جريمة الفتوحات ثم جريمة الفتنة الكبرى الأولى ثم الثانية . وفى كل فظائعها حافظت قريش على ( تأدية ) الصلاة بمواقيتها وحركاتها حتى فى أثناء القتال ، بل كان الأمير على البلد المفتوح وقائد الجيش يسمى ( أمير الصلاة ) وهو الأعلى شأنا من صاحب الجباية و القاضى . ونشروا تعليم الصلاة ، ولا زلنا نصلى بنفس الكيفية ، ونرتكب نفس الفظائع ، نقتل ونصلى ، ننهب ونصلى ، بل يهتفون ( الله أكبر ) وهم يرتكبون الفظائع . سنعرض لتأديتهم الصلاة ومبالغتهم فيها مع تمسكهم بالقتل والقتال فى مقال قادم .نتوقف هنا مع قيام عبد الملك بن مروان بإنشاء المسجد الأقصى بديلا عن الكعبة

أولا : عبد الملك وإنشاء المسجد الأقصى

1 ـ تعرضت الكعبة للإهانة والحرق بيد القرشيين ( الجيش الأموى ، وجيش ابن الزبير ) . ولقد إستغل ابن الزبير موسم الحج لتكثيف دعايته ضد الأمويين ، وبدأ تأثير ذلك واضحا فى أهل الشام الذين يؤدون فريضة ويعودون وقد سمعوا الطعن فى الأمويين . خشى عبد الملك بن مروان من أن ينفضوا عنه وأن ينضموا لابن الزبير ، وهداه تفكيره الى إنشاء ما اسماه بالمسجد الأقصى ، و جعل الحج اليه ، واستغل ذكر اسم المسجد الأقصى فى سورة الاسراء فى الدعوة لتقديس مسجده هذا ، وإستجاب له أهل الشام خصوصا من اسلم منهم ولا يزال يحمل مؤثرات دينه القديم ، وتقديس الهيكل وكنيسة القمامة ، والتى تم إنشاء المسجد الأقصى فى مكانهما . وقد قلنا فى مقالات كتاب ( ليلة القدر هى ليلة الاسراء ) وهى منشورة هنا أن المسجد الأقصى المذكور فى القرآن هو ( طور سيناء ) .

 المسجد الأقصى الحالى لم يكن موجودا فى عصر النبى ، ولم يكن موجودا فى عصر الخليفة (عمر ) حين فتح الشام وفلسطين وزار كنيسة القمامة وصلى خارجها .هذا المسجد الأُكذوبة بناه الخليفة عبد الملك بن مروان .

2 ـ فى تاريخه ( البداية والنهاية ) ينقل المؤرخ الشامى ابن كثير فى أحداث عام 66: (  وفيها‏:‏ ابتدأ عبد الملك بن مروانببناء القبة على صخرة بيت المقدس وعمارة الجامع الأقصى، وكملت عمارته في سنة ثلاثوسبعين‏.‏)

 ويقول عن سبب بنائه : ( وكان السبب في ذلك أن عبد الله بن الزبير كان قد استولى على مكة،وكان يخطب في أيام منى وعرفة، ومقام الناس بمكة، وينال من عبد الملك ويذكر مساويبني مروان، ويقول‏:‏ إن النبي صلى الله عليه وسلم لعن الحكم وما نسل، وأنه طريدرسول الله صلى الله عليه وسلم ولعينه، وكان يدعو إلى نفسه، وكان فصيحاً، فمال معظمأهل الشام إليه‏.‏وبلغ ذلك عبد الملك فمنع الناس من الحج فضجوا، فبنى القبة علىالصخرة والجامع الأقصى ليشغلهم بذلك عن الحج ويستعطف قلوبهم، وكانوا يقفون عندالصخرة ويطوفون حولها كما يطوفون حول الكعبة‏.‏وينحرون يوم العيد ويحلقون رؤوسهم، ففتح بذلك على نفسه بأن شنع ابنالزبير عليه، وكان يشنع عليه بمكة ويقول‏:‏ ضاهى بها فعل الأكاسرة في إيوان كسرى،والخضراء، كما فعل معاوية‏. )

وعن عمارته وبنائه يقول : ( ولما أراد عبد الملك عمارة بيت المقدس وجه إليه بالأموال والعمال،ووكل بالعمل رجاء بن حيوة ويزيد بن سلام مولاه، وجمع الصناع من أطراف البلادوأرسلهم إلى بيت المقدس، وأرسل إليه بالأموال الجزيلة الكثيرة، وأمر رجاء بن حيوةويزيد أن يفرغا الأموال إفراغاً ولا يتوقفا فيه‏.‏فبثوا النفقات وأكثروا، فبنوا القبة فجاءت من أحسن البناء، وفرشاهابالرخام الملون، وعملا للقبة جلالين أحدهما من اليود الأحمر للشتاء، وآخر من أدمللصيف، وحفا القبة بأنواع الستور، وأقاما لها سدنة وخداماً بأنواع الطيب والمسكوالعنبر والماورد والزعفران، ويعملون منه غالية ويبخرون القبة والمسجد من الليل‏.‏وجعل فيها من قناديل الذهب والفضة وسلاسل الذهب والفضة شيئاًكثيراً، وجعل فيها العود القماري المغلف بالمسك وفرشاها والمسجد بأنواع البسطالملونة‏.‏وكانوا إذا أطلقوا البخور شم من مسافة بعيدة. )

