JustPaste.it

طريق الحب، نظرة إلى الجنس بعيون صينية

رسلان عامر

 

file1.jpeg

 

مقدمة:

الحب والجنس هما أمران محوريان في حياة كل فرد، وأساسيان في ثقافة وتقاليد وفكر كل الشعوب، وعلى مدى تاريخ التحضر البشري ارتبط بهما كم هائل من النتاج الفكري و الأدبي والعلمي للناس، بدءا من التقاليد الشعبية و الأساطير، وصولا إلى الفلسفات الراقية والعلوم الحديثة، والصين هي واحدة من أعرق وأغنى الحضارات الإنسانية، ومن بين إنجازاتها الكثيرة قديما وحديثا في مختلف الميادين الحضارية، كان لها إنجازها المتميز في مجال الجنس ممثلا بـ "فن الحب الطاوي"، الذي ما يزال له حضوره وقيمته المتنامية حتى يومنا الراهن، وهو يشكل مدرسة في الجنس تلتقي فيها فلسفة الطاوية (Taoism) مع علم الجنس الصيني.

 الطاوية، كما تعرّفها الموسوعة البريطانية، هي إحدى العقائد الأساسية في الصين، وبالرغم من أن مفهوم التاو (Tao) أو (Dao) تستخدمه كل المدارس الفكرية في الصين، فهو مثلا يدل على طريق السلوك الصحيح في الكونفوشيوسية، التي ترمز بالتاو إلى المثل الاجتماعي الأعلى، فهو في الطاوية أكثر اتساعا، ويتضمن العملية الطبيعية المرئية التي بموجبها تتغير الأشياء، حيث أنه المبدأ الكامن وراء هذه العملية؛ وأقرب ترجمة إلى العربية لمصطلح التاو هي "الطريق الصحيح".  

تقليديا يعتبر الحكيم لاوتزي (Laozi)، الذي برز في القرن السادس قبل الميلاد، هو مؤسس الطاوية ومؤلف نصها الأساسي (the Daodejing)، كما يعتبر الحكيمان (Zhuangzi)، الذي عاش بين عامي369-286ق.م، و(Liezi)، وقد برز في القرن 4 ق.م، من أساتذة الطاوية الكلاسيكيين.

 في الطاوية، يعتبر التاو هو المبدأ أو القوة، الذي لا يمكن التعبير عنه، ولكنه يضم بشكل كموني كل صيغ وجواهر وقوى كل ظواهر ومظاهر الوجود، وهو يدل على الحكمة الطبيعية التي لا يجب عرقلتها، فالفضيلة العليا (De) تتشكل في الفعل المتوافق تماما مع النظام الطبيعي، الذي لا يترك فيه فاعله أية آثار شخصية خاصة، و ترى التقاليد الطاوية أن كل مبادئ و عناصر الوجود تعود إلى أساس واحد، و هكذا يكمـّل تركيز الطاوية على الطبيعة والنظام الطبيعي تركيز الكونفوشيوسية على النظام المجتمعي، وقد أدى تفاعل الطاوية مع البوذية إلى نشأة و تطور مدرسة "الزن"(Zen)، ذات الانتشار الواسع في اليابان، التي أخذت عن طريقها الطريق إلى أوروبا وأمريكا المعاصرتين.

ترى الطاوية أن الوجود كله يقوم على عنصرين أساسيين متكاملين هما "اليين" (yin) الأنثوي، السلبي، المنفعل، و"اليانغ"(yang) الذكري، الإيجابي، الفعال، اللذين يشكلا قطبي الوجود كالسالب و الموجب في الكهرباء، و من تفاعلهما تنشأ كل الموجودات، وفي توازنهما وهرمونيتهما يتحقق الخير، والعكس بالعكس.

وإنسانيا تمثل المرأة قطب اليين والرجل قطب اليانغ، وعندما تتم العلاقة الجنسية بينهما بالتوافق مع الطاو، الذي يمثل النظام الطبيعي، يتحقق فيها الانسجام و التكامل بين الرجل والمرأة، ويصلان إلى السعادة القصوى، وتكون ممارستهما للجنس منبع الغبطة و الفائدة الأكبر الذي يحصلان عليه، لكن ممارسة الجنس بدون هرمونيا و انسجام، لا تحرمهما فقط من السعادة و الغبطة و الفائدة، بل تتحول أيضا إلى فعل شرير يلحق بهما أكير الضرر و الأذى.

