JustPaste.it

5A2BBFDE-2A2B-4965-B372-5D1989212996.jpeg

..

..

..


أبو بدر : فهد بن حسن الغراب

مدرّسُ رياضيات في متوسطةِ عمرَ بن الخطاب بحيّ سلطانة

محبوبٌ عند طلابه جداً وقريبٌ منهم ..

وهو فيما سوى المدرسةِ إمامٌ حسن الصوتِ كثيرُ الخشوع .. يتزاحم الناسُ على مسجده الصغير في حي البديعة ويصلّون فوق سطح المسجدِ أيضاً وفي الشوارعِ المحيطة ..


من جِيل القراء الأوائل وصاحبُ صوت نديّ وشجاعةٍ في استخدام أجهزةِ الصوت والصدى - في حدودها المعقولة - ولم تكن معروفةً ذاك الوقت .. وذو حضورٍ متميزٍ في دعاءِ القنوت لا يكاد يشبهه حتى الساعةِ أيّ حضور ..


أدركتُه ثلاثينيا .. وهو الآن يقفُ على بوابة الستين .. وكنتُ أراه طيلة الثلاثين عاماً على فتراتٍ متقطعة فإذا هو هو لا تنكرُ منه شيئا ولا يتغير عليكَ في شيء ..


يزدحم الناس على مسجده بالآلاف وتردّد التسجيلاتُ الإسلاميةُ مقاطع صوته ويتحرّك أهل القرى المجاورة للرياض من بيوتهم من بعد الإفطار طمعاً في إدراك الصلاة معه ويتسابقون على السلام عليه وهو في نحولِ جسمه وجمال بسمته وتخلّيه عن مظاهر المشالحِ والألقابِ رجلٌ يسكنُ حبّه القلوب.. وكان يشترط على التسجيلاتِ أن لا يشيروا لاسمه بلقبِ الشيخ وإنما الأخ أو القارئ ويغضبُ إن همْ تجاوزوا ذلك ..


وكان من الضرورةِ أن ينتقل من مسجد البديعةِ ذاك إلى مسجد أكبر .. وابتدأ الصلاة في مسجد شيخ الإسلام ابن تيمية بسلطانة عام ١٤١١ هـ  وتضاعفت أعداد المصلين وتوسع بنيان المسجدِ على عدة مراحل .. وما عُرف الحيّ إلا به .. وصار اسمُه على كل لسان ..


ورأى الشيخ/ الأخ  أبو بدر أن يجعل من المسجد إلى جانب الصلاة منارة علمٍ وسبيل دعوة فكان مشهدُ التراويح لا يخلو من كلمةِ ناصحٍ أو توجيه داعيةٍ وكانت الصدقاتُ - وقتَ السماح - تُجمع لصالح المسجد وأنشطته كل ليلة .. ويكون فيها خيرٌ كثير ..

وتخرجُ من المسجد حين تخرجُ بنفسٍ رضيّة رأت جموع الناس الصالحة حولها وأدت صلاتها ودعت ربها ثمّ استمعت لموعظة أو تذكير وشاركت بمالها في مشروع خيرٍ ومعروف ..

حسناتٌ متتابعاتٌ تأخذ في جمالها بأيدي بعضها وتجعل لكَ نصيباً وافراً من رضى النفس والمزاحمةِ على أبوابِ الخير في رمضان ..


سنواتٌ معدودة وصار المسجد علماً بين مساجِد الرياض كلها ليس في إمامة الشيخ فهد فقط ولكنْ في الدروس العلمية أيضاً والمحاضرات المتنوعة وفي مكتبةٍ متميزة على مستوى المملكة بإمكانات عالية وقسم نسائي مستقلّ وجهودٍ حاضرة في كلٍ ميدان ..


حاضر فيه الإمامُ ابن باز ..

وألقى العلامة ابن عثيمين درساً هاتفيا على مدى عامين ..

وكان الشيخ ابن جبرين هو موردُ هذا المسجد العذبُ ودروسه فيه لا تنقطع ..