وعن إفتتان الناس به يقول : ( وكان إذا رجع الرجل منبيت المقدس إلى بلاده توجد منه رائحة المسك والطيب والبخور أياماً، ويعرف أنه قدأقبل من بيت المقدس، وأنه دخل الصخرة، وكان فيه من السدنة والقوم القائمين بأمرهخلق كثير، ولم يكن يومئذٍ على وجه الأرض بناء أحسن ولا أبهى من قبة صخرة بيتالمقدس، بحيث إن الناس التهوا بها عن الكعبة والحج، وبحيث كانوا لا يلتفتون في موسمالحج وغيره إلى غير المسير إلى بيت المقدس‏.‏وافتتن الناس بذلك افتناناً عظيماً، وأتوه من كل مكان، وقد عملوافيه من الإشارات والعلامات المكذوبة شيئاً كثيراً مما في الآخرة، فصوروا فيه صورةالصراط وباب الجنة، وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووادي جهنم، وكذلك فيأبوابه ومواضع منه، فاغتر الناس بذلك وإلى زماننا‏.‏) أآ ظل إفتتان الناس بالمسجد الأقصى الذى صنعه عبد الملك من عهد عبد الملك فى القرن الأول الهجرى الى عصر المؤلف ابن كثير فى القرن الثامن الهجرى ..,لا يزال حتى اليوم .

ويقول ابن كثير عن الاسراف فى تزيين وتذهيب هذا المسجد  : ( وبالجملة أن صخرة بيت المقدس لما فرغ من بنائها لم يكن لها نظير علىوجه الأرض بهجة ومنظراً، وقد كان فيها من الفصوص والجواهر والفسيفساء وغير ذلك شيءكثير، وأنواع باهرة‏.‏ولما فرغ رجاء بن حيوة، ويزيد بن سلام من عمارتها على أكمل الوجوهفضل من المال الذي أنفقاه على ذلك ستمائة ألف مثقال‏.‏وقيل‏:‏ ثلاثمائة ألف مثقال، فكتبا إلى عبد الملك يخبرانه بذلك،فكتب إليهما‏:‏ قد وهبته منكما‏.‏فكتبا إليه‏:‏ إنا لو استطعنا لزدنا في عمارة هذا المسجد من حلينسائنا‏.‏فكتب إليهما‏:‏ إذ أبيتما أن تقبلاه فأفرغاه على القبة والأبواب،فما كان أحد يستطيع أن يتأمل القبة مما عليها من الذهب القديم والحديث‏.)

ويقول عما حدث لهذا المسجد فى خلافة ابى جعفر المنصور العباسى :‏( فلما كان في خلافة أبي جعفر المنصور قدم بيت المقدس في سنة أربعينومائة، فوجد المسجد خراباً، فأمر أن يقلع ذلك الذهب والصفائح التي على القبةوالأبواب، وأن يعمروا بها ما تشعث في المسجد، ففعلوا ذلك‏.‏وكان المسجد طويلاً فأمر أن يؤخذ من طوله ويزداد في عرضه. ). وحتى الآن لا يزال هذا المسجد مقدسا ؛ يجعلونه  ثالث الحرمين .

ثانيا : الوليد بن عبد الملك وبناء مسجد المدينة عام 88 .

1 ـ عن عمد وإصرار أسس عبد الملك بن مروان مسجد الأقصى ، وجعله يضاهىء البيت الحرام . إبنه الوليد بن عبد الملك أسس المسجد الذى صار فيما بعد معروفا بالمسجد النبوى ، وصار ثانى الحرمين فى ديانات المسلمين الأرضية . لم يقصد الوليد بن عبد الملك إتخاذ هذا المسجد ثانى الحرمين ، ولم يكن ذلك معروفا وقتها ، ولكن توسعة المسجد نشأ عنها إدخال بيوت أمهات المؤمنين بعد موتهن ، وإدخال بيوت أخرى . ولأن النبى محمدا عليه السلام كان مدفونا من قبل فى غرفة عائشة فإن المسلمين حين دخلوا فى تقديس النبى وتأليهه إختاروا مكانا فى مسجد المدينة زعموا أنه مكان حجرة عائشة ، وجعلوه قبرا للنبى بأثر رجعى ، وقصدوه بالحج والزيارة . وحتى الآن يعتقدون أن النبى يعيش حيا ( تحت الأرض ) فى حفرة ضيقة حيث يرد السلام على من يسلم عليه ، وتُعرض عليه أعمال ( أمة محمد ) فيراجعها ويتشفع فيها ، وهو يعمل كل الوقت بلا كلل وبلا ملل ، وبلا أجهزة تساعده وبلا موظفين مساعدين.......وكم فى الديانات الأرضية من خبل وجنون .

