JustPaste.it

الوصايا الغالية

لأنصار الشريعة العالية

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي جعل نصرة دينه عروة يتميز بها أولياؤه والصلاة والسلام على من أرسله الله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره أعداؤه ...

وبعد فهذه نصائح غالية لأنصار الشريعة الذين شرفهم الله بنصرة الدين والشريعة المطهرة العالية، في زمان عاد فيه الإسلام غريبا كما بدأ ...

وعدنا من حيث بدأنا و " منعت العراق درهمها وقفيزها ومنعت الشام مدها ودينارها، ومنعت مصر أردبها ودينارها وعدتم من حيث بدأتم " رواه أحمد ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة مرفوعا.

فطوبى لمن استعمله الله تعالى من قبل الفتح، وجعله من أنصاره الذين هم صفوة خلقه والسابقون من الأولين والأخرين، فكما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: " في كل قرن من أمة سابقون " رواه الحكيم الترمذي عن انس قال تعالى: (( لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا )) وذلك لان الناس بعد الفتح يدخلون في دين الله تعالى افواجا كما قال تعالى: ((إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا)) كما خرجوا منه افواجا في أزمنة الردة، وأفول أعلام الدين، حيث يعز الأنصار ويشح الناس على الدين بدمائهم وأعمارهم وأموالهم، فهاهنا يتميز الأنصار من المخذلين، ويظهر الولي من العدو ويعرف المقدام من الجبان وتتميز النائحة الثكلة من المستأجرة .... ويكون أنصار الشريعة وقتئذ هم خلاصة أهل الدنيا ونجومها وهداتها وسرجها وأوتادها كما قال شيخنا ابن القيم رحمه الله:

 

ولولاهمو كادت تميد بأهلها
 

ولكن رواسيها وأوتادها همو   

ولولاهمو كانت ظلاماً بأهلها
 

ولكن همو فيها بدورٌ وأنجم
  

أولئك أحبابي فحيّ هلا بهم       
 

وحيّ هلا بالطيبين وأنعم
  

حي هلا بأهل الطائفة المنصورة الذين قال فيهم نبينا صلى الله عليه وسلم " لاتزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله لايضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون عن الناس " رواه أحمد والبخاري ومسلم عن معاوية وفي روايه لمسلم عن جابر بن سمرة مرفوعا " لن يبرح هذا الدين قائما يقاتل عليه عصابة من المسلمين حتى تقوم الساعة "

وفي رواية عند أحمد وأبي داود عن عمران بن حصين مرفوعا: " لاتزال طائفة من أمتي  يقاتلون على الحق ظاهرين على من ناوأهم حتى يقاتل أخرهم المسيح الدجال " وفي مسلم من رواية عقبة بن عامر " لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على الحق، لا يضرهم من خالفهم حتى تأتيهم الساعة وهم على ذلك " وفي رواية أخرى لمسلم عن سعد مرفوعا " ولا يزال أهل الغرب ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة ".

وقد حقق شيخ الإسلام في فتاواه أن المقصود بأهل الغرب في هذا الحديث هو ما كان وقت تكلم النبي صلى الله عليه وسلم به غرب المدينة وذكر ( أن أهل المدينة يسمون أهل الشام أهل الغرب ... ولهذا قال أحمد بن حنبل " أهل الغرب هم أهل الشام )  إلى أن قال: ( وفي الصححين أن معاذ بن جبل قال في الطائفة المنصورة: هم بالشام ) أهـ

عن أبي داوود أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " إن فسطاط المسلمين يوم الملحمة بالغوطة إلى جانب مدينة يقال لها دمشق من خير مدائن الشام ).

فأهل الشام الذين يقاتلون على دين الإسلام هم من أحق الناس دخولا في الطائفة المنصورة التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الاحاديث ويدخل فيها من باب أولى من لا خلاف بأنهم من أهل الغرب وفي أكناف بيت المقدس كإخواننا المجاهدين في سبيل الله في فلسطين وسيناء وكل من كان غربا من أنصار الدين في ليبيا والجزائر ومالي والصومال وغيرها، كما يدخل فيهم أيضا كل من قاتل على الحق في جميع بقاع الأرض سواء في العراق أو اليمن وفي أفغانستان والباكستان والقوقاز وغيرها من الساحات التي يرفع فيها إخواننا رايات الشريعة والتوحيد، ويسعون لتنكيس رايات الشرك والتنديد ...

فهذا هو الميزان الذي يحدد قرب المقاتلين من الحق وأهله أو بعدهم ... يوضح ذلك ويبينه بجلاء قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه " من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله " فهذا الحديث يعرفنا بأن المجاهدين في سبيله، هم من قاتل لإعلاء كلمة الله، وكلمة الله هي التوحيد الذي تضمنته كلمة ( لا اله الا الله ) من تجريد العباده له وحده سبحانه بكافة أنوعها .

ومن ذلك (الحكم والتشريع) وموالاة أهل هذه الكلمة، والكفر بكل ما يعبد من دون الله والبراءة من الشرك وأهله، فالمقاتلون لأجل هذه الكلمة أولئك الذين نراهم يحملون رايتها في الشام واليمن والعراق وأفغانستان وباكستان والقوقاز والصومال ومالي والجزائر، وهم وأمثالهم المجاهدون في سبيل الله وأصحاب الطائفة القائمة بأمر الله لهم علينا حق الموالاة والنصرة بالسنان واللسان والنصح بالأفعال والأقوال وتحديدا منهم أصحاب راية التوحيد النقية التي يجب على كل طالب حق أن يتحراها من بين سائر الرايات وينصرها، وينصر جندها وينحاز لها ويظهر ويعلن انحيازه لصفها واصطفافه مع رايتها، وأضعف الايمان في باب النصرة - والذي لايعجز عنه حتى العجائز في بيوتهن-  ؛ الدعاء لهم بالتوفيق والتسديد والنصر وأن يعلي الله رايتهم وينكس رايات أعدائهم ... ولا ينبغي لمسلم أن يزهد بهذا السلاح فيترك الدعاء لإخوانه فإنه علامة موالاتهم ومحبتهم ونصرتهم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم تعظيما لشأن هذا الدعاء من الضعفاء الذين لا يقدرون على المشاركة بالقتال قال: " إنما ينصر الله هذه الامة بضعيفها، وبدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم ". رواه النسائي عن سعد وهو في البخاري بلفظ " هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم ؟ ".