ومن الظريف الذي يجدر ذكره هنا فن ممارسة الجنس في الصين القديمة كان يسمى بـ الكونغفو الجنسي (Sexual Kung Fu)، وهذه اليوم قد تبدو لنا تسمية عجائبية لارتباط مصطلح "كونغ فو" المعاصر بفن القتال الصيني المشهور، لكن دهشتنا تزول عندما نعلم أن كلمة (Kung Fu) كانت في الصين القديمة تعني ما تعنيه كلمة (art) في الإنكليزية المعاصرة، و تقابل عربيا بالفصحى "مهارة" أو بالعامية "معلمية"

والآن بعد هذه المقدمة، فلننطلق لنعرف ونستفيد ونستمتع بما تقدمه لنا حكمة الصين الجنسية من مدرسة الحب الطاوية.

 

تعلّم الجنس ولو في التاوية الصينية ([1]):

كيف يستطيع المرء أن يتكيف مع التاو الجنسي الذي يمثل مفتاح السر في طريقة الحب الصينية؟ هل يتحمل الشاب هذه التقنية التي يشكل الصبر أساس نجاحها؟ لا ندري! لكن الذي يتأمل في حيثيات التاو يلاحظ أنها وعد بالجنة. التاوية ( أو الطاوية) هي فلسفة تكاملت على يد الحكيم الصيني لاو تزو، الذي عاش في أواسط القرنين السادس والخامس قبل الميلاد. ترتأي هذه الفلسفة أنه لا يمكن حل مشكلات العالم من دون التعامل المناسب مع الحب والجنس، وفق طرائق وأساليب بالغة اللذة والحنكة والبساطة، من شأنها إطالة الحياة. لذة الحياة تحديداً. والتاوية أيضا هي دين صيني شعبي من مبادئه أن يتعلم "المبتدئ" أن يتوحد بالتاو، أي الطريق الذي هو مبدأ الكون الأساسي. وتتعمق هذه الفلسفة الدينية خصوصاً في موضوع الطاقات والتأمل و"الحياة الطويلة"، والصحة الجنسية الدائمة.

كانت التاوية الشائعة ديناً لسواد الشعب في الصين، وانعكست رمزيتها في الأسطورة والفن والسحر والجنس. تقول هذه الفلسفة أنه "من بين أنواع الخلائق التي فطرتها السماء، الإنسان أغلاها على الإطلاق. ومن بين كل الأشياء التي حققت ازدهارا للإنسان، لا شيء يضاهي الممارسة الجنسية".


 

الجماع المحترس:

أو الجماع بلا قذف([2])، وقد كانت هذه الممارسة تبتغي هدفين أساسيين، أولهما التحكم  بإنجاب الأطفال، والثاني تعزيز طاقة الذكر الحيوية عبر امتصاص نسغ "الين" الأنثوي جسديا، بسبب الافتراض أن هذا النسغ متوافر في الإفرازات المهبلية التي يمتصها جسد الذكر. وهكذا يكون "الين" الأنثوي عنصرا متمما لـ"اليانغ" الذكري. وبحسب كتاب "الجنس في أديان العالم" لجيفري باندر فان الاتصال الجنسي إذا مورس مع شريكات عدة و إذا أطيل زمن الجماع إلى أقصى حد ممكن ومن دون بلوغ الرعشة، تزداد طاقة اليانغ.

 واجهت بعض طرائق الممارسة الجنسية لدى التاوية معارضة شديدة بين الكونفوشيوسيين والبوذيين. وقد اعتبرت التاوية أن كبح الشهوات الجنسية مناقض لمشاعر الطبيعة، وأن التبتل يؤدي إلى الإصابة بالعصاب، في حين كان البوذيون يدافعون عن التبتل الرهباني. فضلا عن ذلك، لم تكتف التاوية بتعليم الجماع المحترس عبر الانضباط الذهني الصارم وحسب، بل اعتمدت طرائق بدنية. وأكدت الأعمال الأدبية الصينية التي تناولت الجنس، أن المني هو أغلى ما يملكه الرجل، وينبغي أن تعوّض كل عملية قذف من خلال اكتساب كمية متكافئة من نسغ "اليين" الأنثوي. وفي حين ينبغي للرجل أن يوصل المرأة إلى حالة إشباع كاملة في كل ممارسة، فإنه ملزم تقييد فرص القذف.

