JustPaste.it

سيرة موجزه للشيخ ناصر الفهد ( فك الله اسره )

-------------------------------------------------

الكاتب ابنه مصعب بن ناصر الفهد 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

تصدير :

الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِهِ محمدٍ، أمَّا بعدُ :

فقد سألني بعضُ إخواني أنْ أسجِّلَ كلمةً موجزةً في سيرةِ والدي ناصرِ الفهدِ غيرَ مُسهِبٍ فيها ولا مُكثِرٍ، مُورِدًا ما حضرني الساعةَ عفْوًا مِنْ أخبارٍ تكشفُ عن فضلِه؛ لاقتضاءِ مقامِ نصرتِه تِبيانَ ذلك بغيرِ إملالِ. فاستعنتُ باللهِ القويِّ المتينِ؛ وأجبتُه إلى ما سألَ بهذه الترجمةِ الشديدةِ الإيجازِ.

 

واعلمْ –وفقني اللهُ وإيَّاك إلى حسنِ الأخذِ- أن ما هنا ليسَ بأحسنِ ما علمتُ من أخبارِه، غيرَ أنِّي قد أورِدُ المفضولَ منها وأنسى الفاضلَ، وإني على يقينٍ أني سأندمُ على فواتِ خبرٍ كان أحقَّ من غيرِه بالذكرِ وقولٍ هو أحرى من أخيهِ بالإثباتِ، ولكني محمولٌ على العجلةِ مدفوعٌ إليها.

 

هذا، وقد ضربتُ عن ذكرِ عبادتِه صفحًا؛ لعلمي أنَّ ذلك يغضبُه، وأذكرُ أنَّي قلتُ لرجلٍ دخلَ بيتَنا في أمرٍ من عبادةِ والدي فرأيتُ في وجهِه الغضبَ، ولكنَّه سكتَ، فلمَّا خرجَ الرجلُ قرَّعني على ما كانَ منِّي.

 

واللهُ يهدي إلى سواءِ السبيلِ.

 

فصلٌ في ذكرِ اسمِه ونسبِه ومساكنِ أهلِه : 

 

هو ناصرُ بنُ حَمَدِ بنِ حمَيِّنِ[1] بنِ حمدِ بنِ فهدٍ، من عشيرةِ الأساعدةِ الروقيَّةِ، وينتهي نسبُه إلى بني سعدِ بنِ بكرٍ الذين استرضعَ فيهم الرسولُ –صلى اللهُ عليه وسلَّمَ-، ويُعرَفونَ اليومَ بـ(عتيبةَ). وأمُّه نورةُ الغزيُّ، يعودُ نسبُها إلى البدارينَ الدواسرِ.

 

كانَتْ مساكنُ أهلِه في (الثويرِ)، وهي من قرى (الزلفي)، وتحوَّلَ أبوه الشيخُ حَمَدُ بنُ حميِّنٍ إلى (الرياضِ)؛ للعملِ عندَ الشيخِ العلامةِ محمدِ بنِ إبراهيمَ –رحمَه اللهُ-، فالتزمَه ثمانيَ عشرةَ سنةً حتَّى وفاتِه.

 

فصلٌ في ذكرِ سنةِ ولادتِه ونَبْذٍ من حياتِه وطلبِه :

 

 وُلِدَ في (الرياضِ) في شهرِ شوَّالٍ سنة 1388هـ، وفيها نشأَ. وبعـدَ إنهائِه الثانويَّةَ شرعَ في دراسةِ الهندسةِ في جامعةِ الملكِ سعودٍ، وكان مبرِّزًا فيها مُقدَّمًا. ولمَّا بلغَ السنةَ الثالثةَ التزمَ، فتحوَّل منها إلى كليةِ الشريعةِ في جامعةِ الإمامِ محمدِ بنِ سعودٍ الإسلاميةِ، وحفظَ القرآنَ في ثلاثةِ أشهرٍ، وكتبَ في الورقةِ الأولى من مصحفِه الذي كانَ يحفظُ منه : ( تمَّ –وبحمدِ اللهِ وتوفيقِه- الانتهاءُ منه وختمُه –حفظًا- عرضةً واحدةً بعدَ عصرِ يومِ الأحدِ التاسعِ والعشرينَ من ذي القعدةِ لعامِ اثني عشرَ وأربعِمئةٍ وألفٍ من هجرةِ المصطفى صلواتُ اللهِ وسلامُه عليه، وكانَ البدْءُ في حفظِه من أوَّلِ رمضانَ من نفسِ السنةِ. والحمدُ للهِ الذي بحمدِه تتمُّ الصالحاتُ.).

