التنبيه على كلمة فاسدة
مميعة للدين
تبَرِّر تعطيل أحكام الشرع
وتحكيم القوانين
تكررت هذه الكلمة على لسان بعض رؤوس الثوار وشيوخهم ومشاهيرهم المبرّزين في سوريا قديما وحديثا
وهي قولهم:(نحن لن نفرض الحجاب أو الصلاة أو نحوها من الشعائر على أحد حتى لا نصنع جيلاً منافقاً يترك المنكر خوفاً منا ؛لا من الله ؛ويصلي إذا رآنا ويترك الصلاة لم يرَنا)
ولما رأيت تكرارها في أكثر من مناسبة مِن أكثر من واحد من المسؤولين والشيوخ في الإعلام وعلى مسامع الأنام؛ أحببت التحذير منها وبيان فسادها وأنها تفضي إلى تعطيل حكم الشريعة والإبقاء على حكم القوانين ؛ويراد منها التملص مما أوجبه الله على كل من ولاه الله أمر طائفة من المسلمين من واجبات ومسؤوليات دينية ؛ما شرع الله الجهاد والقتال للتمكين أصلا إلا لتحقيقها وإقامتها كما سنبين.
هذا رغم أن أقوال السلف والصحابة والأئمة والعلماء تضافرت على خلاف هذه المقولة الفاسدة ؛ومن الآثار المشتهرة على الألسنة قولهم: «إن الله يَزَعُ بالسلطان ما لا يزع بالقرآن».
روي ذلك عن عمر، وعثمان رضي الله عنهما وعن عمر بن عبدالعزيز، والحسن البصري رحمهما الله؛ وتناقلها العلماء والحكماء والخلفاء حتىظنها الناس حديثا مرفوعا للنبي ﷺ
والمراد بها أن مَن يكف عن ارتكاب العظائم مخافة السلطان أكثر ممن يكفه القرآن خوف الله تعالى
قال السمعاني في «تفسيره» (ت ٤٨٩ هـ) (٤/ ٨٤): (ومعناه: ما يمتنع الناس منه خوفا من السلطان أكثر مما يمتنع الناس منه خوفا من القرآن).
وَمن ثمَّ قَالَ ابْن الْمُبَارك:
إِن الْجَمَاعَة حَبل الله فَاعْتَصمُوا ...
بعروته الوثقى لمن دانا
كم يدْفع الله بالسلطان مظْلمَة ...
فِي ديننَا رَحْمَة مِنْهُ ودنيانا
لَوْلَا الْخَلِيفَة لم تأمن لنا سبل ...
وَكَانَ أضعفنا نهبا لأقوانا
وقال ابن رشد (١٨/ ٤٩٤): (وقال مالك: قال العبد الصالح عثمان بن عفان: ما يزع الإمام أكثر مما يزع القرآن، يعني ما يكف الناس عنه بالحدود.
قال محمد بن رشد: تفسير مالك لقول عثمان صحيح، والمعنى فيه أن الذين ينتهون من الناس عن محارم الله مخافة السلطان أكثر من الذينينتهون عنها انتهاء لأمر الله تعالى، ففي الإمام صلاح الدين والدنيا. ولا اختلاف بين أحد من العلماء في وجوب الإمامة ولزوم طاعة الإمام).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في «مجموع الفتاوى» (١١/ ٤١٦): (... ولكن في بعض فوائد العقوبات المشروعة في الدنيا ضبط العوام. كما قال عثمان بن عفان رضي الله عنه: «إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن» فإن من يكون من المنافقين والفجار فإنه ينزجر بما يشاهده من العقوبات وينضبط عن انتهاك المحرمات فهذا بعض فوائد العقوبات السلطانية المشروعة.)اهـ
وقال أيضًا كما في «مجموع الفتاوى» (٢٨/ ١٠٧) وعنه: ابن القيم في «الطرق الحكمية» (٢/ ٦٨٣): (فصل: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يتم إلا بالعقوبات الشرعية؛ فإن الله يزع بالسلطان. ما لا يزع بالقرآن. وإقامة الحدود واجبة على ولاة الأمور؛ وذلك يحصل بالعقوبة على ترك الواجبات وفعل المحرمات).
قال الشاطبي (ت ٧٩٠ هـ) في «الاعتصام» (١/ ٢٩٣): (... لأن الإعذار والإنذار الأخروي قد لا يقوم له كثير من النفوس، بخلاف الدنيوي،
ولأجل ذلك شرعت الحدود والزواجر في الشرع، وإن الله يزع بالسلطان ما لا يزعه بالقرآن، فالمبتدع إذا لم ينتهض لإجابة دعوته بمجردالإعذار والإنذار الذي يعظ به، حاول الانتهاض بأولي الأمر، ليكون ذلك أحرى بالإجابة).