 كتاب "طريق الحب" يلقي الضوء على مساهمة الحضارة الصينية في هذا المضمار، بأسلوب أدبي وعلمي. ما نستنبطه من "طريق الحب" وغيره من الكتب عن الجنس الصيني أنها ترشدنا إلى تفاصيل نعانيها يوميا، وربما تنطلق من السؤال الذي طرحته الباحثة النسائية إريكا يونغ: "ماذا يمكن أن يكون أشد إيلاما من امرأة عارية بجانب عضو ذكري خامل؟! إن مقارنة هذين الشيئين الجوهريين -المرأة الدائمة الأنوثة والعضو الذكري الدائم الذبول - تلقي بظلمتها على الأحداث التاريخية العظمى".

اعتبر الأطباء التاويون ممارسة الحب جزءا من النظام الطبيعي، ثم برزت بعد ظهور التاوية تيارات فكرية أكثر اتساعا، إذ بات مفهوم التاو أساسا لمعظم قضايا الفكر والأدب والجنس في الصين، وورد عن الرؤية الفلسفية للتاوية أنها تعتبر التاو أشبه بـ"إناء فارغ"، بأنثى غامضة، بجدار مصمت، بماء خفيض المجرى، إلا أنه مفيد لكل المخلوقات".

لم يتمتع الصينيون بالجنس ويتلذذوا به فحسب، بل اعتبروه نافعا ومطيلا للحياة. ومن أجل الحفاظ على فن ممارسة الجنس، تأسست مجموعة من الطرائق، واستعملت اللوحات الإغرائية للدراسة والإثارة، للرجال والنساء. وها هما فيليس وإرهارد كرونهاوزن يوردان في كتابهما "فن الحب" قصيدة لتشان جين، مكتوبة في نهاية القرن الأول، وفيها يصف الشاعر كيف تستعمل العروس كتابا إغرائيا لكي تجعل ليلة العرس لا تنسى.

 

التاوية هي الفلسفة التي خدمت الصينيين بأمانة، وقوّت كمونهم الجنسي الداخلي بفضل وصفات التعقل واختيار اللحظة المناسبة للمجامعة والقذف. يقال في الصين: "إذا كانت الكونفوشيوسية هي اللباس الخارجي للصيني، فالتاوية هي روحه"، والحضارة الصينية مدينة بشكل واضح للتعاليم التي تعلّم التوازن في صيغ شعرية.

 منذ البداية لعبت المرأة دورا مهما في فلسفة الحب الطاوية، وكانت النساء معلمات معروفات لتاو الحب ومستشارات للإمبراطور. وحتى وقت قريب لم يحدث في فلسفة الحب الصينية أن تدنى دور المرأة إلى المستوى الثانوي، فأهمية المرأة توضحت في نصوص تاو الحب. ومن المثير أن الصينيين القدماء لم يستخدموا المصطلحات الجنسية في تعابير بذيئة، كما يفعل أبناء الشوارع اليوم، لكن النساء والرجال كانوا يعشقون الكلام الجنسي في غرف النوم، وكان لديهم عبارات قد نصفها اليوم بأنها غير مؤدبة، وكان يتبادلها الزوجان أثناء الجماع لكنها تنطلق من المتعة. وتقول المؤلفة الأميركية سوزان باكوس أن في إمكان المرأة استخدام صوتها لإثارة الرجل مثلما تستخدم شفتيها ولسانها ويديها وأصابعها وجسمها في السرير.

 

 

القبلات الأيروتيكية:

هناك خرافة عن التقبيل لدى الصينيين. فكثير من الغربيين مقتنعون بأن الصينيين لا يتبادلون القبل. لكن هذا بعيد عن الحقيقة، فالصينيون لا يعبّرون عن الحب بلثم الثغر أو الخد كما يفعل الفرنسيون والأميركيون. هناك فرق كبير بين التقبيل الأخوي على الخد والدعوة الشهوانية العميقة للحب باستعمال الفم، شفتين ولسانا، بدون كلمات. الصينيون يعدّون القبلة شأنا خاصا ومن النادر جدا أن يتبادلوها في أماكن عامة. وهكذا سيظهر الصيني متحفظا جدا في الغرب، حيث يتم تبادل القبلات حتى الشهوانية جدا منها بحرية.

 تشير كتب التاو القديمة إلى أهمية القبل الأيروتيكية العميقة، وتضعها في المرتبة الثانية بعد الفعل الجنسي نفسه. في التقبيل الأيروتيكي كما في الجماع الجنسي نفسه، يحصل الرجل والمرأة على الغبطة. وبينما يستمتعان بالعملية الجنسية عليهما أن يتبادلا القبلات أكثر ما يمكن، وعليهما أن يرتشفا من سوائل الشفاه. وهذا يذكّرنا بالثقافة الجنسية الفرنسية وبخاصة القبلة التي تعتبر أسرع الطرق إلى النشوة الجنسية، مع فرق أن الفرنسيين يحبون اللذة السريعة، في حين أن الصينيين من أنصار التاو يميلون إلى الصبر.