2 ـ يقول الطبرى فى أحداث عام  88  : ( وفيها أمر الوليد بن عبدالملك بهدم مسجد رسول الله وهدم بيوت أزواج رسول الله وإدخالها في المسجد . . وارسل الوليد رسولا الى عمر بن عبد العزيز الوالى على المدينة يأمره بهدم بيوت امهات المؤمنين والبيوت الأخرى وتعويض أصحابها . تقول الرواية (  فدخل على عمر بن عبد العزيز بكتاب الوليد  ، يأمره بإدخال حجر أزواج رسول الله في مسجد رسول الله وأن يشتري ما في مؤخره ونواحيه حتى يكون مائتي ذراع في مائتي ذراع،  ويقول له : " قدم القبلة إن قدرت وأنت تقدر لمكان أخوالك فإنهم لا يخالفونك ،  فمن أبى منهم فمر أهل المصر فليقوموا له قيمة عدل . ثم اهدم عليهم وادفع إليهم الأثمان،  فإن لك في ذلك سلف صدق عمر وعثمان . "  فأقرأهم كتاب الوليد وهم عنده ، فأجاب القوم إلى الثمن ، فأعطاهم إياه . وأخذ في هدم بيوت أزواج النبي وبناء المسجد ، فلم يمكث إلا يسيرا حتى قدم الفعلة ، بعث بهم الوليد . )

وحضر مع عمر بن عبد العزيز أعيان أهل المدينة : ( رأيت عمر بن عبدالعزيز يهدم المسجد ومعه وجوه الناس ، القاسم وسالم وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث وعبيد الله بن عبدالله بن عتبة وخارجة بن زيد وعبدالله بن عبدالله بن عمر ، يرونه أعلاما في المسجد ، ويقدرونه.  فأسسوا أساسه ، لما جاء كتاب الوليد من دمشق . )

وعن الهدم والبناء : ( قال صالح فاستعملني على هدمه وبنائه ، فهدمناه بعمال المدينة ، فبدأنا بهدم بيوت أزواج النبي حتى قدم علينا الفعلة الذين بعث بهم الوليد . ) ( ابتدأنا بهدم مسجد رسول الله في صفر من سنة ثمان وثمانين . وبعث الوليد إلى صاحب الروم يعلمه أنه أمر بهدم مسجد رسول الله وأن يعينه فيه . فبعث إليه بمائة ألف مثقال ذهب ، وبعث إليه بمائة عامل وبعث إليه من الفسيفساء بأربعين حملا , وأمر أن يتتبع الفسيفساء في المدائن التي خربت فبعث بها إلى الوليد فبعث بذلك الوليد إلى عمر بن عبد العريز ).

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

صلاتهم التى تأمر بالفحشاء والمنكر والبغى

أولا :بين الصلاة الاسلامية والصلاة القُرشية

1 ـ الصلاة الاسلامية ليست مجرد حركات قيام وركوع وسجود وكلمات تُقال ، فهكذا كانت تفعل قريش فى تأديتها السطحية للصلاة . وهى بهذا الشكل أقرب ما تكون الى اللهو واللعب ، وهذا وصف رب العزة جل وعلا لصلاتهم عند البيت الحرام (وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ (35) الانفال  ). حافظت قريش هلى تأدية صلاة سطحية تؤدى نفس الصلاة الابراهيمية التى نعرفها الآن ، ولكن بلا خشوع وبلا تقوى . الصلاة الاسلامية هى أن تخشع لربك وانت تصلى له ، ثم أن تنهاك صلاتك عن الفحشاء والمنكر ( العنكبوت 45 ) . بدون ذلك تصبح الصلاة وسيلة للفسوق والعصيان ، أى فطالما تُصلّى فلا عليك مهما فعلت .

2 ـ بدخول قريش فى الاسلام وقيادتها المسلمين إحتاجت قريش للمبالغة فى ( تأدية ) هذه الصلاة السطحية خدمة لمصالحها ولتبرير مظالمها . أقنعت قريش الأعراب إن الغزو الاحتلال والبغى والسلب والسبى هو فريضة اسلامية ، لذا كان لا بد أن يصاحب جهادهم هذا تأدية لصلاة سطحية تؤكد لهم إقتناعهم بأنهم على الحق . وبعض الاعراب الذين إقتنعوا بدين قريش هذا هم الذين ثاروا على قريش وخرجوا عليها وتطرفوا فى سفك الدماء بنفس تطرفهم فى صلواتهم السطحية . وهنا يبدو التناقض هائلا بين المؤمن الخاشع الذى يصلى ويخاطب ربه فى الصلاة قائلا ( إهدنا الصراط المستقيم ) 17 مرة يوميا ، ثم إذا عرضت له معصية بين الصلوات تذكر دعاءه لربه جل وعلا وقوله ( إهدنا الصراط المستقيم ) فيخجل من نفسه إذ كيف يعصى ثم كيف له فى الصلاة التالية يقول لربه جل وعلا ( إهدنا الصراط المستقيم ) . اما هذا ( السلف الصالح ) من الصحابة والتابعين فقد إمتلأ جوفه من الأموال السُّحت المغتصبة من دماء وعرق الشعوب التى إحتلوا أوطانها وإعتبروهم مواطنين من الدرجة الدنيا ، مجرد ( موالى ) .