فعلى كل مسلم قوي كان أم ضعيف واجب نصرة كل من يقاتل في سبيل الله في هذا الزمان الذي خذل أكثر الناس فيه دين الله ؛ كل يجب عليه من ذلك بحسب استطاعته، ولا يعجز عن الدعاء أحد فلير كل مسلم ربه أنه يتحرَّق لنصرة الدين بصدق ولو بدعائه لاخوانه المجاهدين ولرايتهم أن تغلب وتعلو كل الرايات عسى أن يكتب الله له بذلك سهما في الجهاد .

وقد روى الإمام أحمد والبخاري عن أنس ومسلم عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن بالمدينة أقواما ما سرتم مسيرا، ولا أنفقتم من نفقة، ولا قطعتم واديا إلا كانوا معكم فيه وهم بالمدينة حبسهم العذر ".

وروى أحمد ومسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من طلب الشهادة صادقا أعطيها ولو لم تصبه " .

فمن علامات هذا الصدق وذاك العذر أن تدعو لراية التوحيد أن يعزها الله ويعز أوليائها وأنصارها وأن تفرح لفرحهم وانتصارهم وتحزن لحزنهم، ومن ذلك أن تنصح لهم، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " الدين النصيحة قلنا لمن قال لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم " رواه أحمد ومسلم وغيرهما .

وعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه: "بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم"  متفق عليه.

وروى الإمام أحمد عن كعب بن مالك قال، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه ".

والنصح للمجاهدين والذب عن جهادهم والحرص عليه أن يتلوث بشيء من الافات، والتحذير من مخططات أعدائهم في الكيد للجهاد وأهله ...كل ذلك إن شاء الله من الجهاد باللسان؛ وعليه فهذه نصائح ووصايا لإخواننا المجاهدين من خادمهم المخلص سنحت له فرصة مفاجئة أن يتواصل مع العالم من وراء القضبان .

* أولا: ظاهرين على الحق

لا بد أن تكون رايتنا واضحة بينة وهي كلمة التوحيد وغايتنا صريحة معلنة ظاهرة وهي نصرة هذه الكلمة وتحقيقها وإقامتها خالصة لله في الأرض لإخراج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد والتمكين لأهل هذه الراية.

وقد جاء في الأحاديث التي ذكرت الطائفة المنصورة وصفهم بأنهم " ظاهرين على الحق" فلتعلم الدنيا كلها وليعلم الناس أجمعون أننا نريد نصرة الشريعة وتحكيمها في الناس وأننا لا نرضى بدلا عنها، ولا يجوز لنا أن نستحي من ذلك أو نكتمه تكتيكا أو مداهنة أو إرضاء للناس أو خوفا من خذلانهم أو خشية مخالفتهم. فقد جاء في وصف الطائفة المنصورة أنهم " لايضرهم من خالفهم ولا من خذلهم " فهذا الأمر ولله الحمد واضح عند إخواننا متميز وظاهر لا غبش فيه، بخلاف كثير من الجماعات العاملة للإسلام والمنتسبة إليه .

فمن أنواع التضرر بالمخالفين الذي نراه عند بعضها تشويه الراية وتمويه الغاية إرضاء للجماهير ومسايرة للعوام .

فتارة ينادون بالديمقراطية، وتارة ينادون بالدولة المدنية تبرءاً من الدولة الدينية وكأنها عار وشنار أو كأن دولتنا الدينية هي كالدولة الكنيسية الصليبية الثيوقراطية ؟! هذا غير ثنائهم على الدساتير الأرضية والقوانيين الوضعية وشهادتهم بنزاهة قضائه !! إلى غير ذلك من تنازلاتهم التي لا تنتهي، ويهاجمون المجاهدين ويتبرؤون منهم إرضاءا لمختلف الدول ومحاولة لكسب رضى الأعداء، فلا هم ارضوا الله ولا رضي عنهم الناس، لأن الله تعالى يقول: ((وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ )) وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: " من أرضى الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس، ومن أسخط الناس برضا الله كفاه الله مؤنة الناس " رواه الترمذي من حديث عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها .

* ثانيا ( لاتفريط بالراية ولا مساومة على الغاية )

فما دامت رايتنا هي كلمة الله وغايتنا هي نصرتها وتحقيقها وإقامتها خالصة لله في الأرض فلا يحل لنا أن نساوم عليها أو أن نبدلها، فهذا ثابت من الثوابت عندنا، قضى الله أن لا خيرة لنا فيه، فلا سبيل إلى التنازل عنه أو تبديله أو تغييره لأي مصلحة مدعاة لأنه أعظم المصالح، ولا ينبغي التفريط فيه أو هدره تخوفا من مفسدة ما، أو دفعا لها، فإن التفريط فيه أو هدره أعظم المفاسد، فلا مجال للتكتيك والإستحسان أو غيره في التلاعب في الراية، أو تبديل الغاية وهذه وصية رسولنا لنا بقوله: " لاتشرك بالله شيئا وإن قطعت أو حرقت ..." رواه ابن ماجة من حديث ابي الدرداء وتقدم في وصف النبي صلى الله عليه وسلم للطائفة المنصورة بأنها " قائمة بأمر الله " وقد كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يبايعونه أن لا يخر أحدهم _ اي يسقط ميتا_ إلا قائما بأمر الله لا مبدل ولا مغير.

