JustPaste.it

﷽  

الأصولُ الثلاثة وأدِلَّتُها

قال شيخُ الإسلامِ الإمامُ المُجَدِّدُ محمد بن عبدِ الوهَّاب رحمه الله تعالى :

« اعلمْ أرشَدَك الله لطاعَتِه أنَّ الحَنِيفيَّة ملَّة إبراهيمَ أن تعبُدَ الله وحدَه مُخلِصًا له الدِّين ، وبذلك أمرَ الله جميعَ الناسِ وخلَقَهم لها كما قال تعالى : ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُون ﴾ ومعنى يعبُدون : يُوَحِّدُون ، وأعظمُ ما أمر الله به التوحيد ، وهو : إفرادُ الله بالعبادَةِ ، وأعظمُ ما نهى عنه الشرك ، وهو دعوة غيره معه ؛

والدليلُ قولُه تعالى : ﴿ وَاعْبُدُوا اللهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ﴾.

فإذا قيلَ لك : ما الأُصولُ الثلاثة التي يجبُ على الإنسانِ معرفتُها ؟
فقُلْ : معرفةُ العبدِ ربَّه ودينَه ونبِيَّه محمدًا ﷺ .

 

الأصلُ الأوَّلُ : مَعرِفَةُ العَبْدِ رَبَّهُ

↫ فإذا قيلَ لك : مَن ربُّك ؟
فقُلْ : ربِّيَ اللهُ الذي رَبَّاني ورَبَّى جميعَ العالمين بنِعمَتِه وهو مَعبُودي ليس لي معبودٌ سِواهُ ، والدليلُ قولُه تعالى : ﴿ الحَمْدُ لِلهِ رَبِّ العَالَمِينَ ﴾ وكُلُّ ما سِوى الله عالَم وأنا واحدٌ من ذلك العالَم .

↫ فإذا قيلَ لك : بِمَ عرفتَ ربَّك ؟
فقُلْ : بآياتِه ومَخلوقاتِه ، ومِن آياتِه الليلُ والنهارُ والشمسُ والقمرُ ، ومن مخلوقاتِه السماواتُ السَّبعُ والأرضونُ السبع وما فيهن وما بينهما ، والدليلُ قوله تعالى : ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ﴾

قال ابنُ كثير رحمه الله :
الخَالِقُ لهذه الأشياءِ هو المُستَحِقُّ للعِبادَةِ .

وأنواعُ العِبادَةِ التي أمرَ الله بها مثل الإسلام والإيمان والإحسان ، ومنه الدعاءُ والخوفُ والرَّجاءُ والتَّوكُّلُ والرَّغبَةُ والرَّهبَةُ والخُشوعُ والخَشيَةُ والإنابَةُ والاستِعانةُ والاستِعاذة والاستِغاثة والذَّبْحُ والنَّذْرُ وغيرُ ذلك من العبادةِ التي أمرَ الله بها ( كلُّها لله تعالى ) والدليلُ قولُه تعالى : ﴿ وَأَنَّ المَسَاجِدَ للهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَدًا ﴾ فمَن صرَفَ منها شيئًا لغيرِ الله فهو مُشرِكٌ كافِرٌ ، والدليلُ قولُه تعالى : ﴿ وَمَن يَّدْعُ مَعَ اللهِ إِلٰهًا ءَاخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الكَافِرُونَ ﴾

* دليلُ الدُّعاء : قولُه تعالى : ﴿ وَقَالَ رَبُّكُم ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ﴾ ، وفي الحديثِ : « الدُّعاءُ مُخُّ العِبادة »
* ودليلُ الخوفِ : قولُه تعالى : ﴿ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾
* ودليل الرَّجاءِ : قوله تعالى : ﴿ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾
* ودليل التَّوكُّل : قوله تعالى : ﴿ وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ وقالَ : ﴿ وَمَن يَّتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾
* ودليلُ الرَّغبَةِ والرَّهبَةِ والخُشوعِ : قولُه تعالى : ﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ﴾
* ودليلُ الخَشية : قوله تعالى : ﴿ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ ﴾
* ودليل الإِنابة : قوله تعالى : ﴿ وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ ﴾
* ودليل الاستعانة : قوله تعالى : ﴿ إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَستَعينُ ﴾ وفي الحديث : « إذا استعنت فاستعن بالله »
* ودليل الاستعاذة : قوله تعالى : ﴿ قُلْ أعوذُ بِرَبِّ الفلَقِ ﴾
* ودليل الاستغاثة : قوله تعالى : ﴿ إذْ تَستَغِيثونَ ربَّكُم فاستجابَ لكُم ﴾
* ودليل الذبحِ : قوله تعالى : ﴿ قُل إنَّ صلاتي ونُسُكِي ومَحْيَايَ وَمَمَاتي لله ربِّ العالمين ﴾ ومن السُّنةِ قوله ﷺ : « لعنَ الله من ذَبَح لغيرِ الله »
* ودليل النَّذرِ : قوله تعالى : ﴿ يُوفُونَ بالنَّذْرِ ويَخافُون يومًا كانَ شرُّهُ مُستَطِيرًا ﴾.

