JustPaste.it

مراجعة كتاب فترة التكوين في حياة الصادق الأمين

أولاً ملخص ما في الكتاب باختصار غير مخل:

أن النصرانية كانت متفشية في مكة، لاسيما في رهط بني عبد الأسد، رهط خديجة بنت خويلد، حيث تعلّمت خديجة اللاهوت من أبناء عمومتها: القس ورقة بن نوفل، وأخته، والبطرك عثمان بن الحويرث، لاسيما ابن عمها ورقة، فقد تعلم اللسان العبراني ونقل أجزاءً كثيرة من التوراة والإنجيل إلى العربية، وعلّم خديجة أخبار موسى وفرعون والأنبياء ومعجزاتهم، وقد احتفظت بأسفار الكتاب المقدس المترجمة عندها في بيتها

وإن أمر محمد كان تجربة، والقائم الأول على هذه التجربة هو خديجة، فقد تشبعت بفكرة القادم المنتظر من خلال دراستها اللاهوتية ؛ فطفقت تبحث عمن يصلح لأن يكون هو القادم المنتظر، فاختارت (وهي ذات 45 عام على قول خليل) اختارت محمداً (وهو ذو 21 عام على قول خليل) اختارته رغم إنه في سن أولادها أو أصغر، ودون غيره من رجال قريش؛ لما تفرست فيه من صفات تؤهله لخوض التجربة التي تهندز لها، ولما حاط أخباره من أعاجيب تؤهله لأن يكون مثل الآتين قبله، وأيضاً لأن فارق السن بينهما سيجعلها بمثابة أمه؛ فيصير مطواعاً سهلاً منقاداً لها معتاداً على موافقتها، وهي السيدة الحازمة الرجُلة في عزمها، صاحبة الحلم والهدف الذي تثابر على تحقيقه

فعزمت على تقديم نفسها إلى محمد، قبل أن تنتشه إحدى عذراوات مكة (هكذا قال خليل) وقد داخت السبع دوخات (على حد تعبير خليل) حتى وافق محمد على الزواج منها، وقد تغلبت بذلك على منافستها الأولى: أم هانئ بنت أبي طالب، ابنة عم محمد التي كان يأمل في زواجها، حيث نشأ الاثنان في بيت واحد وقامت بينهما علاقة عاطفية (على حد قول خليل) ..

وقد سقت خديجةُ أباها خمراً؛ لتخدعه على أمر الزواج من محمد، أما بنو هاشم فكانوا معارضين لهذا الزواج، وكلا الطرفين رفع على الآخر السلاح.. حتى تم الزواج برعاية القس ورقة

وإن أعظم وسائل خديجة في تعويض محمد عن فارق السن بينهما: هو ما أغدقته عليه من المال، وهي بذلك لا تُعد خاسرة في نظرها كتاجرة، بل هي تنظر من موقف منفذة تجربة فائقة الخطورة تريد لها النجاح

وقد عاملها محمد معاملة الأم، وهي كانت تعامله معاملة الابن، فهو يجلس على فخذها ملتصقاً بها، فتهدهده، شأن الأم مع ابنها الصغير( وهو قد جاوز الأربعين) وقد أصبح – بعد سنين تربيتها له – مثلاً في طاعتها واتباعها

ولقد ثابرت خديجة على إعداد محمد إعداداً جيداً طوال عقد ونصف، ولولاها ما نجحت التجربة التي استمر أثرها 14 قرناً، فهي الأم الحنون التي فتحت له خزائنها يغرف منها كيفما شاء، وهي التي كانت تقرأ له صحف التوراة والإنجيل التي كانت تحتفظ بها في بيتهما – والتي ترجمها القس ورقة - ، وهي التي هيأت له التماس مع القس ورقة وقضاء الليالي الطوال معه في المدارسة والمذاكرة والحفظ، لأسفار التوراة والإنجيل وقصص الأنبياء وأخبارهم، وكذا الالتقاء بالراهب عداس والراهب بحيرى، وأيضاً الالتقاء بأصحاب كافة الملل والأديان في مكة وغيرها من خلال العمل في تجارتها، وكان ذلك جزءاً من خطتها ( وهي هندوز التجربة -  على حد تعبير خليل ) المرسومة مع ابن عمها ورقة، تلك الخطة التي انضوت على الاختلاط والاستماع والمدارسة وتخزين المعلومات والحفظ، ومعلوم أن محمد أمي، والأمي له ذاكرة خارقة

وقد أوحت خديجة لمحمد بفكرة الاعتزال في غار حراء لفترات من الزمن – وهذا أيضاً من تراثات أهل الكتاب التي تعلمتها – حتى تكون ممثلة للجانب الروحي والنفسي في حياة محل التجربة، وكانت خديجة تلازمه في حراء لمدة 5 سنوات لضمان نجاح التجربة