وإذا كنا نشهد تنازل كثير من الجماعات المنتسبة للإسلام عن كثير من الثوابت وتمييعهم لكثير من عرى الإسلام الأصلية، رهبة من الناس وتضررا بضغوطاتهم ومحاولة لإسترضائهم، حتى انساقوا مع باطلهم وتنازلوا عن الحق الذي حملوا أمانته ((وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ )) فلا ينبغي أن يزيدنا هذا إلا إصرارا على الغاية وتمسكا بالراية ... وليتق الله بعض الدعاة وطلبة العلم الذين اجتنبوا الراية الواضحة النقية وانخرطوا إلى رايات فيها دخن وغبش وصفوها بالاعتدال والوسطية !!

ثالثا: ( بشروا ولا تنفروا ويسروا ولا تعسروا )

الوصية بإعمال السياسة الشرعية النبوية والإجتهاد في غير الثوابت، وفي كل ما دل عليه الدليل من سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، فإذا كنا نهيب بالمجاهدين ونحذرهم من التنازل عن شيء من الاصول إرضاءا للناس، فإننا نوصيهم بعدم التعنت فيما هو دون ذلك من الوسائل و المتغيرات ( ومن كل ما يسمى تكتيكي ) مما هو منوط بالسياسة الشرعية، وهذا باب مهم ممكن بسببه - إن اتقن المجاهدون إعماله - تأليف قلوب الناس واستيعابهم وكسب كثير من الانصار والتحالفات وعدم تنفير طائفة كبيرة من الناس، وليتذكروا ان المداراة من أخلاق المؤمنين وأنها ليست مداهنة ولا منقصة، وتكون تارة ببذل الدنيا والتنازل عنها من أجل الدين أو الدنيا وتارة ببذل أدنى المصلحتين لتحصيل أعلاهما وأحتمال أدنى المفسدتين بدفع أعظمهما .. وأن ذلك من السياسة النبوية .

وإن أهملوا ذلك صاروا منفرين وخسروا من الخير الشيء الكثير وليتذكروا في هذا الباب كثير من الامور التي أجلها النبي صلى الله عليه وسلم كليا دون نقضها في سبيل مصالح أرجح من الإصرار عليها وإن استعظم  التنازل عن ذلك أصحابه، ومن ذلك عدم كتابته (بسم الله الرحمن الرحيم)  وقبوله (باسمك اللهم) في العقد الذي كتبه مع الكفار في صلح الحديبية .

ومن قبوله بكتابة محمد بن عبد الله بدلا من رسول الله مع تصريحه لهم بأنه رسول الله وإن أبوا .

ومنه قبوله صلى الله عليه وسلم ببعض الشروط التي ظاهرها الغبن للمسلمين ( مؤقتا ) في سبيل تحقيق مصالح أعظم، مآلاتها نصر وفتح من الله قريب .

ومنها عدم تركيزه على هدم الأصنام الحسي طوال الفترة المكية وأكثر العهد المدني وتركيزه في المقابل على الأمر الأهم وهو هدمها في نفوس الناس ودعوتهم إلى البراءة من الشرك وأهله.

 ومما يؤكد هذا المعنى ويوضحه أنه صلى الله عليه وسلم لم يتنازل عن الأمر الأهم طوال حياته وفي أحلك الظروف وأكثرها استضعافا له ولاصحابه في مكة وغيرها وصبر على الاذى والابتلاء وعداوة قومه وصدهم الناس عن دعوتهم وتأليبهم القبائل عليه، ولم يتنازل عن هذا الامر العقدي المهم . فهو كالاستراتيجي في عرف أهل زماننا لاسبيل لتأجيله أو المساومة عليه بينما تنازل عن الأقل أهمية وهو هدم الأصنام حسيا طوال مدة إقامته في مكة تقريبا وأغلب العهد المدني ورغم حصوله على المأوى والأنصار حتى أنه دخل مكة في عمرة القضاء في أواخر السنة السابعة مع أصحابه معمرا طائفا بالبيت وحوله 360 صنما ما مس منها صنما وهو يصدع بالتوحيد ويقاتل عليه فدل هذا على أن هدم الشرك من نفوس الناس أعظم وأهم من هدمه حسيا وأن الأول ثابت من الثوابت لا يمكن التهاون به أو تأجيله أو التفريط به أو المساومة عليه بل يبقى ظاهرا معلنا حتى كان يشار بالاصابع عليه ويحذر منه بسببه ويعادى عليه ويؤذى من أجله هو وأصحابه.

أما الآخر ( الحسي ) فهو أقل أهمية غير مستعجل ( غير مضيق ) ومنوطه بالاستطاعة والتمكين والقدرة وإذا كان قد بذل في سبيل الأول دمه ودماء وأرواح كثير من أصحابه واستعمل لأجله السيوف والرماح والقوى ورباط الخيل والقتل والقتال فما استعمل في الثانية إلا عودا كان بيده جعل يطعن به الاصنام  وهو يقول:  " جاء الحق وزهق الباطل، جاء الحق وما يبدي الباطل وما يعيد " كما في صحيح البخاري .

ولذلك فنصيحتي لإخواني في كل البلاد في تونس ومالي والجزائر وليبيا والشام واليمن والعراق وغيرها أن يتحروا هذا الباب ويدرسوه جيدا ويستعملوه في نصرة الدين وعدم تعجل أشياء قبل أوانها، كالتركيز على تغيير بعض المنكرات والظواهر الحسية والسعي في هدمها قبل العزة والتمكين إن كانت تشتت معركتهم.