 

 وفي كليةِ الشريعةِ تخرَّجَ على بعضِ المشايخِ، من أبرزِهم: الشيخُ عبدُ العزيزِ الراجحيُّ، والشيخُ زيدُ بنُ فيَّاضٍ –رحمَه اللهُ-، والشيخُ أحمدُ معبدٍ الأزهريُّ. وأُجيزَ في الكليةِ سنةَ 1412ه بترتيبِ الأولِ في دَفْعَتِه، وطلبَتْه كليَّتا (الشريعةِ) و (أصولِ الدينِ) للإعادةِ، فاختارَ (أصولَ الدينِ – قسمَ العقيدةِ والمذاهبِ المعاصرةِ). ونُدِبَ إلى تايلاندَ أستـاذًا، وناظرَ هنالك جهميًّا فظهرَ عليه فصفقَ الحاضرونَ[2].

 

واجتهدَ إذْ ذاك في الطلبِ بجردِ الكتبِ والمطالعةِ والبحثِ، وكان وَلِعًا بالقراءةِ، وما رأيتُه ساعةً في البيتِ بغيرِ كتابٍ، وكانَ يأخذُ معَه في سيارتِه كتابًا يقرؤُه عندَ (الإشاراتِ)، ولو قلتُ إنَّه يقرأُ في اليومِ خمسَ عشرةَ ساعةً لأجحفتُ.

 

وبرعَ في أكثرِ فنونِ الشريعةِ؛ في العقيدةِ وما يتصلُ بها والحديثِ والرجالِ والفقهِ بمذاهبِه والأصولِ والفرائضِ،وكانَ له حسنُ نظرٍ وقدرةٌ على الاستنباطِ والتعليلِ والتحقيقِ. وهو –أيضًا- عالمٌ بالتاريخِ والأنسابِ، وكانَ سُئِل الشيخُ وليدُ السنانيُّ –أحسنَ اللهُ فكاكَه- عن بعض الأنسابِ -وهو نسَّابةٌ لا يُشَقُّ له غبارٌ، معروفٌ بذلك-، فقالَ: سلوا ذلك الأسعديَّ –نسبةً إلى الأساعدةِ-. يعني الشيخَ ناصرَ الفهدِ.

 

وحدثني بعضُ أساتيذِ العقيدةِ في جامعةِ الإمامِ، قالَ : كانَ أبوك قريني في دَرْسِ (الماجستيرِ)، وكانَ أذكانا قلبًا وأسرعَنا حفظًا وفهمًا، ولا يعيبُه إلا شدَّتُه. وهذا صحيحٌ، فإنَّه إذا ناظرَ احتدَّ، فما يسكتَ غضبُه إلا اعتذرَ من مقابلِه.

 

وبلغني أنَّ أستاذًا في (قسمِ العقيدةِ) قالَ للتلاميذِ يومًا: كانَ في قسمِنا رجــــلٌ كثيرُ الشبهاتِ، ولم يستطعْ أحدٌ القيامَ له غيرُ ناصرِ الفهدِ.

 

وفي سنةِ 1415 أُدخِلَ سجنَ الحايرِ، ولبثَ فيه ثلاثَ سنينَ ونصفَ سنةٍ، وخرجَ سنةَ 1418.

وبعدَ الفرجِ دخلَ (الإنترنتُّ)، وكانَتْ له أخبارٌ فيه وصولاتٌ، طويتُ الكَشْحَ عنها؛ لضيقِ الوقتِ.

وكانَ الزائرونَ يكثرونَ، ووقتُه لا يتسعُ، فأقامَ مجلسًا في بيتِه يومَيِ السبتِ والثلاثاءِ بينَ المغربِ والعشاءِ من كلِّ أسبوعٍ، يُدار فيه ما جدَّ من أحاديثَ وأخبارٍ، وكانَ المجلسُ يكتظُّ حتى تمتلئَ أطرافُه فيجعلونَ يجلسون في منتصفِ المجلسِ صفوفًا.

 

ولـمَّا ابتلى اللهُ المسلمينَ بغزوِ أمريكا لأفغانستانَ، سعى الشيخُ يحرِّضُ المؤمنينَ على نصرةِ إخوانِهم ويحذِّرُهم من مظاهرة الكفارِ على المسلمينَ، فلم يبرحْ أن طُلِبَ، ثمَّ سُجِنَ سنةَ 1424.