 

الأصلُ الثاني : معرفةُ العبدِ دينه

معرفةُ دينِ الإسلامِ بالأدلة ؛ وهو : الاستسلام لله بالتوحيد ، والانقيادُ له بالطاعة ، والبراءةُ من الشِّركِ وأهلِه

وهو : ثلاثُ مراتِب

١- الإسلام
٢- والإيمان
٣- والإحسان

وكلُّ مرتبةٍ لها أركان .

↫ المرتبةُ الأولى : فأركانُ الإسلام خمسة :

١- شهادةُ أن لا إله إلا الله وأنَّ محمدًا رسول الله
٢- وإقامُ الصلاة
٣- وإيتاءُ الزكاة
٤- وصومُ رمضان
٥- وحجُّ بيتِ الله الحَرام .

فـ دليلُ الشَّهادةِ قولُه تعالى : ﴿ شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لَا إِلَه إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُوا العِلْمِ قَائِمًا بِالقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ ﴾

ومَعناها : لا مَعبُودَ بِحَقٍّ إلَّا اللهُ

ودليلُ شهادةِ أنَّ محمدًا رسول الله : ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حريصٌ عليكم بِالمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ ﴾

ومَعناها : طاعَتُه فيما أمرَ ، وتَصديقُهُ فيما أخبَرَ ، واجتِنابُ ما نهى عنهُ وزَجَرَ ، وأن لا يُعبدَ الله إلا بما شرَعَ .

ودليلُ الصلاةِ والزكاةِ وتفسيرِ التوحيدِ : ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ ويُؤْتُوا الزَّكاةَ وذَلِكَ دِينُ القَيِّمَة ﴾

ودليلُ الصيامِ : ﴿ يَا أيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾

ودليلُ الحَجِّ : ﴿ وَلِلهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ﴾

↫ المرتبَةُ الثَّانِيَة :

الإيمانُ ، وهو بِضْعٌ وسبعُونَ شُعبة فأعلاها قولُ لا إله إلا الله ، وأدناها إِماطةُ الأذى عن الطريق ، والحياءُ شُعبةٌ من الإيمان .

وأركانُه ستَّة : أن تؤمنَ بالله وملائكتِه وكتُبِه ورُسُلِه واليومِ الآخِرِ وتؤمِنَ بالقدَرِ خيرِهِ وشَرِّه .

والدليلُ عليها : ﴿ ليسَ البرَّ أن تُوَلُّوا وجوهَكُم قِبَلَ المشرقِ والمغرِبِ ولكنَّ البِرَّ مَن ءامَنَ باللهِ واليومِ الآخِر والملائكةِ والكتابِ والنبيِّينَ ﴾ ودليلُ القدَرِ : ﴿ إنَّا كلَّ شيءٍ خلقناهُ بقَدَر ﴾

↫ المرتبَةُ الثَّالِثَةُ :

الإحسانُ ، رُكنٌ واحدٌ ، وهو : أن تعبُدَ الله كأنَّكَ تراهُ ، فإن لَم تكُن تراهُ فإنَّهُ يراكَ .

والدليلُ قولُه تعالى : ﴿ إنَّ الله مع الَّذينَ اتَّقَوْا والَّذِينَ هم مُحسِنُون ﴾