وإن النصرانية الفاشية في رهط خديجة – أصهار محمد – لا يجهل القارئ الفطن مدى تأثيرها الذي تكون أثرته على الناشئ الذي ينشأ فيها – يعني محمداً –

وإن الفئة التي كان ينتمي إليها القس ورقة من النصارى، كانت عقيدتها التوحيد ورفض تأليه المسيح والالتزام بكتب موسى والأنبياء؛ وهذا ترك أثره الواضح على مُنتَج التجربة – محمد – وعقائدهم تلك هي بنصها التي وردت في القرآن .. حتى إن محمداً عندما دخل مكة حطم جميع التماثيل والأوثان، عدا تمثال للمسيح وأمه – رمزيْ النصرانية – فبقي موجوداً طوال عهد محمد وخلفاءه، حتى احتراق الكعبة في عهد عبد الملك بن مروان

وقد سافر ورقة إلى الشام وناظر الأحبار والقساوسة وعرف نظرياتهم ومداخلهم، فصار خبيراً بأدوار ترقي التجربة ومجرياتها وبكيفية الرد على مناوئيها؛ مما كان له أثره في إرشاد وتوجيه ناتج التجربة

ولقد حزن محمد حزناً شديداً عند وفاة القس ورقة، المقترن بانقطاع الوحي عنه، حتى هم بالانتحار عدة مرات، ولا عجب في ذلك فقد استغرقت مدة تصنيع محمد على يد القس ورقة وتلميذته خديجة نحو عقد ونصف من الزمان، فكان نعم المرشد والمعلم والموجه للتجربة.. وإن هذا لا ينفي ما لمحمد من عبقرية وصفات أهلته للنجاح

وإن حادث حراء لم يكن حدثاً عارضاً من خوارق القدر، بل كان نتيجة تمهيد طويل خلال سنوات تكوين وإعداد محمد على يد خديجة بعلمها اللاهوتي، والقس ورقة، مع أدوار ثانوية كذلك للراهب بحيرى، والراهب سرجيوس، والراهب عداس


وإن ما حدث مع محمد في حراء هو رؤيا منام، فإن محمداً من خلال مراحل إعداده بالمدارسة والحفظ والشرح للتوراة والإنجيل على يد القس ورقة والهندوز خديجة (هكذا يدعوها خليل) قد تشبع بشحنة بالغة الكثافة في نفسه، جعلته يتوق أن يصبح واحداً من هؤلاء الأنبياء الذين درس حكاياتهم، ومحمد عبقري، فتلك الرغبة العارمة التي ملأت عليه أقطار نفسه هي علة تلك الأحلام والرؤى، فالرؤى - كما أشار فرويد – هي تحقيق لما يشتهيه الإنسان في اليقظة

وإن ما تلاه محمد على أهل مكة والحجاز، هو دروس ومعارف ومعلومات الليالي الطويلة  التي اختزنتها ذاكرته الحديدية .. هكذا قال خليل

ثانياً محاسن الكتاب:

أما محاسن الكتاب، فلا ينبغي أن ينكرها المستشرقون، فقد دعاهم خليل إلى التراجع عن زعمهم بأن محمداً لم يكن أمياً، هذا الزعم الذي تبنّوْه لأجل تحديد مصدر القرآن الذي جاء به محمد بما حواه من قصص الأنبياء والشرائع، وهو – خليل – يدعوهم إلى قراءة سيرة محمد قراءة متأنية متفحصة، وإنهم سيجدون في كتابه هذا حلاً لهذا الإشكال، وجواباً عن هذا السؤال

فإن خليلاً أبقى محمداً أمياً، بالمسمى فقط.. بمعنى أنه لا يقرأ ولا يكتب.. لكن يوجد من يقرأ له الكتب ويعلمه ويثقفه ويحفظّه، أفضل من كل القراء والكاتبين، فهو لا يقرأ ولا يكتب لكنه متعلم متبحر

]جدير بالذكر أن الله جعل محمداً أمياً، لينفي عنه أن يكون تعلم العلم من البشر، بل يكون تعليمه إلهي تماماً (وما كنتَ تتلوا من قبله من كتابٍ، ولا تخطُّه بيمينك؛ إذا لارتاب المبطلون) أي تشككوا أنه تعلّم هذا العلم عن طريق الكتب/ عن طريق البشر[ .. عفواً لنعد لمحاسن الكتاب

