JustPaste.it

سر القدر في القرآن الكريم(٥):

فضيلة الشيخ ابو قتاده الفلسطيني حفظه الله

قال تعالى: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (63) ثُمَّ تَوَلَّيْتُم مِّن بَعْدِ ذَٰلِكَ ۖ فَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنتُم مِّنَ الْخَاسِرِينَ (64) البقرة.
يجري القدر الإلهي في بعض وجوهه على معنى التذكير والعظة الربانية للخلق، ليتعلموا ويتعظوا، ومما لا شك فيه أن الأقدار أعظم عظة لعموم الخلق من الأمر والنهي، ولكن المؤمن عظته بالكلام الإلهي أعظم ،ومما جرت به الأقدار في ما ذكره القرآن إن الخلق الذين لا يتعظون بالخبر والأمر والنهي لا يتعظون بالأقدار، وهذا نص قرآني بين في هذا الأمر.
ففي سورة الأعراف بين الله تعالى كيفية رفع الجبل فوق بني إسرائيل، فقال سبحانه،( وإذ نتقنا الجبل كأنه ظلة، وظنوا أنه واقع بهم، خذوا ما آتيناكم بقوة واذكروا ما فيه لعلكم تتقون)، ولكن هاهنا في سورة البقرة بين أنهم بعد ذهاب هذه الآية وهذا التهديد عادوا لما نهوا عنه( ثم توليتم من بعد ذلك).
والقرآن جاء فيه الكثير من ذكر عدم اتعاظ الخلق بالآيات القدرية حين أعرضت قلوبهم عن عظة الحق ونذارة الأنبياء، وهذه قضية قرآنية، قلما من تحدث عنها مع كثرتها.
ففي سورة الكهف يقول تعالى:( وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى ويستغفروا ربهم إلا أن تأتيهم سنة الأولين أو يأتيهم العذاب قبلا).
وفي سورة الأنعام يقول تعالى(ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم وأرسلنا السماء عليهم مدراراً، وجعلنا الأنهار تجري من تحتهم فأهلكناهم بذنوبهم وأنشأنا من بعدهم قرناً آخرين).
وفي سورة الإسراء يقول تعالى( وما منعنا ان نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون، وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها وما نرسل بالآيات إلا تخويفاً).
وهذا كثير في القرآن.
فالأمم المعرضة عن موعظة الخطاب النبوي والقرآني لا تتعظ بموعظة القدر، وإذا اتعظت فهو لحين زوال البلاء، ثم تعود إلى ما كانت عليه من الغفلة.
سر القدر في جريان البلاء وآيات التنبيه والعظة أنها تجري خفية، ربما لا يلاحظها الخلق في ارتباطها بسلوكهم، مع أن المؤمن يلاحظ هذا وينتبه له، ولذلك مان من سنته صلى الله عليه وسلم الصلاة وقت هذه الأقدار المخيفة، والمنبهة.
لما طلب المشكون آية، كما في سورة الأنعام( وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها) فرد الله عليهم بقوله(قل إنما الآيات عند الله، وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون).
بل بين بعذ ذلك كما في السورة أنهم سيصدون الآيات وعدم الإيمان بها بحجج شركية كثيرة، منها قوله(وإذا جاءتهم آية قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل رسل الله).
خفاء الآيات حين قومها يوجب على الأنبياء، ثم أتباعهم أن ينبهوا الخلق عليها، تذكرة لهم أن مقدمات الهلاك قد وقعت، ولم يبق إلا الهلاك القادم.
هنا يحدث تكذيب هذا المعنى من الطواغيت وأتباعهم، ولذلك قال القرآن عن فهمهم لهذه الآيات(وقالوا قد مس آباؤنا الضراء والسراء).
ولذك زاد قساوة قلوبهم، كما قال تعالى(فلولا إذ جاءهم بآسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم، وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون).
العذاب الإلهي القادم على قوم لوط رآه قومه زينة جديدة، ومتعة سانحة، وغنيمة لا تفوت، ومع ذلك كان في الواقع هو العذاب.
كيف يفسق المترفون؟
يفسقون بالنعم، فيخرجون فيها عن حد الإعتدال، وهذا يحقق الفسق، وهو الخروج كما في آصل كلمة الفسق اللغوي.
وهذا يدل على معاني ما وقع في نفس قوم لوط، وهم يهرعون إليه ليفسقوا، فيتعون بالنعم فسقاً خارجاً عن طاعة الله تعالى.
هذا بالنسبة للمؤمن نذارات، وبالنسبة للفسقة، والعصاة فرصة نعم وتلذذ وازدياد ترف.
فهذا القدر من العذاب مخبوء بالنعمة، والترف، والتلذذ، والتي تزيد من خلال مؤسسات الفسق، ورعاتها، وهيآتها.
هذا القدر من تفسير البلاء ، وارتباطه قدره مع شرعه هو مما ينكره الكفرة: ( قد مس أباؤنا الضراء والسراء) وهو على معنى قولهم( وما يهلكنا إلا الدهر).
فهذه قضايا مهمة للداعي، وهو عدم ربط الهداية للخلق بقدر قادم، يصلح حال العاصي، أقصد الجموع منهم، ففتح باب البلاء للناس كفتح باب العطاء، والذي قال الله فيه( ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض) وأنت سترى الجموع التي فسدت بالعطاء ستفسد بابلاء.
هذا إذا كان القدر بلاءً مع شدة ، فكيف إذا كان القدر بلاءً مع فتن الدنيا وزينتها كما سيكون مع الدجال( معه جنة ونار).
الذي يتعظ من البلاء هو صاحب الإيمان الذي يراقب يد الله تعالى في الوجود، والذي يفهم حكمة الله في الأقدار.

نشر المقال بتصرف مع حفظ حقوق النشر كامله لفضيلة الشيخ ابو قتاده

غرفة الفجر الاسلاميه - موقع العلم والمعرفه www.ilmway.com