الحمدلله رب العالمين ..
أما بعد :
تواترت الأخبار في ذكر الإمام المهدي في ظهوره في زمن يفشو فيه المآثم وتُملىء الأرض فيه من المظالم وقد كان هذا منزعا لأهل الأهواء في تلبّس لبوس هذه الشخصية وقد أغرى الشيطان بمن مسهم بطائف منه في ادّعاء هذه المنزلة حتى هوّن في قلوب كثير من الناس أمرها لكثرة مدعيها زورا .
من هنا ينبغي تبيّن وتبصّر صفات المهدي الزمانية والمكانية والخُلقية والخَلقية وحوادثه حتى يوصل إلى نفي من يدعيها باطلا ولئلا يوغل في فتنة نصب الشيطان شباكها .
وهذه مقالة قصيرة توضح هذا بصورة واضحة بإذن الله تعالى وقد سبق في مقالات وصوتيات عدة أن شرحت كثيرا مما يتصل بالمهدي وهنا أزيد بيانا لصفاته الشكلية وغيرها .
أولا /
لا يثبت في وصف المهدي إلا أنه أجلى الجبهة بمعنى منحسر شعر الرأس بما لا يصل إلى الصلع وأقنى الأنف وهو طوله ورقة أرنبته مع احدوداب وسطه وغير ذلك من الأوصاف الجسدية لا يثبت منها شيء .
ثانيا /
حتى لا أطيل في سرد الروايات الضعيفة في وصف المهدي فدونك رسالة السيوطي ( العَرف الوردي ) والعرف تعني الرائحة .. التي ذكر فيها كثيرا من أوصاف المهدي ولخصها المتقي الهندي في رسالته ( تلخيص البيان ) .. ولأن الآثار الضعيفة لا يُعتمد عليها ولا تُهمل فنأخذها على جهة الاعتبار والفهم .
ثالثا /
روي في وصفه أنه رضي الله عنه ( كثّ اللحية ) ( أزج ) ويعني تقويس الحاجبين مع امتداد طرفه ( أبلج ) انفصال ما بين الحاجبين ( أعين ) أي واسع العينين ( أكحل ) مكحول العين خِلقة من غير كحل ( في خده الأيمن شامة ) ( لون لون عربي ) أي أنه أسمر اللون ( وجهه كأنه كوكب دري مُشرَب ) أي وجهه يشع نورا من أثر العبادة ويميل إلى الاحمرار فالبياض في وجهه والسمرة في جسده وهذا يوافق ما جاء في سنن أبي داود عنه ( يوافق خُلقي ولا يوافق خَلقي ) فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم أبيض الجسد والوجه مشرب بحمرة .
( ابن أربعين ) ( شابا موفقا ) أي يكون شيخا في العمر شابا في القوة والنشاط .
هذه أكثر أوصاف المهدي الشكلية التي ينبغي عدم إهمالها والتريّث في الحكم على شخصية ما أنه المهدي دون النظر إليها وهذا يحتاج لعلم دقيق وفهم عميق وهداية من المولى النصير .
رابعا /
مما اختلط على بعض القارئين أن من صفات المهدي أنه يُؤخذ بأهله أولهم وآخرهم ويُحبسون طلبا للمهدي عليه السلام ورضي الله عنه .
وهذا الجواب عنه من وجهين :
الأول / أن هذا الأثر المنسوب لجعفر الباقر لم يأت في كتب أهل السنة إطلاقا لا من وجه صحيح ولا ضعيف ولا حتى باطل وإنما هو من مرويات الرافضة التي انفردوا بها وحسبك بهذا دلالة على هلاكها .
قد يقول قائل : لماذا لا نقيسهم على أهل الكتاب الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم ( حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ) رواه الشيخان
فيقال هذا في الأخبار التي لا تتصل بديننا ولا يُبنى عليه أي شيء .. نورد أخبارهم للتعجب منها وتمليح النفس في غرائبها .. أما الأخبار التي تُؤخذ للاعتبار والقرينة فهذا يحتاج إلى جهة يوثق بنقلها وإن لم تصح أفراد أخبارها .
الثاني / أن هذا الخبر قد انطبق على حادثة تاريخية وقعت وهي حادثة النفس الزكية ( محمد بن عبدالله بن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب ) وفيها يقول ابن كثير في البداية والنهاية في حوادث سنة أربع وأربعين ومئة وما بعدها ( وأشاروا على المنصور بحبس بني حسن عن آخرهم ) وقال ( وفيها نُقل آل حسن من حبس المدينة إلى حبس بالعراق ) وقال ( وأخذه المنصور وأهل بيته - يعني عبدالله بن حسن - مقيدين مغلولين مهانين من المدينة إلى الهاشمية ) وفيها مات أكثر أهل بيت محمد بن عبدالله الذي قال عنه ابن كثير ( وتلقّب بالمهدي طمعا أن يكون المذكور في الأحاديث .. )
وهذه الحادثة تباشر بها من وجدها في كتبه فأحفل الناس بها هم الشيعة لورود هذا الخبر عندهم دون غيرهم فيقول الذهبي في السير ( فأول من مات في الحبس عبدالله أبوهما ثم مات أخوه حسن ثم الديباج - محمد بن إبراهيم - فقطع رأسه وبعثه مع طائفة من الشيعة طافوا به خراسان يحلفون أن هذا رأس محمد بن عبدالله بن فاطمة يوهمون أنه ابن حسن الذي كانوا يجدون خروجه في الكتب )
خامسا /
روى ابن المقرىء في معجمه أن ( المهدي يخرج من قرية باليمن يقال كرعة ) وفي ( قرعة ) .
هذا الخبر ضعيف جدا وعلى فرض ثبوته إن طابق الواقع فخروجات المهدي التي رويت في الأخبار هي مكة والمدينة وكرعة هنا أو قرعة والحروف تتناوب كما يقال مدينة ( بسا ) ( فسا ) المنسوب إليها العالم الفسوي ويقال البسوي .. كرعة هذه مسمى لأماكن عدة موجودة في الباحة حاليا وعسير وجازان واليمن على حسب الجغرافيا الحديثة فهنا لا نستطيع الميل لشيء على فرض الثبوت دون آخر .
بعد هذه النُقلة الخفيفة أرى حكمة الله تعالى في غباشة الأخبار المحددة لشخصية المهدي بالدقة لأن الله تعالى كما يحفظ أنبياءه يحفظ أولياءه فالعدو الشيطاني بمنظوماته يسعى حثيثا لهذا الرجل ولُبّس عليهم ولن يستطيعونه ولن يعرفه إلا أخص الناس به ممن اختارهم الله تعالى لنصرة دينه والله يصطفي من يشاء وهو العزيز الحكيم .
وأخيرا أقول لمن يتعجل الأحداث ويرسم الوقائع بسنواتها وشهورها لدافع شريف أو ضغط واقع مثقل أو لأغراض شخصية لا تجلب على الناس أمرا قد كتبه الله تعالى فإن كان حقا كان تحصيل حاصل وإن كان باطلا كانت باقعة فاتقة لا رتق فيها والزم الدعاء والعلم والتعبد فما وُصل إلى الحقائق بمثلها .
والحمدلله رب العالمين .
كتبه / عبدالله المهيلان