 تقول هيللين رولاند أن القبلة بالنسبة إلى المرأة هي نهاية البداية، وبالنسبة إلى الرجل هي بداية النهاية. وفي نظري أن المرأة تهوى القبلات أكثر من الجنس والجماع لأنها دليل حب صادق. وتقول الأمثال الفرنسية أن القبلة هي الطريقة الوحيدة لتمنع فم المرأة من الثرثرة والكلام، وهي تقنع أكثر من الجدل، وقديما احتار الطاغية نيرون، فتمنى لو أن لجميع نساء العالم ثغرا واحدا لقبّله واستراح.

 

 

 أهمية إشباع المرأة:

إن تاو الحب مدين في بقائه لحاجة الصينيين القدماء إلى أن يشبعوا المرأة جيدا كما الرجل. وكانت فكرة إشباع المرأة ثورية حتى زمن غير بعيد. ولكي يفهمها، احتاج الغرب ثورة جنسية بالمعنى الحرفي، فقد كان شعار إشباع المرأة حاضرا في ثورة أيار 1968 ورمزا في الأوساط الشبابية والنسائية. ولكن في الأماكن المتخلفة والتقليدية تبدو المرأة كأنها وعاء لإفراغ رغبة الرجل، الذي لا يفكر وهو يمارس الجنس إلا في إفراغ منيه وارتداء ثيابه والرحيل أو النوم أو صفع شريكته. أما في الصين القديمة، ففكرة إشباع المرأة كانت تقع في أساس الفلسفة التاوية عندما صيغ تاو الحب للمرة الأولى. ورغم الانتقال من النظام الأمومي إلى النظام الأبوي منذ قرون خلت، ففي المجتمع الصيني كان وضع المرأة مساوياً تقريباً لوضع الرجل.

لكن في فترة حكم "سلالة هان"، حيث حدث الإخلال في المساواة بين الرجل والمرأة، وشيئاً فشيئاً غدا الرجل موضع امتياز سياسي واجتماعي وجنسي. وفي تلك الفترة بالذات انحط تاو الحب، وبعدما كان مفهوماً فلسفياً أصيلا صار فقط أسلوبا لممارسة الجنس. وانتشرت الكتب الموجهة إلى الرجال، التي تتحدث عن المرأة وكيفية استخدامها. وقد عاملتها هذه الكتب كمخلوق خانع أو جرى ذكرها كأداة للحصول على المتعة الذكرية. وكغيرها من الأمور، اعتبرت ممارسة الحب موجودة خصيصاً لمنفعة الرجل، ولإرضاء غروره. لكن مع ذلك فالمبادئ العريقة لتاو الحب لم ترضخ للانحراف الاجتماعي، إذ تابع المؤلفون المعلمون الإشارة إلى ضرورة إشباع المرأة، التي بدون مشاركتها لا يمكن الرجل أن يستمتع بممارسة الحب بشكل أصيل.

 

 

شروط الخالدين:

يقول أحد رواد التاو أنه عندما يمارس الرجل الحب بدون إضاعة منيه، يصير أقوى. فإذا مارس الحب مرتين بدون إضاعة المني يصبح بصره وسمعه أكثر حدة، وإذا مارس ثلاث مرات تتلاشى أمراضه، وإذا أربعا يملأ السلام روحه، وإذا خمساً يتجدد قلبه، وإذا ستاً تصبح خاصرتاه أقوى، وإذا سبعاً تغدو أليتاه وفخذاه أقوى، وإذا ثمانٍ يصبح جلده انعم، وإذا تسعاً يحصل على طول العمر، وإذا عشراً يصير كالخالدين. لا شك أن في ذلك مبالغة، لكن هدف التاو هو أن يحفظ الرجل منيه. ولا ندري ما هو شعور الرجل في مثل هذه الممارسة.

 الحالة الوحيدة، بحسب تعاليم التاو، التي تؤدي ممارسة الحب فيها إلى إلحاق الضرر بالمرأة - بغض النظر عن سنها- هي عندما يكون عشيقها غير خبير، فيبقيها دوماً غير مشبعة. ولهذا السبب يركز تاو الحب على إشباع المرأة كواحد من مبادئه الرئيسية. لكنه يحذر دائماً من أن يقع الرجل في حالة مخاطرة عندما تحثه المرأة بشكل مستمر على القذف. إن الجزء الأهم من هذه النظرية تمت صياغته كمحاولة للتوفيق بين إشباع المرأة وسلامة الرجل.