 

ومنذُ ذلك الحينِ وهو في (زنزانةٍ انفراديَّةٍ) حتى الساعةِ. وهو محظورٌ من رؤيةِ أهلِه أو مكالمتِهم منذُ ستِّ سنينَ[3].

 

 وقد فتحَ اللهُ عليه في السجنِ من بركاتِه، وزادَه بسطةً في العلمِ، فمن ذلك أنَّه أتمَّ حفظَ الكتبِ التسعةِ من جمعِ اليحيى[4]، وحفظَ عددًا صالحًا من الكتبِ والمتونِ، وقرأَ (مجموعَ الفتاوى) ستَّ مراتٍ، وصنَّفَ خمسًا وثمانينَ رسالةً، ونظمَ أصولَ فقهِ شيخ الإسلامِ وأصولَ تفسيرِه في أكثـرَ من ثمانمِئةِ بيتٍ. وقالَ لي أخٌ حديثُ عهدٍ بسجنٍ: إنَّ بعضَ العسكرِ يقولُ: ما لهذا الرجلِ (الموسوسِ) –يقصدُ الشيخَ ناصرًا- ، ينامُ أربعَ ساعاتٍ، ويقضي سائرَ وقتِه يصلي ويقرأُ!!

 

 وعُرِضَ في السجنِ للفتنةِ، وعُذِّبَ، وأرادوه على الهوانِ فأبى، وما زالَ ثابتًا صابرًا ، زاده الله ثباتًا وفك أسره.

       

فصلٌ في ذكرِ ما قيلَ فيه :

 

أوردتُ هنا من الأقوالِ ما حضرني لا مستقصيًا ولا طالبًا ولا متخيِّرًا، ويكفي من القلادةِ ما أحاطَ بالعنقِ.

 

قالَ الشيخُ العلامةُ حمودُ الشعيبيُّ –رحمَه اللهُ- في تقريظِه لـ(التبيانِ في كفرِ من أعانَ الأمريكانَ) : (والشيخ ناصر الفهد - وفقه الله - له جهود مباركة ، فقد ساهم وجاهد - وفقه الله - في مناصرة الحق وأهله ، ودفع الباطل وأهله ، وتصدى لهم في كتب ورسائل كثيرة معروفة ، نسأل الله أن يكتب له الأجر والمثوبة وأن يثبته على ذلك .)اهـ.

 

وحدَّثني بعضُ إخواني، قالَ: كان الإخوةُ إذا أتوا الشيـــــخَ حمــــودًا الشعيبيَّ بشبهةٍ ليجيبَ عنها يقول: هل ردَّ عليها الشيخُ ناصرٌ؟.

 

وقالَ الشيخُ المحدثُ العلامةُ سليمانُ العلـوانِ في تقريظِه للـ(التبيانِ في كفرِ من أعانَ الأمريكانَ) : (فلله در هذا الشيخ ، ونعمَّا ما كتبت يداه ، فهو جدير بحفاوة أهل العلم وطلاب الحق . فإلى الكتاب محققاً عقيدة وفقهاً على طريقة من مضى من أئمة الهدى وأهل العلم والتقى.)اهـ.

 

وقال الشيخُ سليمانُ –أيضًا- فيما حكاهُ عنه ابنُه عبدُ الملكِ في الشيخِ ناصرِ الفهدِ : (هو من أوعية العلم، وله معرفة بفنون كثيرة، وقد ظلم في سجنه ظلمًا شديدًا).اهـ

وقالَ الشيخُ المحدثُ عبدُ اللهِ السعدُ في تقريظِه لـ(منهجِ المتقدمينَ في التدليسِ) : (وقد اطلعت من قبل على رسائل أخرى للشيخ ناصر الفهد فوجدتها كلها مفيدة ، مبنية على اتباع ما دل عليه الكتاب والسنة ، سالكاً فيها منهج السلف الصالح ، نحسبه كذلك ولا مزكيه على الله تعالى)اهـ.

           

 

        فصلٌ :

 

وبعدُ، فقد كانتِ النيةُ معقودةً على غيرِ هذا، ولكن ما لا يُدرَكُ كلُّه لا يُترَكُ كلُّه. والحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ.

 

                                                       

كتبَه: مصعبُ بنُ ناصرِ الفهدُ

                                                           

الثلاثاءَ 1434/1/27

                                   

   وأجرى عليه قلمَ الإصلحِ

                                       الأربعاءَ 1434/5/22