وأيضاً فإنه يزري على هؤلاء المستشرقين بدعواهم أن محمداً تعلم دينه من بحيرى الراهب، بينما هو قد التقاه صغيراً لوقت قصير، وإن خليلاً يدعوهم لمطالعة كتابه، ليعلموا من أين تعلم محمد دينه، وما هي مصادر تكوينه

وأيضاً فإن محاسن الكتاب لا ينكرها نصراني فخور بدينه، فقد جعل الكتابُ محمداً صنيعةً خالصةً من صنائعهم، وحسنة من حسنات ثقافتهم وكتبهم وقساوستهم ورهبانهم.. وجعل عقائده التي أتى بها هي بنصّها عقائد إحدى فرقهم -  فلم يأتِ محد بجديد من خارج جعبتهم – بل جعله وفياً إليهم، فقد حطم الأوثان جميعها إلا وثناً لرمزي النصرانية، جعله قائماً جوار الكعبة

وأيضاً فإن محاسنه لا ينكرها نصراني يروم التشكيك في دين محمد، فإن في هذا الكتاب كل الحجج والدلائل التي يحتاجها للتشكيك في كون أمر محمد نبوة من عند الله، بل هو تجربة قامت عليها خديجة، ولولاها ما نجحت.. أو يحتاجها للتشكيك في كون ما تلاه محمد من قرآن - هو وحي من عند الله، بل هو دروس ومعارف ومعلومات الليالي الطويلة التي أشرفت عليها الهندوز خديجة واليعسوب ورقة، هكذا قال خليل.. أو يحتاجها للتشكيك في كون محمد قد علّمه الله، بل قد علمته خديجة وورقة، هكذا قال خليل، وقاله الكفار من قبل، وذُكر في سورة النحل ( ولقد نعلمُ أنهم يقولون: إنما يُعلّمُهُ بشر .. )

وإن ظلال محاسنه كذلك لتفيء على كل عقلاني يريد التعامل مع كتب التراث، فإن خليلاً ينصحهم – خاصة فيما يتعلق بالخوارق والمعجزات الواردة فيها - أن يتعاملوا معها كأنها حجة مسلمة .. ليس عن إيمان بها بطبيعة الحال، وإنما حتى لا تكون سلاحاً في يد الخصوم بأنهم يطعنون في الأحاديث، وأيضاً – يقول خليل – فإن المعجزات والأعاجيب وغيرها من التفكير الخرافي الأسطوري، هو جزء من معتقدات تلك البيئة التي نشأت فيها التجربة، وهو أيضاً من معتقدات متبعيها لأكثر من 14 قرناً، فليس من العقل إظهار احتقارها

وكذلك فإن إنكارها، مع الإيمان بشبيهاتها الواردة في القرآن، هو منهج انتقائي غير مقبول، ومعلوم أن تكذيب القرآن محظور بعقوبة كبيرة هي حد الردة

ولا تقف محاسن الكتاب عند هؤلاء، بل تمتد إلى كل نسوية، تناضل عن حقوق المرأة وتزهو بنسويتها في هذه الأمة.. فتلك الأمة كان إمامها - الذي يتبعه ألوف الملايين على تطاول القرون – صنيعة امرأة، كان منقاداً إليها مطواعاً مطيعاً، يجلس في حجرها وتهدهده وهو قد جاوز الأربعين، وقد قامت بأمره وعلّمته ونقلته من محمد الفقير راعي الغنم إلى محمد ديان العرب ومتبوع الملايين، ولولا تخطيطها وإعداداها وأموالها لما كان له ذلك

 

ثالثاً مساوئ الكتاب:


ساءني في الكتاب استمراء خليل لذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم، باسمه المجرد ( محمد )، وكأنه في ذلك يحذو حذو أجلاف الأعراب في قلة توقير رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومخاطبتهم إياه باسمه المجرد، وقد نهانا الله سبحانه أن ندعوا رسوله بيننا باسمه المجرد كما يدعوا بعضنا بعضاً (لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضاً)، ثم هو – أعني الجلف خليل – لا يصلي على رسول الله أبداً حين يذكره (اللهم إلا حين ينقل من مصدر، فإنه ينقل الكلام كما هو) وهذا أيضاً من قلة توقير رسول الله صلى الله عليه وسلم، بينما تراه إذا ذكر أحداً من المؤلفين المعاصرين، فإنه يذكره بالأستاذ والدكتور والباحث! .. وقد قال الشافعي رحمه الله: أكرهُ أن يُقال (قال رسول الله) وإنما يُقال (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) ؛ تعظيماً لرسول الله.