3 ـ وبرز دور الصلاة السطحية فى التحريض على الفسوق والعصيان منذ خلافة ابى بكر والفتوحات الى خلافة (على ) والفتنة الكبرى الأولى ( 35 : 40 ) الى الفتنة الكبرى الثانية التى نبحثها ( 61 : 73 ) وما بعده ـ وحتى الآن . وفى عصور الخلفاء نرى ملامح لدور الصلاة ، وهى : أن يكون الخليفة هو إمام الصلاة ، وأن يكون الوالى أو الأمير فى الولاية هو والى الصلاة ، المقدم فى الرتبة على والى الخراج والقاضى ، أن يكون المسجد هو مركز السياسة والاعلام ، وبالتالى أن تكون الصلاة مصاحبة للنشاط السياسى والاقتتال العسكرى ، يحافظون على ( تأديتها ) فى مواقيتها ، يؤدون الصلاة ثم يقتتلون بعدها . ونعطى بعض التفاصيل عن مصاحبة الصلاة والمسجد لسنوات الفتنة الكبرى خلال سنوات ( 61 : 73 )

ثانيا : إمامة الصلاة

1 ـ الخليفة هو إمام الصلاة ، والذى يطمع للخلافة تكون الصلاة خلفه اعترافا بإمامته السياسية . فى موقعة الجمل تقول الرواية : ( وخرجت عائشة ومن معها من مكة، فلما خرجوا منها وأذن مروان بن الحكم، ثم جاء حتى وقف على طلحة والزبير فقال: " على أيكما أسلم بالإمرة وأؤذن بالصلاة ؟   )  قول مروان بن الحكم : (على أيكما أسلم بالإمرة وأؤذن بالصلاة ؟  ) ربط بين الامامة السياسية والامامة فى الصلاة .

2 ـ وفى حكم الولايات كان أمير الصلاة هو الأعلى رتبة ، ولأن المال هو الاله المعبود للخلفاء القرشيين فقد جعلوا واليا للخراج فى كل ولاية ، يجمع المال للخليفة ويتبعه مباشرة . تقول الرواية ( وفيها استعمل معاوية (عبد الله بن عمرو بن العاص ) على الكوفة، فأتاه المغيرة ابن شعبة فقال له: " استعملت عبد الله على الكوفة وأباه على مصر فتكون أميراً بين نابي الأسد " . فعزله عنها واستعمل المغيرة على الكوفة. وبلغ عمراً ما قال المغيرة، فدخل على معاوية فقال: " استعملت المغيرة على الخراج فيغتال المال ولا تستطيع أن تأخذه منه، استعمل على الخراج رجلاً يخافك ويتقيك. " فعزله عن الخراج واستعمله على الصلاة.) . أى جعله أمير الصلاة ، أى الحاكم السياسى وليس أمير الخراج أى الذى يجمع المال للخليفة .

3 ـ وفى هذه الفتنة الكبرى الثانية ،انضمت الكوفة لابن الزبير لإبن الزبير فعيّن واليا للصلاة وواليا للخراج ( .. ، ثم قدم عليهم عبد الله بن يزيد الخطمي الأنصاري على الصلاة، وإبراهيم بنمحمد بن طلحة على الخراج من عند ابن الزبير. ) 

4 ـ وحضور الصلاة فى المسجد الرسمى كان دليل الولاء للخليفة القائم ، ولقد حرص الأمويون على لعن (على ) فى خطبة صلاة الجمعة ، إستغلالا للمسجد فى سياستهم ، وكان حضور شيعة (على ) إلزاميا ، تقول الرواية ( فكتب معاوية إلى المغيرة ليلزم زياداً وحجر بن عدي وسليمان بن صرد وشبث بن ربعي وابن الكوا بن الحمق بالصلاة في الجماعة، فكانوا يحضرون معه الصلاة. وإنما ألزمهم بذلك لأنهم كانوا من شيعة علي.)
 5ـ وكانت الصلاة خلف الوالى إعترافا بشرعيته ، لذا قيل أن الحسن والحسين كانا يصليان خلف مروان بن الحكم فى ولايته على المدينة . وإشتهر عبد الله بن عمر بصلاته خلف الحجاج ، إعترافا بولايته .

ثالثا : المسجد ( مساجد الضرار )

تعبير مسجد الضرار ينطبق على المساجد التى أسسها العرب فى البلاد المفتوحة . هى مساجد أُنشئت على ارض مغتصبة وبأموال حرام ، وهى تعبّر عن السلطة القائمة المحتلة . وكان المسجد عاكسا ومعبرا عن الصراعات القائمة ، وكان خلفية الأحداث ،من عقد مؤتمرات ومفاوضات وقتال .

ونعطى بعض التفصيلات :  . 