 وحذار من التركيز على هدم القبور وتفجيرها وإهمال هدم الشرك والباطل والمنكر في قلوب الناس واستعداءهم بأشياء قد وسع الله تعالى فيها عليهم بسياسة من هو أتقى منا ومنهم وأورع منا ومنهم وأحرص منا ومنهم على الدين .... وليعذر بعضهم بعضا في هذه الأبواب وليتسع أفق الأتباع وليستوعبوا اختيارات قادتهم في هذا المجال ...الفهم الفهم والفقه الفقه وليتذكروا قول سهل بن حنيف في البخاري:

( إتهموا الرأي فلقد رأيتني يوم أبي جندل ولو استطيع أن أرد على رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره لرددت والله ورسوله أعلم ..) وكم أوذي النبي صلى الله عليه وسلم من المانفقين المحسوبين على أهل الإسلام في المدينة قبل اشتداد عود الدولة وقبل تمكين المسلمين من العزة الكاملة، فكان يصفح يعفو ويأبى أن يقاتلهم درءا للمفسدة وتأليفا للقلوب وحتى لا ترعد لهم أنوف وحتى لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه فيمتنعوا عن الدخول في الإسلام وينكصوا عن النصرة والحق ... وهذا باب مهم لا ينبغي على المجاهدين إغفاله فالساحات الجهادية اليوم مليئة بالمناوئين لأعدائنا من من تتقاطع مصالحهم معنا مؤقتا فليس من الحكمة الصدام معهم على الأقل في مراحل الجهاد الأولى وفي خضم انشغالنا بقتال العدو الجاثم على صدر الامة . ولا مانع من التنسيق مع هذه الجماعات في قتال هذا العدو مع بقاء التميز للمجاهدين والراية الواضحة التي لا تذوب في الرايات المختلطة أو العمية ... فقد تحالف النبي صلى الله عليه وسلم مع قبائل كافرة وتعاهد مع يهود في أول قدومه الى المدينة وكان يصفح عن هناتهم وتجاوزاتهم في حقه الشخصي حتى قويت شوكت المسلمين بعد بدر فبدأ بإيضاح عداوته منهم وطاغوتهم كعب بن الاشرف، فبعث اليه فتية أناموه وأناموا كيده وأطفأوا عداوته ... ثم لم يبادر اليهود الأخرين إلا حينما نقضوا عهودهم وألبوا عليه أعداءه وخانوا العهود وظاهروا المشركين عليه فبادر إلى كل طائفة منهم بما تستحقه من العقوبة، بعد أن صبر عليهم ردحا من الزمن، فالصبر على المخالفين والمنتسبين للإسلام ومعاملتهم بالحكمة والسياسة الشرعية النبوية أولى ...

* رابعا: (( ما وسع الله فأوسعوا )

ومما يتبع ما سبق ويتفرع عنه، عدم اعطاء المبررات للعدو للتأليب على الجهاد والمجاهدين وتبرير حشد الناس وجمعهم ضد الإسلام وأهله بسبب أعمال واختيارات غير مجدية، أو أمور شكلية ثانوية. مع ضرورة عدم الاكتراث بهم ولو اجتمع أهل المشرق والمغرب على المجاهدين لأجل الثوابت وأصول الدين والتوحيد.

فمن النوع الاول تصوير عمليات قتل من يصنفون في عرف أهل الزمان بالمدنيين أو تصوير الإجهاز على الأسرى أو تعذيبهم وبث ذلك على الشاشات، ومنه ضرورة عدم التمسك بمسميات قد تستعمل في تأليب الاعداء على المجاهدين أو إجهاظ جهادهم واستغلاها للحشد ضدهم .

وقد أعجبنا تنبه الشباب لهذا في الشام والصومال واليمن ومالي والقوقاز وغيرها وقد تقدم الإشارة إلى شيء من السياسة النبوية في عدم إصرار النبي صلى الله عليه وسلم على استعمال بعض الأسماء الشرعية في عقد الصلح في الحديبية للمصلحة؛ فما دونه من الأسماء من باب أولى .

فالأسماء كالقاعدة ونحوها هي أسماء غير منزلة من السماء وهي تتبع التكتيك والسياسة الشرعية الأنسب للمجاهدين وأنا أتكلم هذا وأجزم انه لا يزعج إخواننا في القاعدة وأن قياداتهم وعلماءهم يفهمونه حق الفهم ويقدرونه حق التقدير ولا تهمهم المسميات قدر ما يهمهم نصر الجهاد وعزة الشريعة ونصر الإسلام وأهله والتمكين لهم .

بل أعرف في ذكائهم وحنكتهم السياسية وتكتيكاتهم القتالية ما يجعلهم يستوعبون ذلك وينتبهون إليه قبلي، وقد فعلوا باستعمالهم لمسمى أنصار الشريعة، ومع ذلك فقد قاتلوهم كما يقاتلون القاعدة !! فليعلم الناس بأنهم يقاتلون الإسلام وأنصار الإسلام وليس القاعدة وحدها ... ومن ذلك تجنب التصريحات غير المسؤولة التي تذعر الدنيا على المجاهدين وتؤلب وتوحد أكثر الدول عليهم وتجعلهم يستعدون العالم كله دفعة واحدة، وهذا مناف لسياسة النبي صلى الله عليه وسلم في البداءة بالأهم والأقرب، والتدرج في الجهاد، كالتصريحات التي نسمعها من البعض من العزم على قتل جميع الكفار! فهذا لم يفعله سيد المجاهدين ولم يأمر به الشرع، بل في الكفار من لا يجوز قتله كالذمي والمعاهد والمستأمن والصبيان والنساء غير المقاتلات والأجير ونحوه من غير المقاتلين.

ويتبع هذا مراعاة التدرج في القتال والتكتيك في تقديم الأولى فالأولى وعدم الهجوم على العالم كله دفعة واحدة، ببث التهديدات والتصريحات في المشرق والمغرب، فإن التكتيك الإعلامي في تحييد بعض الأعداء مرحلياً أو عدم الاشارة اليهم بشيء لاحرج فيه، بل فيه توسيع على المجاهدين، وحتى اسرائيل في وضع مثل وضع اخواننا في سوريا من السابق لأوانه التحدث عنه الان، أو التبشير عن النوايا المستقبلية وبث التهديد والوعيد لأننا حتى وإن كنا نرى اليهود من أعدى أعدائنا إلا أن المشغول لا يشغل كما يقول الفقهاء، ولكل حادث حديث، ومن تعجل شيئا قبل أوانه عوقب بحرمانه، خصوصا أن المعركة الان دائرة مع الطاغوت المحلي وهو العدو القريب الجاثم على صدر الامة والحارس لحدود اليهود ولم تحسم المعركة معه بعد، وتشتتيت المعركة يضعف المجاهدين ويريح الطاغوت ويخلط أوراق الصراع ويشتته وقد قال الله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ ..)  بخلاف غيرها من الساحات فقد تكون السياسة الشرعية تقتضي في هذه المرحلة التركيز على قتال اليهود كإخواننا في فلسطين وسيناء مثلا فتركيزهم على قتال اليهود وعدم تورطهم بالقتال مع الحكومات الإخوانية من السياسة المعتبرة، وليس ذلك عصما لدماء جيوش الطواغيت، ولكنها السياسة الشرعية، والأولى فالأولى، والأنفع لسمعة الدعوة وحشد الأنصار لها والعمل على ترسيخها بين الناس بتحصيل التعاطف والتأييد وتقويتها لإعدادها ليوم الكريهة وسداد الثغر ...