 في التاو ليس هناك مشكلات بدون حل، فلكل داء دواء. وإذا كان الرجل فاقداً الانتصاب، فهو يشعر بالخجل والاضطراب. المعطيات العلمية تقول إن العنة ظاهرة طبيعية واسعة الانتشار. وهناك فكرة أخرى تقول أن العنة سببها الخوف والإحباط، إذ يفكر الرجل انه لا يستطيع فعل أي شيء حيال ذلك.

لقد تسبب هذا الأمر بالألم للشاعر الألماني غوته، الذي وصف معاناته أثناء لقائه فتاة جذابة في فندق ريفي. فهو تعلق بها، وهي على ما يبدو بادلته الشعور نفسه، مما شجعها للاضطجاع على الفراش معاً بدون أي مصاعب. لكن في اللحظة الحاسمة امتنع ذكره عن الانتصاب، مما ولّد لديه اضطراباً كبيراً دفعه إلى وصف مشاعره في قصيدة، يقول في مطلعها: الشفاه على الشفاه، والأصابع تلامست والتقت، لكن الأمور ليست على ما يرام في كل الجهات. إن من كان عادة يلعب دور البطل العظيم المنتصر، قد انكمش الآن مثل غر حتى الصفر. ولاحقاً نجده يكتب انه لم يستطع التحكم بالوضع ولم يستطع فعل أي شيء. إنه لم يقدر على تحريك إصبعه لمساعدة نفسه، وقد كان شعوره بالمهانة قوياً إلى درجة انه تابع القصيدة بالكلمات الآتية:

كنت أفضل طعنة شيش في مبارزة،

على أن أكون في مثل هذا الوضع الشقي.

 

في الثقافة الصينية ثمة حل لهذا المأزق، وقد كتب تزو: "يقدر الرجل أن يعيش طويلاً إذا حافظ على منيه، ورقّى روحه واستعمل غذاء وشراباً صحيين". الحياة المديدة هي فكرة ملحة عند الصينيين، فإذا بلغ الرجل والمرأة الشيخوخة في الصين القديمة، كان الناس يتعاملون معهما بتفهم. وفي الصين القديمة ارتبطت الطريقة الصحيحة لممارسة الحب بالصحة الجيدة، والنصوص القديمة كلها بلا استثناء تؤكد أن تطبيق تاو الحب هو العامل الأكثر فاعلية لإطالة الحياة.

 

 

ميتافيزيقيا السكينة:

إن الحياة الجنسية المديدة فكرة ملحاح ليس فقط عند الصينيين وحدهم. ففي أيامنا لا يستخدم غالباً مصطلح "الحياة المديدة"، لكن هذا بالضبط هو القصد.  والحكم الصينية القديمة في الحب تقول أن أعضاءنا تحتاج للاستخدام المنتظم والتمرين لكي تبقى سليمة وقوية. وتحوي مخطوطات تاو الحب الكثير من الأحاديث عن الحياة المديدة. ولم يكن العمر ينطوي على المعنى نفسه الذي يعنيه في هذه الأيام. ولم يكن مستغرباً أن يخرج الرجل الكبير في السن مع فتاة صغيرة، لكن هذه الصورة قد تبدو في الزمن الراهن مستهجنة. ويعد شارلي شابلين وأونا أونيل من هذه الثنائيات المعروفة التي بعقدها القران أثارت موجة من الاستنكار والسخرية، فقد كان عمرها سبع عشرة سنة وعمره أربعا وخمسين. لكن الذين يعرفون تاو الحب لا يندهشون من وجود قصة سعيدة من هذا النوع، فهم لديهم طريقتهم في التعامل مع هذه العلاقة.

 كان بلزاك يقول "أن العشيق الغر يشبه القرد الذي يحاول اللعب على الكمان". لقد كان على حق. فالعشيق غير الماهر يمكن أن يجعل المرأة تشعر كما لو أنه يستمني في مهبلها.