وتحت هذه الأسماء كان جملةٌ من العلماء الأكابر وطلبة العلم هم أعمدةُ المسجد وشُعَلُه على الدوام أذكر منهم :

معالي الشيخ : صالح آل الشيخ

الشيخ عبدالرحمن البراك

الشيخ عبدالعزيز الراجحي

الشيخ : عبدالكريم الخضير

الشيخ عبدالكريم النملة

الشيخ إبراهيم الصبيحي

الشيخ سعد الحميد

الشيخ عبدالعزير السدحان

الشيخ عمر العيد

الشيخ عبدالله السعد

الشيخ عبدالمحسن الزامل

الشيخ عبدالعزيز السعيد

الشيخ محمد الفراج

الشيخ سعد الشثري

الشيخ سعد الخثلان

الشيخ عبدالسلام الشويعر


وجملةٌ كبيرةٌ من العلماء وطلبة العلم على امتداد الأعوام ..

تنتظمهم طريقتان : طريقة الدروس المجدولة أسبوعياً أوطريقة الدروس الصيفية المجتمعة في أسبوعين أو ثلاثة عبر الدورات العلمية


بدأت مسيرة الدورات العلمية الصيفية عام ١٤١٤ واستمرت تزيدها الأيام ألقا ويكبرُ مجدها ويزيد حضورها .. وترى الشيخ/ الأخ فهد في زاوية قصيةٍ بعيداً عن كل الأنظار يشرف ويتابع ويسأل ويرتب في عمل يستنزف كلّ وقته ويزاحم نومَه وطعامه .. أحسبه لا يرجو جزاءً ولا شكورا ..

وانتقلتْ فكرة الدروس الصيفية إلى نواحٍ متفرقة من الرياض وخارجَها .. ولا أظنّ أنه يوجد شابٌّ واحد نشأ في الرياض كلها والمملكة بعامة وفي اهتمامه العلم والدروس وليس في عنقه دين وفاءٍ لهذا الجامع ودروسه وأشياخِه ..


وكان تيّارٌ ( مكتباتي ) يتخطّف الجوامعَ الشهيرة وقتها ويحاول أن يصنعَ له حضورا فيها إلا أن الشيخ فهد وبابتسامةٍ لا تغادر محياه أصرّ على أن يبقى للجامع وهجه العلمي وأن يُعرف بالدروس فقط وأن تكون أبوابه مفتوحةً للجميع ..

وبالمقابل وقف بحزمٍ أمام كلّ من يريد أن يجعلَ المسجد حكراً على طائفة أو بوابةً للتصنيفِ وتوزيع الألقاب المختلفة على بقيّة البشر ..

وقد أحكي لكم هذه الخلّة في هذه الأسطر فتظنونها شيئاً سهلا لكنها - والله - لم تكن كذلك وكان الإمساكُ بزمام الوسط في هذه المواضيع أشبه بالمسير في بحرٍ متلاطمِ الأمواج وكان الالتفات للشانئين أو التوقف عندهم كفيلاً بوأد مشروعك أو التأليب عليه ..

وكما كان الشيخُ ابن باز في موقعه بين طلبة العلم والدعاةِ على اختلاف مشاربِهم فقد كان مسجدُ الشيخ فهد وأنشطتُه ولقاءاته بين الشبابِ والمتعلمين ..


تحول المسجد إلى جامعٍ وأقيمت فيه خطبة الجمعة ولم يتمكن الشيخ/ الأخ فهد من الخطابة رغم أن المسجد بالنسبةَ له واحدٌ من أبنائه لظرف تخصصه التعليمي وبقيَ سنواتٍ قبل أن يؤذن له فيكون خطيبا فيه .. وهو الأحق به ..

وكان له الحضور الجميل في اختيارِ الخطب واختصارها وتأثيرها على الناس ، ولم تخل الأيام من مواضيع خطبٍ أو توقيت مواعظ لم يتفق معه فيها البعض لكن المختلفَ كان يجد عذراً للاختلاف ويؤمنُ أن الخير مطلبُ الجميع ..