وهؤلاء الذين يدندنون على تلكم الكلمة الإبليسية الفاسدة إنما أرادوا بها التهرب من تحكيم الشريعة باسم الحكمة وباسم الحرص على إيمان الناس وعدم تربيتهم على النفاق-زعموا- فليتذكروا قوله تعالى عن أهل النار :(قَالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ) فهي تشير إلى أقوام سوّغوا للناس المنكر ولمعوا الباطل باسم الدين؛ الذي يرمز إليه(اليمين) فيأتونهم بدعوى الحرص على دينهم ومن جهة اليمين ليقودهم إلى طريق أهل الشمال!
ويمنعون الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر بفلسفاتهم الفاسدة وفزلكاتهم الساقطة متسترين بحرصهم على غرس الدين الصحيح في قلوب الناس!
والله تعالى يقول:(الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر)
وهم يقولون: لا تفرضوا على الناس صلاة ولا زكاة ولا تأمروهم بمعروف ولا تنهوهم عن منكر حتى لا ينشأ عندنا جيل منافق!؟
وقد روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:( عجب الله من قوم يدخلون الجنة في السلاسل)
وذلك أن من ولاه الله أمر طائفة من المسلمين فيجب عليه إقامة الحدود وإقامة الصلاة بالناس والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وكف الناسعن الفواحش ومنع أكل أموالهم بالباطل وغير ذلك من الواجبات السلطانية التي ربما استجاب كثير من الناس بداية لها خوفا من السلطان ؛ثم لا يلبثوا هم وذراريهم أن يفعلوها خالصة لله بعدما يذوقون حلاوتها ويعرفون محاسنها ويشاهدون عدلها وهذا من معاني أنهم يدخلون الجنة بالسلاسل.
وإني لأعجب مِن خَوَر وعجز قوم يتزينون بالجهاد ويتحدثون عن الاستشهاد ؛ يرون جَلَد طواغيت الحكام في كل البلدان في فَرْض كفرياتهم وقوانينهم الباطلة على الناس ؛ويدرسون إلزاميا لأبناء المسلمين مناهجهم الفاسدة التي يفرضون فيها موالاتهم تحت اسم التربية الوطنية وغيرها من المسميات؛ ويلغون آيات الجهاد من المناهج ؛ويدسّون فيها تطبيعهم وأخوّتهم لليهود؛ ويرونهم يأطرون الناس أطرا على كل منكراتهم وباطلهم!
ثم يأتي هؤلاء الخوارون الذين يجبنون عن تحكيم الشرع ليقولوا ويعلنوا ويتلذذوا بتكرار مقولتهم الإبليسية: نحن لا نريد شعبا منافقا نفرضعليه الصلاة وعلى نسائه الحجاب !
ومفاد هذه المقولة الشيطانية أننا نرضى بهم كفارا تاركي الصلاة ممتنعين عن الشرائع ولا نرضى بهم منافقين!
ومن ذا الذي فوضكم بالقلوب أو طلب منكم ضمان صلاحها؟!
والله إنما يحاسبنا في هذه الدنيا بالأحكام الظاهرة وعليها تجري الأحكام وتقام الحدود
ولا دخل لنا بمغيب القلوب
فمن شهد الشهادتين وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يُظهر شيئا من نواقض الإسلام شهدنا له بالإسلام الحكمي وكففنا عنه ولا يضرنا ما في سريرته من نفاق أو رياء
الله يتولى السرائر ونحن إنما نتولى الظواهر
عَن ابن عُمَر رَضِيَ اللَّه عنْهَما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (أُمِرْتُ أَن أُقاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَن لا إِلهَ إِلاَّ اللَّه وأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، ويُقِيمُواالصَّلاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ، فَإِذا فَعَلوا ذلكَ، عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وأَمْوَالَهم إِلاَّ بحَقِّ الإِسلامِ، وحِسابُهُمْ عَلى اللَّهِ) مُتفقٌ عليه.
فلا تنخدعوا بتلك المقولة الإبليسية التي يريد بها المنافقون والخوارون والمتلاعبون تمييع الدين والتهرب من إلزام الناس بالشرائع الظاهرة ؛والتلاعب في تحكيم الشريعة وإرضاء الغرب الكافر الذي يخشونه أشد من خشية الله
والله جل في علاه يقول:(وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ۗ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَىٰ ۗ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ۙ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ)
فبشراهم -إن هم بقوا على هذا التمييع ؛متسترين بهذه الحجة الإبليسية الفاسدة- بأنهم سيخسرون رضى الله ؛ولن يرضى عنهم الغرب ولا الناس حتى ينسلخوا من دينهم
وأختم بالتذكير بحديث عائشة رضي الله عنها قال رسول الله ﷺ :(منِ التمسَ رضا اللَّهِ بسَخطِ النَّاسِ كفاهُ اللَّهُ مؤنةَ النَّاسِ ، ومنِ التمسَ رضا النَّاسِ بسخطِ اللَّهِ وَكلَهُ اللَّهُ إلى النَّاسِ)
هذا وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
✍️أبو محمد المقدسي