1 ـ كان مركز الاعلام وقتها ، عند الأمور الهامة يؤذّن بنداء ( الصلاة جامعة ) فيأتى الناس لسماع الخبر . ومن الطبيعى أن يكون هذا فى المسجد الأكبر ، ومنه إكتسبت بعض المساجد وصف ( الجامع ) .

2 ـ بعد قتل الحسين أعلن ابن زياد هذا يبشر أهل الكوفة ، تقول الرواية : ( ثم نادى: الصلاة جامعة، فاجتمع الناس، فصعد المنبر فخطبهم وقال " : الحمد لله الذي أظهر الحق وأهله، ونصر أمير المؤمنين يزيد وحزبه، وقتل الكذاب ابنالكذاب الحسين بن علي وشيعته."، فوثب إليه عبد الله بن عفيف الأزدي ... ،وكان ضريراً قد ذهب إحدى عينيه يوم الجمل مع علي والأخرى بصفين معه أيضاً، وكان لايفارق المسجد يصلي فيه إلى الليل ثم ينصرف، فلما سمع مقالة ابن زياد قال: يا ابنمرجانة! إن الكذاب ابن الكذاب أنت وأبوك والذي ولاك وأبوه! يا ابن مرجانة أتقتلونأبناء النبيين وتتكلمون بكلام الصديقين؟ فقال: عليّ به. فأخذوه، فنادى بشعار الأزد: يا مبرور! فوثب إليه فتية من الأزد فانتزعوه، فأرسل إليه من أتاه به فقتله وأمربصلبه في المسجد، فصلب. ) .هنا يلعب المسجد الأموى أدوارا شتى ، فهو مركز إعلامى ، وأيضا ساحة للقتل والصلب .

3 ـ ومعاوية بن يزيد بن معاوية ــ ذلك الشاب التقى النقى الذى إعتزل الخلافة ، أعلن إعتزاله فى المسجد ، تقول الرواية : ( ولما كان في آخر إمارته أمر فنودي: الصلاة جامعة، فاجتمعالناس، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فإني ضعفت عن أمركم فابتغيت لكم مثلعمر بن الخطاب حين استخلفه أبو بكر فلم أجده، فابتغيت ستة مثل ستة الشورى فلمأجدهم، فأنتم أولى بأمركم فاختاروا له من أحببتم. ثم دخل منزله وتغيب حتىمات.) .

4 ـ وتحت عنوان ( ذكر حالابن زياد بعد موت يزيد ) تقول الرواية : ( لما مات يزيد وأتى الخبر عبيد الله بن زياد  ..، فأمر فنودي: الصلاة جامعة، فاجتمع الناس،وصعد المنبر فنعى يزيد وثلبه.. وقال: يا أهل البصرة إنمهاجرنا إليكم ودارنا فيكم ومولدي فيكم،...) أراد ابن زياد التحبب الى أهل البصرة فعقد هذا المؤتمر الجامع فى المسجد .

5 ـ وهرب ابن زياد الى الشام ، ووقعت إضطرابات بين القبائل وفى تفصيلات عديدة يأتى ذكر المسجد ساحة للقتال ، ونقتطفها من بين السطور : (  وصعد مسعود المنبر وسارمالك بن مسمع نحو دور بني تميم حتى دخل سكة بني العدوية فحرق دورهم  ... وجاء بنو تميم إلى الأحنف فقالوا: يا أبا بحر، إنربيعة والأزد قد تحالفوا وقد ساروا إلى الرحبة فدخلوها. فقال: لستم بأحق بالمسجدمنهم. ... فسار عبس إلى المسجد، فلما سار عبس جاء عبادفقال: ما صنع الناس؟ فقيل: سار بهم عبس. فقال: لا أسير تحت لواء عبس، وعاد إلى بيتهومعه ستون فارساً. فلما وصل عبس إلى المسجد قاتل الأزد على أبوابه ومسعود علىالمنبر يحضض الناس.. ) ( واجتمعت تميم إلى الأحنف فقالوا له: إن الأزد قد دخلوا المسجد. قال: إنما هولهم ولكم. قالوا: قد دخلوا القصر وصعد مسعود المنبر.. ) (  .. فجاءت عصابة منهم حتىدخلوا المسجد ومسعود على المنبر يبايع من أتاه..)

6 ـ ويتردد ذكر المسجد فى خروج الضحاك بن قيس الفهرى على الأمويين ومعه قبائل قيس وانضمامه لابن الزبير ، وما نتج عن ذلك من عقد مؤتمر الجابية ثم معركة مرج راهط ، ونقتطف من بين السطور : ( ثم خرج الضحاك إلى المسجد فجلس فيه وذكر يزيد بن معاوية فسبه، فقام إليهشاب من كلب فضربه بعصا، فقام الناس بعضهم إلى بعض فاقتتلوا، قيس تدعو إلى ابنالزبير ونصرة الضحاك، وكلب تدعو إلى بني أمية  ...ودخل الضحاك دار الإمارة ولم يخرج من الغد إلى صلاة الفجر . ) ، أى كان معتادا أن يذهب للمسجد الأموى ، فلما بدأ فى تحويل ولائه الى ابن الزبير أعلن سبّ يزيد بن معاوية فى المسجد تمهيدا للخروج من طاعة الأمويين ، وحين عورض إنقطع عن صلاة الفجر فى المسجد . فالمسجد هنا والصلاة فيه هو خلفية الأحداث .