ثم إنه لو فعل ذلك (أعني توقير رسول الله) تقيّةً، كغيرها من الامور التي قال إنه يفعلها تقية؛ ربما جذب إليه عدداً أكبر من المتابعين، فإن أناساً كُثر قد يسؤوهم قلة توقير نبيهم صلى الله عليه وسلم، مما يصدّهم عن قبول مذهب خليل .. فأين عقلك اللوذعي الذي تباهي به يا خليل!


وقد تابعتُ خليلاً - في هذا المكتوب – في ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم باسمه المجرد – أرجو من الله العفو – وذلك حرصاً على أن أذكر ألفاظ خليل دون تدخلٍ مني


لكنني رغم هذا ألتمس العذر لخليل في صنيعه ذلك، فإنه لا يتوائم مع نزعه القداسة عن نبوة محمد صلى الله عليه وسلم في هذا الكتاب، وجعلها تجربة قام على إعدادها وصنعها والتخطيط لها- البشر ..  بالأموال والترجمة والتعليم والمدارسة والحفظ.. أقول لا يتوائم مع ذلك أنه كلما ذكر اسم مُنتَج التجربة (محمد) يذكر معه لفظة (رسول الله) أو (نبي الله) أو (صلى الله عليه) .. فإن الله لا يكاد يُذكر في هذه التجربة الفذة ! ليس له محل !


ثم إنه – خليل – رغم هذا، ما فتئ يذكر محمداً بكل الأوصاف التي تُطلق عليه، مثل (الصادق الأمين) الذي نعته به الكفار، أو تُطلق على القادم المنتظر في كتب أهل الكتاب، مثل (المشقح) و(راكب الجمل) وغيرها، أو يطلقه عليه المسلمون مثل (الكافي) و(محمود) وغير ذلك .. فبم يرضى المتشددون أكثر من ذلك!

لكنه يضعها بين قوسين، لكون ورودها لغرض علميّ، لا دينيّ توقيريّ

 

رابعاً ملاحظات على الكتاب:


يحب خليل أن يستعمل ألفاظاً زاهية مغربة -  أراها ضرباً من التفيهق – بدلاً من الألفاظ المعروفة الواضحة، مثل (التيولوجي) بدلاً من الإلهيات، و(الأنتلجسنتسيا) بدلاً من النخبة ! ، وكذا الإسراف في استعمال المترادفات الفصيحة بإطناب شديد، على نحو صحيح – من جهة اللغة – أحياناً، وعلى نحو فاسد مضحك أحياناً أخرى .. ولعل ذلك حيلة لإبهار عقل القارئ ليخضع للعلم الغزير الذي سيتلقاه


أيضاً في الكتاب بعض الأمور المتناقضة، خذ مثالاً:
قول خليل إن مجتمع قريش مجتمع رأسمالي تفككت فيه عرى التقاليد القبلية ولم يعد يعبأ بعراقة النسب ولا أصالة الحسب بل غدت الثروة هي ميزان التقييم .. رغم أن خليلاً نفسه يقول إن أبا طالب كان سيد قريش رغم فقره!

ويقول في ص58 إن مجتمع مكة بالغ التقديس للتقاليد والقيم!

خذ مثالاً آخر:

يقول خليل إن عزلة محمد في غار حراء لم تكن للتحنث أو التعبد، بل كانت عزلة اجتماعية نفسية نتيجة يتمه المتكرر وطفولته الحزينة، التي تركت عليه ظلالاً كئيبة، فلم تكن خلوة عقائدية تعبدية
رغم أن خليلاً نفسه القائل إن خديجة اقترحت على محمد خلوة غار حراء تطبيقاً لما تعلمته من تراث أهل الكتاب، لتكون ممثلاً للجانب النفسي والروحي في حياة ناتج التجربة!


أيضاً في الكتاب أيضاً بعض الآراء اللوذعية الخارجة عن الموضوع، خذ مثالاً لذلك: الفتح الإسلامي لمصر، الذي تم بأمر وتحت إشراف الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وبقيادة الصحابة الأجلاء: عمرو بن العاص، والزبير بن العوام (وهو أحد العشرة المبشرين)، وعبادة بن الصامت، والمقداد بن الأسود، ومسلمة بن مخلد، وغيرهم من الصحابة والتابعين.. يقول خليل إنه غزو عربي استيطاني فعل بمصر الأفاعيل


الملاحظة الأخيرة على الكتاب، أن خليل مدمن لتكرار الأفكار بإلحاح، فما ذكرته هنا في ما يقارب 6 صفحات، كرره خليل على مدار 300 صفحة وزيادة


أخيراً، أدعو إلى قراءة هذا الكتاب أثناء النوم العميق، فإن إنفاق وقت اليقظة في قراءة كتاب كهذا، ليس بأمرٍ رشيد