والدليلُ من السُّنَّة على المَراتِبِ الثلاثة : حديثُ جبريلَ - عليه السَّلام - المَشهُورُ عَن عُمَرَ رضي اللهُ عنهُ قالَ : بَيْنَما نحنُ جُلُوسٌ عِندَ رسولِ اللهِ ذَاتَ يومٍ إذْ طَلَعَ عليْنا رجُلٌ شَديدُ بَيَاضِ الثِّيابِ شَديدُ سَوادِ الشَّعْرِ ، لا يُرى عليْهِ أثَرُ السَّفَرِ ولا يَعرِفُهُ مِنَّا أحَدٌ ، حتى جلَسَ إلى النبي فأَسنَدَ رُكبَتَيْهِ إلى رُكبَتَيْه ووَضَعَ كفَّيْهِ على فَخِذَيْه وقالَ : يـا محمَّـد ، أخْبِرْني عنِ الإسلامِ ، فقال رسُولُ الله : " الإسلامُ أنْ تَشْهَدَ أنْ لا إله إلا اللهُ وأنَّ محمدًا رسولُ اللهِ ، وتُقيمَ الصلاة ، وتُؤتِيَ الزكاة ، وتَصومَ رمضانَ ، وتَحُجَّ البيتَ إنِ استَطَعْت إليه سَبيلًا ". قال : صدَقْتَ . فعجبْنا له يسألُه ويُصَدِّقُه . قال : فأخبِرنِي عن الإيمانِ . قال : " أن تؤمِنَ بالله ومَلائِكَتِه وكُتُبِه ورُسُلِه واليومِ الآخِر ، وتؤمِنَ بالقَدَرِ خَيْرِهِ وشَرِّه ". قال : صدَقْتَ . قال : فأخبرني عن الإحسانِ . قال : " أن تَعبُدَ الله كأنَّك تراهُ ، فإن لم تَكُن تَراهُ فإنَّهُ يَراكَ ". قال : فأخبرني عن الساعَةِ . قال " ما المَسؤولُ عنها بأعلَمَ مِنَ السَّائِلِ ". قال : فأخبِرْني عن أَمَاراتِها . قال : " أن تَلِدَ الأَمَةُ رَبَّتَها ، وأنْ تَرى الحُفَاةَ العُراةَ العَالَةَ رِعاءَ الشَّاءِ يتَطاوَلُونَ في البُنيَانِ ". ثمَّ انطَلَقَ فلَبِثْتُ مَلِيًا ثم قال : " يا عُمَرُ ، أَتَدْري مَنِ السَّائِلُ ؟" قلتُ : الله ورَسولُه أعلَمُ . قال : " فإنَّه جِبريلُ أتاكُم يُعَلِّمُكُم دينَكُم ".

[ رواهُ مُسلِـمٌ (رقم ٨) ]

 

الأصلُ الثَّالِثُ : معرِفَةُ العبدِ نبيَّه محمدًا ﷺ

وهو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم وهاشم من قريش ، وقريش من العرب ، والعرب من ذرِّيةِ إسماعيل بن إبراهيم عليهم السَّلام .

وله من العُمر ثلاث وستُّون سنة ، منها أربعون قبل النبوَّةِ وثلاث وعشرون نبيًا ورسولًا .

نُبِّئَ بإقرَأْ وأُرسِلَ بالمُدَّثِّر ، وبلدُه مكَّة وهاجرَ إلى المدينة .

بعَثَهُ الله بالنَّذارةِ عن الشِّرك ، ويدعو إلى التَّوحيدِ .

أخذَ على هذا عشر سنين يدعو إلى التوحيدِ ، وبعدَ العشرِ عُرِجَ به إلى السَّماءِ وفُرِضَت عليه الصلواتُ الخمسُ ، وصلَّى في مكة ثلاث سنين ، وبعدَها أُمِرَ بالهجرةِ إلى المدينةِ . ولمَّا استقرَّ في المدينةِ أُمِرَ ببقيَّةِ شرائعِ الإسلامِ مثلَ الزَّكاةِ والصَّوْمِ والحجِّ والجهادِ والأمرِ بالمعروفِ والنهي عن المنكر .. وغير ذلك من شرائع الإسلامِ ، أخذَ على هذا عشر سنينَ ، وبعدَها تُوفِّيَ ﷺ ودينُهِ باقٍ .

بعثَهُ الله إلى النَّاسِ كافَّة ، وافتَرَضَ طاعتَه على جميعِ الثَّقَلَيْنِ الجن والإنس ، والدليل قوله ﷻ : ﴿ قُلْ يا أيُّها النَّاسُ إنِّي رسولُ الله إليكم جميعًا ﴾ وأكملَ الله به الدين والدليل : ﴿ اليومَ أكملتُ لكم دينَكُم وأتْمَمْتُ عليكم نِعمَتِي ورضيتُ لكمُ الإسلامَ دينًا ﴾

وأرسلَ الله جميعَ الرُّسُلِ مُبَشِّرينَ ومُنذِرين ، قال ﷻ : ﴿ رُسُلًا مُبَشِّرينَ ومُنذِرينَ لِئَلَّا يكونَ للنَّاسِ حُجَّةٌ بعدَ الرُّسُلِ ﴾ وأوَّلُهم نوحٌ وآخرهم محمدٌ ﷺ وهو خاتَمُ النبيين .

وكلّ أمةٍ بعثَ الله إليهم رسولًا من نوحٍ إلى محمدٍ يأمُرُهم بعبادةِ الله وحدَه وينهاهُم عن عبادةِ الطاغوتِ ، والدليلُ قوله ﷻ : ﴿ ولقدْ بعثْنَا في كلِّ أمَّةٍ رسولًا أنِ اعبُدُوا الله واجتَنِبُوا الطاغوتَ ﴾ ».

- بتصرُّف -
انتهى بفضلِ الله ✿

واحةُ العلمِ ?