*خامسا  ( أهل مكة أدرى بشعابها )

ينبغي مراعاة أن تكون قيادات المجاهدين من المحليين لا من الوافدين من البلدان التي يعمل المجاهدون على تغيير أنظمة الحكم فيها، أو التي يتماس فيها مع الشعوب ويتعامل بها معهم، فقد راعى الله تعالى ذلك في الانبياء فقال تعالى: (( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ)) وإذا كان هذا يراعى في الرسول وهو مؤيد بمعجزات معصوم من الزلات، فمراعاته في من هم دونه في القيادات فهو مهم. فلذلك فقد راعاها النبي صلى الله عليه وسلم في كثير من اختياراته، فكان يقدم في كل بلد من أهلها من يوجههم ويعلمهم ويوليه اشياء يقدر أخرون أن يؤدونها ومع ذلك فهو يخصهم بها لمصلحة تأليف القلوب أو جمع الكلمة أو ليكون أوعى لقبول الحق أو درئ المفسدة أو سد الذرائع، فبعث إلى اليمن أبو موسى الاشعري اليمني ومعاذ بن جبل الانصاري والانصار أصولهم من اليمن، وفي الحديبية جعل سفيره الى مكة عثمان بن عفان الذي كان من أعز عشيرة آنذاك في مكة وأمنع، وفي كثير من الوقائع كانت اختياراته تعزز هذه السياسة، فمن قتلوا كعب بن الاشرف كان فيهم أبو نائلة أخوه من الرضاعة ولذلك أمنهم حتى تمكنوا منه، وبنو قينقاع ولى أمر إجلائهم أحد بني عوف - حلفائهم - وهو عبادة بن الصامت، وبني النضير ولى على إخراجهم من المدينة أحد حلفائهم الأوس وهو محمد بن مسلمة، وبنو قريظة حكم فيهم سيد حلفائهم الأوس وهو سعد بن معاذ... وهدم الربة طاغوت ثقيف بعدما أسلموا ولى أمره مع خالد المغيرة بن شعبة الثقفي فقام بهدمه بنفسه واخذ ثيابه وحليه .. إلى غير ذلك مما يغفل عن مراعاته بعض إخواننا. فتعيين قيادات من وراء الحدود صار مزلقا استغله الأعداء في تأليب أهل البلد على المجاهدين وإن كنا لا نعترف بهذه الحدود التي قسمت بلاد المسلمين ولكنها قد صارت واقعا مرت عليه السنون والأيام وتغييره ونزعه من نفوس الناس يحتاج الى وقت وجهد وجهاد، فلا ينبغي والحال كذلك إهمال أثره وتأثيره على نفوس عموم الناس ومن ثم استغلال الأعداء له.

 سادسا: ( الرفق ما كان في شيء الا زانه )

   الوصية باستعمال الرفق مع عموم الناس لجهالهم وعوامهم، فمن أهم أهداف جهادنا إخراجهم من ظلمات الطواغيت إلى نور الإسلام والتوحيد وإخراجهم من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد وحده...

فليتذكر إخواننا أنهم كانوا في الضلالة قبل هذه الهداية والنعمة التي فيها هم اليوم ((كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ )) فليكونوا أحرص شيء على إدخال الناس في هذه النعمة، وليحتالوا من أجل ذلك بكل وسيلة ممدوحة توصل إليه ولينزلوا إلى الناس وليحملوا همومهم ويتحسسوا حجاتهم وليتفرغ طائفة منهم لعلاج المرضى وإغاثة الملهوفيين وكفالة اليتامى وإطعام المساكين فهذا كله من محاسن الإسلام التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بها في فجر الدعوة وفي مكة وهي لا زالت بعد دار كفر، وهو من المحاسن التي حببت كثير من العقلاء بهذا الدين وجذبتهم إليه فأسلموا لأنها لامست فطرتهم، فكما كان أعداؤه يفهمون كلمة التوحيد ويفسرونها بأنه سفه آباءهم (يضللهم) وأنه قد صبأ عن دينهم ( تبرأ منهم ) وعاب آلهتهم ( كفربها ) فكذلك كان عقلاؤهم يعرفونه ويذكرونه ؛ بأنه يأمر بصلة الارحام وإقراء الضيف وإطعام الطعام وإحياء الموؤودة ونحوها من مكارم الاعمال ومحاسن الاخلاق، وليتذكروا أن هذا كما انه من رصيد أعمالهم الصالحة في الاخرة، فكذلك فإن الناس في الدنيا لن ينسوهم به، وسيبقى رصيد لهم في قلوب الناس يهيئ لهم ولدعوتهم وجهادهم الحاضنة المناسبة والسند القوي ويحشد لهم التأييد والأنصار خصوصا حين يقارنون بين معاملة المجاهدين الشرعية الاخلاقية الأمينة على الأنفس والأعراض والأموال وبين معاملة غيرهم من الطغاة وجندهم الفاسدين والخونة واللصوص .

وليتذكروا وصية نبينا محمد صلى الله عليه وسلم  لمعاذ وأبي موسى لما أرسلهم إلى اليمن فقال: " يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا وتطاوعا ولا تختلفا " متفق عليه .

وليتذكروا تأكيده مرارا وتكرارا على الرفق في التعامل مع الناس، وقوله: " ان الرفق لم يكن في شيء قط إلا زانه ولا نزع من شيء قط إلا شانه " رواه الامام أحمد وغير من حديث عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها .

وفي رواية البخاري " مهلا يا عائشة عليك بالرفق وإياك والعنف والفحش " ومناسبته تسليم يهود عليه بالسام عليك ( أي الموت ) ورد عائشة عليهم باللعنة، وأنبأها أنه لم يكن غافلا عما قالوا، وأنه فهمه ورد عليهم برفق " وعليكم " ولأنه يستجاب لنا ولا يستجاب لهم ... إلى غير ذلك مما نطق به سيد المعلمين وسيد الدعاة وسيد بني آدم .

 وأذكر ها هنا أنه قد أفرحتنا بعض التصاريح لقيادة إخواننا في جبهة النصرة في الشام، والتي وصلتنا في الصحافة، المسموح بها في السجن مجتزءة؛ من وصايا للمقاتلين بالرفق بالشعب السوري وإعانة المحتاجين ومساعدة المنكوبين وتوصيل الغذاء والكساء لمن يحتاجه من المستضعفين وغير ذلك مما يدل على نضوج المجاهين في الشام ووعي قيادتهم، والحمد لله على توفيقه ونسأله تعالى أن يسددهم وينصرهم. وهكذا ينبغي أن يراهم الناس كلهم ويستقر في قلوبهم أنهم المنقذون لهذا الشعب الذي رسف في قيود الطغاة عقودا؛ جاءوا لينقذوه ويحرروه، وما جاء بهم المغنم ولا الدنيا بل جاءوا نصرة للحرائر والمستضعفين وجاءوا نصرة للشريعة والدين ...

وإن كان المجاهدون يفعلونه لوجه الله تعالى ولكنه ان شاء الله سيوجد لهم القاعدة الشعبية والحاضنة الجماهيرية التي لن تخذلهم ولن تقبل بنهجهم بديلا ... إن سددوا وقاربوا .. واتقوا وصبروا (( إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ )) خصوصا أن المؤامرة عليهم وعلى رايتهم وغايتهم كبيرة، وليعلموا أن معركتهم الحقيقية مع العالم ومع أحذية أمريكا وأوروبا ومن دول الجوار ستبدأ بعد سقوط نظام بشار وأن المخططات تعد للتخلص منهم بعد سقوط النظام منذ الان، فحذار من خسارة الحاضنة الشعبية فضلا عن فتح الصراع معها ..

- إن مراعاة سنة التدرج مع الناس وعدم استعجال الصدام مع المخالفين منهم والصبر عليهم ومراعاة مخاطبتهم على قدر عقولهم ... والانتباه لقاعدة سد الذرائع، والنظر في مآلات الأمور من قواعد الفقه المهمة التي يحتاجها المجاهدون للتعامل مع الناس، فسياسة الناس والتطلع لحكمهم يجب ان تستوعب كافة شرائحهم وتنوع عقولهم ومستوياتهم، وليتذكر المجاهدون يأنهم إن لم يستوعبوا فساق المسلمين وعصاتهم فكيف سيستوعبون النصارى ونحوهم حين تكون لهم الدولة والحكم والسلطان ...

فالدولة المسلمة لم ولن تخلوا من تنوع في أصناف الناس وطبقاتهم .. فليتدرب إخواننا على استيعاب الناس والتعامل معهم منذ الان وليراعوا حداثة عهدهم بحكومات الكفر وجور الطواغيت ...

وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يراعي ذلك ويحسب له حساب؛ ففي الحديث المتفق عليه " ياعائشه لولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية لأمرت بالبيت فهدم، فأدخلت فيه ما اخرج منه وألزقته بالأرض وجعلت له بابين بابا شرقا وبابا غربا فبلغت به أساس إبراهيم )

 فتأمل ترك النبي صلى الله عليه وسلم لهذا المصلحة الواضحة وهي بناء البيت على قواعد إبراهيم مراعاة للناس وحداثة عهدهم بالجاهلية !!

إن المؤامرة على إخواننا وعلى رايتهم وعلى جهادهم من كل الدول المحيطة بهم ومن العالم أجمع كبيرة، ولذلك فيجب على إخواننا أن يكونوا على مستوى التحديات بأن يصبروا على رايتهم ويستقيموا عليها ويتقوا الله برعايتها وبمراعاة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم في دعوته وجهاده  وقد وعد الله ووعده حق (( وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ )) فلتستوعبوا أهل الاسلام ولتتألفوهم بكافة طبقاتهم ليذوبوا فيكم ولا تذوبوا فيهم ...

 وكلما حققتم من انتصارات فلتزدادوا تواضعا للمسلمين ورحمة بهم وشفقة على ضعفائهم فإنما بعثتم لتنقذوهم وتستخلصوهم من ظلم الطواغيت ولم تبعثوا جبارين ولا جباة، جئتم لتظهروا للعالم كله صور الجهاد المشرقة .. جئتم لتعينوا الملهوف وتحفظوا أعراض المسلمات وتحفظوا حقوق الناس وأموالهم وتوفوا بالعهود وتؤمنوا من يستحق الأمان، ولا تتعرضوا لغير المحاربين غير المقاتلين فضلا عن المسالمين الذين يعملون في اغاثة المسلمين فلا ينبغي التعرض لهم حتى وإن كانوا من غير أهل ديننا وكذلك الصحافيين المحايدين وأمثالهم من غير المحاربين .

لقد دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة فاتحا منتصرا واضعا رأسه تواضعا حتى إن ذقنه ليكاد يمس واسطة الرحل من شدة تواضعه ...

فحذار من نشوة الانتصارات التي تخرج المرء عن الضوابط فربما تعدى بالأفعال والأقوال ...