7 ـ وفى صراع المختار الثقفى فى العراق يبدو تركيزه على المساجد .  نقتطف هذه السطور :

7 / 1 ـ عن تجميعه الناس ليبايعوه نرى المختار يستخدم المساجد : (. ثمركب راحلته نحو الكوفة فوصل إلى نهر الحيرة يوم الجمعة فاغتسل ولبس ثيابه، ثم ركبفمر بمسجد السكون وجبانة كندة لا يمر على مجلس إلا سلم على أهله وقال: أبشروابالنصرة والفلج، أتاكم ما تحبون.) (ومر على حلقة من همدان فقال: قد قدمت عليكم بما يسركم، ثم أتى المسجد واستشرف لهالناس، فقام إلى سارية فصلى عندها حتى أقيمت الصلاة وصلى مع الناس ثم صلى ما بينالجمعة والعصر ثم انصرف إلى داره، واختلف إليه الشيعة، وأتى إسماعيل بن كثير وأخوهوعبيدة بن عمرو فسألهم فأخبروه خبر سليمان بن صرد وأنه على المنبر، فحمد الله ثمقال: إن المهدي ابن الوصي بعثني إليكم أميناً ووزيراً ومنتخباً وأميراً وأمرني بقتلالملحدين والطلب بدم أهل بيته والدفع عن الضعفاء، فكونوا أول خلق اللهإجابةً.فضربوا على يده وبايعو؛.. ) وتجمع معه جيش صلى بهم الفجر : (فلحقوا بالمختار، فتوافى إلى المختار ثلاثة آلاف وثمانمائة مناثني عشر ألفاً كانوا بايعوه، فاجتمعوا له قبل الفجر، فأصبح وقد فرغ من تعبيته وصلىبأصحابه بغلس.)

7 / 2 ـ الخصم هنا وهو ابن مطيع والى ابن الزبير على الكوفة استخدم المسجد أيضا ، إذ أمر أتباع بالاجتماع بالمسجد الرسمى ، ومن لا يحضر فقد برئت منه الذمة : (  وأرسل ابن مطيع إلى الجبابين فأمر من بها أن يأتوا المسجد، وأمرراشد بن إياس فنادى في الناس: برئت الذمة من رجل لم يأت المسجد الليلة. فاجتمعوافبعث ابن مطيع شبث بن ربعي في نحو ثلاثة آلاف إلى المختار، وبعث راشد بن إياس فيأربعة آلاف من الشرط.فسار شبث إلى المختار، فبلغه خبره وقد فرغ من صلاة الصبح،فأرسل من أتاه بخبرهم.. ) هنا الصلاة أيضا فى وقت الحرب الأهلية .  وانتصر المختار فدخل قصر الامارة والمسجد الرسمى : ( ودخل المختارالقصر فبات فيه، وأصبح أشراف الناس في المسجد وعلى باب القصر، وخرج المختار فصعدالمنبر فحمد الله وأثنى عليه فقال: الحمد لله الذي وعد وليه النصر، وعدوه الخسر،وجعله فيه إلى آخر الدهر، وعداً مفعولاً وقضاء مقضياً، وقد خاب من افترى.. ) 

7 / 3 : وعن الكرسى الذى زعم المختار أن ينتصر به تقول الرواية ان المختار ( عقد مؤتمرا صحفيا فى المسجد ) : ( ثم دعا: الصلاة جامعة، فاجتمع الناس، فقال المختار: إنه لم يكن في الأمم الخالية أمر إلاوهو كائن في هذه الأمة مثله، وإنه كان في بني إسرائيل التابوت، وإن هذا فينا مثلالتابوت. فكشفوا عنه، وقامت السبئية فكبروا.)
 7 / 4 : وأراد الشاعر سراقة بن مرداس ــ وهو أسير ـ أن ينجو من القتل فزعم للمختار أن الملائكة كانت تقاتل معه ، فأمره المختار أن يعلن ذلك ( فى مؤتمر صحفى ) : ( وقال سراقة بن مرداس للمختار وقال : أصلح الله الأمير،أحلف بالله الذي لا إله إلا هو لقد رأيت الملائكة تقاتل معك على الخيول البلق بينالسماء والأرض. فقال له المختار: اصعد المنبر فأعلم الناس. فصعد فأخبرهم بذلك ثمنزل، فخلا به المختار فقال له: إني قد علمت أنك لم تر شيئاً وإنما أردت ما قد عرفتأن لا أقتلك، فاذهب عني حيث شئت لا تفسد علي أصحابي.. )

7 / 5 : وفى موقف آخر نرى الصلاة السطحية ركنا أساسيا  فى هذه الحرب الأهلية : (   ثم سار ( ابن الأشتر )  ليلته كلهاومن الغد فوصل العصر وبات ليلته في المسجد ومعه من أصحابه أهل القوة. ولما اجتمعأهل اليمن بجبانة السبيع حضرت الصلاة، فكره كل رأس من أهل اليمن أن يتقدمه صاحبه،فقال لهم عبد الرحمن بن مخنف: هذا أول الاختلاف، قدموا الرضى فيكم سيد القراء رفاعةبن شداد البجلي، ففعلوا، فلم يزل يصلي بهم حتى كانت الوقعة.)