 يؤكد الصينيون أهمية التعامل الحنون والمفعم بالمشاعر مع مسألة الباه والجنس، وفي الوقت نفسه كانوا كذلك يشيرون إلى أهمية التقنية. يفترض التاو أن الرجل سيقوم بتطوير خبراته الفنية في الحب إلى درجة يستطيع فها إشباع شريكته واحترامها. و الإشباع بالمعنى التاوي لا يعني فقط بلوغ المتعة، بل ينطوي على معنى ميتافيزيقي أعمق، هو تحقيق السكينة المشتركة. فعندما يتكلم التاو عن التقنية، لا يقصد فقط المهارة في دفع الذكر في المهبل وفي التحكم بالقذف كما ينبغي، بل في تطوير الأحاسيس للتمكن من تحقيق الهارمونيا الأصيلة، فعازف البيانو يستطيع أن ينمّي مهارة عالية في تقنية الأصابع، لكنه سيبقى مجرد إنسان يمتلك هذه التقنية، وفقط عندما تتدخل أحاسيسه وخياله، يصبح في مقدوره أن يكون فنانا حقيقياً.

 التاو هو طريق الحب. لكن إلى أين يصل؟ هل نجرّبه أم نقرأ عنه؟ أحسب أن الشاب حين يمارس الجنس، لا يفكر في شيء، ولا يحتمل التعاليم بقدر ما يمارس الغزو والفتوحات. يقول الطبيب غالين: "بعد المجامعة، كل الكيانات تحزن، ما عدا النساء والديوك". من وجهة نظر الطبيب التاوي فإن هذه العبارة أقرب إلى الحقيقة، فإذا استبدلنا كلمة مجامعة بكلمة قذف. فكل رجل تقريباً خبر الأثر التدميري للقذف، وفي الثقافة الشعبية الفتاة تريد إرضاء عشيقها لأجل أن يحتضنها في نهاية الجنس. التاوية في معنى آخر هي… غزو بلا قذف.

 

خاتمة:

 يمكننا القول أن أبسط ما يمكننا أن نعرف به الطاوية هو أنها فلسفة الحكمة الطبيعية، التي تدعو الإنسان لأن يعيش حياته بكافة أبعادها بانسجام و توافق مع ناموس الطبيعة الكوني، الذي تسمى فيها بـ "الطاو"، وهي تعطي للجنس أهمية استثنائية في مسار الحياة الطبيعية، لأنه العلاقة التي تتم بين الإنسان و الإنسان، وعن طريقها يتكون الإنسان، و يفترض فيها أن تكون العلاقة الإنسانية الأرقى.

ورقي هذه العلاقة متوقف على رقي وعي صاحبها، و هي في الطاوية، مقترنة بالوعي العميق لطبيعيتها وأهميتها و إنسانيتها بالمفهوم الطبيعي للإنسان.

وفي الوقت الذي تحقر و تنجس فيه هذه العلاقة في المجتمعات المتخلفة، وتفرغ من مضمونها الإنساني وتتحول إلى فعل استهلاكي في المجتمعات الصناعية، ربما يجدر النظر إلى النموذج الطاوي كأحد البدائل الإنساني الحكيمة في التعامل مع الجنس، ودعوة الأطراف الأخرى للتعلم و الاستفادة منها.

 

***

 

 

[1] - تعلّم الجنس ولو في التاوية الصينية، مقال لـ فرح جبر، منشور في 2009-05-26 في ملحق النهار - 16.0، و يتم فيه إيجاز النظرة الصينية للجنس من منظور طاوي، الذي يتناولها بالتفصيل كتاب "طريق الحب، مدخل إلى فلسفة الحب الطاوية وعلم الجنس الصيني"، و هو ترجمة لكتاب (The Tao of Love and Sex by Jolan Chang) من قبل رسلان عامر، وصادر عن دار الكلمة بدمشق عام 2003. و هذه المقالة تتضمن مقالة فرح جبر مضافا إليها مقدمة وخاتمة وبعض الحواشي والتنقيحات من قبلي.

[2] - عرف العرب هذه الأسلوب قديما، وسموه بـ "الإمساك"، أي عدم القذف (coitus reservatus)، وهو يختلف عن القذف خارج المهبل (coitus interruptus)، والمعرف بـ "العزل"، وفي هذا السياق يقول ابن سينا:

احفظ منيك ما استطعت فإنه      ماء الحياة يراق في الأرحام

لكن في الثقافة العربية الإسلامية لم يكتب أي شيء مفصل عن هذه التقنية

 

الموضوع منشور أيضا على موقع:

"صوت العلمانية"

طريق الحب، نظرة إلى الجنس بعيون صينية

***

و أهلا و سهلا بكم إلى

مدونة رسلان عامر على جست بيست إت