وفي فتح مكة عندما كان العباس يعرض جند المسلمين في القبائل على أبي سفيان بأمر النبي صلى الله عليه وسلم يمرون قبيلة تلو الأخرى ومع مرور كتيبة الأنصار بقيادة سعد ابن عبادة لم ير أبو سفيان كتيبة مثلها فسأل عنهم ؛ قال له العباس: هؤلاء الأنصار عليهم سعد بن عبادة معه الراية، فقال سعد: يا أبا سفيان اليوم يوم الملحمة اليوم تستحل فيه الكعبة. فلما رأى أبو سفيان النبي صلى الله عليه وسلم  أخبره بقول سعد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم دون أدنى حرج رادا الحق إلى نصابه: " كذب سعد، ولكن هذا اليوم يعظم الله فيه  الكعبة، ويوم تكسى فيه الكعبة " رواه البخاري .

- وحذار من الغلظة والشدة والفظاظة في غير موضعها ... فقد قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: (( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ..))

فإذا كان الله قد حذر نبيه صلى الله عليه وسلم من الفظاظة وغلظة القلب كونها سببا لإنفضاض الناس ... فأن نتنبه نحن لها ونحذر منها من باب أولى ...

- وحذار من إهانة وجهاء الناس ورؤوسهم ففي ذلك خطر وبلاء، كانت إثارة خطيرة في بعض الساحات تسببت بإنفضاض عشائر وقبائل عن المجاهدين في بعض البلدان وإلتحاقها بالصحوات وأعداء المجاهدين ... والنبي صلى الله عليه وسلم  كان يتألف أمثال هاؤلاء ويعطيهم من الغنائم والأموال ما يسترضيهم به، لانه يعلم أنهم مطاعون في أقوامهم ... فكم من أحمق مطاع تحيد قبيلة أو عشيرة كاملة باسترضائه بلعاعة من الدنيا ...

وفي الاحاديث: " أن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر وبأقوام لا خلاق لهم " البخاري ومسلم ... وحديث " بئس أخو العشيرة " وكان قد هش له قبل ذلك ..ونحو ذلك من الأحاديث، ما يؤكد هذه المعاني ويبينها .

* سابعا: ( الفقه تحري خير الخيرين ودفع شر الشرين )

إننا نعيش اليوم في ظلال ما سمونه بالربيع العربي وقد أسقط طواغيت وجرت عمليات تجميل لبعض الأنظمة لا تحمل الجمال الحقيقي الذي ننشده، وإن كنا لم نر بعد ما نطمع به ونطمح اليه ولكننا فرحنا بسقوط الطواغيت وتجرؤ الشعوب على الأنظمة وفزع الأنظمة من جرأة الشعوب وخوف الطواغيت في البلاد المتبقية من هذه الثورات ومبادرتهم الى المشاريع الإصلاحية المزعومة والأعمال الإستراضائية السخيفة للشعوب لتأخير الربيع عن بلادهم أو تجنيبها آثاره...

وفرحنا بهذا الربيع غير مستنكر بحال .. فإذا جاز للمسلمين أن يفرحوا بانتصار الروم النصارى على المجوس عباد النار لأن النصارى أقرب إليهم من أولئك فمن باب أولى أن نفرح بانتصار من يحمل يافطات إسلامية ومشاريع بعناوين إسلامية حتى ولو كانت مشوهة؛ على من يصرح بالحرب على الدين ليل نهار، فإذا كان الله قد يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر فمن باب أولى من كان منتسبا لجماعات إسلامية عاملة للإسلام بغض النظر عن آرائنا في هذه الجماعات، فإنه من السياسة الشرعية التي قررها علماؤنا المحققون ( دفع شر الشرين وقالوا: ليس العاقل الذي يعلم الخير من الشر وإنما العاقل الذي يعلم خير الخيرين وشر الشرين ...

إن اللبيب إذا بدى من جسمه       مرضان مختلفان داوى الاخطر ا ) أهـ فتاوى شيخ الاسلام ( 20/33).

فلذلك فإن من الغباء السياسي أن نفتح المعارك في هذه المرحلة مع ما أثمره هذا الربيع من حكومات وأنظمة تحاول السيطرة عليها الجماعات الإسلامية حتى وإن كنا نختلف مع هذه الجماعات في كثير من الأصول والفروع .. لأن معاركنا في هذه المرحلة ستصب ولا بد في رصيد أعداء الإسلام، ولا أقول أعداء هذه الحكومات التي تحمل يافطات إسلامية، لأن العلمانيين والملاحدة والمرتدين والزنادقة ومن يدعمهم من اليهود والنصارى علانية أو بالخفاء ( والذين هم شر الشرين ) في هذه المعركة، لا يعادون هذه الحكومات ويكيدون لها للأسباب الدينية والشرعية التي تنتسب اليها هذه الجماعات.

وإذا كانت هذه طبيعة المعركة؛ فليس من السياسة الشرعية ولا من الكياسة أن توهن هذه الحكومات ليعود ويجثم على صدور الأمة فلول الأنظمة السابقة أو من هم أشر منهم من العلمانيين والمرتدين، فما دام أنصار التوحيد لا زالوا أضعف من أن يسقطوا هذه الانظمة ويمسكوا بزمام الامور، فليس من الحكمة أن يتورط إخواننا في تونس أو مصر وأمثالها بإفتعال القتال والصدام مع هذه الحكومات، بل إن السياسة الشرعية تقتضي الاستفادة من الأجواء التي يعيشها المسلمون اليوم في ظل هذه الحكومات من توسعة على الدعوة للإسلام والعمل للشريعة ... فينبغي على إخواننا من أنصار التوحيد والجهاد في تلك البلاد تجنب الصدام الذي سيستثمره الأشد عداوة للإسلام وسيصب برصيد شر الشرين ... وليستغلوا هذه الأجواء لإعادة تنظيم وترتيب صفوفهم وتربية إخوانهم وتصحيح مسيرتهم والإعداد والارصاد مع الإنغماس في الناس لدعوتهم ونشر التوحيد فيهم وتعليمهم دينهم إضافة لكسبهم بمساعدة المحتاج وإغاثة الملهوف وكفالة اليتيم وغير ذلك من أعمال البر والخير التي ستغرز رصيدهم ومكانتهم بين الناس وتنشر دعوتهم وتهيئ الامة لربيع إسلامي نقي قريب بإذن الله ((وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ )) ..