7 / 6 : وجاء مصعب بن الزبير واليا على البصرة فدخل الى مسجدها مباشرة : ( فقدمها مصعبملثماً  ، ودخل المسجد وصعد المنبر، فقال الناس: أمير أمير! وجاء الحارث بن أبي ربيع،وهو الأمير، فسفر مصعب لثامه فعرفوه، وأمر مصعب الحارث بالصعود إليه فأجلسه تحتهبدرجة ثم قام مصعب فحمد الله وأثنى عليه ثم قال.. ). الناس حين رأوا مصعب يصعد المنبر عرفوا أنه الأمير الجديد .  مصعب  يجعل الوالى السابق يجلس تحته بدرجة على المنبر .

7 / 7 : وقتل مصعب بن الزبير المختار ، وجىء له برأس المختار : ( وأمر مصعب بكف المختار بن أبي عبيدة فقطعت وسمرت بمسمارإلى جانب المسجد، فبقيت حتى قدم الحجاج فنظر إليها وسأل عنها عقيل: هذه كف المختار،فأمر بنزعها.) .

8 ـ وكان المسجد والصلاة فيه خلفية لنشاط عبد الملك بن مروان

8 / 1 : قتل عبد الملك بن مروان ابن عمه عمرو بن سعيد  غدرا بعد أن أعطاه العهود والمواثيق بالأمان . قتله وهو يواظب على الصلاة السطحية فى المسجد  : ( وأذنالمؤذن العصر فخرج عبد الملك يصلي بالناس ، وأمر أخاه عبد العزيز أن يقتله، فقام إليهعبد العزيز بالسيف، فقال عمرو: " أذكرك الله والرحم أن تلي قتلي، ليقتلني من هو أبعدرحماً منك".فألقى السيف وجلس، وصلى عبد الملك صلاة خفيفة ، ودخل.. ) ( ودخل عبد الملك حين صلى فرأىعمراً بالحياة، فقال لعبد العزيز: ما منعك أن تقتله؟ فقال: إنه ناشدني الله والرحمفرققت له. فقال له: اخزى الله أمك البوالة على عقبيها، فإنك لم تشبه غيرها! ثم أخذعبد الملك الحربة فطعن بها عمراً فلم تجز، ثم ثنى فلم تجز، فضرب بيده على عضده فرأىالدرع فقال: ودرع أيضاً؟ إن كنت لمعداً! فأخذ الصمصامة وأمر بعمرو فصرع، وجلس علىصدره فذبحه . )

 8 / 2 : من على المنبر أعلن عبد الملك بن مروان هزيمة التوابين الشيعة : ( ولما سمع عبدالملك بن مروان بقتل سليمان وانهزام أصحابه صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وقال: أما بعد فإن الله قد أهلك من رؤوس أهل العراق ملقح فتنةٍ ورأس ضلالةٍ سليمان بنصرد،..)   

 رابعا  : الصلاة وقت سفك الدماء 

حين لا يكون هناك مسجد ، ويحدث قتال يحافظ المقاتلون على تأدية صلاتهم السطحية ، بينما هم يتقاتلون فى سبيل الدنيا ، وليس فى سبيل الله جل وعلا بل فى سبيل الشيطان .

1 ـ فى مذبحة كربلاء يتردد بين سطورها أن القوم كانوا يصلٌّون وقت الاقتتال : ( وجاء القوم وهم ألف فارس مع الحر بن يزيد التميمي ثماليربوعي، فوقفوا مقابل الحسين وأصحابه في نحر الظهيرة ... فلم يزل مواقفاً الحسينحتى حضرت صلاة الظهر، فأمر الحسين مؤذنه بالأذان، فأذن ..فسكتواوقالوا للمؤذن: أقم، فأقام، وقال الحسين للحر: أتريد أن تصلي أنت بأصحابك؟ فقال: بلصل أنت ونصلي بصلاتك. فصلى بهم الحسين، ثم دخل واجتمع إليه أصحابه وانصرف الحر إلىمكانه، ثم صلى بهم الحسين العصر. ) ( ..
فلما أمسوا قاموا الليل كله يصلون ويستغفرون ويتضرعونويدعون. فلما صلى عمر بن سعد الغداة يوم السبت، وقيل الجمعة، يوم عاشوراء، خرج فيمنمعه من الناس، وعبى الحسين أصحابه وصلى بهم صلاة الغداة، وكان معه اثنان وثلاثونفارساً، وأربعون راجلاً،  ...ولما حضر وقت الصلاة قال أبو ثمامة الصائدي للحسين: نفسي لنفسك الفداء! أرى هؤلاء قد اقتربوا منك، والله لا تقتل حتى أقتل دونك، وأحب أن ألقى ربي وقد صليتهذه الصلاة! فرفع الحسين رأسه وقال: ذكرت الصلاة جعلك الله من المصلين الذاكرين ،نعم هذا أول وقتها، ثم قال: سلوهم أن يكفوا عنا حتى نصلي. ففعلوا، فقال لهم الحصين: إنها لا تقبل. فقال له حبيب بن مطهر: زعمت لا تقبل الصلاة من آل رسول الله، صلىالله عليه وسلم، وتقبل منك يا حمار! فحمل عليه الحصين، وخرج إليه حبيب فضرب وجهفرسه بالسيف فشب فسقط عنه الحصين فاستنقذه أصحابه . ثم صلوا الظهر، صلى بهمالحسين صلاة الخوف، ثم اقتتلوا بعد الظهر، فاشتد قتالهم.)