وحججتُ مع الشيخ/ الأخ فهد عام ١٤١٤ هـ - ولا أدري إن كان من الضروري أن أذكر هذه الحادثة - لكنه كان والله قبل الفجر بساعةٍ ونحن في مخيم منى يقوم وحده فيصلي ما كتب الله له .. ولم يقدم نفسه في أي لحظة لحملة الحجّ على أنه طالب علم أو صاحبُ صوتٍ جميل مع أنه كان وقتها - أي قبل ستة وعشرين عاماً - من طلبة العلم المميزين ومن مشاهير القراء ..


واستمرّ في إمامته للمسجد وحرصه على متابعة تفاصيله مابين شد وجذبٍ ومحاولةٍ لتغليب مبدأ الاستمرار ونشر الخير على كل شيءٍ سواه وربما استُدعي للمساءلة أو تعطّلت بعض أنشطةِ المسجد أو جُعِلتْ على قائمة الانتظار الطويلةِ غير أن الصدقَ والعزيمةَ كانا لا يزالان به حتى ينالَ مراده ..


هذا هو شيخنا/ أخونا فهد وهذي هي ذكرياته .. مدينته ملهم وانتماؤه شامريٌ عجمي .. وقد بحثتُ عن ترجمةٍ له في محركاتِ البحثِ لعلي أجد شيئا ينصفه أو يذكر شذراتٍ من سيرته وتاريخه الجميل فلم أجد .. ومرّت بي أسماءٌ دونَ مقامه بكثير تنكر منها وتعرف تزينت بالمشالح واتجرت بالأصوات والتسجيلات والرحلات الخارجية للإمامة يبزغ الواحدُ منهم كما النجم ثم يسقطُ كما الشهاب ولا يُعرف له إسهامٌ في سبيلِ دعوةٍ أو تعليم  !


ويا أبا بدر .. لقد كان مسجدك ودروسك خيراً وبركة علينا في حب العلم ومعرفة العلماء وحفظ المتون وشاهدا على حقبة منيرةٍ في تاريخ العلم والدروس وما زالت نعمة الدروس والتسجيلات والخدمات الالكترونية والمكتبة الجميلة ( مكتبة الإمام ابن القيم ) تصل جديد الزمان بقديمه وتحافظ على العهد .. وما زلتُ إذا عرّفت بنفسي أقول : درست المتوسطة في مدارس تحفيظ القرآن والثانوية في المعهد العلمي والجامعة والدراسات العليا في جامعة الإمام وحضرتُ على مدى السنوات كلها دروسَ العلمِ في جامع شيخِ الإسلام ..


وإذا ذكرتُ تلك البقعة الهادئة الواقعة في طرف السويدي على ضفاف الوادي المنتمية تنظيمياً لحي سلطانة والمكتبة الجميلة التي تتربع على أرضها وجامع شيخ الإسلام بكل أنشطته والطرق التي تسير إليه مزدحمةً بالناس والمركبات وقامات العلماء وطلبة العلم التي أنارت الحي وذكرى شباب أهل الخليج المشاركين في الدورات العلمية وهيئاتهم وهم يمشون في الطرقات المجاورة أو يتسامرون في السكن المعدّ ومحبتهم الصادقة لهذه البلد وذكرياتهم فيها والخير الكثير الذي امتدّ طيلة الثلاثين عاماً ولا يزال أدركتُ أنّه عملٌ محفورٌ في ذاكرة المجدِ يستحق التقدير وأن الله قد وفق الشيخ فهد والعاملين معه وأسأله تعالى أن يعظم أجورهم ويرفعَ في الجنة نزلهم ويجزيهم عن طلبةِ العلم وأهله وعن المسلمين خيراً كثيرا  ..






طالب بن عبدالله آل طالب

رمضان / ١٤٤٠