وهذا لا يعني تغيير المنهج أو التخلي عنه وأن تنقلب جماعات التوحيد والجهاد الى جماعة تبليغ أو جمعيات خيرية ... كلا ؛ بل المنهج هو المنهج والتوحيد هو أصل الاصول والجهاد هو ذروة سنامه الذي يقوم به .. ولكن من يسعى إلى إقامة دولة الإسلام  والتمكين لأهله وتحكيم شريعته .. يكون عنده من العلم والفقه والفهم ما يعرفه بما تحتاجه مثل هذه المهمة العظيمة من تظافر جهود المخلصين والعاملين في كافة الأصعدة ويكون متبصرا بالمؤامرات التي تحاك للإسلام وأهله والكيد الذي يرصد لصد المشروع الإسلامي الأصيل ووأرده في مهده ... من يستوعب ذلك كله لا يحجر الجهاد على مقاس (7.62) .

وقد تقدم قول النبي صلى الله عليه وسلم: " ان المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه " وفي مسند أحمد وعند أبي داود وغيرهما عن أنس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "جاهدوا المشركين بأموالكم وانفسكم وألسنتكم " .

وروى الحاكم وغيره عن جابر مرفوعا: " سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب ورجل قام الى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله " وروى الإمام أحمد وغيره عن أبي أمامة قول النبي صلى الله عليه وسلم : " أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر " وفي رواية الترمذي عن أبي سعيد مرفوعا " إن أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر " وفي الحديث المتفق عليه عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لحسان: " أهج قريشا فإنه أشد عليها من رشق النبل " وهذا لا يقلل من شأن القتال بل يعززه فيكفي بالمقاتل فضيلة حديث ابن حبان وغيره عن أبي هريرة مرفوعا: " موقف ساعة في سبيل الله خير من قيام ليلة القدر عند الحجر الاسود " وغير ذلك من فضائله المشهورة ... وإنما أردنا التذكير بسعة الجهاد وشموليته خصوصا عند من يسعى لجهاد التمكين لا مجرد النكاية .

* أخيرا: ( لن نقيل ولن نستقيل )

قال تعالى: (( إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ )) (111)التوبة       

وما دمتم أيها المجاهدون قد بعتم هذه النفوس لله فلا خيار لكم إلا الوفاء بالبيع والثبات عليه فالراية التي تقاتلون عليها ليست كأية راية أخرى يمكن لأهلها أن يفرطوا بها أو يتنازلوا أو يبدلوا او يغيروا ...

فلا خيار لنا إلا المضي في السبيل الذي أختاره الله لنا، وخطه لنا رسول الله عليه الصلاة والسلام وسارت عليه من قبلنا قوافل الصادقين والشهداء ...

ولذلك فنحن وإن جاز لنا التكتيك فيما ليس من الثوابت وجاز لنا النظر والترجيح فيه بحسب مصلحة الجهاد ... فليس لنا بحال التنازل عن غاية الجهاد العظيمة التي قتل من أجلها إخواننا وفدوها بدمائهم وأشلائهم وجماجمهم ... أو الاقتراع عليها والمساومة والرضى بالاحتكام إلى صناديق الاقتراع، فليس لهذا جاهدتم ولا له قتل إخوانكم وسفكت دماؤهم ...

بل إن ذلك خيانة للجهاد والمجاهدين وخيانة لدماء وتضحيات الأبطال والشهداء نعيذكم منها ..

لقد  قدم المجاهدون في مشارق الارض ومغاربها آلاف التضحيات ليصلوا إلى رضوان الله والتمكين لتحكيم الشريعة ورفع راية التوحيد ... وقاتلوا روسيا وأمريكا وغيرها لأجل هذه الغاية ولا مانع أن يقاتلوا قومهم وأقرب الناس إليهم إذا رأوا أن تضحياتهم ستباع وستشترى وسيتاجر بها ...

إن الطواغيت من عبيد الدنيا والدولار يبيعون آباءهم وأقرب الناس اليهم لأجل كراسي الحكم، فكم منهم من انقلب على أبيه وكم منهم قد قتل الألوف ليبقى مستقرا على كرسي الحكم ليحكم بعد ذلك بما يشتهي دون أن يأبه لآلام الأمة وسخطها كلها عليه أو يلتفت لغضب العالم كله ووصفه له بالدكتاتور، فطلاب الحق وأنصار التوحيد والشريعة والعدل أولى بأن يضحوا بالغالي والنفيس والقريب والبعيد لنصرة التوحيد وتحكيم الشريعة، وأولى بألا يعبأوا بسخط الدنيا كلها عليهم ولا يضرهم أن يفارقهم ويخذلهم طوائف من المنتسبين للعلم، وأن تضعهم أمريكا وأذنابها على قوائم الإرهاب، فقد وطنوا أنفسهم على ذلك وهيؤوها لأعظم منه..

لقد باعوا النفوس في أعظم صفقة لبارئهم فلا يبالي أحدهم كيف وأين يقضي نحبه ما دام ذلك في سبيل كلمة الله وتحت ظلال راية التوحيد ... ومن ثم فأي شيء يضيره بعد ذلك ؟؟!  وأي رضى يهمه سوى رضى الله وأي سخط يحاذره غير سخط الله ...

يا إخواننا إن وعد الله حق وإن تحقيق غايتنا قادم لا محال وان اجتمع علينا من بأقطارها كما هو حال اليوم ... قال تعالى: (( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ )) ورروى الامام احمد عن تميم الداري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله هذا الدين بعز عزيز وذل ذليل عزا يعز الله به الإسلام وذلا يذل الله به الكفر "

هذا وعد صادق لا نشك فيه طرفة عين ... ستذل أمريكا وستذل روسيا وستذل اسرائيل وسيذل أذنابهم وسيُعز الله الإسلام واهله ... فبحسب الواحد منا أن يكون سهما لهذا الديدن يضعه الله حيث يشاء، وحسبه فوزا وعزة أن يستعمله الله في ذلك فيلقى الله تعالى ثابتا على العهد صادقا بالبيع لم يغير ولم يبدل تبديلا .. ((كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ )) .