2 ـ واشتهر الخوارج بالتطرف فى العبادة السطحية والتطرف فى سفك الدماء . وتحت عنوان ( ذكرمقتل أبي بلال مرداس حدير الحنظلي ) تقول الرواية  : (  وبلغ ذلك ابن زياد ارسل إليه ثلاثة آلاف عليهم عباد بن الأخضر ..  فاتبعه حتى لحقه بتوج ، فصفله عباد وحمل عليهم أبو بلال فيمن معه، فثبتوا واشتد القتال حتى دخل وقت العصر،فقال أبو بلال: هذا يوم جمعة وهو يوم عظيم وهذا وقت العصر فدعونا حتى نصلي. فأجابهمابن الأخضر وتحاجزوا، فعجل ابن الأخضر الصلاة، وقيل قطعها، والخوارج يصلون، فشدعليهم هو وأصحابه وهم ما بين قائم وراكع وساجد لم يتغير منهم أحد من حاله، فقتلوامن آخرهم وأخذ رأس أبي بلال.).

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 
 

خاتمة الكتاب

1 ـ القارىء لهذا الكتاب تفاجئه فظائع لم يكن يتوقعها وشخصيات لم يكن يعرفها ، ويتعرف على تاريخ مسكوت عنه للسلف الصالح مكتظ بالأوحال . والسؤال الذى يتبادر للذهن هو الى متى يظل هذا التاريخ مسكوتا عنه ؟ الى متى يظل التهليل للخلافة وإعتبارها إسلامية وهى ( عمل سياسى ) إستغل كل الوسائل مشروعة وغير مشروعة فى الوصول الى الحكم أو الاحتفاظ به ؟ وقد وصلت هذه الوسائل الى أسفل سافلين فى هذه الفتنة الكبرى الثانية ( المجهولة ) ؟

2 ــ ما تفعله ( داعش ) اليوم هو تكرار ( مهذّب ) للفتنة الكبرى الثانية .

وللقارىء لهذا الكتاب ـ بعد زوال داعش ـ نقول إنها منظمة وهابية إستغلت ظروفا سياسية محلية واقليمية ودولية لأن تنشىء لها دولة ( متحركة ) بين الرقة والموصل فى سوريا العراق ، وأطلقت عليها ( الدولة الاسلامية فى العراق والشام : داعش ). وأفزعت العالم بتكرار ما كان يفعله الخلفاء فى العصور الوسطى .

3 ــ ستنتهى داعش، ولكن ستظهر منظمات أخرى تحاول إستعادة عصر الخلافة (الاسلامية ) ، طالما يظل الحمقى متمسكين بإطلاق إسم الاسلام على الحركات التى تستغل إسمه فى السياسة ، وطالما يظل تاريخ الخلفاء الحقيقى مسكوتا عنه ممنوعا من العرض ومن النقد . وطالما لا يتم إصلاح دينى حقيقى وإصلاح حقيقى فى مناهج التعليم خصوصا فى التاريخ والمواد الدينية .

4 ــ الى متى يظل المسلمون يدفعون الثمن فى حمامات دم متواصلة ؟ والى متى يظل شبابهم مشدودين الى ماض مكتظ بالدم بدلا من إستشراف المستقبل ؟

نعرف أننا ــ كالعادة ـ نصرخ فى الفراغ ، ونعرف أننا نخاطب من لا يسمع ولا يعقل ومن لا يهتم ، ولكن لا يزال لنا أمل فى المستقبل . ومن هذا الأمل أن يأتى جيل يعرف أننا قضينا حوالى أربعين عاما نناضل فى سبيل إصلاح سلمى للمسلمين ، والآن ــ وقد مضى قطار العمر ـ فقد تواضعت أحلامنا لتصبح مجرد إعلام الأجيال القادمة بنضالنا الذى يتعرض للتعتيم والتحقير .

5 ـ وإذا ضاع عملنا فى هذه الدنيا هباءا فإننا نرجو من الله جل وعلا ألّا يحرمنا أجرنا يوم الحساب ، وسبحانه جل وعلا الذى لا يضيع أجر من أحسن عملا .

والله جل وعلا هو المستعان

أحمد صبحى منصور:

فرجينيا ـ الولايات المتحدة : 

الاربعاء 13 ابريل 2016