JustPaste.it

اريد منكم ان ترشدوني إلى كيفية بناء أساس عقدي متين يسحق الشبهات ومنهاج واضح للحياة اليومية يضمن لي النجاح في الدنيا و الفلاح في الآخرة
ولكم عند الله جزيل الأجر و الثواب...

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.

أما بعد، فالأساس العقدي الإيماني المتين هو أن يعرف العبد ربه بأسمائه وصفاته بالتدبر في كتابه والتفكر فيه وفي آياته في خلقه، ويقوي صلته به بالإقبال عليه ومحبته وتعظيمه والرجاء والخوف منه، ويشتغل بما ينفعه من العلم النافع في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وما تأسس عليهما من علوم، ويشغل قلبه وبدنه بالتعبد، مبتعدا عما يسخط الله سبحانه، فالعبد إذا صابر في ذلك وجاهد الشيطان والهوى فإنه لا يكبو إلا ويتداركه الله برحمته ويحوطه بعنايته ويتولاه بلطفه ويدبر له ويسخر، ويجد من اليقين والانشراح الإيماني ما يدمر كل شبهة بأمر الله.

ومن الوصايا أن يضع العبد نصب عينيه ويستشعر من صميم قلبه كمال الله سبحانه في أسمائه وصفاته وما يلزم من ذلك من كمال حكمه القدري والشرعي، فإنه إذا أيقن عدله وعظمته وإحكامه في أحكامه، لم يضره أن تواجهه إشكالية لا يعرف حلها، ليقينه بأن حقيقة الأمر توافق الحكمة على أكمل وجه. وأما استشكاله، فقد يكون الإشكال في فهمه وتصوره شيئا ليس من الشرع أصلا، أو أنه منه لكن حقيقته على غير ما تصور، أو يكون كما تصوره لكن له مصالح وحكم لا يدركها، فهذا لا يمنع طمأنينته لأن عدم العلم ليس علما بالعدم، ولأنه يقيس ما لم يشهده من وجه الحكمة على ما شاهده من وجوه الحكم في التشريعات الأخرى، فليحضر إذا الطمأنينة بقلبه أن الله سبحانه شرع هذا لحكمة بالغة وإن تقاصر عقلي عن إدراكها، وليعلم أن ما دله على ربه وصدق نبيه من الأدلة يدل بالضرورة على أن ما شرعه قد شرعه وفق كماله وعلمه وحكمته، وأنه سيجهل إدراك بعض ما يتعلق بحكمه من أسرار لا محالة، كما يجهل لا محالة إدراك بعض ما يتعلق بخلقه وقدره من أسرار، بل إنه ليجهل لا محالة كثيرا مما يتعلق بتصرفات وتقديرات وأحكام أهل التخصصات العلمية في العلوم التي لم يتخصص بها، ومع ذلك يقبل أحكامهم ويسلم لهم في مجالهم مع إمكان خطئهم، فكيف بحكمة وعلم من لا يحاط بشيء من علمه إلا بما شاء، فليسلم له مطمئنا واثقا.

وليعلم أن خفاء الحكمة عليه قد يكون ابتلاء له لتظهر منه عبودية التسليم والثقة بالله والإيمان بصفاته وعظمته، ليخرج من دائرة اتباع الهوى والتخير وفقه إلى دائرة التسليم، كما قال تعالى : {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا (36) } - الأحزاب ، وكما قال سبحانه: {{فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما} [النساء : 65]

ومن أعظم الوصايا أيضا أن يجتنب العبد التعرض للشبه وأهل الشبه، وعلامتهم اتباع المتشابه وترك المحكم، فيتركون القول بالأدلة الصريحة الواضحة ويتكلفون التحريف في الأدلة التي تحتمل الدلالة على خلاف ما تقرر في المحكم، فيحملونها المعاني المحدثة ولو لم تحتملها بالتعسف والتكلف، جريا وراء آراء اعتقدوها تأثرا بغير ما أنزل الله من الفلسفات والآراء التي لا تنطلق من أساس الوحي المتين. روى البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه و سلم هذه تلا الآية { هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله..} الآية، قالت: قال صلى الله عليه و سلم: ( فإذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم )

وليعلم أن من أسباب الهداية والتوفيق أن يشتغل العبد بما حث الله تعالى عليه، كما قال سبحانه: {.. ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا (66) وإذا لآتيناهم من لدنا أجرا عظيما (67) ولهديناهم صراطا مستقيما (68)} [النساء : 66-68] فيُقبل العبد في يومه على ما ينفعه في غده من أمر دينه، فيحافظ على الفرائض ونوافلها مع الأذكار المشروعة في يومه وليلته، وليكن له في هذا الشأن وفي شأن دنياه أهداف تخدم هدفه الأعظم في الوصول لرضوان الله، وليضع تلك الأهداف بعد التأمل في ما حباه الله به نعم وإمكانات ، فيتأمل في ذلك فيضع خطته لبرنامجه اليومي المشتمل على النافع له ولأمته، فيأتيه التوفيق بإذن الله إن حسنت نيته. والله أعلم